روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    بحث في سلطة عمل اللوائح

    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    بحث في سلطة عمل اللوائح Empty بحث في سلطة عمل اللوائح

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الإثنين سبتمبر 28, 2009 3:56 am

    مجلة المحاماة - العدد الثامن والتاسع والعاشر
    السنة الثانية والعشرون1942
    بحث في سلطة عمل اللوائح
    للدكتور السيد صبري الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة فاروق الأول

    مقدمة:
    قبل أن نبدأ البحث في سلطة عمل اللوائح يبدو من الضروري أن نمهد له بهذه المقدمة التي تشتمل على أمرين:
    الأول: مقارنة اللائحة بالقانون.
    الثاني: بيان أنواع اللوائح المختلفة.
    ( أ ) اللائحة والقانون:
    اللائحة بحسب تعريف يكاد الإجماع ينعقد عليه هي (قرار بقاعدة عامة تصدر من عضو أو هيئة غير الهيئة التشريعية في البلاد) [(1)].
    ولما كان القانون هو قاعدة عامة تطبق على الجميع وصادرة من السلطة التشريعية فاللائحة لا تختلف عنه من حيث الموضوع لأن كلاً منهما يملي قاعدة عامة تطبق على جميع السكان، ومع أن اللائحة هي كالقانون من هذه الناحية إلا أنها تختلف عنه ويبدو هذا الاختلاف في النواحي الآتية:
    أولاً: اللائحة تختلف عن القانون من حيث الشكل فاللائحة تصدر من السلطة التنفيذية أو عضو إداري تابع لها وهي تصدر في شكل مرسوم أو قرار (قرار مجلس وزراء، قرار وزاري، قرار مدير، قرار مجلس مديرية، قرار مجلس بلدي) أما القانون فيصدر من السلطة التشريعية أي بعد إقرار البرلمان وتصديق الملك.
    ثانيًا: وإن كانت اللائحة تشبه القانون من حيث إنها تملي قاعدة عامة إلا أنها ليست متساوية معه في القوة فالقانون من عنصر أقوى لأنه ينشئ القواعد التي تسري على السلطات الحكومية نفسها وتهيمن على سلطة عمل اللوائح، أما اللائحة فخاضعة للقانون الذي يستطيع أن يلغيها دون قيد أو شرط كما لا تسري على السلطات الإدارية رغمًا عنها فهي التي أنشأتها وهي في حل من تغييرها أو تعديلها.
    ثالثًا: ما دامت اللائحة خاضعة للقانون فهي لاحقة له ولا تصدر إلا في الشكل الذي يحدده لها وهي لا يمكن أن تكون مخالفة له بأي حال ولا أن تخرج عن الموضوع الذي شرعه لها.
    رابعًا: بما أن اللائحة خاضعة للقانون ولا يمكن أن تتعارض معه فهي كذلك خاضعة لرقابة السلطة القضائية فإذا لم تكن متفقة معه بأن خالفته أو خرجت عن حدوده حكمت المحاكم ببطلانها.
    (ب) أنواع اللوائح:
    تنقسم اللوائح إلى أربعة أنواع:
    الأول: اللوائح التنفيذية règlements en execution des lois وقد نص عليها الدستور المصري في المادة (37) (الملك يضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها).
    الثاني: اللوائح المستقلة أو القائمة بذاتها règlements autonomes وقد نصت عليها المادة (44) من الدستور (الملك ينظم المصالح العامة).
    الثالث: اللوائح ذات الصبغة التشريعية أو لوائح الضرورة règlements de nècessitè وقد نصت عليها المادة (41) من الدستور (إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون بشرط أن لا تكون مخالفة للدستور وتجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي وعرض هذه المراسيم في أول اجتماع له فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون).
    الرابع: اللوائح التفويضية regsur délégation législatives وهي لوائح تصدرها السلطة التنفيذية في شكل مراسيم بقوانين لا بناءً على المادة (41) سالفة الذكر بل بناءً على تفويض صادر لها من البرلمان في حدود معينة.
    وسنتناول فيما يلي شرح كل نوع من أنواع هذه اللوائح ما عدا اللوائح التشريعية التي تصدر طبقًا للمادة (41) من الدستور إذ لها حكمًا خاصًا سنفرد له بحثًا قائمًا بذاته في فرصة أخرى.
    المبحث الأول: اللوائح التنفيذية
    أولاً: أساسها الدستوري ومداها:
    اللوائح التنفيذية وهي النوع الأول من أنواع اللوائح هي من اختصاص الملك في مصر باعتباره رئيسًا للسلطة التنفيذية وقد ذكرنا أنها مستمدة من المادة (37) من الدستور التي تنص (الملك يضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها).
    1 - مصدر هذه السلطة: اقتبس المشرع المصري المادة (37) المذكورة من المادة (67) من الدستور البلجيكي التي تنص على أن الملك يضع اللوائح والقرارات الضرورية لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها
    (Le Roi fait les règlements et arrêtés necessaires pour l’exécution des lois, sans pouvoirs Jamais ni suspendre les lois elles - même, ni dispenser de leur execution).
    ويقول الشراح أن الدستور البلجيكي أخذ هذا المبدأ من دستوري فرنسا الصادرين في السنة الثالثة والسنة الثامنة إذ نصت المادة (144) من دستور السنة الثالثة على أن (الحكومة لها أن تصدر تنبيهات proclamations مطابقة للقانون وبقصد تنفيذه)، كما نصت المادة (44) من دستور السنة الثامنة على أنه (ليس للسلطة التنفيذية أن تضع أي قانون ولكن لها أن تصدر تنبيهات متفقة مع القانون وبقصد تنفيذه [(2)].
    ومع ذلك فقد لاحظ الشراح أن هناك اختلافًا واضحًا بين حق إصدار التنبيهات الواردة ذكره في هذين الدستورين وبين حق إصدار اللوائح التنفيذية التي هي عبارة عن قواعد عامة كالقانون تمامًا لأنه حتى مع التسليم بأن هذه اللوائح لا تخرج عن حدود القانون فإنها كثيرًا ما تتمه.
    على أن دساتير الثورة الفرنسية وإن لم تعطِ رئيس الجمهورية حق إصدار اللوائح التنفيذية على الوضع الذي جاءت عليه الدساتير الحديثة فإن الضرورات العملية هي التي أعطته ذلك الحق الذي أصبح مسلمًا به لدى الفقهاء جميعًا رغم أن الدستور الفرنسي الحالي لم ينص عليه صراحةً كذلك إذا اكتفت المادة الثالثة منه على القول بأن رئيس الجمهورية يراقب القوانين ويسهر على تنفيذها.
    (Le President de la Republique surveille et assure l’exécution des lois).
