الحق فى التقاضى
إطلالة عامة
-----
تتعدد الضمانات الحقيقية للحقوق والحريات ، بعضها ضمانات واقعية تنصرف إلى تغير الواقع الفعلى إلى الأفضل بما يؤدى إلى أن يستطيع الأفراد التمتع بحقوقهم وحرياتهم، ومنها تحسين وزيادة الإنتاج، وتوفير حد أدنى من اليسر، وحد أدنى من أوقات الفراغ، وقدر وافر من الثقافة، الخ .
والبعض الأخر، ضمانات قانونية تتمثل فى الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفوق هذا وذاك يأتى استقلال السلطة القضائية.
- ويأتى الحق فى التقاضى فى مقدمة هذه الحقوق قاطبة إذ عن طريقه تحمى كافة الحقوق والحريات.
فلا جدال فى أن حق الأفراد فى التقاضى حق أصيل ويعد عماد الحريات جميعا، إذ بدونه يستحيل عليهم أن يأمنوا على تلك الحريات أو يردوا الاعتداء عليها، ونظام الحكم لا يمكن أن يعتبر ديمقراطيا إلا إذا كفل للأفراد حق الالتجاء إلى القضاء. وحاجة الأفراد إلى هذا الحق هى حاجة مستمرة ومتزايدة خاصة بعد ازدياد دور الدولة وأزدياد تدخلها.
وتدخل الدولة فى شئون الأفراد- وأن استهدف صالحهم- قد يكون مصحوبا بإجراءات استثنائية أو مساس بحقوق أساسية أو مغالاة فى التكاليف أو انحراف بالسلطة أو شطط فى التقدير أو إضعاف للضمانات المقررة، ومن ثم ينبغى أن يبقى باب القضاء مفتوحا أمام الأفراد ليعرضوا عليه أمرهم ويطلبوا إليه إنصافهم من ظلم يعتقدون وقوعه عليهم.
ولا جدال فى أن كفالة حق الأفراد فى التقاضى يبعث فى نفوسهم الرضا والإحساس بالاطمئنان والإيمان بالعدل، وإن حرمانهم من هذا الحق يبعث فى نفوسهم الاستياء والإحساس بالقلق والشعور بالظلم.
فكفالة حق التقاضى أمر لا غنى عنه وضرورة يلزم توفيرها جنبا إلى جنب مع تزايد نشاط الدولة المتدخل فى شئون الأفراد وكفالة هذا الحق فى دولة ما دليل على استجابة نظام الحكم فيها لرغبات المحكومين ولمقومات حياة دستورية وشرعية.
- وإذا كان حق التقاضى بهذه الأهمية الكبرى فإن تناوله والإحاطة به من خلال هذا البحث لن يوفيه حقه ومن ثم فإننا نقتصر على عرض لبعض المبادئ المؤجرة لأحكام المحكمة الدستورية العليا حول هذا الحق دون التعرض لأية تفصيلات فقهية لا يتسع لها المقام.
- مبدأ المساواة أساس حق التقاضى، لا يجوز للمشرع أن يقيم تمييزاً بين المواطنين على صعيد الفصل بطريقة منصفة فى حقوقهم والتزاماتهم .
ذلك أن الدستور بما نص عليه فى المادة 68 منه، من ضمان حق كل مواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى لرد ما قد يقع من عدوان على الحقوق التى يدعيها، قد دل على أمرين:
أولهما: أن لكل مواطن أن يسعى بدعواه إلى قاضى يكون بالنظر إلى طبيعة المنازعة ، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ دون غيره للفصل فيها.
ثانيهما: أن الناس جميعا لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى، ولا فى نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا فى فعالية ضمانة الدفاع التى يكفلها الدستور والمشرع للحقوق التى يدعونها، ولا فى اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا فى طرق الطعن التى تنتظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها، قواعد موحدة سواء فى مجال التداعى بشأنها، أو الدفاع عنها، أو استئدائها، أو الطعن فى الأحكام التى تتعلق بها، ولا يجوز بالتالى أن يقيم المشرع فيما بين المواطنين، تمييزاً غير مبرر فى شأن إعمال هذه القواعد، بما يعطلها لفريق من بينهم أو يقيدها، وبوجه خاص على صعيد الفصل بطريقة منصفة فى حقوقهم المدنية والتزاماتهم. ويؤيد ذلك أن طرق الطعن فى الأحكام لا تعتبر مجرد وسائل إجرائية ينشئها المشرع ليوفر من خلالها سبل تقويم إعوجاجها، بل هى فى واقعها أوثق اتصالا بالحقوق التى تتناولها، سواء فى مجال إثباتها أو نفيها أو توصيفها، ليكون مصيرها عائدا أساسا إلى انفتاح هذه الطرق أو انغلاقها، وكذلك إلى التمييز بين المواطنين المتحدة مراكزهم القانونية indentically situ- ated فى مجال النفاذ إلى فرصها.
- حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 5 أغسطس سنة 1995 فى القضية رقم 9 لسنة 16 قضائية دستورية.
- الحق فى التقاضى يدور حول محاور ثلاثة نتناولها تباعاً:
المحور الأول: وجوب تمكين كل متقاضى من النفاذ إلى القضاء نفاذاً ميسراً:
- ويكون النفاذ ميسراً بإتاحة الطعن على جميع الأعمال والقرارات ولا يحصن منها أى عمل أو قرار من رقابة القضاء (الحكم فى القضية رقم 18 لسنة 5 ق. دستورية جلسة 6/6/1987) .
ومن مقتضاه أيضاً آلا يعزل الناس جميعهم أو بعضهم من النفاذ إليه. أو أن يهدر التشريع لولاية السلطة القضائية كلياً أو جزئياً أو يعزلها عن نظر منازعات معينة مما تختص به. (الحكم فى الدعوى رقم 15 لسنة 17 ق. دستورية جلسة 2/12/1995).
- ومن مقتضاه كذلك ألا يمنع أى فرد من قيد الدعوى القضائية أمام أى محكمة يرغب في القيد أمامها.
- والنفاذ الميسر يجب أن يتاح للوطنى والأجنبى على السواء فلا يجوز للدولة أن تجحد على غير مواطنيها حقهم فى اللجوء إلى محاكمها. (الحكم فى الدعوى رقم 98 لسنة 4 ق. دستورية جلسة 5/3/1994).
- كما أن النفاذ الميسر إلى القضاء لا يجوز أن يكون محملاً بأعباء مالية يكون من شانها أن تعطل الحق فى التقاضى ذاته.(الحكم فى الدعوى رقم 129 لسنة 18 ق. دستورية جلسة 3/1/1998).
- ويجب ألا يكون مقترناً بقيود ترهقه أو تعسر الحصول على الترضية القضائية أو تحول دونها أو أن يكون مقترناً بأية عوائق منافية لطبيعته.(الحكم فى الدعوى رقم 104 لسنة 20 ق. دستورية جلسة 3/7/1999).
- وينبغى أن يكون هذا النفاذ منضبطاً وفقاً لأسس موضوعية لا تميز فيها (الحكم فى الدعوى رقم 15 لسنة 17 ق. دستورية جلسة 2/12/1995)
- ويجب آلا تكون مصروفات الدعوى عبئاً على من أقامها، كلما كان محقاً فيها. (الحكم فى الدعوى رقم 106 لسنة 19 ق. دستورية جلسة 1/1/2000).
المحور الثانى: استقلال القضاء وحيدته:
تتمثل الركيزة الثانية أو الحلقة الوسطى من حلقات الحق فى التقاضى فى استقلال القضاء وحيدته.
وهذه الركيزة الثانية من الأهمية الكبرى بحيث لا نستطيع أن نغطى جوانبها فى وقت قصير ونشير إليها مجرد اشارات سريعة من أحكام المحكمة الدستورية العليا حولها:
- استقلال القضاء وحيدته يعتبران قيداً على السلطة التقديرية للمشرع فى مجال تنظيم الحقوق.(الحكم فى الدعوى رقم 133 لسنة 19 ق. دستورية جلسة 3/4/1999).
- استقلال القضاء وحيدته يكفل للمتقاضى حقاً متكاملاً ومتكافئاً مع غيره فى محاكمة منصفة. (الحكم فى الدعوى رقم 15 لسنة 14 ق. دستورية جلسة 15/5/1993).
- استقلال السلطة القضائية عاصم من تدخل أى جهة فى شئون العدالة أو التأثير فى مجرياتها ومتطلباتها.(الحكم فى الدعوى رقم 31 لسنة 10 ق. دستورية جلسة 7/12/1991).
