لم يكتف الدستور المصري فقط بالتأكيد علي حرية الرأي
والتعبير وحرية الصحافة وحرية البحث العلمي والإبداع وذلك كما في
المادة47 منه و التي تنص علي: أن حرية الرأي مكفولة, ولكل إنسان
التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل
التعبير في حدود القانون, والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة
البناء الوطني.
وكذلك المادة54 والتي تنص علي أن: للمواطنين حق
الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلي إخطار سابق, ولا
يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة. و الاجتماعات العامة والمواكب و
التجمعات مباحة في حدود القانون.
- بل إن هناك اتفاقيات وقعتها مصر تضمن الحقوق في التعبير و
التظاهر السلمي( العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام.1982
والذي جعل لهذا العهد قوة وإلزام القوانين المحلية, المادة18
والمادة19 منه واللتان تؤكدا بوضوح علي حرية الفكر والتعبير, حرية
اعتناق الرأي وإبداءه, و الذي لهما قوة النصوص القانونية الأخري.
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان( الصادر عام1948 و
الموقعة عليه مصر وفيه المادة19 التي تنص علي' لكل شخص الحق في حرية
الرأي و التعبير, ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون اي تدخل و
استقاء الأنباء و الأفكار و تلقيها و إذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد
بالحدود الجغرافية'.
فقد تم إضافة فقرة أولي للمادة124 من قانون العقوبات
رقم(58) لسنة1937 بالقانون رقم24 لسنة1951' يعاقب بضعف العقوبات
المقررة بالمادة124 كل من اشترك بطريق التحريض في ارتكاب جريمة من
الجرائم المبينة بها. و كل من حرض أو شجع موظفا أو مستخدما عموميا أو
موظفين أو مستخدمين عموميين بأية طريقة كانت علي ترك العمل أو الامتناع عن
تأدية واجب من واجبات الوظيفة إذا لم يترتب علي تحريضه أو تشجيعه أية
نتيجة.
وفضلا عن العقوبات المتقدم ذكرها يحكم بالعزل إذا كان مرتكب
الجريمة من الموظفين أو المستخدمين العموميين( كما أضيفت بالقانون
رقم24 لسنة1951 المادة124)- الفقرة ج فيما يتعلق بتطبيق المواد
الثلاث السابقة... يعد كالموظفين والمستخدمين العموميين جميع العاملين
الذين يشتغلون بأية صفة كانت في خدمة الحكومة أو في خدمة سلطة من السلطات
الإقليمية أو البلدية أو القروية والأشخاص الذين يندبون لتأدية عمل معين من
أعمال الحكومة أو السلطات المذكورة.
وقد تم رفع الحد الأقصي لعقوبة الغرامة بموجب القانون(
رقم29 لسنة1982) وكانت قبل التعديل لا تجاوز خمسين جنيها) إذا ترك
ثلاثة علي الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو في صورة
الاستقالة أو إمتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين علي ذلك
أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة
أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد علي مائة جنية ويضاعف الحد الأقصي لهذه
العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم
أو أمنهم في خطر, أو كان من شأنه أن يحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس أو
إذا أضر بمصلحة عامة وكل موظف أو مستخدم عمومي ترك عمله أو امتنع عن عمل من
أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه يعاقب بالحبس مدة
لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنية. ويضاعف الحد الأقصي
لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو
صحتهم أو أمنهم في خطر أو كان من شأنه أن يحدث إضطرابا أو فتنة بين الناس
أو إذا أضر بمصلحة عامة.
وتعليقا علي اتخاذ الدولة قانون العقوبات كمرتكز لتقييد
الاحتجاجات, فقد تدخل القضاء للفصل في ذلك عن طريق أن المادة124 من
قانون العقوبات المصري التي كانت تجرم إضراب الموظفين قد نسخت بتوقيع مصر
علي العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهناك سابقة قضائية في هذا
الشأن تتعلق بحكم أصدرته محكمة امن الدولة العليا طواريء في عام1986
عندما أصدرت حكما بتبرئة موظفي السكة الحديد استنادا إلي إن, مصر صادقت
علي العهد الدولي وأنه يتيح حق الإضراب, وذكرت المحكمة أيضا إن مصادقة
مصر علي هذا العهد تعني نسخ المادة124 من قانون العقوبات وسقوطها فقد ذهب
الحكم إلي:' وحيث أنه متي كان ذلك فإن الاتفاقية المذكورة وقد نشرت في
الجريدة الرسمية في الثامن من إبريل سنة1982 بعد أن وافق عليها مجلس
الشعب تعتبر قانونا من قوانين الدولة ومادامت لاحقة لقانون العقوبات فإن
يتعين اعتبار المادة124 قد ألغيت ضمنيا بالمادة8 فقرة( د) من
الاتفاقية المشار إليها عملا بنص المادة الثانية من القانون المدني التي
تنص علي أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة علي هذا
الإلغاء أو يشتمل علي نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد
الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع, ولا يقدح في ذلك أن
المادة124 من قانون العقوبات قد عدلت_ برفع الغرامة بالقانون رقم92
لسنة1982 بعد نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية لأنه إذا كان من المقرر
فقها وقضاءا أن الساقط لا يعود فإنه بالتالي ومن باب أولي لا يعدل لأن
التعديل لا يمكن أن يرد علي معدوم أو مادام الثابت أن المادة124 قد ألغيت
ضمنا بالاتفاقية السابق الإشارة إليها فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال
إجراء أي تعديل في تلك المادة لأنها ألغيت ولم يعد لها وجود, مما تكون
معه تهمة الامتناع عن العمل قد بنيت علي غير أساس من القانون وهو ما يعني
أن الإضراب أصبح حقا لجميع موظفي الدولة و لا ينطبق عليهم نصوص قانون
العقوبات المصري, كما لا يترتب علي ذلك جزاءات مرتبطة بعلاقات العمل.
