يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
(المائدة: 1)
( لىُّ الواجد يُحِلّ عرضه وعقوبته ) .. (حديث شريف)
مقـــدمة
إن الالتزام؛ وهو واجب قانونى يقع على عاتق شخص معين يسمى المدين، يوجب عيه القيام بعمل أو بأداء مالى معين أو قابل للتعين لصالح شخص آخر هو الدائن، فالالتزام الواجب التنفيذ هو الالتزام المدنى متى استجمع عنصريه؛ وهما: المديونية والمسئولية، فأثر الالتزام هو وجوب تنفيذه ولو جبراً على المدين، استجابة لعنصر المسئولية فيه. وذلك على العكس من الالتزام الطبيعى حيث يتجرد من عنصر المسئولية، فلا يكون قابلاً لغير التنفيذ الاختيارى، أى متروكاً لضمير المدين.
والأصل هو التنفيذ العينى؛ بأن يَنْصَبُّ على عين ما التزم به المدين تجاه دائنه، فعندما ينشأ الالتزام فغالباً ما يتمسك صاحب الحق بأن يتم التنفيذ فى الوقت المتفق عليه لارتباطه بتحقيق المنفعة المرجوة فى أفضل صورها، ولكى يتم تنفيذ الالتزام عيناً أو بطريق التعويض فيجب على الدائن أن يدعو مدينه لكى يقوم بتنفيذ الالتزام، فإذا ما استحال ذلك بفعل المدين أو خطأه أيًّا كانت صورة ذلك، فإنه لا يكون هناك مجالاً لغير التنفيذ بطريق التعويض، حين يحق للدائن أن يطالب مدينه بتعويض نقدى يقوم مقام التنفيذ العينى، وحينئذ يكون التنفيذ بطريق التعويض قضاءً، وتكون هذه الدعوة باتخاذ الدائن لإجراء شكلى يجب أن تستجمع فيه بعض الشروط حتى يكون صحيحاً من وجهة نظر القانون منتجاً لآثاره.
فإن كان تأخر التنفيذ يرجع لفعل المدين، وبالرغم من ذلك سكت الدائن، فإنه لا يُعتد بتأخر المدين الفعلى، فربما كان تأخره له ما يبرره، أو لأن الدائن قد تسامح فى تنفيذ مدينه لالتزامه. وإنما يعتد بتأخر المدين قانوناً حين يفصح الدائن عن إرادته فى قيام مدينه بالتنفيذ بأن يوجه إليه إنذاراً يخطره فيه بوجوب قيامه بالتنفيذ، وهذا هو الإعذار وجوهره التأخير عن تنفيذ الالتزام دون مسوغ قانونى. وقد يكون التأخر فى التنفيذ يرجع إلى فعل الدائن.
وهذا ما عبّرت عنه مقولة: قد أعذر من أنذر.. حيث أن الإنذار هو وسيلة الإعذار، حين يريد الدائن الحكم على خصمه.
وعلى هذا – بإذن الله – نتناول إعذار المدين فى فصل أول، من تعريفه وشروطه وشكله وآثاره.
ونتناول فى فصل ثان إعذار الدائن من حيث صوره وآثاره.
أولا: إعذار المــــدين
المقصود بالإعذار:
مجرد حلول الأجل دون وفاء المدين بالتزاماته قِبَل دائنه لا يفيد تقصير من جانب المدين، لمظنة تسامح الدائن فى وقت التنفيذ، أو لكون الوفاء كان فى موطن المدين ولم يسع إليه الدائن، والدائن متى أراد من مدينه أن يقوم بتنفيذ التزامه بحلول الأجل المضروب بينهما فى ذلك، فعليه أن يطالب هذا المدين بشكل رسمى تنتفى معه مظنة التسامح ويَوْضَع المدين مَوْضِع المُقَصِّر إذا لم يبادر إلى التنفيذ، فالمشرع قد اشترط الإعذار قبل الشروع فى التنفيذ الجبرى؛ سواء كان عينياً أو بِعِوَض، وقد قضت محكمة النقض فى ذلك بقولها: (الأصل فى التشريع المصرى أن مجرد حلول أجل الالتزام لا يكفى لاعتبار المدين متأخراً فى تنفيذه، إذ يجب للتنفيذ العينى للالتزام، كما يجب للتنفيذ بطريق التعويض إعذار المدين، حتى لا يحمل سكوت الدائن محل التسامح والرضا الضمنى بتأخر المدين فى هذا التنفيذ..)( ).
