موضوع الدراسة
إرتبطت الجريمة منذ فجر التاريخ بوجود الإنسان على الأرض بل وتطورت أوصافها
وأشكالها بتطور حياة البشر حتى أنه يمكن القول أن تطور المجتمع وما يصاحبه
من تطور علمى وتكنولوجى ينعكس أثره على تطور الجريمة، فالجريمة بإعتبارها
إحدى صور إفرازات المجتمع يصلها ما يصل المجتمع من تطور، ومرجع ذلك أن
مرتكب الجريمة وضحيتها عضوان فى المجتمع، ويتأثران بحياته وثقافته وتطوره،
فأقصى ما يصل إليه المجرم من براعة ودراية نتيجة لهذه الثقافة والتعلم،
يحاول إستخدامها فى جريمته، فالجريمة هى محصلة كل ذلك، وقد أدى التطور
التكنولوجى فى كافة مناحى الحياة المختلفة – خاصة الإقتصادية منها - إلى
تطور مقابل ممتد الأثر فى البناء الإجتماعى وفى بعض المؤسسات الاجتماعية
والاقتصادية.
وكان التطور سريعاً ، فصاحبته ظواهر سلبية متعددة ، حيث أدى الإعلان عن
الحد من دور الدولة فى المجال الاقتصادى وتشجيعها للقطاع الخاص لكى يأخذ
المبادأة فى المجالات الصناعية والتجارية ، إلى أن سارعت بعض الفئات
الطفيلية إلى إستغلال مناخ الحرية الاقتصادية الذى اتيح وقبل أن يحاط
بالتنظيم الدقيق والضمانات الكفيلة بحماية المجتمع من هذه الأنشطة، فضلاً
عن تصاعد نشاط الفئات الطفيلية فى إستغلال مناخ الحرية لتحقيق الكسب السريع
، ونهج الكثيرون أساليب الإحتيال والغش دون تقدير لما يصاحبها من أضرار
بلغت جسامتها حد تهديد حياة الأفراد ، ووقع المستهلك ضحية لهذه الأنشطة فى
كل أوجه التعامل اليومى، وأصبح غير قادر على تجنب المخاطر التى تهدده ،
وصارت الأجهزة الحكومية المعنية بالرقابة تنوء بما يواجهها من أوجه التحايل
والغش والفساد.
ولم تقتصر هذه الأنشطة على مجال بعينه ، بل تتردد كل يوم أنباء عن ظهور
أوجه جديده من الغش والاستغلال فى كافة المعاملات ، الأمر الذى إرتقى
بأفعال الغش التجارى لتصبح ظاهرة عالمية واسعة الإنتشار ، تستحق الإهتمام
من كافة الأجهزة المعنية بمواجهتها.
أهمية الدراسة
لقد تزايدت فى الآونة الأخيرة ظاهرة الغش والخداع فى التعامل، نتيجة التقدم
المذهل والمطرد فى مجال العلوم الطبيعية والكيميائية والبيولوجية، التى
يسرت إمداد مرتكبى الغش بإمكانيات واسعة لارتكاب هذه الجرائم ، ومهارة
علمية فائقة لإخفاء آثار جرائمهم ، وخداع المستهلكين ، الأمر الذى أدى إلى
اهتمام دول العالم جميعاً بمقاومة هذه الظاهرة تشريعياً واجتماعياً وأمنياً
، وتبدو أهمية موضوع البحث فى أنه من الصعوبة بمكان – من الناحية العملية –
تحديد المتهم الحقيقي فى جرائم الغش ، وهل هو الصانع أم المنتج أم مدير
المصنع الفنى أم التاجر ، وهل هو تاجر الجملة أم الوسيط أم تاجر التجزئة أم
الشخص المعنوى، وهل الجريمة وقعت عمداً أم نتيجة إهمال ، كما ترجع الفلسفة
القانونية لتجريم صور الغش، إلى سعى المجتمعات نحو ضمان سلامة المعاملات
الصناعية والتجارية أو الاقتصادية عموماً، وذلك بالضرب على أيدى من يلجأ
إلى الغش فى سبيل تحقيق كسب غير مشروع، فالمستهلك عادة ليست لديه القدرة
على التمييز بين من يخدعه ومن يرضيه ، أو الشيء الذى يضره من عدمه ، والسعى
نحو تجنب ما ينجم عن هذا الغش من أضرار بالصحة العامة للمستهلك، سواء فى
ذلك استعمال أو تداول أو اس تهلاك المواد المغشوشة أو الفاسدة ، ولهذا حرمت
الشرائع المختلفة سلوك الغش فى ذاته أو فى البيع ، وحتى مجرد طرح أو عرض
المواد المغشوشة أو الفاسدة للبيع ، وكذلك المواد التى تستعمل فى الغش.
وتمثل حماية المستهلك أيضاً فى مواجهة أفعال الغش مطلباً أمنياً فى غاية
الأهمية ، حيث إن دور الأمن فى مصر هو حماية المواطن المصرى مما قد يتعرض
له من أخطار، سواء بالنسبة لحياته أو ماله أو صحته ، وعلى ذلك فإن دور
الأجهزة الأمنية فى حماية المستهلك يهدف إلى حماية المواطن المصرى من السلع
المغشوشة أو الفاسدة أو المنتهية الصلاحية أو غير المطابقة للمواصفات ،
ومواجهة منابع الفساد والقضاء على مافيا الغش التجارى لضمان صحة وحياة وأمن
المواطن ، وذلك للمحافظة على استقرار الشارع المصرى وتنمية الإحساس لدى
المواطن بأن الدولة ترعاه وتهدف إلى حماية مصالحه.
محاور الدراسة
تم تناول هذه الدراسة "الغش التجارى بين التجريم والمُكافحة" فى محورين أساسيين:
الأول: التطور التاريخي والقانونى للغش التجارى ، حيث ألقى الضوء فى هذا
المحور على تعريف الغش وأنواعه وصوره، والتطور التاريخي لتجريم صور الغش
التجارى.
الثانى: طرق وأساليب مُكافحة الغش التجارى ، حيث تم التركيز فى هذا المحور
على إبراز دور أجهزة الدولة المعنية بمواجهة هذه الظاهرة، خاصة وزارة
الداخلية فى هذا المجال.
خطة الدراسة
تناولت الدراسة موضوع الحماية الجنائية والأمنية للشاهد من خلال استعراض الفصول الآتية:
الفصل الأول : التطور التاريخي والقانونى للغش التجارى .
الفصل الثانى : المردودات الأمنية للغش التجارى وطرق مُكافحتها .
النتائج والتوصيات
أولاً: النتائــج
إن ظاهرة الغش التجارى من الظواهر القديمة قدم الإنسان ذاته، إلا أنها أصبحت من أخطر الظواهر الإجرامية المعاصرة .
موضوع حماية المستهلك من الغش التجارى يُعد من الموضوعات المهمة التى أسفر
عنها التطبيق العملى لكافة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المحيطة ، فى
العالم بصفة عامة ، وفى الدول النامية بصفة خاصة .
لجرائم الغش التجارى آثار ضارة بصحة الإنسان والحيوان والنبات، وأمن
واستقرار المجتمع وجودة المنتجات الوطنية فى الداخل والخارج، وإهدار لموارد
الدولة المالية ، فهذه الجرائم تؤثر من ناحية على الاقتصاد القومى للبلاد
بإحداث خلل فيه، وعدم التوازن بين المراكز القانونية المختلفة بأثراء طائفة
من التجار المخادعين الغشاشين على حساب طائفة أخرى من التجار الشرفاء التى
تراعى حدود الأمانة فى معاملاتها التجارية، ومن ناحية أخرى فلها تأثير
سلبي على أفراد المجتمع – جمهور المستهلكين – بإصابتهم بأضرار بالغة فى صحة
أبدانهم وذمتهم المالية .
سن المشرع الجنائى القانون رقم 48 لسنة 41 بشأن قمع التدليس والغش، وبذلك
ألغى الأحكام التى جاءت فى قانون العقوبات المتعلقة بالغش والخداع وهى
المواد 26 ، 347 ، 383 من قانون العقوبات، لعدم كفاية هذه النصوص لمواجهة
ظواهر الغش والخداع من ناحية، وظهور وسائل جديدة للغش لم يتطرق إليها قانون
العقوبات من ناحية أخرى، فقد أغفلت هذه النصوص تناول صور كثيرة من الغش
والخداع تدعو المصلحة إلى توقيع العقاب عليها، وأشارت المذكرة الإيضاحية
لقانون قمع التدليس والغش رقم 48 لسنة 41 ، مدى الأهمية والحاجة الماسة
لتجريم أفعال الغش والتدليس وخطورتها فى الحياة العملية، وقد تناول هذا
القانون الأخير صوراً شتى من الخداع والغش، وأحاطها بالتجريم كأفعال الخداع
والشروع فيه والغش والشروع فيه، وجرائم طرح أو عرض أو بيع شيء من أغذية
الإنسان أو الحيوان أو المواد التى تستعمل فى الغش، كما جرم حيازة المواد
التى تستخدم فى الغش بسبب غير مشروع أو استيرادها، كما فرض حداً أدنى يجب
مراعاته عند تركيب العقاقير الطبية أو المواد المستعملة فى غذاء الإنسان أو
الحيوان، بالإضافة إلى استعمال أوان أو أوعية معقمة فى تحضير المواد
السابقة، وفى فرنسا كان قانون العق وبات يتضمن نصوصاً تتعلق بضمان سلامة
المنتجات والمشروبات وتجريم الغش والخداع فيها، ثم صدر قانون أول أغسطس سنة
1905 والذى جرم أفعال الغش والخداع فى البضاعة، وأخيراً صدر قانون 10
يناير سنة 1978 متضمناً حماية وإعلام المستهلك حيث مد المشرع الفرنسى من
خلاله نطاق التجريم إلى المنتجات والخدمات التى تخص المستهلك .
