قد تطرقنا للشرعة الدولية لحقوق الانسان، ومنها من يتعاطي مع حرية الرأي والتعبير على وجه الخصوص، كما استتبع ذلك ضرورات التعرف على المظلة القانونية الوطنية الحاكمة/ المنظمة لحرية الرأي والتعبير. وفي معرض الاستفادة من تلك الدورة التعريفية على حقوق وواجبات الصحفي، كان من الأهمية بمكان أن نعرف كيف يمكن للصحفي تلمس الطريق عند تناوله بالكتابة تحقيق، موضوع، نقد، مقالة رأي،...إلخ من فنون وضروب الصحافة، حتي ينأي بذاته عن العقوبات الواردة في جرائم النشر بالقوانين المصرية.
وعليه، فهناك عدة مباديء عامة في هذا الصدد يمكن الاسترشاد بها، مثل:
على الصحفي أن يستهدف الصالح العام من النشر.
أن يتأكد من الأخبار التي ينشرها من أكثر من مصدر وأن يكون لدية المستندات الدالة على ما ينشره حتى لا يتعرض للمساءلة القانونية فلا ينشر إخبار كاذبة.
أن يقدم عرضا شاملا للحدث والالتزام بالأمانة في عرضة وعدم التحيز وذلك لما للصحافة من تأثير خطير على المجتمع وعلى الرأي العام.
النزاهة هي الأساس في العمل الصحفي وكذلك مراعاة الآداب العامة والأخلاقيات وعدم نشر أخبار تثير الفتن والصراعات الداخلية.
تجنب التشهير وسب الأشخاص وتشويه سمعتهم.
حماية سرية المعلومات المتعلقة بالأمن القومي.
عدم التعرض للمتهمين الذين لم تثبت أدانتهم وحماية هوية ضحايا بعض الجرائم الخاصة كجرائم الشرف.
عدم التعرض للمواطنين والشخصيات الاعتبارية بالتشهير والقذف أو نشر معلومات غير صحيحة عنهم أو عن سلوكهم وعدم التعرض للحياة الخاصة للمواطنين دون أن تكون هناك أدلة وعلاقة وثيقة بين تلك الحياة الخاصة والمصلحة العامة.
ولكن ما هي أوجه الدفوع التي يمكن للصحفي التمسك بها في حالة الاتهام؟ وذلك حسب قانون الاجراءات الجنائية المصري:
الدفع بعدم قبول الشكوي لتقديمها ممن لا يملك ذلك:
إن جرائم السب والقذف، تعد من جرائم الشكوي، وبناء عليه، لا تتخذ الاجراءات الجنائية في حق المجني إلا بناء على إتجاة إرادة الشاكي لترتيب الآثر الجنائي في حق المجني.
ومعني ذلك، إنه لا يجوز البدء في التحقيق إلا بناء على شكوي من المقذوف أو وكيله الخاص المأذون له بذلك، وبغير هذا لا يجوز التحقيق.
ولما كان تحريك الدعوي أو بدء التحقيق فيها يتطلب شكوي من المجني علية أو وكيلة الخاص المأذون له فإن التنازل عنها يعتبر سببا لإنقضاء الدعوي العمومية في تلك الجريمة في القانون المصري.
و في حالة تعدد المجني عليهم فإن التنازل لا يعد صحيحا إلا إذا صدر من جميع من قدموا الشكوى كما أن التنازل عن الشكوي بالنسبة لأحد المتهمين يعد تنازل بالنسبة للباقين، فإذ كان المقال أو التحقيق الصحفي محرر من اكثر من صحفي، وتنازل الشاكين عن شكواهم ضد احد الصحفيين فإن هذا يعد تنازلا عن الشكوي ضد الصحفي الأخر .
مما سبق يتضح أنه في القانون المصري يمكن أن يتم إيقاف التحقيق وانقضاء الحق في جرائم القذف والسب بشروط خمس:-
أ- تنازل المجني عليه عن شكواه و لا يشترط القانون شكل خاص لهذا التنازل.
ب- التنازل عن الشكوى هي لصاحب الحق في تقديمها و هي كذلك لممثله لكن إذا قدم المجني عليه الشكوى بنفسه فلا يجوز لوكيله التنازل عنها إلا بتوكيل خاص.
ج- في حالة تعدد المجني عليهم لا يعتبر التنازل صحيحا إلا إذا صدر من جميع من قدموا الشكوى
د- التنازل بالنسبة لأحد المتهمين يعد تنازل بالنسبة للباقين.
ه - يحق للمجني عليه التنازل عن الشكوى أو الطلب في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم نهائي وتنقضي الدعوى الجنائية بالتنازل.
و لا يتطلب القانون المصري شكلا معينا للتنازل فيجوز أن يكون كتابة أو شفوي و يجوز أن يكون صريح أو ضمني ينم عنه بتصرف يصدر من صاحب الحق، ويفيد في غير شبهة انه اعرض عن شكواه.
- الدفع بعدم تحديد شخص المقذوف:
كثير من الصحفيين يلجأ إلى ستر اسم المقذوف وان كان يصفه بصفات يمكن أن تدل عليه، والقانون يشترط تعيين- تحديد - شخص المقذوف فإن كان شخصا طبيعيا وجب أن يورد اسمه صراحة، أو حرف من اسمه أو كنيته أو بنشر صورته أو صورة يمكن منها التعرف عليه، فإذ لم يمكن تعيين المقذوف فلا جريمة، على إننا نحب أن ننبه إلى أن تعيين شخص المقذوف من عدمه هو مسألة واقع تقضي فيه محكمة الموضوع ويمكن أن تراقب قضائها فيه محكمة النقض .
