روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    دراسه : دروس في ثورة الحرية المصرية

    جليله محمود
    جليله محمود
    .....
    .....


    عدد المساهمات : 1008
    نقاط : 2940
    السٌّمعَة : 7
    تاريخ التسجيل : 11/10/2010

    دراسه : دروس في ثورة الحرية المصرية Empty دراسه : دروس في ثورة الحرية المصرية

    مُساهمة من طرف جليله محمود الخميس فبراير 10, 2011 9:10 pm

    دراسه : دروس في ثورة الحرية المصرية Bigpic_1297363461
    نشرة الإصلاح العربي . مؤسسة كارينجي للسلام
    "يدوسوا علينا بالدبابات مية مرّة أحسن ما نعيش عبيد عند مبارك ... أنا مش
    ماشي من هنا." جملة قالها صديق لي، قبل أن يتمدد سريعاً أمام إحدى دبابات
    الجيش بعد ان سرت شائعة حول قرب اقتحامها لميدان التحرير لتجهز على قلب
    الحركة الديمقراطية في مصر. هذه الشائعات لم تأت من فراغ . فتعامل نظام
    حسني مبارك مع الأزمة في البداية اقتصر على اجراءات القمع، والتي شملت
    هجمات عنيفة من قبل قوات الأمن المركزي، واختطاف وتعذيب من قبل جهاز أمن
    الدولة، واستخدام التكتيك المعروف في الانتخابات وهو الاستعانة بما يسمى
    "البلطجية." وهؤلاء هم خليط من رجال أمن بلباس مدني، و أرباب السوابق
    الجنائية، ومأجورين معروفين بممارستهم العنف. ثم نزل الجيش وأصدر البيان
    الشهير الذي أكد فيه على أنه لن يستخدم العنف ضد المحتجين، كما أكد على
    شرعية مطالبهم. ولكن تغير هذا الموقف ببيان آخر أصدره الجيش وطالب فيه
    المحتجون بالعودة إلى بيوتهم لأن مطالبهم ستلبى.
    فتحول النظام في الأيام القليلة الماضية إلى تكتيكات "الجزرة"، والتي تبدأ
    بوعود براقة من معاشات وعلاوات مجزية، ودعم للسلع الأساسية، وتنتهي بتقديم
    أكباش فداء، كإقالة عدد من أسوأ وجوه النظام. فأعلن التليفزيون الرسمي -
    المسيطر عليه من قبل النظام – تحويل وزير الداخلية السابق اللواء حبيب
    العادلي للنيابة العسكرية. إلا أن تقارير مستقلة نفت هذا. كذلك أقيل جمال
    مبارك وأحمد عز وصفوت الشريف - وكلهم من قيادات الحزب الوطني وممن يعتبرهم
    الشعب المصري من رموز الفساد. واستمر تكتيك "الجزرة" و سياسة الوعود
    البراقة، ومنها أن يقود حسني مبارك عملية التحول الديمقراطي والفترة
    الانتقالية قبل أن يتنحى في سبتمبر 2011!
    ولكن انعدام الثقة في وعود النظام ومن يترأسه منعت أغلبية المصريين من
    تصديق و عود مبارك. فبغض النظر عن الرغبة و القدرة على تنفيذ تلك الوعود – و
    هما تقريباً منعدمتان – تاريخ مبارك الطويل في الالتفاف على الوعود ونقضها
    لا يشجع على الثقة به. فقائمة العهود المنقوضة تبدأ من 1981 عندما أعلن
    مبارك أنه جاء لفترة رئاسية واحدة ليدعم الاستقرار في مصر بعد اغتيال
    الرئيس السادات. أما في 2005 فقد وعد مبارك بإنهاء قانون الطوارئ، و بعد
    ستة سنوات لايزال القانون حياً، حامياً له، وقامعاً للشعب المصري.
    كَذِب الطغاة و نتائجه الكارثية موثق جيداً في تاريخ مصر الحديث. فبين
    يوليو 1952 و أكتوبر 1954 استطاع المقدم جمال عبد الناصر أن يحول النظام
    السياسي في مصر من نظام شبه ديمقراطي إلى ديكتاتورية عسكرية. كانت سياسة
    عبد الناصر ممنهجة، ومن أبرز نتائجها منع الأحزاب السياسية، و حل البرلمان
    المنتخب، واعتقال و تعذيب السياسيين المعارضين، وفتح النار على مظاهراتٍ
    سلمية، وإعدام قيادات عمالية مضربة. فلم يحتمل المصريون هذا الظلم، وفي 28
    فبراير 1954 حاصر ما يقرب من مليون مصري عبد الناصر في قصر عابدين. واشتملت
    مطالبهم على اعادة الحكم المدني، وعودة العسكر إلى الثكنات، والإفراج عن
    كافة المعتقلين السياسيين، ورفع الحظر عن الحياة السياسية. وكان عبد الناصر
    محاصراً و مضغوطاً، فوعد بالإصلاحات وأقسم على احترام الوعد و تعهد باجراء
    انتخابات حرة في يونيو 1954 (أي بعد أربعة أشهر!). وعلى هذا الأساس الواهي
