إن المعضلة التي تشغل مصر ومعها العالم الخارجي هو الظاهرة الإسلامية، فقد
عرفت مصر خلال الثلاث عقود الماضية الظهور الكبير لجماعات سياسية تسعى –
بطريقة عنيفة أحيانا – لتطبيق الشريعة الإسلامية، وارتفع شأن الإسلام
كأيديولوجية، وكقوة سياسية وكجزء من المجتمع المدني. ورغم ما يبدو من تماسك
تلك الظاهرة ، فإنها – تحت الرداء الفضفاض لكلمة الإسلام أكثر تعقيدا
وتعددية.
هناك خمسة مستويات داخل هذه الظاهرة :
أولا، إن الشعب المصري بمجمله قد ازداد تدينا( بمسلميه وأقباطه ) ومحافظة،
فأصبح المصريون يصلون ويصومون ويذهبون إلى الحج بأكثر مما كان الأمر في
السابق، وأصبح الملبس الإسلامي للرجال والنساء أكثر شيوعا، وحتى أجهزة
الدولة والنقابات والأحزاب السياسية ( بما فيها العلمانية ) تحتفل
بالمناسبات الدينية وتقوم بتجهيز رحلات حج مدعمة .
ثانيا، إن مؤسسة الأزهر الدينية التقليدية قد استعادت قدرا كبيرا من قوتها
داخل المجتمع نتيجة وسائل الاتصال الحديثة من راديو وتليفزيون وفضائيات
وصحافة . وهذا الدور تشرف عليه الحكومة وتوجهه ، فعلماء الدين في مصر- على
عكس الحال في إيران- هم موظفون في” القطاع العام ” الديني .
ثالثا، إن الإخوان المسلمين الذين يمثلون القطاع القائد في الحركة
الإسلامية المصرية قد أصبح لهم مكانة مرموقة في الساحة السياسية المصرية،
فرغم أنهم لا يشكلون حزبا معترفا به، إلا أنهم نجحوا في الاندماج داخل
العمل الشرعي السياسي فحصلوا على 88 مقعدا في انتخابات عام 2005 مما جعلهم
يشكلون أكبر مجموعة برلمانية بعد الحزب الوطني الحاكم، كما أن نفوذهم تزايد
بشدة داخل النقابات المهنية. المهم هنا أن لديهم ميلا متزايدا للاعتدال
وقبول للديمقراطية والشرعية وبتطبيق الشريعة تدريجيا وخطوة بخطوة وليس
تغييرها كلية، وهذا الاعتدال المتزايد للإخوان المسلمين خلق فجوة كبرى
بينهم وبين الجماعات الراديكالية العنيفة.
رابعا، أن عودة الإخوان المسلمين قد ارتبطت بنمو” الاقتصاد الإسلامي ” الذي
تمثل في البنوك الإسلامية والتي تأخذ إيداعات المصريين من أجل الاستثمار
في مصر وفي أسواق المال العالمية، وهذه البنوك ذات طبيعة رأسمالية وذات
صلات وثيقة بالنظام الاقتصادي العالمي، ويطالبون باقتصاد حر في مصر، مما
يجعلهم مختلفين جذريا عن طبقة البازار في إيران، فبينما كانت هذه الأخيرة
تسعى إلى فك الارتباط بين السوق الإيرانية والاقتصاد العالمي، فإن طبقة
رجال الأعمال الإسلاميين يساهمون في تدعيم هذا الارتباط تحت رداء إسلامي.
خامسا، الجماعات الإسلامية الراديكالية والتي ظهرت في مصر منذ منتصف
السبعينيات وارتكبت أعمالا عنيفة أبرزها اغتيال الرئيس السادات، فإنها حتى
مع المراجعات التي قامت بها بعضها إلا أن التيار العام الذي يحكمها هو
تيار العنف.
