وشوف بهدلتنا إزاى معاك"، هكذا صاحت والدة "محمد عبد الرحمن مفتش الآثار
الذى يبلغ من العمر (25 عاماً) صباح، الخميس، الموافق 17 مارس عندما فتحت
التليفزيون، ورأت وقائع زيارة الدكتور عصام شرف لوزارة الداخلية، ليكرم
ضباط الوزارة على الجهد الذى بذلوه لإرجاع الآثار المنهوبة من المتحف
المصرى، كاد محمد أن يبكى حينما رأى الضباط وهم يكرمون ويصافحون رئيس
الوزراء، بينما يقيم هو هارباً مع والدته فى شقة أحد أصدقائه، بعد تهديده
بالقتل من أهالى أفراد العصابة التى كاد أن يموت فى سبيل استعادة ما سرقته
من آثار المتحف المصرى فى ليل جمعة الغضب.
أربعة عشر يوماً عاشها محمد فى حالة كبيرة من الرعب، والخوف والتأمل، عشرات
الأسئلة تدور برأسه، مصير أمه وأخوته، ماذا سيحدث فى الأيام المقبلة، هل
سيكتشف أفراد العصابة حقيقته فيقتلونه، أم سينجح فى استعادة الآثار ليشعر
بالفخر طوال حياته، حكاية طويلة ينفرد "اليوم السابع" بنشرها، وهذه هى
التفاصيل..
البداية كانت فى اتصال تليفونى أجراه محمد بأحد أصدقائه ليخبره بأن إحدى
المصالح الحكومية أعلنت عن وظائف خالية، فقال له زميله: "أنا عاوزك فى
مصلحة، لو تمت هيبقى فيها خير كتير قوى"، ثم أخرج تيلفونه المحمول وقام
بتشغيل "فيديو" كان فى الفيديو مجموعة آثار مكونة من تماثيل أثرية وتمائم
وقلادات، يقول محمد: سألته من أين حصلت على هذا الفيديو، فقال: "الحاجات دى
موجودة عندى، وعاوزين نتصرف فيها"، فقلت له، مشككاً فى كلامه، إن هذه
الآثار مستنسخة وغير أصلية، فرد: مقلدة مين يا راجل يا طيب دى الحاجات اللى
كانت فى المتحف المصرى"، قلت له: نعم!! فقال: عارفها كويس، فقلت بالطبع،
فقال: "دى حاجات منها، وعاوزين نشوف لها صرفة، فقلت له حرام عليك إحنا لازم
نحافظ على آثار بلدنا، فرد: خلاص كبر دماغك، ثم طلبت منه أن يرسل الفيديو
لى "بالبلوتوث"، ففعل، وتركنى وانصرف.
بعدها بأيام كان محمد خارجاً من مقر المجلس الأعلى للآثار بالعباسية مع
الدكتور رمضان البدرى، مدير إدارة التوثيق الأثرى، فى طريقهما إلى مبنى
المجلس الرئيسى بالزمالك، فأطلع محمد البدرى على موضوع الآثار المسروقة،
وقال له إنه من الممكن أن يعيدها إلى المتحف، فاقترح عليه البدرى أن يذهبا
إلى طارق العوضى مدير المتحف المصرى ليعرضا عليه الأمر.
