الشقة من حق المالك ؟!
حينما هل هلال ثورة يوليو 1952 وحكم
الشعب المصري نفسه بنفسه وتم طرد الملك الفاسد عبر شواطىء الإسكندرية ،
جاءت ثورة الإصلاح الداخلية بفرض قوانين استثنائية تعود بالنفع علي الشعب
كله .. فأصبح الفلاح مالك زمام أرضه التي يزرعها بالسخرة عند الباشوات حائزاً لها يدفع الإيجار بنظام الضريبة .. وهذا الأمر كما كانت له مميزاته عند مشرق الثورةأتي ضبابه بعد قرابة الخمسين عاماً وأضحي ملاك الأرض خدماً علي زارعيها .. بعد الملاليم التي يحصلون عليها كل عام مرة واحدة .. سواء دفعه واحدة أم علي أقساط .. فما
كان من المجلس التشريعي إلا النظر بعين التقدير وبحث الملف كلية والانتهاء
إلي تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر عبر فترة انتقالية مدتها خمس
سنوات ورغم حدوث بعض المناوشات في بعض القرى إلا أن الأمر تم بنجاح وعادت
الأرض إلي مالكيها وورثتهم .. فمنهم من باع ومنهم من اشترى .. وتم طي هذه الصفحة كلية من ملف الحكومة والتي لم تتعد سلبياتها سوي الـ 10% أضراراً علي فئة قليلة لم تفلح في شراء ولو جزء بسيط من الأرض لضمان البقاء .. وهو ما أدي إلي رحيلهم كلية في أماكن نائية .. فمنهم من مات كمداً ومنهم من ينتظر .. وبدأت
الحكومة في النظر بعين الاعتبار إلي الشق الآخر من القوانين الاستثنائية
التي أنجبتها الثورة المجيدة وهو قانون الإسكان فنصوص القانون المدني العام
أن العلاقة بين المالك والمستأجر هي علاقة حرية تتيح لأي طرف إبرامها حسب
رغبة الآخر في مدة لا تتجاوز الـ 59 سنة وكلمة المشهرة " تعتبر وضع استثنائي بقانون أي أن المستأجر يحق له الانتفاع بالعين مادامت قائمة ولورثته .. ففي صعيد مصر وبالتحديد محطة قطار " السايح " وهو شهيد مصري في حرب 48 برتبه
صاغ تابعة لمركز المراغه قام فلاح بتأجير غرفتين في داره لناظر هذه
المحطة المغترب وبعد مرور سنوات لم يستطع التخلص منه ولم يكن هناك عقد يحكم
هذه العلاقة ولكن شهادة الشهود كانت العقد وكتاب الله كان الحكم .. ففي هذه البلدان المصحف في مكتب المأمور ودوار العمدة واليمين علي من أنكر والبينة علي من ادعى .. وظل ناظر محطة السايح ردحاً طويلاً من الزمن مسمار حجا في بيت الفلاحالذي لم يخلصه منه سوي الموت الزؤام .. وحينما حاولت الحكومة علاج هذا الأمر ضحت بالأم والجنين في سبيل إبراء ذمتها .. فعلي يد الدكتور الجنزوري صدر القانون 4 لسنة 1996 بأحكام
العلاقة الإيجارية في الأماكن السكنية والتجارية بالقانون المدني العام
كلية ويعمل بالقانون منذ تاريخه وغضت الحكومة وقتها الطرف عن المساكن
القديمة لاعتبارات كثيرة أهمها إن 70% من الشعب يعيش بالإيجار وأي محاولة لدخول هذا المعترك سوف تقوم الدنيا ولا تقعد ويبول الحمام علي الوتد وينزعج الجنين في بطن أمه ؟! .. أيضاً هناك كبار يحوزون شقق بإيجار لا يجاوز الخمسة جنيهات في جاردن سيتي والقصر العيني والمهندسين مثلاً .. إلي درجة التحايل علي الساكن وإغرائه لترك شقته مقابل مادي مغري فالشقة في شارع أحمد عرابي بالمهندسين إيجارها لا يتعدى 150 جنيه بالنظام القديم وسعرها يصل إلي مليون جنيه حسب المساحة التي لا تقل عن 200 متر ، فإذا تركها المستأجر يتقاضى نصف مليون والباقي للمالك أما المشتري فيقوم بتسويقها بنظام المفروش ب 800 جنيه في اليوم الواحد !! هذه
أمثلة نسوقها من واقعنا المعاصر ولكن علاج ذلك أمره يسير وهين أما الكارثة