إن اتساع مجال التفويض التشريعي فى قوانين غش الأغذية بمنح السلطة
التنفيذية الحق فى إصدار اللوائح التى لها صفة الاستعجال، لمواجهة الظواهر
الإجرامية المستحدثة ولدواعى الملاءمة أمر لابد منه، نظراً لما تتميز به
جرائم غش الأغذية من تطور، فكان لزاماً أن تكون قوانينها أكثر مرونة وأكثر
سرعة وأكثر قرباً من واقع الأحداث التى تم فيها الغش والخداع، حتى لا يفلت
مرتكبو جرائم الغش والخداع من العقاب، ولما تحققه من حماية فورية للمستهلك
من الغش والتدليس .. ولكن يحظر أن يؤخذ ذلك تكئة للخروج عن مبدأ شرعية
الجرائم والعقوبات، وأنه يجب أن تراعى ضرورة الحظر عند تقرير هذه القواعد
التجريمية لمساسها بحريات وحقوق أفراد المجتمع .
فى الآونة الأخيرة تزايد الخداع والغش فى مجال المواد والمنتجات الغذائية
والطبية بصفة عامة، كما ظهرت مجالات للغش والخداع جديدة لم يواجهها المشرع
فى القانون رقم 48 لسنة 41 ،تضر بصحة وأبدان المستهلكين وذمتهم المالية ،
وكل ذلك دعا المشرع إلى مواجهة الظواهر الإجرامية فى مجالات الغش والخداع
المستحدثة، وإضافة جرائم جديدة لم تكن مجرمة فى ذلك القانون، وذلك بإصداره
للقانون رقم 281 لسنة 94 الذى جرم من خلاله جلب المواد الفاسدة أو المغشوشة
داخل البلاد ، كما مد نطاق التجريم إلى أمور لم تكن مجرمة فى القانون
القديم رقم 48 لسنة 41، كما وسع من دائرة حماية المستهلك بإضافة أوصاف
ومنتجات جديدة حماية للمستهلك من الخداع والغش .
ومما يحسب للمشرع الجنائى فى قانون قمع التدليس والغش الجديد رقم 281 لسنة
94، إلغاؤه لقرينة افتراض العلم والتى كان منصوصاً عليها فى م2/1 من
القانون القديم رقم 48 لسنة 41 ، والمضافة بالقانون رقم 522 لسنة 1955،
وذلك ترديداً وتمشياً مع حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/2/92
بإلغاء قرينة افتراض العلم بالواقع لمجافاتها ومخالفتها لمبدأ راسخ من
مبادئ الدستور المصرى "قرينة البراءة" ، والتى فحواها "أن المتهم بريء حتى
تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه" م67 من
الدستور المصرى، فيجب أن تثبت المحكمة وتتيقن بعلم الجانى مرتكب هذه
الجرائم بغش الأغذية والمواد التى يتعامل فيها، وذلك بصورة يقينية وحقيقية
قبل أن تقيم الدليل على جرمه، وذلك من واقع الأدلة المطروحة على بساط بحثها
.
تفتق ذهن المشرع المصرى ولأول مرة عن إقرار المسئولية الجنائية للأشخاص
الاعتبارية أو المعنوية فى جرائم غش الأغذية، بالنص عليها صراحة فى نص م6
مكرر من قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 ، وما فعله المشرع
المصرى مؤخراً بإقرار تلك المسئولية مرده انتشار وذيوع تلك الكيانات
والمؤسسات القانونية الممنوح لها الشخصية المعنوية، والتى قد تمس بأفعالها
أمن وصحة وسلامة المستهلك بإنتاجها أو طرحها أو عرضها للسلع الغذائية
الفاسدة أو المغشوشة أو التى انتهى تاريخ صلاحيتها ، وهذا يمثل حماية كبيرة
للمستهلك وردعاً كبيراً لهؤلاء الأشخاص المعنوية من اقتراف جرائم الغش
والتدليس، وإنتاجها أو عرضها أو توزيعها لسلع مغشوشة أو فاسدة أو منتهية
الصلاحية أو غير مطابقة للمواصفات القياسية .
جاء قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 مشددا لكافة العقوبات
الواردة فى القانون القديم رقم 48 لسنة 41، لعدم جدوى العقوبات الواردة فى
القانون الأخير فضلاً عن انتشار- وبصورة كبيرة - جرائم الغش والخداع، إلى
حد أنها أصبحت ظاهرة تستحق الاهتمام لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للضرب
على أيدى التجار المخادعين الغشاشين الذين تنعدم لديهم الأمانة فى التعامل،
وضماناً لحماية المستهلك من الغش والتدليس ، وقد استند المشرع فى سياسته
لتشديد العقوبات الواردة فى قانون قمع التدليس والغش إلى مدى الأضرار التى
تسببها السلع المغشوشة أو الفاسدة أو المنتهى تاريخ صلاحيتها على الإنسان
أو الحيوان.
استحدث المشرع الجنائى فى قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94
عقوبات لم يكن منصوصاً عليها فى القانون القديم رقم 48 لسنة 41، أفرزها
الواقع العملى وكان لابد من مواجهتها، كعقوبة غلق المنشأة المخالفة فى نطاق
جرائم الغش والتدليس كأثر من آثار إقراره للمسئولية الجنائية للأشخاص
المعنوية، وذلك بإيقاف نشاط المنشأة المخالفة لفترة معينة وهى عقوبة
تكميلية، وقد استحدث المشرع عقوبات جوازية وليست وجوبية للمحكمة أن تقضى
بها أو لاً ولا توجد إلا بحكم قضائى، وأن قوانين التأمينات يمكن أن تكفل
للعاملين بالمنشأة التى تم غلقها كافة الحقوق التأمينية اللازمة وتعويضهم
التعويض الملائم ، كما أضاف المشرع فى القانون المعدل عقوبة إلغاء ترخيص
المنشأة فى حالة العود، أو وقف النشاط لمدة لا تزيد على خمس سنوات، أو
بإلغاء الترخيص بمزاولة النشاط، وقد جعل المشرع عقوبة إيقاف النشاط لمدة لا
تتجاوز خمس سنوات جوازية للقاضى ، فإذا رأى أن إيقاف النشاط لهذه المدة
غير كاف فله أن يحكم بعقوبة إلغاء الترخيص بمعنى ألا يكون من حق المنشأة
مزاولة نشاطها بشكل نهائى .
ومن النتائج المهمة التى توصلنا لها فى هذه الدراسة أن تشديد العقاب فى
جرائم التدليس والغش وحده لا يكفى لتحقيق الردع العام والخاص، وتقليل
ارتكاب هذه الجرائم، فيجب أيضاً تأكيد تطبيق وتنفيذ العقوبات الواردة فى
قانون قمع التدليس والغش وقوانين غش الأغذية الأخرى، وملاحقة مرتكبى هذه
الجرائم لتطبيق العقوبات عليهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب أن تتضافر
كافة الأجهزة المعنية فى الدولة فى السهر على حماية المستهلك، فليس
بالعقوبات وحدها، أو بالأحرى بتشديد العقوبات بشتى أنواعها - تضفى حماية
كاملة للمستهلك من الغش والخداع، بل يجب تضافر كل الأجهزة الحكومية وغير
الحكومية فى الدولة لتحقيق حماية المستهلك، فضلاً عن ضمان تأكيد وتنفيذ
العقوبات الواردة فى قوانين غش الأغذية وملاحقة مرتكبى هذه الجرائم
وإصابتهم فى أنفسهم وأموالهم، وذلك هو أكبر ضمان يحقق الغاية المرجوة فى
هذه القوانين وهى حماية المستهلك من الغش .
ويعد قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 بما ورد فيه من أحكام
إجرائية، بمثابة الشريعة العامة لكافة قوانين غش الأغذية الأخرى واجبة
التطبيق عند تعارضه مع الأحكام العامة الواردة فى قانون الإجراءات
الجنائية، تطبيقاً لمبدأ (القانون الخاص يقيد العام).