    2 - تعليل هذه السلطة ومداها:
    ( أ ) يرى رجال الفقه أن سلطة إصدار اللوائح التنفيذية تدخل بطبيعتها في الاختصاص التنفيذي لأن السلطة التنفيذية هي المكلفة بتنفيذ القانون، وفي فرنسا رغم عدم صراحة المادة الثالثة من الدستور سالفة الذكر يذهب أغلب الفقهاء إلى أنها الأساس الدستوري لسلطة رئيس الدولة في إصدار اللوائح التنفيذية لأن السهر على تنفيذ القوانين الذي نصت عليه هذه المادة يقتضي إصدار اللوائح التنفيذية بلا جدال.
    بل لقد ذهب رجال الفقه إلى أن للسلطة التنفيذية أن تصدر لوائح متممة للقوانين نفسها طالما أن المقصود من هذه اللوائح هو تنظيم تفاصيل القوانين العديدة المتشعبة التي لا يمكن أن يتضمنها القانون نفسه لكثرتها، على أنه يشترط في هذه اللوائح التكميلية أن لا تخرج عن حدود القانون الأصلية [(3)].
    ويرى أزمان أن في عمل اللوائح المتممة للقوانين على هذا الوضع تخليصًا للنصوص القانونية من التفاصيل الصغيرة التي لا يفيد وجودها في تلك النصوص؛ كما أن تركها للسلطة التنفيذية هو أكثر انطباقًا على مبدأ فصل السلطات لأنها السلطة الأكثر اختصاصًا وهي بمركزها أقدر على هذا التنظيم، وزيادة على ذلك فإنه يكاد يكون من المستحيل أن ينظم المشرع كل تفاصيل القانون المعقدة الكثيرة التشعب، وقد أصبح هذا الرأي الفقهي معمولاً به في جميع البلاد الديمقراطية:
    ففي فرنسا أصبح من المسلم به أن على الحكومة - دون أن يدعوها البرلمان - القيام بإصدار اللوائح المنفذة والمكملة للقانون حتى يسهل تطبيقه على النحو الذي أراده المشرع.
    وفي الولايات المتحدة وإنجلترا حيث يحتفظ البرلمان بحقه الكامل في وضع القوانين تقوم السلطة التنفيذية بإصدار هذه اللوائح [(4)].
    وعلى ذلك يجب تفسير المادة (37) من الدستور المصري على الوضع السالف الذكر أي أن من حق السلطة التنفيذية إصدار اللوائح المنفذة والمكملة للقوانين، وقد جرى العمل على ذلك فعلاً فلا يكاد يصدر قانون من البرلمان إلا ويصدر الوزير المختص لائحته التنفيذية، ومن أمثلة اللوائح التنفيذية اللائحة الصادرة في 13 مايو سنة 1939 من وزير المالية تنفيذًا لقانون الدمغة الصادر في 11 مايو سنة 1939.
    (ب) على أن السلطة التنفيذية وإن كانت تملك إصدار لوائح متممة للقوانين فإنها لا تملك أن تضيف قواعد خارجة أو مخالفة لغرض المشرع عن طريق هذه اللوائح لأن ذلك يكون خروجًا عن حدود السلطة التنفيذية ويعتبر تشريعًا لا شك فيه أو بعبارة أخرى تعد على سلطة البرلمان لا يتفق والمبادئ الدستورية ويكون على المحاكم واجب اعتبار هذه اللوائح باطلة والامتناع عن تطبيقها.
    والمحاكم المصرية متفقة لحسن الحظ على حقها في رقابة اللوائح وبذلك تمشت مع محاكم البلاد الأخرى التي يقوم نظام الحكم فيها على مبدأ فصل السلطات.
    ومن الأمثلة على ذلك ما حكمت به محكمة مصر الكلية في 22 فبراير سنة 1934 إذ رفضت تطبيق المادة العاشرة من لائحة التنظيم الصادرة في 8 سبتمبر سنة 1889 تنفيذًا لقانون التنظيم الصادر في 26 أغسطس من السنة نفسها لأن هذه اللائحة قد تجاوزت السلطة التي منحتها المادة (19) من هذا القانون لوزير الأشغال في إصدار اللائحة التنفيذية، والواقع أن المادة الأولى من قانون التنظيم نصت على منع البناء أو الترميم أو الهدم إلخ على جانبي الطريق العام في البلاد التي بها مصلحة تنظيم إلا بعد الحصول على رخصة من المصلحة المذكورة، كما نصت المادة الحادية عشرة على أن القيام بهذه الأعمال خارج خط التنظيم معاقب عليه بالغرامة فضلاً عن الإزالة، ولكن المادة العاشرة من اللائحة التنفيذية سالفة الذكر نصت على أنه لا يجوز للملاك إقامة أي بناء على أراضيهم المزمع إدخالها في حدود طرق لم تنشأ بعد ولكن مزمع إنشائها وذلك بمجرد صدور اعتماد خط تنظيم هذه الطرق المزمع إنشائها.
    وواضح أن القيد الواردة بالمادة الأولى من قانون التنظيم إنما هو خاص فقط بالطرق القائمة فعلاً بينما أضافت المادة العاشرة من اللائحة التنفيذية الطرق المزمع إنشائها التي لا وجود لها إلا على أوراق مصلحة التنظيم وبذلك تكون اللائحة التنفيذية قد أوجدت حالة جديدة لم ينص عليها القانون أو بعبارة أخرى تكون قد خرجت من القانون، لذلك كانت المحكمة على حق عند ما رفضت تطبيق المادة العاشرة من اللائحة لخروجها عن المادة الأولى من القانون وعن المادة (19) منه التي أجازت للوزير عمل لائحة تنفيذية لا إضافة قواعد جديدة [(5)].
    كذلك حكمت محكمة النقض في 6 يناير سنة 1936 بأن قرار وزير العدل الصادر في 16 فبراير سنة 1924 تنفيذًا لقانون التشرد الصادر في 29 يونيه سنة 1923 باطل لخروجه عن القواعد العامة الخاصة بالتنفيذ إذ نص ذلك القرار على أن المعارضة في إنذار التشرد الذي يسلمه البوليس للمشتبه فيه لا يوقف سريان مدة العشرين يومًا التي نص عليها القانون كمهلة لتمكين الشخص المشتبه فيه من تغيير أحوال معيشته، واللائحة بهذا النص قد خرجت عن القواعد العامة للتنفيذ التي تجعل المعارضة توقف التنفيذ، هذا إلى أن قانون التشرد نفسه لم ينص على الخروج عن هذه القواعد ولم يخول لوزير العدل إضافة أحكام جديدة [(6)].
