مسار التحكيم في قضايا
الأحوال الشخصية للمسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام
على رسول الله الأمين وبعد فإن النكاح سُنة من سنن الأنبياء وشعيرة من
شعائر الأتقياء وأدب من رب السماوات والأرض فقد جعله الله موضع العناية
وصرف فيه الآيات بل جعله آية من آيات الله الدالة علي عظيم قدرته ووحدانيته
فقال عز من قائل (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها
وجعل بينكم مودة ورحمة) وقال (وأتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال (وكيف
تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظا) (ولا تنسوا
الفضل بينكم) (ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً فإذا بلغن أجلهم
فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يفارق الحياة ويذكَّر أمته بقوله "
الله الله في النساء " تلك الآيات كلها تشير إلي قدسية العلاقة الزوجية
وقبل أن ندخل في الموضوع نود أن نبين أن الأحكام التي وردت فيما يحدث بين
الزوجين من خلافات مأخوذة من المذهب المالكي.
1 - ونقول أن هذه الرابطة القوية التي تعد السبيل الوحيد الشرعي لبقاء نوع
الإنسان على وجه الأرض لا بد أن تُجعل في يد أمينة ورزينة بحيث لا تنساق
وراء الأهواء والعواطف لتبقى مصونة ولهذا جعل حل العصمة بيد الرجل دون
المرأة - أما إذا كان الرجل لم يكن موضع ثقة لحفظ هذا الميثاق الغليظ أو
أنه يستعمل حق تملكه للعصمة استعمالاً سيئاً فإن المشرع لم يقف مكتوف
الأيدي بل يتدخل وينزع هذا الحق منه كما ينزع مال المفلس لمخاصمة الغرماء
وكما يحجز على السفيه من التصرف في ماله وذلك إعمالاً لمقاصد الشرع العامة
وإبقاء لجزئية حق الزوج في ملك العصمة لقول الله تعالى : (ولو اتبع الحق
أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهنَّ) ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا
ضرر ولا ضرار " المؤمنون الآية (71).
2 - إن التحكيم طريق من طرق رد الأمانات إلى أهلها والمأمور به في القرآن الكريم لذلك يلجأ إليه في موضعين :
الأول : عند اختلاط الحق بالباطل بحيث لم يعرف الظالم من المظلوم وهو ما يحدث في زماننا هذا.
الثاني : عند خشية تفاقم الأمر باستشراء العداوة وتمزق العلاقات وتعمقها
بحيث يستحيل معها دوام العشرة المفضي إلى التخاصم المؤدى إلى التقاضي.
3 - إن بعث الحكمين يكون من جهة القاضي أو جماعة المسلمين أو الزوجين وهذا
مأخوذ من صيغة الجمع في لفظ (خفتم) ولفظ (فابعثوا) من الآية الكريمة من
سورة النساء وذلك لعموم الخطاب الموجه إلى المؤمنين وعليه فإن القول الصحيح
هو شمول الخطاب لجميع ما ذكر جرياً على ظاهر العموم الذي لم يرد ما يصرفه
نحو الخصوص ولأن الأمــر بالمعــروف والنهــى عــن المنكر منـوط بأعناق
الجميع ولقولـــه تعالى (إنما المؤمنون أخوة فاصلحوا بين أخويكم) الحجرات
الآية (10).
4 - هناك سؤال حول المبعوثين هل هما حكمان أو وكيلان إن القولين قد قال
بهما خلق كثير ولكن القائل بأنهما حكمان قد تمسك بالأصل وهو إطلاق لفظ
الحكم على المبعوثين في الآية الكريمة ولأن اللفظ أيضاً مُشعر بذلك لأنه من
الحُكم -وأما القائل بأنهما وكيلان فقد خالف الدلالة الظاهرة وحجته في ذلك
قوله تعالى (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) ووجهتهم في الدلالة هو
ذكر الإصلاح دون ذكر التفريق الشيء الذي يدل على انهما وكيلان وإلا لكان
لهما الصلاحية المطلقة وهذا الاستدلال مردود لعدم تعيين هذا المعنى حتى
يقوىَّ معارضة الظاهر ووجه آخر للرد بأن قصد الإصلاح على الإبقاء على
النكاح دون التفريق غير متعين فقد يكون الصلاح في الإبقاء على النكاح وقد
يكون في التفريق وذلك لقوله تعالى (وعسى أن تكرهـوا شيئاً ويجعـل الله فيه
خــيراً كثيراً) وقولــه (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) الطلاق الآية
(2) ، والمعروف ما وافق الشرع الفطرة السليمة عكس المنكر - وعليه فإن
الراجح الذي يسنده ظاهر السياق وصنيع الفقهاء كونهما حكمين وقد قال فقهاء
المالكية بوجوب إنفاذ القاضي لحكم الحكمين مطلقاً وقالوا بعـدم جواز إقلاع
الزوجين عن الحكمين حتى لو أقاماهما إذا استوعبا الكشف وعزما على الحكم.