وصل محمد عبد الرحمن ورمضان البدرى لمكتب العوضى بالمتحف المصرى وأخبروه
بالأمر، وشاهدوا الفيديو، وطابقوا القطع الظاهرة بالفيديو مع بيانات وصور
القطع المسروقة، فتأكدوا أنها متطابقة لقطع منها، فتوجهوا جميعا إلى مكتب
شرطة الآثار الملحق بالمتحف، وأبلغوا قيادات الشرطة بالأمر، وهنا دار
الحوار بين محمد وبين أفراد الشرطة، فسأله أحدهم باستهتار "عاوز كام علشان
ترجع الآثار دى؟"، فرد محمد بشدة حسبما قال: "أنا مفتش آثار مش تاجر وعاوز
أرجع الآثار دى، ومش عاوز منكم حاجة غير أنكم تساعدونى فى كشف العصابة
والقبض عليهم، وتأمنونى"، فقال الضابط: أنت زعلت ليه أنا مش قصدى، بس من
كام يوم اتصلوا بينا ناس وقالوا عندهم معلومات عن الآثار وعاوزين فلوس
علشان يساعدونا بالمعلومات"، فسألنى: "هى الحاجات دى أصلية، فقلت له
"ايوه"، فسأل العوضى: "القطع دى مطابقة للقطع المسروقة من المتحف فقال
"ايوه"، فقال أحد الضباط، هات صحبك هنا، فاختلف معه آخر، وقال له: "لأ إحنا
لازم نعمل خطة، أنت عندك استعداد تغامر، فقلت لهم: "نعم"، فقال: "أنت
هتفهم صحبك أنك فكرت وقررت أنك تمشى فى الموضوع ده"، ويقول محمد هنا بدأ
الضباط فى وصف شخصية تجار الآثار "يتحدثون بهذه الطريقة، جشعون لأبعد مدى،
همهم الأول هو الدولار، استغلاليين، يطالبون بنسبة قدرها كذا"، ثم طلبوا
منى الاتصال بصديقى وأطلب رؤيته حالاً فى التحرير، وعندما يأتى أخبره بأننى
فكرت فى الموضوع، وقررت الدخول فى الصفقة، وأريد رؤية الآثار، للبحث عن
مشترى، يقول محمد وافقت لكن بشرط، وهو عدم ذكر اسمى فى أى محضر رسمى، وأن
نضع خطة أكون فيها بعيداً تماماً عن هذا الأمر، حتى لا يعرف اللصوص أنى
ساعدت فى القبض عليهم، وتصبح حياتى فى خطر، فوافق الضباط على ذلك.
يقول محمد، خرجت من المتحف واتصلت بصديقى، وطلبت منه الحضور إلى فى
التحرير، لأننى لا أملك جنيهاً واحداً للعودة إلى البيت، واستجاب صديقى،
وفى التحرير تقابلا وجلسا على مقهى بالتحرير، يقول محمد: صديقى فتح الحديث
معى قائلاً: أنا زعلان منك جداً علشان أنت صغرتنى وطلعتنى عيل قدام الناس،
فقلت له: "واللهى أنت ابن حلال، بصراحة أنا فكرت فى الموضوع ولقيت أنها
خبطة العمر، وأنا عاوز أشوف البضاعة، وبعون الله هجيب مشترى، فرد: يعنى أنت
عندك خبرة فى المواضيع دى، فقلت له: "طبعا، أنا مشيت فى الموضوع ده أربع
خمس مرات قبل كده، فرد: "بص يا محمد لو فى خطورة من الموضوع بلاش منه"،
فقلت له: "بلاش منه إيه الموضوع مش تهريج، وبعدين هتعمل إيه بالآثار اللى
معاك"، فقال: "يكش نكسرها"، فقلت له "تكسر إيه كسر دماغك.. أنت عارف
التماثيل دى بكام"، وهنا أخرج تيلفونه المحمول واتصل بشخص أسمه "أحمد"،
وقال له: أنا جاى فى الطريق مع محمد عبد الرحمن وجهز الحاجة علشان يشوفها"،
وبعدها استقلا مترو الأنفاق من محطة أنور السادات حتى دار السلام.
فى شوارع دار السلام الجانبية تجول محمد وصديقه لمدة 45 دقيقة، كما قال
محمد، الذى بدأ فى ملاحظة كل شىء حوله، يخرجان من حارة لأخرى، مشبهاً
المكان بالزرايب، أو العشوائيات، وفى نهاية الجولة توقفا أمام منزل قديم
مبنى بالطوب الأحمر، جلسا على "قهوة أمام البيت"، واتصل "ع"، بأحمد وقال له
"إحنا وصلنا"، فأتى أحمد ومعه شخص آخر، سألهم محمد عن الآثار فرد أحمد
الحاجة مش هنا، دى فى مصر القديمة عند واحد اسمه "عرفة" شريكنا وهو راجل
"قتال قتله"، مسجل خطر وبلطجى درجة أولى، فقال محمد: "أنا مبتهددش، انتو
هتخلصوا ولا هتلعبوا"، فقال أحمد: "لأ، بص إحنا هنروح نجيب الحاجة دلوقتى
من مصر القديمة ونيجى"، وانصرف هو وصديقه، وبقى محمد وصديقه على "القهوة"،
ثم عادوا بعد عشر دقائق فقط، وهنا يقول محمد: "تأكدت من وجود الآثار بدار
السلام، لأن المسافة بينها 15 دقيقة على الأقل، يعنى 30 دقيقة ذهاباً
وعودة، وعشر دقائق يحضر الآثار"، بينما أخذ هو 10 دقائق فقط".
