الحقيقة إستوقفتني هذه المحاضرة الرائعة والتي ألقاها العلامة السنهوري إبان معاهدة سنة 1936والتي القاها علي إتحاد طلاب الجامعة وطلاب كلية الحقوق؛حيث كان يشغل في هذا الوقت منصب عميد كلية الحقوق؛وبما أن تلك المحاضرة طويلة جدا؛فىثرت أن أنقل لكم منها ماقاله العلامة عن واجبنا نحو المحاماة.وكان عنوان المحاضرة(واجبنا القانوني بعد المعاهدة)حيث تكلم فيها عن القضاء في مصر والفقه والتشريع والمحاماة.وإليكم بعض المحاضرة:بعنوان واجبنا نحو المحاماة:إن قضية المحاماة أيها السادةقضية مستعصية الحل؛فالمحامون قبل غيرهم يشكون من تضخم عدد المشتغلين بالمحاماة ونزول مستواهم وقد أهتم كثيرون بالبحث عن علاج لهذا الداء؛وآخر علاج إقترح هو إغلاق جدول المحامين ولا أعتقد أن هذا العلاج شاف بل هو من قبيل عمليات البتر الجراحية التي يلجأ إليها الطبيب عندما تعييه الحيل وليس من العدل ولا من المصلحة أن يغلق باب المحاماة في وجوه الأكفاء سنين عدة والمحاماة صناعة حرة قوامها المنافسة والنضال؛وخير من إغلاق باب المحاماة تنظيم هذه الصناعة علي أسس جديدة تقتضيها الضرورات القائمة فإن أشد ما يشكو منه المحامون أمور ثلاثة:أولا:كثرة عدد المشتغلين بالمحاماة وتوقع إزدياد عددهم زيادة كبيرة في كل عام.ثانيا:عدم تنظيم الأعمال في المحاماة تنظيما يتلائم مع طبيعتها مع تشعب هذه الاعمال المتنوعة المتباينة.ثالثا:المشقة التي يقاسيها المبتدئون في المحاماة عند التمرين؛إذ يترك كل مبتدئ يعاني صعاب المحاماة دون مرشد إلي أن يصل به الأمر غالبا إلي أحد شيئين:إما أن تضعف عزيمته فيهجر المحاماة بعد أن ييأس من النجاح فيها؛وإما أن يسلك للنجاح طرقا ملتوية لا تتفق مع كرامة المحاماة.وأقدم لكم ماعن لي في كل أمر من هذه الأمور الثلاثة؛أما إزدياد عدد المشتغلين بالمحاماة وتوقع إطراد هذه الزيادة في كل عام؛فخطر حقيقي يجب النظر في تلافيه؛ولابد من أن تعالج المسألة من أساسها؛وعندي أن السبيل إلي ذلك هو أن يحدد لكل دائرة قضائية عدد من المحامين يكفي للقيام بأعمال المحاماة في هذه الدوائر دون أن يقاسي المحامي من كثرة العدد إلا المنافسة المشروعة وما يترتب عليها من بقاء الأصلح؛وسبيلنا في تحديد هذا العدد هو الإحصاء؛فنحصي قضايا الدائرة لعدة سنوات خلت ونبني تحديد العدد الازم علي هذا الحساب ونجيز مراجعة هذا العدد في فترات دورية لنرفعه أو نخفضه حسب مقتضيات العمل ومتي تم تحديد عدد المحامين في كل دائرة قضائية إلتزم كل محام أن يسجل إسمه في دائرة واحدة فيتوزع المحامون علي هذه الدوائر المختلفة توزيعا أقرب إلي مقتضيات العمل وحاجاته من التوزيع الحاضر؛ ويرحل كثير من محامي المدن إلي الأرياف حيث لا يزال ميدان العمل متسعا وأعتقد أنه متي عدل توزيع المحامين علي المناطق القضائية علي النحو المتقدم نجد أن كثيرا من المناطق لا يزال غير كامل العدد؛فهذه الأمكنة الخالية التي لم تملأ مضافا إليها الأمكنة التي تخلو من المحامين الذين يعتزلون العمل(وعندي أن من الواجب تنظيم طريقة لأحالة المحامي إلي المعاش)هي الأمكنة التي تعرض علي من أتم تمرينه من المحامين الناشئين يشغلونها بعد مسابقة تجري فيما بينهم ويشغلونها بالدور حسب ترتيبهم في هذه المسابقة بهذه الطريقة نكفل وقوف المحامين عند العدد الذي تقتضيه حاجة العمل مع فتح الباب للكفاية؛وقصر المحاماة علي الأصلح.أما تنظيم اعمال المحاماة المتشعبة فأمر ضروري.والمحامي في مصر يجمع بين وظائف ثلاث.هو محام مترافع؛وهو محامي إجراءات وهو موثق للعقود.وهذه الوظائف الثلاث منفصلة في البلاد الأخري بعضها عن البعض الآخر.وفي فرنسا المحامي المترافعAVOCATغير محامي الإجراءاتAVOUEغير موثق العقودNotaireوأري الخير أن يفصل عندنا مابين هذه الوظائف الثلاث فيتسع مجال العمل أمام المحامين ويتخصص كل في العمل الذي أعدته له كفايته الطبيعية وعندي أنه ينبغي أن تراعي هذا التخصص في الدراسة القانونية؛وأن تنشأ في كلية الحقوق أقسام مختلفة لتخريج المشتغلين بكل وظيفة بهذه الوظائف. بقي تنظيم التمرينللمحامين الناشئين.وأحب أن تدركوا جميعا مايساور المحامي الناشئ من القلق.وما يكتنفه من المصاعب؛وهو يجتاز أول دور من أدوار المحاماة؛وهو التمرين؛يتقدم إلي ميدان لا يعرفه؛وليس لديه من سلاح يناضل به في هذا الميدان.تنقصه الخبرة العملية؛وهو لم يتلق في دراسته؛ولا يستطيع أن يتلقي إلا أسسا نظرية لا تفيده كثيرا في هذا الدور الأول ويترك إلي رحمة المحامين الذين سبقوه إلي المحاماة يستغل ولا يؤجر.وعندي أن تنظيم التمرين ضروري لصناعة المحامين؛لاسيما إذا حدد عدد المحامين علي الوجه الذي قدمناه وأري أن يفرض علي كل محام قديم أن يأخذ عددا من الناشئين يقضون فترة التمرين في مكتبه؛بشروط يلزم بها الطرفان؛وأن ينشأمكتب عام للتمرين؛ينتدب لإدارته العدد الكافي من المحامين؛وتغذيه قضايا المعافاة والإنتداب؛فتتاح الفرصة لكثير ممن لايجدون مكانا للتمرين في أحد المكاتب أن يقضوا فترة التمرين في هذا المكتب بشروط معقولة وبطريقة منظمة تكفل لهم التوفر علي المران الازم والإستعداد الكافي للتقدم إلي المسابقة التي ينخرطون بعدها في سلك المحامين.هذه هي الأراء التي عنت لي لتنظيم المحاماة علي أسس جديدة؛أبسطها بسطا سريعا فإن المقام لا يتسع للإفاضة والأسباب؛علي أن تكون هذه المسألة الخطرة موضوع دراسة عميقة في وقت قريب فإن المحاماة في حاجة إلي إصلاح شامل عاجل.
_________________
_________________