يشكل العامل الرئيسي في التقييم الاقتصادي، ويمكن التعبير عنه إما بواسطة
عدد الحوادث التي يمكن منعها بواسطة هذا التحسين الهندسي أو بواسطة التوفير
المادي الناجم عن منع هذه الحوادث على
سبيل المثال لنفترض أن تحسيناً هندسياً كبناء جسر للمشاة أو نفق وزيادة
مسرب للسيارات المنحرفة لليسار أو للدوران أو بناء جزر وسطية لتنظيم حركة
المرور، نجم عن توفير حادث واحد فقد يتسبب عنه وفاة. وأربعة حوادث ينجم
عنها اصابات جارحة. وعشرة حوادث تؤدي الى أضرار مادية فقط. فبهذه الطريقة
يمكن تقييم التوفير الناجم عن هذا التحسين الهندسي.
ينال موضوع حوادث المرور اهتمامًا عالميًّا متناميًا، وذلك
لما تسببه هذه الحوادث من استنزاف للموارد البشرية والمادية للدول، لدرجة
أنه يمكن اعتبارها من الأوبئة الفتاكة، حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية.
ثم إن تقدير تكلفة الحوادث المرورية والفاقد الاقتصادي منها خطوة مهمة نحو تحديد الآثار الاقتصادية لمشكلة حوادث المرور في أي بلد، ومدى تأثير ذلك على الناتج المحلي.
كما أنها مطلب ضروري في ترتيب أولويات تحسينات السلامة
المرورية، وقياس فعالية الحلول المقترحة لهذه التحسينات، وقياس جدواها
الاقتصادية.
كشف التقرير الأخير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن ارتفاع عدد قتلى
حوادث الطرق سنوياً إلى 6486 قتيلاً، بينما وصلت عدد حالات الإعاقة إلى
35000 حالة إعاقة، وزادت نسبة حوادث الطرق السريعة من مجمل الحوادث إلى 8.9
% ، وأرجع التقرير السبب الرئيسي لتلك الحوادث إلى عدم الالتزام بقواعد
المرور، حيث يشكل العنصر البشرى نسبة 68% من أسباب تلك الحوادث، وتشكل سوء
خدمة الطرق نسبة 7% من إجمالي الحوادث، وبهذا تعد مصر هي الأولى عالمياً
في حوادث الطرق، وتصل قيمة الخسائر السنوية نتيجة لذلك إلى 6 مليارات جنيه.
وقد نافست الخسائر الناتجة من أمراض السرطان والقلب ولقد اهتمت معظم الدول - خصوصًا الصناعية
- بتقدير تكلفة حوادث المرور بصفة سنوية؛ لمعرفة مدى تأثير الخسائر
المادية التي تخلفها الحوادث على الناتج المحلي، أيضًا لتقويم فعالية
إستراتيجيات السلامة المرورية المعمول بها .
وعليه يمكن الإشارة لأبرز فوائد تقدير تكاليف حوادث المرور في الآتي:
1- أنها تستخدم في التحليلات الاقتصادية للاختيار والمفاضلة بين بدائل تحسين الطرق.
2- يعتمد عليها في جدولة أولويات مشروعات التحسين.
3- تساعد في توزيع الحصص المالية بين مشروعات التحسين وبرامجه.
4- تستخدم في إقناع صناع القرار بفائدة مشروعات التحسين المقترحة نظير تقليلها من الخسائر الاقتصادية.
لذا
تقوم معظم الدول بحساب الخسائر الاقتصادية من حوادث الطرق، وقد يختلف
الأسلوب بين دولة وأخرى، إلا أن العناصر المكونة لحساب تلك الخسائر تبقى
إلى حد ما ثابتة.
وأبرز تلك العناصر التي تدخل في تقدير تكلفة هذه الخسائر:
أ- الفاقد من أجور العمل.
ب- المصروفات الطبية.
ج- تكلفة إجراءات التأمين.
