لعب الجيش التونسى دورا حاسما فى دفع الرئيس زين العابدين بن على
للتخلى عن السلطة رغم أن دوره بدا و كأنه إقتصر على كبح جماح قوات الأمن و
تأمين سلامة المواطنين و ممتلكاتهم من الإنفلات الامنى بعد هروب بن على إلى
خارج البلاد .و قد حرص الجيش التونسى على عدم التدخل لصالح الرئيس بن على
رغم أنه أحد
أبناء القوات المسلحة مفضلا أن يقتصر دوره على أن يكون خط الدفاع
الأخير و الحاسم ضد أعمال النهب و العنف التى إندلعت فى ركاب الثورة
الشعبية التونسية. و قد ساعد الجيش فى تسهيل مهمته كحامى أمن المواطنين
سمعته الطيبة التى يتمتع بها لدى أبناء الشعب التونسى لعدم تورط قياداته فى
أعمال " البيزنيس " كما هو
الحال بالنسبة لمجموعة كبيرة من قيادات الشرطة . و قد بلغ من حرص
الجيش التونسى على عدم ربط إسمه بنظام بن على إلى درجة أن أيا من قياداته
لم تظهر إلى جانب رئيس الوزراء محمد الغنوشى و هو يعلن عن توليه مهام رئيس
الجمهورية بعد مغادرة بن على للأراضى التونسية وفقا للمادة 56 من الدستور
.و تؤكد مصادر مقربة من الجيش أن قادة الجيش إختفوا عن الأعين عندما ظهر
الغنوشى عن شاشة التلفزيون التونسى ليعلن توليه الحكم خلفا لبن على لكنهم
كانوا يقفون خلف الكواليس لمراقبة العملية الإنتقالية التى إنتهت بفضل تدخل
الجيش بإجبار الغنوشى على التخلى عن منصب رئيس الجمهورية لصالح رئيس
البرلمان وفقا للمادة رقم
57 من الدستور وهو ما يعنى إنتهاء حكم الرئيس بن على .و تؤكد أيضا
لوفيجارو أن قادة الجيش وقفوا بحزم فى وجه قادة الشرطة الذين كانوا يريدون
اللجوء إلى أقصى درجات القمع فى مواجهة المتظاهرين لإخماد الثورة
الشعبية وحماية حكم الرئيس بن على حتى لو أدى ذلك إلى مقتل أعداد
كبيرة من المتظاهرين .و يؤكد الباحث الفرنسى فانسون جيسنير أن الجيش
التونسى يتميز بميزة كبيرة جعلته يحظى بإحترام الشعب التونسى الذى عانى
كثيرا من الفساد وهو حرصه على الإبتعاد عن البيزنيس. يشار إلى أن تورط
عائلة بن على فى البيزنيس لا سيما
عائلة زوجته ليلى الطرابلسى كان من الأسباب الرئيسية التى ساهمت فى
زيادة السخط الشعبى على بن على لا سيما بعد أن تضخمت ثروة عائلة الطرابلسى
لتصل إلى أرقام فلكية .و المعروف أن عائلة بن على أقامت شبكة مصالح مع
عائلات أخرى أثرت ثراء فاحشا على حساب الشعب و تبوأت أعلى المناصب فى جميع
مؤسسات الدولة بغرض تسهيل أعمال البيزنيس .يشار إلى أن الجيش التونسى يبلغ
قوامه 35 ألف رجلا من بينهم 27 ألفا يخدمون فى القوات البرية .و يرى
مراقبون أن الجيش كان يستطيع بسهولة الأستيلاء على السلطة فى لماذا فضل
الجيش التونسى عدم الاستيلاء على السلطة بعد فرار بن على ؟ ويؤكد الباحث
الفرنسى فانسون جيسير المتخصص فى شئون المغرب العربى أن الجيش التونسى حرص
على ألا تتعرض تونس لحمامات للدم بعد أن ظهر بوضوح مدى تصميم الشعب على
التخلص من بن على مؤكدا أن هذا الحرص هو الذى دفع الجيش لإقناع بن على
بالتخلى عن السلطة رغم أن بن على حاول خلال الأيام الأخيرة إقناع قيادات
الجيش بتأييده بعد أن تعهد لهم بإتخاذ إجراءات فاعلة لتهدئة الغضب الشعبى
لا سيما إعلانه عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة فى عام 2014 .
