لن أعرض هنا لما قيل إنه شاب الانتخابات من مظاهر عنف وبلطجة من هذا الفريق أو ذاك، رغم ما فاضت به الصحف عن هذه المظاهر وما رددته وكالات الأنباء العالمية، وجرى ذكره فى كل الفضائيات.
لن أعرض لهذه الظواهر، فقد تكون مجرد أقوال لا دليل عليها، ويقصد بها مجرد الشوشرة والتشويه. لا أحد يستطيع أن يقطع بشىء مع تضارب الروايات وتعارضها بين ما تقوله الإدارة وما يقوله الحزب الوطنى، وما تقوله الجرائد الحكومية، وما تقوله الجرائد المستقلة، وعلى ذلك فلن ينصرف مقالى هذا إلى مناقشة هذه الأمور مع خطورتها وسوء دلالتها.
كذلك لن أبكى على اللبن المسكوب، ولن أقول إننى وغيرى دعونا إلى مقاطعة هذه الانتخابات بالذات، من قبل الإخوان المسلمين وحزب الوفد، وكان سندنا فى هذه الدعوة ما جرت عليه الانتخابات السابقة، خاصة انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى، التى جرت منذ أشهر قليلة، والتى كانت مثار سخرية العالم كله.
قلت وقال غيرى ليس هناك دليل على أى رغبة عند الحزب الحاكم وحكومته على العدول عن هذا السلوك، ولا عن رغبة حقيقية فى إظهار إرادة الشعب كما يريدها الشعب.
وقلت وقال غيرى إن الاشتراك فى هذه الانتخابات لن يكون له من أثر إلا إضفاء الشرعية عليها، على حين أن مقاطعة هذين الفريقين - الإخوان والوفد - كان سيعرى هذه الانتخابات من أى غطاء رقيق للشرعية.
ولكن كان ما كان.
وسأحاول هنا محاولة قانونية موضوعية بحتة أن أقترب من هذه الانتخابات من حيث قانونيتها وشرعيتها، ومن حيث صحة تكوين مجلس الشعب الذى أسفرت عنه هذه الانتخابات، أو عدم مشروعيتها وبطلانها، ومن ثم بطلان المجلس الذى جاء نتيجة لها. ولن أعتمد فى ذلك على آراء فقهية، وإنما سأعتمد على أحكام القضاء. وأحكام القضاء، كما نقول، هى عنوان الحقيقة، ويقول الفقهاء الفرنسيون إن أحكام القضاء هى الحقيقة ذاتها وليست مجرد عنوان لها. وقد أخذت المحكمة الإدارية العليا عندنا فى مصر بهذا المعنى - أن الحكم هو الحقيقة ذاتها - فى بعض أحكامها الأخيرة.
وسأحاول أن أعرض القضايا القانونية بأسلوب سهل وواضح يقبله المثقف والقارئ العادى.
الدولة القانونية هى الدولة التى يوجد فيها سيادة للقانون، ودستورنا يقول: «سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة» والحمد لله أن هذا النص بقى على حاله ولم يلحقه تعديل.
وسيادة القانون تعنى أن أحكام القضاء النهائية لها السيادة على كل ما عداها، وأن الدولة لا يكون فيها سيادة للقانون، ولا تكون دولة قانونية إذا لم تحترم فيها أحكام القضاء النهائية، وتأخذ سبيلها إلى التنفيذ.
بل إن السلطة التنفيذية يلزمها المشرع بتنفيذ أحكام القضاء بل وينزل العقاب بمن يمتنع عن تنفيذ أحكام القضاء.
هذا هو ما تقوله النصوص الدستورية والقانونية.
فما حدث فى هذه الانتخابات الأخيرة يجعلنى أذهب إلى أن ما حدث سيؤدى بالضرورة إلى بطلان تكوين مجلس الشعب القادم، وهى نتيجة مؤسفة، وليست فى صالح أحد، كما أنها نتيجة ليس إلى تفاديها من سبيل.