كما نحب أن نوضح أن فكرة تعيين شخص المقذوف مقصود بها أن يكون تعيينه لدي من يعرفونه من أهل أو جيران أوفي محيط عملة أو أصدقائه، والقول بغير ذلك يبطل القذف أو السب من أساسه لأن شرط أن يعرف كل الناس بسهولة شخص المقذوف – وهو ما يطلق عليه التعيين – هو أمر مستحيل إلا بالنسبة لبعض المشاهير، ولكن بالنسبة للشخص العادي فيكفي ان يكون معينا في المقال موضوع القذف بشكل يكفي ان يتعرف علية المحيطون به وأصدقاؤه وأقاربه فالأمر يختلف من شخص إلى شخص حسب درجة الشهرة ونوع القذف والأساليب الإنشائية المستخدمة، والقول بغير ذلك يبطل القذف أو السب من أساسه لان شرط أن يعرف كل
الناس بسهوله شخص المقذوف والذي جاهد القاذف ليجعله مكشوفا / مخفيا في آن واحد – وهو ما يطلق عليه التعيين – يجعل من السهل الأفلات من العقاب فالأمر يختلف من شخص إلى شخص حسب درجه الشهرة ونوع القذف والأساليب الإنشائية المستخدمة .وإن العبرة من مسألة التعيين هذه، والني يحاسب عليها القانون، هو أن بتعيين شخصية المسبوب أو المقذوف، أن يكون من شأنه تعريضة للمسئولة الجنائية بناء على ما نسب إليه، ومن شأنه أيضا إحتقاره في وسط البيئة التي يعيش فيها.
ولذلك، فينبغي تعين الشخص أو الأشخاص التي تسند إليهم الواقعة الشائنة، وليس المقصود أن يكون المقذوف معينا بذكر أسمه بل يكفى آن يكون القذف موجها على صورة يسهل معها التعرف على الشخص أو الأشخاص الذين يعنيهم القاذف، فأذ تعذر تعيين شخص المقذوف لا تقوم الجريمة .
فمتى أمكن لمن نشر بينهم الكلام – أو ما أليه من طرق التعبير – أن يفهموه على أن المقصود منه نسبة واقعة شائنة إلى شخص معين قامت جريمة القذف وحق العقاب عليها وقد قامت محكمة النقض أن المداورة في الأساليب الإنشائية لفكرة الفرار من حكم القانون لا نفع فيها للمداور. مادامت الإهانة تتراءى للمطلع خلف تارها وتستشعرها الأنفس من خلالها.
الدفع بعدم توافر ركن الاسناد:
١. فعل الإسناد في جريمة السب والقذف.
يعد الدفع بعدم توافر ركن الإسناد دافعا هام جدا وانتفاؤه يعني عدم توافر ركن القذف أو السب .والإسناد معناه نسبة أمر إلى شخص يجعله أما مستحقا لعقاب القانون أو محتقرا عند أهل وطنه.
فيقصد بالإسناد نسبة واقعة أو أمر ما إلى شخص محدد و لا يشترط لتحقق الإسناد نسبة الواقعة أو الأمر على سبيل التأكيد بل يكفي نسبتها على نحو من شأنه أن يلقي في الأذهان مجرد الاحتمال أو الظن بصحتها و بذلك يدخل في مفهوم الإسناد الإخبار بمعني الرواية عن الغير وذكر خبر على انه مجرد شائعة مقطوع بصحتها أو حتى غير مقطوع بصحتها و تطبيقا لذلك قضت محكمة النقض انه "متي كانت العبارات المنشورة دالة على أن الناشر إنما رمي بها إلى إسناد وقائع مهينة إلى المدعية بالحقوق المدنية هي إنها تشتغل بالجاسوسية لمآرب خاصة وتتصل بخائن يستغل زوجته الحسناء و انه كان لها اتصال غير شريف بآخرين فان أيراد تلك
العبارات بما اشتملت عليه من وقائع مقذعة يتضمن بذاته الدليل على توافر القصد الجنائي و لا يعفي المتهم أن تكون هذه العبارات منقولة عن صحيفة أجنبية و انه ترك المجني عليها تكذب ما ورد فيها من وقائع أو تصححها فان الإسناد في القذف يتحقق و لو بصيغة تشكيكية متي كان من شأنها أن تلقي في الأذهان عقيدة و لو وقتية أو ظنا أو احتمالا في صحة الأمور المدعاة ".
فمن يسند إلى شخص انه سرق أو زور أم تخابر مع دولة أجنبية يرتكب جريمة القذف باعتبار انه فيما لو كان ذلك صحيحا يؤدي إلى عقابه قانونا، كما أن من يسند إلى شخص انه يعاشر خادمته يعد قاذفا إذ كان ذلك يترتب علية تحقيره في الوسط الذي يعيش فيه فالمعيار هنا معيار ذاتي وليس موضوعي . وعلي العكس لا يعتبر إسناد يشكل الجريمة القول بان شخص رسب في الامتحان أو أن المحامي لا يحسن الدفاع أو أن الطبيب لا يتقن التشخيص أو الصحفي لا يعرف قواعد اللغة العربية فذلك كله لا يؤدي إلى احتقار المسند إليه، فالعبرة هنا بما يحدثه الخبر من اثر في نفس الغير لا من اثر على نفس المسند إليه .
علي أننا نحب أن نؤكد مره أخرى أنه " لا عبرة بالأسلوب الذي تصاغ به عبارات القذف فمتى كان المفهوم من عبارات الكاتب أنه يريد بها إسناد أمر شائن إلى شخص المقذوف بحيث لو صح ذلك الأمر لأوجب عقاب من أسند إليه أو احتقاره عند أهل وطنه، فإن ذلك الإسناد يكون مستحقا العقاب أيا كان القالب أو الأسلوب الذي صيغ به، سواء أكان بصيغة التوكيد أو التهكم أو التندر، قدحا في صورة مدح، تصريحا أو تلميحا أو تعريضا حقيقة أو تورية أو مجازا، صدقا أو كذبا بطريق مباشر أو غير مباشر منجزا أو معلقا على شرط ممكن أو مستحيل التحقيق".
أي أن لا يلزم في الإسناد أن يكون صراحة بل يجوز أن يستخلص ضمنا من الكلام في مجموعه متي أمكن لمن نشر بينهم الكلام أن يفهموه على أن المقصود منه نسبة واقعة شائنة إلى شخص معين قامت جريمة القذف و حق العقاب عليها.
٢. موضوع الاسناد: ان يكون الأسناد بقصد التحقير .