د- تكلفة تلف الملكيات الخاصة والعامة.
كما أن هناك من يدخل تكلفة أخرى إلى جانب العناصر السابقة، تتمثل في خسارة المجتمع بشكل عام؛ من حيث توقف الإنتاجية نتيجة لوفاة شخص أو إعاقته.
إذا علمنا أن معظم هؤلاء الضحايا من الشباب، أدركنا خطورة ذلك على المجتمع،
خصوصًا في بلد يسير بخطى حثيثة نحو الرقي، ويحتاج لسواعد أبنائه القادرين
على العطاء والإنتاج.
حذر مجلس الشورى من الآثار السلبية الكبيرة لمشكلة حوداث المرور على الطرق على أحد أهم مصادر الدخل القومى وهو السياحة، مؤكدا أن ما يحدث لا يتناسب مطلقا مع مكانة مصر الحضارية والثقافية.
و لتحقيق الآمان على الطرق تستهدف إلقاء الضوء على حجم المشكلة ومدى ضخامتها
والآثار المترتبة عليها من خسائر بشرية ومادية ومدى تأثير ذلك على الاقتصاد
القومى.
قدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء خسائر الاقتصاد المصري جراء حوادث النقل بنحو4 مليارات جنيه سنويا.
مشيرا إلي أن مصر شهدت زيادة غير مسبوقة في اعداد حوادث النقل في الآونة
الأخيرة حيث ارتفع عدد حوادث النقل خلال عام2006 إلي نحو12 حادثا حوادث
خطيرة يزيد عدد المتوفين فيها علي10 أشخاص أو جرح مايزيد علي40 شخصا
مقارنة بنحو4 حوادث خلال عام2005 بارتفاع نسبته200%.
وقال مركز المعلومات في دراسة حول تأثير حوادث النقل علي
قطاع السياحة المصري خلال الفترة من يناير1995 وحتي سبتمبر2006, أن
عدد ضحايا حوادث النقل خلال العام الماضي ارتفع ليصل إلي1227 قتيلا
مقارنة بنحو85 قتيلا خلال العام السابق عليه بارتفاع نسبته1343%, مؤكدا
ان هذه الأرقام تعكس خطورة واقع حوادث النقل التي شهدتها مصر في الآونة
الأخيرة.
وأكدت الدراسة ان ظاهرة تزايد حوادث النقل في مصر
اتخذت في الآونة الأخيرة بعدا دوليا جديد, وتأثيرا سلبيا محتملا جديدا
علي قطاع السياحة المصري عقب تهديد وكلاء السياحة والسفر الدوليين بعدم
ارسال افواج سياحية خلال الموسم السياحي الشتوي المقبل إلي مصر إلا بعد
قيام الحكومة بوضع ضوابط وقواعد لتأمين حياة وارواح السائحين الوافدين لمصر
وذلك في ظل تزايد حوادث النقل السياحي في مصر.
وأشارت إلي أن الاشهر السبعة
الأولي من العام الماضي شهدت تعرض سيارات النقل السياحي لنحو165 حادثا,
اسفرت عن مصرع57 شخصا واصابة414 آخرين وفقا لتقرير صادر عن شرطة
السياحة والآثار.
ودعت الدراسة وزارة السياحة إلي اتخاذ الإجراءات
التي تراها ملائمة للحد من تأثير مثل هذه الحوادث, وأوصت بامكانية التوجه
إلي اسواق سياحية اخري لتعويض النقص المحتمل في اعداد السائحين الاجانب.
ينتابنا أدنى شك في أن
المجتمعات الإنسانية بدأت منذ زمن في دفع ضريبة التقدم التي تسعى لاهثة
وراءه دافعة بنفسها في اتجاهه بكل قوى تمتلكها اقتصادية أكانت أو اجتماعية
أوبشرية، ولعل من بين أبرز ما تدفعه هذه المجتمعات إثر تقدمها ما يسمى بآثار
حوادث المرور وانعكاساتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية على المجتمع.