- الحيدة والأستقلال لازمان لضمان آلا يخضع القاضى فى عمله لغير سلطان القانون وبنظرة متجردة. (الحكم فى الدعوى رقم 83 لسنة 16 ق. دستورية جلسة 16/11/1996) .
- الاستقلال والحيدة عنصران متكاملان لا غناء بأحدهم عن الأخرى ولا تقوم العدالة بدونها معاً. (الحكم فى الدعوى رقم 83 لسنة 20 ق. دستورية جلسة 5/12/1998).
- من مقتضيات الاستقلال آلا يحرم القاضى من سلطة وقف تنفيذ العقوبة إذ أن ذلك يعتبر تدخلاً مباشراً فى شئون الوظيفة القضائية بما ينال من جوهرها ويخل بمقوماتها. (الحكم فى الدعوى رقم 42 لسنة 19 ق. دستورية جلسة 7/2/1998).
- التزام الدولة بضمان حق التقاضى هو فرع من واجبها نحو الخضوع للقانون.(الحكم فى الدعوى رقم 193 لسنة 19 ق. دستورية جلسة 6/5/2000).
- المحور الثالث: الوصول إلى الترضية القضائية النهائية:
- لا يكفى لكفالة حق التقاضى أن يكون النفاذ إلى القضاء ميسراً لكل وطنى أو أجنبى وأن يكفل للقضاء الاستقلال والحيدة وإنما لابد من الوصول إلى الترضية القضائية النهائية التى تعنى أن توفر الدولة للخصومة فى نهاية مطافها حلاً منصفاً يمثل التسوية التى يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يسعى إليها لمواجهة الإخلال بالحقوق التى يدعيها. هذه الترضية بإفتراض مشروعيتها وإتساقها مع أحكام الدستور تندمج فى الحق فى التقاضى باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه.
وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على أهمية هذا المحور، ومن ذلك قضاؤها:
- أنه بغير اقتران الترضية القضائية بوسائل تنفيذها يكون حق التقاضى مفرغاً من مضمونه. (الحكم فى الدعوى رقم 2 لسنة 14 ق. دستورية جلسة 3/4/1993) .
- الترضية القضائية التى لا تقترن بوسائل تنفيذها جبراً تعطل دور السلطة القضائية فى مجال تأمين الحقوق وتفقد قيمتها العملية. (الحكم فى الدعوى رقم 37 لسنة 18 ق. دستورية جلسة 4/4/1998).
- الأمتناع عن تنفيذ الأحكام الحائزة لقوة الأمر المقضى من جانب الموظفين العموميين المكلفين بذلك يعتبر جريمة.(الحكم فى الدعوى رقم 129 لسنة 18 ق. دستورية جلسة 3/1/1998).
- سلطة المشرع فى تنظيم حق التقاضى:
من الأمور شديدة الأهمية بيان حدود سلطة المشرع فى تنظيم حق التقاضى وقد أبرزت المحكمة الدستورية العليا حدود هذه السلطة فى الكثير من أحكامها نذكر منها:
- سلطة المشرع فى تنظيم حق التقاضى سلطة تقديرية لاختيار الوسيلة التى تتفق مع الأغراض التى يتوخاها.(الحكم فى الدعوى رقم 47 لسنة 17 ق. دستورية جلسة 4/1/1997).
- ليس ثمة قيد على سلطة المشرع فى تنظيم حق التقاضى إلا إذا فرض الدستور فى شأن ممارستها ضوابط محددة. (الحكم فى الدعوى رقم 193 لسنة 19 ق. دستورية جلسة 6/5/2000).
- يتعين على المشرع فى مجال تنظيم حق التقاضى أن يفاضل بين صور هذا التنظيم ليختار منها ما يكون مناسباً لخصائص المنازعات التى يتعلق بها ومتطلباتها. (الحكم فى الدعوى رقم 181 لسنة 19ق. دستورية جلسة 4/1/2000).
- تنظيم المشرع لحق التقاضى غير مقيد بأشكال جامدة لا يريم عنها تفرع قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز مغايرته وفقاً لكل حالة وأن يقدر ما يناسبها. (الحكم فى الدعوى رقم 38 لسنة 16 ق. دستورية جلسة 16/11/1996).