من المقرر أن سوء القصد هو لب جرائم النشر لأنها في مجموعها صورة لتجاوز حق الأعراب عن الفكر ولإساءة استعمال هذا الحق استحق القمع في نظر الشارع. ولكن سوء القصد في كثير من الأحيان قد يكون عامل نفسي أو معنوي، فإنه في حال توصلنا إلى نفي سوء القصد نكون قد نجحنا في هدم الأتهام .
القصد الجنائي هو ما استقر عليه الفقه بأنه" علم بعناصر الجريمة وارادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر أو إلى قبولها " فهو بهذا التعريف وليد عنصرين العلم والإرادة وان كان عنصر الإرادة يزيد فيه قلي ً لا باعتبار أن الإرادة هي جوهر القصد وليس العلم متطلبًا لذاته ولكن باعتباره مرحلة في تكوين الاراده وشرطا أساسيا لتصورها.
والقصد الجنائي يتطلب شمول العلم موضوع الحق المعتدى عليه بارتكاب الجريمة فيجب أن يعلم الجاني بوجود الشيء الذي يقع عليه فعله وتتحقق منه النتيجة التي يعاقب عليها القانون – ويتطلب القصد الجنائي أن يحيط العلم بعناصر الركن المادي للجريمة فيعلم الجاني بخطورة فعله ونوع الآثار التي تترتب عليه ويتوقع النتيجة الإجرامية التي يحدثها الفعل ويتوقع فوق ذلك علاقة السببية والظروف المشددة التى تغير من وصف الجريمة .
وإذا كان ما تقدم وكان القصد الجنائي يبنى على العلم بحقيقة وقائع معينة فان انتفاء هذا العلم يستتبع ضرورة انتفاء القصد الجنائي وعلى ذلك فانه إذا تعلق الغلط بخطورة الفعل على الحق الذي يحميه القانون كان بذلك غلطًا جوهريًا وانتفى به القصد الجنائي فمن ارتكب فع ً لا يعتقد انه غير خطر على الحق – ثم احدث الفعل الاعتداء الذي يجرمه القانون عدا القصد منتفيًا .
وعلي ذلك يتعين على الصحفي في كل الأحوال ان يثبت حسن نيته وانه نشر ما نشر ابتغاء الصالح العام فإن لم يعفه ذلك من العقاب فقد يكون سببا لتخفيفه عنه باعتباره نشر بدافع مصلحة المجتمع ولم يكن يرمي إلى تحقيق مآرب شخصية أو الأنتقام من المجني عليه.
- الدفع بأن كان القذف استخداما لحق نقد الموظف العام ومن في حكمه:
١- حق نقد الموظف العام ومن في حكمه .
يمكن أن يكون القذف مباحا حتى لو استعمل فيه قوارص الكلم ما دام موجه إلى الموظف العام أو من في حكمه، ويرجع علة ذلك إلى أهمية الدور الذي يلعبه الموظف العام ومن في حكمة مما يجعل من المصلحة وضعة تحت رقابة الصحافة – التي هي مراءه المجتمع – لضمان أن يؤدي هذا الدور على نحو سليم ولإتاحة السبل أمام الأفراد للكشف عن الانحراف بأعمال الوظيفة العامة عن أهدافها وهم آمنون من عقاب القانون .
يقصد بحق نقد الموظف العام ومن في حكمه الحق الطبيعي المقرر لكل فرد في أن يتناول الموظف العام وذوى الصفة العمومية بالنقد والتعليق في حدود حياتهم العامة أيا قست صيغته أو اشتدت حدته ومفهوم النقد يستبعد فكرة العقاب طالما يلبث الناقد يرسل نقده بين غايتين صدق الراوية وشرف الغاية.
ويستوى في تطبيق هذه العقوبة أن يقع القذف ضد الموظف العام أو من في حكمه بطريق النشر في الصحف أو المجلات أو غيرها من أنواع المطبوعات، أو أن يقع القذف بأي من طريق العلانية الأخرى المنصوص عليها في المادة ( ١٧١ ) من قانون العقوبات المصري).
على أن القانون قد أباح الطعن في أعمال ذوى الصفة العامة بشرط إثبات صحة الوقائع المسندة إليهم، ومعنى ذلك آن توقيع العقاب على من يقذف في حق الموظف العام أو من في حكمه يفترض أن الوقائع التي نشرها القاذف كاذبة الأمر الذي تصبح معه الجريمة اشد خطرا .
ومن أهم شروط الإباحة في هذه الحالة :-
١. أن يكون القذف مسندا إلى الموظف العام ومن في حكمه.
٢. أن تكون الوقائع المسندة إلى الموظف العام متعلقة بأعمال الوظيفة العامة .
٣. أن يكون القاذف حسن النية .
٤. أن يثبت القاذف صحة وقائع القذف .
2- حق النقد يمتد ليشمل الشخص العام أيضا وليس الموظف العام فقط، وقد تناولنا في الورقة السابقة النقد، وشروط إباحة النقد.
الدفع الخاص بالنشر إذا كان استخداما لحق نشر الأخبار:
من المقرر أن للصحف الحق في نشر الأخبار حتى تؤدي رسالتها في الأعلام وتتطلب هذه الإباحة توافر شروط ثلاثة :-
١. أن يكون الخبر صحيحا، أو متحققا من صحته لحد بعيد، ويهم الرأي العام .فصحة الخبر شرط لتحقيق المصلحة الاجتماعية التي تقوم الإباحة عليها، فالمجتمع لا يستفيد بنشر خبر غير صحيح، وتقتضي صحة الخبر أن تكون الواقعة التي يتضمنها صحيحة في ذاتها، وصحيحة من حيث نسبتها إلى من أسندت أليه .وان يكون الخبر ذا طابع اجتماعي عام فلا تمتد الإباحة إلى الأخبار التي تنطوي على اسناد واقعة شائنة تتعلق بالحياه الخاصة لأحد الأفراد دون أن تحقق هدفا اجتماعيا.
٢. العرض الموضوعي للخبر، وتعني أن يقتصر الصحفي على نشر الخبر في حجمه الحقيقي، فلا يضفي عليه مبالغة أو تهكم أو سخرية .
