قديماً كان هناك فزاعة يستخدمها النظام داخلياً وخارجياً , للحفاظ على
مكتسباته أضيفت فزاعة أخرى تحت مسمى ( فلول الحزب الوطنى ) !! والذين قالوا
( لا ) للتعديلات الدستورية يخشون سيطرة الإخوان وفلول الحزب الوطنى على
الإنتخابات البرلمانية إذا ما أجريت قبل الإنتخابات الرئاسية . لذا يطالبون
بأن تكون هناك فترة مناسبة لتأسيس أحزاب جديدة حتى تتمكن من خوض
الإنتخابات البرلمانية القادمة .
وأستأذن هنا كممارس للعمل السياسى لفترة تزيد عن أربعة عقود من الزمان ..
أعتقد أنها تكفى كرصيد لخبرات متراكمة تمكنى من قراءة الأحداث بمنتهى
الموضوعية والحيادية والحكم فى النهاية للقارئ .
بادئ ذى بدء لابد أقرر هنا حتى لو غضب منى بعض الأصدقاء , مصر لم تعرف بعد
الحياة الحزبية !! بما فى ذلك الحزب الوطنى الديموقراطى الذى كان يحكم
البلاد , لم يكن حزباً ولكنه كان أقرب إلى أن يكون منتدى يضم جميع قيادات
الدولة , وفى إعتقادى أن هذا المنتدى كان أشبه بتحالف أصحاب المصالح
والمآرب الخاصة , وكان الإنتماء الحقيقى لمن يدفع , وغابت فكرة الإنتماء
الوطنى , نتيجة لتزاوج السلطة ورأس المال , وليس أدل على ذلك من تلك
الهرولة لإعلان الإستقالات , هرولة زكرتنى بالهرولة للإنضمام , وإحقاقاً
للحق فأن هذا المنتدى منذ نحو سبع سنوات تحول إلى بؤرة لأصحاب المصالح
والإحتكارات طالما نبهنا إليها , فى وقتها إلا أن احداً لم يسمع لأن لغة
المال كانت طاغية , وكان الإمبراطور الحبيس يمارس سطوته برعاية النجل
الأرعن الذى سعى ليرث أباه حياً !!
أما باقى الكيانات الحزبية الأخرى فكانت هى الأخرى , أشبه بالجمعيات
الخيرية ( المرفوعة من الخدمة ) , أو كما يقول المثل لا تهش ولا تنش ,
وراضية بالدعم السنوى الذى تحصل عليه ومقاعد الصفوف الأولى فى المناسبات
الرسمية .
هنا لابد أن أقرر أن الدولة نجحت فى إختراق جميع الكيانات الحزبية , حتى
تلك التاريخية أو العقائدية تم إختراقها فإنشغلت فى خلافاتها الداخلية
وتركت الساحة للحزب الحاكم . الذى أراه مجرد منتدى لأصحاب المصالح الخاصة
!!
الساحة الحزبية فى مصر المحروسة تعانى من الفراغ , إلا ما أطلق عليه
تجاوزاً المحظورة , وهذه حقيقة , شئنا أم أبينا , وهذا الكيان تحديداً
أخطات الدولة فى تعاملها معه , فغدا وكأنه ( أسد الغابة ) أو ( الفزاعة ) ,
وهو فى الحقيقة لا يعدو أن يكون ( نمراً من ورق ) !!
هذه حقيقة الكيانات السياسية دون أى رتوش , وبالتالى فأن الخوف من أى من
الفزاعتين ( الإخوان المسلمين ) و ( فلول الحزب الوطنى ) لا مبرر له
إطلاقاً .
هنا أتخيل سيناريو خاصاً بى , لو أن الإنتخابات البرلمانية ستكون خلال
48 ساعة أو شهر أو ثلاثة أو حتى سنة , فأن النتائج التى أتوقعها على
النحو التالى :
التيار الدينى : لن يتجاوز نسبته 15ـ20% داخل البرلمان , وأنا هنا أتحدث عن التيار الدينى بمختلف تكويناته وأطيافه .
فلول الحزب الوطنى : لن تتجاوز نسبته 20ـ25% داخل البرلمان.
الأحزاب القديمة : لن تتجاوز بحال من الأحوال نسبة 15ـ20% .
التيارات الجديدة : لن تتجاوز 10ـ15% بحال من الأحوال .
الغير منتمـين : ستتراوح نسبتهم ما بين 20ـ25% حيث هناك بعضاً من الشخصيات
تحظى بتقدير الشارع السياسى بغض النظر عن الإنتماء السياسى .
ماذا يعنى هذا التوزيع داخل البرلمان ؟ هذا التوزيع يعنى أول ما يعنى ضمان
( الديموقراطية ) لأن أى من الإتجاهات لا يملك قوة تصويتيه منفردة داخل
البرلمان تتيح له تمرير ما يشاء من تشريعات .
هنا لابد أن أشير ـ أيضاً ـ إلى أن جميع التيارات والقوى السياسية داخل
البرلمان لها مصالحها وأجندتها التشريعية ومواقفها الخاصة وبالتالى فأن
التنسيق بينها لن يكون بالأمر السهل كما يتوقع البعض , وهذا التنسيق الذى
يفزر ( الأغلبية ) لابد أن يكون تنسيقاً مقبولاً شكلاً وموضوعاً من
القوى السياسية , وهذا فى حد ذاته عملاً من أعمال الديموقراطية .
آتى لأسوأ الإحتمالات التى دفعت بالبعض للتصويت بـ ( لا ) للتعديلات
الدستورية , وبإفتراض أنه قد حدث تحالفاً بين التيار الدينى وفلول الحزب
الوطنى فان هذا التحالف لا يمكنه ان يحصل على الأغلبية لتمرير أى قرار ما
لم يكن تنسيقاً مع بعض التيارات السياسية الأخرى تحت القبة , وهذا فى حد
ذاته ـ أيضاً ـ عملاً من أعمال الديموقراطية .
وحتى لو حدث تحالف ضد المصلحة العامة , فأن هذا التحالف رهن بدورة برلمانية
واحدة ما يلبث أن يتم تصحيحه فى الدورة التالية مباشرة ومجرد هذا الإحساس
لدى التيارات السياسية سيوجب عليها أن تطور من أدائها البرلمانى بما يظهرها
فى صورة لائقة أمام الرأى العام , الذى أصبح يمسك بزمام الأمور بيده بل
وأصبح يملك آلية التغيير خلافاً لما كانت عليه الأضاع فى الماضى .
أنا شخصياً لست متشائماً , بل وأؤكد أن القادم أحسن وأروع من الفترة
الماضية , وأؤكد أن الشارع المصرى سيشهد حالة غير مسبوقة من الحراك السياسى
, وليس أدل على ذلك من نسبة الذين شاركوا فى إستفتاء التعديلات الدستورية .
نحن مطالبون بأن نثق فى قدراتنا بعد أن أثبتنا إننا نملك التغيير , ونملك
أن نقول ( لا ) , وفى إعتقادى ان الحياة السياسية ستشهد تغييراً جذرياً
خلال المرحلة القادمة , خاصة إذا ما تمت الإنتخابات بنظام ( القائمة
النسبية ) التى تحد كثيراً من أعمال العنف .
مصر المستقبل تجربة جديدة , توجب على جميع القوى السياسية الوطنية أن تتحد وتتعانق فى مواجهة أى أجندات محلية أو خارجية ..
يارب .. الخير كل الخير لمصر.
بقلم : معتصم راشد