التاريخ ليس سردا للوقائع . أو كتابا للتسلية . أو رواية بغير دراما . أو
ملحمة تنتهي بسقوط الآلهة . أو ملفا للنوادر والطرف . أو ديوان شعر لدغدغة
العواطف .
التاريخ مجلس للحكمة والمحاكمة . ذاكرة للبشر . لا تنسي ولا تتسامح . تصدر
أحكاما غير قابلة للنقض . يهدي من يقرأه بعناية الي سواء السبيل .
والتاريخ يعيد نفسه بأشكال وعناصر درامية مغايرة . تتغير أسماء النجوم
والكومبارس . لكن تظل الأدوار والنتائج واحدة . كاشفة للمستقبل . ومنشأة
للمستقبل ..
من يقرأ التاريخ المصري قبل الثورة ، ويتعرف علي همجية بعض العناصر
الرأسمالية .. يدرك أننا نعيش مرحلة مماثلة . نفس الأزمات ونفس التناقضات
الرئيسية والثانوية . ويدرك أن النتائج مماثلة مهما طال الزمن .
ولنا في أحمد عبود باشا وأحمد عز باشا حكمة ياأولي الألباب .
عبود باشا إشتري الدولة : الملك والسرايا والحاشية والوزارة والأحزاب
والصحف . أقام وزارات . وأقال وزارات . وملك الأرض ومن عليها ، في غيبة من
الزمن . وقادته قوته الغاشمة الي معركة أتت عليه . وأتت علي النظام ذاته .
قرر أحمد عبود باشا أن يرفع سعر السكر ( وهو أحد المكونات الغذائية للفقراء
) . وعندما رفضت حكومة أحمد نجيب الهلالي باشا القرار ، دفع رشوة كبيرة
لجلالة الملك ، وشجعه علي إقالة الوزارة . فأقالها ... بعد ذلك بشهور قليلة
سقط النظام الملكي بكل أطرافه . وسقط معه أحمد عبود باشا . وأسقطه التاريخ
من سجلات الشرفاء .. وأضافة الي سجلات الهمج ..
أحمد عز باشا يلعب نفس الدور . يحتكر صناعة رئيسية . ويسيطر علي المدخلات
والمخرجات والأسعار والفواتير وبقية المفردات . وفي غفلة من أولي الألباب ،
قفز الي الصفوف الأولي من السلطة . يعز من يشاء . ويذل من يشاء .
ولكن للتاريخ يقين آخر . سوف تزول دولة أحمد عز إذا إستمر في غيه . والله علي كل شئ قدير .
تداعت كل هذه الخواطر خلال إجتماع نظمه إتحاد الغرف التجارية برئاسة محمد
المصري . وشارك فيه شعبة المصدرين . وشعبة المستثمرين العقاريين . وممثلي
بعض شركات الحديد والأسمنت .
مسار المناقشات ينبئ بالنتائج المتوقعة . ويقدم الدليل علي مصداقية التاريخ .
إحتكارات أحمد عز أحدثت ( قفلة كهربائية ) في كل الإتجاهات . وسدت الطرق
أمام كل المشروعات ، التي تراهن عليها الدولة تحت مظلة البرنامج الإنتخابي
للرئيس .
إحتكار الحديد . وإرتفاع أسعاره بمعدلات جنونية ، أدت الي إنهيار كل منظومة
التكلفة للمشروعات العقارية . لافرق في ذلك بين مشروع عقاري بالمليارات .
ومشروع عقاري لعائلة صغيرة . التكلفة قفزت مابين ٣٠٪ الي ٤٠٪ علي الأقل .
وعندما تقفز التكلفة ، تنسحب بالضرورة شريحة من العناصر العاملة في السوق .
تخرج من السوق . تفلس . أو تؤجل التنفيذ الي أجل غير مسمي . ويندفع سوق
العقارات الي هاوية الأزمات .