٣. ضرورة توافر حسن النية .وتعني استهداف مصلحة المجتمع لا التشهير أو الانتقام، وإذ كان الخبر غير صحيح ولكن ناشره اعتقد صحته واستند اعتقاده إلى التحري المعتاد ممن كان في مثل ظروفه فله أن يحتج بالغلط في الإباحة.
فإذا كان الصحفي على علم بكافة تلك التفاصيل أعلاه، يستطيع أن ينأي بذاته عن التجريم المعاقب عليه قانونا، وأن المصلحة العامة تعلو دائما المصالح الصيقة الفردية، ويجب دائما الموازنة وثقل الأخبار بميزان الموضوعية والحياد والنزاهة التي يجب أن يتحلي بها من يمتهن مهنة المتاعب "الصحافة".
احكام هامه
" جرائم القذف والسب عن
طريق الصحف "
الموجز :
المقال الصحفي وإن قست عباراته . مناط اعتباره قذفا أو سبا
أو إهانة ، هو الإسناد إلي شخص معين .
القاعدة :
إن الركن المادي في جريمتي القذف والسب كلتيهما لا يتوافر
إلا إذا تضمنت عبارات القذف أو السب تحديدا لشخص المجني
عليه ، وإن كون المجني عليه معينا تعيينا كافيا لا محل للشك
معه في معرفة شخصيته مسألة واقع تفصل فيها محكمة
الموضوع بغير معقب . كما أن الأصل أنه لا يعتبر المقال
الصحفي – وإن قست عباراته – قذفا أو سبا أو إهانة إن هو
انصب علي فكرة في ذاتها أو تناول موضوعا دون أن يتعرض
لشخص بعينه ، ولو كان الذي أوحي إلي المحرر برأيه واقعة
معينة صدرت عن شخص معين مادام المحرر قد تناول الفعل في
ذاته وحمل رأيا قاصرا علي الفعل مجردا غير ممتد إلي شخص
صاحبه ولم يجعل تحديد من صدر عنه ممكنا عن طريق العبارات
المنشورة . وكان المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ القذف أو السب
أو الإهانة بما يطمئن إليه القاضي من تحصيله لفهم الواقع في
الدعوى ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض ما دام لم يخطئ
في التطبيق القانوني علي الواقعة ، وكانت محكمة الموضوع قد
اطمأنت في فهم سائغ لواقعة الدعوى أن المقال إنما تصدى لفعل
استيلاء بعض الوكلاء علي التعويضات المقضي بها عن حوادث
القتل والإصابة الخطأ دون توصيلها لمستحقيها من أرامل وثكالي
ويتامى وغيرهم وهو أمر عام يهم الجمهور ويمس مصالح إنسانية
مبغيا عليها معصوفا بها وأن المقال إذ تأسى لأحوال أولئك إنما
انصب علي الفعل مجردا غير ممتد إلي شخص صاحبه لا تصريحا ولا
تلميحا وأنه في ظاهره وباطنه لم يعد حوارا وعرضا موضوعيا مجردا
وإرشادا عن سبيل اقتضاء الحقوق ورفع المظالم ، وكان الأصل كذلك
اعتبار النقد حقا إن توافرت فيه موضوعية العرض واستهدف مصلحة
المجتمع ، وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره ، ذلك أن المقال كان
عن واقعة إنسانية عامة وكانت عباراته تتلاءم وظروف الحال
وهدفها الصالح العام ، ولم يثبت أن الغرض منها التشهير بشخص
معين ، فإن النعي علي الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون علي
غير أساس .
( الطعن رقم 20471 لسنة 60 ق – جلسة 14 / 11 / 1991 )
الموجز :
القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والإهانة . تحققه
متى كانت الألفاظ الموجهة للمجني عليه شائنة بذاتها .
وجوب البحث في جرائم النشر عن مرامي العبارات التي
يحاكم عليها الناشر وتبين مناحيها .
النقد المباح . هو مجرد إبداء الرأي في أمر أو عمل دون
أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية
التشهير به أو الحط من كرامته ، تقدير ذلك . موضوعي .
الجدل الموضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
القاعدة :
إن القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والإهانة لا يتحقق
إلا إذا كانت الألفاظ الموجهة إلي المجني عليه شائنة بذاتها ،
وأنه في جرائم النشر يتعين لبحث وجود جريمة فيها أو عدم
وجودها تقدير مرامي العبارات التي يحاكم عليها الناشر وتبين
مناحيها ، فإذا تبين أن ما اشتمل عليه المقال من نقد يراد به
المصلحة العامة – وهو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون
المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو
الحط من كرامته – وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون فيه في
تقديره – فلا جريمة . وإذ كان ذلك ، وكان المرجع في ذلك كله
إلي ما يطمئن إليه قاضي الموضوع من حصيلة تفهمه لواقعة
الدعوى ، فإن المنازعة في ذلك تنحل إلي جدل موضوعي لا
تجز إثارته أمام محكمة النقض ، بما يتعين الالتفات عنه .
( الطعن رقم 4933 لسنة 62 ق – جلسة 15 / 5 / 2000 )
لما كان ذلك وكان المقرر في قضاء النقض أن الفصل في الدعوى على هذا النحو يقتضي من محكمة الموضوع أن تتناول بالبحث والتمحيص المقال المشار إليه وتبيان ما إذا كانت عباراته قد التزمت الضوابط المنظمة لحق النشر والنقد من حيث صحة الخبر أو اعتقاد الناشر صحية بناء على أسباب تسوغه وأن يكون النقد في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وعدم الاعتداء على شرفهم واعتبارهم وما إذا كانت قوة العبارة قد اقتضتها ضرورة تجلية قصد الناقد وأن رائدها المصلحة العامة ولم يكن الغرض منها الطعن والتجريح وهي الأمور الواجب استظهارها لإثبات أو نفي عناصر المسئولية محل الدعوى 0
{ نقض جلسة 1/3/2000 طعن رقم 2972/69 ق }
لما كان ما تقدم وكان المقرر في قضاء النقض أن المساس بالشرف والسمعة متي ثبتت عناصره هو ضرب من ضروب الخطأ الموجب للمسئولية لا يشترط فيه أن يكون المعتدى سيء النيه بل يكفي أن يكون متسرعاً إذ في التسرع انحراف عن السلوك المألوف للشخص المعتاد وهو ما يتوافر به هذا الخطأ 0
هذا إلى أن سوء النية ليس شرطاً في المسئولية التقصريه كما هو شرط في المسئولية الجنائية 0
{ نقض جلسة 17/6/1990 طعن رقم 1844/52 ق }
وعليه، فهناك عدة مباديء عامة في هذا الصدد يمكن الاسترشاد بها، مثل:
على الصحفي أن يستهدف الصالح العام من النشر.
