و قدم العادل العديد من البراهين السياسية و الاستراتيجية علي قناعة الجانب التركي بتوافق مصالحه مع التصالح العربي, وبخطورة الوجود الإسرائيلي علي الامن القومي التركي, الوجود الاسرائيلي الذي ظل لسنوات عده حليفا لتركيا و مستفيدًا أول بكل إمكانياتها بل و في كثير من الأحيان موجهًا لسياساتها و خياراتها, جاء ذلك خلال ندوة عقدها مركز الدراسات الحضارية و حوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، بعنوان " الحوار العربى – التركى: الفرص والتحديات ", انتقد فيها عجز الدول العربية عن استثمار " الشرخ " بين تركيا و إسرائيل كما سبق وفعلت الاخيرة مستنفذة كل المعطيات التركية لصالحها.
وفي بادرة لاثبات حسن النوابا, بدأ الخبير التركي محمد العادل حديثه متفهمًا للمخاوف العربية تجاه تركيا علي خلفية علاقتها الوثيقه بإسرائيل لسنوات سابقة عدة, فتحدث عن مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية محاولا إظهار أسباب الأزمة بين الدولتين, مشيرًا إلي ضرورة التوقف عند محطات مهمة شكلت تراكمًا لأسباب الازمة بين تركيا و إسرائيل في الفترات الاخيرة.
و نفي العادل أن تكون أزمة اسطول الحرية و تداعياتها هي السبب الرئيسي في هذه الأزمة, مؤكدًا أن حقيقة الأزمة أسبق و أعمق من هذا, فمن رسم العلاقات التركيه الإسرائيلية هي الإدارة الأمريكيه و ذلك لأهداف محددة, مشيرا الي ان اسرائيل هي السبب في حالة الفراغ العربي في تركيا و انها نجحت في صناعة منظمات مدنية تتحدث بلسانها و اشترت مؤسسات إعلامية و نسجت لها صداقات داخلها, صداقات وصلت للأوساط العسكرية في الطرف التركي.
وقال العدل أن اسرائيل كانت تتحدث عن شئ اسمه الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين, ولكن من الجانب التركي لم يوجد شئ اسمه الشراكه مع اسرائيل فقد كان هناك دائما عدم ثقه في اسرائيل, فضلا عن ان الطرف التركي وضع هدف واضح من علاقته باسرائيل و هو الحصول علي أسلحة أمريكية عبر اسرائيل بموافقه امريكيه.
موضحا ان اسرائيل خلال تلك الفترة من السياسية التركية, عمدت إلي كسب الساحة التركية و استثمارتها و إبعاد أنقرة عن الصراع العربي الإسرائيلي, و أن إسرائيل نجحت في عزلة تركيا والاستفادة منها و نجحت في توجيه السياسية التركية في وقت ما , و دلل علي ذلك بما حدث عام 1999 حينما دقت طبول الحرب بين تركيا و سوريا, وكادت تركيا حينها أن تسن حربا نيابة عن اسرائيل ضد سوريا لولا تدخل مصر في ذلك الوقت لإنقاذ الموقف, وهذه تعتبر إحدي المحطات التي وجهت فيها إسرائيل السياسة التركية.