    يتضح من كل ما تقدم أن سلطة إصدار اللوائح التنفيذية مستمدة من المادة (37) من الدستور وأن هذه اللوائح تصدر في حدود القانون المنفذة له ويصح أن تتمم هذه اللوائح ذاك القانون بشرط أن لا تخرج عن حدوده فإذا تعدت تلك الحدود أمكن الطعن فيها فإذا ثبت ذلك للمحكمة امتنعت عن تطبيقها لبطلانها.
    وقد جرى العمل على أن تعين القوانين الوزير أو الوزراء المختصين بإصدار اللوائح المنفذة لها، ولذلك تصدر هذه اللوائح دائمًا مدبجة بالعبارة الآتية (وزير…. بعد الاطلاع على المادة…… من القانون رقم……. قرر ما هو آتٍ………..).
    على أنه يجب العلم أن سلطة إصدار اللوائح التنفيذية لا تستمد قانونيتها من هذه النصوص الواردة بالقوانين بل من المادة (37) من الدستور، فإذا أغفل القانون ذكر الوزير أو الوزراء المختصين بالتنفيذ فإن ذلك لا يؤثر مطلقًا على حق السلطة التنفيذية في إصدار لائحة القانون التنفيذية لأن حقها مستمد من الدستور لا من القانون الصادر من البرلمان.
    ويتضح من ذلك أن تعيين القانون للوزير المختص بإصدار اللائحة التنفيذية لا يعتبر تفويضًا من البرلمان للسلطة التنفيذية إنما هو دعوة لهذه السلطة باستعمال حقها الذي تملكه بمقتضى المادة (37) من الدستور، وعلى ذلك لا يصح اعتبار أي لائحة صادرة بناءً على دعوة كهذه أنها لائحة تفويضية وبالتالي جزءًا من التشريع نفسه بل تظل لائحة تنفيذية في حدود القانون نفسه ومن اختصاص السلطة التنفيذية بحسب مبدأ فصل السلطات.
    وعلى ذلك تكون محكمة مصر الكلية قد أخطأت - كما أوضح ذلك الدكتور وحيد رأفت [(7)] في حكمها الصادر في 30 مارس سنة 1933 عندما اعتبرت لائحة الجبانات الصادرة في 24 مارس سنة 1926 تنفيذًا لقانون الجبانات الصادر في 6 مارس سنة 1922 لائحة تشريعية صادرة عن تفويض من البرلمان وأنها بذلك تكتسب قوة التشريع، ولا داعي لتكرار ما سبق ذكره من أن مثل هذه اللوائح هي لوائح تنفيذية من اختصاص السلطة التنفيذية ولا يمكن أن يكون لها صفة التشريع ويجب على المحاكم أن ترفض تطبيق ما اشتملت عليه من القواعد المخالفة للقانون ذاته أو الخارجة عن حدوده.
    أما اللوائح التي تصدر بناءً على تفويض صادر من البرلمان فهي النوع الرابع من اللوائح أي اللوائح التفويضية وسنتكلم عليه فيما بعد.
    ثانيًا: الهيئات التي تملك إصدار اللوائح التنفيذية:
    ( أ ) الهيئات المركزية:

    رأينا أن اللوائح التنفيذية يصدرها رئيس الدولة لأنها من حقه طبقًا للمادة (37) من الدستور أي أنها تصدر في شكل مراسيم ما لم ينص القانون نفسه على الوزير المختص الذي يملك هذا الحق إذ في هذه الحالة تصدر اللائحة في شكل قرار وزاري، على أنه إذا لم ينص القانون على الوزير أو الوزراء المختصين بإصدار اللائحة التنفيذية فإننا نرى أنه لا بد من صدورها في شكل مرسوم طبقًا لنص المادة (37) سالفة الذكر أي لا بد من تذييلها بإمضاء رئيس الدولة لتكون صحيحة من الناحية القانونية.
    ويرى الدكتور وحيد رأفت - وهو الذي يرجع إليه الفضل الأكبر في دراسة القانون الإداري في مصر على الوجه الحديث - أن العمل ما زال جاريًا على خلاف ذلك وأن الوزراء يصدرون لوائح تنفيذية وتكميلية من تلقاء أنفسهم وأورد عدة أمثلة لذلك منها قرار وزير الداخلية الصادر في 31 مايو سنة 1931 الخاص بالأسبلة والأحواض والحنفيات….، وقرار وزير الصحة الصادر في 12 ديسمبر سنة 1937 بشأن حظر جمع فضلات التمباك وأعقاب السجاير وقراره الصادر في 25 أكتوبر سنة 1924 الخاص باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد نقل بعض الحيوانات والموبوءة [(8)].
    ولكن يبدو لنا أن الواقع لا يؤيد ذلك فالوزراء لم يصدروا لوائح تنفيذية أو تكميلية إلا في الأحوال التي أباح لهم القانون نفسه ذلك، أما الأمثلة المذكورة فبعضها خاص باللوائح المستقلة كالمثلين الأولين أما المثال الأخير فهو فعلاً للائحة تنفيذية ولكنها صادرة في حدود الأمر العالي الصادر في أول فبراير سنة 1883، والمعدل بقوانين أخرى وقد أعطى الوزير هذا الاختصاص.
    وقد سرى هذا الالتباس في حكم أصدرته محكمة الإسكندرية الكلية بتاريخ 28 إبريل سنة 1932 خاصًا بقرار وزير الزراعة الصادر في 2 يناير سنة 1928 بتعديل لائحة السلخانات السابق صدورها في سنة 1893، وقد حكمت المحكمة بأن الوزير لم تعدله سلطة إصدار مثل هذه اللوائح بعد صدور الدستور إذ انتقل هذا الحق الذي كان للوزراء قبل صدور الدستور إلى الملك بنص المادة (37) من الدستور.
    وعلى ذلك أصبح من المحتم صدور مثل هذه اللوائح في شكل مراسيم وبذلك يكون القرار الوزاري الصادر في 2 يناير سنة 1928 والمعدل للائحة السلخانات جاء مخالفًا للنظام الأساسي للدولة المصرية وقد تجاوز الوزير في إصداره سلطته الإدارية وأنه لهذا وقع باطلاً قانونًا ويجب على المحكمة عدم تطبيقه (انظر بهذا المعنى أيضًا الدكتور متولي القانون الإداري صـ 139 وما بعدها) [(9)].
    ولا شك أن المحكمة أخطأت في هذا التخريج إذ خلطت بين اللائحة التنفيذية واللائحة القائمة بذاتها فلائحة السلخانات الصادرة في 2 يناير سنة 1928 هي لائحة قائمة بذاتها، وعلى ذلك لا تنطبق عليها المادة (37) من الدستور الخاصة باللوائح التنفيذية، إن اللائحة المذكورة صدرت معدلة للائحة السلخانات الصادرة عام 1893 وللقرارات اللاحقة بها فهي لائحة صادرة بتعديل لائحة صادرة لتنفيذ قانون ولائحة السلخانات الصادرة عام 1893 هي لائحة قائمة بذاتها أيضًا أي لا تتصل بأي قانون، وعلى ذلك تكون اللائحة التي رفضت المحكمة تطبيقها هي لائحة قائمة بذاتها أي لائحة مستقلة لا يسري عليها حكم المادة (37) من الدستور.
