الدستور
والقانون يتكون كل منهما من موادّ.. هذه الموادّ وظيفتها تنظيم مختلف
جوانب الحياة في مصر: السياسية، التجارية، الأحوال الشخصية... وغيرها.
عملية
"صناعة" المادة الدستورية أو القانونية تُسَمّى "التشريع" وأحيانًا يستخدم
هذا التعبير للتعبير عن القانون ذاته فيقال "التشريع" بمعنى "القانون"..
ولكن المعنى الأكثر صحة للكلمة هو "عملية صناعة... القانون من حيث المضمون ومن حيث الشكل/ الصياغة".
ولكن.. ما هي المصادر التي يستوحي منها المُشَرِّع المادة القانونية؟
1- الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية
المجتمع المصري مجتمع متديّن بطبيعته، بالتالي فهو لا يقبل فصل عقيدته الدينية عن عملية صناعة القواعد المنظمة للحياة به..
بمعنى
أدق هو مجتمع غير قابل للعلمنة، وهذه سمة قديمة فيه منذ عصر الفراعنة،
ومرورًا بالعصر القبطي وعصر الحضارة الإسلامية، وحتى يومنا هذا. بالتالي
فإن المشرع حين يبدأ في وضع القانون يراعي ذلك الاتجاه "التديني" للمصريين
ويستخدم الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريعات، من ناحية فإن هذا يرضي
ويتماشى مع الاتجاه العام للمجتمع، وهذا من شروط فاعلية أي قانون في أي
مجتمع، ومن ناحية هو يضمن اكتساب القانون قوة إضافية لقوته الآمرة، وهي
الشعور العام بارتباطه بالعقيدة، وبالتالي وجود وازع ديني يمنع خرقه.. إن
لم يكن للجميع فعلى الأقل للنسبة الأعلى.
أما الشرائع السماوية الأخرى
فاعتبارها من مصادر التشريع يرجع لأهمية احترام الخصوصية الدينية لكل أهل
كتاب، باعتبار هذا من حقوق الإنسان، وكذلك تنفيذا لتعليمات الشريعة
الإسلامية بهذا الصدد.. حيث تنصّ تعليماتها على أن ينطبق على أهل الأديان
الأخرى قانونهم الخاص.. وهذا بالفعل ما ينبغي على نصوص الدستور والقوانين
أن تراعيه بالذات فيما يخصّ الأحوال الشخصية لغير المسلمين، فنجد بابًا في
القانون المدني بهذا الاسم بالفعل.. أما فيما لا يوجد فيه نص في الشريعة
غير المسلمة -كالمواريث في الشريعة المسيحية مثلاً- فيتم تطبيق النظام
الإسلامي حينئذ؛ لسدّ هذا الفراغ التشريعي.
2- العُرف
المصدر
الثاني للتشريع هو العُرف، والعُرف ببساطة هو "طريقة تعامل معينة مع بعض
الأمور جرت العادة بين بعض أو كل الناس على العمل بها، ويرجع تاريخها لدرجة
قِدَم معينة تعطيها نوعًا من الرسوخ في وجدان الناس".. في حالات كثيرة
يرجع المشرّع للعرف كمصدر للمادة القانونية لو وجد أنه يحقق المصلحة
المشروعة المطلوبة في موضوع القانون، كالأعراف السائدة بين التجار مثلا
يتأثر بها أحيانًا واضع القوانين التجارية، وكذلك الأعراف المرتبطة بالزواج
والطلاق -فيما لا يتعارض مع الشريعة- وهكذا..
ومن أهم فوائد اعتبار
العرف مصدرًا للتشريع أن القانون المستند على العرف يستمد قوته من اقتناع
الناس به، مما يجعلهم أكثر حرصًا على تطبيقه.
3- الاتفاقيات الدولية
ومن
أهم مصادر التشريع "الاتفاقيات الدولية".. فمن المعروف في القواعد العامة
للقانون في معظم إن لم يكن كل دول العالم، أن القانون الداخلي لو تعارض مع
اتفاقية دولية فإن الاتفاقية هي التي تسري على الحالة محل التعارض، إلا لو
كان في بعض أو كل بنود الاتفاقية ما يعارض النظام العام للدولة، كنظام
حكمها وشريعتها الرسمية وشكلها السياسي... إلخ. وفي تلك الحالة يسقط البند
ويسري القانون، أو قد تسقط الاتفاقية كلها، ولهذا فإن التصديق على
الاتفاقيات يكون من اختصاص البرلمان قبل اعتبارها سارية.