ثانياً: التوصيات والمقترحات
لما كان لقوانين غش الأغذية فى بعض أحكامها ذاتية خاصة تميزها عن أحكام
القانون العام – قانون العقوبات – ، وأن معظم هذه القوانين جاءت متفرقة فى
قوانين كثيرة على النحو السالف بيانه بالدراسة، لهذا فنهيب بالمشرع بأن
يقوم بلم شتات هذه القوانين المتفرقة وجمعها فى قانون واحد، يكون هدفه
وغايته الأساسية حماية المستهلك جنائياً من الغش، ويشتمل على تجريم الغش فى
كافة المجالات كغش، الأغذية والغش الصناعى، وغش العلامات والبيانات
التجارية، والغش فى مجال البناء، والغش فى الوزن والقياس والكيل، والغش فى
المعادن الثمينة، والغش فى البيوع التجارية وعقود التوريد، والغش فى براءات
الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية ، ويكون لكل نوع من أنواع الغش سالفة
البيان موادها الخاصة التى تتواءم وطبيعتها على أن يكون كل ذلك فى قانون
واحد يجمع ويحتوى على أنواع الغش السابق بيانها، لما لهذا من غاية وهدف
أساسى واحد وهو حماية المستهلك جنائياً من الغش، على أن تشكل لجنة تكون
مهمتها صياغة هذا القانون تتكون من رجال وفقهاء القانون والمهنيين والخبراء
المتخصصين فى مجال مكافحة الغش والمستهلكين وتمثلهم جمعيات أهلية..
"جمعيات حماية المستهلك" .
إن المناداة بقانون لحماية المستهلك أصبح ضرورة لازمة فى الآونة الأخيرة،
وهو يشمل مساحة من الحماية للمستهلك لا تنظمها التشريعات الحالية فى
القانون الحالى، وأهم ملامح القانون الجديد الذى يتطلع الجميع لاستصداره هو
حماية المستهلك من التعسف فى المعاملات التى يقع فيها فريسة لخبرة التجار
أو مقدمى الخدمة، أو قدرة ذلك الشخص المعنوى الاقتصادى على المفاوضة أو
التحايل الذى لا يصل إلى حد التجريم، وذلك من خلال إعلانات فيها بعض
التضليل أو شروط فى العقد قد تؤدى إلى خسارته بعض المال أو بعض الضمانات،
لهذا فإن معظم الدول وجميع الدول المتقدمة قد نظمت حماية المستهلك من خلال
تشريعات المتخصصين لتغطى المجالات السابقة، مثل تنظيم مسئولية مقدم الخدمة
أو بائع ومنتج السلعة عن التعسف أو المغالاة فى تحديد الثمن بقدر لا يتناسب
أبداً مع ما يتم تقديمـه من سلعـة أو خدمة، ومن الأشياء المتميزة فى هذا
القانون – حماية المستهلك – أنه يسمح للمشترى بالرجوع على المنتج الأصيل
"صانع البضاعة" – فى حالة غشها – سواء بمصر أو بالخارج بدعوى مباشرة رغم أن
هذا المنتج لم يوقع معه العقد ، وفى حالة عدم التمكن من الوصول إليه تسمح
هذه التشريعات بالرجوع على ال مستورد وهذا ما تنص عليه تشريعات السوق
الأوروبية المشتركة .
أهمل المشرع المصرى جانب تلوث السلع الغذائية بالإشعاع الذرى، خاصة السلع
الواردة من خارج البلاد مع انتشار مثل هذه الأمور فى الآونة الأخيرة، ويؤدى
تلوث السلع الغذائية بالإشعاع الذرى إلى إصابة المستهلك بأضرار خطيرة تودى
فى النهاية بحياته، ولا تظهر علامات ذلك إلا بعد فترة معينة، كما لم يجرم
المشرع شراء السلع المغشوشة أو الفاسدة أو المنتهى تاريخ صلاحيتها بقصد
بيعها، ولهذا نهيب بالمشرع المصرى أن يتعرض بالتجريم لمثل هذه الأفعال
مواكباً بذلك التطور التكنولوجي، ومتخذاً التدابير الجنائية اللازمة لمنع
وصول السلع الغذائية الملوثة إشعاعياً إلى داخل البلاد، لما تشكله مثل هذه
الأمور من خطر وهلاك للمستهلك .
أخذ المشرع فى العقاب على جرائم التدليس والغش بعقوبة الغرامة التى تصل
أحياناً لقيمة السلعة، ويبدو لنا أن المشرع لم يصب الهدف بذلك فقيمة السلعة
بافتراض أنها بعشرة جنيهات على سبيل المثال، فإن الفائدة التى سيحصل عليها
الجانى مرتكب هذه الجرائم من وراء بيعها قد تصل إلى عشرة أضعافها، فكيف
يحاسب على قيمة السلعة فى حين أنه قد يكون حقق عشرات أضعافها مكسباً ،
ولهذا نهيب بالمشرع المصرى أن يتبع فى تقديره للغرامة فى جرائم التدليس
والغش مدى الربح أو الفائدة التى حققها الجانى فى هذه الجرائم، أو التى
يسعى إلى تحقيقها تفويتاً على الجانى قصده ، وأن يطبق قواعد الغرامة
النسبية والتى من أهم مزاياها أنها ذات طبيعة عينية موضوعية وليست شخصية،
بمعنى أن أساس تقديرها يكون على المنفعة أو الفائدة التى حصل عليها الجانى،
ولا يمكن المحاجة فى ذلك بأن الغرامة النسبية تتعارض مع مبدأ شخصية
العقوبة، فهذا مردود عليه بأن الجناة متضامنين أو أحدهم هو الذى يتحمل قيمة
الغرامة وليس غير الجانى، ولكل ما تقدم نهيب بالمشرع المصرى أن يأخذ بمبدأ
الغرامة النسبية بدلاً من مجرد فرض حدٍ أدنى وحد أقصى للغرامة، أو حتى
قيمة السلعة المغشوشة أو الفاسدة أو التى انتهى تاريخ صلاحيتها، كما نقترح
تخصيص الغرامات المتحصلة عن جرائم الغش وكذا حصيلة بيع المواد المصادرة فى
هذه الجرائم لإنشاء صندوق لحماية الغذاء، يكون غرضه الأساسى تطوير الأساليب
المتبعة فى الكشف عن غش الأغذية فى مصر، فضلاً عن القيام باقتراح
التشريعات الحديثة المتعلقة بالغش التى تواكب التطور التكنولوجي فى مجال
الغش ومواجهته ومكافحته لتحقيق حماية المستهلك .
لم يتعرض المشرع المصرى بالنص فى قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281
لسنة 94 إلى مصادرة الربح المتحصل من جرائم غش الأغذية، وهذا أمر ما كان أن
يلتفت عنه المشرع المصرى بالرغم من أهميته وما فيه من فائدة، تنحصر فى رد
قصد التاجر المخادع الغاش بمصادرة ما كان يبتغى أن يحققه من كسب غير مشروع،
ولهذا نهيب بالمشرع المصرى أن ينتبه لذلك لما فيه من ردع للجناة مرتكبى
هذه الجرائم، فضلاً عن عدم تعرض هذا القانون لمكافحة الفساد الحكومى فى
جرائم الغش والتلاعب من جانب ذوى النفوذ، وهذا كان من الموضوعات التى تطرق
إليها مؤتمر الأُمم المُتحدة لمنع الجريمة الذى انعقد فى القاهرة عام 1995م
.
نهيب بالمشرع المصرى أن يمنح جمعيات حماية المستهلك عند مقاضاة التاجر
المخادع أو الغشاش ، الحق فى الإبلاغ وتلقى الشكاوى من المجنى عليهم فى
حالات الغش وإبلاغ الجهات المختصة عنها ومتابعتها، فضلاً عن تمثيل المجنى
عليه أمام القضاء سواء بطريق التدخل أو بطريق الادعاء المباشر للمطالبة
بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن حالات الغش .
مما لا شك فيه أن حرية التجارة العالمية التى مقتضاها إزالة العوائق
الجمركية على الصادرات والواردات من وإلى البلاد تطبيقاً لاتفاقيات الجات،
له تأثير إيجابي وآخر سلبي على المستهلك، فالتأثير الإيجابى يتمثل فى إعطاء
المستهلك فرصاً كثيرة فى الاختيار والانتقاء بين مختلف السلع لاختيار ما
يناسبه لإشباع متطلباته إشباعاً مثالياً، والتأثير السلبى الذى لا يمكن
تداركه يتمثل فى إدخال البلاد لسلع غذائية مجهولة الهوية فى كثير من
الأحيان قد تكون تالفة أو منتهية الصلاحية أو مغشوشة أو ملوثة إشعاعياً،
ويتم طرحها وعرضها فى الأسواق بأسعار زهيدة للغاية مما يقبل عليها عدد كبير
من المستهلكين دون علمهم بالأضرار التى تصيبهم منها، ولهذا نهيب بالدولة
أن تتدخل فى هذه اللحظة وأن تحكم رقابتها على منافذ البلاد المختلفة بكل
الوسائل المتاحة، لمنع دخول مثل هذه السلع وإغراق الأسواق المصرية بها
ولايتم السماح بدخول أى سلعة إلا بعد اجتيازها للاختبارات اللازمة التى
تثبت صلاحيتها للاستهلاك، وذلك بواسطة أجهزة الدولة المختلفة، التى مهمتها
الأساسية فحص رسائل الأغذية الواردة من الخارج، وذلك تحقيقاً لأمان
المستهلكين على أعمارهم وصحتهم، وحظر استيراد وإدخال أية سلع غذائية تنتهى
مدة صلاحيتها بعد أقل من 6أشهر.