أن يتأكد من الأخبار التي ينشرها من أكثر من مصدر وأن يكون لدية المستندات الدالة على ما ينشره حتى لا يتعرض للمساءلة القانونية فلا ينشر إخبار كاذبة.
أن يقدم عرضا شاملا للحدث والالتزام بالأمانة في عرضة وعدم التحيز وذلك لما للصحافة من تأثير خطير على المجتمع وعلى الرأي العام.
النزاهة هي الأساس في العمل الصحفي وكذلك مراعاة الآداب العامة والأخلاقيات وعدم نشر أخبار تثير الفتن والصراعات الداخلية.
تجنب التشهير وسب الأشخاص وتشويه سمعتهم.
حماية سرية المعلومات المتعلقة بالأمن القومي.
عدم التعرض للمتهمين الذين لم تثبت أدانتهم وحماية هوية ضحايا بعض الجرائم الخاصة كجرائم الشرف.
عدم التعرض للمواطنين والشخصيات الاعتبارية بالتشهير والقذف أو نشر معلومات غير صحيحة عنهم أو عن سلوكهم وعدم التعرض للحياة الخاصة للمواطنين دون أن تكون هناك أدلة وعلاقة وثيقة بين تلك الحياة الخاصة والمصلحة العامة.
ولكن ما هي أوجه الدفوع التي يمكن للصحفي التمسك بها في حالة الاتهام؟ وذلك حسب قانون الاجراءات الجنائية المصري:
الدفع بعدم قبول الشكوي لتقديمها ممن لا يملك ذلك:
إن جرائم السب والقذف، تعد من جرائم الشكوي، وبناء عليه، لا تتخذ الاجراءات الجنائية في حق المجني إلا بناء على إتجاة إرادة الشاكي لترتيب الآثر الجنائي في حق المجني.
ومعني ذلك، إنه لا يجوز البدء في التحقيق إلا بناء على شكوي من المقذوف أو وكيله الخاص المأذون له بذلك، وبغير هذا لا يجوز التحقيق.
ولما كان تحريك الدعوي أو بدء التحقيق فيها يتطلب شكوي من المجني علية أو وكيلة الخاص المأذون له فإن التنازل عنها يعتبر سببا لإنقضاء الدعوي العمومية في تلك الجريمة في القانون المصري.
و في حالة تعدد المجني عليهم فإن التنازل لا يعد صحيحا إلا إذا صدر من جميع من قدموا الشكوى كما أن التنازل عن الشكوي بالنسبة لأحد المتهمين يعد تنازل بالنسبة للباقين، فإذ كان المقال أو التحقيق الصحفي محرر من اكثر من صحفي، وتنازل الشاكين عن شكواهم ضد احد الصحفيين فإن هذا يعد تنازلا عن الشكوي ضد الصحفي الأخر .
مما سبق يتضح أنه في القانون المصري يمكن أن يتم إيقاف التحقيق وانقضاء الحق في جرائم القذف والسب بشروط خمس:-
أ- تنازل المجني عليه عن شكواه و لا يشترط القانون شكل خاص لهذا التنازل.
ب- التنازل عن الشكوى هي لصاحب الحق في تقديمها و هي كذلك لممثله لكن إذا قدم المجني عليه الشكوى بنفسه فلا يجوز لوكيله التنازل عنها إلا بتوكيل خاص.
ج- في حالة تعدد المجني عليهم لا يعتبر التنازل صحيحا إلا إذا صدر من جميع من قدموا الشكوى
د- التنازل بالنسبة لأحد المتهمين يعد تنازل بالنسبة للباقين.
ه - يحق للمجني عليه التنازل عن الشكوى أو الطلب في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم نهائي وتنقضي الدعوى الجنائية بالتنازل.
و لا يتطلب القانون المصري شكلا معينا للتنازل فيجوز أن يكون كتابة أو شفوي و يجوز أن يكون صريح أو ضمني ينم عنه بتصرف يصدر من صاحب الحق، ويفيد في غير شبهة انه اعرض عن شكواه.
- الدفع بعدم تحديد شخص المقذوف:
كثير من الصحفيين يلجأ إلى ستر اسم المقذوف وان كان يصفه بصفات يمكن أن تدل عليه، والقانون يشترط تعيين- تحديد - شخص المقذوف فإن كان شخصا طبيعيا وجب أن يورد اسمه صراحة، أو حرف من اسمه أو كنيته أو بنشر صورته أو صورة يمكن منها التعرف عليه، فإذ لم يمكن تعيين المقذوف فلا جريمة، على إننا نحب أن ننبه إلى أن تعيين شخص المقذوف من عدمه هو مسألة واقع تقضي فيه محكمة الموضوع ويمكن أن تراقب قضائها فيه محكمة النقض .
كما نحب أن نوضح أن فكرة تعيين شخص المقذوف مقصود بها أن يكون تعيينه لدي من يعرفونه من أهل أو جيران أوفي محيط عملة أو أصدقائه، والقول بغير ذلك يبطل القذف أو السب من أساسه لأن شرط أن يعرف كل الناس بسهولة شخص المقذوف – وهو ما يطلق عليه التعيين – هو أمر مستحيل إلا بالنسبة لبعض المشاهير، ولكن بالنسبة للشخص العادي فيكفي ان يكون معينا في المقال موضوع القذف بشكل يكفي ان يتعرف علية المحيطون به وأصدقاؤه وأقاربه فالأمر يختلف من شخص إلى شخص حسب درجة الشهرة ونوع القذف والأساليب الإنشائية المستخدمة، والقول بغير ذلك يبطل القذف أو السب من أساسه لان شرط أن يعرف كل
الناس بسهوله شخص المقذوف والذي جاهد القاذف ليجعله مكشوفا / مخفيا في آن واحد – وهو ما يطلق عليه التعيين – يجعل من السهل الأفلات من العقاب فالأمر يختلف من شخص إلى شخص حسب درجه الشهرة ونوع القذف والأساليب الإنشائية المستخدمة .وإن العبرة من مسألة التعيين هذه، والني يحاسب عليها القانون، هو أن بتعيين شخصية المسبوب أو المقذوف، أن يكون من شأنه تعريضة للمسئولة الجنائية بناء على ما نسب إليه، ومن شأنه أيضا إحتقاره في وسط البيئة التي يعيش فيها.