وأحيانًا يختصر
المشرّع الوقت، وينصّ صراحة على أنه "في الحالة كذا تنطبق بنود الاتفاقية
كذا".. وهذا لو كانت الاتفاقية تعالج وضعًا جديدًا على المجتمع، وكانت
بنودها تصلح للتطبيق كلها كقانون داخلي.
4- القوانين الأجنبية
ثمة
شائعة عارية من الصحة تقول بأن القانون المصري هو عبارة عن اقتباس كامل من
القانون الفرنسي، والحقيقة أن بعض -أو كثير- من مواد القانون المصري
مستوحى من بعض مواد القانون الفرنسي، بل وغيره من القوانين الأجنبية، وهذا
ببساطة لأن المشرع حين يبحث عن قانون مناسب لتنظيم الحالة محلّ التشريع
فإنه قد ينظر في كيفية تعامل القوانين الأجنبية مع الحالات المماثلة، فإما
أن يجد قانونًا (مادة قانونية) يصلح للتطبيق كله، فيقوم بصياغة المادة
القانونية المصرية بشكل مشابه، أو أن يجد بعض التشابه في بعض أجزاء المادة
فيقتبس منها ويعالجها بشكل يجعلها صالحة للتطبيق في مصر..
ولكن بالطبع يلتزم المشرع حين يقوم بذلك بألا يقتبس قانونًا يتعارض مع النظام العام للدولة أو الاتجاه العام لشعبها.
5- أحكام محكمة النقض
تشتهر
محكمة النقض باسم "محكمة القانون" فهي لا تنظر في الوقائع بل في القوانين
وكيفية تطبيقها على الحالات محل النظر أمام القضاء. لهذا فإن أحكام محكمة
النقض تعتبر في حد ذاتها قوانين. بمعنى أن القاضي حين ينظر في دعوى ما ويجد
أنه لا قانون ينظّمها فيستطيع أن يبحث في أحكام محكمة النقض في الحالات
المشابهة، ويتعامل مع الحكم باعتباره قانونًا يصلح للتطبيق على تلك الحالة.
6- اللوائح والأوامر التنفيذية
من
أهم مصادر التشريع كذلك اللوائح والأوامر التنفيذية التي تصدرها السلطة
التنفيذية لتنظيم العمل في الهيئات والوزارات والمحافظات.. فاللائحة التي
يضعها الوزير في وزارته تعتبر بمثابة قانون، والقرار الذي يصدره المحافظ
يعتبر بمثابة القانون، والأوامر الصادرة عن المجلس العسكري والحكومة
الانتقالية في تلك الفترة الحالية تعتبر بمثابة القوانين.. ولكن بشرط ألا
تخالف تلك القوانين الدستور أو القوانين الأعلى درجة..
7- القوانين والدساتير السابقة
من
الطبيعي أن يكون المشرّع ملمًا بالقوانين والدساتير السابقة؛ لأنه قد
يحتاج للاقتباس منها في صياغته للقانون أو الدستور، حيث يمكن أن يجد نصًا
أو أكثر سبق له التعامل مع الحالة قيد النظر أو مع الأوضاع الحالية بشكل
مناسب، فيقوم بالاقتباس من بعضه أو كله.. هذا أمر طبيعي جدًا، ولاحظناه
مؤخرًا أثناء النقاش حول التعديلات الدستورية عندما نادى البعض بإعادة
إحياء دستور 1954.
ختام
من أهم ما ينبغي أن يميز القانون فاعليته
وقابليته للتطبيق من حيث ملاءمته للمجتمع وتلبيته مطالب المجتمع التي أدت
لصدوره.. كذلك من الضروري ألا يتعارض القانون مع الدستور، وإلا ففي تلك
الحالة يمكن لأي مواطن صاحب مصلحة مشروعة أن يطعن في ذلك القانون أمام
المحكمة الدستورية العليا باعتبار "عدم دستورية القانون".. عندئذ تقوم
المحكمة بالنظر في الدستور والقانون، وتقليبهما من كل جانب؛ لاتخاذ القرار
بشأن هذا القانون، تعديلًا أو إلغاءً.. ولو كانت ثمة دعوى منظورة مرتبطة
بهذا القانون في وقت الطعن فإنها تتوقف لحين البتّ فيه، وقد يترتب على عدم
دستوريته إلغاء جميع ما سبق من أحكام أو إجراءات مستندة عليه بأثر رجعي،
باعتبارها غير دستورية..