دخل الأربعة البيت القديم الذى يقول محمد، إنه بيت مهجور مبنى بالطوب
الأحمر، وبعد أن دخلوا قاموا بغلق الأبواب، وصعدوا حتى الطابق الثالث، وهنا
جلسوا فى غرفة يؤكد محمد أنها نفس الغرفة التى تم تصوير الآثار فيها
بالفيديو، وهنا تأكدت شكوك محمد بأن الآثار كانت موجودة فى دار السلام، بل
إنها لم تخرج من هذا البيت أصلاً، لكن بقيت هذه الأفكار فى رأسه، كما شعر
وقتها بالخوف من أن تقتله العصابة، ترك هذه الهواجس، ونظر لأحمد وصديقه
عماد الذى أخرج الآثار من "شنطة قماش"، وكانت عبارة عن خمسة تماثيل من
البرونز، وتمثال من الحجر الجيرى، ومجموعة من القلادات المقطوعة"، وهنا نظر
محمد للآثار قائلاً: "عاوزين كام فى البيعة دى"، فقالوا: أنت اللى هتمن،
فرد: "أنا عاوز 30 ألف جنيه ربط كلام، علشان أقولكم الحاجات دى أصلية ولا
مزورة، وبياناتها كلها"، فقالوا "ماشى بس إحنا عاوزين 10 ملايين دولار"،
فقال محمد "ماشى بس لازم أرجع للناس الكبيرة الأول"، فرد عماد بس لو وافقوا
تيجوا تخدو الحاجة من دار السلام"، فرد محمد: "لا طبعا الناس دى لو دخلت
دار السلام تفضحكم، لأنهم ناس من اللى بتشوفهم فى التليفزيون، أصلاً
العربيات مش هتدخل من الحوارى المعفنة الضيقة دى"، فقال عماد: "أمال هنخلص
فين؟، فقلت فى فندق مثلاً، فرد "لا إحنا نقعد فى نادى فى المعادى"، فقلت
لهم: "طب تعالوا نشوفه".
خلف النادى مقهى أشبه بعشة، مفتوح من كل الجهات، وصلوا جميعا إليه وقالوا
لمحمد: "إحنا هنخلص هنا"، فقال محمد "هدرس المكان وهرد عليكم"، وهنا تركهم
وكانت الساعة التاسعة مساء، وتوجه مباشرة إلى شرطة الآثار بالمتحف المصرى،
وأخبر الضباط بكل التفاصيل، وذهب صباح اليوم التالى إلى مكتب الشرطة،
واتفقوا على وضع خطة، للقبض على اللصوص متلبسين، ويرويها محمد قائلا: اتصلت
بهم وقلت لهم إن هناك شخصاً أمريكياً يريد شراء هذه الآثار، وسوف تتم
الصفقة فى فندق سميراميس، مكان إقامة المشترى، وأن هناك سيارة ستأتى
لتأخذهم من دار السلام للفندق، وبالفعل حجزت الشرطة جناح بالفندق، وأجرت
سيارة فخمة جداً، وتم الاتفاق مع سائح أمريكى يدعى "تى جى"، على تمثيل دور
"ريتشارد" تاجر الآثار الذى سيشترى بضاعتهم، والذى رحب بالتعاون مع
الداخلية لعودة الآثار، وفى الفندق يتم القبض عليهم متلبسين بالآثار.