وبناءا علي ذلك شرعت الحكومة في تقييد الإضراب الحكومي عن طريق بعض الإجراءات:
1- إصدار قانون العمل رقم12 لسنة2003 و هو أول قانون
ينص صراحة علي حق العمال في الإضراب:' للعمال حق الإضراب
السلمي...'المادة192 والواقع أن هذا النص جاء بلا معني, لأن كم
القيود التي وضعها القانون علي ممارسة العمال لحقهم في الإضراب جعلته شبه
مستحيل. وقد جاءت القيود كالتالي:
المادة192 ضرورة موافقة ثلثي مجلس إدارة النقابة العامة
التي تتبعها المنشأة, والتي يبلغ عدد أعضائه21 عضوا, أي أن رفض
ثمانية أعضاء في النقابة العامة للإضراب يجعله غير قانوني. فإذا لم يكن
بالمنشأة لجنة نقابية يكون الإخطار باعتزام العمال الإضراب للنقابة العامة
المعنية, وعلي الأخيرة بعد موافقة مجلس إدارتها بالأغلبية المنصوص عليها
في الفقرة السابقة القيام بالإخطار المشار إليه. بالإضافة الي إخطار صاحب
العمل والجهة الإدارية بتاريخ الإضراب قبل موعده بعشرة أيام,علي
الأقل, وذلك بكتاب مسجل بعلم الوصول وفي جميع الأحوال يتعين أن يتضمن
الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب, والمدة الزمنية المحددة له.
المادة193 من قانون العمل' يحظر علي العمال الإضراب أو
إعلانه بواسطة منظماتهم النقابية بقصد تعديل اتفاقية العمل الجماعية أثناء
مدة سريانها, وكذلك خلال جميع مراحل وإجراءات الوساطة والتحكيم.
المادة194 يحظر الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت
الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب علي توقف العمل فيها الإخلال بالأمن
القومي أو بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين ويصدر قرار من رئيس
مجلس الوزراء بتحديد هذه المنشآت.
المادة195 يترتب علي الإضراب المشار إليه في المادة192 احتساب مدته إجازة للعامل بدون أجر.
2- أصدر رئيس الوزراء القرار رقم(1185 لسنة2003) وحدد
فيه المنشآت التي يحظر فيها الإضراب أو مجرد الدعوة إليه والتحريض عليه(
منشآت الأمن القومي والإنتاج الحربي, المستشفيات والمراكز الطبية
والصيدليات, المخابز, وسائل النقل الجماعي للركاب( بري وبحري
وجوي), وسائل نقل البضائع, منشآت الدفاع المدني, منشآت مياه الشرب
والكهرباء والغاز والصرف الصحي, منشآت الاتصالات, والمواني و المنائر
والمطارات, العاملون في المؤسسات التعليمية) ومن هذا القرار يتضح ما
يلي: أن رئيس الوزراء استخدم الرخصة التي منحها له القانون لتحديد
المنشآت الحيوية وتوسع فيها علي النحو السالف بيانه إلي درجة تصل إلي
المصادرة والمنع متجاوزا في ذلك حدود التنظيم وإهدار حق دستوري أصيل.
بعض الإضرابات و الاحتجاجات تدخل تحت مسمي عنوان كبير هو'
العصيان المدني', وهذا العصيان المدني يدخل تحت كلمة مهمة وهي'
المقاومة السلبية', فإذا كنت لا أستطيع أن أؤثر علي مراكز صنع القرار
مباشرة فأنا أقوم بإبداء رؤي ومواقف احتجاجية, هذه المواقف الاحتجاجية قد
تأخذ شكل الإضراب السلمي, وقد تأخذ شكل الإضرابات الجزئية أو المتسعة
وأشكالا أخري مثل التباطؤ في العمل وعدم المشاركة في أمور يقوم النظام
السياسي بالتعبئة فيها, وكل هذه الأمور تكون مقصودة من جانب الجماهير,
والمطلوب والمفترض أن تكون منظمة.
وهذه الأشكال من الاحتجاجات و الإضرابات تحدث حينما تنسد
القنوات السياسية, وحينما تنحرف هذه القنوات عن وظيفتها, وحينما لا
يقوم البرلمان بالرقابة وتعطل أجهزته التي تقوم علي عملية الرقابة,
وحينما تتعطل الأجهزة الرقابية داخل المجتمع.
وتختلف طبيعة الدعوة بحسب ثقافة المحتجين, فالعمال يدعون
للإضراب عن طريق الاتفاق مع زملائهم, سواء كان ذلك مناقشة شفوية أو عن
طريق منشورات توزع, و المدونون يستخدمون الانترنت في الدعوة إلي
الإضراب, وبعض المثقفين يستخدمون منظمات ينتمون إليها( المجتمع
المدني) وهناك الاحتجاج عن طريق إرسالs-m-s بالموبايل إلي مجموعة
مرتبطة بأفكار واحدة .