رؤيه وبحث : رمضان الغندور
والقانون يتكون كل منهما من موادّ.. هذه الموادّ وظيفتها تنظيم مختلف
جوانب الحياة في مصر: السياسية، التجارية، الأحوال الشخصية... وغيرها.
عملية
"صناعة" المادة الدستورية أو القانونية تُسَمّى "التشريع" وأحيانًا يستخدم
هذا التعبير للتعبير عن القانون ذاته فيقال "التشريع" بمعنى "القانون"..
ولكن المعنى الأكثر صحة للكلمة هو "عملية صناعة... القانون من حيث المضمون ومن حيث الشكل/ الصياغة".
ولكن.. ما هي المصادر التي يستوحي منها المُشَرِّع المادة القانونية؟
1- الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية
المجتمع المصري مجتمع متديّن بطبيعته، بالتالي فهو لا يقبل فصل عقيدته الدينية عن عملية صناعة القواعد المنظمة للحياة به..
بمعنى
أدق هو مجتمع غير قابل للعلمنة، وهذه سمة قديمة فيه منذ عصر الفراعنة،
ومرورًا بالعصر القبطي وعصر الحضارة الإسلامية، وحتى يومنا هذا. بالتالي
فإن المشرع حين يبدأ في وضع القانون يراعي ذلك الاتجاه "التديني" للمصريين
ويستخدم الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريعات، من ناحية فإن هذا يرضي
ويتماشى مع الاتجاه العام للمجتمع، وهذا من شروط فاعلية أي قانون في أي
مجتمع، ومن ناحية هو يضمن اكتساب القانون قوة إضافية لقوته الآمرة، وهي
الشعور العام بارتباطه بالعقيدة، وبالتالي وجود وازع ديني يمنع خرقه.. إن
لم يكن للجميع فعلى الأقل للنسبة الأعلى.
أما الشرائع السماوية الأخرى
فاعتبارها من مصادر التشريع يرجع لأهمية احترام الخصوصية الدينية لكل أهل
كتاب، باعتبار هذا من حقوق الإنسان، وكذلك تنفيذا لتعليمات الشريعة
الإسلامية بهذا الصدد.. حيث تنصّ تعليماتها على أن ينطبق على أهل الأديان
الأخرى قانونهم الخاص.. وهذا بالفعل ما ينبغي على نصوص الدستور والقوانين
أن تراعيه بالذات فيما يخصّ الأحوال الشخصية لغير المسلمين، فنجد بابًا في
القانون المدني بهذا الاسم بالفعل.. أما فيما لا يوجد فيه نص في الشريعة
غير المسلمة -كالمواريث في الشريعة المسيحية مثلاً- فيتم تطبيق النظام
الإسلامي حينئذ؛ لسدّ هذا الفراغ التشريعي.
2- العُرف
المصدر
الثاني للتشريع هو العُرف، والعُرف ببساطة هو "طريقة تعامل معينة مع بعض
الأمور جرت العادة بين بعض أو كل الناس على العمل بها، ويرجع تاريخها لدرجة
قِدَم معينة تعطيها نوعًا من الرسوخ في وجدان الناس".. في حالات كثيرة
يرجع المشرّع للعرف كمصدر للمادة القانونية لو وجد أنه يحقق المصلحة
المشروعة المطلوبة في موضوع القانون، كالأعراف السائدة بين التجار مثلا
يتأثر بها أحيانًا واضع القوانين التجارية، وكذلك الأعراف المرتبطة بالزواج
والطلاق -فيما لا يتعارض مع الشريعة- وهكذا..
ومن أهم فوائد اعتبار
العرف مصدرًا للتشريع أن القانون المستند على العرف يستمد قوته من اقتناع
الناس به، مما يجعلهم أكثر حرصًا على تطبيقه.
3- الاتفاقيات الدولية
ومن
أهم مصادر التشريع "الاتفاقيات الدولية".. فمن المعروف في القواعد العامة
للقانون في معظم إن لم يكن كل دول العالم، أن القانون الداخلي لو تعارض مع
اتفاقية دولية فإن الاتفاقية هي التي تسري على الحالة محل التعارض، إلا لو
كان في بعض أو كل بنود الاتفاقية ما يعارض النظام العام للدولة، كنظام
حكمها وشريعتها الرسمية وشكلها السياسي... إلخ. وفي تلك الحالة يسقط البند
ويسري القانون، أو قد تسقط الاتفاقية كلها، ولهذا فإن التصديق على
الاتفاقيات يكون من اختصاص البرلمان قبل اعتبارها سارية.