ولذلك نعرض لإعذار المدين فى ثلاثة مباحث: المبحث الأول نتعرض فيه لماهية الإعذار من حيث تعريفه وشكله وشروطه الموضوعية والغاية منه.
ونعرض فى المبحث الثانى لآثار إعذار المدين وما يترتب عليه فى ذمته، ونعرض فى المبحث الثالث لبعص الحالات التى لا تتطلب ضرورة الإعذار.
مـا هـــو الإعذار؟
إن الإعذار هو تصرف قانونى من خلال إجراء شكلى يقوم به الدائن لدعوة مدينه للقيام بالوفاء بما عليه من دين له، لذا فإن فكرة الإعذار تتجلى من خلال تعريف الإعذار، والغاية منه، والشروط الموضوعية له، وشكله، ونعرض لكل من ذلك فى مطلب مستقل.
تعــريف الإعذار:
ذهب فريق من الفقهاء إلى أن: الإعذار هو تسجيل التأخير على المدين( ) الغرض منه وضع المدين وضع المقصر فى تنفيذ التزامه بإثبات تأخره فى الوفاء به( ).
وذهب فريق آخر إلى تعريف الإعذار بأنه: الحالة التى يوجد فيها المدين الذى أنذره الدائن للوفاء بالتزاماته( ).
وفريق ثالث ذهب فى تعريفه إلى أنه: أمر يوجهه الدائن إلى المدين لينفذ التزامه، يثبت به رسمياً تأخر المدين فى التنفيذ، لسبب راجع إليه(4).
وذهب بعض الفقهاء إلى القول أن: إعذار المدين هو وضعه قانوناً فى حالة المتأخر عن تنفيذ التزامه(5).
من هذه التعريفات يتضح جلياً أن المشرع لا يعتد سوى بالتأخير القانونى، وهو الحالة القانونية التى يوجد فيها المدين غير منفذ لالتزامه من لحظة إعذاره(6).
الغـــــاية منـــــه:
الإعذار يفترض وجود مدين لم ينفذ التزامه بعد إزاء الدائن.. إلا أن المُشَرِّع لا يعتد بالتأخير الفعلى، وذلك مظنة تسامح الدائن فى تأخر مدينه عن تنفيذ التزامه، وهذه المظنة تنتفى بتوجيه الإعذار من الدائن لمدينه بما لا يتصور معه تسامح.
وعلى هذا تكون غاية الإعذار تحقيق كون المدين متأخراً فى تنفيذ التزامه، إذا لم يقم بالوفاء به فور الإعذار.
ففى القانون المدنى المصرى( ) أن مجرد استحقاق الأداء – بحلول الأجل، أو تحقق الشرط- لا يكفى لاعتبار المدين معذراً، بل يجب إفصاح الدائن عن رغبته فى أن يتم التنفيذ على الفور بتوجيه الإعذار إليه حتى يترتب على تأخره فى التنفيذ الآثار القانونية للإعذار.
فى فرنسا ذهب بعض الفقه( ) إلى اعتبار الإعذار أساساً لجعل المدين مخطئاً إذا تأخر فى التنفيذ، استناداً إلى أن وظيفة الإعذار هى اعتبار المدين متأخراً قانوناً وانعقاد مسئوليته عن ذلك، تأسيساً على أن الإعذار فى حد ذاته هو تصرف قانونى بمقتضاه يدعو الدائن مدينه بإجراء شكلى للقيام بالوفاء بما عليه من دين له، وبالتالى جعله عند عدم الوفاء متأخراً قانوناً عن الوفاء.
مما يعنى أن وظيفة وطبيعة الإعذار لا تختلط بالخطأ- الذى هو عنصر من عناصر المسئولية- بل هى اثبات تأخر أو تقصير المدين فى القيام بتنفيذ التزامه، فالأصح أن يُفْصَل بين الإعذار والخطأ، فقد يُعذر الدائن مدينه، ويَثْبُت مع ذلك أن المدين لم يرتكب خطأ بتأخره فى التنفيذ.. وإنما يصبح ملزماً بتنفيذ التزامه، بحيث أنه إذا تأخر عن التنفيذ استحق الدائن التعويض، وألقى عبء إثبات نفى الخطأ على عاتق المدين.