قال زهير جرانه وزير السياحة إن هناك بعض
المصاعب التي وقفت عائقاً ضد تحقيق طموحات قطاع السياحة خلال الفترة من
يناير حتي ديسمبر ٢٠٠٦ موضحاً أن كثرة حوادث الطرق والحوادث الإرهابية وسوء
معاملة السائح كانت في مقدمة العوامل التي جعلت النمو في قطاع السياحة لم
يكن بالصورة التي ترضي العاملين في القطاع سواء الخاص أو الحكومي..
هناك أزمة مرور، والأرقام
والمؤشرات العديدة كفيلين بتوضيح الحقيقة. فقد ازدادت حوادث الطرق في
السنوات القليلة الماضية بشكل غير مسبوق. تشير الأرقام إلى أن المرور يقف
وراء 43% من الكوارث في مصر، وأن هذه نسبة مرتفعة للغاية تجعل حوادث المرور
هي السبب الثاني للوفاة عندنا. فهناك ما يقرب من 10 آلاف شخص قتلوا في
حوادث طرق خلال عامي 1997 و1998 إلى جانب آلاف المصابين. كما أن هناك طرق
معينة تكثر فيها الحوادث. فمثلاً نجد أن محافظة الجيزة تأتي في المرتبة
الأولى في حوادث المرور؛ ويعتبر طريق القاهرة – أسوان من أخطر الطرق ويطلق
عليه "طريق الموت" وأصبح من الضروري جدًا توسيعه حيث انه طريق فردي رغم أن
هناك آلاف السيارات التي تسير عليه يوميًا وهو الدخل الرئيسي لمحافظات
الصعيد. ولقد بلغت الحوادث على طريق الصعيد – المنيا وحده في عام 1998، 629
حادث راح ضحيته 245 قتيل و1500 مصاب. وكما قد يكون واضحًا، فإن هذه
الحقائق كلها تشير إلى أن الحوادث تتركز في إقليم الصعيد الذي يعتبر أفقر
أقاليم مصر في مستوى الخدمات بشكل عام وذلك بسبب بعده عن المراكز
الاستثمارية الهامة وإهمال الدولة له. هذا إضافة إلى انتشار الحوادث التي
يتسبب فيها ضيق الكباري، وخاصة كوبريي قليوب وقها، وأيضًا مشكلة سوء الطرق
الفرعية خارج المدن خاصة التابعة للمحليات والتي تمثل 75% من الطرق.
خلاصة هذا كله أن مصر أصبحت
من أولى بلاد العالم من حيث معدلات حوادث الطرق. ففي الوقت الذي يتراوح
فيه عدد القتلى دوليًا في حوادث المرور من 1-3 قتلى في كل 10.000 سيارة،
نجد أن متوسط القتلى في سيارة! وإذا قارنًا هذا الوضع بدول أخرى سنجد أن
عدد القتلى بسبب حوادث الطرق عندنا يصل إلى 25% بينما في أمريكا 1،2 وفي
المغرب 5% وفي اليمن 20% إنها حقائق مفزعة فعلاً!!