5 - وأجمع الفقهاء على أن يكون الحكمان رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين
يعرفان ما بين الزوجين حتى لو عن طريق الشهرة والتسامع قياساً على إثبات
الضرر لأن الوسيلة المؤدية إلى التحكيم هو الضرر أنظر المادة 162 من قانون
الأحوال الشخصية وأجمعوا أيضاً على انهما يكونان من أهل الزوج والزوجة وذلك
على سبيل الندب وليس على سبيل الوجوب وعللوا ذلك بدراية القريب حقيقة ما
يدور من الخلاف في غالب الأمر وعليه فإن غير القريب إذا علم المطلوب وحكم
بناء عليه فإنه جائز لكون ذكر القرابة من باب الوسائل وليس من باب المقاصد.
6 - جاء في كتاب ابن جرير الطبرى في تفسيره لآية الحكمين بأن يؤخذ من كل
منهما ميثاقاً ليصدق صاحبه بما قاله في العلاقة بين الزوج والزوجة وبما
قاله الزوجان إن وجدا هذا مسلك من مسالك التثبت والمعين على التوثق من أمر
الحكمين.
7 - إن الحكمين المبعوثين من القاضي يسعفهما ما جمعاه من معلومات ثم
يستعينان بما أقر به الزوجان إن وجدا وكذلك يستعينان من الأهل والجيران
والأصدقاء والصالحين العدول لأن الحكم متفرع عن العلم الذي يتوصلان إليه من
كل هذه المصادر لأن الحكم فرع عن التصور.
8 - إن الشقاق من الزوجة يكون بالنشوز وبتركها لأداء حق الله عليها الذي
الزمها الله نحــو زوجهـا والزوجـة لا تصل إلى هـــذا الحــد في الغالب
الأعــم إلاّ إذا افتقدت الجو الصالح - أما الشقاق من الزوج فيتركه إمساكها
بالمعروف أو تسريحها بإحسان.
9 - ما جاء بالمذكرة التي رفعها الزملاء من أن المحكمة تعلن عن تعيين
الحكمين بأسمائهما ثم ينظر رد الزوج عنه غير لازم لأنه لا يلزم منه توقف
تعيين الحكمين على الزوجين وهذا التوقف لم يقل به أحد فيما نعلم فقد روى عن
عثمان وعلى وابن عباس والشعبي والنخعي ومالك والأوازعى واسحق رضى الله
عنهم جميعاً بأن الباعث هو الحاكم وحكى ذلك ابن كثير عن الجمهور وعليه فلا
معنى لعرض الحكمين المقامين من القاضي على الزوج.
10- وأيضاً قول المذكرة بعرض ما تم من إجراءات الحكمين على الزوج فإن قصد
به إعطاء حق للزوج على إبداء الاعتراض على ما توصل إليه الحكمان فهو غير
مسلم به وأيضاً لما ذكرناه من أن الحكمين إذا استوعبا الكشف وعزما على
الحكم فليس لأحد الاعتراض ولو كانا مقامين من قبل الزوج أو الزوجة فكيف وقد
أقيما من قبل القاضي أما إذا كان الاتصال بالزوج لغرض احتياج الحكمين
لمعلومات فعليهما ذلك إن أمكن.
11- قول المذكرة بعرض القضية للمحكمة بعد إتمام إجراءات التحكيم لاتخاذ ما
تراه مبنى على أن المبعوثين وكيلان وقد ذكرنا من أن كونهما حكمين أظهر
وأقوى من كونهما وكيلين بدلالة الآية وعليه فإنهما يحكمان وينفذ حكمها لأن
حكم العدل العالم يرفع الخلاف ولا يحل حراماً إلا إذا خالف نصاً أو إجماعاً
أو جلى قياس فينقض - والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة.