و الإضرابات العمالية: فالحركة العمالية في مصر لها سجل
حافل بصفحات نضالية ترجع الي تاريخ بعيد بقدم الدولة, ويعتبر إضراب لفافي
السجائر في ديسمبر1899 هو البداية الحقيقية للحركة العمالية في العصور
الحديثة, وقد استمد هذا الإضراب أهميته من استمراره لمدة تقارب الثلاثة
أشهر, وتأسيس أول تنظيم نقابي عمالي' رابطة لفافي السجائر' في
فبراير.1900 ثم إنفجر من بعده سيل الاحتجاجات العمالية بدءا من إضراب
عمال' الترام' بالقاهرة عام1908 وإضراب عمال السكة الحديد, ومن
الملاحظ إن هذين الاضرابين اندلعا بعد احتقان العمال من التمييز الملحوظ
بين العمال المصريين و العمال الأجانب, الشئ الذي أرساه الاستعمار
الإنجليزي علي مصر, و استمرت الاحتجاجات تسير في مصر بعد هذين
الإضرابين, وصاحب كل احتجاج تأسيس رابطة او نقابة عمالية, حتي وصلت
وتيرة الاحتجاجات الي أوجها مع اندلاع أحداث ثورة1919 التي لعب الدور
الأهم فيها التحركات العمالية والتي استمرت حتي بعد هدوء الأحداث, إلي ان
وصل عدد النقابات العمالية إلي90 نقابة عام1912 وظهر ساعتها أول اتحاد
عمالي في مصر, والذي حلته الحكومة في.1924
وقد شهدت الحركة العمالية محطات رئيسية في تاريخها, تلك
المحطات تميزت بأنها كانت نقطة تحول في مسار الحركة العمالية, ليس فقط
لقوة الاحتجاجات العمالية وكثرتها, ولكن لأن كل محطة من محطات الحركة
العمالية مثلت الدخول في مرحلة جديدة من مراحل الحركة, ونقلة في مسارها
سواء للإمام أو للخلف, للإمام مثلما كان إضراب عمال السجائر في
ديسمبر1899 بداية تشكل التنظيمات العمالية في شكلها الأولي, وللخلف
مثلما كان قمع إضراب عمال كفر الدوار في1952 بداية مرحلة الهدوء النسبي
للحركة العمالية, لسنوات طويلة.
وقد اعتمدت الحركة العمالية في احتجاجها لفترة طويلة علي
سلاح الاعتصام, وهو يعني بقاء العمال في مكان العمل بعد انتهاء ساعات
العمل, دون وقف الإنتاج, أو التأثير عليه, وهذه الطريقة في الاحتجاج
كانت الأبرز لفترة طويلة, خاصة في ظل علاقات العمل بالقطاع العام. كان
هذا تأثرا واضحا بالدعاية الرسمية ساعتها, والثقافية التي عممها
النظام, والتي كانت تروج لأن القطاع العام ملك الشعب, وأن زيادة
الإنتاج تحقق الرفاهية, وأن العمال شركاء في القطاع العام, وليسوا
أجراء. هذه الثقافة خلقت حاجزا بين العمال وبين أهم سلاح للاحتجاج يمكن
استخدامه في الحركة العمالية, وهو سلاح الإضراب, ومن المفارقات أنه
خلال العديد من الاعتصامات العمالية, التي قام بها العمال خلال
السبعينيات والثمانينيات, كانت معدلات الإنتاج ترتفع, كما حدث في
اعتصام الحديد والصلب في أغسطس1989 إذ ارتفعت معدلات الإنتاج بنسبة15%
خلال فترة الاعتصام. ساهم في سيادة آلية الاعتصام بدلا من الإضراب عن
العمل أيضا, التدخل السريع من جانب الدولة لإنهاء الاحتجاج, مما كان
يمنع تطوره, فاعتصام العمال في مكان العمل من شأنه أن يتطور إلي إضراب
بعد فترة, والانتهاء السريع يمنع هذا التطور, والملفت أن وقف عملية
الإنتاج كان يتم خلال الاحتجاجات العمالية من جانب الدولة, لا من جانب
العمال, سواء بقطع الكهرباء والماء والغاز عن مواقع الاعتصام, مثلما
حدث في الحديد والصلب في1989 وغزل كفر الدوار في1984 وفي1997 أو بمنح
العمال إجازة مدفوعة الأجر بعد إنهاء الاعتصام. لا يعني ذلك أن الحركة
العمالية لم تستخدم سلاح الإضراب, فقد كان هناك إضراب السكة الحديد
في1986 وإضراب هيئة النقل العام في1976 وإضرابات أخري أقل تأثيرا,
ولكن كان السائد هو الاعتصام. لقد شهدت الحركة العمالية, وفي الوحدات
الكبيرة خاصة, تحولا هاما نحو استخدام سلاح الإضراب, وليس فقط
الاعتصام, وربما كان هذا التحول قد بدأ منذ فترة, ولكن برز بشدة,
ابتداء من إضراب غزل المحلة في7 ديسمبر2006.
أهم ملامح الاحتجاجات الاقتصادية في مصر:
1- طول فترات الإضرابات نسبيا كان ظاهرة ملموسة في
الإضرابات الأخيرة, فسابقا لم يكن الاعتصام أو الإضراب العمالي يستمر سوي
ليوم واحد أو اثنين ثم ينتهي إما بتدخل الأمن وفضه بالقوة, أو تهدئة
العمال ببعض القرارات الهشة. أما الإضرابات الأخيرة فقد شهدت تغيرا واضحا
في أسلوب النظام لاستيعاب الاحتجاجات الاقتصادية. فإضراب المحلة الأول
استمر ثلاثة أيام وانتهي بتنفيذ مطالب العمال. و الإضرابات التي تلت
استمرت لأيام وأسابيع أيضا. فطول مدة الإضراب خلق أمرين هامين:.
الأول, هو توسع تأثير الإضراب وأصدائه الإعلامية والذي
كان غير متوفر في مدد الإضرابات القصيرة والتي ما أن تعلم بها وسائل
الإعلام والقوي المهتمة بالحركة العمالية حتي تكون قد انتهت.
الثاني, والأهم هو أن طول مدة الإضراب تخلق تنظيما داخليا
للحياة العمالية في الإضراب, فوجود آلاف العمال في نفس المكان لأيام
متتالية يفرض توفير آليات للإعاشة وتنظيم الحياة الداخلية وتقسيما واسع
النطاق للعمل بينهم, مثل التفاوض, حماية المنشأة, توفير الطعام,
التناوب علي التواجد في الإضراب... مما أدي إلي تطور الإمكانيات
التنظيمية للحركة العمالية سريعا كلما زادت مدة الإضراب.