ولذلك، فينبغي تعين الشخص أو الأشخاص التي تسند إليهم الواقعة الشائنة، وليس المقصود أن يكون المقذوف معينا بذكر أسمه بل يكفى آن يكون القذف موجها على صورة يسهل معها التعرف على الشخص أو الأشخاص الذين يعنيهم القاذف، فأذ تعذر تعيين شخص المقذوف لا تقوم الجريمة .
فمتى أمكن لمن نشر بينهم الكلام – أو ما أليه من طرق التعبير – أن يفهموه على أن المقصود منه نسبة واقعة شائنة إلى شخص معين قامت جريمة القذف وحق العقاب عليها وقد قامت محكمة النقض أن المداورة في الأساليب الإنشائية لفكرة الفرار من حكم القانون لا نفع فيها للمداور. مادامت الإهانة تتراءى للمطلع خلف تارها وتستشعرها الأنفس من خلالها.
الدفع بعدم توافر ركن الاسناد:
١. فعل الإسناد في جريمة السب والقذف.
يعد الدفع بعدم توافر ركن الإسناد دافعا هام جدا وانتفاؤه يعني عدم توافر ركن القذف أو السب .والإسناد معناه نسبة أمر إلى شخص يجعله أما مستحقا لعقاب القانون أو محتقرا عند أهل وطنه.
فيقصد بالإسناد نسبة واقعة أو أمر ما إلى شخص محدد و لا يشترط لتحقق الإسناد نسبة الواقعة أو الأمر على سبيل التأكيد بل يكفي نسبتها على نحو من شأنه أن يلقي في الأذهان مجرد الاحتمال أو الظن بصحتها و بذلك يدخل في مفهوم الإسناد الإخبار بمعني الرواية عن الغير وذكر خبر على انه مجرد شائعة مقطوع بصحتها أو حتى غير مقطوع بصحتها و تطبيقا لذلك قضت محكمة النقض انه "متي كانت العبارات المنشورة دالة على أن الناشر إنما رمي بها إلى إسناد وقائع مهينة إلى المدعية بالحقوق المدنية هي إنها تشتغل بالجاسوسية لمآرب خاصة وتتصل بخائن يستغل زوجته الحسناء و انه كان لها اتصال غير شريف بآخرين فان أيراد تلك
العبارات بما اشتملت عليه من وقائع مقذعة يتضمن بذاته الدليل على توافر القصد الجنائي و لا يعفي المتهم أن تكون هذه العبارات منقولة عن صحيفة أجنبية و انه ترك المجني عليها تكذب ما ورد فيها من وقائع أو تصححها فان الإسناد في القذف يتحقق و لو بصيغة تشكيكية متي كان من شأنها أن تلقي في الأذهان عقيدة و لو وقتية أو ظنا أو احتمالا في صحة الأمور المدعاة ".
فمن يسند إلى شخص انه سرق أو زور أم تخابر مع دولة أجنبية يرتكب جريمة القذف باعتبار انه فيما لو كان ذلك صحيحا يؤدي إلى عقابه قانونا، كما أن من يسند إلى شخص انه يعاشر خادمته يعد قاذفا إذ كان ذلك يترتب علية تحقيره في الوسط الذي يعيش فيه فالمعيار هنا معيار ذاتي وليس موضوعي . وعلي العكس لا يعتبر إسناد يشكل الجريمة القول بان شخص رسب في الامتحان أو أن المحامي لا يحسن الدفاع أو أن الطبيب لا يتقن التشخيص أو الصحفي لا يعرف قواعد اللغة العربية فذلك كله لا يؤدي إلى احتقار المسند إليه، فالعبرة هنا بما يحدثه الخبر من اثر في نفس الغير لا من اثر على نفس المسند إليه .
علي أننا نحب أن نؤكد مره أخرى أنه " لا عبرة بالأسلوب الذي تصاغ به عبارات القذف فمتى كان المفهوم من عبارات الكاتب أنه يريد بها إسناد أمر شائن إلى شخص المقذوف بحيث لو صح ذلك الأمر لأوجب عقاب من أسند إليه أو احتقاره عند أهل وطنه، فإن ذلك الإسناد يكون مستحقا العقاب أيا كان القالب أو الأسلوب الذي صيغ به، سواء أكان بصيغة التوكيد أو التهكم أو التندر، قدحا في صورة مدح، تصريحا أو تلميحا أو تعريضا حقيقة أو تورية أو مجازا، صدقا أو كذبا بطريق مباشر أو غير مباشر منجزا أو معلقا على شرط ممكن أو مستحيل التحقيق".
أي أن لا يلزم في الإسناد أن يكون صراحة بل يجوز أن يستخلص ضمنا من الكلام في مجموعه متي أمكن لمن نشر بينهم الكلام أن يفهموه على أن المقصود منه نسبة واقعة شائنة إلى شخص معين قامت جريمة القذف و حق العقاب عليها.
٢. موضوع الاسناد: ان يكون الأسناد بقصد التحقير .
من المقرر أن سوء القصد هو لب جرائم النشر لأنها في مجموعها صورة لتجاوز حق الأعراب عن الفكر ولإساءة استعمال هذا الحق استحق القمع في نظر الشارع. ولكن سوء القصد في كثير من الأحيان قد يكون عامل نفسي أو معنوي، فإنه في حال توصلنا إلى نفي سوء القصد نكون قد نجحنا في هدم الأتهام .