بعد هذا السرد وبعد أن علمنا أن المذهب المستمد منه أمر الحكمين هو المذهب
المالكي وبعد أن تأكد لنا من النصوص أن المبعوثين حكمان وليسا وكيلين فماذا
يكون الموقف مع الغائب وخاصة المتعنت الذي يحاول الإضرار بالزوجة بمثل ما
جاء بالمذكرة التي توصلت إليها اللجنة ومعلوم أن تصرف الوكيل يصح بغيبة
الموكل إن قلنا أنهما وكيلان أما إن قلنا أنهما حكمان وهذا هو الرأي الراجح
كما أسلفنا فلا يصح فعلهما لأن الحكم لا يصح للغائب أكرر للغائب ولكنه يصح
على الغائب أكرر على الغائب.
وهنا يجدر بي أن أنقل ما جاء في كتاب شرح المهذب للنووي الجزء 16 [فإن قلنا
أنهما وكيلان صح فعلهما لأن تصرف الوكيل يصح بغيبة الموكل وإن قلنا انهما
حكمان لم يصح فعلهما لأن الحكم لا يصح للغائب وإن صح الحكم عليه لأن كل
واحد منهما محكوم له أو عليه لأن حق الزوجين أو أحدهما لم يصح فعلهما لأنه
أن قلنا أنهما وكيلان بطلت وكالة من أصيب بالجنون وإن قلنا انهما حاكمان
فانهما يحكمان الشقاق وبالجنون حتى وإن لم يرضيا أو أحدهما وبالقول انهما
حاكمان لا يعتد برضائهما وعليه أرى وخروجاً من قصد إضرار بعض الأزواج
بالزوجات ومنعاً لتلاعب بعض المحامين باستغلال رخاوة الأمر أرى أن يجرى في
قضية التحكيم ما يجرى على سائر القضايا بالإعلان فقط ثم السير في الإجراءات
إلـى أن تقرر أي الحكمين وقد تأكد لنا أنهما حاكمان وليسا وكيلين.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
الأحوال الشخصية للمسلمين
الحمد لله والصلاة والسلام
على رسول الله الأمين وبعد فإن النكاح سُنة من سنن الأنبياء وشعيرة من
شعائر الأتقياء وأدب من رب السماوات والأرض فقد جعله الله موضع العناية
وصرف فيه الآيات بل جعله آية من آيات الله الدالة علي عظيم قدرته ووحدانيته
فقال عز من قائل (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها
وجعل بينكم مودة ورحمة) وقال (وأتوا النساء صدقاتهن نحلة) وقال (وكيف
تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظا) (ولا تنسوا
الفضل بينكم) (ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً فإذا بلغن أجلهم
فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يفارق الحياة ويذكَّر أمته بقوله "
الله الله في النساء " تلك الآيات كلها تشير إلي قدسية العلاقة الزوجية
وقبل أن ندخل في الموضوع نود أن نبين أن الأحكام التي وردت فيما يحدث بين
الزوجين من خلافات مأخوذة من المذهب المالكي.
1 - ونقول أن هذه الرابطة القوية التي تعد السبيل الوحيد الشرعي لبقاء نوع
الإنسان على وجه الأرض لا بد أن تُجعل في يد أمينة ورزينة بحيث لا تنساق
وراء الأهواء والعواطف لتبقى مصونة ولهذا جعل حل العصمة بيد الرجل دون
المرأة - أما إذا كان الرجل لم يكن موضع ثقة لحفظ هذا الميثاق الغليظ أو
أنه يستعمل حق تملكه للعصمة استعمالاً سيئاً فإن المشرع لم يقف مكتوف
الأيدي بل يتدخل وينزع هذا الحق منه كما ينزع مال المفلس لمخاصمة الغرماء
وكما يحجز على السفيه من التصرف في ماله وذلك إعمالاً لمقاصد الشرع العامة
وإبقاء لجزئية حق الزوج في ملك العصمة لقول الله تعالى : (ولو اتبع الحق
أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهنَّ) ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا
ضرر ولا ضرار " المؤمنون الآية (71).