ولهذا السوق خاصية حيوية . إذا إسترد عافيته ونشاطه ، أعاد العافية والنشاط
الي سلسلة طويلة من الوحدات الإنتاجية والخدمية . يقدرها البعض بنحو ٦٤
سلعة وخدمة . ويقدرها البعض الآخر بنحو ١٠٠ سلعة وخدمة . نذكر منها :
صناعات الأسمنت والجبس والحراريات والألمونيوم والأخشاب والمواسير
والتوصيلات الكهربائية والإتصالات والصناعات الألكترونية والأجهزة
الكهربائية والمفروشات والسجاد . إضافة الي خدمات الهندسة والديكور والبناء
والإشراف والنقل بكل أشكاله ومستوياته .
وعندما يرتفع الطلب علي هذه المنظومة من الأعمال ، يرتفع الطلب في المقابل علي الأيدي العاملة . وتنفرج أزمة البطالة نسبيا .
الإنهيار لن يقع في سوق العقارات وحده . بل يمتد الي المشروعات الصناعية والخدمية والفندقية وغيرها .
من المؤكد أن المشروعات الفندقية التي تتعرض لزيادات جنونية في مستوي
التكلفة ، سوف تتوقف أو تنسحب . ومن المؤكد أن العقارات الإدارية التي تقام
لصناعة التسوق ، سوف تتوقف أو تنسحب . ومن المؤكد أن العقارات العلاجية
التي تقام لهذه الخدمة سوف تتوقف أو تنسحب . وهكذا تتكامل الأزمة في كل
الإتجاهات بفضل النزعة الإحتكارية المجنونة التي كبست أحمد عز باشا .
وتشربت بها شرايينه وخلاياة ..
ماهي النتائج النهائية : لنقرأ معا تاريخ أحمد عبود باشا ..
المناقشات التي جرت في إجتماع السبت ٣ مارس تؤكد النتائج مقدما .
قال ممثل شعبة المستثمرين العقاريين : إنه يرحب بقرار وزير التجارة
والصناعة بفرض رسم تصدير علي صادرات الأسمنت والحديد . لقد عاني القطاع
كثيرا من إرتفاع الأسعار . ومن المؤكد أن كل مقاول أو مطور عقاري سوف يتوقف
طويلا قبل أن يتخذ قرارا بالإستمرار . إن التعاقدات التي تمت لبناء مساكن
الشباب ، تنفيذا لبرنامج الرئيس تمت ضمن إطار تكلفة محددة . الآن زادت
التكلفة بمعدلات تفوق الطاقة . وعلي الحكومة أن تراجع العقود . وتدفع الفرق
. أو علي المقاول أن يدفع الفرق . والأخير لن يدفع لتتراكم الأرباح لدي
فئة قليلة تحتكر سوقي الحديد والأسمنت . النتيجة أن برنامج الرئيس أصيب
بضربة معطلة الي أجل غير مسمي .
صحيح : إن الشعبة لا تميل الي تنظيم السوق بقرارات إدارية . وصحيح أيضا
إنها تؤيد بقوة إستمرار إدارة السوق بموازين العرض والطلب . لكن هذه
الموازين مختلة الآن لأسباب إحتكارية . ومن حق الدولة القوية أن تمارس
دورها من خلال أجهزة حماية المجتمع . لا من خلال القرارات الإدارية .
وقال محمد المصري رئيس إتحاد الغرف التجارية : ياناس . ياهووه . إقراءوا
معي كل الميزانيات المنشورة لشركات الأسمنت . الميزانيات كلها تؤكد أن
مستوي الربحية بلغ هذا العام مابين ٥٠٪ الي ٦٠٪ . هل هناك صناعة تكسب بهذه
المعدلات ؟. أعتقد أن تصرفات شركات الأسمنت غير عادلة . وغير معقولة .
وتصيب السوق بأزمات لا حد لها . وهي التي أجبرت وزير التجارة والصناعة الي
إصدار قراره الأخير .