نظراً لتكدس النيابات والمحاكم بقضايا الغش والخداع والتى تعرض يومياً
بالآلاف، مما يؤدى فى النهاية إلى تأخر صدور الأحكام على مرتكبى جرائم
الخداع والغش، مما يكون له تأثير كبير على العدالة الجنائية فى جرائم
التدليس والغش ، التى من مقتضياتها الفصل فى القضايا على وجه السرعة بما لا
يخل بالبحث والتقصى تحقيقاً للردع بشقيه العام والخاص، ولكل ما تقدم
فنقترح بإنشاء دوائر متخصصة فى النيابات والمحاكم يكون مناط بها النظر فى
القضايا الخاصة بالغش فى مجال الأغذية، ومما لا جدال فيه أن فكرة تخصص
أعضاء النيابة العامة والقضاة فى بحث أنواع معينة من القضايا يكسبهم خبرة
قانونية كبيرة فى هذا المجال، مما يكون له تأثير إيجابي على المتقاضين، كما
نوصى بعمل دورات تخصصية لأعضاء النيابة العامة والقضاة متخصصة فى مجال
جرائم غش الأغذية، والوسائل المختلفة التى ترتكب بها هذه الجرائم حتى تكون
عندهم دراية كبيرة وواسعة فى مجال هذه الجرائم وإطلاعهم على أحدث التطورات
العلمية والتكنولوجية فى مجال جرائم الغش والخداع، حتى تتكون لديهم الخبرة
الكاملة عن جرائم الغش والتدليس مما يجعلهم يكونون رأياً صحيحاً وحكماً
عادلاً وسريعاً، مبتغين من ذلك حماية ال مستهلك من الغش فى مجال الأغذية
فضلاً عن تيسير سبل التقاضى أمام المستهلك البسيط، وخفض تكاليف التقاضى فى
مثل هذا النوع من الدعاوى.
ينبغى استخدام اللغة العربية فى البطاقات والملصقات والعقود والفواتير
وبوالص الشحن، وكافة الوسائل التى تعلم المستهلك بحقيقة السلعة المعروضة،
حيث إنها تعطى فرصة كبيرة للتعرف على السلع الغذائية، وإن دعت الحاجة
لاستخدام اللغة الأجنبية فى حالة السلع الواردة من الخارج يمكن حينئذ الجمع
بين اللغة الأجنبية واللغة العربية، وأن تنشأ إدارة تختص بترجمة هذه
البطاقات وما إليها، حتى يكون المستهلك على بينة من أمره ويعلم ما تحتويه
السلعة من مواد ومكونات حماية له من الخداع والغش .
شاركت مصر منذ عشرين عاماً وكانت من إحدى الدول الأساسية فى وضع القواعد
الإرشادية لحماية المستهلك التى أقرتها آنذاك الأُمم المُتحدة، والتى حددت
فيها حقوق المستهلك والتى أهمها ثلاثة حقوق: أو لها حق المعرفة: بمعنى أن
يعرف المستهلك مكونات المنتج الذى يتعامل فيه من خلال البيانات المكتوبة
عليه، وثانيها حق الاختيار: بوجود أنواع مختلفة من المنتج ذاته تكون جميعها
ملتزمة بالجودة ومطابقة للمواصفات القياسية بكل منتج، وثالثها وأهمها حق
التعويض: ففى حالة إصابة المستهلك بضرر من جراء جرائم الخداع والغش فى مجال
الأغذية نتيجة للإهمال، فله حينئذ أن يطالب المتسبب فى ذلك بالتعويض
المناسب، ويجب أن يثبت أركان المسئولية وهى الخطأ والضرر وعلاقة السببية
بينهما، ويجب أن تستجيب المحكمة لطلبه وتقدر التعويض حسب جسامة الجرم
المرتكب وحجم الضرر المادى أو المعنوى الذى أصاب المستهلك، وذلك تحقيقاً
لحمايته من جرائم الغش والتدليس وردعاً لمرتكبى جرائم الغش والخداع، ورد
عليهم سوء مقصدهم فى تحقيق مكاسب غير مشروعة من ترويجهم للسلع الغذائية
الفاسدة أو التالفة أو المغشوشة .
يجب أن تبرز دور المستهلك وما له من أهمية فى إحكام الرقابة على السلع
الغذائية بالتعاون مع الجهات المختصة، فعند تعرضه لجرائم غش الأغذية أو
اكتشافه تلوث منشأة من المنشآت التى تختص بالتعامل فى السلع والمنتجات
الغذائية كالمطاعم أو الفنادق أو العائمات السياحية أو التأكد من مرض أحد
العاملين من متداولى الأغذية، يجب على المستهلك حينئذ أن يتقدم ببلاغ
بالواقعة، أو يقوم بعمل محضر فى قسم الشرطة، أو إبلاغ مكتب الصحة الواقع فى
دائرته المكان المخالف، أو عمل بلاغ بالمعامل المركزية لوزارة الصحة،
وتقوم إدارة مراقبة الأغذية بالتأكد من جدية الشكوى والحصول على المادة
الغذائية المبلغ عنها وإرسالها للمعامل ثم النيابة لاتخاذ الإجراءات
القانونية اللازمة فى هذا الشأن .
ولتحقيق الشفافية فى التعامل مع المستهلك ووضوح المعلومة بالنسبة له فنقترح
أن تنضم مصر لشبكة الإنذار المبكر ضد السلع التى يتم تداولها عبر البلاد،
والتى تحمل أضراراً مثل مرض أنفلونزا الطيور – الذى انتشر مؤخراً – أو أى
أمراض أخرى، أو عيوب تلحق بالسلعة الغذائية محل التداول، وهذه الشبكة قائمة
فى السوق الأوروبية المشتركة ويتم من خلالها التعاون بين الدول للإبلاغ عن
أى محاولات لترويج بضاعة غير سليمة أو سلعة مغشوشة أو تالفة أو منتهية
الصلاحية، ففى هذه الأحوال ترسل الشبكة إنذاراً لدولة ما بأن هناك مركباً
تحمل على متنها بضاعة تم تغيير تاريخ صلاحيتها أثناء الراحة وأنها متجهة
إليها، وأن بضاعة ما تم رفضها فى سوريا مثلاً وهى متجهة الآن فى طريقها
لمصر فى محاولة لإدخالها، فهذا النظام يقى البلاد من إغراقها بسلع غذائية
مغشوشة أو تالفة أو منتهية الصلاحية مما يكون له تأثير على مستهلكى البلاد .
أملت اعتبارات سريان اتفاقيات الجات وتحرير التجارة العالمية، وكذا
اعتبارات الدولة نحو زيادة الصادرات وتزايد الأنشطة والمنافسة على جودة
المنتجات وخاصة فى مجال الأغذية، السماح لجهات ومكاتب عالمية لأول مرة فى
مصر بالقيام بأعمال التفتيش والاختبار، للتحقق من مطابقة السلع والمنتجات
الغذائية للمواصفات القياسية العالمية، ومنح المنشأة الملتزمة بهذه
المواصفات شهادة "الأيزو" iso ، والتى كثرت الجهات المختصة التى تقوم بها
وكثر عدد الأفراد العاملين فيها بجميع أنحاء العالم، فيجب فى هذه الحالة أن
نتوخى الحذر من هذه الجهات حتى لا يكون تدخلها له بعداً سياسياً من ناحية،
ومن ناحية أخرى نقترح إنشاء مجلس وطنى يشكل المختصين بمراقبة الجودة وتمنح
له فاعليات وصلاحيات، وتكون مهمته الأساسية التحقق من جدية هذه الجهات أو
المكاتب العالمية ومراقبتها واعتماد الشهادات التى تمنحها للمنشآت داخل
البلاد، والغرض المبتغى من هذا المجلس هو تحقيق حماية المستهلك والعمل على
زيادة القدرة التنافسية للصناعة المصرية .
إن الأخذ بأسلوب خاص فى تفسير قوانين الغش التجارى – التفسير الواسع – ليس
له مجال، ولا يتم اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى – والضرورة تقدر
بقدرها – وعلى هذا فليس من المستساغ قانوناً الأخذ بالقياس أو التوسع فى
تفسير النصوص الجنائية بصفة عامة، وذلك بتجاوزها لقصد وإرادة المشرع حين
سنه للقانون احتراماً لمبدأ الشرعية الجنائية وحفاظاً على حريات وحقوق
الأفراد .