القصد الجنائي هو ما استقر عليه الفقه بأنه" علم بعناصر الجريمة وارادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر أو إلى قبولها " فهو بهذا التعريف وليد عنصرين العلم والإرادة وان كان عنصر الإرادة يزيد فيه قلي ً لا باعتبار أن الإرادة هي جوهر القصد وليس العلم متطلبًا لذاته ولكن باعتباره مرحلة في تكوين الاراده وشرطا أساسيا لتصورها.
والقصد الجنائي يتطلب شمول العلم موضوع الحق المعتدى عليه بارتكاب الجريمة فيجب أن يعلم الجاني بوجود الشيء الذي يقع عليه فعله وتتحقق منه النتيجة التي يعاقب عليها القانون – ويتطلب القصد الجنائي أن يحيط العلم بعناصر الركن المادي للجريمة فيعلم الجاني بخطورة فعله ونوع الآثار التي تترتب عليه ويتوقع النتيجة الإجرامية التي يحدثها الفعل ويتوقع فوق ذلك علاقة السببية والظروف المشددة التى تغير من وصف الجريمة .
وإذا كان ما تقدم وكان القصد الجنائي يبنى على العلم بحقيقة وقائع معينة فان انتفاء هذا العلم يستتبع ضرورة انتفاء القصد الجنائي وعلى ذلك فانه إذا تعلق الغلط بخطورة الفعل على الحق الذي يحميه القانون كان بذلك غلطًا جوهريًا وانتفى به القصد الجنائي فمن ارتكب فع ً لا يعتقد انه غير خطر على الحق – ثم احدث الفعل الاعتداء الذي يجرمه القانون عدا القصد منتفيًا .
وعلي ذلك يتعين على الصحفي في كل الأحوال ان يثبت حسن نيته وانه نشر ما نشر ابتغاء الصالح العام فإن لم يعفه ذلك من العقاب فقد يكون سببا لتخفيفه عنه باعتباره نشر بدافع مصلحة المجتمع ولم يكن يرمي إلى تحقيق مآرب شخصية أو الأنتقام من المجني عليه.
- الدفع بأن كان القذف استخداما لحق نقد الموظف العام ومن في حكمه:
١- حق نقد الموظف العام ومن في حكمه .
يمكن أن يكون القذف مباحا حتى لو استعمل فيه قوارص الكلم ما دام موجه إلى الموظف العام أو من في حكمه، ويرجع علة ذلك إلى أهمية الدور الذي يلعبه الموظف العام ومن في حكمة مما يجعل من المصلحة وضعة تحت رقابة الصحافة – التي هي مراءه المجتمع – لضمان أن يؤدي هذا الدور على نحو سليم ولإتاحة السبل أمام الأفراد للكشف عن الانحراف بأعمال الوظيفة العامة عن أهدافها وهم آمنون من عقاب القانون .
يقصد بحق نقد الموظف العام ومن في حكمه الحق الطبيعي المقرر لكل فرد في أن يتناول الموظف العام وذوى الصفة العمومية بالنقد والتعليق في حدود حياتهم العامة أيا قست صيغته أو اشتدت حدته ومفهوم النقد يستبعد فكرة العقاب طالما يلبث الناقد يرسل نقده بين غايتين صدق الراوية وشرف الغاية.
ويستوى في تطبيق هذه العقوبة أن يقع القذف ضد الموظف العام أو من في حكمه بطريق النشر في الصحف أو المجلات أو غيرها من أنواع المطبوعات، أو أن يقع القذف بأي من طريق العلانية الأخرى المنصوص عليها في المادة ( ١٧١ ) من قانون العقوبات المصري).
على أن القانون قد أباح الطعن في أعمال ذوى الصفة العامة بشرط إثبات صحة الوقائع المسندة إليهم، ومعنى ذلك آن توقيع العقاب على من يقذف في حق الموظف العام أو من في حكمه يفترض أن الوقائع التي نشرها القاذف كاذبة الأمر الذي تصبح معه الجريمة اشد خطرا .
ومن أهم شروط الإباحة في هذه الحالة :-
١. أن يكون القذف مسندا إلى الموظف العام ومن في حكمه.
٢. أن تكون الوقائع المسندة إلى الموظف العام متعلقة بأعمال الوظيفة العامة .
٣. أن يكون القاذف حسن النية .
٤. أن يثبت القاذف صحة وقائع القذف .
2- حق النقد يمتد ليشمل الشخص العام أيضا وليس الموظف العام فقط، وقد تناولنا في الورقة السابقة النقد، وشروط إباحة النقد.
الدفع الخاص بالنشر إذا كان استخداما لحق نشر الأخبار:
من المقرر أن للصحف الحق في نشر الأخبار حتى تؤدي رسالتها في الأعلام وتتطلب هذه الإباحة توافر شروط ثلاثة :-
١. أن يكون الخبر صحيحا، أو متحققا من صحته لحد بعيد، ويهم الرأي العام .فصحة الخبر شرط لتحقيق المصلحة الاجتماعية التي تقوم الإباحة عليها، فالمجتمع لا يستفيد بنشر خبر غير صحيح، وتقتضي صحة الخبر أن تكون الواقعة التي يتضمنها صحيحة في ذاتها، وصحيحة من حيث نسبتها إلى من أسندت أليه .وان يكون الخبر ذا طابع اجتماعي عام فلا تمتد الإباحة إلى الأخبار التي تنطوي على اسناد واقعة شائنة تتعلق بالحياه الخاصة لأحد الأفراد دون أن تحقق هدفا اجتماعيا.
٢. العرض الموضوعي للخبر، وتعني أن يقتصر الصحفي على نشر الخبر في حجمه الحقيقي، فلا يضفي عليه مبالغة أو تهكم أو سخرية .
٣. ضرورة توافر حسن النية .وتعني استهداف مصلحة المجتمع لا التشهير أو الانتقام، وإذ كان الخبر غير صحيح ولكن ناشره اعتقد صحته واستند اعتقاده إلى التحري المعتاد ممن كان في مثل ظروفه فله أن يحتج بالغلط في الإباحة.
فإذا كان الصحفي على علم بكافة تلك التفاصيل أعلاه، يستطيع أن ينأي بذاته عن التجريم المعاقب عليه قانونا، وأن المصلحة العامة تعلو دائما المصالح الصيقة الفردية، ويجب دائما الموازنة وثقل الأخبار بميزان الموضوعية والحياد والنزاهة التي يجب أن يتحلي بها من يمتهن مهنة المتاعب "الصحافة".