- تعديل اختصاص الهيئات القضائية غير جائز إلا بقانون . (الحكم فى الدعوى رقم 2 لسنة 1 ق. عليا جلسة 6/11/1971).
- تعديل اختصاص الهيئات القضائية بقرار جمهورى يخالف الدستور. (الحكم فى الدعوى رقم 4 لسنة 1 ق. عليا جلسة 3/7/1971).
- عدم جواز أن يميز المشرع – فى مجال الطعن – بين المحاكم المتساوية فى مرتبتها وتشكيلها. (الحكم فى الدعوى رقم 39 لسنة 15 ق. دستورية جلسة 4/2/1995).
- إسقاط المشرع لضمانة الدفاع أو الحد منها يؤدى إلى إسقاط الضمانات التى كفلها الدستور لكل مواطن فى مجال الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعى.(الحكم فى الدعوى رقم 15 لسنة 17 ق. دستورية جلسة 2/12/1995).
طرق تحريك الدعوى الدستورية (1)
حددت المادتان 27 ، 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا أسلوب المحكمة فى الرقابة على الدستورية وطرق تحريك الدعوى أمامها فنصت المادة 27 على أنه "يجوز للمحكمة فى جميع الحالات أن تقضى بعدم دستورية أى نص فى قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية " كما نصت المادة 29 على أن تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالى:
أ – إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء نظر إحدى القضايا عدم دستورية نص فى قانون أو لائحة لازم للفصل فى النزاع أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية.
ب – إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لايجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا فإذا لم ترفع الدعوى فى الميعاد اعتبر الدفع كأن لم يكن.
والمستفاد من هذين النصين أن أسلوب الرقابة يتنوع إلى طرق ثلاثة. أى أن هناك أساليب ثلاثة يمكن بأحدها أن تمارس المحكمة رقابتها على دستورية القوانين وهذه الطرق هى: -
1 – الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع.
2 – الإحالة من محكمة الموضوع.
3 – حق التصدى المقرر للمحكمة الدستورية العليا.
1- الرقابة بطريقة الدفع من الأفراد
كان الدفع من جانب أحد الخصوم هو الأسلوب الوحيد الذى يمكن عن طريقه تحريك دعوى الدستورية فى ظل المحكمة العليا فلم يعرف قانونها الإحالة من جانب محكمة الموضوع من تلقاء نفسها فى حالة الشك فى دستورية قانون، كما لم يقر للمحكمة الحق فى التصدى. وبصدور قانون المحكمة الدستورية العليا تعدل هذا الوضع لكى يبقى الدفع هو أكثر الطرق شيوعاً، ومؤداه أن تجد محكمة الموضوع – أثناء نظر إحدى الدعاوى – أنها مضطرة للتعرض لمسألة قانونية تتعلق بالدستور لكونها لازمة للفصل فى الدعوى الموضوعية، فيدفع أحد خصوم الدعوى بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة ، وعليها فى هذه الحالة أن تبحث مدى جدية هذا الدفع، فإذا ما تحققت من جديته فعليها أن تؤجل الدعوى المنظورة أمامها وتحدد ميعاداً للخصوم لا يتجاوز ثلاثة أشهر لرفع دعوى الدستورية، فإذا لم ترفع الدعوى فى الميعاد أعتبر الدفع كأن لم يكن. ويقصد بالجدية أن يتحقق القاضى من أنه لا يقصد منه الكيد أو إطالة أمد التقاضى، ويتحدد ذلك بالتأكد من مسألتين أساسيتين: أولاً: أن يكون الفصل فى مسألة الدستورية منتجاً أى أن يكون القانون أو اللائحة المطعون فى دستوريتها متصلة بموضوع النزاع أى أن يكون هذا القانون أو اللائحة محتمل التطبيق على النزاع، فى الدعوى الأصلية على أى وجه من الوجوه، وأن الحكم بعدم الدستورية سيفيد منه صاحب الشأن فى الدعوى المنظورة، فإذا اتضح للقاضى أن القانون أو اللائحة المطعون بعدم دستوريتها لا تتصل بالنزاع المعروض عليه قرر رفض الدفع بعدم الدستورية واستمر فى نظر الدعوى الموضوعية دون التفات لمسألة الدستورية. وهذا ما قضت به المحكمة الإدارية العليا بجلسة 16 مارس لسنة 1974 حيث ذهبت إلى أنه "من حيث أن الشركة الطاعنة دفعت بعدم دستورية المادة 49 من نظام العاملين بالقطاع العام فيما تضمنته المادة المذكورة من حظر الطعن فى بعض أحكام المحاكم التأديبية أمام المحكمة الإدارية العليا، وذلك استناداً على أحكام قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وعلى أساس أن نظام التقاضى يأبى قصر التقاضى على درجة واحدة فى المنازعات التأديبية الخاصة بالعاملين فى القطاع العام دون باقى تلك المنازعات الخاصة بغيرهم من العاملين، ومن حيث إنه أياً كان الرأى فى جواز الطعن فى الأحكام المشار إليها بالتطبيق لقانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 فإن المنازعة الماثلة لا شأن لها بأحكام القانون المذكور فيما يتعلق بحالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، ومن ثم يكون الدفع بعدم دستورية المادة 49 فى المنازعة الماثلة غير جدى وتلتفت عنه المحكمة(2).