وقد يمكن القول؛ أن الإعذار له غاية ثلاثية الأبعاد:
(المائدة: 1)
( لىُّ الواجد يُحِلّ عرضه وعقوبته ) .. (حديث شريف)
مقـــدمة
إن الالتزام؛ وهو واجب قانونى يقع على عاتق شخص معين يسمى المدين، يوجب عيه القيام بعمل أو بأداء مالى معين أو قابل للتعين لصالح شخص آخر هو الدائن، فالالتزام الواجب التنفيذ هو الالتزام المدنى متى استجمع عنصريه؛ وهما: المديونية والمسئولية، فأثر الالتزام هو وجوب تنفيذه ولو جبراً على المدين، استجابة لعنصر المسئولية فيه. وذلك على العكس من الالتزام الطبيعى حيث يتجرد من عنصر المسئولية، فلا يكون قابلاً لغير التنفيذ الاختيارى، أى متروكاً لضمير المدين.
والأصل هو التنفيذ العينى؛ بأن يَنْصَبُّ على عين ما التزم به المدين تجاه دائنه، فعندما ينشأ الالتزام فغالباً ما يتمسك صاحب الحق بأن يتم التنفيذ فى الوقت المتفق عليه لارتباطه بتحقيق المنفعة المرجوة فى أفضل صورها، ولكى يتم تنفيذ الالتزام عيناً أو بطريق التعويض فيجب على الدائن أن يدعو مدينه لكى يقوم بتنفيذ الالتزام، فإذا ما استحال ذلك بفعل المدين أو خطأه أيًّا كانت صورة ذلك، فإنه لا يكون هناك مجالاً لغير التنفيذ بطريق التعويض، حين يحق للدائن أن يطالب مدينه بتعويض نقدى يقوم مقام التنفيذ العينى، وحينئذ يكون التنفيذ بطريق التعويض قضاءً، وتكون هذه الدعوة باتخاذ الدائن لإجراء شكلى يجب أن تستجمع فيه بعض الشروط حتى يكون صحيحاً من وجهة نظر القانون منتجاً لآثاره.
فإن كان تأخر التنفيذ يرجع لفعل المدين، وبالرغم من ذلك سكت الدائن، فإنه لا يُعتد بتأخر المدين الفعلى، فربما كان تأخره له ما يبرره، أو لأن الدائن قد تسامح فى تنفيذ مدينه لالتزامه. وإنما يعتد بتأخر المدين قانوناً حين يفصح الدائن عن إرادته فى قيام مدينه بالتنفيذ بأن يوجه إليه إنذاراً يخطره فيه بوجوب قيامه بالتنفيذ، وهذا هو الإعذار وجوهره التأخير عن تنفيذ الالتزام دون مسوغ قانونى. وقد يكون التأخر فى التنفيذ يرجع إلى فعل الدائن.
وهذا ما عبّرت عنه مقولة: قد أعذر من أنذر.. حيث أن الإنذار هو وسيلة الإعذار، حين يريد الدائن الحكم على خصمه.
وعلى هذا – بإذن الله – نتناول إعذار المدين فى فصل أول، من تعريفه وشروطه وشكله وآثاره.
ونتناول فى فصل ثان إعذار الدائن من حيث صوره وآثاره.
أولا: إعذار المــــدين
المقصود بالإعذار:
مجرد حلول الأجل دون وفاء المدين بالتزاماته قِبَل دائنه لا يفيد تقصير من جانب المدين، لمظنة تسامح الدائن فى وقت التنفيذ، أو لكون الوفاء كان فى موطن المدين ولم يسع إليه الدائن، والدائن متى أراد من مدينه أن يقوم بتنفيذ التزامه بحلول الأجل المضروب بينهما فى ذلك، فعليه أن يطالب هذا المدين بشكل رسمى تنتفى معه مظنة التسامح ويَوْضَع المدين مَوْضِع المُقَصِّر إذا لم يبادر إلى التنفيذ، فالمشرع قد اشترط الإعذار قبل الشروع فى التنفيذ الجبرى؛ سواء كان عينياً أو بِعِوَض، وقد قضت محكمة النقض فى ذلك بقولها: (الأصل فى التشريع المصرى أن مجرد حلول أجل الالتزام لا يكفى لاعتبار المدين متأخراً فى تنفيذه، إذ يجب للتنفيذ العينى للالتزام، كما يجب للتنفيذ بطريق التعويض إعذار المدين، حتى لا يحمل سكوت الدائن محل التسامح والرضا الضمنى بتأخر المدين فى هذا التنفيذ..)( ).
