رفضت المستشارة نهى الزيني وجود إشراف قضائي كامل على الانتخابات في مصر،
وقالت في حوارها مع «الشرق الأوسط» إن «الانتخابات الحرة لا تحتاج إلى قضاة
يشرفون عليها فالقضاة لديهم ما هو أهم». وأعربت الزيني التي تصدت لعمليات
التزوير التي شهدتها الانتخابات البرلمانية في عام 2005 عن قناعتها أن رجال
الرئيس المصري السابق حسني مبارك ما زلوا يحكمون البلاد من وراء الستار،
مشيرة إلى أن بقايا نظام مبارك كانت وراء الموافقة على التعديلات الدستورية
لأنها تريد أن تحافظ على فرصتها الأخيرة في البقاء. ورفضت الزيني التي
لقبها المصريون بسيدة القضاء المصري وضمير مصر الحي، الترشح للانتخابات
الرئاسية، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «أؤيد تولي المرأة منصب رئيس الجمهورية،
ولقد حاربت كثيرا لكي تتولى المرأة منصب القضاء، ولكن حتى مع الثورة لم
تزل عقلية الرجل الشرقي تجاه المرأة كما هي ولم تتغير».
الزيني التي تعرضت لتهديدات وصلت إلى حد التهديد بالقتل.
وإلى نص الحوار:
* كنت من المعترضين على التعديلات الدستورية لكن نتائج الاستفتاء جاءت
مؤيدة لها.. كيف ترين المشهد السياسي في مصر على ضوء هذه النتيجة؟
- كنت ضد التعديلات لأننا نطالب بدستور جديد، هذا كان حلم النخبة الوطنية
طوال سنوات، وعندما نجحت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) كانت هذه هي الفرصة
الحقيقية لتحقيق هذا الحلم. ليس هذا وفقط بل جاءت التعديلات الدستورية
ركيكة جدا من حيث الصياغة ومن حيث مواءمتها مع المواد الدستورية الأخرى ولا
ترقى إلى مستوى خبرة القائمين على التعديلات والآن ليس أمامنا سوى انتظار
الانتخابات البرلمانية، لأن من سيدخل البرلمان هو من سيتمكن فقط من
الانضمام إلى الجمعية التأسيسية التي ستتولى مهمة وضع الدستور الجديد.
* وكيف تفسرين نتائج الاستفتاء؟
- أعتقد أن الأغلبية التي قالت «نعم» تعرضت للتدليس أقصد أنها تعرضت لحملة
تم استخدام الدين فيها للضغط على الناس لكي يصوتوا بنعم، من باب حماية
الدين الإسلامي، وبالتحديد المادة الثانية من الدستور، لأن الناس في الأغلب
الأعم اعتقدت أن التصويت بنعم يعني التصويت على الإسلام كدين رسمي للبلد،
وهذه كارثة.
* ومن يتحمل مسؤولية ما سميته الـ«تدليس» على الناس؟
- الأيام التي سبقت يوم الاستفتاء كانت أيام مروعة، ولقد شاهدت بنفسي
لافتات تقول صوت بـ«نعم» لأن نعم مع الإسلام، أو صوت بـ«لا» لأنها مع
المسيحية، حتى أن صديقة لي هاتفتني لتخبرني أنها خائفة من تحمل وزر التصويت
بلا، قالت إنها خائفة من تحمل ذنب المادة الثانية، رغم أن المادة لم تكن
مطروحة للتعديل من الأصل، وقد حدث لأن بعض القوى الإسلامية روجت له ولا أخص
جماعة الإخوان المسلمين تحديدا، وقد حدث تجييش مقابل من الأقباط للتصويت
بلا من خلال الكنائس. كما أنني أصدق تماما ما قيل عن أن فلول النظام السابق
كان لها مصلحة كبرى في هذا التوجه.
* وما مصلحة فلول النظام في التأثير على نتائج التعديلات الدستورية؟
- بقايا النظام تريد أن تحافظ على فرصتها الأخيرة في البقاء، والدستور هو
أهم شيء يعبر عن أي نظام في العالم وهذا ما حدث، فحتى الآن النظام في مصر
لم يسقط، بل سقط حسني مبارك فقط، صحيح أنه كان رمزا للنظام لكن الثورة
المصرية للأسف لم تكتمل.