    حقيقة من رأينا أن تصدر هذه اللوائح المستقلة في شكل مراسيم ولكن لأنها تقع تحت حكم المادة (37) من الدستور بل لأسباب أخرى سنذكرها عند بحث اللوائح المستقلة.
    (ب) الهيئات المحلية:
    ولكن بجانب الهيئات الإدارية المركزية التي لها حق إصدار لوائح تنفيذية على الوضع السالف الذكر توجد هيئات إدارية محلية كالمحافظين والمديرين والعمد والمجالس البلدية والمحلية ومجالس المديريات، ولا شك في أن لبعض هذه الهيئات سلطة إصدار لوائح جاء ذكرها في المادة (395) من قانون العقوبات التي نصت (كل من خالف أحكام اللوائح العمومية أو المحلية الصادرة من جهات الإدارة العمومية أو البلدية أو المحلية يجازى بالعقوبات المقررة في تلك اللوائح……).
    فهل لهذه الهيئات الإدارية المحلية حق إصدار لوائح تنفيذية ؟ لم يتعرض رجال القانون العام في مصر لهذا البحث بالوضوح الكافي وإن كان يبدو لنا أن الدكتور وحيد رأفت يجيز لبعض هذه الهيئات المديرون والمحافظون ومجلس بلدي الإسكندرية إصدار اللوائح بصفة عامة مما قد يدعو للاعتقاد بأنه يجيز لها ضمنًا إصدار لوائح تنفيذية [(10)].
    ونحن لا نشك مطلقًا في أن هذه الهيئات المحلية ليس لها أي حق في هذه اللوائح لأن القوانين هي قواعد عامة تطبق على جميع السكان واللوائح المنفذة لها يجب أن تكون لها بطبيعة الحال هذه الصفة العامة لاتصالها بتلك القوانين، وعلى ذلك لا بد من صدور لوائح التنفيذ من الحكومة المركزية على الوضع السالف الشرح.
    ومما يؤيد رأينا ما جرى عليه العمل فعلاً من حصر مهمة المحافظين والمديرين على تطبيق اللوائح التنفيذية الصادرة من الحكومة المركزية والملحقة بالقوانين كما هي دون إضافة فإذا ما بدت لهم عقبات أو كانت لهم ملاحظات فعليهم إبداؤها للحكومة المركزية التي لها وحدها تعديل هذه اللوائح العامة إذا رأت ذلك.
    وزيادة على ذلك فليس من المقبول أن يقوم كل محافظ أو مدير بوضع لائحة تنفيذية لقانون صادر من البرلمان لأن معنى ذلك اختلاف طرق التنفيذ باختلاف المحافظات والمديريات الأمر الذي يتنافى مع صفة القانون العامة الموحدة، لذلك لا نجد قانونًا ينفذ إلا ومعه لائحته التنفيذية الصادرة من الحكومة المركزية لتطبق على جميع السكان كالقانون نفسه لا سيما وقد رأينا أن اللائحة كثيرًا ما تشتمل على تفاصيل متممة للقانون وبداهة أنه لا يمكن ترك مثل هذه التفاصيل لتنظيمها بواسطة الهيئات الإدارية المحلية.
    أما مجلس بلدي الإسكندرية فلا أدل على أنه لا يملك سلطة إصدار اللوائح التنفيذية من الرجوع إلى المادة (33) من الأمر العالي الصادر بإنشائه التي تنص (لا يجوز للقومسيون البلدي أن يتداول في القوانين أو الأوامر العالية أو اللوائح أو الإجراءات المقررة بالقوانين أو الأوامر أو اللوائح وكذلك الإجراءات الصادر بشأنها قرارات وزارية يجب تنفيذها بتمامها كما هي).
    وهذه المادة قاطعة في أن اللوائح التنفيذية خارجة عن اختصاص المجلس البلدي كما أنها تلزم البلدية بتطبيق القوانين واللوائح التنفيذية المركزية كما هي دون إضافة أو نقص.
    وهذه المادة بنفسها فيها الدليل على صحة ما قلناه بالنسبة للمديرين والمحافظين لأنها تدل على حرص الحكومة المركزية على الاحتفاظ لنفسها بحق إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين فليس لأي هيئة محلية أن تضيف أو تنقص منها بل تنحصر وظيفتها في تنفيذها كما هي.
    أما ما جاء بالمادة (395) من قانون العقوبات وغيره من القوانين عن اللوائح المحلية فهو خاص بلوائح البوليس كما سترى في المبحث التالي.
    والخلاصة من كان ما تقدم أن اللوائح التنفيذية توضع لتنفيذ القانون وتكميله بما لا يخرج عن حدوده وهي من اختصاص الملك باعتباره رئيس السلطة التنفيذية فلا بد من صدورها في شكل مراسيم ما لم ينص القانون على الوزير أو الوزراء المختصين بالتنفيذ إذ في هذه الحالة فقط يصح أن تصدر في شكل قرارات وزارية، هذا واللوائح التنفيذية هي لوائح عامة لا تصدر إلا من الحكومة المركزية فلا توجد أي هيئة محلية لها حق إصدارها.
    المبحث الثاني: اللوائح المستقلة أو القائمة بذاتها
    اللوائح المستقلة هي لوائح لا تتصل بأي قانون قائم، لذلك سميت باللوائح القائمة بذاتها أو المستقلة.
    وينقسم هذا النوع من اللوائح إلى قسمين:
    الأول: لوائح المصالح العامة règlements de services publics
    الثاني: لوائح البوليس règlements de police
    1 - لوائح المصالح العامة:
    هذه اللوائح منصوص عنها في المادة (44) من الدستور (الملك يرتب المصالح العامة…)، فترتيب المصالح العامة هو اختصاص تنفيذي أعطاه الدستور لرئيس الدولة باعتباره رئيسًا للسلطة التنفيذية ونحن لا نتعرض هنا لدراسة هذا الاختصاص إذ قلما يهم المشتغلين بالقانون من الناحية العملية.
    2 - لوائح البوليس:
    1 - تعريفها: لائحة البوليس هي نص عام يحد من الحريات الفردية بقصد حفظ الأمن والصحة السكينة la sécurité, la tranquilété et la salabrité publique [(11)] فالغرض إذن من لوائح البوليس هو المحافظة على أمن وصحة الجمهور كاللوائح التي تصدر بتنظيم سير السيارات أو مراقبة الأغذية.