وتحدث رفيق الضو وهو مستثمر لبناني وهو من الشركاء في شركة السويس للصلب .
إن هامش الربح الذي يحققه منتجوا حديد التسليح لا يزيد عن ٥٪ طبقا للتكلفة
التي ترصدها الأرقام . ولا تزيد عن ٨٪ في حديد البيليت . لكنها تزيد عن ٤٠٪
في حديد الدرفلة . وغيرها من المنتجات التي تتمتع بسوق إحتكارية .
ونصيحيتي أن يقتصر تطبيق قرار وزير التجارة والصناعة علي الشركات التي
تمارس الإحتكار . لا الشركات التي نشأت لتزويد السوق بإحتياجاته . وتوفير
فرص العمل للمصريين .
وتحدث التجار عن الحملة الأمنية التي رافقت تطبيق قرار وزير التجارة
والصناعة . وإعترفوا بأنهم أغلقوا مخازنهم خوفا من إعتقالهم أو الزج بهم في
قضايا الإمتناع عن البيع . أو تخزين السلع وإخفائها عن التداول .
وهنا تدخل محمد المصري . وقال : إنني أقول لكم وفي حضور رئيس مباحث التموين
. ( إفتحوا مخازنكم . وباشروا أعمالكم . ولن تضاروا علي الإطلاق . المشكلة
ليست لديكم .ولكن لدي المنتجين الكبار ) . وأنصحكم بالإلتزام بشروط قرار
وزير التجارة والصناعة التي تقضي بمسك دفاتر تسجيل ماجري تسلمه من المصانع
. وماجري بيعه . والأسعار التي تمت بها العملية .
وتحدث أحد الحاضرين عن الأضرار التي أصابت البرنامج الإنتخابي للرئيس . قال : إن الإحتكارات ضربت كل الأهداف الحيوية .
ربما لا يعرف هذا الجيل من هو أحمد عبود باشا ..
إنه صانع الملوك كما وصفته إحدي المجلات التاريخية . ونشرت عنه القصة التالية :
ينتمي أحمد عبود باشا إلى جيل فرغلي باشا ذي الوردة الدائمة في عنق الجاكيت
( ملك القطن ) ، وسيد ياسين ( ملك الزجاج ) ، وإلياس أندراوس ( ملك
البورصة ) وغيرهم ، غير أن أحمد عبود باشا ، يختلف عن أقرانه بأنه مليونير
عصامي بدأ من القاع ، أو تحته قليلاً .
ومن مجرد فتى يملك أبوه حماماً شعبياً في حي باب الشعرية ، أصبح رجل أعمال
يملك إمبراطورية ضخمة من صناعة السكر والصناعات الكيميائية والورق والشحن
والقطن ، تبلغ قيمته 100 مليون دولار .
يا لها من رحلة جمعت بين الاستثمار والسياسة والفساد ، ظل أحمد عبود يساعد
والده في إدارة الحمام الشعبي حتى تخرج في المهندسخانة ، وعمل بعد تخرجه
بأجر شهري لا يتجاوز خمسة جنيهات في وابورات تفتيش الفيكونت الفرنسي هنري
غابرييل الشهير بالكونت دي فونتارس بأرمنت ، وفُصِلَ منه بعد فترة ليعمل مع
أحد مقاولي الطرق والكباري بفلسطين ، وكان ينفذ بعض العمليات للجيش
الإنجليزي ، وفي تلك الفترة تعرف إلى مدير الأشغال العسكرية للجيش
الإنجليزي ونشأت بين عبود وبين ابنة هذا الضابط الإنجليزي المهم قصة حب
انتهت بالزواج ، وهنا جاء التحول الكبير في حياة هذا المهندس الشاب ، حيث
ترك العمل لدى المقاول واشتغل بالمقاولات ، وبمساعدة حميه أسندت إليه معظم
أشغال الجيش الإنجليزي في فلسطين ومدن القناة حتى تكون لديه رأسمال استطاع
به أن يشتري معظم أسهم شركة ثورنيكروفت Thornycroft للنقل بالسيارات
بالقاهرة ، ثم شركة بواخر البوستة الخديوية ، حتى ظهر اسمه في عام 1935 في
ذيل قائمة أغنياء مصر أيامها .
كان عبود أحد أولئك الذين استفادوا من ظروف الحرب العالمية الثانية ليحقق
ثروة طائلة من أرباح أسطول السفن الذي كان يملكه ، في ظل ارتفاع أجور النقل
ارتفاعاً خيالياً ، وهكذا اشترى معظم أسهم شركة السكر والتكرير المصرية
التي كان يملكها رجل أعمال بلجيكي يدعى هنري نوس ، وعندما مات هنري نوس
أسندت إدارة الشركة إلى ابنه هوغ ، لكن عبود العضو البارز في مجلس إدارة
الشركة استغل هذه الفرصة وأوعز لأصدقائه الإنجليز ليقوموا بتجنيد الابن رغم
أنفه ، وتم ذلك فعلاً ويذهب هوغ نوس ليشارك في الحرب ولا يعود منها ، فقد
قتل في إحدى المعارك ، وخلا الجو لعبود لينفرد بإدارة شركة السكر رئيساً
والعضو المنتدب لها ، وظل رئيساً لمجلس إدارتها حتى تم تأميمها في عام 1961.
وكانت لأرمنت عند عبود هوى خاص ، حتى إنه اشترى تفتيش الكونت الفرنسي دي
فونتارس ( 6000 فدان ) الذي كان يعمل أجيراً فيه - بعد هجرة الكونت إلى
البرازيل ، واشترى أيضاً قصره بأرمنت ( سراي عبود ) ، وكان أحد قصور الخديو
إسماعيل إذ بناه لاستضافة أوجيني إمبراطورة فرنسا أثناء زيارتها لافتتاح
مصنعه بأرمنت الذي واكب افتتاحه افتتاح قناة السويس في نوفمبر تشرين ثانٍ
عام 1869 .
اشترى عبود المكان الذي بدأ فيه رحلته موظفاً صغيراً ، بكل ما فيه من منشآت
ومنازل ومخازن وحظائر بمبلغ 60 ألف جنيه ، وسجل هذه الأملاك باسم ابنته
الطفلة مونا .
كان عبود أثناء زياراته السنوية القصيرة لأرمنت يقيم في القصر المذكور مع
شقيقه مصطفى الذي بنى مسجد أرمنت العتيق ، وللاستمتاع بالأيام القلائل التي
يقضيها مع زوجته وابنته ، بنى المليونير حماماً للسباحة وملاعب للغولف
والبولو والإسكواش والتنس .
وقد اشترت شركة السكر هذا القصر من الحراسة بعد التأميم ، وبعد إلغاء
الحراسة اشترى القصر الاقتصادي المصري مصطفى الزناتي أحد أبناء قرية
الضبعية إحدى قرى مركز أرمنت والتي ضُمت أخيراً إلى مركز الأقصر .
امتدت إمبراطورية عبود باشا الذي أصبح أغنى أغنياء مصر إلى دائرة السياسة
والرياضة والسياحة ، وكان يملك معظم أسهم شركة الفنادق المصرية ، إضافة إلى
شركات الأسمدة في عتاقة والكراكات المصرية ، وغيرها من شركات الصناعات
الكيميائية ، والتقطير ، والغزل والنسيج التي أنشأها قرب نهاية أربعينيات
القرن العشرين .
وفي تلك الفترة الزمنية ، كتب مقالاً صحفياً تحت عنوان ( كيف تصبح
مليونيراً ) قدم فيه نصائحه وخلاصة تجربته ، وافتتح المقال بقوله : ( ليس
النجاح من الأسرار ، ولكنه أولاً وقبل كل شيء توفيقٌ من الله ، فقد تجتمع
في شخصٍ كل مؤهلات النجاح من شهاداتٍ وجاه وشخصية قوية ، لكن سوء الحظ
يلازمه فلا ينجح في أي عملٍ يقوم به ، بينما ينجح من هو أقل منه في الكفاءة
والجاه ، وأضعف منه شخصية ) .
وبلغ من نفوذ عبود أنه أجبر طلعت حرب مؤسس بنك مصر وأشهر أعلام النهضة
المصرية على الاستقالة من بنك مصر في 14 سبتمبر أيلول 1939 الذي أسسه بعرقه
وجهده ، فقد اشترك عبود وفرغلي باشا ملك القطن في تنفيذ سياسة قوامها سحب
ودائعهما من البنك بمعدل نصف مليون جنيه يومياً حتى بلغ السحب ثلاثة ملايين
جنيه ، كما هددت الحكومة التي يترأسها حسين سري - صديق عبود باشا - بسحب
ودائع الحكومة فاضطر طلعت حرب للاستقالة حتى لا يهتز مركز البنك وترك
إدارته لحافظ عفيفي طبيب الأطفال ، وهو صديق أثير للإنجليز ولعبود .
في 13 يناير كانون ثانٍ 1944 ، أقام النادي الأهلي بالجزيرة حفلة شاي
تكريماً لكل من أحمد عبود باشا وعبد الحميد عبد الحق ، بمناسبة تبرع عبود
باشا بثلاثة آلاف جنيه لإتمام إنشاء حمام السباحة بالنادي ، وتقديراً لما
قدمه الثاني للنادي والهيئات الرياضية الآخرى ، ووقف رئيس النادي أحمد
حسنين باشا - رئيس الديوان الملكي - وألقى كلمة استهلها بقوله : ( إني بعد
أن حنيت رأسي للراحل الكريم جعفر ولي باشا ( رئيس النادي الأهلي سابقاً )
أرفع رأسي بالشكر للرجلين الكريمين الأستاذ عبد الحميد عبد الحق وزير
الشؤون الاجتماعية السابق وأحمد عبود باشا ) ، ثم أشار إلى ما كان من
اعتماد الوزير عبد الحق ثلاثة آلاف جنيه مساهمة في إنشاء حمام السباحة في
النادي الأهلي ، وإلى تبرع عبود باشا بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه أخرى للغرض
نفسه .
تولى أحمد عبود باشا رئاسة النادي الأهلي لمدة 15 عاماً ( 19 فبراير شباط
1946-19 ديسمبر كانون أول 1961 ) فاز فيها دائماً بالرئاسة بالتزكية ،
وكانت تلك الفترة من أزهى عصور النادى الأهلي ، حيث حصل خلالها على تسع
بطولات متتالية للدوري من 1947 حتى 1956 ، كان عبود باشا ينفق على النادي
من جيبه الخاص رافضاً أية إعانة من الحكومة ، وهو الذي بنى حمام السباحة من
جيبه الخاص ، وهدم مدرج الدرجة الثالثة القديم وبنى المدرج الحالي ، ثم
بنقوده ونفوذه اقتطع الجزء الكبير من نادي الفروسية ليطل النادي على كورنيش
النيل .
وقد أنشأ عبود باشا عام 1939 أكبر وأعلى عمارة في مصر كلها في ذاك الوقت ،
وكانت تتكون من 13 طابقاً ، وكان الناس يزورونها ليروا هذا البناء الشامخ
في شارع المدابغ الذي أصبح فيما بعد اسمه شارع شريف في وسط القاهرة ، وهي
تقع على ناصية شارعي شريف وقصر النيل ، وأطلق عليها اسم عمارة الإيموبيليا.