الكبرى فتتمثل في القانون الجديد للإيجار الذي تسبب في تشريد 70% من الأسر المصرية التي تعتمد علي زواج أولادها في نظام الإيجار المحدد المدة .. والمالك لا يعطي فترة أكثر من عامين وإن طالت لا تصل إلي خمسة .. فيزيد السعر من 500 جنيه بحدائق القبة إلي 1000 جنيه في السنوات الأخيرة وينوء ذلك حمله علي الشباب معدومي الدخل وليس محدودي الدخل .. فيترك الزوج بيته وتعود الزوجة لأسرتها مكبلة بطفل أو طفلين .. فأثبتت التقارير المؤكدة أن مصر شهدت العام الماضي 18 ألف حالة زواج و17 ألف حالة طلاق 70% منهم
بسبب المسكن الذي يولد عنه صراع واللجوء إلي محكمة الأسرة التي أوجدتها
الدولة لسرعة الفصل ووجود حلول عادله في مصلحة الزوجة والزوجة الأم .. وتحاول
الدولة جاهده في حل هذه الأزمة الطاحنة ببرنامج طموح لرئيس الجمهورية في
إنشاء نصف مليون شقة في السنوات الست الحالية التي تمضي بنجاح وقضي علي جزء
كبير من المشكلة ولكن تحتاج في العام الواحد إلي نصف مليون شقة يجب
توزيعهم علي كافة منظمات المجتمع المدني والنقابات والهيئات والوزارات .. وإن حدث اتجار في هذه الشقق فهو بنسبة لا تجاوز ال 10% أيضاً
والإغراق الذي حدث في شقق التمليك ليس سببه الأزمة المالية وحدها ولكن
المشروعات السكنية للدولة والنقابات كان لها دور كبير في عودة نظام الإيجار
لمدة أطول تصل إلي 59 سنة في بعض الأحيان .. الحكومة ترتعش يدها عندما تحاول الاقتراب من قانون المساكن وتفكر ألف مرة قبل الحديث عنه أو الدخول في معتركه ؟! ولكن
معالجة قانون الجنزوري واجبه قبل الدخول في النظام الذي سبقه وضرورة فرضية
المدة الطويلة بنظام إيجار متوازن غير مغالي فيه حتى تستقيم الأمور .. واقترح بالنسبة للمستأجرين بالنظام الجديد أن تمتد عقودهم حتى 59 سنة بنفس القيمة الموجودة في العقد بزيادة سنوية 5% وذلك في الشقق السكنية فقط ويكون المالك في حل من هذا العقد متي تملك المستأجر في أي بقعة أخري .. ولدينا أجهزة حاسب كفيلة بتبيان كل الأمور .. بهذا الأمر سوف نحافظ علي استقرار الأسرة المصرية وكيانها الذي قد يؤدي إلي تشريد الأطفال وتركهم علي أبواب دور الأيتام .. القضية ليست بالهينة وليس أمام الحكومة ما هو أهم من استقرار الشعب وسكونه .. وقديما قالوا " ظل رجل ولا ظل حيطة " واليوم يقول ظل الرجل بدون حائط لا معني له ولا قوة فالحيطة والحذر والحرص لا يغفل عنها أحد .. أما المساكن القديمة فتحتاج إلي سياف يبتر رقاب الشر بدون خوف أو ضعف .. مثل الجراح الذي يستأصل الورم من المخ ليعيش الإنسان وإن مات فأراحه الله من العذاب .. يجب
تحرير العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر في المساكن القديمة مثلما
حررنا نفس العلاقة في الأرض الزراعية وهذين القانونين من نواتج ثورة عبد
الناصر فكما لهما أيضا عليهما وليسا قرآنا لا يمس ولكنهما من أفعال البشر
التي تقبل المناقشة والتغيير لصالح الجميع .. الدورة
القادمة لمجلس الشعب أو قل السنة الأخيرة في هذا الفصل التشريعي التاسع
لدور الانعقاد العادي يجب أن ينتهي فيها قانون الإيجارات بالنسبة للمساكن
كما استقرت قوانين عديدة .. ولدينا مجلس تشريعي قادر علي وضع الحلول التي تروق للعامة .. وإن وصلت أضرارها 5% أيضا نسبة النجاح تضحي عالية...
بقلم
حمدي خليفة
نقيب المحامين
ورئيس اتحاد المحامين العرب