روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    لا مؤاخذة .. دولة المؤسسات

    ماهر متري
    ماهر متري
    ....
    ....


    عدد المساهمات : 247
    نقاط : 739
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 29/05/2011

    لا مؤاخذة .. دولة المؤسسات Empty لا مؤاخذة .. دولة المؤسسات

    مُساهمة من طرف ماهر متري الجمعة يوليو 01, 2011 10:27 pm

    لا مؤاخذة .. دولة المؤسسات Dwl-lmwsst
    هنا لا يوجد "حاكم بأمره" يفعل ما يشاء، لا يوجد "قائد المسيرة" ولا توجد "طاعة عمياء لولي الأمر"؛ لأنه في الواقع "لا ولي أمر".. لا مكان هنا لـ"توجيهات السيد الرئيس" أو "رؤية الزعيم والقائد"..

    هنا لا كبير إلا الشعب..

    مرحبًا بك في دولة المؤسسات..

    ولكن.. ما هي المؤسسة؟
    "المؤسسة" هنا ليس تعبيرًا عن "شركة" أو "وزارة" أو "إدارة".. بل هو يأتي -في سياق الحديث عن دولة المؤسسات- تعبيرًا عن "جهة كاملة بإداراتها ومكاتبها والعاملين فيها تتولى المشاركة في إدارة الدولة بأكملها أو قطاع مهم من قطاعاتها".
    فالقضاء بأكمله "مؤسسة" هي "المؤسسة القضائية".. والبرلمان هو "المؤسسة التشريعية" مجلس الوزراء هما "المؤسسة التنفيذية"، وهذه هي المؤسسات الثلاث بالإضافة إلى المؤسسة الرئاسية هي الأعلى في الدولة، وتعمل تحت إدارة "المؤسسة التنفيذية" مؤسسات أصغر كالمؤسسات الصحية والتعليمية والتموينية والأمنية.. وتوجد كذلك مؤسسات مستقلة تمامًا عن أية سلطة، مثل المؤسسات الصحفية والإعلامية والدينية والجامعية..
    وتلك المؤسسات سالفة الذكر، في دولة المؤسسات، تعمل كل منها مستقلة بذاتها، متمتعة بحريتها في إدارة نفسها، دون الخروج على الدستور أو القانون أو النظام العام.
    تعريف.. بين الاستقلالية والارتباط
    دولة المؤسسات هي -ببساطة- دولة لا تقوم الحياة السياسية والإدارية فيها على سلطة عليا تمسك في قبضتها كل السلطات وزمام كل الأمور، بل بالعكس، هي دولة تقوم على مزيج من استقلالية مؤسساتها المختلفة، وفي ذات الوقت الرقابة المتبادلة من تلك المؤسسات بعضها على بعض.
    تلك المؤسسات على رأسها المؤسسات القضائية والتشريعية (البرلمانية) والرئاسية والإعلامية والعسكرية والأمنية والخدمية (مياه – كهرباء – غاز – نقل – تعليم - صحة... إلخ) والجامعية والنقابية، وحتى الرياضية، وفي دولة يشغل فيها الدين مساحة مهمة كمصر تنضم لتلك المؤسسات المؤسستان الدينيتان: الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية..
    لكل من تلك المؤسسات استقلاليتها الإدارية، وحريتها في اتخاذ القرارات، وشكل الإدارة وتسيير الأعمال الذي تراه مناسبًا لها، ومصادر تمويلها، ولوائحها الداخلية، وقنواتها الإعلامية للاتصال بالجماهير..
    ولكن هذا الاستقلال لا يعني أنها منقطعة الصلة تمامًا عن غيرها من المؤسسات؛ لأن تلك الاستقلالية للمؤسسات إنما هدفها أن تكون لكل منها سلطة رقابية على الأخرى، فالمؤسسة البرلمانية تصنع القوانين التي تسترشد بها المؤسسة القضائية في أحكامها، والمؤسسة العسكرية تتحرك وفقًا للسلطات الممنوحة لها من البرلمان، وفي ضوء التعليمات القادمة من الرئاسة, والمؤسسة الأمنية تراقب عدم مخالفة المؤسسات للقوانين وعدم ارتكاب قياداتها جرائم مخلة بالشرف والقوانين الجنائية, والمؤسسة الإعلامية ترصد وتراقب ما يجري في المؤسسات، وتتولى كشف وفضح أية وقائع فساد مالي أو إداري, والمؤسسات الخدمية تقدم الخدمات للمواطنين في ضوء حقوقهم الدستورية والقانونية، ولكن مع احترام حريتها في تقديم الخدمة بالشكل الذي تراه مناسبًا لطبيعة المنطقة والجهة المتلقية للخدمة.. والبرلمان هو الذي يراقب ويقرر الاعتمادات المالية لكل جهة.. وفي مجتمع متدين مثل مصر تمارس المؤسستان الدينيتان رقابتهما على تطبيق الشريعة على الأحوال الشخصية لأبناء دينها، فضلاً عن دور المؤسسة الأزهرية في مراقبة التشريعات؛ لضمان عدم مخالفتها للشريعة الإسلامية، وهكذا يسير العمل في دولة المؤسسات بشكل تتعامل فيه كل مؤسسة مع الأخرى بندية، وتحترم تخصصها ودورها في المجتمع.