ما دليلنا على ذلك؟
صدر العديد من الأحكام من محاكم القضاء الإدارى، ومن المحكمة الإدارية العليا، بوقف إجراء الانتخابات فى عدد كبير من الدوائر، وأعلنت هذه الأحكام لجهة الإدارة - وزارة الداخلية - لتعمل بمقتضاها. ولكن وزارة الداخلية بدلاً من تنفيذ هذه الأحكام، كما يقضى بذلك القانون، لجأت إلى حيلة سخيفة غير قانونية وعدم قانونيتها معروف للكل ومعروف بالضرورة لوزارة الداخلية، التى لجأت إلى رفع استشكالات فى تلك الأحكام أمام محاكم مدنية غير مختصة.
أما لماذا هذه المحاكم غير مختصة، فقد صدرت أحكام من المحكمة الدستورية العليا ومن محاكم القضاء الإدارى بأن الاستشكال من أحكام هذه المحاكم لا يكون إلا أمام محاكم القضاء الإدارى، وأن الاستشكال أمام القضاء المدنى هو لجوء إلى جهة غير مختصة ولائياً، وهذا الحكم معروف وشائع وذائع ويعرفه كل دارس للقانون.
أحكام المحكمة الدستورية العليا لها حجية على الناس كافة، وعلى سلطات الدولة جميعاً - ووزارة الداخلية من سلطات الدولة - وقد حكمت المحكمة الدستورية العليا بأن الاستشكال فى أحكام القضاء الإدارى لا يكون إلا أمام هذه المحاكم، وأن الاستشكالات التى ترفع أمام القضاء المدنى أو القضاء المستعجل لا شرعية لها، ولا قيمة قانونية، ولا تزيد على كونها عقبة مادية يجب عدم الالتفات إليها.
هكذا حكمت المحكمة الدستورية العليا، وهكذا حكمت المحاكم الأخرى، وكل ذلك لابد أن يكون معلوماً بالضرورة للإدارات القانونية فى الجهات التنفيذية.
ولكن رغم ذلك كله، فإن وزارة الداخلية لجأت إلى رفع استشكالات فى أحكام المحكمة الإدارية العليا أمام القضاء المستعجل العادى، وأمام محكمة عابدين وغيرها من المحاكم المدنية، وهذه الاستشكالات مجردة من كل قيمة قانونية ولا شرعية لها، ولا يجوز أن توقف تنفيذ حكم صادر من جهات القضاء الإدارى.
ولكن المؤسف أن الأحكام التى قضت بوقف الانتخابات فى عدد كبير من الدوائر فى محافظة الإسكندرية وغيرها من المحافظات، هذه الأحكام لم تنفذ، بحجة أن هناك استشكالات فيها، وأجريت الانتخابات.
وتقديرى أن هذه الانتخابات التى أجريت على غير مقتضى أحكام المحكمة الإدارية العليا هى انتخابات باطلة، تفتقد إلى الشرعية والسند القانونى، وبطلان الانتخابات فى هذا العدد من الدوائر يؤدى بالضرورة إلى بطلان تكوين مجلس الشعب بكامله.
ليس هذا فحسب، ولكن هناك عشرات الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإدارى ومن المحكمة الإدارية العليا بقيد مرشحين فى القوائم الانتخابية، لأنهم تقدموا بأوراق ترشيح سليمة وكاملة ولم تقبلهم جهة الإدارة - التواءً عن القانون وانحرافاً عنه - وعندما صدرت أحكام محاكم القضاء الإدارى بضرورة إدراجهم فى قوائم المرشحين، لجأت جهة الإدارة إلى الحيلة السخيفة الممجوجة وغير الشرعية، وأقامت استشكالات فى هذه الأحكام أمام محاكم غير مختصة، واستناداً إلى هذه الاستشكالات امتنعت عن تنفيذ هذه الأحكام واجبة النفاذ، وبذلك لم تظهر أسماء هؤلاء المرشحين فى قوائم المرشحين، وحرموا من حقهم الدستورى، وكل ذلك مخالف للقانون جملة وتفصيلاً.