و تقول صحيفة " لوفيجارو " الفرنسية أن القوات المسلحة التونسية إهتمت
منذ إندلاع الثورة الشعبية التونسية منذ نحو شهر من الآن بعدم ردع
المتظاهرين . و قد وصل حرص الجيش على منع الشرطة من إستخدام القوة المفرطة
إلى درجة أن دبابات الجيش هى التى تصدت لقوات الشرطة عندما بدأت فى قمع
الثورة الشعبية ضد بن على بأستخدام النيران الحية .لكنه رفض ذلك مكتفيا
بتقديم النصح لبن على بترك البلاد قبل فوات الأوان . و
يرى المحلل السياسى الفرنسى بيير بيريجوفوا أن قادة الجيش يدركون جيدا
أن عصر الإنقلابات العسكرية قد ولى و أن المجتمع الدولى لم يعد يقبل
الحكومات العسكرية التى تتمخض عن أنظمة ديكتاتورية . و كشف بيريجوفوا عن أن
قادة الجيش عقدوا إجتماعا قبل ان يجبروا بن على على الفرار و أتفقوا فيما
بينهم على أن أول شىء سيحدث لو أستولوا على السلطة بغرض البقاء فيها هو
تعليق عضوية تونس فى المنظمات الدولية و الإقليمية و ربما أيضا فى جامعة
الدول العربية . و أضاف أن قادة الجيش توصلوا خلال نفس الإجتماع لقرار
بالإكتفاء بالبقاء فى مناصبهم و القيام بمهمة تأمين سلامة المواطنين ضد
الإنفلات الأمنى ليصبحوا أبطالا فى أعين الشعب الذى يكن لهم إحتراما خاصا
لعدم تورطهم فى البيزنيس مثل قيادات الشرطة بدلا من أن يفقدوا مناصبهم
العليا فى مرحلة تالية بفعل الضعوط الدولية .و تقول لوفيجارو أن الجيش
التونسى تحاشى دائما التدخل فى الشئون السياسية خلافا للوضع بالنسبة للقوات
المسلحة فى الجزائر على سبيل المثال مشيرة إلى أنه على
الرغم من عدم تدخل الجيش فى السياسة فى تونس إلا أنه ظل على ولائه لبن
على إلى أن رأى أن الأمر قد خرج عن السيطرة و أن إرادة الشعب سوف تنفذ .و
قد أكد قادة الجيش لبن على أنهم على ولائهم له بشرط ألا يصل الأمر إلى حد
تعرض الشعب لمجزرة وهو ما دفعهم لمطالبته بإصدار الأوامر لقوات الأمن بعدم
إطلاق النار على المتظاهرين . و تقول لوفيجارو أنه عندما تبين للجيش أن
شهوة البقاء فى السلطة لدى بن على بدأت تتغلب على الحكمة سارع قادة الجيش
بالتحرك
بإجباره على ترك البلاد لتفادى إعتقاله و تقديمه بعد ذلك للمحاكمة
بتهمة سفك دماء التونسيين . و يبقى السؤال المهم وهو هل ستنجح الأحزاب
التونسية فى إدارة المرحلة الإنتقالية بنجاح حتى يتم إجراء إنتخابات حرة و
نزيهة لتلبية مطالب الشعب التونسى المثقف أم أنها ستفشل فى ذلك لا سيما فى
ظل رفض الشعب التونسى لمشاركة رموز حكم بن على فى حكومة الوحدة الوطنية
لتجبر الجيش على تولى هذه المهمة بنفسه ؟ .