2- إن من أهم الخصائص التي ميزت الاحتجاجات العمالية
الأخيرة في مصر والتي تجعلنا نعتبرها بداية لمرحلة جديدة, ميز هذه الموجة
عن سابقتها, حيث إن انتهاء اغلبها تم بطريقة سلمية من دون أي حسم عنيف
من قبل السلطة, هذا بالإضافة إلي الاستجابة إلي أغلب المطالب التي رفعها
المحتجون, الأمر الذي زاد من ثقة العمال في الحركة. فالعنف الشديد الذي
استخدمته الدولة ضد احتجاجات العمال طوال الثمانينات شكل رادعا أمام
الحركة العمالية لفترة طويلة. وتراجع الدولة عن استخدام العنف ضد العمال
أزال الكثير من المخاوف التي أحاطت بحق الإضراب.
3- خلال شهر يوليو2008 قررت الدولة إعادة النظر في الحد
الأدني للأجور المعمول به في مصر الذي لم يعاد النظر به منذ ربع قرن
ليتماشي مع الأسعار الجارية. ورغم أن المقترحات المقدمة الآن لم ترق
لتلبية احتياجات العمال إلا أن مجرد فتح موضوع الحد الأدني للأجور والنظر
في رفعه هو من أهم نتائج الحركة العمالية.
4- استطاعت الحركة العمالية في مصر أن تعيد الطبقة
العاملة إلي اكتشاف نفسها وإمكانياتها وتطورها وتضع نفسها كمعطي رئيسي علي
خريطة الأزمة السياسية في مصر ويبقي علي المناضلين الثوريين مهمة التفاعل
الخلاق مع الحركة العمالية والتعلم منها والبناء من خلالها.
5- إن عمليات إعادة الهيكلة و الخصخصة التي ضربت الأوضاع
العمالية المستقرة في مصر أزالت معها الكثير من الأوهام التي سيطرت علي
الحركة العمالية علي مدي عقود واتخذت هذه الحركة طريقة الإضراب للمطالبة
بحقوقها وليس الاعتصام, وهو ما يعني استخدام العمال للضغط الاقتصادي
وموقعهم من علاقات الإنتاج, مما يفتح إمكانية أكبر لاكتشاف الطبقة
العاملة لنفسها وثقلها الاقتصادي والسياسي. و استبدال الطبقة العاملة
سلاح الاعتصام بسلاح الإضراب في الاحتجاج خطوة كبيرة في وعي الطبقة العاملة
الجماعي.
فعلي مدي ستة أشهر بلغ عدد العمال الذين أضربوا عن العمل
ورفعوا مطالب واستطاعوا تنفيذ أغلبها أكثر من200 ألف عامل وهو رقم هائل
في بلد يحكمه قانون الطوارئ منذ أكثر من ربع قرن, ويقيد قانون العمل فيه
حق الإضراب ويفرض علي العمال تنظيما نقابيا واحدا مواليا لحد كبير
للدولة.
6- إن المطالب العمالية التي رفعها العمال لم تختلف عن
سابقاتها. فهي ارتبطت أغلبها بالأجور المتغيرة وظروف العمل وعواقب سياسات
الخصخصة. ولكن النتائج التي تحققت حملت أفقا أوسع للحركة العمالية.
فبعد إضراب غزل المحلة وغزل كفر الدوار مثلا قررت الدولة تخصيص حصة من
حصيلة بيع بنك الإسكندرية لإسقاط ديون شركات الغزل والنسيج وتحسين شروط
العاملين بها, وهي المرة الأولي التي تتوجه بها حصة من حصيلة الخصخصة
لمصلحة اجتماعية.
واللافت للنظر في هذا الإطار هو العلاقة بين الدولة
والنقابات العمالية, حيث أن تلك الاحتجاجات و الإضرابات العمالية جاءت
متجاوزة التنظيم النقابي وخارج إطاره وبالتالي فإن سمته الاندماجية
والاستيعاب الذي يميز العلاقة بين الدولة والنقابة العمالية لا يمكن أن
تنسحب علي الحركة العمالية ككل التي عبرت عن آرائها المخالفة لآراء
تنظيماتها النقابية بما يعني فشل الأخيرة في تحقيق مهمتها من حيث التعبير
عن مصالح العمال, وبوصفها قناة تتوسط العلاقة بين العمال والدولة
وبالتالي فإن التوتر هو الغالب في علاقة الدولة بالقواعد العمالية الأكثر
إرتباطا بنتائج السياسات الاقتصادية المتمثلة في إزدياد حدة الفقر وإرتفاع
مستوي البطالة ونسب تسريح العمال.
و شهدت مصر خلال الفترة الأخيرة موجة من حركات المعارضة
الجديدة, التي دخلت ميدان السياسة بشكل مباشر دون الحصول علي الرخصة
القانونية لخوض غمار الحياة السياسية, وفي الوقت الذي استطاعت فيه بعض
هذه الحركات أن تحفر لنفسها مكانا بارزا في قلب المسرح السياسي, فإن
البعض الأخر اكتفي بالمعارضة الإلكترونية, أي من خلال ممارسة نشاطه عبر
شبكة الإنترنت.
تبنت هذه الحركات أشكالا غير معهودة للتحرك السياسي,
ومنها المظاهرات في الشارع كآلية أساسية للعمل السياسي, حيث نجحت هذه
الحركات في انتزاع حقها المكفول لها دستوريا في التظاهر السلمي, وذلك علي
الرغم من تعرضها أحيانا لمضايقات من قبل قوات الأمن في بعض المظاهرات التي
تم تنظيمها, وبالإضافة إلي ذلك فقد لجأت هذه الحركات إلي الاعتماد علي
ما وفرته التكنولوجيا الحديثة من وسائل اتصالات هائلة وغير مسبوقة.