يوم، السبت، 12 مارس هو موعد تنفيذ الخطة، اتصل محمد صباحاً بصديقه، وقال
له إن هناك مشترى أمريكى، وافق على الثمن المطلوب، وأنه سوف يمر عليهم فى
دار السلام بالسيارة، ويتوجهوا جميعاً ومعهم الآثار إلى الفندق لإتمام
الصفقة، وبالفعل ذهب محمد فوجد أحمد وعماد، وقالوا إنهم لم يأتوا بالآثار
وهنا انفعل عليهم محمد قائلا: "هو كلام عيال يعنى، إيه التهريج ده، أنتو
كده هتودونا فى داهية"، فرد عماد "إحنا عاوزين نتعرف على الراجل الأول"،
وهنا أخرج محمد هاتفه واتصل بأحد ضباط الداخلية وحدثه بالإنجليزية، قائلاً:
"مستر ريتشارد.. أنا جاى معايا عماد وأحمد بس مش معانا الآثار، هما عاوزين
يتعرفوا عليك"، وتوجهوا جميعاً نحو الفندق الذى دخلوا إليه بسهولة دون
تفتيش، حيث توجهوا بالسيارة إلى جراج الفندق، وصعدوا بالمصعد إلى الدور
السابع عشر، ودخلوا الجناح، بعد تفتيشهم على بابه من حارس "ريتشارد"، والذى
كان يلعب دوره ضابط بالداخلية، وهناك ظهرت معالم القلق على وجهى عماد
وأحمد دون أن يعترفا بذلك، لكن فضحتهم أعينهم الزائغة فى المكان "حسبما وصف
محمد"، وليطمئنهم محمد أخذهم فى جولة بالجناح، وهو يمثل أنه يتحدث إليهم،
وقالوا له فى "البلكونة" التى تطل على النيل لو قبض علينا هنا نقوم بالقفز
من هذه النافذة، ثم جلسوا للاتفاق مع "مستر ريتشارد"، وقد أكدوا لمحمد أنهم
لا يفهمون الإنجليزية، فقال لهم محمد: "أنا عاوز التلت فى البيعة دى أو
هبوظها"، فقالوا التلت مبلغ كبير قوى، فتمسك محمد بالمبلغ، فوافقوا ثم قال
لهم: "أنا هطلع أحسن منكم أنتو عاوزين 10 ملايين دولار صح"، ثم توجه بكلامه
لمستر ريتشارد وقال له بالإنجليزية "إحنا عاوزين 50 مليون دولار"، وهنا
يقول محمد لاحظت الدهشة على وجوههم، وتأكدت من أنهم يفهمون الإنجليزية،
فقال ريتشارد إنه سيفكر، وطلب منى عماد رؤية الـ"50 مليون دولار، وبطاقة
الحارس الذى فتشهم على باب الجناح، فرد عليهم محمد قائلاً: "انتو عالم عرر
وجرابيع وأنا غلطان إنى بكبركم، إنتو أول مرة تدخلوا فنادق وطبعاً مش
عارفين أن الـ 50 مليون دولار مبلغ كبير جداً مستحيل يكون فى شنطة تحت
السرير، وكمان عاوزين تشوفوا بطاقة الحارس اللى جاى من شيكاغو.. طبعاً
مانتو مش عارفين شيكاغو ولا اللى بيجوا منها عاملين إزاى.. بس أنا اللى
غلطان علشان اتعملت معاكم"، فتراجعوا عن الفكرة وخرجوا جميعا من الفندق،
بعد أن أخبرهم محمد أن ريتشارد مسافر غداً إلى أمريكا، وأن هذه الصفقة يجب
أن تتم اليوم، واتفقوا على أن يتقابلوا فى العاشرة مساء فى دار السلام،
وتكون معهم الآثار لإتمام الصفقة.
مخاوف عديدة شغلت بال محمد، فشعر أنه غير مؤمن بالمرة، وسيطر على رأسه هاجس
أنه عندما يذهب لإحضارهم فى هذا الوقت المتأخر من الليل أن يتم القبض عليه
وحبسه فى البيت القديم كرهينة حتى تتم الصفقة، وهى المخاوف التى عبر عنها
لضباط الداخلية، فأكدوا له أن حياته الأهم بالنسبة إليهم، وقالوا له اتصل
بصديقك أخبره أنهم تأخروا جدا، وأن الرجل غضب ولن يتمم الصفقة، وذلك حتى
تضع الداخلية خطة جديدة، وهو ما حدث بالفعل، بعدها وفى منتصف الليل دق هاتف
محمد المحمول ووجد شخصاً يقول له: "أنا عرفة شريك عماد وأحمد، أنا سمعت
عنك كتير وسعيد إنى هشتغل معاك، وإن شاء الله مش هتكون آخر مرة"، وأنا عاوز
أعرض عليك عرضاً، أنت تيجى تاخد الآثار وتبعها بمعرفتك وتجيب لنا أى مبلغ
إن شاله مليون من الخمسين"، فرد عليه محمد بحدة قائلا: "أنت كده بتهرج
وفاكرنى عيل صغير، روح دور على عيل يخيل عليه كلامك، وأنا مش عاوز أعرفكم
تانى، وخد بالك علشان أنت مش عارف أنا ورايا مين، وعاوز أقولك إن بيعتك
أصلاً خسرانة، لأن كل الآثار اللى معاكم مسجلة ومعروفة ومن مصلحتكم أنى
أخلصها بس دغرى من غير لف دوران، فكر فى كلامى كويس، مع السلامة".