    (وعود بالإصلاح) أقنع عبد القادر عودة – أحد قادة الإخوان – المحتجّين
    بالإنصراف. فدفع المصريون ثمن هذه الخطيئة 57 سنة من حريتهم، و كرامتهم،
    وقوت أولادهم وأحفادهم. والسيد عودة لم يكن خائناً، ولكنه كان أصغر كثيراً
    من مستوى حدثٍ فيصَليّ في تاريخ مصر الحديث. تم اعتقال الرجل في نفس
    الليلة التي أنقذ الديكتاتورية وأطال عمرها - دون قصد، وأعدم بعد ذلك في
    يناير 1955.
    والدروس المستفادة من هذه الحركة هي في غاية الأهمية في الوقت الحالي.
    فأمامنا ثلاثة عوامل حاسمة لقضية التحول الديمقراطي في مصر وهي: استمرارية
    وتوسيع التظاهر في ميدان التحرير، وميادين أخرى في القاهرة والمدن الأخرى،
    وضغوط المجتمع الدولي على النظام القمعي ليقبل بالديمقراطية، ودعم – أو على
    الأقل حياد – الجيش المصري. العامل الأول و الثاني موجودان بقوة – ولذلك
    تراجع مبارك من خطبته الأولى (التي تجاهل فيها المحتجين و استخف بمطالبهم)
    إلى حوار الABC الذي قال فيه أنه "تعب من الرئاسة". ولكن خلاصة الأمر أن
    مبارك متشبث بالسلطة، ولذلك يجب أن تستمر الضغوط لإنقاذ مصر من براثنه.
    فعلى جانب المحتجين صار تنظيم الصفوف و توحيد المطالب حتمياً لإنجاح
    الثورة، و كذلك التحضير لحكومة خبراء (لا سياسيين) موازية – تهدف بالأساس
    إلى إعداد البلاد لإنتخابات حرة و نزيهة بمراقبة دولية. ومن ناحيته قدم
    المجتمع الدولي الدعم اللفظي فقط لثورة الحرية، وحان الآن وقت الأفعال لا
    الأقوال – كإستخدام ال1.3 مليار دولار من الدعم الأمريكي للجيش كأداة ضغط.
    ومن المهم أن تفهم ادارة أوباما ان الأكثرية الساحقة من المصريين لا تريد
    استبدال ديكتاتور (مبارك) بآخر (عمر سليمان). وانما خرج المصريون وبذلوا
    أرواحهم لأجل نظام حر ديمقراطي، ولن يقبلوا بأقل من الحرية ثمناً لدماء
    شهدائهم. كما أنه من المهم ان يتفهم الغرب ان نظام مبارك يستخدم سياسة "فرق
    تسد". فالتفاوض مع الإخوان وإقصاء الجمعية الوطنية للتغيير التابعة
    للبرادعي يهدف بالأساس الى تخويف الغرب من الديمقراطية المصرية، وكذلك بث
    الفرقة بين الليبيراليين والإسلاميين.
    سياسة العنف الممنهج لنظام مبارك أدت الى مقتل المئات من المصريين وأصابت
    الآلاف منهم، هذا بالإضافة الى عدد غير معروف من السجناء السياسيين. فحتماً
    ولابد أن يلاحق قادة هذا النظام قضائياً في الداخل والخارج. ويعمل الكثير
    من نشطاء المجتمع المدني على ذلك. وصار واجباً انسانياً على الدول الغربية
    اخبار نظام مبارك على أن سياسيات العنف و القمع و قتل العزل – و الكثير
    منها مسجل - له نتائج قانونية ، و أن المتورطين فيه سيلاحقون جنائياُ.
    أما العامل الحاسم الأخير فهو الجيش – و الذي يتأثر بالطبع بحجم المشاركة
    في الثورة و صمود و نضوج و شجاعة مناضليها، كما يتأثر أيضاً بمواقف المجتمع
    الدولي. و لكن في نهاية أمر لم يتخل الملك فاروق– وهو يبدو للمصريين الآن
    في رقة و نقاء الأم تيريزا عندما يقارن بمبارك – عن العرش إلا عندما وجه
    العقيد عبد المنعم عبد الرؤوف (المعروف "بمنعم الأسد" بين زملائه) مدفع
    دبابته صوب قصر رأس التين في الأسكندرية، و أجبر فاروق على التنازل عن
    العرش. كانت الحركة قاسية، و لكنها أنقذت مصرمن حمام دم. فقد كلف تغيير
    1952 مصر قتيلاً واحداً بسبب تخلي فاروق عن العرش سريعاً. أما في 2011 –
    عندما صار تغيير الحكومة في معظم دول العالم لا تطلب سوى نزهة للإنتخاب
    السلمي في الصندوق – دفع شباب مصر المئات من أرواحهم و الكثير من دمائهم
    لأجل الديمقراطية و الحرية و انهاء الديكتاتورية . والمسئول الأول والأخير
    عن إزهاق هذه الأرواح الطاهرة هو حسني مبارك ونظامه.
    د.عمر عاشورأستاذ محاضر في العلوم السياسية ومدير برنامج الدراسات العليا في سياسة الشرق الأوسط في جامعة إكستر البريطانية.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:43 pm