بقلم : رمضان الغندور
والتعبير وحرية الصحافة وحرية البحث العلمي والإبداع وذلك كما في
المادة47 منه و التي تنص علي: أن حرية الرأي مكفولة, ولكل إنسان
التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل
التعبير في حدود القانون, والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة
البناء الوطني.
وكذلك المادة54 والتي تنص علي أن: للمواطنين حق
الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلي إخطار سابق, ولا
يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة. و الاجتماعات العامة والمواكب و
التجمعات مباحة في حدود القانون.
- بل إن هناك اتفاقيات وقعتها مصر تضمن الحقوق في التعبير و
التظاهر السلمي( العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام.1982
والذي جعل لهذا العهد قوة وإلزام القوانين المحلية, المادة18
والمادة19 منه واللتان تؤكدا بوضوح علي حرية الفكر والتعبير, حرية
اعتناق الرأي وإبداءه, و الذي لهما قوة النصوص القانونية الأخري.
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان( الصادر عام1948 و
الموقعة عليه مصر وفيه المادة19 التي تنص علي' لكل شخص الحق في حرية
الرأي و التعبير, ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون اي تدخل و
استقاء الأنباء و الأفكار و تلقيها و إذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد
بالحدود الجغرافية'.
فقد تم إضافة فقرة أولي للمادة124 من قانون العقوبات
رقم(58) لسنة1937 بالقانون رقم24 لسنة1951' يعاقب بضعف العقوبات
المقررة بالمادة124 كل من اشترك بطريق التحريض في ارتكاب جريمة من
الجرائم المبينة بها. و كل من حرض أو شجع موظفا أو مستخدما عموميا أو
موظفين أو مستخدمين عموميين بأية طريقة كانت علي ترك العمل أو الامتناع عن
تأدية واجب من واجبات الوظيفة إذا لم يترتب علي تحريضه أو تشجيعه أية
نتيجة.
وفضلا عن العقوبات المتقدم ذكرها يحكم بالعزل إذا كان مرتكب
الجريمة من الموظفين أو المستخدمين العموميين( كما أضيفت بالقانون
رقم24 لسنة1951 المادة124)- الفقرة ج فيما يتعلق بتطبيق المواد
الثلاث السابقة... يعد كالموظفين والمستخدمين العموميين جميع العاملين
الذين يشتغلون بأية صفة كانت في خدمة الحكومة أو في خدمة سلطة من السلطات
الإقليمية أو البلدية أو القروية والأشخاص الذين يندبون لتأدية عمل معين من
أعمال الحكومة أو السلطات المذكورة.
وقد تم رفع الحد الأقصي لعقوبة الغرامة بموجب القانون(
رقم29 لسنة1982) وكانت قبل التعديل لا تجاوز خمسين جنيها) إذا ترك
ثلاثة علي الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو في صورة
الاستقالة أو إمتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين علي ذلك
أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة
أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد علي مائة جنية ويضاعف الحد الأقصي لهذه
العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو صحتهم
أو أمنهم في خطر, أو كان من شأنه أن يحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس أو
إذا أضر بمصلحة عامة وكل موظف أو مستخدم عمومي ترك عمله أو امتنع عن عمل من
أعمال وظيفته بقصد عرقلة سير العمل أو الإخلال بانتظامه يعاقب بالحبس مدة
لا تجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنية. ويضاعف الحد الأقصي
لهذه العقوبة إذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل حياة الناس أو
صحتهم أو أمنهم في خطر أو كان من شأنه أن يحدث إضطرابا أو فتنة بين الناس
أو إذا أضر بمصلحة عامة.
وتعليقا علي اتخاذ الدولة قانون العقوبات كمرتكز لتقييد
الاحتجاجات, فقد تدخل القضاء للفصل في ذلك عن طريق أن المادة124 من
قانون العقوبات المصري التي كانت تجرم إضراب الموظفين قد نسخت بتوقيع مصر
علي العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهناك سابقة قضائية في هذا
الشأن تتعلق بحكم أصدرته محكمة امن الدولة العليا طواريء في عام1986
عندما أصدرت حكما بتبرئة موظفي السكة الحديد استنادا إلي إن, مصر صادقت
علي العهد الدولي وأنه يتيح حق الإضراب, وذكرت المحكمة أيضا إن مصادقة
مصر علي هذا العهد تعني نسخ المادة124 من قانون العقوبات وسقوطها فقد ذهب
الحكم إلي:' وحيث أنه متي كان ذلك فإن الاتفاقية المذكورة وقد نشرت في
الجريدة الرسمية في الثامن من إبريل سنة1982 بعد أن وافق عليها مجلس
الشعب تعتبر قانونا من قوانين الدولة ومادامت لاحقة لقانون العقوبات فإن
يتعين اعتبار المادة124 قد ألغيت ضمنيا بالمادة8 فقرة( د) من
الاتفاقية المشار إليها عملا بنص المادة الثانية من القانون المدني التي
تنص علي أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة علي هذا
الإلغاء أو يشتمل علي نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد
الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع, ولا يقدح في ذلك أن
المادة124 من قانون العقوبات قد عدلت_ برفع الغرامة بالقانون رقم92
لسنة1982 بعد نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية لأنه إذا كان من المقرر
فقها وقضاءا أن الساقط لا يعود فإنه بالتالي ومن باب أولي لا يعدل لأن
التعديل لا يمكن أن يرد علي معدوم أو مادام الثابت أن المادة124 قد ألغيت
ضمنا بالاتفاقية السابق الإشارة إليها فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال
إجراء أي تعديل في تلك المادة لأنها ألغيت ولم يعد لها وجود, مما تكون
معه تهمة الامتناع عن العمل قد بنيت علي غير أساس من القانون وهو ما يعني
أن الإضراب أصبح حقا لجميع موظفي الدولة و لا ينطبق عليهم نصوص قانون
العقوبات المصري, كما لا يترتب علي ذلك جزاءات مرتبطة بعلاقات العمل.