إرتبطت الجريمة منذ فجر التاريخ بوجود الإنسان على الأرض بل وتطورت أوصافها
وأشكالها بتطور حياة البشر حتى أنه يمكن القول أن تطور المجتمع وما يصاحبه
من تطور علمى وتكنولوجى ينعكس أثره على تطور الجريمة، فالجريمة بإعتبارها
إحدى صور إفرازات المجتمع يصلها ما يصل المجتمع من تطور، ومرجع ذلك أن
مرتكب الجريمة وضحيتها عضوان فى المجتمع، ويتأثران بحياته وثقافته وتطوره،
فأقصى ما يصل إليه المجرم من براعة ودراية نتيجة لهذه الثقافة والتعلم،
يحاول إستخدامها فى جريمته، فالجريمة هى محصلة كل ذلك، وقد أدى التطور
التكنولوجى فى كافة مناحى الحياة المختلفة – خاصة الإقتصادية منها - إلى
تطور مقابل ممتد الأثر فى البناء الإجتماعى وفى بعض المؤسسات الاجتماعية
والاقتصادية.
وكان التطور سريعاً ، فصاحبته ظواهر سلبية متعددة ، حيث أدى الإعلان عن
الحد من دور الدولة فى المجال الاقتصادى وتشجيعها للقطاع الخاص لكى يأخذ
المبادأة فى المجالات الصناعية والتجارية ، إلى أن سارعت بعض الفئات
الطفيلية إلى إستغلال مناخ الحرية الاقتصادية الذى اتيح وقبل أن يحاط
بالتنظيم الدقيق والضمانات الكفيلة بحماية المجتمع من هذه الأنشطة، فضلاً
عن تصاعد نشاط الفئات الطفيلية فى إستغلال مناخ الحرية لتحقيق الكسب السريع
، ونهج الكثيرون أساليب الإحتيال والغش دون تقدير لما يصاحبها من أضرار
بلغت جسامتها حد تهديد حياة الأفراد ، ووقع المستهلك ضحية لهذه الأنشطة فى
كل أوجه التعامل اليومى، وأصبح غير قادر على تجنب المخاطر التى تهدده ،
وصارت الأجهزة الحكومية المعنية بالرقابة تنوء بما يواجهها من أوجه التحايل
والغش والفساد.
ولم تقتصر هذه الأنشطة على مجال بعينه ، بل تتردد كل يوم أنباء عن ظهور
أوجه جديده من الغش والاستغلال فى كافة المعاملات ، الأمر الذى إرتقى
بأفعال الغش التجارى لتصبح ظاهرة عالمية واسعة الإنتشار ، تستحق الإهتمام
من كافة الأجهزة المعنية بمواجهتها.
أهمية الدراسة
لقد تزايدت فى الآونة الأخيرة ظاهرة الغش والخداع فى التعامل، نتيجة التقدم
المذهل والمطرد فى مجال العلوم الطبيعية والكيميائية والبيولوجية، التى
يسرت إمداد مرتكبى الغش بإمكانيات واسعة لارتكاب هذه الجرائم ، ومهارة
علمية فائقة لإخفاء آثار جرائمهم ، وخداع المستهلكين ، الأمر الذى أدى إلى
اهتمام دول العالم جميعاً بمقاومة هذه الظاهرة تشريعياً واجتماعياً وأمنياً
، وتبدو أهمية موضوع البحث فى أنه من الصعوبة بمكان – من الناحية العملية –
تحديد المتهم الحقيقي فى جرائم الغش ، وهل هو الصانع أم المنتج أم مدير
المصنع الفنى أم التاجر ، وهل هو تاجر الجملة أم الوسيط أم تاجر التجزئة أم
الشخص المعنوى، وهل الجريمة وقعت عمداً أم نتيجة إهمال ، كما ترجع الفلسفة
القانونية لتجريم صور الغش، إلى سعى المجتمعات نحو ضمان سلامة المعاملات
الصناعية والتجارية أو الاقتصادية عموماً، وذلك بالضرب على أيدى من يلجأ
إلى الغش فى سبيل تحقيق كسب غير مشروع، فالمستهلك عادة ليست لديه القدرة
على التمييز بين من يخدعه ومن يرضيه ، أو الشيء الذى يضره من عدمه ، والسعى
نحو تجنب ما ينجم عن هذا الغش من أضرار بالصحة العامة للمستهلك، سواء فى
ذلك استعمال أو تداول أو اس تهلاك المواد المغشوشة أو الفاسدة ، ولهذا حرمت
الشرائع المختلفة سلوك الغش فى ذاته أو فى البيع ، وحتى مجرد طرح أو عرض
المواد المغشوشة أو الفاسدة للبيع ، وكذلك المواد التى تستعمل فى الغش.
وتمثل حماية المستهلك أيضاً فى مواجهة أفعال الغش مطلباً أمنياً فى غاية
الأهمية ، حيث إن دور الأمن فى مصر هو حماية المواطن المصرى مما قد يتعرض
له من أخطار، سواء بالنسبة لحياته أو ماله أو صحته ، وعلى ذلك فإن دور
الأجهزة الأمنية فى حماية المستهلك يهدف إلى حماية المواطن المصرى من السلع
المغشوشة أو الفاسدة أو المنتهية الصلاحية أو غير المطابقة للمواصفات ،
ومواجهة منابع الفساد والقضاء على مافيا الغش التجارى لضمان صحة وحياة وأمن
المواطن ، وذلك للمحافظة على استقرار الشارع المصرى وتنمية الإحساس لدى
المواطن بأن الدولة ترعاه وتهدف إلى حماية مصالحه.
محاور الدراسة
تم تناول هذه الدراسة "الغش التجارى بين التجريم والمُكافحة" فى محورين أساسيين:
الأول: التطور التاريخي والقانونى للغش التجارى ، حيث ألقى الضوء فى هذا
المحور على تعريف الغش وأنواعه وصوره، والتطور التاريخي لتجريم صور الغش
التجارى.
الثانى: طرق وأساليب مُكافحة الغش التجارى ، حيث تم التركيز فى هذا المحور
على إبراز دور أجهزة الدولة المعنية بمواجهة هذه الظاهرة، خاصة وزارة
الداخلية فى هذا المجال.
خطة الدراسة
تناولت الدراسة موضوع الحماية الجنائية والأمنية للشاهد من خلال استعراض الفصول الآتية:
الفصل الأول : التطور التاريخي والقانونى للغش التجارى .
الفصل الثانى : المردودات الأمنية للغش التجارى وطرق مُكافحتها .
النتائج والتوصيات
أولاً: النتائــج
إن ظاهرة الغش التجارى من الظواهر القديمة قدم الإنسان ذاته، إلا أنها أصبحت من أخطر الظواهر الإجرامية المعاصرة .
موضوع حماية المستهلك من الغش التجارى يُعد من الموضوعات المهمة التى أسفر
عنها التطبيق العملى لكافة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المحيطة ، فى
العالم بصفة عامة ، وفى الدول النامية بصفة خاصة .
لجرائم الغش التجارى آثار ضارة بصحة الإنسان والحيوان والنبات، وأمن
واستقرار المجتمع وجودة المنتجات الوطنية فى الداخل والخارج، وإهدار لموارد
الدولة المالية ، فهذه الجرائم تؤثر من ناحية على الاقتصاد القومى للبلاد
بإحداث خلل فيه، وعدم التوازن بين المراكز القانونية المختلفة بأثراء طائفة
من التجار المخادعين الغشاشين على حساب طائفة أخرى من التجار الشرفاء التى
تراعى حدود الأمانة فى معاملاتها التجارية، ومن ناحية أخرى فلها تأثير
سلبي على أفراد المجتمع – جمهور المستهلكين – بإصابتهم بأضرار بالغة فى صحة
أبدانهم وذمتهم المالية .
سن المشرع الجنائى القانون رقم 48 لسنة 41 بشأن قمع التدليس والغش، وبذلك
ألغى الأحكام التى جاءت فى قانون العقوبات المتعلقة بالغش والخداع وهى
المواد 26 ، 347 ، 383 من قانون العقوبات، لعدم كفاية هذه النصوص لمواجهة
ظواهر الغش والخداع من ناحية، وظهور وسائل جديدة للغش لم يتطرق إليها قانون
العقوبات من ناحية أخرى، فقد أغفلت هذه النصوص تناول صور كثيرة من الغش
والخداع تدعو المصلحة إلى توقيع العقاب عليها، وأشارت المذكرة الإيضاحية
لقانون قمع التدليس والغش رقم 48 لسنة 41 ، مدى الأهمية والحاجة الماسة
لتجريم أفعال الغش والتدليس وخطورتها فى الحياة العملية، وقد تناول هذا
القانون الأخير صوراً شتى من الخداع والغش، وأحاطها بالتجريم كأفعال الخداع
والشروع فيه والغش والشروع فيه، وجرائم طرح أو عرض أو بيع شيء من أغذية
الإنسان أو الحيوان أو المواد التى تستعمل فى الغش، كما جرم حيازة المواد
التى تستخدم فى الغش بسبب غير مشروع أو استيرادها، كما فرض حداً أدنى يجب
مراعاته عند تركيب العقاقير الطبية أو المواد المستعملة فى غذاء الإنسان أو
الحيوان، بالإضافة إلى استعمال أوان أو أوعية معقمة فى تحضير المواد
السابقة، وفى فرنسا كان قانون العق وبات يتضمن نصوصاً تتعلق بضمان سلامة
المنتجات والمشروبات وتجريم الغش والخداع فيها، ثم صدر قانون أول أغسطس سنة
1905 والذى جرم أفعال الغش والخداع فى البضاعة، وأخيراً صدر قانون 10
يناير سنة 1978 متضمناً حماية وإعلام المستهلك حيث مد المشرع الفرنسى من
خلاله نطاق التجريم إلى المنتجات والخدمات التى تخص المستهلك .