    وجميع هذه اللوائح تضع قواعد عامة تطبق على جميع السكان وتحد من الحريات العامة فهي قوانين من حيث الموضوع وإن لم تكن قوانين من حيث الشكل لصدورها عن طريق السلطة التنفيذية في شكل مراسيم بدلاً عن طريق البرلمان في شكل قوانين.
    2 - أساسها الدستوري:
    ( أ ) في فرنسا: اختلف رجال الفقه الفرنسي في الأساس الدستوري للوائح البوليس فأقرها البعض بينما اعتبرها البعض الآخر مخالفة للقواعد الدستورية فيري هوريو [(12)] أن هذه اللوائح من واجبات السلطة التنفيذية لأن الغرض منها حفظ الأمن والنظام وحق إصدار اللوائح ليس قاصرًا على اللوائح التنفيذية بل يتضمن بلا شك لوائح البوليس.
    كذلك يرى مورو [(13)] أن رئيس السلطة التنفيذية يملك بجانب سلطة إصدار اللوائح التنفيذية سلطة إصدار لوائح قائمة بذاتها وليس هذا الحق مستمدًا من القانون بل من وظيفة الحكومة ما دام عبء حفظ النظام يقع على عاتقها.
    أما العلامة دوجي فيرى أن لوائح البوليس لا تستند إلى أي نص من نصوص الدستور لأنها مستقلة ولا تتصل بأي قانون لتنفيذه أو تكميله وهو يعرف لوائح البوليس بأنها قواعد إجبارية - كالقانون تمامًا - تطبق في جميع البلاد، ولكن بالرغم من عموميتها وعدم ارتكازها على أساس دستوري فإنها لم تبعث على الشكوى وأعطى العميد دوجي أمثلة لهذه اللوائح منها المرسوم الصادر في 2 أكتوبر سنة 1988 الخاص بإقامة الجانب في فرنسا والمرسوم الصادر في 31 ديسمبر سنة 1922 الخاص بالقواعد العامة لنظام الطرق code de la route والمرسوم الصادر في 24 مارس سنة 1914 الخاص بتنظيم الملاحة الداخلية وما شابه ذلك من المراسيم العديدة [(14)].
    ولا شك في أن جميع هذه المراسيم لم تصدر تنفيذًا لقوانين سابقة فهي لا تتصل بأي قانون إذ لم يقر البرلمان أي تشريع خاص بهذه المسائل.
    وقد قام العميد دوجي ببحث سلطة إصدار لوائح البوليس على ضوء التطورات التاريخية من بدء ظهور الدساتير الفرنسية المختلفة وانتهى إلى أن أساس هذه اللوائح هو العادة والعرف إذ التجأت الحكومة رويدًا رويدًا إلى إصدار هذه اللوائح تحت ضغط الضرورات العملية وعلى ذلك يكون أساسها القانوني هو قاعدة دستورية نشأت وتدرجت ببطء خلال القرن التاسع عشر [(15)].
    ولكن بينما يبرز هؤلاء الفقهاء لوائح البوليس التي تصدرها السلطة التنفيذية بأسباب مختلفة يرى البعض - ونخص منهم بالذكر العلامة كاريه دي مليبرج - أنه ليس لرئيس الدولة حق إصدار مثل هذه اللوائح لأن الدستور الفرنسي لم ينص على مثل هذا الحق، وعلى ذلك فلوائح البوليس هي مخالفة لقواعد الدستور ولا يصح للسلطة التنفيذية إصدارها ما لم يكن صدورها متصلاً بقوانين سبق أن أقرها البرلمان [(16)].
    (ب) في بلجيكا: رأينا أن الدستور البلجيكي نص في المادة (76) على حق رئيس الدولة في إصدار اللوائح التنفيذية وإن هذه المادة هي الأساس الذي أخذ منه المشرع المصري المادة (37) من الدستور.
    ولكن الدستور البلجيكي - كالدستور الفرنسي - لم ينص على حق السلطة التنفيذية في إصدار لوائح مستقلة خاصة بتنظيم مسائل البوليس، وعلى ذلك يرى رجال الفقه في بلجيكا أن ليس لرئيس الدولة حق إصدار لوائح البوليس وأن اختصاصه قاصر على إصدار اللوائح التنفيذية ومن ثم تكون لوائح البوليس التي تصدرها السلطة التنفيذية في بلجيكا ليس لها أي أساس دستوري بل هي باطلة ولا يجوز للمحاكم تطبيقها [(17)].
    على أن محكمة النقض البلجيكية أصدرت في 16 يناير سنة 1922 حكمًا مخالفًا لرأي الفقه إذ اعترفت بحق رئيس السلطة التنفيذية في إصدار لوائح البوليس الضرورية لحفظ الأمن والصحة والسكينة استنادًا على أن ذلك من وظيفته لأنه يملك سلطة بوليس عامة [(18)].
    (ج) في مصر: تكلمنا فيما سبق على إصدار لوائح البوليس في كل من فرنسا وبلجيكا تمهيدًا لاستعراض نظام إصدار هذه اللوائح في مصر على أن ذلك يستدعي أن نشرح هذا النظام في مرحلتين مختلفتين:
    الأولى: قبل صدور الدستور.
    والثانية: بعد صدور الدستور.
    أولاً: قبل صدور الدستور: جرى العمل قبل صدور الدستور على أن تقوم السلطة التنفيذية بإصدار لوائح البوليس دون أن تكون هذه اللوائح منفذة أو متممة لقوانين سابقة.
    ومن أمثلة هذه اللوائح المرسوم الصادر في 7 مايو سنة 1899 الخاص بالمحافظة على الصحة العمومية عند ظهور الطاعون أو الكوليرا وقرار وزير الداخلية الصادر في 12 يوليو سنة 1911 الخاص بلائحة التياترات وقراره الصادر في 16 مايو سنة 1913 الخاص بلائحة السيارات، ولا يجد الباحث أي صعوبة في تعليل تنظيم مسائل البوليس عن طريق إصدار اللوائح إذ جميع السلطة قبل صدور الدستور كانت مركزة في يد الحاكم ومجلس النظار وجرت العادة على أن يكون تنظيم مسائل الأمن والصحة والسكينة عن طريق إصدار اللوائح أي عن طريق السلطة التنفيذية أما السلطة التشريعية في ذلك العهد فهي وإن كانت هي نفسها الحاكم ومجلس النظار إلا أن عملها كان يبدو في شكل أوامر عالية أو قوانين فالمميز بين عمل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في ذلك العهد كان يرجع إلى الشكل فقط.
    ثانيًا: بعد صدور الدستور عندما صدر الدستور عام 1923 أصبح البرلمان هو الهيئة المختصة بوضع القواعد العامة بطريق التعميم لأنه غدا السلطة التشريعية في النظام الجديد إلا أن الدستور لم ينص على لوائح البوليس رغم أهميتها نظرًا لأنها قوانين من حيث الموضوع كما سبق أن أوضحنا.