وبناءا علي ذلك شرعت الحكومة في تقييد الإضراب الحكومي عن طريق بعض الإجراءات:
1- إصدار قانون العمل رقم12 لسنة2003 و هو أول قانون
ينص صراحة علي حق العمال في الإضراب:' للعمال حق الإضراب
السلمي...'المادة192 والواقع أن هذا النص جاء بلا معني, لأن كم
القيود التي وضعها القانون علي ممارسة العمال لحقهم في الإضراب جعلته شبه
مستحيل. وقد جاءت القيود كالتالي:
المادة192 ضرورة موافقة ثلثي مجلس إدارة النقابة العامة
التي تتبعها المنشأة, والتي يبلغ عدد أعضائه21 عضوا, أي أن رفض
ثمانية أعضاء في النقابة العامة للإضراب يجعله غير قانوني. فإذا لم يكن
بالمنشأة لجنة نقابية يكون الإخطار باعتزام العمال الإضراب للنقابة العامة
المعنية, وعلي الأخيرة بعد موافقة مجلس إدارتها بالأغلبية المنصوص عليها
في الفقرة السابقة القيام بالإخطار المشار إليه. بالإضافة الي إخطار صاحب
العمل والجهة الإدارية بتاريخ الإضراب قبل موعده بعشرة أيام,علي
الأقل, وذلك بكتاب مسجل بعلم الوصول وفي جميع الأحوال يتعين أن يتضمن
الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب, والمدة الزمنية المحددة له.
المادة193 من قانون العمل' يحظر علي العمال الإضراب أو
إعلانه بواسطة منظماتهم النقابية بقصد تعديل اتفاقية العمل الجماعية أثناء
مدة سريانها, وكذلك خلال جميع مراحل وإجراءات الوساطة والتحكيم.
المادة194 يحظر الإضراب أو الدعوة إليه في المنشآت
الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب علي توقف العمل فيها الإخلال بالأمن
القومي أو بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين ويصدر قرار من رئيس
مجلس الوزراء بتحديد هذه المنشآت.
المادة195 يترتب علي الإضراب المشار إليه في المادة192 احتساب مدته إجازة للعامل بدون أجر.
2- أصدر رئيس الوزراء القرار رقم(1185 لسنة2003) وحدد
فيه المنشآت التي يحظر فيها الإضراب أو مجرد الدعوة إليه والتحريض عليه(
منشآت الأمن القومي والإنتاج الحربي, المستشفيات والمراكز الطبية
والصيدليات, المخابز, وسائل النقل الجماعي للركاب( بري وبحري
وجوي), وسائل نقل البضائع, منشآت الدفاع المدني, منشآت مياه الشرب
والكهرباء والغاز والصرف الصحي, منشآت الاتصالات, والمواني و المنائر
والمطارات, العاملون في المؤسسات التعليمية) ومن هذا القرار يتضح ما
يلي: أن رئيس الوزراء استخدم الرخصة التي منحها له القانون لتحديد
المنشآت الحيوية وتوسع فيها علي النحو السالف بيانه إلي درجة تصل إلي
المصادرة والمنع متجاوزا في ذلك حدود التنظيم وإهدار حق دستوري أصيل.
بعض الإضرابات و الاحتجاجات تدخل تحت مسمي عنوان كبير هو'
العصيان المدني', وهذا العصيان المدني يدخل تحت كلمة مهمة وهي'
المقاومة السلبية', فإذا كنت لا أستطيع أن أؤثر علي مراكز صنع القرار
مباشرة فأنا أقوم بإبداء رؤي ومواقف احتجاجية, هذه المواقف الاحتجاجية قد
تأخذ شكل الإضراب السلمي, وقد تأخذ شكل الإضرابات الجزئية أو المتسعة
وأشكالا أخري مثل التباطؤ في العمل وعدم المشاركة في أمور يقوم النظام
السياسي بالتعبئة فيها, وكل هذه الأمور تكون مقصودة من جانب الجماهير,
والمطلوب والمفترض أن تكون منظمة.
وهذه الأشكال من الاحتجاجات و الإضرابات تحدث حينما تنسد
القنوات السياسية, وحينما تنحرف هذه القنوات عن وظيفتها, وحينما لا
يقوم البرلمان بالرقابة وتعطل أجهزته التي تقوم علي عملية الرقابة,
وحينما تتعطل الأجهزة الرقابية داخل المجتمع.
وتختلف طبيعة الدعوة بحسب ثقافة المحتجين, فالعمال يدعون
للإضراب عن طريق الاتفاق مع زملائهم, سواء كان ذلك مناقشة شفوية أو عن
طريق منشورات توزع, و المدونون يستخدمون الانترنت في الدعوة إلي
الإضراب, وبعض المثقفين يستخدمون منظمات ينتمون إليها( المجتمع
المدني) وهناك الاحتجاج عن طريق إرسالs-m-s بالموبايل إلي مجموعة
مرتبطة بأفكار واحدة .
