يومي، لا يمكن الاعتقاد بأنه أمر يحدث بشكل تلقائي، أو أن وسائل الإعلام
أصبحت بين ليلة وضحاها تذوب عشقا في التيار السلفي، فالأمر له دلالات،
وتداعيات، ويتم وفق أجندة خاصة تنفذها آلة إعلامية موجهة.ولا شك أن الغياب الفعلي للمؤسسة الدينية الرسمية عن الساحة "الأزهر-
الإفتاء – الأوقاف" بفعل خضوعها طيلة السنوات الماضية لسياسات النظام
المخلوع، قد فتح الباب لبروز التيارات السلفية بما تمتلكه من قنوات فضائية،
والتي حظيت في وقت من الأوقات بموافقات أمنية للتغلغل في المجتمع وضرب
تيار إسلامي آخر كان النظام يعتبره عدوه اللدود.
تقرير أمريكي صادر في هذا السياق أكد أن النظام المصري "السابق" ترك
القنوات الفضائية "السلفية"، التي ازدادت رواجا في مصر في الآونة الأخيرة،
لمقاومة جماعة الإخوان المسلمين، والذين لا يمتلكون حتى الآن فضائية واحدة.
واعتبر التقرير الذي أصدرته مجلة "أراب ميديا أند سوسيتي" في وقت سابق،
أن تساهل النظام المصري مع القنوات الفضائية السلفية، وعدم سماحها للإخوان
المسلمين بعمل قنوات فضائية خاصة بهم في مصر، يعد بحسب مراقبين "جزءا من
إستراتيجية لتشجيع السلفية كثقل موازن للإخوان".
وأشار التقرير، إلى قناتي الناس والرحمة باعتبارهما القناتين الأشهر في
الفضائيات السلفية، نتيجة شهرة وعاظها الأساسيين، مؤكدا أن تزايد انتشار
القنوات السلفية يعد مؤشرا على زيادة صورة "شديدة المحافظة" من الإسلام،
بحسب وصف التقرير.
في هذا السياق، وبالنظر إلى المساحة التي كان يحظى بها التيار السلفي في
عهد النظام السابق، وصلت -بحسب منتمين له- إلى حد اختراقه أمنيا، يمكن
القول أن استخدام "الفزاعة السلفية" أمر متعمد، وأن بعض المنتمين لهذا
التيار يتورطون - ربما دون قصد- في حملة مشبوهة تتبناها آلة إعلامية
"متربصة" بتمويل من عدد من رجال الأعمال لتفزيع المصريين من النهج الإسلامي
برمته.
اللافت في الأمر والمثير للعديد من علامات الاستفهام أن الكثيرين من
المنتمين للتيار السلفي بكافة أطيافه كانوا يحرمون الخروج على الحاكم،
ويقولون بحرمة التظاهر والاحتجاج، وأطلقوا على اعتصامات ميدان التحرير قبل
سقوط مبارك "فتنة التحرير"، ومنهم من تشدد ورفض اعتبار ضحايا الثورة
"شهداء".
الآن تبدل المشهد، وبعد سقوط النظام، طغى المشهد السلفي على الساحة دون
إدراك من المنتمين له للتداعيات، وتبلورت ملامح سبعة أحزاب سلفية تطرح
نفسها في الشارع السياسي، وتعرضت القنوات الفضائية بشكل متعمد لما يمكن
وصفه بـ"تسونامي سلفي"، وأصبح الحديث الدائر هنا وهناك عن قطع أذن أو هدم
ضريح،أو فرض النقاب واللحية، وتطبيق الحدود، وتعدى الأمر إلى ترشيح دعاة
سلفيين لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية.
إذا جاز التعبير يمكن القول: إن "فخا" تم إعداده للتيار السلفي، وأن
صحفا يومية ومواقع الكترونية شهيرة وبرامج "توك شو" تعمل ليل نهار على نصب
الشباك، وأن السلفيين بالفعل سقطوا في الفخ، وقدموا على طبق من ذهب "غزوة
الصناديق" و"غزوة الأضرحة"، للنيل منهم.
وربما تفصح الأيام القادمة عن غزوات "إعلامية" أخرى، مع الأخذ في
الاعتبار دلالات التعبير بـ"غزوة"، وما يصحبه من مضمون يراه البعض سلبيا،
ويحمل "أفغنة" للمشهد المصري، خاصة أن وسائل إعلام تتربص وتتهيأ ربما
لإعلان "غزوة اللحية" ، و"غزوة النقاب"، و"غزوة تقصير الثوب".
الحكمة تقول "من كثر كلامه كثر خطؤه" ، ويبدو أن التيار السلفي يرفض
الأخذ بها ، ومن الإنصاف القول: إن قلة الوعي السياسي وغياب خبرة الممارسة
البرلمانية وضعف القدرة على صياغة خطاب إعلامي جذاب، عوامل تقلل من قوة
التيار السلفي، وتضعف من تأثيره وشعبيته في الشارع المصري، وعلى الجانب
الآخر تستخدمها أطراف "ممولة" بشكل جيد بما يخدم مصالحها.
والقول: إن المارد خرج من القمقم، وأن البلد بلدنا، وأن من يرفضنا عليه
الرحيل للخارج، وأننا سنترشح على مقعد الرئاسة، وغيرها من تداعيات "تسونامي
السلف" ، يجب أن يخضع لمراجعات، مع أهمية أن يدرك التيار السلفي التحديات
التي تواجه مصر داخليا وخارجيا، وأن يعي ما تشهده الساحة من حسابات سياسية،
وأن يفطن إلى ما يحاك له إعلاميا، وأن يسد العديد من الثغرات التي قد يؤتى
منها، وقد تصيب الجميع بالضرر، وتُسقط مصر في "الفخ".
كتب- أحمد إبراهيم