    على أن اللوائح التي صدرت قبل صدور الدستور أصبحت تستمد قانونيتها من المادة (167) من الدستور التي تنص (كل ما قررته القوانين والمراسيم والأوامر والأوضاع المتبعة يبقى نافذًا بشرط أن يكون نفاذها متفقًا مع مبادئ الحرية والمساواة التي يكفلها هذا الدستور).
    وكل ذلك بدون الإخلال بما للسلطة التشريعية من حق إلغائها أو تعديلها في حدود سلطتها على أن لا يمس ذلك بالمبدأ المقرر بالمادة السابعة والعشرين بشأن عدم سريان القوانين على الماضي.
    ولما كان البرلمان المصري لم يلغِ لوائح البوليس الصادرة قبل صدوره فقد ظلت قائمة وظل تطبيقها مستمرًا.
    على أن السلطة التنفيذية استمرت بعد العمل بالنظام الدستوري على تنظيم مسائل البوليس عن طريق إصدار اللوائح مثال ذلك المرسوم الصادر في 21 مارس سنة 1925 بتعديل بعض أحكام لائحة المحلات العمومية وقرار وزير الداخلية الصادر في 18 مايو سنة 1925 الخاص بمراقبة وبيع نقل اللبن الحليب والرايب وقراره الصادر في 20 يوليه سنة 1927 الخاص بلائحة الدراجات وغير ذلك.
    ولا شك في أن إصدار هذه اللوائح لا يستند إلى أي نص دستوري كما أنه خارج عن نطاق المادة (37) من الدستور الخاصة باللوائح التنفيذية لأن لوائح البوليس لا تتصل بأي قانون فهي مستقلة والدستور لم ينص إلا على النوع الأول من اللوائح المستقلة أي لوائح ترتيب المصالح العامة.
    وفي رأينا أنه لا مانع من أن تستمر السلطة التنفيذية في تنظيم مسائل البوليس عن طريق إصدار اللوائح المستقلة مبررين ذلك بحجج رجال الفقه فسلطة إصدار اللوائح تستمد دستوريتها من وظيفة رئيس الدولة ومن التقاليد القديمة التي جرى عليها العرف قبل الدستور ومن صمت الدستور عن تنظيمها، وعلى ذلك يمكن القول بأن لوائح البوليس في مصر تستمد قانونيتها من قاعدة دستورية نشأت بالعرف والعادة كما هو الحال في فرنسا.
    ولما كنا أول من بحث السلطة اللائحية في مصر وأدلينا بهذا الرأي فقد انقسم الفقه في تقديره فرأى الدكتور وحيد رأفت الأخذ به [(19)] ورأي الدكتور عبد الحميد متولي أستاذ القانون العام بكلية البوليس فساده لسببين [(20)]:
    الأول: أن الدستور لم يمنح السلطة التنفيذية في مصر سوى سلطة إصدار لوائح تنفيذية فليس لها إذن أن تصدر لوائح مستقلة لا تتصل بالقانون لتنظيم مسائل البوليس.
    الثاني: لأن لوائح البوليس تقيد الحريات العامة التي كفلها الدستور للأفراد وهذه الحريات العامة لا يجب أن تصدر بشأنها قيود عامة إلا بناءً على قانون فلا يصح إذن تقييدها بلائحة ما لم تكن هذه اللائحة قد صدرت بناءً على تفويض من قانون.
    ونحن بالرغم من ذلك النقد وبالرغم من اعترافنا بما له قيمة ما زلنا عند رأينا الأول لأننا أخذنا به ونحن نعلم أن لوائح البوليس لا تستند إلى أي نص دستوري وأنها تقيد من الحريات العامة الأمر الواضح من التعريف الذي أوردناه لهذه اللوائح.
    لقد رأينا كيف أن هذه الاعتراضات لم تمنع رجال الفقه في فرنسا من السماح للسلطة التنفيذية بإصدار لوائح البوليس سواء لأن البعض اعتبرها مستمدة من قاعدة دستورية نشأت بالعرف والعادة كدوجي أو لأن البعض اعتبرها من وظيفة السلطة التنفيذية لأنها القائمة بمهمة البوليس، ولقد أيد دوجي هذه الفكرة الأخيرة كذلك إذ اعتبر رئيس الدولة الحاكم الإداري للبلاد فيدخل في اختصاصه بهذا الاعتبار اتخاذ الإجراءات الضرورية لحفظ الأمن والصحة والسكينة أو بعبارة أخرى له إصدار لوائح البوليس.
    كذلك رأينا أن محكمة النقض النقض البلجيكية قررت - رغمًا عن رأي الفقه هناك - أن عمل هذه اللوائح يدخل في اختصاص رئيس الدولة لأنه يملك سلطة البوليس العامة، وعلى هذا الأساس القانوني يمكننا أن نعلل سلطة إصدار لوائح البوليس التي تملكها السلطة التنفيذية في مصر.
    على أن هذا الحل من ناحية أخرى أكثر ملاءمة لمقتضيات العمل لدقة مسائل البوليس وتشعبها واحتياجها إلى سرعة التنفيذ كما أنها من الكثرة بحيث لو عرضت على البرلمان لعطلت أعماله الهامة وقضت على السرعة المطلوبة في اتخاذ الإجراءات نحوها.
    وزيادة على ذلك فجزاء مخالفة هذه اللوائح لا يعدو عقوبة المخالفة فأمرها قليل الخطر من هذه الناحية، وسنرى فيما بعد كيف يمكن الرد على ما وجه من النقد خاصًا بما تنص عليه هذه اللوائح من العقوبات نظرًا لأن الدستور قد نص على أن لا عقوبة إلا بناءً على قانون.
    ومهما يكن من الأمر فلا يجب أن يغيب عن البال أن البرلمان يستطيع في أي وقت التدخل لوضع قواعد عامة مقيدة للسلطة التنفيذية في مسائل البوليس وفي اليوم الذي ينظم فيه البرلمان هذه المسائل بقوانين فإن لوائح البوليس قد تدخل جميعها بعد ذلك في صف اللوائح المنفذة للقوانين أو المتممة لها.
    3 - السلطات التي تملك إصدار هذه اللوائح:
    لوائح البوليس إما أن تكون عامة أي تطبق على جميع السكان في عموم أنحاء البلاد وإما أن تكون محلية أي لا تطبق إلا في إقليم أو بلد معين.
    ( أ ) اللوائح العامة: رأينا أننا نستطيع أن نترك سلطة إصدار لوائح البوليس العامة إلى السلطة التنفيذية للأسباب التي ذكرناها سابقًا والتي تتلخص أهمها في أن هذه اللوائح يمكن إدخالها في وظيفة رئيس الدولة باعتباره حاكم البلاد الإداري الذي يملك سلطة البوليس العامة كما جاء في حكم النقض البلجيكي.