لم يظهر أحد من العصابة منذ هذا اليوم، وكذلك لم يتصل محمد بهم، وفى الساعة
الثانية ظهر، الأربعاء، 16 مارس، فوجئ محمد باتصال من أحمد يقول له
"الحقنى يامحمد فى واحد اسمه طارق العوضى نشر على الإنترنت مواصفات البضاعة
اللى معانا وفى حاجات إحنا مش لاقينها أصلاً"، فرد عليه محمد "طب أهدا
وأنا هشوف الحكاية وهكلمك"، وقتها كان محمد بمكتب شرطة الآثار بالمتحف
المصرى، "حيث كان يذهب محمد إلى هناك يومياً، ولم يكن يذهب لعمله بالآثار،
فأخبر الضباط بما حدث، فقالوا له إن العملية يجب أن تنتهى اليوم، وطلبوا
منه الاتصال بأحمد، ونفذ محمد ذلك، وأخبره أنه سينتظرهم أول شارع القصر
العينى بسيارة، يأتون إليها ومعهم البضاعة ليتوجهوا إلى مبنى السفارة
الأمريكية، حيث يعمل مستر ريتشارد لتتم الصفقة هناك، وقال له أيضا البضاعة
اللى معاكم ريحتها طلعت ولو مخلصناش فيها النهاردة مش هنعرف نخلصها، لازم
نبيعها قبل المشترى ما يعرف أن مواصفتها انتشرت، أجهزوا بيها وأول ما أكلمك
تجيلى على طول فى المكان اللى هاقولك عليه"، وهنا يؤكد محمد أن تقرير
المتحف المصرى الذى نشر يومها بعدد ومواصفات القطع المسروقة كان صدفة، خدمت
العملية.
أحضر الضباط السيارة وتوجهت بمحمد إلى أول شارع القصر العينى، وهناك اتصل
بأحمد، فقال له إنه سيحضر خلال ساعة، وانتظر محمد لمدة ساعة، وهنا يقول إنه
عقد النية بالشهادة، إذا مات خلال هذه العملية، وجهز الضباط الخطة التى
كانت كالآتى: "سيتوجه محمد ومعه أفراد العصابة إلى مبنى السفارة الأمريكية،
بشارع سيمون بوليفار، وهناك ستقف السيارة تنتظر قدوم "ريتشارد" بسيارته
لاستلام البضاعة، لكنه لن يأتى، فيقول لهم محمد إنه سيخرج من السيارة ليسأل
عنه بالسفارة، ويفتعل مشكلة مع قوات الأمن بالسفارة، ويلقون القبض عليه،
ثم يخرج كمين يقبض على أفراد العصابة ومعهم الآثار، وبهذا لا يشك أحدهم فى
أن محمد هو الذى أوقعهم فى هذا الفخ، وبالفعل اتجه إلى شارع القصر العينى،
كل من عماد وأحمد وعرفة الذى ظهر للمرة الأولى، وكانت معهم الآثار، وقد
فحصها محمد جيداً حتى يطمئن على أنها لم تبدل، وعندما اطمأن وضعها تحت
قدميه، واتصل بأحد الضباط وأخبره بالإنجليزية أنه قادم مع عرفة وعماد وأحمد
ومعهم الآثار، ثم توجهوا جميعاً لميدان سيمون بوليفار، وهنا حدث ما لم
يتوقعه محمد.