2 - إن التحكيم طريق من طرق رد الأمانات إلى أهلها والمأمور به في القرآن الكريم لذلك يلجأ إليه في موضعين :
الأول : عند اختلاط الحق بالباطل بحيث لم يعرف الظالم من المظلوم وهو ما يحدث في زماننا هذا.
الثاني : عند خشية تفاقم الأمر باستشراء العداوة وتمزق العلاقات وتعمقها
بحيث يستحيل معها دوام العشرة المفضي إلى التخاصم المؤدى إلى التقاضي.
3 - إن بعث الحكمين يكون من جهة القاضي أو جماعة المسلمين أو الزوجين وهذا
مأخوذ من صيغة الجمع في لفظ (خفتم) ولفظ (فابعثوا) من الآية الكريمة من
سورة النساء وذلك لعموم الخطاب الموجه إلى المؤمنين وعليه فإن القول الصحيح
هو شمول الخطاب لجميع ما ذكر جرياً على ظاهر العموم الذي لم يرد ما يصرفه
نحو الخصوص ولأن الأمــر بالمعــروف والنهــى عــن المنكر منـوط بأعناق
الجميع ولقولـــه تعالى (إنما المؤمنون أخوة فاصلحوا بين أخويكم) الحجرات
الآية (10).
4 - هناك سؤال حول المبعوثين هل هما حكمان أو وكيلان إن القولين قد قال
بهما خلق كثير ولكن القائل بأنهما حكمان قد تمسك بالأصل وهو إطلاق لفظ
الحكم على المبعوثين في الآية الكريمة ولأن اللفظ أيضاً مُشعر بذلك لأنه من
الحُكم -وأما القائل بأنهما وكيلان فقد خالف الدلالة الظاهرة وحجته في ذلك
قوله تعالى (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما) ووجهتهم في الدلالة هو
ذكر الإصلاح دون ذكر التفريق الشيء الذي يدل على انهما وكيلان وإلا لكان
لهما الصلاحية المطلقة وهذا الاستدلال مردود لعدم تعيين هذا المعنى حتى
يقوىَّ معارضة الظاهر ووجه آخر للرد بأن قصد الإصلاح على الإبقاء على
النكاح دون التفريق غير متعين فقد يكون الصلاح في الإبقاء على النكاح وقد
يكون في التفريق وذلك لقوله تعالى (وعسى أن تكرهـوا شيئاً ويجعـل الله فيه
خــيراً كثيراً) وقولــه (فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) الطلاق الآية
(2) ، والمعروف ما وافق الشرع الفطرة السليمة عكس المنكر - وعليه فإن
الراجح الذي يسنده ظاهر السياق وصنيع الفقهاء كونهما حكمين وقد قال فقهاء
المالكية بوجوب إنفاذ القاضي لحكم الحكمين مطلقاً وقالوا بعـدم جواز إقلاع
الزوجين عن الحكمين حتى لو أقاماهما إذا استوعبا الكشف وعزما على الحكم.
5 - وأجمع الفقهاء على أن يكون الحكمان رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين
يعرفان ما بين الزوجين حتى لو عن طريق الشهرة والتسامع قياساً على إثبات
الضرر لأن الوسيلة المؤدية إلى التحكيم هو الضرر أنظر المادة 162 من قانون
الأحوال الشخصية وأجمعوا أيضاً على انهما يكونان من أهل الزوج والزوجة وذلك
على سبيل الندب وليس على سبيل الوجوب وعللوا ذلك بدراية القريب حقيقة ما
يدور من الخلاف في غالب الأمر وعليه فإن غير القريب إذا علم المطلوب وحكم
بناء عليه فإنه جائز لكون ذكر القرابة من باب الوسائل وليس من باب المقاصد.
6 - جاء في كتاب ابن جرير الطبرى في تفسيره لآية الحكمين بأن يؤخذ من كل
منهما ميثاقاً ليصدق صاحبه بما قاله في العلاقة بين الزوج والزوجة وبما
قاله الزوجان إن وجدا هذا مسلك من مسالك التثبت والمعين على التوثق من أمر
الحكمين.
7 - إن الحكمين المبعوثين من القاضي يسعفهما ما جمعاه من معلومات ثم
يستعينان بما أقر به الزوجان إن وجدا وكذلك يستعينان من الأهل والجيران
والأصدقاء والصالحين العدول لأن الحكم متفرع عن العلم الذي يتوصلان إليه من
كل هذه المصادر لأن الحكم فرع عن التصور.
