روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    الديب و مصير جلاد دنشواي

    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    الديب و مصير جلاد دنشواي Empty الديب و مصير جلاد دنشواي

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الأربعاء أغسطس 10, 2011 3:30 am

    الديب و مصير جلاد دنشواي Uouso_11
    بادئ
    ذي بدء دعني أخبرك من هو جلاد دنشواي.. إنه إبراهيم الهلباوي، فلعلّ البعض
    يجهله: كان إبراهيم الهلباوي أشهر محاميي مصر في مطلع القرن الماضي، وكان
    يُدعى بشيخ المحامين، وذاع صيته للحد الذي تداولت مقولة شهيرة على ألسنة
    الناس: "والله لأقتله وأجيب الهلباوي"؛ إذ كانت البراءة مضمونة على يديه..
    فماذا حدث وما المصير الذي آل إليه؟
    يصف أستاذنا يحيى حقي حالته قائلا: "لا أعرف أحدا من ساسة مصر تجرّع مثله العذاب علقا وصابا كأسا بعد كأس، سنين طويلة تكاد تكون هي عمره كله".
    ولم
    كل هذا العذاب يا سادة؛ لأنه المحامي الذي كان مدعيا عاما للنيابة التي
    دافعت عن جلادي دنشواي، وتسببت في حكم الإعدام للفلاحين البسطاء، حادثة
    دنشواي التي أبدع قاسم أمين في وصفها حين قال: "رأيت قلب مصر يخفق مرتين،
    يوم تنفيذ حكم دنشواي، ويوم موت مصطفى كامل"، لقد دافع عن الباطل وهو يعلم
    أنه باطل، دافع عمن قتل براءة الفلاحين البسطاء، فكل مصري وقتذاك شعر أن
    الهلباوي طعنه بخنجر مسموم في صدره.
    فماذا بعد أن انتهت المحاكمة؟ نعود
    لأستاذنا يحيى حقي الذي عاصر الهلباوي، وكتب يقول: "نسي الشعب أناسا آخرين،
    مسئوليتهم إن لم تزد فلا تقل عن مسئولية الهلباوي.. القضاة الذين أصدروا
    حكم الإعدام، والوزير الذي صدّق على هذا الحكم، ورئيس الوزراء الذي بارك
    هذا الجرم بسكوته عنه.. من هم؟ لا أحد يذكرهم، ونسي الشعب أيضا كثيرين ممن
    أجرموا في حق الوطن.. ولكنه لم ينس قط جريرة إبراهيم الهلباوي".
    وهو ما
    ورد بعد ذلك أن الهلباوي حاول أن ينخرط في جموع الشعب المصري، ويشارك في
    مؤتمرات وطنية عدّة، لكن ما إن يشارك في مؤتمر جماهيري، ويدوي صياح أحدهم:
    "ليسقط جلاد دنشواي"، حتى يضج المكان بالهتاف، وتُخزى عين أول نقيب
    للمحامين، حتى أدى ذلك لانزوائه وموته كمداً. لماذا؟ لأنه دافع عمن جار
    وظلم، عمن أخطأ في كرامة مصر كلها، وليس في قتل مجموعة من الفلاحين.
    مرق
    بخاطري صورة الهلباوي، وأنا أشاهد المحامي المحنّك فريد الديب وهو يترافع
    عن الرئيس المخلوع حسني مبارك، الديب الذي لا يألو جهدا في الحديث عن براءة
    مبارك من كل التهم المنسوبة إليه، بل ووصل به الأمر لأن يقول إن الرئيس
    كان مؤيداً للثورة! ودعنا من هذا الهراء، لكن الديب معروف بذكائه، وطول
    باعه في القانون، وقد يحدث مثلاً –لا قدر الله- أن يُخرج مبارك براءة،
    مستخدماً في ذلك الأساليب الملتوية المعروفة حيث الخطأ في الإجراءات،
    والمماطلة في المحاكمة، وما إلى ذلك.. وحتى لو حدث -إن شاء الله- ووقع حكم
    مغلّظ على الرئيس المخلوع، وخسر الديب قضيته، فهل سيخسر فقط مجرّد قضية..
    أم إن الأمر أبعد من هذا؟
    لست في حاجة لاستعراض التاريخ المباركي، وكم
    التأخّر في أبسط احتياجات المواطن: المسكن، الصحة، التعليم...، وكلنا نُدرك
    حجم الماسأة في أهم القطاعات التي تشغل بال أي مواطن، وسأتغاضى عن كل
    السياسات الخاطئة طوال ثلاثين عاماً، لأتحدّث عن حدثين فقط برزا بوضوح بعد
    الثورة:
    أولهما: تصدير الغاز لإسرائيل، وكيف ظهر -حاليا- أن ثمن التصدير
    كان بخساً وأقل من المنطقي لدرجة تثير البكاء والسخرية، وإسرائيل هي عدونا
    الأول والتاريخي، فأن تبيع لها الغاز وبهذه الصورة الفجّة، يُعدّ ذلك
    خيانة عظمى لهذا البلد، واصطفاء حسين سالم من الأسرة الحاكمة يندرج تحت هذا
    البند، وهو المعروف بانتمائه للكيان الصهيوني، وتابعنا معا كيف وجد هناك
    بعد الثورة.
    ثانيهما: قتل مئات المصريين، وقد قال المشير طنطاوي في حفل
    كلية الشرطة إن أعضاء المجلس العسكري بالإجماع رفضوا إطلاق النار على
    المتظاهرين.. فمن بالله عليكم يمكنه أن يُعطي أوامر للجيش سوى قائده
    الأعلى؟ ثم لو لم يكن يعلم أن مئات الشهداء سقطوا برصاص زبانيته، فالعقوبة
    أوخم، وقد بكى سيدنا عمر خشية أن تتعثّر بغلة في العراق، ليرسي مبدأ
    مسئولية الحاكم عن كل الرعية.
    لقد مات المحامي إبراهيم الهلباوي كمدا؛
    لأن المصريين لم يغفروا له أنه دافع عمن قتل، فهل يتعظّ المحامي فريد الديب
    من ذلك الدرس التاريخي، أم يتمادى ليُسجَّل في التاريخ -الذي لا يرحم- مع
    الهلباوي جلاد دنشواي؟!



      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 06, 2024 8:02 pm