إذن هناك أزمة مرورية، وهي
أزمة تتأثر بها الرأسمالية المصرية سلبًا بكل تأكيد. ليس فقط من خلال عامل
زيادة المخاطرة على الطرق في مصر، وهو ما يعني مشاكل إضافية في عمليات نقل
البضائع والعمال، وإنما أيضًا من خلال عامل التعطيل وفقدان الوقت بسبب
الازدحام وما ينجم عن هذا من تكلفة اقتصادية. وهذا، في الحقيقة، هو السبب
وراء اهتمام الدولة مؤخرًا بمشاكل المرور. فالأمر لا يرتبط أساسًا براحة
المواطن – هذا أمر لا تفهمه دولتنا – وإنما بمصالح القلة من أصحاب الأعمال
الذين ترفع أزمات المرور من فاتورة تكاليفهم.المفارقة التي نعلم جميعًا
أبعادها هي أن الأزمات، التي يشكو منها الرأسماليون والتي تتهم الدولة
السائقين بخلقها، تسببت فيها قبل كل شيء سياسات الدولة وأنانية الرأسماليين
بالإضافة للطبيعة التراكمية للنظام الرأسمالي الذي يحكمنا. فالشوارع
مزدحمة طوال الوقت لأنها شوارع ضيقة لا تسع لهذا الانتظار بسبب نقص عدد
الجراجات وبسبب الجراجات العشوائية في القاهرة والجيزة على وجه الخصوص؛
والكثير من الطرق غير ممهدة ومليئة بالمطبات ولا تصلح أساسًا لسير العربات
فوقها لأن الحكومة لا تنفق من ميزانيتها لإصلاحها؛ والغالبية العظمى من
سيارات السرفيس والتاكسي وأتوبيسات النقل العام والملاكي أيضًا بها الكثير
من العيوب والخلل وتتسبب في حوادث كثيرة إلى جانب تلويثها للبيئة بشكل غير
مسبوق في تاريخ القاهرة لأن أصحاب هذه السيارات يعيشون في ظل أزمة اقتصادية
طاحنة إلى أن هيئة النقل العام لا تنفق على إصلاح أتوبيساتها!
تخبرنا البيانات التي تعلنها الدولة بنفسها أن شبكة الطرق بالقاهرة تصل إلى 6447 كم
وأن ما يقرب من 75% من شوارعها أنشئ منذ 50 سنة. كما أن أغلب هذه الشوارع
لا تتوافر بها مواصفات مناسبة لحركة المرور الحالية حيث أن الطرق المخصصة
منذ أكثر من نصف قرن لخدمة 3.5 مليون فرد يوميًا في وقتنا الحالي. فالقاهرة
بها 25 نفقًا و56 كوبري والاستيعاب العادي لهذه الشبكة هو 500.000 سيارة
فقط ولكننا نجد أنه يسير عليها يوميًا ما يقرب من 2،5 مليون سيارة. في نفس
الوقت نجد أن الشوارع تحولت إلى جراجات عشوائية؛ وعلى الرغم من وجود 520
جراجًا خاصًا في 13 حي بالقاهرة ومثلها بالجيزة إلا أن أصحابها قد غيروا
نشاطها قد غيروا نشاطها وحولوها إلى محلات تجارية وغير ذلك.
وهكذا تجد الدولة نفسها
أمام معضلة ضخمة. فهي تدرك أن حل جوهر المشكلة بتوسيع الطرق وإنشاء محاور
وكباري جديدة وجراجات وغير ذلك، يتطلب مبالغ هائلة ويحتاج إلى مواجهة مع
الرأسمالية العقارية وطرقها الجشعة في استغلال الأراضي في المدن الكبرى.
وهذه أمور لا يعقل أن دولة، أولوياتها تقوم على دعم الرأسمالية بأي ثمن
ويسير رجالها على قانون الفساد والرشاوى، سوف تفي بها. ولذلك وجدت الدولة
أن تخرج من مأزق أزمة المرور على حساب فئة في المجتمع هي فئة البرجوازية
الصغيرة التي يملك رجالها سيارات السرفيس والأجرة والتاكسي ويتعيشون على
إيراد عرباتهم. وهذه فئة واسعة جدًا. فطبقًَا للإحصائيات نجد أن عرباتهم.
وهذه فئة واسعة جدًا. فطبقًا للإحصائيات نجد أن عدد السيارات الأجرة
والسرفيس وحدها تبلغ في القاهرة 690649 سيارة وفي الجيزة 350842 وفي
القليوبية 40138 سيارة. ولنا أن نتخيل حجم الأسطول الهائل من سائقي هذه
العربات وتلك المنتشرة في المحافظات الأخرى.