ولذلك نعرض لإعذار المدين فى ثلاثة مباحث: المبحث الأول نتعرض فيه لماهية الإعذار من حيث تعريفه وشكله وشروطه الموضوعية والغاية منه.
ونعرض فى المبحث الثانى لآثار إعذار المدين وما يترتب عليه فى ذمته، ونعرض فى المبحث الثالث لبعص الحالات التى لا تتطلب ضرورة الإعذار.
مـا هـــو الإعذار؟
إن الإعذار هو تصرف قانونى من خلال إجراء شكلى يقوم به الدائن لدعوة مدينه للقيام بالوفاء بما عليه من دين له، لذا فإن فكرة الإعذار تتجلى من خلال تعريف الإعذار، والغاية منه، والشروط الموضوعية له، وشكله، ونعرض لكل من ذلك فى مطلب مستقل.
تعــريف الإعذار:
ذهب فريق من الفقهاء إلى أن: الإعذار هو تسجيل التأخير على المدين( ) الغرض منه وضع المدين وضع المقصر فى تنفيذ التزامه بإثبات تأخره فى الوفاء به( ).
وذهب فريق آخر إلى تعريف الإعذار بأنه: الحالة التى يوجد فيها المدين الذى أنذره الدائن للوفاء بالتزاماته( ).
وفريق ثالث ذهب فى تعريفه إلى أنه: أمر يوجهه الدائن إلى المدين لينفذ التزامه، يثبت به رسمياً تأخر المدين فى التنفيذ، لسبب راجع إليه(4).
وذهب بعض الفقهاء إلى القول أن: إعذار المدين هو وضعه قانوناً فى حالة المتأخر عن تنفيذ التزامه(5).
من هذه التعريفات يتضح جلياً أن المشرع لا يعتد سوى بالتأخير القانونى، وهو الحالة القانونية التى يوجد فيها المدين غير منفذ لالتزامه من لحظة إعذاره(6).
الغـــــاية منـــــه:
الإعذار يفترض وجود مدين لم ينفذ التزامه بعد إزاء الدائن.. إلا أن المُشَرِّع لا يعتد بالتأخير الفعلى، وذلك مظنة تسامح الدائن فى تأخر مدينه عن تنفيذ التزامه، وهذه المظنة تنتفى بتوجيه الإعذار من الدائن لمدينه بما لا يتصور معه تسامح.
وعلى هذا تكون غاية الإعذار تحقيق كون المدين متأخراً فى تنفيذ التزامه، إذا لم يقم بالوفاء به فور الإعذار.
ففى القانون المدنى المصرى( ) أن مجرد استحقاق الأداء – بحلول الأجل، أو تحقق الشرط- لا يكفى لاعتبار المدين معذراً، بل يجب إفصاح الدائن عن رغبته فى أن يتم التنفيذ على الفور بتوجيه الإعذار إليه حتى يترتب على تأخره فى التنفيذ الآثار القانونية للإعذار.
فى فرنسا ذهب بعض الفقه( ) إلى اعتبار الإعذار أساساً لجعل المدين مخطئاً إذا تأخر فى التنفيذ، استناداً إلى أن وظيفة الإعذار هى اعتبار المدين متأخراً قانوناً وانعقاد مسئوليته عن ذلك، تأسيساً على أن الإعذار فى حد ذاته هو تصرف قانونى بمقتضاه يدعو الدائن مدينه بإجراء شكلى للقيام بالوفاء بما عليه من دين له، وبالتالى جعله عند عدم الوفاء متأخراً قانوناً عن الوفاء.
مما يعنى أن وظيفة وطبيعة الإعذار لا تختلط بالخطأ- الذى هو عنصر من عناصر المسئولية- بل هى اثبات تأخر أو تقصير المدين فى القيام بتنفيذ التزامه، فالأصح أن يُفْصَل بين الإعذار والخطأ، فقد يُعذر الدائن مدينه، ويَثْبُت مع ذلك أن المدين لم يرتكب خطأ بتأخره فى التنفيذ.. وإنما يصبح ملزماً بتنفيذ التزامه، بحيث أنه إذا تأخر عن التنفيذ استحق الدائن التعويض، وألقى عبء إثبات نفى الخطأ على عاتق المدين.
وقد يمكن القول؛ أن الإعذار له غاية ثلاثية الأبعاد: