رئيس
الوزراء الدكتور عصام شرف قام في إحدى رسائلة عبر شاشة التليفزيون
بالترويج لإعادة فتح البورصة مستخدما لغة عاطفية ربطت بين ذلك وبين الانتاج
وتنشيط الاقتصاد ومعالجة المأزق الاقتصادي الذي تعانيه مصر حاليا. روج شرف
لهذه الخطوة كأنها مهمة حاسمة وثورية، ربط بينها وبين ضرورة الحفاظ عليها
وبين عودة مصر وبين التكاتف والإنتاج بصورة غريبة، مبررا ذلك بجملة واحدة
أن البورصة انعكاس للاقتصاد للمصري.
وعلى
خلفية هذا الربط التعسفي بين عودة البورصة للعمل وبين إعادة عجلة الاقتصاد
إلى الدوران وبين الحفاظ على "الثورة"، كان مبررا بالنسبة لنا أن نطرح
السؤال التالي: ما هي أهمية البورصة في النظام الاقتصادي، وعلى وجه الخصوص
أهميتها بالنسبة للقطاعات الانتاجية التي يقوم، وينبغي أن يقوم، عليها
الاقتصاد؟
إن
سوق الأوراق المالية (البورصة) مؤسسة لا تقوم بأي نشاط إنتاجي مباشر،
وليست مثل المصنع ولا الورشة التي تحول الخامات من خلال عمل العمال وتدوير
الماكينات إلى منتجات جاهزة للاستهلاك النهائي أو الصناعي، وليست مثل مزرعة
أو حقل لإنتاج الخضر أو الفواكه أو الحبوب أو أعلاف المواشي أو الدواجن أو
غيرها.
ولا
تقدم البورصة أيضا أي نوع من الخدمات الإنتاجية المعروفة، فلا هي وسيلة
مواصلات لنقل العمال، ولا خط لنقل البضائع برا أو بحرا أو جوا، وليست نقطة
لتجارة الجملة ولا تجارة التجزئة تيسر وصول منتجات المصانع أو المزارع إلى
المستهلكين فتسهم في تيسير عمليات تداول البضائع والسلع وحركة الأسواق.
ولا
تساهم البورصة في زيادة الموارد أو غير ذلك، فليست البورصة مزارا سياحيا،
ولا تحصل الدولة على أي ضرائب من معاملات المستثمرين والمضاربين فيها.
هكذا
نجد أن كل ما له علاقة بالإنتاج وتنمية الموارد لا تلعب البورصة أي دور
فيه، ولا يوجد دور للبورصة إلا في ثلاث مجالات فقط: أولا أن البورصة ساحة
كبيرة للمضاربة والمقامرة على أسعار أوراق مالية مثل الأسهم والسندات لا
صلة لها مطلقا بالإنتاج الحقيقي، وثانيا أن البورصة مجال لتيسير حركة دخول
وخروج الأموال الساخنة التي قد تضر بالاقتصاد أكثر مما تفيده خاصة في ظروف
الأزمة الاقتصادية أو السياسية، وثالثا – وذلك في أحوال نادرة – أن البورصة
تعتبر إحدى قنوات تيسير التمويل اللازم لتوسع الشركات أو إنشاء شركات
جديدة إلى جانب قنوات أخرى.
على
هذه الخلفية لا أجد سببا لهذا الحماس الشديد والاهتمام البالغ لعودة
البورصة إلى العمل في الظروف الراهنة إلا أن رئيس الوزراء والمجلس العسكري
يريدان توجيه رسالة سياسية معينة للخارج مفادها أن لا شئ تغير في بر مصر،
وأن البلاد ستسير من الناحية الاقتصادية على نفس النهج الذي اتبع في عهد
مبارك وإن احتاجت الظروف السياسية الراهنة إلى محاصرة الفساد في المدى
القريب.