وسأتوقف هنا عند حكم للمحكمة الإدارية العليا، صادر بتاريخ ٢٥ نوفمبر ٢٠١٠، أى قبل إجراء الانتخابات بثلاثة أيام، يقضى بإلزام الإدارة بإدراج اسم الطاعن فى كشوف المرشحين، ومع ذلك لم تمتثل جهة الإدارة لهذا الحكم، استناداً إلى وجود إشكال فى تنفيذ هذا الحكم، مرفوع أمام القضاء المدنى.
وسأحاول هنا أن أنقل بعض فقرات هذا الحكم وهى واضحة جلية.
يقول حكم المحكمة الإدارية العليا:
«ومن حيث إن هذا الذى سلف التقدم به هو حرمان مواطن من حقه الدستورى فى التقدم للترشيح لانتخابات مجلس الشعب ما دام مستوفياً لشروط ذلك الترشيح، كما هو الحال فى الدعوى التى صدر فيها هذا الحكم.
وهذا الحرمان من ممارسة الحق الدستورى هو جريمة يعاقب من اقترفها ومن اشترك معه فى ارتكاب تلك الجريمة.
ولما كانت اللجنة العليا للانتخابات بعد أن أعلنت بهذا الحكم لصالح هذا المواطن لم تتخذ الإجراءات اللازمة لإنفاذ مقتضى الحكم وإدراج اسم الطاعن فى الكشوف الانتخابية، فإن اللجنة العليا للانتخابات إذ تعدت عن ذلك هى ولجنة تلقى الطلبات التابعة لوزارة الداخلية واعتدادهما بواقعة عديمة الأثر - الإشكال أمام محكمة غير مختصة - والذى لا يعدو أن يكون عقبة مادية فى سبيل تنفيذ الحكم بما يتعين معه القضاء بإلزام جهة الإدارة واللجنة العليا للانتخابات بالاستمرار فى تنفيذ الحكم وقيد الطالب فى كشوف المرشحين، وذلك بمسودة الحكم وبغير إعلان جديد».
ومع ذلك، فإن هذا المواطن لم يدرج اسمه فى قوائم المرشحين، وقد تكرر هذا الأمر عشرات المرات، وحرم عشرات المواطنين - إن لم نقل مئات - من ممارسة حقهم الدستورى فى ترشيح أنفسهم، طلباً لثقة الناخبين.
وهذا الحرمان بدوره من هذا الحق الدستورى لعدد من المواطنين لابد أن يؤدى إلى إبطال الانتخابات التى تمت يوم ٢٨ نوفمبر الماضى.
ترى لمصلحة من جرى ويجرى هذا العبث؟
يقيناً ليس لمصلحة مصر، وليس لمصلحة القانون والدستور.
لمصلحة من إذن؟
هل للحزب الحاكم والنظام الذى يستند إليه مصلحة فى أن يأتى مجلس شعب باطل التكوين؟
هل من مصلحة أحد أن يأتى هذا المجلس الباطل ليعرض عليه أمر ترشيح رئيس الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية القادمة ثم يحكم ببطلان تكوين هذا المجلس، سواء قبل إجراء الانتخابات أو بعدها وهو الأمر المحتم قانوناً؟
لست أدرى لمصلحة من حدث ذلك كله؟
إنه أمر محير بحق.
هل هناك مؤامرة على هذا البلد لهزه من القواعد وتدميره وإهدار كل مقومات الشرعية وسيادة القانون؟
وإذا كان الشىء بالشىء يذكر، فإن ثمة واقعة حدثت فى إنجلترا أثناء الحرب العالمية الثانية. كان هناك قاض جزئى يعقد جلسته وكانت المحكمة بالقرب من مطار حربى وكان أزيز الطائرات الحربية لا ينقطع فأرسل القاضى لمدير المطار أمراً قضائياً بأن يوقف الحركة فى المطار إلى أن تنتهى الجلسة. وأسقط فى يد مدير المطار واتصل بوزير الحرب الذى كان فى نفس الوقت هو رئيس الوزراء ونستون تشرشل وأخبره بالأمر الذى تلقاه من القاضى.
فقال تشرشل قولة خالدة فى سجل سيادة القانون.