فبما أن الدولة وجدت نفسها
غير مستعدة بالطبع لحل أزمة المرور بشكل جذري فقد قررت أن تخلق سحابة من
الدخان الكثيف للتغطية على المشكلة الأساسية والفكاك من مسئوليتها، وذلك
بإصدار قانون المرور الجديد الذي يسحق بالفعل هذه الشريحة من أصحاب العربات
الأجرة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ولماذا صدر القانون في هذه
الآونة بالذات؟ فنحن نعاني من أزمة المرور منذ زمن طويل. الإجابة يمكن أن
نصل إليها من ربط قانون المرور بسياقه الأشمل وهو مسعى الدولة لتطوير
القاهرة الكبرى وإعادة صياغة تركيبها العمراني لتتوافق مع مصالح الرأسمالية
الكبيرة (ربط المدنية بالمراكز الصناعية؛ تسهيل مرور البضائع والعمال؛
إعادة هيكلة وسط المدينة والمراكز التجارية؛ هدم العشوائيات بالذات المحيطة
بالأحياء التجارية...). وفي هذا السياق، تحتاج الدولة الآن لسيولة الطرق
ربما أكثر من أي وقت آخر لأن هذا يشج الاستثمارات ويساعد رجال الأعمال على
مباشرة أعمالهم بشكل أسرع وأكثر كفاءة. ولكن بما أن هذا يكلفها مبالغ
كبيرة، وهي لا تملك الميزانية التي تحل جوهر مشكلة المرور، رأت أن تخلق
سبيلاً آخر يدر عليها مبالغ لا بأس بها وفي نفس الوقت يحقق سيولة نسبية في
المرور ويجعلها قادرة بحكم القانون أن ترهب أصحاب العربات وتفرض عليهم
الغرامات الباهظة.
تعتبر فئة أصحاب عربات
السرفيس والميكروباص – وبدرجة أقل أصحاب السيارات التاكسي – هي أكثر فئة
يقع عليها الاستغلال من جراء القانون الجديد. فأصحاب هذه العربات وسائقيها
(ونحن نتحدث هنا عن صغار الملاك وليس عن الذين تحولوا رأسماليين يمتلكون
عربات كثيرة يديروها كأي مشروع رأسمالي) ليس لهم مصدر آخر للعيش. وهم
يعانون أيضًا في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية من نقص مواردهم ودخولهم.
الكبار من رجال الأعمال وأصحاب الاستثمارات الكبيرة هم الذين يستطيعون
الصمود وتحقيق الأرباح في ظل الأزمة، أما فئة البرجوازية الصغيرة من أصحاب
الأعمال أو الخدمات المحدودة فهم ينسحقون تمامًا في هذه الأوقات. يظل
يداعبهم دائمًا حلم المكسب والصعود الطبقي ولكن الواقع العملي يجعلهم غير
قادرين على المنافسة. وهم ليس لديهم من رأس المال ما يجعلهم يصمدون مثل
الكبار، ولذلك تكون النتيجة أنهم يصحبون فقراء ويتدنون طبقيًا. ولأن حلم
الصعود في ظل النظام الرأسمالي القائم لا يترك مخيلتهم فإن ردود أفعالهم
وحركتهم ضد هذا النظام هي حركة محدودة الأفق وغير متعاطفة مع الطبقات
العاملة – إلا في حالة تحقيق مكاسب مباشرة لهم. بمعنى آخر أنه عندما تشتد
قبضة النظام على هذه الشريحة فهي تحاول التحرك ضده، ولكنها في نفس الوقت لا
تنسى مصالحها الأنانية الضيقة التي تعزلها عن باقي القوى المستغلة
والمضطهدة. ولعل هذا ما يفسر –بالطبع بالإضافة على تراجع المستوى العام
للحركة الجماهيرية – العداء الشديد الذي تكنه فئات واسعة من المواطنين
(الفقراء أيضًا والمسحوقين تمامًا كالسائقين الفقراء) لسائقي السرفيس الذين
بينما تسحقهم الدولة وتنهبهم، يمارسون أنانيتهم ويواصلون – كتجار صغار –
محاولاتهم لرفع الأجرة. أما الدولة الرأسمالية فهي تعلم جيدًا أفق هؤلاء
البرجوازيين الصغار وأنهم لا يستطيعون الوقف ضدها بقوة بسبب وضعهم الطبقي.