فعودة
افتتاح البورصة كساحة للمضاربة والمقامرة على أسعار الأسهم لا تعني شيئا
بالنسبة للاقتصاد ولا تفيد الشركات المدرجة ولا تضرها في شئ، وليس لها أي
علاقة بنشاط الشركات من قريب أو بعيد، وفي الظروف الحالية تحاول إدارة
البورصة وشركات السمسرة تغذية روح المضاربين عن طريق التأكيد على أن الأسهم
حاليا سوف يتم تداولها بأقل من قيمتها وأن هذه فرصة نادرة للشراء من
ناحية، وحذروا من ناحية أخرى صغار حملة الأسهم من البيع عند هذه المستويات
السعرية.
وجاءت
هذه التحذيرات بينما انخفض المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 9% تقريبا عند
الإغلاق بتأثير موجة البيع الكثيفة للأجانب الذين بلغت صافي مبيعاتهم من
الأوراق المالية (أسهم وسندات) حوالي 342 مليون جنيه، حتى بعد الإجراءات
الاستثنائية التي اتخذتها إدارة البورصة بوقف التعامل على عدة أسهم مستهدفة
بالبيع، خاصة من قبل الأجانب.
وإذا
كان دور البورصة كساحة للمضاربة والمقامرة لا يؤثر سلبا على أداء الاقتصاد
الحقيقي ولا على النشاط الإنتاجي، فإن دورها كقناة لتدفق الأموال الساخنة
دخولا وخروجا له تأثير بالغ الخطورة على نشاط الاقتصاد، خاصة في أوقات
الأزمات الاقتصادية أو السياسية. يتضح ذلك من الأرقام السابقة حول صافي
مبيعات الأجانب علاوة على صافي مبيعات الأفراد الذي بلغ 32 مليون جنيه،
ومعنى ذلك أن عددا كبيرا من هؤلاء الأجانب والأفراد ربما يسعون إلى الخروج
بهذه الأموال من مصر بسبب المخاطر السياسية والاقتصادية التي تعاني منها
البلاد حاليا ولا يمكنهم ذلك إلا إذا قاموا بتسييل ما بحوذتهم من أسهم
وسندات وتحويلها إلى عملات أجنبية لنقلها إلى الخارج، وهنا مكمن الخطورة
على النشاط الاقتصادي. بمعنى آخر أن خروج العملات الأجنبية حاليا من السوق
المصرية سوف يؤدي إلى تراجع كبير في المعروض من العملات الأجنبية اللازمة
لاستيراد الغذاء والدواء واللازمة أيضا لاستيراد الخامات المطلوبة للمصانع
المصرية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع التكلفة والتضخم نتيجة الضغط على الجنيه
المصري وتعطل الانتاج ببعض المصانع نتيجة لنقص الخامات المستوردة أو ارتفاع
كلفتها. ولهذا السبب كانت المطالبة بعدم إعادة افتتاح البورصة لها ما
يبررها وكان علينا أن نعتبر من تجربة الأزمة في جنوب شرق آسيا عام 1997
عندما أصيبت المنطقة كلها بشلل اقتصادي وانهيار في عملاتها بعد الخروج
الكثيف لرأس المال منها على خلفية الأزمة الاقتصادية. الجهة الوحيدة التي
كانت صافي تعاملاتها بالشراء أمس كانت المؤسسات التي بلغ صافي تعاملاتها
شراءا حوالي 32 مليون جنيه، وغالبا ما تكون هذه المؤسسات عبارة عن البنوك
العامة وشركات التأمين العامة بما يتضمنه ذلك من مخاطرة بأموال المودعين
وحملة الوثائق لمجرد محاولة وقف انهيار أسعار الأسهم ومؤشرات السوق!
أما
الدور الثالث للبورصة الذي يتمثل في كونها إحدى قنوات توفير التمويل
اللازم لتوسع الشركات أو إنشاء شركات جديدة، فمن الخطل توقع أن تقوم
البورصة في هذه الظروف تحديدا بهذا الدور، ففي وضع اقتصادي وسياسي مأزوم
وغير مستقر مثل الفترة التي تمر بها مصر حاليا لا نستطيع أن نتوقع أن تقوم
إحدى الشركات بطرح أسهم جديدة للتوسع أو لإنشاء مشروعات جديدة، خصوصا أن
إدارتها ستكون غبية إذا توقعت أن يتقدم أحد بشراء الأسهم المطروحة. كما أن
الإنشاء الثاني للبورصة المصرية في بداية تسعينيات القرن الماضي لم يكن
بهدفش أن تلعب سوق الأوراق المالية هذا الدور بقدر ما كان يهدف إلى إنشاء
قناة لتسهيل التخلص من الشركات المملوكة للدولة بخصخصتها عن طريق طرح
أسهمها في البورصة، وهي العملية التي شابها الكثير من الفساد وإهدار المال
العام. وبخلاف ذلك كانت عمليات الطرح تعتبر بشكل عام وسائل لتخارج كبار
المستثمرين من شركات يملكونها أو مجال لغسيل الأموال أو التعمية على حاملي
الأسهم من الكبار الذين عمدوا إلى تأسيس صناديق في الخارج للمضاربة في سوق
الأسهم المصرية والاستحواذ على بعض شركاتها.
وإذا
كانت إعادة فتح البورصة لا تحمل أي فائدة للاقتصاد المصري أو للنشاط
الانتاجي، فإن إصرار رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة وحماسه البادي لهذه
الخطوة لايهدف في واقع الأمر إلا إلى توجيه رسالة سياسية، وخاصة للأجانب في
الداخل والخارج، مفادها إن النظام الاقتصادي السائد في مصر لم ولن يتغير
عن نظام مبارك، حتى وإن اتخذت بعض الإجراءات هنا وهناك في مواجهة رموز
الفساد الذين قدموا كأكباش فداء لاحتواء الغضب الجماهيري بعد الانتفاضة
الثورية في 25 يناير التي انتهت بسيطرة المجلس العسكري على الحكم. غير أن
هذه الرسالة السياسية التي تهدف إلى طمأنة المضاربين والأموال الساخنة بأن
مصر لن تحيد عن سياسات السوق الرأسمالية وعن "تحرير" الاقتصاد من أي قيود
أو ضوابط وفق منهاج "الليبرالية الجديدة"، ربما تكلف مصر كثيرا وتزيد من
حدة الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الحقيقي وتؤدي إلى رفع معدلات التضخم
المستورد نتيجة لما تمثله عمليات هروب رأس المال إلى الخارج من ضغوط على
سعر صرف الجنيه وعلى ما تملكه البلاد من عملات أجنبية ضرورية لاستيراد
الغذاء والخامات الصناعية، خاصة في ظل تراجع الصادرات وعائدات السياحة
وغيرها من موارد النقد الأجنبي.
إن
عودة الحياة إلى النشاط الاقتصادي ينبغي أن تبدأ من نقطة إعادة هيكلة
الاقتصاد المصري بما يساعد على تحفيز الانتاج وإزالة الخلل في توزيع الثروة
والفجوة بين الدخول بإقرار حد أدنى وحد أقصى للأجور، وإقالة القيادات التي
تورطت في الفساد كما يطالب العمال، علاوة على استرداد الأموال المنهوبة من
ثروات الشعب المصري وإعادة استغلال هذه الثروات بما يعود بالنفع على
الغالبية العظمى من المواطنين، وضمان تشغيل المصانع ومنع أصحابها من
إغلاقها تجنبا لتحقيق مطالب العمال حتى ولو بتأميم هذه المصانع، بالإضافة
إلى حزمة سياسات تمنع التضخم المستورد وهروب الأموال للخارج، والسيطرة على
التجارة الداخلية وتجارة الجملة وغيرها من الإجراءات الحاسمة لمعالجة هذه
اللحظة الحرجة التي تمر بها البلاد اقتصاديا وسياسيا. لكن هذه الإجراءات لن
تتخذها حكومة شرف المؤقتة، التي لم تستجب لمطالب "فئوية" إلا تلك المطالب
التي رفعها ضباط وأمناء الشرطة، فالأولوية بالنسبة لها للأمن واستقرار
الأوضاع وليس لتغيير النظام والاستجابة لمطالب الجماهير الثائرة.