- ثانيا: أن يتحقق من أن مطابقة القانون أو اللائحة للدستور تحتمل اختلاف وجهات النظر أي أن يكون هناك شبهة فى عدم دستورية القانون أو اللائحة والشك يفسر فى جانب عدم الدستورية عند تقدير مدى جدية الدفع. وقرار القاضى بشأن الجدية ليس نهائياً بل من حق صاحب الشأن أن يطعن عليه بالطرق المقررة للطعن أى بالاستئناف والنقض إذا كنا فى نطاق القضاء العادى. أو أمام محكمة القضاء الإدارى أو المحكمة الإدارية العليا إذا كنا فى نطاق القضاء الإدارى. والدفع بعدم الدستورية هو دفع موضوعى يمكن إثارته فى أى مرحلة من مراحل الدعوى، وهو دفع قانونى يمكن إثارته أمام محكمة النقض وهو دفع يتعلق بالنظام العام إذ يمكن لمحكمة الموضوع أن تتعرض له من تلقاء نفسها، وأن تحيل أمر الدستورية إلى المحكمة الدستورية العليا. وهذا بصريح نص قانون المحكمة الدستورية العليا. ومتى دفع الخصم بعدم الدستورية ورأت المحكمة أن الدفع جدى فإنها تؤجل الدعوى وتضرب للخصم أجلا لا يجاوز ثلاثة أشهر ليرفع الدعوى بعدم الدستورية، أمام المحكمة الدستورية وهذا الميعاد من مواعيد السقوط إذا أنه عقب انتهائه فإن حق الخصم فى الدفع يسقط وتستمر المحكمة فى نظر موضوع الدعوى دون التفات للدفع. ونرى أن الدعوى الموضوعية تستأنف سيرها بقوة القانون فى حالة عدم رفع الدعوى الدستورية فى الميعاد لأنها لم تكن متوقفة حتى يعجلها الخصم بل كانت مؤجلة ومتى انتهى الأجل فإنها تستمر فى نظر الدعوى بقوة القانون مع مراعاة قواعد الشطب والحضور الواردة بقانون المرافعات.
2- الرقابة عن طريقة الإحالة من محكمة الموضوع
أعطى المشرع الحق لقاضى الموضوع فى أن يلجأ إلى المحكمة الدستورية العليا كلما رأى أن نصاً ما فى قانون أو لائحة لازماً للفصل فى الدعوى المنظورة أمامه مشكوكاً فى دستوريته، وذلك بصرف النظر عن موقف الخصوم فى الدعوى الموضوعية إذ قد لا ينتبه أى منهم إلى الطعن فى دستورية هذا القانون أو اللائحة، وقد نصت على ذلك المادة 29/أ من قانون المحكمة الدستورية العليا والسابق إيرادها.
- ومقتضى ذلك أن من حق أى محكمة فى السلم القضائى أن تحيل من تلقاء نفسها أى نص تراه غير دستورى إلى المحكمة الدستورية العليا. وهذا يعتبر من الروافد الجديدة التى أضافها قانون المحكمة الدستورية موسعا من طرق اتصال المحكمة الدستورية بالدعوى الدستورية. وهذه الإحالة مشروطة بشرط هام هو أن يكون النص المحال لازماً للفصل فى الدعوى الموضوعية. وتقدير ما إذا كان النص لازماً للفصل فى الدعوى من عدمه متروك لقاضى الموضوع. ولا شك أن هذا الطريق الجديد الذى أوجده المشرع قد دفع كثيراً من الحرج عن قاضى الموضوع، إذ بغير ذلك كان يمكن أن يوجد نص غير دستورى ولم ينتبه الخصوم إلى ذلك، ومع ذلك يجد القاضى نفسه مضطراً لتطبيقه مع تيقنه من عدم دستوريته.