إن اتساع مجال التفويض التشريعي فى قوانين غش الأغذية بمنح السلطة
التنفيذية الحق فى إصدار اللوائح التى لها صفة الاستعجال، لمواجهة الظواهر
الإجرامية المستحدثة ولدواعى الملاءمة أمر لابد منه، نظراً لما تتميز به
جرائم غش الأغذية من تطور، فكان لزاماً أن تكون قوانينها أكثر مرونة وأكثر
سرعة وأكثر قرباً من واقع الأحداث التى تم فيها الغش والخداع، حتى لا يفلت
مرتكبو جرائم الغش والخداع من العقاب، ولما تحققه من حماية فورية للمستهلك
من الغش والتدليس .. ولكن يحظر أن يؤخذ ذلك تكئة للخروج عن مبدأ شرعية
الجرائم والعقوبات، وأنه يجب أن تراعى ضرورة الحظر عند تقرير هذه القواعد
التجريمية لمساسها بحريات وحقوق أفراد المجتمع .
فى الآونة الأخيرة تزايد الخداع والغش فى مجال المواد والمنتجات الغذائية
والطبية بصفة عامة، كما ظهرت مجالات للغش والخداع جديدة لم يواجهها المشرع
فى القانون رقم 48 لسنة 41 ،تضر بصحة وأبدان المستهلكين وذمتهم المالية ،
وكل ذلك دعا المشرع إلى مواجهة الظواهر الإجرامية فى مجالات الغش والخداع
المستحدثة، وإضافة جرائم جديدة لم تكن مجرمة فى ذلك القانون، وذلك بإصداره
للقانون رقم 281 لسنة 94 الذى جرم من خلاله جلب المواد الفاسدة أو المغشوشة
داخل البلاد ، كما مد نطاق التجريم إلى أمور لم تكن مجرمة فى القانون
القديم رقم 48 لسنة 41، كما وسع من دائرة حماية المستهلك بإضافة أوصاف
ومنتجات جديدة حماية للمستهلك من الخداع والغش .
ومما يحسب للمشرع الجنائى فى قانون قمع التدليس والغش الجديد رقم 281 لسنة
94، إلغاؤه لقرينة افتراض العلم والتى كان منصوصاً عليها فى م2/1 من
القانون القديم رقم 48 لسنة 41 ، والمضافة بالقانون رقم 522 لسنة 1955،
وذلك ترديداً وتمشياً مع حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/2/92
بإلغاء قرينة افتراض العلم بالواقع لمجافاتها ومخالفتها لمبدأ راسخ من
مبادئ الدستور المصرى "قرينة البراءة" ، والتى فحواها "أن المتهم بريء حتى
تثبت إدانته فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه" م67 من
الدستور المصرى، فيجب أن تثبت المحكمة وتتيقن بعلم الجانى مرتكب هذه
الجرائم بغش الأغذية والمواد التى يتعامل فيها، وذلك بصورة يقينية وحقيقية
قبل أن تقيم الدليل على جرمه، وذلك من واقع الأدلة المطروحة على بساط بحثها
.
تفتق ذهن المشرع المصرى ولأول مرة عن إقرار المسئولية الجنائية للأشخاص
الاعتبارية أو المعنوية فى جرائم غش الأغذية، بالنص عليها صراحة فى نص م6
مكرر من قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 ، وما فعله المشرع
المصرى مؤخراً بإقرار تلك المسئولية مرده انتشار وذيوع تلك الكيانات
والمؤسسات القانونية الممنوح لها الشخصية المعنوية، والتى قد تمس بأفعالها
أمن وصحة وسلامة المستهلك بإنتاجها أو طرحها أو عرضها للسلع الغذائية
الفاسدة أو المغشوشة أو التى انتهى تاريخ صلاحيتها ، وهذا يمثل حماية كبيرة
للمستهلك وردعاً كبيراً لهؤلاء الأشخاص المعنوية من اقتراف جرائم الغش
والتدليس، وإنتاجها أو عرضها أو توزيعها لسلع مغشوشة أو فاسدة أو منتهية
الصلاحية أو غير مطابقة للمواصفات القياسية .
جاء قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 مشددا لكافة العقوبات
الواردة فى القانون القديم رقم 48 لسنة 41، لعدم جدوى العقوبات الواردة فى
القانون الأخير فضلاً عن انتشار- وبصورة كبيرة - جرائم الغش والخداع، إلى
حد أنها أصبحت ظاهرة تستحق الاهتمام لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للضرب
على أيدى التجار المخادعين الغشاشين الذين تنعدم لديهم الأمانة فى التعامل،
وضماناً لحماية المستهلك من الغش والتدليس ، وقد استند المشرع فى سياسته
لتشديد العقوبات الواردة فى قانون قمع التدليس والغش إلى مدى الأضرار التى
تسببها السلع المغشوشة أو الفاسدة أو المنتهى تاريخ صلاحيتها على الإنسان
أو الحيوان.
استحدث المشرع الجنائى فى قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94
عقوبات لم يكن منصوصاً عليها فى القانون القديم رقم 48 لسنة 41، أفرزها
الواقع العملى وكان لابد من مواجهتها، كعقوبة غلق المنشأة المخالفة فى نطاق
جرائم الغش والتدليس كأثر من آثار إقراره للمسئولية الجنائية للأشخاص
المعنوية، وذلك بإيقاف نشاط المنشأة المخالفة لفترة معينة وهى عقوبة
تكميلية، وقد استحدث المشرع عقوبات جوازية وليست وجوبية للمحكمة أن تقضى
بها أو لاً ولا توجد إلا بحكم قضائى، وأن قوانين التأمينات يمكن أن تكفل
للعاملين بالمنشأة التى تم غلقها كافة الحقوق التأمينية اللازمة وتعويضهم
التعويض الملائم ، كما أضاف المشرع فى القانون المعدل عقوبة إلغاء ترخيص
المنشأة فى حالة العود، أو وقف النشاط لمدة لا تزيد على خمس سنوات، أو
بإلغاء الترخيص بمزاولة النشاط، وقد جعل المشرع عقوبة إيقاف النشاط لمدة لا
تتجاوز خمس سنوات جوازية للقاضى ، فإذا رأى أن إيقاف النشاط لهذه المدة
غير كاف فله أن يحكم بعقوبة إلغاء الترخيص بمعنى ألا يكون من حق المنشأة
مزاولة نشاطها بشكل نهائى .
ومن النتائج المهمة التى توصلنا لها فى هذه الدراسة أن تشديد العقاب فى
جرائم التدليس والغش وحده لا يكفى لتحقيق الردع العام والخاص، وتقليل
ارتكاب هذه الجرائم، فيجب أيضاً تأكيد تطبيق وتنفيذ العقوبات الواردة فى
قانون قمع التدليس والغش وقوانين غش الأغذية الأخرى، وملاحقة مرتكبى هذه
الجرائم لتطبيق العقوبات عليهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب أن تتضافر
كافة الأجهزة المعنية فى الدولة فى السهر على حماية المستهلك، فليس
بالعقوبات وحدها، أو بالأحرى بتشديد العقوبات بشتى أنواعها - تضفى حماية
كاملة للمستهلك من الغش والخداع، بل يجب تضافر كل الأجهزة الحكومية وغير
الحكومية فى الدولة لتحقيق حماية المستهلك، فضلاً عن ضمان تأكيد وتنفيذ
العقوبات الواردة فى قوانين غش الأغذية وملاحقة مرتكبى هذه الجرائم
وإصابتهم فى أنفسهم وأموالهم، وذلك هو أكبر ضمان يحقق الغاية المرجوة فى
هذه القوانين وهى حماية المستهلك من الغش .
ويعد قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281 لسنة 94 بما ورد فيه من أحكام
إجرائية، بمثابة الشريعة العامة لكافة قوانين غش الأغذية الأخرى واجبة
التطبيق عند تعارضه مع الأحكام العامة الواردة فى قانون الإجراءات
الجنائية، تطبيقاً لمبدأ (القانون الخاص يقيد العام).