    مجتمع دولة المؤسسات

    1- المواطن مخدوم
    ومجتمع دولة المؤسسات هو مجتمع يتعامل فيه الفرد باعتباره "مواطنًا" صاحب حقوق كاملة تتمثل في أنه "مخدوم" لتلك المؤسسات، وليس باعتباره "رعية" ممتثلا لأمرها على طول الخط.. ففي دولة المؤسسات تكون المناصب القيادية وفق نظام انتخابي دقيق يضمن أن تكون السلطة العليا للشعب، فالمناصب التنفيذية مثل "رئيس الدولة - رئيس الحكومة - أعضاء ورئيس البرلمان – المحافظين - رؤساء الأحياء والمدن - أعضاء ورؤساء مجالس المدن (المحليات) - رؤساء الأقسام وعمداء الجامعات - رؤساء تحرير الصحف الرسمية - مديري النقابات"... كل هذه المناصب تكون بالانتخاب إما من الشعب بشكل عام "الرئيس - رئيس الحكومة... إلخ" أو من أبناء المنطقة "المحافظ - رئيس الحي" أو من أبناء المؤسسة "النقيب - رئيس التحرير".. هذا يجعل كل صاحب منصب يدرك أنه مدين بمنصبه للناخبين، مما يعني أن عليه إرضاءهم بتحقيق المصلحة المرجوّة من منصبه.

    2- المواطن مالك ومدير
    كذلك يضمّ النظام المؤسسي نظامًا ضريبيًا عادلاً يؤدي لنتيجة أن المواطن ليس مجرد "منتفع" من مؤسسات الدولة، بل هو "مموّل" لها، مما يعني أنه عمليًا "يملكها".. لهذا نسمع في بعض الدول -مثل أمريكا مثلاً- أثناء المناقشات السياسية عبارة "أموال دافعي الضرائب"..
    ومن أهم مميزات دولة المؤسسات أن الرقابة فيها على أعمال السلطة والإدارة لا تكون مجرد رقابة إدارية لا يعرف المواطن شيئًا عنها، بل إنها تضمّ نوعًا من الرقابة الشعبية الصارمة، متمثلة في منظمات المجتمع المدني، كمنظمات حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، وحماية البيئة والصحة، وحماية المستهلك، والرقابة على التعليم.. وغيرها. تلك المنظمات المستقلة عن السلطة تملك -بقوة القانون- قوة رقابية قد تصل أحيانًا لمنحها حق تفتيش أقسام الشرطة، والتأكد من عدم استخدام العنف والتعذيب، والحق في الاطّلاع على ملفات الأمور المالية للمؤسسات؛ لضمان عدم وجود تلاعب أو فساد، والحق في مراقبة المواد المقدمة تليفزيونيًا؛ لضمان خلوها من العنف المفرط أو الإباحية.. والتواجد في المصالح الحكومية؛ للوقوف على طريقة تعامل الموظفين مع المواطنين وسرعة وفعالية خدمتهم.. وغيرها من حقوق الرقابة على معاملة المؤسسات للمواطن في المجتمع، وكيفية تقديمها الخدمة له.