فوجئ محمد بمجرد وصوله لشارع السفارة الأمريكية بكمين شرطة، فطمأن أفراد
العصابة قائلاً لهم إنها شرطة المرور، ودخلوا الميدان، وبمجرد دخولهم أغلقت
الشرطة الميدان، ووقفت السيارة أمام باب دبابة تابعة للقوات المسلحة، وهنا
ارتبك عماد وعرفة وأحمد، وقالوا إنهم سيخرجون من السيارة لشراء سجائر،
فوافقهم محمد حتى لا يتملكهم الشك، وبمجرد فتح أبواب السيارة هجمت عليهم
قوات الداخلية والقوات المسلحة، وألقوا القبض عليهم جميعا بما فيهم محمد،
وأخذوا شنطة الآثار دون أن يفتحوها، وهنا يؤكد محمد أن من ألقوا القبض
عليهم لم يتم إخبارهم بالخطة، ولم يكونوا على علم بأنه واحد منهم، فيقول تم
التعامل معى كأنى مجرم، وكلما حاولت شرح موقفى ينهرنى الضباط، وفقدت بعض
متعلقاتى وهى "الموبايل والساعة والنظارة"، وبعد ذلك تم وضعنا فى سيارة
وتوجهنا إلى المتحف المصرى، وجلسنا أمام بواباته الرئيسية، وبمجرد وصولنا
هناك قال لى أحمد: "متشكرين يا محمد"، وهناك خرج الضباط الذين اتفق معهم
محمد على الخطة، لكنهم لم يستطيعوا فعل شىء خوفاً من فضح أمر محمد أمام
أفراد العصابة، فقال أحدهم وهو يشاور على محمد: "خلى ده على جنب"، فأدخلوه
إلى مبنى المتحف المصرى، ثم توجهوا به إلى مكتب شرطة الآثار، ويقول محمد
هناك فوجئت بمعاملة مختلفة من الضباط، حيث تعاملوا معى بمنتهى الإهمال،
وعندما قلت لهم إنى فقدت أشيائى لم يهتموا، فأخبرتهم أنى أريد الخروج،
فأخروجنى إلى حديقة المتحف، وقال أحدهم لا تخرج الآن حتى لا تستفز مشاعر
العصابة، بعدها أعلنت الشرطة عن عودة بعض القطع الأثرية، وتمكنهم من القبض
على أفراد العصابة، وبقى محمد فى المتحف ساعات، قائلاً: فجأة لم أجد شخصاً
بالمتحف سوى قوات الصاعقة، فسألتهم عن العصابة قالوا إنهم ذهبوا للنيابة،
سألتهم عن شرطة الآثار، قالوا إنهم أغلقوا المكتب وانصرفو، فطلبت الخروج من
المتحف، وخرجت فلم أجد مخلوقاً فى ميدان التحرير، نزلت إلى المترو، فوجدته
مغلقاً، خرجت منه لأمشى فى الشارع، فسمعت صوت من بعيد "اقبضوا عليه"،
قبضوا عليا ورجعت تانى على المتحف، فقالوا لى أنت مش كنت لسه هنا، فقلت لهم
حكاياتى فتركونى، وروحت نمت بهدومى من التعب، وفى الصباح أيقظتنى أمى وهى
تقول لى قوم شوف تعبك، رئيس مجلس الوزراء بيكرم وزير الداخلية والضباط على
مجهودهم فى عودة الآثار المسروقة.
محمد الآن مهدد بالقتل من أهل المقبوض عليهم، ويعيش مع والدته فى بيت أحد
معارفهم، وأخوته يومياً يوجهون له اللوم والتأنيب على ما فعل، لأنه من وجهة
نظرهم عرض حياتهم جميعا وأولهم أمه للخطر، طلب من ضباط الداخلية الذين عمل
معهم حمايته، فسألوه كيف؟ توجه لرئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى
للآثار، وطلب منه الحماية فقال له: إن المجلس لن يستطيع حمايته، عاد لضباط
الداخلية وطلب منهم إعطاءه ترخيص سلاح، فقالوا له اكتب طلب ترخيص سنوافق
عليه، لكن لن نستطيع توفير سلاح، وستقوم بشرائه من أموالك الخاصة.
دينا عبد العليم