وأحيانًا يختصر
المشرّع الوقت، وينصّ صراحة على أنه "في الحالة كذا تنطبق بنود الاتفاقية
كذا".. وهذا لو كانت الاتفاقية تعالج وضعًا جديدًا على المجتمع، وكانت
بنودها تصلح للتطبيق كلها كقانون داخلي.
4- القوانين الأجنبية
ثمة
شائعة عارية من الصحة تقول بأن القانون المصري هو عبارة عن اقتباس كامل من
القانون الفرنسي، والحقيقة أن بعض -أو كثير- من مواد القانون المصري
مستوحى من بعض مواد القانون الفرنسي، بل وغيره من القوانين الأجنبية، وهذا
ببساطة لأن المشرع حين يبحث عن قانون مناسب لتنظيم الحالة محلّ التشريع
فإنه قد ينظر في كيفية تعامل القوانين الأجنبية مع الحالات المماثلة، فإما
أن يجد قانونًا (مادة قانونية) يصلح للتطبيق كله، فيقوم بصياغة المادة
القانونية المصرية بشكل مشابه، أو أن يجد بعض التشابه في بعض أجزاء المادة
فيقتبس منها ويعالجها بشكل يجعلها صالحة للتطبيق في مصر..
ولكن بالطبع يلتزم المشرع حين يقوم بذلك بألا يقتبس قانونًا يتعارض مع النظام العام للدولة أو الاتجاه العام لشعبها.
5- أحكام محكمة النقض
تشتهر
محكمة النقض باسم "محكمة القانون" فهي لا تنظر في الوقائع بل في القوانين
وكيفية تطبيقها على الحالات محل النظر أمام القضاء. لهذا فإن أحكام محكمة
النقض تعتبر في حد ذاتها قوانين. بمعنى أن القاضي حين ينظر في دعوى ما ويجد
أنه لا قانون ينظّمها فيستطيع أن يبحث في أحكام محكمة النقض في الحالات
المشابهة، ويتعامل مع الحكم باعتباره قانونًا يصلح للتطبيق على تلك الحالة.
6- اللوائح والأوامر التنفيذية
من
أهم مصادر التشريع كذلك اللوائح والأوامر التنفيذية التي تصدرها السلطة
التنفيذية لتنظيم العمل في الهيئات والوزارات والمحافظات.. فاللائحة التي
يضعها الوزير في وزارته تعتبر بمثابة قانون، والقرار الذي يصدره المحافظ
يعتبر بمثابة القانون، والأوامر الصادرة عن المجلس العسكري والحكومة
الانتقالية في تلك الفترة الحالية تعتبر بمثابة القوانين.. ولكن بشرط ألا
تخالف تلك القوانين الدستور أو القوانين الأعلى درجة..
7- القوانين والدساتير السابقة
من
الطبيعي أن يكون المشرّع ملمًا بالقوانين والدساتير السابقة؛ لأنه قد
يحتاج للاقتباس منها في صياغته للقانون أو الدستور، حيث يمكن أن يجد نصًا
أو أكثر سبق له التعامل مع الحالة قيد النظر أو مع الأوضاع الحالية بشكل
مناسب، فيقوم بالاقتباس من بعضه أو كله.. هذا أمر طبيعي جدًا، ولاحظناه
مؤخرًا أثناء النقاش حول التعديلات الدستورية عندما نادى البعض بإعادة
إحياء دستور 1954.
ختام
من أهم ما ينبغي أن يميز القانون فاعليته
وقابليته للتطبيق من حيث ملاءمته للمجتمع وتلبيته مطالب المجتمع التي أدت
لصدوره.. كذلك من الضروري ألا يتعارض القانون مع الدستور، وإلا ففي تلك
الحالة يمكن لأي مواطن صاحب مصلحة مشروعة أن يطعن في ذلك القانون أمام
المحكمة الدستورية العليا باعتبار "عدم دستورية القانون".. عندئذ تقوم
المحكمة بالنظر في الدستور والقانون، وتقليبهما من كل جانب؛ لاتخاذ القرار
بشأن هذا القانون، تعديلًا أو إلغاءً.. ولو كانت ثمة دعوى منظورة مرتبطة
بهذا القانون في وقت الطعن فإنها تتوقف لحين البتّ فيه، وقد يترتب على عدم
دستوريته إلغاء جميع ما سبق من أحكام أو إجراءات مستندة عليه بأثر رجعي،
باعتبارها غير دستورية..
رؤيه وبحث : رمضان الغندور