من هذا الوصف ” للظاهرة الإسلامية ” فإنها تبدو أكثر تعقيدا وتركيبا
وتعددية مما تبدو على السطح، فرغم أن هناك فاعلا للعنف في المستوى الخامس،
فان المستويات الأربع الأخرى تبقى داخل التقاليد المصرية المعقولة
والمعتدلة، ومرتبطة بالظواهر العامة للتعددية واللامركزية المصرية التي نمت
خلال السنوات الماضية . إلا أنه تبقى هنا معضلة التمثيل السياسي للتيارات
الإسلامية، فالأصل في المفهوم الديمقراطي أن تكون الأحزاب تمثيلا للقوى
الاجتماعية والتيارات السياسية الفاعلة في المجتمع، وكلما عبرت الأحزاب
السياسية والمؤسسات السياسية عن تلك القوى والتيارات، ازداد التناسق بين
البناء السياسي والبناء الاجتماعي وازدادت فرص تحقيق الاستمرار .
وتثور المشكلة بشأن السماح للتيارات السياسية الفوضوية أو العنصرية أو
الشمولية، التي تقوم على ممارسة العنف ضد الآخرين بالتنظيم. ومبعث المشكلة
هو أن الديمقراطية تنهض على أساس قبول الأطراف المختلفة بالدستور وبالقواعد
التي حددها لكيفية الوصول إلى السلطة وتداولها. فهل يسمح النظام
الديمقراطي بأن تستخدم آليات الديمقراطية وإجراءاتها لتقويض هذا النظام من
أساسه، وهو ما حدث في جمهورية فيمار بألمانيا، عندما وصل الحزب الوطني
الاشتراكي (النازي ) إلى السلطة من خلال الآليات الديمقراطية، ثم قام
بإلغائها بعد وصوله إلى مقاعد الشرطة ومن ثم فإن المعضلة التي تواجهها مصر
تتمثل في كيفية التوفيق بين توسيع دائرة التمثيل السياسي وفرصه من ناحية
وضمان عدم استخدام آليات التحول الديمقراطي لوقف هذا التطور أصلا. مصر لم
تحل تلك المشكلة مما يمثل إشكالية لابد من مواجهتها ووضع الحلول الإبداعية
لها.
عرفت مصر خلال الثلاث عقود الماضية الظهور الكبير لجماعات سياسية تسعى –
بطريقة عنيفة أحيانا – لتطبيق الشريعة الإسلامية، وارتفع شأن الإسلام
كأيديولوجية، وكقوة سياسية وكجزء من المجتمع المدني. ورغم ما يبدو من تماسك
تلك الظاهرة ، فإنها – تحت الرداء الفضفاض لكلمة الإسلام أكثر تعقيدا
وتعددية.
هناك خمسة مستويات داخل هذه الظاهرة :
أولا، إن الشعب المصري بمجمله قد ازداد تدينا( بمسلميه وأقباطه ) ومحافظة،
فأصبح المصريون يصلون ويصومون ويذهبون إلى الحج بأكثر مما كان الأمر في
السابق، وأصبح الملبس الإسلامي للرجال والنساء أكثر شيوعا، وحتى أجهزة
الدولة والنقابات والأحزاب السياسية ( بما فيها العلمانية ) تحتفل
بالمناسبات الدينية وتقوم بتجهيز رحلات حج مدعمة .
ثانيا، إن مؤسسة الأزهر الدينية التقليدية قد استعادت قدرا كبيرا من قوتها
داخل المجتمع نتيجة وسائل الاتصال الحديثة من راديو وتليفزيون وفضائيات
وصحافة . وهذا الدور تشرف عليه الحكومة وتوجهه ، فعلماء الدين في مصر- على
عكس الحال في إيران- هم موظفون في” القطاع العام ” الديني .