قال: أوقفوا العمل فى المطار ولا يقال إنه فى تاريخ إنجلترا قد أصدر أحد قضاتها أمراً ولم ينفذ.
هذه هى سيادة القانون.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لن أعرض لهذه الظواهر، فقد تكون مجرد أقوال لا دليل عليها، ويقصد بها مجرد الشوشرة والتشويه. لا أحد يستطيع أن يقطع بشىء مع تضارب الروايات وتعارضها بين ما تقوله الإدارة وما يقوله الحزب الوطنى، وما تقوله الجرائد الحكومية، وما تقوله الجرائد المستقلة، وعلى ذلك فلن ينصرف مقالى هذا إلى مناقشة هذه الأمور مع خطورتها وسوء دلالتها.
كذلك لن أبكى على اللبن المسكوب، ولن أقول إننى وغيرى دعونا إلى مقاطعة هذه الانتخابات بالذات، من قبل الإخوان المسلمين وحزب الوفد، وكان سندنا فى هذه الدعوة ما جرت عليه الانتخابات السابقة، خاصة انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى، التى جرت منذ أشهر قليلة، والتى كانت مثار سخرية العالم كله.
قلت وقال غيرى ليس هناك دليل على أى رغبة عند الحزب الحاكم وحكومته على العدول عن هذا السلوك، ولا عن رغبة حقيقية فى إظهار إرادة الشعب كما يريدها الشعب.
وقلت وقال غيرى إن الاشتراك فى هذه الانتخابات لن يكون له من أثر إلا إضفاء الشرعية عليها، على حين أن مقاطعة هذين الفريقين - الإخوان والوفد - كان سيعرى هذه الانتخابات من أى غطاء رقيق للشرعية.
ولكن كان ما كان.
وسأحاول هنا محاولة قانونية موضوعية بحتة أن أقترب من هذه الانتخابات من حيث قانونيتها وشرعيتها، ومن حيث صحة تكوين مجلس الشعب الذى أسفرت عنه هذه الانتخابات، أو عدم مشروعيتها وبطلانها، ومن ثم بطلان المجلس الذى جاء نتيجة لها. ولن أعتمد فى ذلك على آراء فقهية، وإنما سأعتمد على أحكام القضاء. وأحكام القضاء، كما نقول، هى عنوان الحقيقة، ويقول الفقهاء الفرنسيون إن أحكام القضاء هى الحقيقة ذاتها وليست مجرد عنوان لها. وقد أخذت المحكمة الإدارية العليا عندنا فى مصر بهذا المعنى - أن الحكم هو الحقيقة ذاتها - فى بعض أحكامها الأخيرة.
وسأحاول أن أعرض القضايا القانونية بأسلوب سهل وواضح يقبله المثقف والقارئ العادى.
الدولة القانونية هى الدولة التى يوجد فيها سيادة للقانون، ودستورنا يقول: «سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة» والحمد لله أن هذا النص بقى على حاله ولم يلحقه تعديل.
وسيادة القانون تعنى أن أحكام القضاء النهائية لها السيادة على كل ما عداها، وأن الدولة لا يكون فيها سيادة للقانون، ولا تكون دولة قانونية إذا لم تحترم فيها أحكام القضاء النهائية، وتأخذ سبيلها إلى التنفيذ.
بل إن السلطة التنفيذية يلزمها المشرع بتنفيذ أحكام القضاء بل وينزل العقاب بمن يمتنع عن تنفيذ أحكام القضاء.
هذا هو ما تقوله النصوص الدستورية والقانونية.
فما حدث فى هذه الانتخابات الأخيرة يجعلنى أذهب إلى أن ما حدث سيؤدى بالضرورة إلى بطلان تكوين مجلس الشعب القادم، وهى نتيجة مؤسفة، وليست فى صالح أحد، كما أنها نتيجة ليس إلى تفاديها من سبيل.