    فإذا الأساس القانوني لهذه اللوائح هو وظيفة رئيس الدولة كان الواجب أن تصدر هذه اللوائح في شكل مراسيم ممضاة من ذلك الرئيس لا في شكل قرارات وزارية: ممضاة من الوزير المختص ولكن جرى العمل في مصر على تنظيم مسائل البوليس بمراسيم في بعض الأحوال وبقرارات وزارية في بعض الأحوال الأخرى بل أن القرارات الوزارية هي الطريقة الغالبة التي تلجأ إليها السلطة التنفيذية وهذا ما لا نوافق عليه: إن سلطة إصدار لوائح البوليس لا تستمد قانونيتها من العرف والعادة فقط بل تستمدها على الأخص من وظيفة رئيس الدولة كما رأينا وعلى ذلك لا يصح تنظيم مسائل البوليس عن طريق إصدار القرارات الوزارية إذ ليس الوزير حاكمًا إداريًا كما أنه لا يملك سلطة البوليس العامة التي يملكها رئيس الدولة.
    ونحن عندما أقررنا العرف في مصر إنما أقررناه من حيث حق السلطة التنفيذية في إصدار هذه اللوائح بدلاً عن البرلمان ولكن ليس معنى ذلك أننا نوافق على صدورها في شكل قرارات وزارية مهما جرى العرف على ذلك لأن العرف وحده لا يمكن أن يولد حقًا إذا كان مخالفًا مخالفة صريحة للمبادئ القانونية المسلم بها.
    ولما كنا أول من وافق على إبقاء سلطة إصدار لوائح البوليس للسلطة التنفيذية فقد اكتفينا في ذلك الوقت ببيان قانونيتها دون أن نشير بالوضوح الكافي إلى وجوب إصدار هذه اللوائح عن طريق المراسيم.
    وقد فهم البعض أننا نقر إصدار اللوائح عن طريق القرارات الوزارية وعلى هذا الأساس جاء حكم محكمة الإسكندرية الكلية الصادر في 18 مارس سنة 1939 [(21)] مقرًا لدستورية لائحة حظر جمع فضلات التمباك وأعقاب السجاير الصادرة بقرار وزاري تاريخه 12 ديسمبر سنة 1937، وقد استند الحكم المذكور في ذلك إلى رأينا - أخذًا عن مذكرات الدكتور وحيد رأفت في القانون الإداري - من أن العرف والعادة كافيان لتبرير هذه السلطة، لذلك اضطررنا في دراستنا اللاحقة لهذا الحكم إلى زيادة الإيضاح لنبين أننا وإن كنا نرى سلطة عمل لوائح البوليس يمكن إدخالها في الاختصاص التنفيذي إلا أننا لا نوافق على صدور لوائح البوليس في شكل قرارات وزارية للأسباب التي ذكرناها آنفًا، وعلى ذلك فنحن لا نوافق المحكمة إلي ما ذهبت إليه وإن كانت قد استندت إلى رأينا في ذلك الحكم.
    على أن ذلك لا يمنع أن يكون للوزير حق إصدار لائحة بوليس إذا كان حقه في إصدار مثل هذه اللائحة مستمدًا من أمر عال أو ديكريتو صادر قبل صدور الدستور أو من مرسوم صادر بعد صدور الدستور إذ يكون قد استمد هذا الحق عن طريق التفويض.
    (ب) اللوائح المحلية:
    بجانب لوائح البوليس العامة التي تطبق على جميع سكان البلاد يوجد في نظامنا الحالي لوائح بوليس محلية تطبق في إقليم أو بلد معين والهيئات التي تصدر هذه اللوائح هي:
    1 - المحافظون والمديرون.
    2 - مجلس بلدي الإسكندرية.
    أولاً: المحافظون والمديرون:
    نرى أن المحافظين والمديرين يستمدون هذا الحق من طبيعة وظائفهم فالمدير أو المحافظ هو الحاكم الإداري للإقليم ووظيفته على هذا الوضع تشبه وظيفة رئيس الدولة فهو المسؤول عن حفظ الأمن والنظام والسكينة في الإقليم ولا يستطيع القيام بهذه الوظيفة إلا إذا كان من حقه إصدار أوامر للجمهور أو بعبارة أخرى لا يستطيع القيام بمهمته ما لم يكن له حق إصدار لوائح بوليس، وقد رأينا أن الأمر العالي الصادر في 31 ديسمبر سنة 1883 نص على أن (المديرين والمحافظين يكونون مسؤولين أمام الحكومة عن حفظ الأمن والراحة في الدائرة التابعة لهم)، وهذا بلا شك يقتضي منحهم سلطة إصدار لوائح البوليس.
    على أن اللوائح المحلية التي تصدر في المديريات يجب أن يوافق عليها مقدمًا مجلس المديرية إذ نصت المادة (24) من قانون مجالس المديريات الصادر في 11 يونيه سنة 1934 على أن موافقة مجلس المديرية مقدمًا ضرورية عند إصدار لائحة محلية أو تعديلها بالنسبة للمديرية أو لبعض المدن، أما إذا كانت اللائحة خاصة بمدينة أو بندر فلا بد من موافقة المجلس البلدي أو المحلي إذا كانت بهذه المدينة أو البندر مجلس وذلك لأن القرارات التي أنشأت هذه المجالس قد نصت جميعها على اختصاصها بكل ما يهم المدينة أو البندر، ولا شك أن لائحة بوليس محلية تطبق على مدينة أو بندر هي مما يهمها.
    أما إذا لم يكن بالمدينة أو البندر مجلسًا محليًا أو بلديًا فتكون موافقة مجلس المديرية ضرورية حيث نصت المادة (27) من قانون مجالس المديريات السالف الذكر على أن المسائل التي تخرج عن اختصاص هذه المجالس هي المسائل الداخلة في اختصاص المجالس البلدية الموجودة في المديرية، وعلى ذلك فإذا لم يكن بالمدينة أو البندر مجلس فيكون مجلس المديرية هو المختص بالموافقة على لائحة البوليس التي ستطبق عليه.
    ثانيًا: مجلس بلدي الإسكندرية:
    لمجلس بلدي الإسكندرية حق إصدار لوائح بوليس تطبق في المدينة وهذا الحق مستمد من المادة (23) من الأمر العالي الصادر بإنشائه في 5 يناير سنة 1890، والتي تنص (كل مخالفة أو تقصير في تنفيذ القرارات الصادرة من الرئيس بمقتضى مداولات القومسيون البلدي ومصدقًا عليها من ناظر الداخلية يعاقب مرتكبها بالعقوبات المقررة للمخالفات المنصوص عليها بقانون العقوبات الأهلي وقانون العقوبات المختلط).