ثانياً: التوصيات والمقترحات
لما كان لقوانين غش الأغذية فى بعض أحكامها ذاتية خاصة تميزها عن أحكام
القانون العام – قانون العقوبات – ، وأن معظم هذه القوانين جاءت متفرقة فى
قوانين كثيرة على النحو السالف بيانه بالدراسة، لهذا فنهيب بالمشرع بأن
يقوم بلم شتات هذه القوانين المتفرقة وجمعها فى قانون واحد، يكون هدفه
وغايته الأساسية حماية المستهلك جنائياً من الغش، ويشتمل على تجريم الغش فى
كافة المجالات كغش، الأغذية والغش الصناعى، وغش العلامات والبيانات
التجارية، والغش فى مجال البناء، والغش فى الوزن والقياس والكيل، والغش فى
المعادن الثمينة، والغش فى البيوع التجارية وعقود التوريد، والغش فى براءات
الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية ، ويكون لكل نوع من أنواع الغش سالفة
البيان موادها الخاصة التى تتواءم وطبيعتها على أن يكون كل ذلك فى قانون
واحد يجمع ويحتوى على أنواع الغش السابق بيانها، لما لهذا من غاية وهدف
أساسى واحد وهو حماية المستهلك جنائياً من الغش، على أن تشكل لجنة تكون
مهمتها صياغة هذا القانون تتكون من رجال وفقهاء القانون والمهنيين والخبراء
المتخصصين فى مجال مكافحة الغش والمستهلكين وتمثلهم جمعيات أهلية..
"جمعيات حماية المستهلك" .
إن المناداة بقانون لحماية المستهلك أصبح ضرورة لازمة فى الآونة الأخيرة،
وهو يشمل مساحة من الحماية للمستهلك لا تنظمها التشريعات الحالية فى
القانون الحالى، وأهم ملامح القانون الجديد الذى يتطلع الجميع لاستصداره هو
حماية المستهلك من التعسف فى المعاملات التى يقع فيها فريسة لخبرة التجار
أو مقدمى الخدمة، أو قدرة ذلك الشخص المعنوى الاقتصادى على المفاوضة أو
التحايل الذى لا يصل إلى حد التجريم، وذلك من خلال إعلانات فيها بعض
التضليل أو شروط فى العقد قد تؤدى إلى خسارته بعض المال أو بعض الضمانات،
لهذا فإن معظم الدول وجميع الدول المتقدمة قد نظمت حماية المستهلك من خلال
تشريعات المتخصصين لتغطى المجالات السابقة، مثل تنظيم مسئولية مقدم الخدمة
أو بائع ومنتج السلعة عن التعسف أو المغالاة فى تحديد الثمن بقدر لا يتناسب
أبداً مع ما يتم تقديمـه من سلعـة أو خدمة، ومن الأشياء المتميزة فى هذا
القانون – حماية المستهلك – أنه يسمح للمشترى بالرجوع على المنتج الأصيل
"صانع البضاعة" – فى حالة غشها – سواء بمصر أو بالخارج بدعوى مباشرة رغم أن
هذا المنتج لم يوقع معه العقد ، وفى حالة عدم التمكن من الوصول إليه تسمح
هذه التشريعات بالرجوع على ال مستورد وهذا ما تنص عليه تشريعات السوق
الأوروبية المشتركة .
أهمل المشرع المصرى جانب تلوث السلع الغذائية بالإشعاع الذرى، خاصة السلع
الواردة من خارج البلاد مع انتشار مثل هذه الأمور فى الآونة الأخيرة، ويؤدى
تلوث السلع الغذائية بالإشعاع الذرى إلى إصابة المستهلك بأضرار خطيرة تودى
فى النهاية بحياته، ولا تظهر علامات ذلك إلا بعد فترة معينة، كما لم يجرم
المشرع شراء السلع المغشوشة أو الفاسدة أو المنتهى تاريخ صلاحيتها بقصد
بيعها، ولهذا نهيب بالمشرع المصرى أن يتعرض بالتجريم لمثل هذه الأفعال
مواكباً بذلك التطور التكنولوجي، ومتخذاً التدابير الجنائية اللازمة لمنع
وصول السلع الغذائية الملوثة إشعاعياً إلى داخل البلاد، لما تشكله مثل هذه
الأمور من خطر وهلاك للمستهلك .
أخذ المشرع فى العقاب على جرائم التدليس والغش بعقوبة الغرامة التى تصل
أحياناً لقيمة السلعة، ويبدو لنا أن المشرع لم يصب الهدف بذلك فقيمة السلعة
بافتراض أنها بعشرة جنيهات على سبيل المثال، فإن الفائدة التى سيحصل عليها
الجانى مرتكب هذه الجرائم من وراء بيعها قد تصل إلى عشرة أضعافها، فكيف
يحاسب على قيمة السلعة فى حين أنه قد يكون حقق عشرات أضعافها مكسباً ،
ولهذا نهيب بالمشرع المصرى أن يتبع فى تقديره للغرامة فى جرائم التدليس
والغش مدى الربح أو الفائدة التى حققها الجانى فى هذه الجرائم، أو التى
يسعى إلى تحقيقها تفويتاً على الجانى قصده ، وأن يطبق قواعد الغرامة
النسبية والتى من أهم مزاياها أنها ذات طبيعة عينية موضوعية وليست شخصية،
بمعنى أن أساس تقديرها يكون على المنفعة أو الفائدة التى حصل عليها الجانى،
ولا يمكن المحاجة فى ذلك بأن الغرامة النسبية تتعارض مع مبدأ شخصية
العقوبة، فهذا مردود عليه بأن الجناة متضامنين أو أحدهم هو الذى يتحمل قيمة
الغرامة وليس غير الجانى، ولكل ما تقدم نهيب بالمشرع المصرى أن يأخذ بمبدأ
الغرامة النسبية بدلاً من مجرد فرض حدٍ أدنى وحد أقصى للغرامة، أو حتى
قيمة السلعة المغشوشة أو الفاسدة أو التى انتهى تاريخ صلاحيتها، كما نقترح
تخصيص الغرامات المتحصلة عن جرائم الغش وكذا حصيلة بيع المواد المصادرة فى
هذه الجرائم لإنشاء صندوق لحماية الغذاء، يكون غرضه الأساسى تطوير الأساليب
المتبعة فى الكشف عن غش الأغذية فى مصر، فضلاً عن القيام باقتراح
التشريعات الحديثة المتعلقة بالغش التى تواكب التطور التكنولوجي فى مجال
الغش ومواجهته ومكافحته لتحقيق حماية المستهلك .
لم يتعرض المشرع المصرى بالنص فى قانون قمع التدليس والغش المعدل رقم 281
لسنة 94 إلى مصادرة الربح المتحصل من جرائم غش الأغذية، وهذا أمر ما كان أن
يلتفت عنه المشرع المصرى بالرغم من أهميته وما فيه من فائدة، تنحصر فى رد
قصد التاجر المخادع الغاش بمصادرة ما كان يبتغى أن يحققه من كسب غير مشروع،
ولهذا نهيب بالمشرع المصرى أن ينتبه لذلك لما فيه من ردع للجناة مرتكبى
هذه الجرائم، فضلاً عن عدم تعرض هذا القانون لمكافحة الفساد الحكومى فى
جرائم الغش والتلاعب من جانب ذوى النفوذ، وهذا كان من الموضوعات التى تطرق
إليها مؤتمر الأُمم المُتحدة لمنع الجريمة الذى انعقد فى القاهرة عام 1995م
.
نهيب بالمشرع المصرى أن يمنح جمعيات حماية المستهلك عند مقاضاة التاجر
المخادع أو الغشاش ، الحق فى الإبلاغ وتلقى الشكاوى من المجنى عليهم فى
حالات الغش وإبلاغ الجهات المختصة عنها ومتابعتها، فضلاً عن تمثيل المجنى
عليه أمام القضاء سواء بطريق التدخل أو بطريق الادعاء المباشر للمطالبة
بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن حالات الغش .
مما لا شك فيه أن حرية التجارة العالمية التى مقتضاها إزالة العوائق
الجمركية على الصادرات والواردات من وإلى البلاد تطبيقاً لاتفاقيات الجات،
له تأثير إيجابي وآخر سلبي على المستهلك، فالتأثير الإيجابى يتمثل فى إعطاء
المستهلك فرصاً كثيرة فى الاختيار والانتقاء بين مختلف السلع لاختيار ما
يناسبه لإشباع متطلباته إشباعاً مثالياً، والتأثير السلبى الذى لا يمكن
تداركه يتمثل فى إدخال البلاد لسلع غذائية مجهولة الهوية فى كثير من
الأحيان قد تكون تالفة أو منتهية الصلاحية أو مغشوشة أو ملوثة إشعاعياً،
ويتم طرحها وعرضها فى الأسواق بأسعار زهيدة للغاية مما يقبل عليها عدد كبير
من المستهلكين دون علمهم بالأضرار التى تصيبهم منها، ولهذا نهيب بالدولة
أن تتدخل فى هذه اللحظة وأن تحكم رقابتها على منافذ البلاد المختلفة بكل
الوسائل المتاحة، لمنع دخول مثل هذه السلع وإغراق الأسواق المصرية بها
ولايتم السماح بدخول أى سلعة إلا بعد اجتيازها للاختبارات اللازمة التى
تثبت صلاحيتها للاستهلاك، وذلك بواسطة أجهزة الدولة المختلفة، التى مهمتها
الأساسية فحص رسائل الأغذية الواردة من الخارج، وذلك تحقيقاً لأمان
المستهلكين على أعمارهم وصحتهم، وحظر استيراد وإدخال أية سلع غذائية تنتهى
مدة صلاحيتها بعد أقل من 6أشهر.
