الحكم بالإيداع في إحدي دور رعاية الأحداث " الإصلاحيات "
كان هو أقصي عقوبة يلجأ لها القاضي لعقاب الاطفال علي اي جريمة يرتكبونها
.. ولكن شهدت السنوات الاخيرة توقيع مصر علي العديد من الاتفاقيات
والبرتوكولات العالمية التي تنادي بإلغاء عقوبة الحبس للحدث واستبدالها
بعقوبات أخري تكون اكثر نفعاً للطفل بقصد إعادة تأهيله ودمجه في المجتمع
خاصة بعد ان ثبت ان دور المؤسسات " الإصلاحيات" ما هي إلا مزارع لتفريغ
المجرمين وتعليم الأطفال فنون الإجرام . وقد تعالت اصوات الحقوقيين
والمعنيين بعدما فضح الإعلام ما يحدث داخل تلك الدور مطالبين بضرورة إلغاء
عقوبة الحبس داخل مؤسسات رعاية الاحداث، مشيرين إلي فشل القائمين عليها في
تقويم سلوكيات اولئك الاطفال . فقد أكدت مشيرة خطاب وزيرة الاسرة والسكان
ان إعادة تأهيل الطفل ودمجه في المجتمع مرة اخري هي الفلسفة التي ينطلق
منها التعديل الذي ادخل علي قانون الطفل الجديد والذي تنص المادة 107 منه
علي ان الحرمان من الحرية هو الملاذ الاخير للمسئولين خاصة ان الاحصاءات
والدراسات المجتمعية والنفسية اكدت ان اللجوء للاحتجاز في حالة قيام الطفل
بخرق القانون يؤثر عليه بشكل سلبي ويدفعه الي عالم الجريمة مرة اخري ولم
تثبت التجربة العملية جدوي تقييد حرية الاطفال في تعديل سلوكياتهم خاصة مع
وجود بعض التجاوزات داخل مؤسسات رعاية الاحداث .
واضافت الوزيرة ان تعديلات قانون الطفل اعطت اهتماما بالغا للحيلولة دون
خرق الطفل للقانون وأتاحت عقوبات بديلة لعقوبة الحبس من اجل التصدي لجرائم
الاطفال خاصة ان القانون اتاح للطفل المتهم بارتكاب اي جريمة ضمانات تراعي
حقوقه وهي عدم احتجازه مع الكبار البالغين وضرورة ان يكون له محام يتولي
الدفاع عنه والتصالح في بعض الدعاوي الجنائية التي يرتكبها واستحدث القانون
فقرة ان الحرمان من الحرية يجب ان يكون الملاذ الاخير الذي يلجأ له القاضي
في العقوبة ولأقصر فترة زمنية ممكنة وهو ما يجب ان يترسخ في الاحكام
القضائية انطلاقا من مواد قانون الطفل في باب المعاملة الجنائية . ومن
جانبه اكد د . هاني هلال وزير التعليم العالي ورئيس مؤسسة حقوق الطفل
المصري علي ضرورة ان توضح اللائحة التنفيذية للقانون الحالات التي يعاقب
عليها الطفل بالحبس والحالات التي يتم اللجوء فيها للتدابير البديلة، ففي
المادة رقم 101 في قانون الطفل والتي تنص علي انه يحكم علي الطفل الذي لم
تتجاوز سنه 15 سنة ميلادية كاملة اذا ارتكب جريمة بأحد التدابير التوبيخ
والتسليم والالحاق بالتدريب او التأهيل والالتزام بواجبات معينة والاختيار
القضائي والعمل للمنفعة العامة بما لا يضر بمصلحة الطفل ونفسيته والايداع
في احد المستشفيات المتخصصة والايداع في احدي مؤسسات الرعاية الاجتماعية ..
وبذلك تكون تلك المادة قد غفلت تحديد نوع الجرم وما يناسبه من عقاب .
واضاف هلال ان عمل الطفل في المنفعة العامة هو تدبير يقضي بان يؤدي الحدث
عملا لمصلحة مؤسسة تقدم اعمالا للمنفعة العامة دون ان يحتسب له اجر عند
مخالفته للقانون وذلك بدلا من تعريضه للحبس بما في ذلك من سلبيات وقد يأتي
هذا العمل ضمن مجالات عدة من بينها الخدمات الطبية والاجتماعية ومراكز
اعادة تأهيل المعاقين ومراكز رعاية المسنين ومراكز مكافحة وعلاج الادمان
وكذلك الامر داخل المؤسسات التربوية والخدمة في المحليات وغيرها لكن كل ذلك
شريطة ان تحدد اللائحة التنفيذية للقانون انواع هذا العمل . وفي حين اكد
محمد عبدالعزيز الممثل الاقليمي لمكتب الامم المتحدة لمكافحة الجريمة
والمخدرات بالشرق الاوسط ان انحراف الاحداث يأتي انعكاسا للاوضاع
الاجتماعية والاسرية السيئة وفشل المجتمع في التعامل مع هذه الفئة بفاعلية
حيث ان للطفل احتياجات خاصة وتشكل الحلقة الهشة في المجتمع وهي التي تتعرض
الي شتي انواع الضغوط التي تجعل الطفل معرضا للخطر ويخالف القانون وبالتالي
فان جميع المواثيق الدولية الخاصة بالمعاملة الجنائية للأحداث أكدت علي
ضرورة عدم اللجوء الي حبس الاطفال الا علي نحو استثنائي واذا دعت لذلك
الضرورة الملحة .