8 - إن الشقاق من الزوجة يكون بالنشوز وبتركها لأداء حق الله عليها الذي
الزمها الله نحــو زوجهـا والزوجـة لا تصل إلى هـــذا الحــد في الغالب
الأعــم إلاّ إذا افتقدت الجو الصالح - أما الشقاق من الزوج فيتركه إمساكها
بالمعروف أو تسريحها بإحسان.
9 - ما جاء بالمذكرة التي رفعها الزملاء من أن المحكمة تعلن عن تعيين
الحكمين بأسمائهما ثم ينظر رد الزوج عنه غير لازم لأنه لا يلزم منه توقف
تعيين الحكمين على الزوجين وهذا التوقف لم يقل به أحد فيما نعلم فقد روى عن
عثمان وعلى وابن عباس والشعبي والنخعي ومالك والأوازعى واسحق رضى الله
عنهم جميعاً بأن الباعث هو الحاكم وحكى ذلك ابن كثير عن الجمهور وعليه فلا
معنى لعرض الحكمين المقامين من القاضي على الزوج.
10- وأيضاً قول المذكرة بعرض ما تم من إجراءات الحكمين على الزوج فإن قصد
به إعطاء حق للزوج على إبداء الاعتراض على ما توصل إليه الحكمان فهو غير
مسلم به وأيضاً لما ذكرناه من أن الحكمين إذا استوعبا الكشف وعزما على
الحكم فليس لأحد الاعتراض ولو كانا مقامين من قبل الزوج أو الزوجة فكيف وقد
أقيما من قبل القاضي أما إذا كان الاتصال بالزوج لغرض احتياج الحكمين
لمعلومات فعليهما ذلك إن أمكن.
11- قول المذكرة بعرض القضية للمحكمة بعد إتمام إجراءات التحكيم لاتخاذ ما
تراه مبنى على أن المبعوثين وكيلان وقد ذكرنا من أن كونهما حكمين أظهر
وأقوى من كونهما وكيلين بدلالة الآية وعليه فإنهما يحكمان وينفذ حكمها لأن
حكم العدل العالم يرفع الخلاف ولا يحل حراماً إلا إذا خالف نصاً أو إجماعاً
أو جلى قياس فينقض - والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة.
بعد هذا السرد وبعد أن علمنا أن المذهب المستمد منه أمر الحكمين هو المذهب
المالكي وبعد أن تأكد لنا من النصوص أن المبعوثين حكمان وليسا وكيلين فماذا
يكون الموقف مع الغائب وخاصة المتعنت الذي يحاول الإضرار بالزوجة بمثل ما
جاء بالمذكرة التي توصلت إليها اللجنة ومعلوم أن تصرف الوكيل يصح بغيبة
الموكل إن قلنا أنهما وكيلان أما إن قلنا أنهما حكمان وهذا هو الرأي الراجح
كما أسلفنا فلا يصح فعلهما لأن الحكم لا يصح للغائب أكرر للغائب ولكنه يصح
على الغائب أكرر على الغائب.
وهنا يجدر بي أن أنقل ما جاء في كتاب شرح المهذب للنووي الجزء 16 [فإن قلنا
أنهما وكيلان صح فعلهما لأن تصرف الوكيل يصح بغيبة الموكل وإن قلنا انهما
حكمان لم يصح فعلهما لأن الحكم لا يصح للغائب وإن صح الحكم عليه لأن كل
واحد منهما محكوم له أو عليه لأن حق الزوجين أو أحدهما لم يصح فعلهما لأنه
أن قلنا أنهما وكيلان بطلت وكالة من أصيب بالجنون وإن قلنا انهما حاكمان
فانهما يحكمان الشقاق وبالجنون حتى وإن لم يرضيا أو أحدهما وبالقول انهما
حاكمان لا يعتد برضائهما وعليه أرى وخروجاً من قصد إضرار بعض الأزواج
بالزوجات ومنعاً لتلاعب بعض المحامين باستغلال رخاوة الأمر أرى أن يجرى في
قضية التحكيم ما يجرى على سائر القضايا بالإعلان فقط ثم السير في الإجراءات
إلـى أن تقرر أي الحكمين وقد تأكد لنا أنهما حاكمان وليسا وكيلين.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.