الوزراء الدكتور عصام شرف قام في إحدى رسائلة عبر شاشة التليفزيون
بالترويج لإعادة فتح البورصة مستخدما لغة عاطفية ربطت بين ذلك وبين الانتاج
وتنشيط الاقتصاد ومعالجة المأزق الاقتصادي الذي تعانيه مصر حاليا. روج شرف
لهذه الخطوة كأنها مهمة حاسمة وثورية، ربط بينها وبين ضرورة الحفاظ عليها
وبين عودة مصر وبين التكاتف والإنتاج بصورة غريبة، مبررا ذلك بجملة واحدة
أن البورصة انعكاس للاقتصاد للمصري.
وعلى
خلفية هذا الربط التعسفي بين عودة البورصة للعمل وبين إعادة عجلة الاقتصاد
إلى الدوران وبين الحفاظ على "الثورة"، كان مبررا بالنسبة لنا أن نطرح
السؤال التالي: ما هي أهمية البورصة في النظام الاقتصادي، وعلى وجه الخصوص
أهميتها بالنسبة للقطاعات الانتاجية التي يقوم، وينبغي أن يقوم، عليها
الاقتصاد؟
إن
سوق الأوراق المالية (البورصة) مؤسسة لا تقوم بأي نشاط إنتاجي مباشر،
وليست مثل المصنع ولا الورشة التي تحول الخامات من خلال عمل العمال وتدوير
الماكينات إلى منتجات جاهزة للاستهلاك النهائي أو الصناعي، وليست مثل مزرعة
أو حقل لإنتاج الخضر أو الفواكه أو الحبوب أو أعلاف المواشي أو الدواجن أو
غيرها.
ولا
تقدم البورصة أيضا أي نوع من الخدمات الإنتاجية المعروفة، فلا هي وسيلة
مواصلات لنقل العمال، ولا خط لنقل البضائع برا أو بحرا أو جوا، وليست نقطة
لتجارة الجملة ولا تجارة التجزئة تيسر وصول منتجات المصانع أو المزارع إلى
المستهلكين فتسهم في تيسير عمليات تداول البضائع والسلع وحركة الأسواق.
ولا
تساهم البورصة في زيادة الموارد أو غير ذلك، فليست البورصة مزارا سياحيا،
ولا تحصل الدولة على أي ضرائب من معاملات المستثمرين والمضاربين فيها.
هكذا
نجد أن كل ما له علاقة بالإنتاج وتنمية الموارد لا تلعب البورصة أي دور
فيه، ولا يوجد دور للبورصة إلا في ثلاث مجالات فقط: أولا أن البورصة ساحة
كبيرة للمضاربة والمقامرة على أسعار أوراق مالية مثل الأسهم والسندات لا
صلة لها مطلقا بالإنتاج الحقيقي، وثانيا أن البورصة مجال لتيسير حركة دخول
وخروج الأموال الساخنة التي قد تضر بالاقتصاد أكثر مما تفيده خاصة في ظروف
الأزمة الاقتصادية أو السياسية، وثالثا – وذلك في أحوال نادرة – أن البورصة
تعتبر إحدى قنوات تيسير التمويل اللازم لتوسع الشركات أو إنشاء شركات
جديدة إلى جانب قنوات أخرى.
على
هذه الخلفية لا أجد سببا لهذا الحماس الشديد والاهتمام البالغ لعودة
البورصة إلى العمل في الظروف الراهنة إلا أن رئيس الوزراء والمجلس العسكري
يريدان توجيه رسالة سياسية معينة للخارج مفادها أن لا شئ تغير في بر مصر،
وأن البلاد ستسير من الناحية الاقتصادية على نفس النهج الذي اتبع في عهد
مبارك وإن احتاجت الظروف السياسية الراهنة إلى محاصرة الفساد في المدى
القريب.