ثالثا، إن الإخوان المسلمين الذين يمثلون القطاع القائد في الحركة
الإسلامية المصرية قد أصبح لهم مكانة مرموقة في الساحة السياسية المصرية،
فرغم أنهم لا يشكلون حزبا معترفا به، إلا أنهم نجحوا في الاندماج داخل
العمل الشرعي السياسي فحصلوا على 88 مقعدا في انتخابات عام 2005 مما جعلهم
يشكلون أكبر مجموعة برلمانية بعد الحزب الوطني الحاكم، كما أن نفوذهم تزايد
بشدة داخل النقابات المهنية. المهم هنا أن لديهم ميلا متزايدا للاعتدال
وقبول للديمقراطية والشرعية وبتطبيق الشريعة تدريجيا وخطوة بخطوة وليس
تغييرها كلية، وهذا الاعتدال المتزايد للإخوان المسلمين خلق فجوة كبرى
بينهم وبين الجماعات الراديكالية العنيفة.
رابعا، أن عودة الإخوان المسلمين قد ارتبطت بنمو” الاقتصاد الإسلامي ” الذي
تمثل في البنوك الإسلامية والتي تأخذ إيداعات المصريين من أجل الاستثمار
في مصر وفي أسواق المال العالمية، وهذه البنوك ذات طبيعة رأسمالية وذات
صلات وثيقة بالنظام الاقتصادي العالمي، ويطالبون باقتصاد حر في مصر، مما
يجعلهم مختلفين جذريا عن طبقة البازار في إيران، فبينما كانت هذه الأخيرة
تسعى إلى فك الارتباط بين السوق الإيرانية والاقتصاد العالمي، فإن طبقة
رجال الأعمال الإسلاميين يساهمون في تدعيم هذا الارتباط تحت رداء إسلامي.
خامسا، الجماعات الإسلامية الراديكالية والتي ظهرت في مصر منذ منتصف
السبعينيات وارتكبت أعمالا عنيفة أبرزها اغتيال الرئيس السادات، فإنها حتى
مع المراجعات التي قامت بها بعضها إلا أن التيار العام الذي يحكمها هو
تيار العنف.
من هذا الوصف ” للظاهرة الإسلامية ” فإنها تبدو أكثر تعقيدا وتركيبا
وتعددية مما تبدو على السطح، فرغم أن هناك فاعلا للعنف في المستوى الخامس،
فان المستويات الأربع الأخرى تبقى داخل التقاليد المصرية المعقولة
والمعتدلة، ومرتبطة بالظواهر العامة للتعددية واللامركزية المصرية التي نمت
خلال السنوات الماضية . إلا أنه تبقى هنا معضلة التمثيل السياسي للتيارات
الإسلامية، فالأصل في المفهوم الديمقراطي أن تكون الأحزاب تمثيلا للقوى
الاجتماعية والتيارات السياسية الفاعلة في المجتمع، وكلما عبرت الأحزاب
السياسية والمؤسسات السياسية عن تلك القوى والتيارات، ازداد التناسق بين
البناء السياسي والبناء الاجتماعي وازدادت فرص تحقيق الاستمرار .
وتثور المشكلة بشأن السماح للتيارات السياسية الفوضوية أو العنصرية أو
الشمولية، التي تقوم على ممارسة العنف ضد الآخرين بالتنظيم. ومبعث المشكلة
هو أن الديمقراطية تنهض على أساس قبول الأطراف المختلفة بالدستور وبالقواعد
التي حددها لكيفية الوصول إلى السلطة وتداولها. فهل يسمح النظام
الديمقراطي بأن تستخدم آليات الديمقراطية وإجراءاتها لتقويض هذا النظام من
أساسه، وهو ما حدث في جمهورية فيمار بألمانيا، عندما وصل الحزب الوطني
الاشتراكي (النازي ) إلى السلطة من خلال الآليات الديمقراطية، ثم قام
بإلغائها بعد وصوله إلى مقاعد الشرطة ومن ثم فإن المعضلة التي تواجهها مصر
تتمثل في كيفية التوفيق بين توسيع دائرة التمثيل السياسي وفرصه من ناحية
وضمان عدم استخدام آليات التحول الديمقراطي لوقف هذا التطور أصلا. مصر لم
تحل تلك المشكلة مما يمثل إشكالية لابد من مواجهتها ووضع الحلول الإبداعية
لها.