    3- المواطن إيجابي
    هذا الطابع المؤسسي يؤدي لأن يكون المواطن أكثر إيجابية في المجتمع، فهو يدرك أنه "مهم" وأن رأيه "يفرق كثيرًا" وأنه وهو في مكانه "صانع سياسات ومحرك قرارات".. مما يجعله يشارك برغبة حقيقية في الحياة السياسية كالانتخابات المحلية والعامة، ويمارس الرقابة على المؤسسات، ولا يتردد في الشكوى لجهات تلقي الشكاوى لو وجد ما يضر أو يسيء.. وهذا من منطلق إدراكه أن رأيه يهمّ أصحاب القرار.. وأنه لن يتعرض لاضطهاد أو تهميش وإلا تعرّض صاحب المنصب المسيء لاستغلال منصبه لما لا يحمد عقباه، بما في ذلك فقدانه لمنصبه ذاته!
    4- النظام السياسي والإداري المناسب لدولة المؤسسات
    بقي أن أقول إن نظام المؤسسات لا يمكن أن يطبّق إلا في دولة تطبق النظام اللامركزي في الإدارة وليس النظام المركزي.. بمعنى أن الدولة الشمولية تعني الدولة التي تتحكم فيها جهة واحدة في كل شيء، كمصر خلال عهد الحزب الوطني، وكالاتحاد السوفيتي الذي كان يسيطر فيه الحزب الشيوعي على كل شيء.. أما النظام الليبرالي السياسي فهو "تحرير المؤسسات" من سلطة الفرد والحزب، لكي تستطيع ممارسة عملها كما ينبغي..
    والنظام المركزي الإداري يقوم على اعتبار العاصمة مركز كل القرارات، فلا يمكن لأي صاحب قرار أو جهة في أية مدينة أن تتخذ قراراتها بحرّية، بل عليها أن تنتظر قرار "المركز".. أما النظام اللامركزي المرتبط بنظام المؤسسات فهو نظام يقوم على أن لكل منطقة ولكل مؤسسة ولكل فرع استقلاليته ومساحته لاتخاذ القرار، ولكن ليس على المطلق -حتى لا تعمّ الفوضى- وإنما في ضوء السياسات العامة للمؤسسة الأم، أو الإدارة العليا.. بشكل يحقق التوازن بين احترام السياسات العامة، واحترام حق المواطن في سرعة خدمته وفق طبيعة مجتمعه واحتياجاته.
    أمثلة:

    ولنظام دولة المؤسسات أمثلة واقعية عديدة ربما رأيناها دون أن نلاحظها:

    1- تركيا: عندما وقع الهجوم الإسرائيلي على سفن أسطول الحرية قبالة سواحل غزة سئل رجب طيب أردوجان -رئيس وزراء تركيا- بعد الحادث مباشرة عن موقفه الذي يعتزم اتخاذه ضد إسرائيل، فقال إنه ليس ثأرا بيني وبين إسرائيل كي أبدي موقفًا شخصيًا مني، ولكنها قضية بلد، لذا سأنتظر الجلسة الاستثنائية للبرلمان التركي غدًا، وما سيقرره البرلمان سألتزم بتنفيذه؛ لأن تركيا دولة مؤسسات وليست دولة رجب طيب أردوجان.
    2- أمريكا: خلال قضية العلاقة الجنسية المريبة بين بيل كلينتون ومونيكا لوفينكسي، مارست كل مؤسسة دورها في التعامل مع القضية، فالمؤسسات الصحفية والإعلامية قامت بتغطية الأمر بحرّية كاملة وتعاملت بصرامة شديدة مع كذب كلينتون بخصوص علاقته بمونيكا، ووقفت منه موقف المُحاسِب له بشدة، وأجبرته على الاعتذار للشعب الأمريكي، والمؤسسة القضائية قامت بالتحقيق في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالأمر دون أن توضع أمامها قيود أو عقبات تتعلق بـ"حصانة الرئيس" مثلا.. كما يحدث في بعض الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية.
    3- بريطانيا: أحد رؤساء الوزراء في بريطانيا أوقفته مواطنة وجادلته بشكل حادّ، بعد ركوبه السيارة علّق قائلاً لمساعده: "إنها امرأة متعصبة".. لم يلاحظ أن أحد ميكروفونات الصحافة كان ما زال عالقًا بسترته، قامت الصحيفة بنشر المقولة، وانقلب الرأي العام عليه، واضطر للذهاب لمنزل المواطنة للاعتذار منها.. في دولة المؤسسات يمكن للصحافة أن تعاقب المسئول معنويًا، ولكن في أي نظام آخر كان الصحفي سيعاقَب لأنه "سرّب" حديثًا بين مسئول وآخر..
    كذلك ذات مرة تعرض رئيس الوزراء الأسبق جون ميجور لتلقيه ضربة ببيضة في وجهه من مواطنة، وقررت المحكمة تبرئة المواطنة؛ حيث إنها رأت المحكمة أن هذا التصرف لم يضرّ بدنيًا بميجور مما يجعله من أعمال "التعبير عن الرأي".. في دولة المؤسسات يمكن للقضاء أن يقضي بأحكام غير "مسيّسة".. أما في دولة شمولية فكانت المرأة ستتحول لمصفاة قبل أن تقترب لمسافة 500 متر من المسئول!

    رمضان العندور

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 10:10 pm