و الإضرابات العمالية: فالحركة العمالية في مصر لها سجل
حافل بصفحات نضالية ترجع الي تاريخ بعيد بقدم الدولة, ويعتبر إضراب لفافي
السجائر في ديسمبر1899 هو البداية الحقيقية للحركة العمالية في العصور
الحديثة, وقد استمد هذا الإضراب أهميته من استمراره لمدة تقارب الثلاثة
أشهر, وتأسيس أول تنظيم نقابي عمالي' رابطة لفافي السجائر' في
فبراير.1900 ثم إنفجر من بعده سيل الاحتجاجات العمالية بدءا من إضراب
عمال' الترام' بالقاهرة عام1908 وإضراب عمال السكة الحديد, ومن
الملاحظ إن هذين الاضرابين اندلعا بعد احتقان العمال من التمييز الملحوظ
بين العمال المصريين و العمال الأجانب, الشئ الذي أرساه الاستعمار
الإنجليزي علي مصر, و استمرت الاحتجاجات تسير في مصر بعد هذين
الإضرابين, وصاحب كل احتجاج تأسيس رابطة او نقابة عمالية, حتي وصلت
وتيرة الاحتجاجات الي أوجها مع اندلاع أحداث ثورة1919 التي لعب الدور
الأهم فيها التحركات العمالية والتي استمرت حتي بعد هدوء الأحداث, إلي ان
وصل عدد النقابات العمالية إلي90 نقابة عام1912 وظهر ساعتها أول اتحاد
عمالي في مصر, والذي حلته الحكومة في.1924
وقد شهدت الحركة العمالية محطات رئيسية في تاريخها, تلك
المحطات تميزت بأنها كانت نقطة تحول في مسار الحركة العمالية, ليس فقط
لقوة الاحتجاجات العمالية وكثرتها, ولكن لأن كل محطة من محطات الحركة
العمالية مثلت الدخول في مرحلة جديدة من مراحل الحركة, ونقلة في مسارها
سواء للإمام أو للخلف, للإمام مثلما كان إضراب عمال السجائر في
ديسمبر1899 بداية تشكل التنظيمات العمالية في شكلها الأولي, وللخلف
مثلما كان قمع إضراب عمال كفر الدوار في1952 بداية مرحلة الهدوء النسبي
للحركة العمالية, لسنوات طويلة.
وقد اعتمدت الحركة العمالية في احتجاجها لفترة طويلة علي
سلاح الاعتصام, وهو يعني بقاء العمال في مكان العمل بعد انتهاء ساعات
العمل, دون وقف الإنتاج, أو التأثير عليه, وهذه الطريقة في الاحتجاج
كانت الأبرز لفترة طويلة, خاصة في ظل علاقات العمل بالقطاع العام. كان
هذا تأثرا واضحا بالدعاية الرسمية ساعتها, والثقافية التي عممها
النظام, والتي كانت تروج لأن القطاع العام ملك الشعب, وأن زيادة
الإنتاج تحقق الرفاهية, وأن العمال شركاء في القطاع العام, وليسوا
أجراء. هذه الثقافة خلقت حاجزا بين العمال وبين أهم سلاح للاحتجاج يمكن
استخدامه في الحركة العمالية, وهو سلاح الإضراب, ومن المفارقات أنه
خلال العديد من الاعتصامات العمالية, التي قام بها العمال خلال
السبعينيات والثمانينيات, كانت معدلات الإنتاج ترتفع, كما حدث في
اعتصام الحديد والصلب في أغسطس1989 إذ ارتفعت معدلات الإنتاج بنسبة15%
خلال فترة الاعتصام. ساهم في سيادة آلية الاعتصام بدلا من الإضراب عن
العمل أيضا, التدخل السريع من جانب الدولة لإنهاء الاحتجاج, مما كان
يمنع تطوره, فاعتصام العمال في مكان العمل من شأنه أن يتطور إلي إضراب
بعد فترة, والانتهاء السريع يمنع هذا التطور, والملفت أن وقف عملية
الإنتاج كان يتم خلال الاحتجاجات العمالية من جانب الدولة, لا من جانب
العمال, سواء بقطع الكهرباء والماء والغاز عن مواقع الاعتصام, مثلما
حدث في الحديد والصلب في1989 وغزل كفر الدوار في1984 وفي1997 أو بمنح
العمال إجازة مدفوعة الأجر بعد إنهاء الاعتصام. لا يعني ذلك أن الحركة
العمالية لم تستخدم سلاح الإضراب, فقد كان هناك إضراب السكة الحديد
في1986 وإضراب هيئة النقل العام في1976 وإضرابات أخري أقل تأثيرا,
ولكن كان السائد هو الاعتصام. لقد شهدت الحركة العمالية, وفي الوحدات
الكبيرة خاصة, تحولا هاما نحو استخدام سلاح الإضراب, وليس فقط
الاعتصام, وربما كان هذا التحول قد بدأ منذ فترة, ولكن برز بشدة,
ابتداء من إضراب غزل المحلة في7 ديسمبر2006.
أهم ملامح الاحتجاجات الاقتصادية في مصر:
1- طول فترات الإضرابات نسبيا كان ظاهرة ملموسة في
الإضرابات الأخيرة, فسابقا لم يكن الاعتصام أو الإضراب العمالي يستمر سوي
ليوم واحد أو اثنين ثم ينتهي إما بتدخل الأمن وفضه بالقوة, أو تهدئة
العمال ببعض القرارات الهشة. أما الإضرابات الأخيرة فقد شهدت تغيرا واضحا
في أسلوب النظام لاستيعاب الاحتجاجات الاقتصادية. فإضراب المحلة الأول
استمر ثلاثة أيام وانتهي بتنفيذ مطالب العمال. و الإضرابات التي تلت
استمرت لأيام وأسابيع أيضا. فطول مدة الإضراب خلق أمرين هامين:.
الأول, هو توسع تأثير الإضراب وأصدائه الإعلامية والذي
كان غير متوفر في مدد الإضرابات القصيرة والتي ما أن تعلم بها وسائل
الإعلام والقوي المهتمة بالحركة العمالية حتي تكون قد انتهت.
الثاني, والأهم هو أن طول مدة الإضراب تخلق تنظيما داخليا
للحياة العمالية في الإضراب, فوجود آلاف العمال في نفس المكان لأيام
متتالية يفرض توفير آليات للإعاشة وتنظيم الحياة الداخلية وتقسيما واسع
النطاق للعمل بينهم, مثل التفاوض, حماية المنشأة, توفير الطعام,
التناوب علي التواجد في الإضراب... مما أدي إلي تطور الإمكانيات
التنظيمية للحركة العمالية سريعا كلما زادت مدة الإضراب.