و اضاف العدل ان إسرائيل تمكنت من إستخدام الأجواء التركية و الأراضي التركية, و استنفذتها تماما برا و جوا, في وقت كانت تركيا لا تخطو خطوة الا بعد بناء علي توصيات أمريكية, وبعد ذلك دخلت تركيا مرحلة مراجعات قوية علي مستوي النخبة والسياسين و المفكرين وغيرهم, و نتيجة هذه المراجعات جاء مشروع العدالة والتنمية اليوم, حيث كانت أبرز ملامح المراجعات هي القناعة التامة لدي الإدارة التركية بأن الأمن القومي التركي ليس مرتبط بواشنطن أو بروكسل او أي دولة غربيه بل هو مرتبط بالمحيط الإقليمي وبالعالم العربي و الاسلامي وكذلك روسيا واليونان
واستطرد العدل قائلا ان تلك الفكرة كانت أساس مصالحة تركيا مع العالم العربي و الاسلامي, وان هذه التوجهات الجديدة أزعجت اسرائيل وامريكا كثيرا, مضيفا أن حكومات تركيا كانت دوما تراعي الموقف الأمريكي و الموقف الإسرائيلي و الأوروبي في كل خطوة تخطوها, وكانت في اطار ذلك تتخذ مواقف في كثير من الأحيان ضد مصلحة أمن تركيا القومي, مؤكدا ان هذه المعادلة تغيرت تماما بعد ظهور العدالة و التنمية, حيث اعتمدت أنقرة سيايسة التوازن في علاقتها الخارجية, فضلا عن سياسة التفاعل الإيجابي مع العرب و سياسة تنويع الشركاء الإستراتيجيين, بعد ما كانت تركيا تعتمد في كل أمورها و تكنولوجياتها العسكرية علي توصيات الاداره الامريكيه, بجانب اعتمادها علي اللوبي الصهيوني في دعم علاقتها بالموؤسسات الدوليه المانحة.
و أكد العدل ان الموقف التركي الحالي هو تغليب الأمن التركي علي خيارات الدول العظمي, مشددا علي ان اوردغان يستمد قوته وصلابته في اعلان موقف ادارته علي تحصنه بشعبه, و لأن الإدارة الأمريكيه تدرك هذا المعني فهي مجبرة علي احترام الخيارات التركية .
وقال الخبير التركي محمد العدل ان الأسباب الحقيقية للأزمة بين تركيا و إسرائيل هو التواجد المشبوه لاسرائيل في شمال العراق, فتركيا أدركت تماما و في وقت مبكر أن التواجد الإسرائيلي في شمال العراق عبر شركات أمنية تحت شعارات إستثمارية و علاقات مع البرزاني و علاقات مع حزب العمل الكردستاني, الامر الذي دفع مجلس الامن القومي التركي الي إدرج اسم إسرائيل ضمن الدول المعادية و المهددة للامن القومي التركي, بعد ان استطاعت تركيا ان تتعقب الحركات الاسرائيليه و ادركت انها قدمت مساعادات لوجوستية و عسكرية لحزب العمل الكوردستاني فقط بهدف ازعاج أنقره وتهديدها .
واوضح ان السبب الثاني هو أن تعقب تركيا للمجموعات الأجنبية المتمردة علي حكومة العدالة و التنمية , يؤكد تورط اسرائيل مع هذه المجموعات الاجنبيه و دعمها لوجوستيا و كذلك دعمها بالسلاح, و الهدف هو التمرد علي حكومة العدالة و التنميه, مضيفا ان لهذا السبب و لاسباب كثيره اخري كان علي الحكومه ان تطوي الصفحه مع اسرائيل.
و عن العلاقات التركية الايرانية و التركية السورية,قال العدل ان اسرائيل اعتبرت التوجه التركي نحو العالم العربي و الاسلامي وتلك العلاقات خطرا مباشرا عليها حاولت بكل الطرق عرقلته, خاصة في ظل توجها الي روسيا للشراكة النووية ومنحتها حق تمويل اول مفعول نووي لها في حين أقصت شركات اسرائيلية و امريكية, في ظل استاتيجية تعدد الشركاء .
و في سياق متصل, تحدث العدل عن اسطول الحرية الذي جاء نتيجة لسياسيات الحكومه التركيه التي رأت ان تقدم الدعم السياسي و اللوجستي للأسطول وان يتحرك الاسطول من تركيا الي قطاع غزه مباشرة, الموقف الذي كان سيختلف كثيرا في ظل السيايسات التركية القديمة, حيث كانت حينها تركيا ستقف وتفكر كثيرا قبل تلك الخطوة, مشيرا الي الغباء الاسرائيلي في مواجهة اسطول الحرية, فلو تعاملت اسرائيل بذكاء و استقبلت الاسطول بهدوء وادخلت غزه تحت اشارفها لققت نصرا سياسسا عظيما و أحرجت تركيا امام العالم, مؤكدا ان الدول العربية لم تستثمر هذا الغباء الاسرائيلي اطلاقا بينما نجحت تركيا في استثماره و حققت بعض النجاح .