احكام هامه
" جرائم القذف والسب عن
طريق الصحف "
الموجز :
المقال الصحفي وإن قست عباراته . مناط اعتباره قذفا أو سبا
أو إهانة ، هو الإسناد إلي شخص معين .
القاعدة :
إن الركن المادي في جريمتي القذف والسب كلتيهما لا يتوافر
إلا إذا تضمنت عبارات القذف أو السب تحديدا لشخص المجني
عليه ، وإن كون المجني عليه معينا تعيينا كافيا لا محل للشك
معه في معرفة شخصيته مسألة واقع تفصل فيها محكمة
الموضوع بغير معقب . كما أن الأصل أنه لا يعتبر المقال
الصحفي – وإن قست عباراته – قذفا أو سبا أو إهانة إن هو
انصب علي فكرة في ذاتها أو تناول موضوعا دون أن يتعرض
لشخص بعينه ، ولو كان الذي أوحي إلي المحرر برأيه واقعة
معينة صدرت عن شخص معين مادام المحرر قد تناول الفعل في
ذاته وحمل رأيا قاصرا علي الفعل مجردا غير ممتد إلي شخص
صاحبه ولم يجعل تحديد من صدر عنه ممكنا عن طريق العبارات
المنشورة . وكان المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ القذف أو السب
أو الإهانة بما يطمئن إليه القاضي من تحصيله لفهم الواقع في
الدعوى ولا رقابة عليه في ذلك لمحكمة النقض ما دام لم يخطئ
في التطبيق القانوني علي الواقعة ، وكانت محكمة الموضوع قد
اطمأنت في فهم سائغ لواقعة الدعوى أن المقال إنما تصدى لفعل
استيلاء بعض الوكلاء علي التعويضات المقضي بها عن حوادث
القتل والإصابة الخطأ دون توصيلها لمستحقيها من أرامل وثكالي
ويتامى وغيرهم وهو أمر عام يهم الجمهور ويمس مصالح إنسانية
مبغيا عليها معصوفا بها وأن المقال إذ تأسى لأحوال أولئك إنما
انصب علي الفعل مجردا غير ممتد إلي شخص صاحبه لا تصريحا ولا
تلميحا وأنه في ظاهره وباطنه لم يعد حوارا وعرضا موضوعيا مجردا
وإرشادا عن سبيل اقتضاء الحقوق ورفع المظالم ، وكان الأصل كذلك
اعتبار النقد حقا إن توافرت فيه موضوعية العرض واستهدف مصلحة
المجتمع ، وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره ، ذلك أن المقال كان
عن واقعة إنسانية عامة وكانت عباراته تتلاءم وظروف الحال
وهدفها الصالح العام ، ولم يثبت أن الغرض منها التشهير بشخص
معين ، فإن النعي علي الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون علي
غير أساس .
( الطعن رقم 20471 لسنة 60 ق – جلسة 14 / 11 / 1991 )
الموجز :
القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والإهانة . تحققه
متى كانت الألفاظ الموجهة للمجني عليه شائنة بذاتها .
وجوب البحث في جرائم النشر عن مرامي العبارات التي
يحاكم عليها الناشر وتبين مناحيها .
النقد المباح . هو مجرد إبداء الرأي في أمر أو عمل دون
أن يكون فيه مساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية
التشهير به أو الحط من كرامته ، تقدير ذلك . موضوعي .
الجدل الموضوعي . غير جائز أمام محكمة النقض .
القاعدة :
إن القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والإهانة لا يتحقق
إلا إذا كانت الألفاظ الموجهة إلي المجني عليه شائنة بذاتها ،
وأنه في جرائم النشر يتعين لبحث وجود جريمة فيها أو عدم
وجودها تقدير مرامي العبارات التي يحاكم عليها الناشر وتبين
مناحيها ، فإذا تبين أن ما اشتمل عليه المقال من نقد يراد به
المصلحة العامة – وهو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون
المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو
الحط من كرامته – وهو ما لم يخطئ الحكم المطعون فيه في
تقديره – فلا جريمة . وإذ كان ذلك ، وكان المرجع في ذلك كله
إلي ما يطمئن إليه قاضي الموضوع من حصيلة تفهمه لواقعة
الدعوى ، فإن المنازعة في ذلك تنحل إلي جدل موضوعي لا
تجز إثارته أمام محكمة النقض ، بما يتعين الالتفات عنه .
( الطعن رقم 4933 لسنة 62 ق – جلسة 15 / 5 / 2000 )
لما كان ذلك وكان المقرر في قضاء النقض أن الفصل في الدعوى على هذا النحو يقتضي من محكمة الموضوع أن تتناول بالبحث والتمحيص المقال المشار إليه وتبيان ما إذا كانت عباراته قد التزمت الضوابط المنظمة لحق النشر والنقد من حيث صحة الخبر أو اعتقاد الناشر صحية بناء على أسباب تسوغه وأن يكون النقد في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وعدم الاعتداء على شرفهم واعتبارهم وما إذا كانت قوة العبارة قد اقتضتها ضرورة تجلية قصد الناقد وأن رائدها المصلحة العامة ولم يكن الغرض منها الطعن والتجريح وهي الأمور الواجب استظهارها لإثبات أو نفي عناصر المسئولية محل الدعوى 0
{ نقض جلسة 1/3/2000 طعن رقم 2972/69 ق }
لما كان ما تقدم وكان المقرر في قضاء النقض أن المساس بالشرف والسمعة متي ثبتت عناصره هو ضرب من ضروب الخطأ الموجب للمسئولية لا يشترط فيه أن يكون المعتدى سيء النيه بل يكفي أن يكون متسرعاً إذ في التسرع انحراف عن السلوك المألوف للشخص المعتاد وهو ما يتوافر به هذا الخطأ 0
هذا إلى أن سوء النية ليس شرطاً في المسئولية التقصريه كما هو شرط في المسئولية الجنائية 0
{ نقض جلسة 17/6/1990 طعن رقم 1844/52 ق }