- ويمكن أن يثار التساؤل عن مدى سلطة قاضى الموضوع فى إحالة النص المشكوك فى دستوريته إلى المحكمة الدستورية إذ تخاذل من دفع بعدم الدستورية ولم يرفع الدعوى أمامها فى الموعد المحدد له وطلب الخصم تعجيل الدعوى بعد فوات هذا الموعد. نرى أنه لا يوجد ما يمنع قاضى الموضوع فى هذه الحالة من أن يحيل هذا النص ذاته ومن تلقاء نفسه إلى المحكمة الدستورية العليا إذا تراءى له عدم دستورية هذا النص، وأنه لازم للفصل فى الدعوى، والقول بغير ذلك يجعل دعوى عدم الدستورية دعوى شخصية وليست عينية كما أراد لها المشرع فلا يتصور أن يجد القاضى نفسه أمام نص يعتقد تماماً فى عدم دستوريته ثم يلتزم به ويطبقه على النزاع المعروض لمجرد أن صاحب الشأن لم يرفع الدعوى فى الموعد المحدد. ومن الجدير بالذكر أن اتصال المحكمة الدستورية العليا بالمسألة الدستورية من خلال الإحالة يتم بمجرد صدور قرار الإحالة ولا تتقيد هذه الإحالة بميعاد بل تقوم مناسبتها كلما رجح الظن لدى محكمة الموضوع بأن النص المعروض عليها هو نص غير دستورى .
3- الرقابة بطريقة التصدى من المحكمة الدستورية العليا
أعطى القانون للمحكمة الدستورية العليا الحق فى أن تتصدى لممارسة الرقابة على دستورية القوانين كلما رأت نصا غير دستورى، وكان ذا صلة بالنزاع المطروح عليها. فنصت المادة (27) من قانون المحكمة الدستورية العليا على أنه "يجوز للمحكمة فى جميع الحالات أن تقضى بعدم دستورية أى نص فى قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصاتها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية".
والتصدى كأحد أساليب الرقابة هو أمر مستحدث فى قانون المحكمة الدستورية العليا، ولم تكن هذه الرخصة مقررة للمحكمة العليا عند إنشائها ولم تكن بطبيعة الحال- مقررة للقضاء قبل إنشاء القضاء الدستورى. والمستفاد من النص السابق أنه قد يتضح للمحكمة الدستورية أثناء ممارسة اختصاصاتها سواء منها المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين أو التفسير أو تنازع الاختصاص وتنفيذ الأحكام المتناقضة أن نصا فى قانون أو لائحة يتصل بالنزاع المعروض عليها مخالف للدستور، ففى هذه الحالة تتصدى المحكمة لهذا النص وتقوم بفحص دستوريته والقضاء إما بدستوريته أو بعدم دستوريته وفقا للضوابط المقررة بالمادة 27 سالفة البيان. وتتمثل هذه الضوابط فى الآتى:-
1- إنه لكى تمارس المحكمة الدستورية رخصة التصدى فلا بد أن يكون ذلك بمناسبة ممارسة المحكمة لاختصاص من اختصاصاتها وهو حق تباشره المحكمة من تلقاء نفسها دون حاجة إلى دفع يقدم إليها. وإذا كان ذلك كذلك فإن من حق الأفراد أيضاً أن ينبهوا المحكمة الدستورية إلى ممارسة رخصة التصدى، وليس كل الأفراد يحق لهم ذلك، وإنما الحق مقصور على أصحاب الصفة فى النزاع المطروح على المحكمة، ويمكن أن يكون فى صورة طلب يقدم للمحكمة، كما يمكن أن يضمنوه المذكرات التى تقدم منهم. ومن المتصور أن يتم ذلك فى حالة ما إذا كانت المحكمة تمارس اختصاصاتها بالفصل فى تنازع الاختصاص أو تنفيذ الأحكام المتعارضة أو اختصاصها فى الرقابة على دستورية القوانين، ولكنه أمر غير متصور فى مزاولة اختصاصها بالتفسير إذ لا علاقة للأفراد بهذا الاختصاص وإن كان هذا لا ينفى تصدى المحكمة من تلقاء نفسها لفحص دستورية النص المعروض أمر تفسيره.