واكد العدل ان استطلاعات الرأي داخل تركيا تقول ان 70% من الاتراك يعتبرون اسرائيل دولة عدو, بينما 20% يعتبروها دولة ليست صديقة, وفي اسرائيل هناك نفس الاستطلاعات بنفس النتائج, الامر الذي يؤكد ان هناك شرخ بين البلدين, فالاسرائيلي لم يعد آمن في تركيا من خلال رؤيته, و كذلك التركي لم يعد آمن كسائح في الجانب الاسرائيلي .
مستطردا ان ادراج اسرائيل ضمن الدول المعادية للامن التركي و في الوقت نفسه شطب سوريا و ايران واليونان من قائمة تلك الدول, يدل علي ان تركيا غير مستعدة لتعديل سياساتها الخارجيه للمصالحة و التنويع في الشراكة و السياسات الاقتصادية نحو افريقيا و البلاد العربيه, فالعلاقات الاقتصادية التركيه العربية قبل 2002 كان ميزان التبادل التجاري فيها بين تركيا و مجموع الدول العربية لا يزيد عن 10 مليار دولار, اما الان فقد وصل الي 80مليار دولار, مع ملاحظة ان تركيا لا تصدر نفطا, وبالتالي لم تعد الحاجه ملحة لا للجانب الامريكي و لا الاسرائيلي.
وشدد العدل علي انه لا يمكن ان نتنبأ بعلاقات طبيعية بين الجانبين في الافق, مشيرا الي انه من الممكن ان تنجح الاداره الامريكيه في ترميم هذه العلاقه ولكن سيبقي ترميم شكلي و دوبلوماسي فقط, ولكن مداواة هذا الشرخ علي المستوي الاجتماعي و السياسي مستبعد, خاصة في ظل توقع فوز حزب العدالة و التنمية بدورة ثانية حيث لا يوجد له منافس حتي الان .
واكد العدل ان العرب لم يستثمروا هذا المناخ لتحقيق وجود سياسي او اقتصادي او اي حضور عربي في تركيا, فيما عدا شكل من اشكال الحوار غير الكافي بين العقل العربي و العقل التركي و يبقي غير مؤسسي. وعلي العكس سبق و استثمرت اسرائيل العلاقت التريكية, و العرب الأن مؤهلين ايضا لصناعة أصدقاء في تركيا و تشكيل لوبي عربي علي الساحة التركيه .
من جانبة عدد الدكتور مصطفي علوي استاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية و رئيس قسم العلوم السياسية سابقا و عضو مجلس شوري حالي أوجه الشبه بين الطرفين المصري و التركي, مؤكدا ان من اهم الصعوبات امام التوافق التركي العربي, هو ان تركيا سياده و إرادة و قرار واحد, اما العالم العربي فهو 22 ارادة و سيادة وقرار, 22 ارادة لا تتوافق مع بعضها في الكثير من الاحيان, و لا يمكن ان نراهن علي جامعة الدول العربيه لانها ليست منظمه تكامليه ولكنها ووفق ميثاقها منظمه للتعاون بين دول ذات سياده وليست كالاتحاد الاوربي, فتحميل جامعة الدول ما لا يمكن ان تتحمله اثقالا لكاهلها..
وعن الصراع العربي الاسرائيلي, قال المصطفي ان التعاون المصري التركي محدود للغايه لان الاشاكل ليس في الطرف العربي او التركي لكن الاشكال في طرفي الصراع فلسطين و اسرائيل, والحركة المستمرة في اسرائيل نحو اليمين المتطرف الممتد منذ حكومه بيجن اول حكومه يمين في اسرائيل وحتي اليوم, بجانب الصراع الفلسطيني الفلسطيني حيث تسيطر حماس علي غزه في مقابل فتح في الضفه الغربية, بعد ان تم جر فلسطين الي طريق الدولة و الحكومة قبل ان يتم تحرير وطنه و هذا لم يحدث ابدا في تاريح اي دوله مستعمرة لا الجزائر و لا غيرها, ان تشكل الدوله قبل التحرير من الاستعمار.