تفعل إسرائيل؟ هل تلقي بنفسها في قلب الهاوية؟ أم تتبع سياسة البلطجة التي
اعتادتها لكن دون جبان يقبل بتطاولها عليه؟ يبدو أن الدرس لم ينته بعد يا
غبي.. ويبدو أن الغبي بحاجة إلى حصة إضافية ونهائية وماحقة..
قد يبدو
الكلام كخطابات عبد الناصر ورجاله وقت النكسة، ولكنها إذا اكتست بالصدق مع
النفس -وأظنني كذلك- فربما كانت دلالة على أن ثقة المصري بنفسه لا تنكسر،
وإرادته لا تضعف، وهنا يكمن سر قوته..
يبدو أن إسرائيل بدأت تتخبط، ويبدو أن نسيم الربيع العربي يهب عليها عواصف مدمرة أفقدتها توازنها، فبدأت تطيح يمينا وشمالا..
قد
تبدو الخطة الإسرائيلية محددة وذكية، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك.. في
البداية تضطرب العريش وتنتشر أعمال التخريب في شبه جزيرة سيناء، بالطبع
أوكلت إلى بعض أتباعها عن طريق الخائن لوطنه وأمته دحلان -هكذا أثبتت
التحريات- ليقوموا ببعض العمليات التخربيبة في المنطقة المشتعلة، وبعد ذلك
تنتهز أي فرصة أو حادثة صغيرة لتشتعل الأحداث، فإسرائيل بحاجة إلى مبرر ولو
صغير لتحقق به أهدافا كبيرة، وبهذه الاضطرابات تنجح في:
1- استشفاف
الوضع المصري في المستقبل، واختبار درجة العداء، وطريقة تصرف الجيش المصري
إزاء الأحداث، ومدى تغير طريقة التناول الدبلوماسي والشعبي والعسكري عن
الماضي.
2- إشغال رأي العام الداخلي في إسرائيل عن المطالبات
المستمرة التي تثبت فشل حكومة نتنياهو في إدارة شئون البلاد وتحقيق أحلام
مواطنيها، وليس أفضل لإشغال شعب من إشعال حرب يلتف حولها.
3- تشتيت التركيز المصري وإيقاف خطط التقدم، وإرباك الساحة السياسية.
4- استغلال حالة الفراغ الأمني في سيناء للحصول على مكاسب تتعلق بغزة.
هكذا
أرادت إسرائيل ولكنها بغباء معتاد منها نسيت أن تحسب حسابات أخرى، نسيت أن
تحسب حساب أن النظّارة المعظّمة الذي كان النظام السابق يرينا إياها من
خلالها قد حبست معه الآن في طره، وأصبحنا نراها على حقيقتها دون تهويل أو
تفزيع.. كيان جرثومي صغير، لم يقو يوما على الانتصار.. نعم لم تنتصر
إسرائيل يوما، وإن كان فليس بقوة منها ولكن بضعف من الآخرين.. بغباء قائد
وخيانة آخر وانهزامية ثالث..
يبدو هذا جليا في وقوف إسرائيل اليوم عاجزة
عن السيطرة على شريط غزة الذي لا يتعدى عُشر مساحتها، ويشكل تهديدا حقيقيا
لأمنها، وقد فتحت جميع الخيارات للتعامل، ولكنها لم تستطع أن تطأ أرض
القطاع بكل قوتها ورصاصها المصبوب وقنابلها الفوسفورية، لم تنتصر على حزب
الله أو تقتل صموده، وإن قتلت المئات، رغم طائراتها المقاتلة التي تبذر
القنابل العنقودية في كل شبر.. لم تستطع أن تواجه إيران وهي التي تستعد لها
منذ أعوام عديدة.. لم تستطع أن تهزم أحدا.. إلا من كان منهزما وحده.. ونحن
لم نعد منهزمين..
تتصرف إسرائيل بحسابات الماضي، أولم تر أن الماضي قد
ولى، وأن واقعا جديدا يفرض نفسه، ويشكل خريطة عربية وإقليمية جديدة بدونها،
الكيان الإسرائيلي الذي يقوم على نظرية الأمن، وجمع المرتزقة والتجار
ورجال الأعمال من كل أرض الدنيا، وكفل لهم حياة رخية ومكاسب لا تفنى مقابل
أن يسكنوا أرض إسرائيل، هل إذا تم تهديد هذا الأمن، وباتت الحياة في خطر
سيحفظ أحد أرض الأجداد، ويفكر أحد في ميراث الأنبياء؟!
لن نتحدث عن فناء
إسرائيل، فليس هذا وقته ولا مكانه، بل نتحدث عن هزيمة إسرائيل، إذا فكرت
في إغضاب مصر الجديدة، فضلا عن محاولات جرّها لاستفزاز ستندم عليه هي قبل
أي أحد آخر.. فمصر اليوم قوية، الملايين على الحدود ينتظرون صرخة هجوم،
وملايين العرب الآخرين يحيطون بها ينتظرون هبة مصرية تقودهم إلى تحرير
شامل، فلا تظنوا مصر اليوم وحيدة أو ضعيفة أو جريحة..