يجب علينا فهم هذه الطبيعة
المتناقضة لفئة أصحاب العربات السرفيس ونحن ننظر لأزمتهم لأن هذا سيجعلنا
أكثر قدرة على التفاعل معهم في إطار معركتهم الحالية. فمن ناحية نحن نتضامن
معهم ضد استغلال الدولة لهم، ولكن على الجانب الآخر يجب ألا تكون عندنا
أية أوهام بخصوص وضعهم الطبقي وأفقه المحدود.
فما الذي فعله القانون
الجديد بهم؟ نلاحظ أن معظم بنود القانون تعاقب بسحب الرخص وإيقاف السيارات
لعدة أشهر والحبس. فإذا لم يبلغ صاحب السيارة عن تغيير محل إقامته خلال 30
يوم يلغي ترخيصه، وإذا أحدث تغيير جوهري في أوجه استعمال السيارة بدون
الموافقة عليها يلغي ترخيصه، وإذا استخدمت السيارة في غير الغرض المبين
برخصتها يلغى الترخيص، وإذا تم تسييرها في الطرق دون ترخيص تضبط وتفرض
عليها الضريبة السنوية وضريبة إضافية.
هذا بالإضافة إلى رفع قيمة
الغرامات بشكل هائل. فالمادة 72 مكرر (2) مثلاً تعاقب بغرامه لا تقل عن 50 ج
ولا تزيد عن 500 ج مع سحب رخصة القيادة لمدة لا تقل عن 30 يوم ولا تزيد عن
60 يوم "كل قائد مركبة تسبب في تلويث الطريق... أو إصدار أصوات مزعجة أو
انبعاث دخان كثيف... الخ". وإذا ارتكب قائد السيارة نفس المخالفة مرة أخرى
خلال 3 شهور تضاعف الغرامة مع سحب رخصة قيادته لمدة 90 يوم. إن معنى سحب
الرخص وتوقف السيارة لمدة شهر أو شهرين بشكل مباشر هو موت السائق وعائلته
من الجوع!
أما بالنسبة لسائقي
التاكسي، فقد جاءت المادة رقم 70 من القانون لتشدد العقوبة عليهم: "كل سائق
سيارة أجرة مرخصة بالعداد أو بدونه امتنع بغير مبرر عن نقل الركاب أو
تشغيل العداد أو تقاضي أجرًا أكثر من المقرر أو نقل عددًا من الركاب يزيد
على الحد الأقصى المقرر أو قام بنقل ركاب من غير مواقف الانتظار المخصصة
لسيارات الأجرة تسحب رخصه قيادته لمدة 30 يوم، وإذا عاد لارتكاب أي من هذه
الأفعال خلال 6 أشهر من تاريخ السحب السابق تسحب رخصة قيادته لمدة 90 يوم".
يقودنا ذلك إلى حقيقة أن
القاسم المشترك الأعظم بين البنود المعدلة في القانون هو: "أدفع... يا إما
سوف نسحب رخصك أو نحبسك أو نوقف سيارتك عن العمل"، أي "سوف نقطع رزقك" أو
"نعدمك"! تزداد صورة هذه العقوبات وضوحًا عندما نتعرف على أثر القانون على
فئات أخرى مثل سائقي هيئة النقل العام. فعلى الرغم من اختلاف وضعهم الطبقي
عن أصحاب السيارات الأجرة، حيث أنهم يعملون عمالاً لدى الدولة وليسوا من
أصحاب الأعمال الصغيرة، إلا أن الخصم من مرتباتهم ازداد بشكل ملحوظ وأصبح
يحملهم أعباء جديدة. ولم ينج من القانون أيضًا أصحاب سيارات نقل البضائع
بسبب المادتين رقم 181 و86 واللاتي تحملهم أعباء ضخمة.