نظراً لتكدس النيابات والمحاكم بقضايا الغش والخداع والتى تعرض يومياً
بالآلاف، مما يؤدى فى النهاية إلى تأخر صدور الأحكام على مرتكبى جرائم
الخداع والغش، مما يكون له تأثير كبير على العدالة الجنائية فى جرائم
التدليس والغش ، التى من مقتضياتها الفصل فى القضايا على وجه السرعة بما لا
يخل بالبحث والتقصى تحقيقاً للردع بشقيه العام والخاص، ولكل ما تقدم
فنقترح بإنشاء دوائر متخصصة فى النيابات والمحاكم يكون مناط بها النظر فى
القضايا الخاصة بالغش فى مجال الأغذية، ومما لا جدال فيه أن فكرة تخصص
أعضاء النيابة العامة والقضاة فى بحث أنواع معينة من القضايا يكسبهم خبرة
قانونية كبيرة فى هذا المجال، مما يكون له تأثير إيجابي على المتقاضين، كما
نوصى بعمل دورات تخصصية لأعضاء النيابة العامة والقضاة متخصصة فى مجال
جرائم غش الأغذية، والوسائل المختلفة التى ترتكب بها هذه الجرائم حتى تكون
عندهم دراية كبيرة وواسعة فى مجال هذه الجرائم وإطلاعهم على أحدث التطورات
العلمية والتكنولوجية فى مجال جرائم الغش والخداع، حتى تتكون لديهم الخبرة
الكاملة عن جرائم الغش والتدليس مما يجعلهم يكونون رأياً صحيحاً وحكماً
عادلاً وسريعاً، مبتغين من ذلك حماية ال مستهلك من الغش فى مجال الأغذية
فضلاً عن تيسير سبل التقاضى أمام المستهلك البسيط، وخفض تكاليف التقاضى فى
مثل هذا النوع من الدعاوى.
ينبغى استخدام اللغة العربية فى البطاقات والملصقات والعقود والفواتير
وبوالص الشحن، وكافة الوسائل التى تعلم المستهلك بحقيقة السلعة المعروضة،
حيث إنها تعطى فرصة كبيرة للتعرف على السلع الغذائية، وإن دعت الحاجة
لاستخدام اللغة الأجنبية فى حالة السلع الواردة من الخارج يمكن حينئذ الجمع
بين اللغة الأجنبية واللغة العربية، وأن تنشأ إدارة تختص بترجمة هذه
البطاقات وما إليها، حتى يكون المستهلك على بينة من أمره ويعلم ما تحتويه
السلعة من مواد ومكونات حماية له من الخداع والغش .
شاركت مصر منذ عشرين عاماً وكانت من إحدى الدول الأساسية فى وضع القواعد
الإرشادية لحماية المستهلك التى أقرتها آنذاك الأُمم المُتحدة، والتى حددت
فيها حقوق المستهلك والتى أهمها ثلاثة حقوق: أو لها حق المعرفة: بمعنى أن
يعرف المستهلك مكونات المنتج الذى يتعامل فيه من خلال البيانات المكتوبة
عليه، وثانيها حق الاختيار: بوجود أنواع مختلفة من المنتج ذاته تكون جميعها
ملتزمة بالجودة ومطابقة للمواصفات القياسية بكل منتج، وثالثها وأهمها حق
التعويض: ففى حالة إصابة المستهلك بضرر من جراء جرائم الخداع والغش فى مجال
الأغذية نتيجة للإهمال، فله حينئذ أن يطالب المتسبب فى ذلك بالتعويض
المناسب، ويجب أن يثبت أركان المسئولية وهى الخطأ والضرر وعلاقة السببية
بينهما، ويجب أن تستجيب المحكمة لطلبه وتقدر التعويض حسب جسامة الجرم
المرتكب وحجم الضرر المادى أو المعنوى الذى أصاب المستهلك، وذلك تحقيقاً
لحمايته من جرائم الغش والتدليس وردعاً لمرتكبى جرائم الغش والخداع، ورد
عليهم سوء مقصدهم فى تحقيق مكاسب غير مشروعة من ترويجهم للسلع الغذائية
الفاسدة أو التالفة أو المغشوشة .
يجب أن تبرز دور المستهلك وما له من أهمية فى إحكام الرقابة على السلع
الغذائية بالتعاون مع الجهات المختصة، فعند تعرضه لجرائم غش الأغذية أو
اكتشافه تلوث منشأة من المنشآت التى تختص بالتعامل فى السلع والمنتجات
الغذائية كالمطاعم أو الفنادق أو العائمات السياحية أو التأكد من مرض أحد
العاملين من متداولى الأغذية، يجب على المستهلك حينئذ أن يتقدم ببلاغ
بالواقعة، أو يقوم بعمل محضر فى قسم الشرطة، أو إبلاغ مكتب الصحة الواقع فى
دائرته المكان المخالف، أو عمل بلاغ بالمعامل المركزية لوزارة الصحة،
وتقوم إدارة مراقبة الأغذية بالتأكد من جدية الشكوى والحصول على المادة
الغذائية المبلغ عنها وإرسالها للمعامل ثم النيابة لاتخاذ الإجراءات
القانونية اللازمة فى هذا الشأن .
ولتحقيق الشفافية فى التعامل مع المستهلك ووضوح المعلومة بالنسبة له فنقترح
أن تنضم مصر لشبكة الإنذار المبكر ضد السلع التى يتم تداولها عبر البلاد،
والتى تحمل أضراراً مثل مرض أنفلونزا الطيور – الذى انتشر مؤخراً – أو أى
أمراض أخرى، أو عيوب تلحق بالسلعة الغذائية محل التداول، وهذه الشبكة قائمة
فى السوق الأوروبية المشتركة ويتم من خلالها التعاون بين الدول للإبلاغ عن
أى محاولات لترويج بضاعة غير سليمة أو سلعة مغشوشة أو تالفة أو منتهية
الصلاحية، ففى هذه الأحوال ترسل الشبكة إنذاراً لدولة ما بأن هناك مركباً
تحمل على متنها بضاعة تم تغيير تاريخ صلاحيتها أثناء الراحة وأنها متجهة
إليها، وأن بضاعة ما تم رفضها فى سوريا مثلاً وهى متجهة الآن فى طريقها
لمصر فى محاولة لإدخالها، فهذا النظام يقى البلاد من إغراقها بسلع غذائية
مغشوشة أو تالفة أو منتهية الصلاحية مما يكون له تأثير على مستهلكى البلاد .
أملت اعتبارات سريان اتفاقيات الجات وتحرير التجارة العالمية، وكذا
اعتبارات الدولة نحو زيادة الصادرات وتزايد الأنشطة والمنافسة على جودة
المنتجات وخاصة فى مجال الأغذية، السماح لجهات ومكاتب عالمية لأول مرة فى
مصر بالقيام بأعمال التفتيش والاختبار، للتحقق من مطابقة السلع والمنتجات
الغذائية للمواصفات القياسية العالمية، ومنح المنشأة الملتزمة بهذه
المواصفات شهادة "الأيزو" iso ، والتى كثرت الجهات المختصة التى تقوم بها
وكثر عدد الأفراد العاملين فيها بجميع أنحاء العالم، فيجب فى هذه الحالة أن
نتوخى الحذر من هذه الجهات حتى لا يكون تدخلها له بعداً سياسياً من ناحية،
ومن ناحية أخرى نقترح إنشاء مجلس وطنى يشكل المختصين بمراقبة الجودة وتمنح
له فاعليات وصلاحيات، وتكون مهمته الأساسية التحقق من جدية هذه الجهات أو
المكاتب العالمية ومراقبتها واعتماد الشهادات التى تمنحها للمنشآت داخل
البلاد، والغرض المبتغى من هذا المجلس هو تحقيق حماية المستهلك والعمل على
زيادة القدرة التنافسية للصناعة المصرية .
إن الأخذ بأسلوب خاص فى تفسير قوانين الغش التجارى – التفسير الواسع – ليس
له مجال، ولا يتم اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى – والضرورة تقدر
بقدرها – وعلى هذا فليس من المستساغ قانوناً الأخذ بالقياس أو التوسع فى
تفسير النصوص الجنائية بصفة عامة، وذلك بتجاوزها لقصد وإرادة المشرع حين
سنه للقانون احتراماً لمبدأ الشرعية الجنائية وحفاظاً على حريات وحقوق
الأفراد .