    والواقع أن هذه اللوائح لا تختلف عن اللوائح التي يصدرها المحافظون والمديرون والخاصة بتنظيم مسائل البوليس فهي تصدر باسم المحافظ ولكن بعد إقرار القومسيون لها، ولا شك أن مجلس بلدي الإسكندرية يتمتع من هذه الناحية بسلطة أوسع نظرًا لطريقة إنشائه التي تمت بموافقة الدول فيبدو سلطانه في ممارسة اختصاصه أوسع من مجالس المديريات التي لم ينص قانونها صراحةً على حق أعضائها في اقتراح هذه اللوائح وإنما اكتفى بوجوب موافقتهم عليها فقط.
    وواضح من نص المادة (23) السالفة الذكر أنه يجب توافر شرطين في هذه اللوائح:
    الأول: إقرار القومسيون.
    الثاني: تصديق وزير الداخلية، ومن رأينا أنه يجب على المحاكم أن تتأكد من توافر هذين الشرطين في هذا النوع من اللوائح فإن انعدم أحدهما أو كلاهما فيجب على المحاكم الامتناع عن تطبيق اللائحة.
    الاعتراض الممكن إثارته والرد عليه.
    قد يبدو أن هناك تعارضًا ملموسًا عندما نبيح إصدار لوائح البوليس للمحافظين والمديرين في الإقاليم في الوقت الذي نحرم الوزراء فيه من هذا الحق فكيف يكون للمدير حق إصدار لائحة بوليس بينما لا نعطي مثل هذا الحق لوزير الداخلية مثلاً وهو رئيس المديرين جميعًا في حين أن تصديقه على لوائح الجهات المحلية ضروريًا كما رأينا عند الكلام على مجلس بلدي الإسكندرية والواقع أنه يمكن تبرير ذلك بالأسباب الآتية:
    الأول: يعتبر المدير هو الحاكم الإداري للإقليم ووظيفته تشبه بذلك وظيفة رئيس الدولة بينما ليست للوزير هذه الصفة.
    الثاني: هذه اللوائح محلية فخطورتها أقل من اللوائح العامة.
    الثالث: لا يمكن أن تنفذ هذه القرارات ما لم يوافق عليها مجلس المديرية وهو الهيئة التي تعبر عن رغبة الأهالي في الإقليم وهذا يكفي لتبرير هذه السلطة لا سيما، ونحن نعمل على التوسع في اللامركزية ومنح الأهالي في الأقاليم والمدن قسطًا متزايدًا من القيام بتنظيم شؤونهم المحلية.
    الرابع: نص الأمر العالي الصادر في 31 ديسمبر سنة 1883 السالف الذكر على أن المديرين والمحافظين مسؤولين عن حفظ الأمن وهذا يدعو عقلاً إلى وجوب تمتعهم بإصدار أوامر البوليس.
    ملاحظة هامة:
    وقبل أن نختتم هذا البحث نلاحظ أن هناك أمرًا جديرًا بالعناية ذلك أن لوائح البوليس تشتمل على عقوبات والمحاكم في مصر جارية على تطبيق العقوبات الواردة بها دون اعتراض وقد انتقد البعض ذلك لأن المادة السادسة من الدستور تنص على أنه (لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون)، ولكن لوائح البوليس ليست قوانين وعلى ذلك فلا يصح أن تشتمل على عقوبات وإلا كانت غير دستورية ويجب على المحاكم رفض تطبيقها.
    ويرى أغلب الشراح لا سيما شراح القانون الجنائي كما رأت محكمة الإسكندرية في حكمها الصادر في 18 مارس سنة 1939 سالف الذكر أن تطبيق العقوبات الواردة في لوائح البوليس قانوني لأن المادة (395) من قانون العقوبات نصت (من خالف أحكام اللوائح العمومية أو المحلية الصادرة من جهات الإدارة البلدية أو المحلية يجازى بالعقوبات المقررة في تلك اللوائح بشرط أن لا تزيد عن العقوبات المقررة للمخالفات فإن كانت العقوبات المقررة في اللوائح زائدة عن هذه الحدود وجب حتمًا إنزالها إليها، فإذا كانت اللائحة لا تنص على عقوبة ما يجازى من يخالف أحكامها بدفع غرامة لا تزيد عن خمسة وعشرين قرشًا).
    والواضح من أقوال الشراح والمحاكم في هذا الشأن أن البرلمان بإقراره المادة (395) عقوبات قد فوض السلطة التنفيذية في تحديد جرائم ووضع عقوبات لمن يخالف لوائحها بشرط أن لا تزيد عن العقوبات المقررة للمخالفات.
    ونحن لا يمكنا الأخذ بهذا التعليل القائم على نظرية التفويض لأن رجال الفقه يكاد ينعقد إجماعهم على رفض هذه النظرية إذ ليس للبرلمان وهو سلطة مؤسسة Pouvoir constitué أن يتنازل للسلطة التنفيذية وهي سلطة مؤسسة مثله pouvoir constituant عن اختصاصه لأنه لا يملك هذا الحق سوى السلطة المؤسسة نفسها أي السلطة التي وضعت الدستور.
    على أن بعض الفقهاء الذين يبيحون التفويض لضرورات عملية كدوجي لا يوافقون على إمكان التفويض في وضع العقوبات لأن الدساتير تنص عادةً على أن تقريرها يكون بقوانين أي من اختصاص السلطة التشريعية نفسها.
    ولقد كتب القاضي المجتهد الأستاذ محمد بك رشدي مقالاً في مجلة المحاماة عام 1940 عن السلطة اللائحية جاء فيه أن تقرير العقوبات في اللوائح مخالف للمادة السادسة من الدستور، ولذلك اقترح اتباع ما اتبعه الشارع الفرنسي إذ نص قانون العقوبات في المادة (471) على عقوبة معينة لجميع المخالفات التي تحدث من عدم احترام اللوائح التي تصدرها الهيئات المختصة، ولا شك أن هناك فرقًا كبيرًا بين أن تكون العقوبة من وضع السلطة التنفيذية وبين أن تكون من وضع السلطة التشريعية صاحبة الحق وحدها في ذلك [(22)].
    ورغمًا عن وجاهة هذا الاعتراض فإننا نرى أن العقوبات المنصوص عنها في اللوائح المختلفة لا تتعارض مع المادة السادسة من الدستور كما يقول الأستاذ رشدي بك والدكتور عبد الحميد متولي وهي في نظرنا دستورية ولا غبار عليها.
    على أن دستورية هذه العقوبات لا تستمد من المادة (395) عقوبات كما يرى الفقه الجنائي وأحكام المحاكم لأن معنى ذلك أننا

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 10:16 pm