إذن هذه هي العقوبات التي
تمارسها الحكومة الآن لكي تخرج من مآزقها وأزماتها – عقوبة "أعدم" أو
"أذبح"، وهي في الحقيقة تعدم وتذبح فقط الطبقات العاملة والفقراء والفئات
المنسحقة من البرجوازية الصغيرة. يجب أن نعي أن النظام وهو ينفذ هذه
السياسات يخلق حول الفئة التي سيذبحها زوبعة كبيرة بحيث يؤلب الرأي العام
ضدها ثم ينفذ الحكم! فقبل صدور القانون الجديد، امتلأت جميع أجهزة الإعلام
بالهجوم الشرس على أصحاب السيارات السرفيس والسائقين بوجه عام بسبب
سلوكياتهم السيئة والتي تكمن وراء أزمة المرور، وبالتالي أصبح المواطنين
يدينون بشدة هذه الشريحة ويساندون الدولة فيما تفرضه من عقوبات ضدهم. في
الواقع إننا لا ننكر أن السائقين يمارسون سلوكيات سيئة بالفعل على الطريق
العام ولكن يجب أن نضع ذلك في سياق وضعهم الطبقي... فهم يريدون تحقيق أكبر
إيراد يومي من عرباتهم حتى يفوا بالتزاماتهم المالية ويحققون هامشًا من
الربح. إذن فإن السرعة التي يقودون بها عرباتهم نتيجة لأنهم يريدون عمل
دورات كثيرة في اليوم الواحد وليس لأنهم يريدون إيذاء الناس في الشارع
وأنفسهم أيضًا. وهم يتناولون المخدرات بشكل شائع لأنهم يعانون من ضغوط
مالية واجتماعية وليس لأنهم أشخاص فاسدون بطبيعتهم... وهكذا. كذلك فإنهم
ليسوا الفئة الوحيدة التي ينتشر فيما بينها هذا النوع من "البلطجة". فرجال
المرور على سبيل المثال يمارسون ما هو أشد وأعمق من بعض السلوكيات
المؤذية... إنهم يمارسون الإرهاب والقمع والسرقة والتعذيب اليومي للسائقين.
نستنتج من كل ذلك أن الدولة
بإصدارها قانون المرور الجديد أرادات يصبح من حقها أن تضغط على فئة تشاء.
أي أن الدولة غير جادة في التطبيق الحرفي لهذا القانون لأن ذلك سوف يكلفها
الكثير. فهل ستتحمل مثلاً توقف 70% من حركة النقل الثقيل؟ هل ستتحمل أن
يضرب سائقي السرفيس عن العمل ويشلون حركة المرور على خطوط السير الحيوية؟
فالقانون في الحقيقة ما هو إلا مجرد ورقة في يد الدولة لكي ترهب به من
يخالف أوامرها. يلخص أحد أصحاب السرفيس هذه الحقيقة قائلاً: "كلما ازدادت
الضغوط على السرفيس ازدادت الرشاوى".
أن تأثير حوادث الطرق على السياحة الوافدة لا يقل تأثيرا عن تأثير حوادث الإرهاب كما انه يستنزف الطاقه البشريه واكثرها من الشباب وماله من تأثير نفسي علي الاسر والاهل مما يهدد الاقتصاد والاحوال النفسيه والاجتماعيه والامن القومي للبلاد .
اخيرا نقول لقد فات وقت كبير دونما النظر لهذه المشكله الشامله من أضرار جمه تعسف بجوانب كثيره تهدم المجتمع وكيان دوله .