فعودة
افتتاح البورصة كساحة للمضاربة والمقامرة على أسعار الأسهم لا تعني شيئا
بالنسبة للاقتصاد ولا تفيد الشركات المدرجة ولا تضرها في شئ، وليس لها أي
علاقة بنشاط الشركات من قريب أو بعيد، وفي الظروف الحالية تحاول إدارة
البورصة وشركات السمسرة تغذية روح المضاربين عن طريق التأكيد على أن الأسهم
حاليا سوف يتم تداولها بأقل من قيمتها وأن هذه فرصة نادرة للشراء من
ناحية، وحذروا من ناحية أخرى صغار حملة الأسهم من البيع عند هذه المستويات
السعرية.
وجاءت
هذه التحذيرات بينما انخفض المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 9% تقريبا عند
الإغلاق بتأثير موجة البيع الكثيفة للأجانب الذين بلغت صافي مبيعاتهم من
الأوراق المالية (أسهم وسندات) حوالي 342 مليون جنيه، حتى بعد الإجراءات
الاستثنائية التي اتخذتها إدارة البورصة بوقف التعامل على عدة أسهم مستهدفة
بالبيع، خاصة من قبل الأجانب.
وإذا
كان دور البورصة كساحة للمضاربة والمقامرة لا يؤثر سلبا على أداء الاقتصاد
الحقيقي ولا على النشاط الإنتاجي، فإن دورها كقناة لتدفق الأموال الساخنة
دخولا وخروجا له تأثير بالغ الخطورة على نشاط الاقتصاد، خاصة في أوقات
الأزمات الاقتصادية أو السياسية. يتضح ذلك من الأرقام السابقة حول صافي
مبيعات الأجانب علاوة على صافي مبيعات الأفراد الذي بلغ 32 مليون جنيه،
ومعنى ذلك أن عددا كبيرا من هؤلاء الأجانب والأفراد ربما يسعون إلى الخروج
بهذه الأموال من مصر بسبب المخاطر السياسية والاقتصادية التي تعاني منها
البلاد حاليا ولا يمكنهم ذلك إلا إذا قاموا بتسييل ما بحوذتهم من أسهم
وسندات وتحويلها إلى عملات أجنبية لنقلها إلى الخارج، وهنا مكمن الخطورة
على النشاط الاقتصادي. بمعنى آخر أن خروج العملات الأجنبية حاليا من السوق
المصرية سوف يؤدي إلى تراجع كبير في المعروض من العملات الأجنبية اللازمة
لاستيراد الغذاء والدواء واللازمة أيضا لاستيراد الخامات المطلوبة للمصانع
المصرية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع التكلفة والتضخم نتيجة الضغط على الجنيه
المصري وتعطل الانتاج ببعض المصانع نتيجة لنقص الخامات المستوردة أو ارتفاع
كلفتها. ولهذا السبب كانت المطالبة بعدم إعادة افتتاح البورصة لها ما
يبررها وكان علينا أن نعتبر من تجربة الأزمة في جنوب شرق آسيا عام 1997
عندما أصيبت المنطقة كلها بشلل اقتصادي وانهيار في عملاتها بعد الخروج
الكثيف لرأس المال منها على خلفية الأزمة الاقتصادية. الجهة الوحيدة التي
كانت صافي تعاملاتها بالشراء أمس كانت المؤسسات التي بلغ صافي تعاملاتها
شراءا حوالي 32 مليون جنيه، وغالبا ما تكون هذه المؤسسات عبارة عن البنوك
العامة وشركات التأمين العامة بما يتضمنه ذلك من مخاطرة بأموال المودعين
وحملة الوثائق لمجرد محاولة وقف انهيار أسعار الأسهم ومؤشرات السوق!