تدريجياً ، بدأ عبود باشا يشعر بالقلق على الاستقرار السياسي في مصر ، وهو
ما يمس بالضرورة مصالحه المالية والاقتصادية ، ويقول محمد حسنين هيكل فى
كتابه (ثورة يوليو خمسون عاما ) السؤال الأول ملك تحت الحصار!، مجلة وجهات
نظر، عدد يوليو 2002 :
( ولم يكن الملك فاروق وحده المصاب بالقلق لما آلت إليه الأحوال - بل كان
هناك غيره أصيبوا بالأرق إلى جانب القلق ، لأنهم أصحاب مصالح حقيقية في مصر
يخشون عليها ويحرصون على ضمانها ، ولذلك كان اقترابهم من السياسة منطقياً ،
وفي الظروف الطارئة فإنه أصبح حيوياً ، وكان أول هؤلاء هو المالي الكبير
أحمد عبود ( باشا ) .
كان عبود ( باشا ) رجلاً عالي الكفاءة في مجال الأعمال ، وكان يقول عن نفسه
إنه ( يلمس التراب فيحيله ذهباً ) ، غير أنه كان يعرف أن تحويل التراب إلى
ذهب يحتاج إلى حماية تسبق وتجاري وتلاحق حركة الذهب .
وهنا كانت في حاجة إلى القرب من السلطة إلى أي درجة يستطيع بلوغها
وقلت مرة لعبود ( باشا ) : ( إنه رجلٌ يستحيل عليه أن يكون ملكاً لأنه لا
يحوز المواصفات اللازمة ) ، لكنه يحلم بمقدرة صنع الملوك لأنه يحوز المصالح
المُلزمة ، وذلك وضعٌ شديد الخطر على البلد وعليه أيضا ، وقد سمعني الرجل
مطرقاً برأسه متأملا ) .
قامت ثورة 23 يوليو 1952 لتتغير بعدها الخريطة السياسية والاقتصاية في مصر ،
وفي 15 أغسطس آب 1955 ، وقعت أول مواجهة بين الثورة المصرية والرأسماليين ،
إذ جرى فرض الحراسة على شركة السكر ، التي يمتلكها أحمد عبود باشا .
وبعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961 ، آثر عبود الهجرة إلى أوروبا
لإدارة أعماله بجزء من أموال تمكن من تهريبها إلى هناك ، وكان قد علم أو
أحس بأن الدولة مقبلة على التأميم ، وكانت بالصدفة المحضة كل بواخره في عرض
البحر ما عدا باخرتين واحدة في ميناء السويس وأخرى بالإسكندرية ، فأصدر
تعليماته بسفر باخرة إلى جدة وأخرى إلى بيروت في انتظار أوامر أخرى ، ثم
اتصل لاسلكياً بباقي بواخره في عرض البحر بعدم العودة إلى الإسكندرية الآن ،
ثم استطاع أن يحول أمواله السائلة بالبنوك إلى بنوك سويسرية بطريقة أو
بأخرى ، ثم سافر إلى نابولي في إيطاليا ليستدعي بواخره واحدة بعد الأخرى
ليبيعها هناك ، وأصبحت لديه أصولٌ سائلة تكفيه هو وابنته الوحيدة .
مارس عبود باشا نشاطه التجاري في أوروبا ، وحقق نجاحاً كبيراً كتاجر
ومستشار اقتصادي ، إلى أن وافاه الأجل المحتوم في لندن في مطلع يناير كانون
ثانٍ 1964 بعد أن هزمته أمراض القلب والكُلى .
اسم عبود باشا وثراؤه لم يشفعا لورثته ، أحمد عبود محمد علي ، ونادية محمد
علي وأولاد ابنته الوحيدة مونا وابنة شقيقته زينب محمد شوقي ، الذين حصلوا
على حكم نهائي في يناير كانون ثانٍ 2006 بعد رحلة تقاضٍ استمرت ٣٠ عاماً
باسترداد عقارهم المهجور بجليم بالإسكندرية البالغة مساحته ٤٤٠٠ م٢ والذي
يتجاوز ثمنه ٥٠ مليون جنيه ، الا ان العقار والذى تسيطر عليه رئاسة
الجمهوريه لم يتم تسليمه الى الورثه حتى الان
بقلم : رمضان الغندور المحامي