2- إن التصدى لا يعنى ان المحكمة تباشر فحص الدستورية فور اكتشافها للمخالفة الدستورية بل يجب لممارسة رخصة التصدى أن تتخذ الإجراءات المعتادة لتحضير الدعاوى. أى أن تحيل المحكمة النص إلى هيئة المفوضين لتحضير الدعوى وإعداد تقرير برأيها ثم تعرض الأوراق على رئيس المحكمة لتحديد جلسة ليتم الفصل فى الدعوى الدستورية.
3- إن المحكمة وهى فى سبيلها إلى التصدى تكتفى بمجرد قيام صلة بين النص المطروح عليها والنص الذى رأت التصدى لفحص دستوريته. فلم يشترط القانون أن يكون النص محل التصدى لازما للفصل فى الدعوى بل اكتفى بمجرد قيام صلة أيا كانت، وفى هذا توسعة لمجال مباشرة الرقابة عن طريق التصدى لكن استلزمت المحكمة أن يكون النص متصلا بنزاع معروض عليها بالفعل. واتصلت المحكمة به اتصالا مطابقا للأوضاع القانونية المقررة فإذا لم تكن المحكمة قد إتصلت بالنزاع المطروح أمامها اتصالا قانونيا فلا مجال لممارسة رخصة التصدى. وقد أعملت المحكمة هذا التخريج القانونى فى العديد من الأحكام التى طلب منها ممارسة رخصة التصدى وانتهت إلى رفض هذا الطلب ومن ذلك على سبيل المثال حكمها الصادر بجلسة 11/6/1983 فى الدعوى رقم 31 لسنة 1 ق دستورية بقولها "وحيث إنه لا محل لما يثيره المدعى من أن لهذه المحكمة رخصة التصدى لعدم دستورية النص المطعون فيه طبقا لما تقضى به المادة 27 من قانونها والتى تنص على أنه "يجوز للمحكمة فى جميع الحالات أن تقضى بعدم دستورية أى نص فى قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصها ويتصل بالنزاع المطروح عليها وذلك بعد إتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية، ذلك أن إعمال هذه الرخصة المقررة للمحكمة طبقا للمادة المذكورة منوط بأن يكون النص الذى يرد عليه التصدى متصلا بنزاع مطروح عليها، فإذا انتفى قيام النزاع أمامها كما هو الحال فى الدعاوى الراهنة التى انتهت المحكمة من قبل إلى انتهاء الخصومة فيها ومن ثم فلا يكون لرخصة التصدى سند يسوغ إعمالها.
وكذلك حكمها بجلسة 21/12/1985 فى الدعوى رقم 18 لسنة 6 ق دستورية بقولها "حيث إنه لا محل لما يطلبه المدعيان من إعمال المحكمة لرخصة التصدى لعدم دستورية القرار بقانون المطعون عليه طبقا لما تقضى به المادة 27 من قانونها والتى تنص على أنه يجوز للمحكمة فى جميع الحالات أن تقضى بعدم دستورية أى نص فى قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة اختصاصها ويتصل بالنزاع المطروح عليها، وذلك بعد اتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعاوى الدستورية" ذلك أن إعمال هذه الرخصة المقررة للمحكمة طبقا للمادة المذكـورة منوط بأن يكون النص الذى يرد عليه التصدى متصلا بالنزاع المطروح عليها، فإذا انتفى قيام النزاع أمامها كما هو الحال فى الدعوى الراهنة التى انتهت المحكمة من قبل إلى عدم قبولها فلا يكون لرخصة التصدى سند يسوغ إعمالها(3).
- إن قانون المحكمة الدستورية إذ أجاز لها من تلقاء ذاتها اللجوء إلى حق التصدى إنما أراد أن يقرر المزيد من الضمانات فى مجال الشرعية الدستورية فلقد كان من غير السائغ ولا المقبول أن يخول المشرع المحاكم حق الإحالة ثم يحرم المحكمة الدستورية ذاتها من استعمال حق التصدى وهى المحكمة صاحبة الولاية العامة والمقصورة عليها هذه الولاية فيما يتصل بدستورية القوانين واللوائح. وبذلك يكون حق التصدى مكملا للدفع ولحق الإحالة باعتبار أن هذه الصور حلقات ثلاث تتعاون جميعا فى توكيد الشرعية الدستورية وقد أحكم المشرع بهذه الحلقات جميعا الرقابة على دستورية القوانين.