* رشحك الكثيرون لمنصب رئيس الجمهورية، ورغم نضالك، رفضت منصب الترشح لمنصب الرئاسة، لماذا؟
- الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية في مصر ليس بهذه السهولة، فالمهم وجود قبول
لدى الشارع المصري، ويجب أن يقنع المرشح الجمهور، ومن حيث المبدأ أؤيد
تولي المرأة منصب رئيس الجمهورية، ولقد حاربت كثيرا لكي تتولى المرأة منصب
القضاء، ولكن حتى مع الثورة لم تزل عقلية الرجل الشرقي تجاه المرأة كما هي،
فالثورة غيرت الشكل الخارجي في مصر ولكن ثقافة الرجل المصري لم تتغير، أنا
متفائلة بالمستقبل وأعتقد أننا سنتمكن من تغيير ثقافة الرجل تجاه المرأة
خاصة إذا ما أزيح عن كاهل الرجل القهر الذي كان يعاني منه، وبالتالي كان
يقهر المرأة بالتبعية طالما هي الطرف الأضعف دوما.
* هل تتوقعين محاكمة الرئيس مبارك ووزرائه؟
- المجلس الأعلى للقوات المسلحة قال إنه سيحاكم كل من يثبت تورطه مهما كان
موقعه، لكني لا أعتقد أن الرئيس مبارك سيقدم للمحاكمة وليس كل الوزراء كذلك
سيتعرضون للمحاكمة، هناك بالتأكيد كبش فداء وحتى هذا لن يحاكم عن كل
الجرائم.
* وما هي الجرائم التي لن يحاكم عنها في تقديرك؟
- لا تعليق.
* طالبت قبل الثورة بإقالة وزير الداخلية السابق حبيب العادلي وقلت إنه يعمل على إثارة الفتنة الطائفية، هل كانت لديك معلومات وقتها؟
- نعم، وتحديدا في أحداث نجع حمادي فقد رأيت بنفسي جريمة نجع حمادي وأعتقد
أنها وقعت من أجل إرهاب الأقباط وتخويفهم وحماية النظام في الوقت ذاته من
خلال إحداث فتنة بين المسلمين والأقباط، وكذلك في حادث كنيسة العمرانية
وحادث كنيسة القديسين بالإسكندرية، وقد طالبت الشعب المصري بأن يحمي
الأقباط يوم 7 يناير عقب حادث كنيسة القديسين ليلة رأس السنة.
* هل كل ما حدث من أحداث طائفية في مصر كان وراءه عناصر من أمن الدولة؟
- بغض النظر عن بعض الأحداث الفردية وهي قليلة، يمكنني القول إن كل الأحداث
التي تمت ضد الأقباط في مصر منذ التسعينات كانت بيد الأمن سواء كان ذلك
بيدها، أو بالتواطؤ مع جماعات متطرفة، أو بغض الطرف عن أحداث كانت تملك
عنها معلومات ولم تتحرك لإجهاضها، بداية من حادث كفر دميان، مرورا بكل ما
حدث طوال السنوات الماضية. وهذه الأفعال القذرة أدت إلى شحن كبير جدا بين
المسلمين والمسيحيين لدرجة أنني لأول مرة أشاهد مظاهرات لمسلمين ضد البابا
شنودة وسبه وتمزيق صورته وهو رمز كبير ومقدس لدى المسيحيين خلال العام
الماضي، ورغم ذلك مع انسحاب الأمن من البلاد بعد الثورة في الأيام الأولى
لم نسجل حادثا واحدا لمسيحي ضد مسلم ولا لمسلم ضد مسيحي.
* في مجال عملك هل صحيح أن وزير العدل السابق ممدوح مرعي أضر بالقضاء المصري؟
- مرعي تسلم تركة القضاء في مصر وهو مصاب بأضرار شديدة وبالغة وبمعنى آخر
جاء على الخراب، وللأسف القضاء المصري يجرف منذ منتصف الثمانينات.
* هل تعرض القضاة إلى ضغوط خلال فترة حكم مبارك للحكم وتدخل في قضايا بعينها كقضايا كبار رجال الأعمال؟
- القضاة لم يتعرضوا لضغوط، ولكن يمكن القول إن بعضا منهم تعرض إلى التلويح
بامتيازات خاصة، الاقتراب من السلطة، انتدابات لوزارات أخرى براتب كبير،
الإعارة للخارج، وعود بمناصب كبيرة بعد الخروج على المعاش، ثم تتم إجراءات
من نوع توجيه القضية إلى دائرة قاض بعينه معروف عنه موالاته للنظام.
* وهل يمكن أن ينضم قضاة إلى المظاهرات المطالبة بالتطهير من الفاسدين، خاصة في ظل وجود ما يسمى بتيار استقلال القضاء؟
- القضاة لا يقومون باعتصامات، ولكنهم قادرون على تطهير هيئتهم بأنفسهم،
وحدث هذا من قبل وساعتها حدثت مذبحة القضاة الشهيرة في أواخر الستينات
وقدموا للتأديب، ولكن هذا أمامه بعض الوقت لكي يتم، فللأسف النظام لم يتغير
إلى الآن، فنحن ما زلنا نعيش تحت ظل نظام مبارك ورجال مبارك ما زلوا
يحكمون من وراء الستار.