أما
الدور الثالث للبورصة الذي يتمثل في كونها إحدى قنوات توفير التمويل
اللازم لتوسع الشركات أو إنشاء شركات جديدة، فمن الخطل توقع أن تقوم
البورصة في هذه الظروف تحديدا بهذا الدور، ففي وضع اقتصادي وسياسي مأزوم
وغير مستقر مثل الفترة التي تمر بها مصر حاليا لا نستطيع أن نتوقع أن تقوم
إحدى الشركات بطرح أسهم جديدة للتوسع أو لإنشاء مشروعات جديدة، خصوصا أن
إدارتها ستكون غبية إذا توقعت أن يتقدم أحد بشراء الأسهم المطروحة. كما أن
الإنشاء الثاني للبورصة المصرية في بداية تسعينيات القرن الماضي لم يكن
بهدفش أن تلعب سوق الأوراق المالية هذا الدور بقدر ما كان يهدف إلى إنشاء
قناة لتسهيل التخلص من الشركات المملوكة للدولة بخصخصتها عن طريق طرح
أسهمها في البورصة، وهي العملية التي شابها الكثير من الفساد وإهدار المال
العام. وبخلاف ذلك كانت عمليات الطرح تعتبر بشكل عام وسائل لتخارج كبار
المستثمرين من شركات يملكونها أو مجال لغسيل الأموال أو التعمية على حاملي
الأسهم من الكبار الذين عمدوا إلى تأسيس صناديق في الخارج للمضاربة في سوق
الأسهم المصرية والاستحواذ على بعض شركاتها.
وإذا
كانت إعادة فتح البورصة لا تحمل أي فائدة للاقتصاد المصري أو للنشاط
الانتاجي، فإن إصرار رئيس الوزراء في الحكومة المؤقتة وحماسه البادي لهذه
الخطوة لايهدف في واقع الأمر إلا إلى توجيه رسالة سياسية، وخاصة للأجانب في
الداخل والخارج، مفادها إن النظام الاقتصادي السائد في مصر لم ولن يتغير
عن نظام مبارك، حتى وإن اتخذت بعض الإجراءات هنا وهناك في مواجهة رموز
الفساد الذين قدموا كأكباش فداء لاحتواء الغضب الجماهيري بعد الانتفاضة
الثورية في 25 يناير التي انتهت بسيطرة المجلس العسكري على الحكم. غير أن
هذه الرسالة السياسية التي تهدف إلى طمأنة المضاربين والأموال الساخنة بأن
مصر لن تحيد عن سياسات السوق الرأسمالية وعن "تحرير" الاقتصاد من أي قيود
أو ضوابط وفق منهاج "الليبرالية الجديدة"، ربما تكلف مصر كثيرا وتزيد من
حدة الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الحقيقي وتؤدي إلى رفع معدلات التضخم
المستورد نتيجة لما تمثله عمليات هروب رأس المال إلى الخارج من ضغوط على
سعر صرف الجنيه وعلى ما تملكه البلاد من عملات أجنبية ضرورية لاستيراد
الغذاء والخامات الصناعية، خاصة في ظل تراجع الصادرات وعائدات السياحة
وغيرها من موارد النقد الأجنبي.
إن
عودة الحياة إلى النشاط الاقتصادي ينبغي أن تبدأ من نقطة إعادة هيكلة
الاقتصاد المصري بما يساعد على تحفيز الانتاج وإزالة الخلل في توزيع الثروة
والفجوة بين الدخول بإقرار حد أدنى وحد أقصى للأجور، وإقالة القيادات التي
تورطت في الفساد كما يطالب العمال، علاوة على استرداد الأموال المنهوبة من
ثروات الشعب المصري وإعادة استغلال هذه الثروات بما يعود بالنفع على
الغالبية العظمى من المواطنين، وضمان تشغيل المصانع ومنع أصحابها من
إغلاقها تجنبا لتحقيق مطالب العمال حتى ولو بتأميم هذه المصانع، بالإضافة
إلى حزمة سياسات تمنع التضخم المستورد وهروب الأموال للخارج، والسيطرة على
التجارة الداخلية وتجارة الجملة وغيرها من الإجراءات الحاسمة لمعالجة هذه
اللحظة الحرجة التي تمر بها البلاد اقتصاديا وسياسيا. لكن هذه الإجراءات لن
تتخذها حكومة شرف المؤقتة، التي لم تستجب لمطالب "فئوية" إلا تلك المطالب
التي رفعها ضباط وأمناء الشرطة، فالأولوية بالنسبة لها للأمن واستقرار
الأوضاع وليس لتغيير النظام والاستجابة لمطالب الجماهير الثائرة.