ما دليلنا على ذلك؟
صدر العديد من الأحكام من محاكم القضاء الإدارى، ومن المحكمة الإدارية العليا، بوقف إجراء الانتخابات فى عدد كبير من الدوائر، وأعلنت هذه الأحكام لجهة الإدارة - وزارة الداخلية - لتعمل بمقتضاها. ولكن وزارة الداخلية بدلاً من تنفيذ هذه الأحكام، كما يقضى بذلك القانون، لجأت إلى حيلة سخيفة غير قانونية وعدم قانونيتها معروف للكل ومعروف بالضرورة لوزارة الداخلية، التى لجأت إلى رفع استشكالات فى تلك الأحكام أمام محاكم مدنية غير مختصة.
أما لماذا هذه المحاكم غير مختصة، فقد صدرت أحكام من المحكمة الدستورية العليا ومن محاكم القضاء الإدارى بأن الاستشكال من أحكام هذه المحاكم لا يكون إلا أمام محاكم القضاء الإدارى، وأن الاستشكال أمام القضاء المدنى هو لجوء إلى جهة غير مختصة ولائياً، وهذا الحكم معروف وشائع وذائع ويعرفه كل دارس للقانون.
أحكام المحكمة الدستورية العليا لها حجية على الناس كافة، وعلى سلطات الدولة جميعاً - ووزارة الداخلية من سلطات الدولة - وقد حكمت المحكمة الدستورية العليا بأن الاستشكال فى أحكام القضاء الإدارى لا يكون إلا أمام هذه المحاكم، وأن الاستشكالات التى ترفع أمام القضاء المدنى أو القضاء المستعجل لا شرعية لها، ولا قيمة قانونية، ولا تزيد على كونها عقبة مادية يجب عدم الالتفات إليها.
هكذا حكمت المحكمة الدستورية العليا، وهكذا حكمت المحاكم الأخرى، وكل ذلك لابد أن يكون معلوماً بالضرورة للإدارات القانونية فى الجهات التنفيذية.
ولكن رغم ذلك كله، فإن وزارة الداخلية لجأت إلى رفع استشكالات فى أحكام المحكمة الإدارية العليا أمام القضاء المستعجل العادى، وأمام محكمة عابدين وغيرها من المحاكم المدنية، وهذه الاستشكالات مجردة من كل قيمة قانونية ولا شرعية لها، ولا يجوز أن توقف تنفيذ حكم صادر من جهات القضاء الإدارى.
ولكن المؤسف أن الأحكام التى قضت بوقف الانتخابات فى عدد كبير من الدوائر فى محافظة الإسكندرية وغيرها من المحافظات، هذه الأحكام لم تنفذ، بحجة أن هناك استشكالات فيها، وأجريت الانتخابات.
وتقديرى أن هذه الانتخابات التى أجريت على غير مقتضى أحكام المحكمة الإدارية العليا هى انتخابات باطلة، تفتقد إلى الشرعية والسند القانونى، وبطلان الانتخابات فى هذا العدد من الدوائر يؤدى بالضرورة إلى بطلان تكوين مجلس الشعب بكامله.
ليس هذا فحسب، ولكن هناك عشرات الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإدارى ومن المحكمة الإدارية العليا بقيد مرشحين فى القوائم الانتخابية، لأنهم تقدموا بأوراق ترشيح سليمة وكاملة ولم تقبلهم جهة الإدارة - التواءً عن القانون وانحرافاً عنه - وعندما صدرت أحكام محاكم القضاء الإدارى بضرورة إدراجهم فى قوائم المرشحين، لجأت جهة الإدارة إلى الحيلة السخيفة الممجوجة وغير الشرعية، وأقامت استشكالات فى هذه الأحكام أمام محاكم غير مختصة، واستناداً إلى هذه الاستشكالات امتنعت عن تنفيذ هذه الأحكام واجبة النفاذ، وبذلك لم تظهر أسماء هؤلاء المرشحين فى قوائم المرشحين، وحرموا من حقهم الدستورى، وكل ذلك مخالف للقانون جملة وتفصيلاً.
وسأتوقف هنا عند حكم للمحكمة الإدارية العليا، صادر بتاريخ ٢٥ نوفمبر ٢٠١٠، أى قبل إجراء الانتخابات بثلاثة أيام، يقضى بإلزام الإدارة بإدراج اسم الطاعن فى كشوف المرشحين، ومع ذلك لم تمتثل جهة الإدارة لهذا الحكم، استناداً إلى وجود إشكال فى تنفيذ هذا الحكم، مرفوع أمام القضاء المدنى.
