بمذكرة إلى مجلس القضاء الأعلى، تتضمن رؤيته حول التعديلات الدستورية التى
انتهت إليها مؤخراً اللجنة المكلفة بتعديل الدستور، مطالباً مجلس القضاء
الأعلى باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها، ووجه مكى فى المذكرة التى بدأها
بـ"الشكر والتقدير لأعضاء اللجنة"، انتقاده لإسناد رئاسة اللجنة المشرفة
على الانتخابات الرئاسية إلى رئيس اللجنة الدستورية العليا، ونقل الفصل فى
صحة العضوية من محكمة النقض إليها.
وجاء فى المذكرة التى حصل اليوم السابع على نسخة منها، "أن جميع أعضاء
اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية، أقدم من رئيسها وهو رئيس المحكمة
الدستورية قبل أن ينعم عليه بهذا المنصب، فكان من الأولى أن يترك هذا الأمر
للقانون المنظم للانتخابات الرئاسية، أسوة بما اتبعه المشروع فى المادة 88
منه بشأن لجنة الإشراف على الانتخابات البرلمانية".
أما بالنسبة للمادة 93 والتى انتهت اللجنة الدستورية على اختصاص المحكمة
الدستورية بالفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب، أبدى مكى عدداً من
الملاحظات فى مذكرته حول طبيعة عمل المحكمة الدستورية والقوانين المنظمة
لعملها ومطالب القضاة بإلغائها وإسناد اختصاصاتها إلى القضاء العادى.
من ضمن الملاحظات التى تناولها المستشار أحمد مكى فى مذكرته "أن قانون
إنشاء المحكمة الدستورية العليا رقم 81 لسنة 1969، كان على رأس قوانين
مذبحة القضاء الخمسة، وكانت المحكمة العليا هى كيان جديد تنفرد السلطة
التنفيذية بتشكيلها لكى تسلب جهات القضاء الطبيعى ولاية الفصل فى دستورية
القوانين التى يطبقها وفى تفسيرها وفض التنازع بينها، ولقد كان هذا العدوان
محل استنكار جميع فقهاء القانون فى مصر".
وذكر مكى مطالب عدداً من كبار شيوخ القضاء بضرورة إلغاء المحكمة الدستورية
أثناء إعداد مشروع القانون الخاص بها رقم 48 لسنة 1979، قائلاً فى المذكرة
أنها أثارت استنكار فقهاء القانون فى مصر وعلى رأسهم الراحلون العظام أحمد
جنينة، محمد وجدى عبد الصمد، ويحيى الرفاعى، حتى أن المرحوم الدكتور محمد
عصفور قال عنها "أنها عدوان على القانون وكرامة القضاء واستقلاله، ولإضفاء
الشرعية على تصرفات شاذة ومنكرة بلغت فى كثير من الأحيان حد أخطر الجرائم
التى يعاقب عليها القانون لولا أنها صادرة من سلطة الدولة".
وأضافت المذكرة "أن القضاة اتفقوا أنه لا سبيل لتوفير ضمانات لتشكيل محكمة
دستورية مستقلة طالما أن قرار تعيين رئيسها وأعضائها يصدر من السلطة
التنفيذية التى تختار من ترضى عنه ممن تحددت مواقفهم وميولهم طوال سنوات
خدمتهم السابقة فى الجهات المختلفة، فى حين أن مسيرة القضاء العادى تبدأ
باختيار خريج حديث من كليات الحقوق لم تكتشف السلطة التنفيذية مواقفه بعد،
فضلاً عن أن أعضاء المحاكم العليا فى القضاء الإدارى أو العادى مختارون من
جمعياتهم العمومية بحسب تقدير زملائهم لهم وليس بناءً على تقدير السلطة
التنفيذية، كما اتفق المشاركون فى مؤتمر العدالة أن التعيين فى المحكمة
الدستورية بما يصاحبه من امتيازات مالية ومخالفة لقواعد الأقدمية كثيراً ما
يكون إنعاماً من السلطة التنفيذية لمن أدى لها خدمات".
وأضاف مكى "على الرغم من أن المحكمة الدستورية كمؤسسة بطريقة تشكيلها
وطبيعته محل نظر، إلا أن كل ذلك لا ينفى أن هناك مواقف جديرة بالاحترام
اتخذتها المحكمة الدستورية".
وأكد أن المادة 93 كانت محل نظر فيما يتعلق بإعطاء مجلس الشعب الفصل فى صحة
الطعون الانتخابية، مضيفاً أن الفهم الصحيح لهذا النص منذ دستور 1956 هو
أن رأى محكمة النقض فى الطعن الذى حققته هو القول الفاصل فى النزاع وهو
ملزم لمجلس الشعب، وأضاف "ليس باعثى على كتابة هذه الملاحظات حرصى على بقاء
اختصاص محكمة النقض بالفصل فى الطعون الانتخابية ـ فأنا أتهيأ لمغادرة
موقعى ـ وأنا مشفق عليها مما تنوء بحمله، ولكن دهشتى من أن ينزع الاختصاص
من محكمة لها قدرها مكونة من 400 قاض اختارتهم الجمعية العامة للمحكمة،
ليؤول إلى محكمة عدد أعضائها 19 عضواً أتى رئيسها من خارجها! بقرار من
السلطة التنفيذية ليرأس من هو أقدم منه على خلاف كل التقاليد وهكذا نقل
المشروع الاختصاص بالفصل فى الطعون من محكمة طبيعية إلى محكمة أقل ما يقال
فيها أن السلطة التنفيذية تختار أعضاءها فتغدق عليهم مزايا و عطايا مالية
لحقق من خلالها أغراضها حتى بلغ الأمر أنها استعملتها فى الرد على قرار
جمعية عمومية لمجلس الدولة.
وتوقع عضو مجلس القضاء الأعلى عدم كفاية مدة التسعين يوماً لإنجاز كل
الطعون، وأن المحكمة الدستورية ستتعجل فى الفصل فى بعضها وستتباطأ فى الفصل
فى البعض الآخر حسب الملاءمات، ويرى مكى أنه لا سبيل لعلاج هذا الأمر إلا
أن تصبح هى ذاتها جزء من نسيج القضاء الطبيعى بشقيه المحاكم ومجلس الدولة،
كما يقترح أن تسند الطعون الانتخابية إلى محاكم حقيقية، سواء أكانت محكمة
النقض أو محاكم الاستئناف أو مجلس الدولة، قائلاً فى نهاية مذكرته "لا
يستقيم أن نحاول أن نحسن لمجلس الشعب بالإساءة إلى استقلال القضاء ولا أن
نستبدل الأقل استقلالاً بالذى هو خير".