عينهم حتي ظننا أن حسن عبدالرحمن رئيس مباحث أمن الدولة المحبوس حالياً هو
من أمدّ أصحاب القرار بالقرار؟
هذه الطريقة في تعيين المحافظين
تؤكد أن إدارة الحكم في مصر حالياً ـ مع احترامنا للمجلس العسكري وللدكتور
عصام شرف ـ تريد أن تعود بنا إلي حكم مصر قبل سنة 2002! مصر قبل جمال مبارك
حين اقترب وتمكن وتسيطر وتسلطن وتحكم في البلد تحت رعاية والده بينما تريد
مصر أن تنتقل إلي عصر ما بعد مبارك فإنهم ينقلوننا إلي مصر قبل جمال مبارك
فقط وكأن هذا هو نصر المرحلة الانتقالية الوحيد إن ما نعيشه من قرارات
ونمط اتخاذ قرار وطريقة اتخاذ القرار (علوية منعزلة غامضة لا علاقة لها
بالناس وتهبط بالقرار علي رؤوس المواطنين لا تنتظر من المواطنين الرأي
والمشاركة) يوحي بأن شيئا حقيقيا في صناعة القرار في مصر لم يتغير!
هنا
سأعود إلي ما كتبته ضمن مشروع كتابي عن ثورة 25يناير لعله مفيد: (كان
الخيال القديم يدير الدولة متغافلا تماما عن أن ما هاجمه في عقر نفوذه
ومكمن قوته هو الخيال الجديد، بدا الصراع غرائبيا تماما بين لغتين تتحدثان
تكاد كلتاهما لا تتعرف علي دلالة مفردات الأخري بينما كان مبارك ونجله
وحلقة القصر الضيقة تضيق أكثر وتقتصر علي الوالد ونجله وزكريا عزمي لصيق
الرئيس وأقرب رجل إلي أذنه وصفوت الشريف الذي انتقل للقصر منذ يوم الخميس
السابق علي جمعة الغضب والعادلي المتواصل تليفونيا الذي انتهي دوره في مساء
الجمعة بينما تعلق رئيس جهاز أمن الدولة بمنصبه ودوره بجوار النجل حتي
تنحي مبارك وفي الحلقة يدور ويلف أنس الفقي مثل أرنب يكتسب أهميته بين
الأرانب بأنه يخدم في عرين الأسد يذهب لمبني التليفزيون ويبيت في مكتبه
معتقدا أن لديه مهمة إنقاذ العالم وقد كان صادقا مع نفسه علي الأقل فهو
يحاول إنقاذ عالمه الذي تداعي أمامه مرتين قبل أن يتهاوي في الثالثة!
خارج هؤلاء لم يكن هناك أحد
كان
أدوات وموظفون ورجال أعمال اكتشفوا أن اهتزاز مبارك وخفوت وراثة نجله
سيدفع مستقبلهم للانهيار دفعا لكنهم جميعا كانوا محافظين علي خيالهم القديم
الذي لا يزال يستند علي قوة سحرة فرعون، لم يتورع الشريف ليلتها عن ترديد
مقولاته التي لا تشك حتي حيوانات حديقة الحيوان في الجيزة أنها كاذبة بينما
يرددها بإخلاص صوتي ووقار لفظي مثير لأعصاب شعب نزعوا عن سلكه الكهربائي
مغلف الحماية قال صفوت الشريف الذي لا يجب ان ننسي أنه الأمين العام للحزب
الوطني ورئيس مجلس الشوري وقتها "إن مطالب الناس فوق رؤوسنا، وهناك تكليفات
واضحة للحكومة بحل عدد من القضايا المهمة التي تحقق الراحة الاجتماعية
والمعيشية".
نغمة قديمة بالية لكنه عازف لم يعد يري جمهوره ثم دشن
صفوت الشريف أول خطوة في الاحتواء الاعلامي الأمني لهذه المظاهرات حيث قرر
أن يختصر المظاهرات في الشباب والحركة في الشباب والغضب في الشباب دون
الشعب أو المواطنين عموما وعلي هذا الدرب السقيم مشي الرئيس نفسه ومضخة
إعلامه الحكومي والخاص فغزلوا غزلهم منطلقين من تأسيس الشريف للأزمة
باعتبار (أن الفاشلين في السياسة تستروا خلف هؤلاء الشباب واستغلوا الموقف
لإثارة الفتنة، مناشدهم "ارفعوا أيديكم عن الشباب لأن البلد فيها دستور
وقانون).
جميع البرامج المسائية كانت تقدم معزوفتها في تنفيذ
تعليمات أمن الدولة ووزير الإعلام أنس الفقي والتي تلقاها أصحاب ومالكو
المحطات ومديروها ومقدمو برامجها بلا استثناء حيث حصروا وحاصروا المظاهرات
في الشباب كفاعلين (وليس كداعين مثلا) والغضب منصب علي الحكومة لا الرئيس
وأن المشكلة أن الحكومة لم تلب طموحات الرئيس ولم تنفذ تعليماته وتوجيهاته
وأن الشباب كالورد والفل لكن هناك عناصر تركب الموجة حتي إن قال بوضوح أحد
ضيوف برنامج تم إفراد الحوار له: (مقام الرئيس محفوظ ومنطقة محرمة ولا أحد
يقترب منه لكن الحكومة هي التي تتحمل مسئولية الفشل ).
تكاد تكون
هذه المقولة هي التعلميات التي تلقاها شفويا كل مسئول في محطات الفضائيات
الخاصة وكل مذيع ومذيعة (بعضهن بكين لما تلا مبارك خطابه الثاني ثم رحن
يتحدثن بعد التنحي عن نظام فاسد!)
كان النظام يلعب دورا في الشطرنج
بخطة نابليون، تقليدية جدا وبدائية تماما ومعروفة كلية ومكشوفة حتي
السذاجة وكان متصورا أنه يكسب بها كأن اللاعب المنافس بليد أو غبي أو يلعب
مباراته الأولي.
ولم يكن هذا متوافرا في تلك اللحظة التاريخية التي
لم يلمس مبارك حوافها بل لعله لم يرها أصلا من هنا كان النظام يدير نفس
تروسه القديمة !)
خلاص كفاية!
بقلم : ابراهيم عيسي