2- إن من أهم الخصائص التي ميزت الاحتجاجات العمالية
الأخيرة في مصر والتي تجعلنا نعتبرها بداية لمرحلة جديدة, ميز هذه الموجة
عن سابقتها, حيث إن انتهاء اغلبها تم بطريقة سلمية من دون أي حسم عنيف
من قبل السلطة, هذا بالإضافة إلي الاستجابة إلي أغلب المطالب التي رفعها
المحتجون, الأمر الذي زاد من ثقة العمال في الحركة. فالعنف الشديد الذي
استخدمته الدولة ضد احتجاجات العمال طوال الثمانينات شكل رادعا أمام
الحركة العمالية لفترة طويلة. وتراجع الدولة عن استخدام العنف ضد العمال
أزال الكثير من المخاوف التي أحاطت بحق الإضراب.
3- خلال شهر يوليو2008 قررت الدولة إعادة النظر في الحد
الأدني للأجور المعمول به في مصر الذي لم يعاد النظر به منذ ربع قرن
ليتماشي مع الأسعار الجارية. ورغم أن المقترحات المقدمة الآن لم ترق
لتلبية احتياجات العمال إلا أن مجرد فتح موضوع الحد الأدني للأجور والنظر
في رفعه هو من أهم نتائج الحركة العمالية.
4- استطاعت الحركة العمالية في مصر أن تعيد الطبقة
العاملة إلي اكتشاف نفسها وإمكانياتها وتطورها وتضع نفسها كمعطي رئيسي علي
خريطة الأزمة السياسية في مصر ويبقي علي المناضلين الثوريين مهمة التفاعل
الخلاق مع الحركة العمالية والتعلم منها والبناء من خلالها.
5- إن عمليات إعادة الهيكلة و الخصخصة التي ضربت الأوضاع
العمالية المستقرة في مصر أزالت معها الكثير من الأوهام التي سيطرت علي
الحركة العمالية علي مدي عقود واتخذت هذه الحركة طريقة الإضراب للمطالبة
بحقوقها وليس الاعتصام, وهو ما يعني استخدام العمال للضغط الاقتصادي
وموقعهم من علاقات الإنتاج, مما يفتح إمكانية أكبر لاكتشاف الطبقة
العاملة لنفسها وثقلها الاقتصادي والسياسي. و استبدال الطبقة العاملة
سلاح الاعتصام بسلاح الإضراب في الاحتجاج خطوة كبيرة في وعي الطبقة العاملة
الجماعي.
فعلي مدي ستة أشهر بلغ عدد العمال الذين أضربوا عن العمل
ورفعوا مطالب واستطاعوا تنفيذ أغلبها أكثر من200 ألف عامل وهو رقم هائل
في بلد يحكمه قانون الطوارئ منذ أكثر من ربع قرن, ويقيد قانون العمل فيه
حق الإضراب ويفرض علي العمال تنظيما نقابيا واحدا مواليا لحد كبير
للدولة.
6- إن المطالب العمالية التي رفعها العمال لم تختلف عن
سابقاتها. فهي ارتبطت أغلبها بالأجور المتغيرة وظروف العمل وعواقب سياسات
الخصخصة. ولكن النتائج التي تحققت حملت أفقا أوسع للحركة العمالية.
فبعد إضراب غزل المحلة وغزل كفر الدوار مثلا قررت الدولة تخصيص حصة من
حصيلة بيع بنك الإسكندرية لإسقاط ديون شركات الغزل والنسيج وتحسين شروط
العاملين بها, وهي المرة الأولي التي تتوجه بها حصة من حصيلة الخصخصة
لمصلحة اجتماعية.
واللافت للنظر في هذا الإطار هو العلاقة بين الدولة
والنقابات العمالية, حيث أن تلك الاحتجاجات و الإضرابات العمالية جاءت
متجاوزة التنظيم النقابي وخارج إطاره وبالتالي فإن سمته الاندماجية
والاستيعاب الذي يميز العلاقة بين الدولة والنقابة العمالية لا يمكن أن
تنسحب علي الحركة العمالية ككل التي عبرت عن آرائها المخالفة لآراء
تنظيماتها النقابية بما يعني فشل الأخيرة في تحقيق مهمتها من حيث التعبير
عن مصالح العمال, وبوصفها قناة تتوسط العلاقة بين العمال والدولة
وبالتالي فإن التوتر هو الغالب في علاقة الدولة بالقواعد العمالية الأكثر
إرتباطا بنتائج السياسات الاقتصادية المتمثلة في إزدياد حدة الفقر وإرتفاع
مستوي البطالة ونسب تسريح العمال.
و شهدت مصر خلال الفترة الأخيرة موجة من حركات المعارضة
الجديدة, التي دخلت ميدان السياسة بشكل مباشر دون الحصول علي الرخصة
القانونية لخوض غمار الحياة السياسية, وفي الوقت الذي استطاعت فيه بعض
هذه الحركات أن تحفر لنفسها مكانا بارزا في قلب المسرح السياسي, فإن
البعض الأخر اكتفي بالمعارضة الإلكترونية, أي من خلال ممارسة نشاطه عبر
شبكة الإنترنت.
تبنت هذه الحركات أشكالا غير معهودة للتحرك السياسي,
ومنها المظاهرات في الشارع كآلية أساسية للعمل السياسي, حيث نجحت هذه
الحركات في انتزاع حقها المكفول لها دستوريا في التظاهر السلمي, وذلك علي
الرغم من تعرضها أحيانا لمضايقات من قبل قوات الأمن في بعض المظاهرات التي
تم تنظيمها, وبالإضافة إلي ذلك فقد لجأت هذه الحركات إلي الاعتماد علي
ما وفرته التكنولوجيا الحديثة من وسائل اتصالات هائلة وغير مسبوقة.
بقلم : رمضان الغندور