* بالعودة إلى انتخابات البرلمان 2005 حين كشفت عن عمليات تزوير لصالح مرشح
الحزب الوطني، هل تعرضت لتهديدات وصلت إلى حد التهديد بالقتل؟
- نعم حدث هذا لكني لا أريد الخوض في طبيعة هذه التهديدات، وممن.
* وهل اتخذت إجراءات للحماية؟
- أحمل مسدسا خاصا ومرخصا، ولكن يمكنني القول إنه لن يصيبنا إلا ما كتب
الله لنا، ومن يتمسك بقضاء الله لا خوف عليه، وحينما يأتي الأجل لن نقدم
ساعة أو نؤخر.
* هل ستكررين تجربة الإشراف على الانتخابات في المرحلة المقبلة؟
- بشكل مبدئي أرفض الإشراف القضائي على الانتخابات، فالانتخابات الحرة لا
تحتاج إلى قضاة يشرفون عليها، فالقضاة لديهم مهام أخرى أكبر بكثير من هذا
الإشراف الذي يمكن أن يقوم به أي موظف شريف، وبالتالي على المستوى الشخصي
أرفض تماما الإشراف القضائي على الانتخابات حتى لو كانت نزيهة، فالإرادة
السياسية عليها أن تفهم أن القضاة ليسوا محللين لنزاهة الانتخابات أو
تزويرها.
* التقيت وزير الداخلية الجديد في لقاء ضم نخبة من رجال المجتمع المصري
وقياداته السياسية، فما أهم ما دار في هذا اللقاء الذي لم نعرف الكثير عنه؟
- كان هذا اللقاء لتفعيل مبادرة من وزارة الداخلية أطلقها في الحقيقة رئيس
الوزراء السابق أحمد شفيق لإصلاح الأمر ما بين الناس والشرطة وتقديم الشرطة
اعتذارا رسميا للشعب عما حدث منذ بداية 25 يناير، وكذلك ما حدث للناس على
مدار سنوات من الانتهاكات من تعذيب وتنصت وغير ذلك من الأمور، ونحن كنا
نمثل «هيئة مفوضة عن الشعب» يمكن من خلالها أن تتقدم الشرطة بتعهد بتقديم
مجرميها من الضباط إلى العدالة ومحاسبتهم، وأن تتعهد بمراعاة حقوق الإنسان
فيما بعد واحترام المواطن المصري الذي لن يقبل أي انتهاك في حقه مرة أخرى،
وكذلك كان مطروحا أن تتمكن هذه الهيئة من مراقبة مبادرات الشرطة الحسنة
لتفتح صفحة جديدة مع الشعب.
* قبل قيام الثورة كان لك الكثير من التحفظات على أداء شيخ الأزهر الراحل طنطاوي، فهل تعتقدين أن مؤسسة الأزهر قد تم تسييسها؟
- طبعا، تم تسييس هذا الصرح الديني العملاق ومن كان يرأس أي منصب رسمي في
الدولة لا يصح الحديث عن ضغوط يتعرض لها ببساطة لأن من يصل للمنصب في عهد
مبارك هو راضخ من الأساس.
* من خلال سنوات عملك الطويلة في النيابة الإدارية هل لك أن تصفي لنا كيف كان يتم اختيار من يتولى مناصب عليا؟
- لم يتم اختيار أي شخص في أي منصب في الدولة إلا وفقا لتقارير أمنية معينة
ترصد ولاء هذا الشخص وسلوكه، لدرجة أن التقارير الأمنية التي كان بها كلمة
أن الرجل عنده كبرياء مثلا، كافية لإقصائه فورا، وهذا أمر أعرفه شخصيا من
خلال أشخاص رشحوا لمناصب معينة ولكن تم الاستغناء عنهم لأنه في التقارير
كتب أنه رجل ذو كرامة.
* هل صحيح أنك رشحت لمنصب وزير الداخلية؟
- نعم كانت هناك دعوات على الـ«فيس بوك» لترشيحي لمنصب وزير الداخلية، ولا
أعتقد صراحة أنني أصلح لهذا المنصب، ولكني أتمنى أن يكون وزير الداخلية
رجلا مدنيا وليس ضابطا من داخل الداخلية لاعتبارات كثيرة أهمها تحقيق
الحيادية في التعامل مع الفاسدينمني مدكور