واضاف عبد العزيز ان تلك التدابير البديلة للاحتجاز تتمثل في العمل من اجل
المنفعة العامة كجزء من العدالة الاصلاحية التي تسعي الي اصلاح الضرر دون
اقصاء المعتدي بعيدا عن المجتمع لكن شريطة ان يكون هناك اخصائيون مدربون
ومؤهلون لتنفيذ تلك البدائل وتصنيف الاطفال طبقا لجرمه وطريقة عقابه بما
يعود بالنفع عليه وبالتالي علي المجتمع الذي يعيش فيه .
مؤكدا ان هناك شروطاً لتطبيق تلك التدابير البديلة لمنع الحرية من بينها
اعتراف الحدث نفسه بالضرر الذي تسبب فيه وبشاعة الجرم الذي ارتكبه وهو ما
يعكس مدي اقتناع الحدث نفسه بانه اخطأ كذلك يجب ان يرضي الطفل رضاء كاملا
عن القيام بعمل للمنفعة العامة وايضا مراعاة الصحة الجديدة والمستوي العقلي
والعلمي له ومعيار ظروف الجرم الذي ارتكبه وطبيعته .
ويؤكد المستشار محمد شعبان رئيس محكمة الجيزة الابتدائية علي ضرورة ان
يكون هناك قاض للتنفيذ داخل محكمة الاسرة والمحاكم الابتدائية يتولي مراقبة
التدابير الخاصة بالطفل واهمية اعداد تقرير من الاخصائي الاجتماعي بنيابات
الاحداث لعرضه علي النيابة يوضح فيه ما اذا كانت هناك ضرورة لاقامة دعوي
قضائية من عدمه واذا كان الامر ينتهي بالتصالح كذلك يوصي باتخاذ العقاب
الملائم من بين التدابير الخاصة التي وردت في المادة 101 وهي التوبيخ
باللفظ والقول او التسليم لولي امره مع اخذ التعهد المناسب عليه او الحاقه
بالتأهيل والتدريب في مؤسسة اجتماعية مهنية او الزامه بواجبات معينة يؤديها
للمنفعة العامة مثل نظافة الشوارع او المساعدة في زرع الاشجار وتهذيب
الحدائق وغيرها او حتي ايداعه في اي مستشفي.
كما طالب المستشار محمد شعبان باهمية وجود اخصائي نفسي ايضا لاعداد
تقرير مفسر ومنفصل عن تقرير الاخصائي الاجتماعي عن الحالة النفسية للطفل
والدوافع التي ساقته لخرق القانون وان يكون للقاضي الحرية التامة في القضاء
سواء باتخاذ تدابير او عقوبة مفيدة .
ويؤكد د. حازم عطية استاذ علم الاجتماع بكلية الاداب جامعة الزقازيق علي ان
عقوبة سلب الحرية في جرائم الاحداث ليست بالعقاب المهذب للسلوك الذي يقوم
الطفل دائما هو مزيد من الضغط النفسي والاجتماعي يولد عند الطفل حقداً
مجتمعياً ينمو معه منذ الصغر خاصة في سنوات عمره قبل الثانية عشرة وهو ما
يفسر احتراف عدد كبير من الاحداث للجريمة عقب خروجهم من الاصلاحيات اضف
لذلك سوء المعاملة وعدم وجود متخصصين في تنفيذ عقوبة الاصلاح والتأهيل
المقترن بعقوبة سلب الحرية والابعاد والتغريب لذلك يطلق علي الاصلاحية
مصطلح معمل لتفريغ المجرمين كأن يدخل الحدث ناشئاً في الجريمة وربما تكون
الصدفة قادته لارتكاب جريمته فيخرج محترفا لاصناف كثيرة من الاجرام عقب
اختلاطه بالاحداث دون تصنيف او تثقيف لهم . ويضيف د. حازم ان الاخذ
بالتدابير البديلة لعقوبة الحبس هو امر طال انتظاره وكثرت المطالبات به
خاصة ان غالبية دول العالم الملتزمة بتنفيذ اتفاقيات حقوق الطفل قد الغت
منذ سنوات طويلة عقوبة الحبس واستبدالها بعقوبات اخري تـحقق الغرض من فلسفة
العقاب وهي العمل علي إعادة تأهيله ودمجه داخل المجتمع يعمل بشكل إيجابي .