وسأحاول هنا أن أنقل بعض فقرات هذا الحكم وهى واضحة جلية.
يقول حكم المحكمة الإدارية العليا:
«ومن حيث إن هذا الذى سلف التقدم به هو حرمان مواطن من حقه الدستورى فى التقدم للترشيح لانتخابات مجلس الشعب ما دام مستوفياً لشروط ذلك الترشيح، كما هو الحال فى الدعوى التى صدر فيها هذا الحكم.
وهذا الحرمان من ممارسة الحق الدستورى هو جريمة يعاقب من اقترفها ومن اشترك معه فى ارتكاب تلك الجريمة.
ولما كانت اللجنة العليا للانتخابات بعد أن أعلنت بهذا الحكم لصالح هذا المواطن لم تتخذ الإجراءات اللازمة لإنفاذ مقتضى الحكم وإدراج اسم الطاعن فى الكشوف الانتخابية، فإن اللجنة العليا للانتخابات إذ تعدت عن ذلك هى ولجنة تلقى الطلبات التابعة لوزارة الداخلية واعتدادهما بواقعة عديمة الأثر - الإشكال أمام محكمة غير مختصة - والذى لا يعدو أن يكون عقبة مادية فى سبيل تنفيذ الحكم بما يتعين معه القضاء بإلزام جهة الإدارة واللجنة العليا للانتخابات بالاستمرار فى تنفيذ الحكم وقيد الطالب فى كشوف المرشحين، وذلك بمسودة الحكم وبغير إعلان جديد».
ومع ذلك، فإن هذا المواطن لم يدرج اسمه فى قوائم المرشحين، وقد تكرر هذا الأمر عشرات المرات، وحرم عشرات المواطنين - إن لم نقل مئات - من ممارسة حقهم الدستورى فى ترشيح أنفسهم، طلباً لثقة الناخبين.
وهذا الحرمان بدوره من هذا الحق الدستورى لعدد من المواطنين لابد أن يؤدى إلى إبطال الانتخابات التى تمت يوم ٢٨ نوفمبر الماضى.
ترى لمصلحة من جرى ويجرى هذا العبث؟
يقيناً ليس لمصلحة مصر، وليس لمصلحة القانون والدستور.
لمصلحة من إذن؟
هل للحزب الحاكم والنظام الذى يستند إليه مصلحة فى أن يأتى مجلس شعب باطل التكوين؟
هل من مصلحة أحد أن يأتى هذا المجلس الباطل ليعرض عليه أمر ترشيح رئيس الجمهورية فى الانتخابات الرئاسية القادمة ثم يحكم ببطلان تكوين هذا المجلس، سواء قبل إجراء الانتخابات أو بعدها وهو الأمر المحتم قانوناً؟
لست أدرى لمصلحة من حدث ذلك كله؟
إنه أمر محير بحق.
هل هناك مؤامرة على هذا البلد لهزه من القواعد وتدميره وإهدار كل مقومات الشرعية وسيادة القانون؟
وإذا كان الشىء بالشىء يذكر، فإن ثمة واقعة حدثت فى إنجلترا أثناء الحرب العالمية الثانية. كان هناك قاض جزئى يعقد جلسته وكانت المحكمة بالقرب من مطار حربى وكان أزيز الطائرات الحربية لا ينقطع فأرسل القاضى لمدير المطار أمراً قضائياً بأن يوقف الحركة فى المطار إلى أن تنتهى الجلسة. وأسقط فى يد مدير المطار واتصل بوزير الحرب الذى كان فى نفس الوقت هو رئيس الوزراء ونستون تشرشل وأخبره بالأمر الذى تلقاه من القاضى.
فقال تشرشل قولة خالدة فى سجل سيادة القانون.
قال: أوقفوا العمل فى المطار ولا يقال إنه فى تاريخ إنجلترا قد أصدر أحد قضاتها أمراً ولم ينفذ.
هذه هى سيادة القانون.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.