ويجب أن نشير إلى أن الرقابة على الدستورية التى تباشرها المحكمة الدستورية من خلال استعمالها لحق التصدى لا تتقيد بميعاد شأنها فى ذلك شأن الإحالة التى تتم بها المسألة الدستورية من محكمة الموضوع. هذا وقد أعملت المحكمة حقها فى التصدى فى القليل من القضايا نذكر منها حكمها الصادر بجلسة 16 مايو 1982 فى الدعوى رقم 10 لسنة 1 ق دستورية حيث طعن أحد أعضاء مجلس الدولة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 104 والفقرة الثانية من المادة 119 من قانون مجلس الدولة فقررت بأنه "لما كانت المادة 104 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن تختص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا دون غيرها بالفصل فى الطلبات التى يقدمها رجال مجلس الدولة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأى شأن من شئونهم وذلك عدا النقل والندب متى كان مبنى الطلب عيبا فى الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو أخطاء فى تطبيقها أو تأويلها أو إساءة إستعمال السلطة فإنها تماثل فى حكمها الفقرة الأول من المادة 83 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون 46 لسنة 1972 والمعدل بالقانون 49 لسنة 1973 فيما نصت عليه من أن تختص دوائر المواد المدنية والتجارية لمحكمة النقض دون غيرها بالفصل فى الطلبات التى يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية المتعلقة بأى شأن من شئونهم وذلك عدا النقل والندب. متى كان فى الطلب عيب فى الشكل أو مخالفة القوانين واللوائح أو أخطاء فى تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة الأمر الذى دعا المحكمة إلى إعمال رخصة التصدى المتاحة لها طبقا للمادة 27 من قانونها فيما يتعلق بهذه المادة الأخيرة لاتصالها بالنزاع المطروح عليها(4).
حق الأفراد فى اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا
كان المشروع الأصلى لقانون المحكمة الدستورية العليا وهو الذى أقره مجلس الدولة (فى 20 ديسمبر 1973) ينص على أنه يجوز لكل ذى مصلحة شخصية مباشرة أن يطعن لدى المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية أى نص فى قانون أو لائحة (5). أى أنه كان يحق للأفراد أن يلجأوا إلى المحكمة الدستورية العليا مباشرةً طاعنين فى دستورية التشريعات واللوائح، إلا أن المشروعات التى تلت هذا المشروع جاءت خالية من تقرير هذا الحق للأفراد بما فيها مشروع القانون الحالى. وفى الواقع أن القانون الدستورى المقارن قد حوى دولا تبيح للأفراد حق اللجوء المباشر إلى القضاء الدستورى ، ودولا أخرى لا تبيح للأفراد ذلك. ومثال الدول الأولى سويسرا فى دستورها الصادر 29 مايو 1874 فيجوز لكل ذى مصلحة حالية أو مستقبلة أن يطعن أمام المحكمة العليا الاتحادية بعدم دستورية القوانين الصادرة من الولايات. ودستور كوبا سنة 1934 ودستور أسبانيا 1931. والدستور الليبى الصادر عام 1953. ودستور السودان الصادر عام 1973. أما الأنظمة الدستورية الأخرى فقد حرمت الأفراد من اللجوء إلى المحاكم الدستورية وقصرت هذا الحق على بعض الهيئات. ولقد كانت هذه الأنظمة المختلفة ماثلة عند وضع نص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا الذى رأى أن يستن طريقا وسطا فلم يكتف بطريق الدفع الذى يبدى أمام مختلف المحاكم. كما كان الحال أمام المحكمة العليا وإنما أضاف إليه طريقين آخرين أولهما حق أية محكمة أو أية جهة ذات إختصاص قضائى أن توقف الدعوى وتحيل الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية والثانى هو حق المحكمة الدستورية العليا فى جميع الحالات أن تقضى بعدم دستورية أى نص فى قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة إختصاصها وذلك طبقا للمادة 27 وقد رؤى الإكتفاء حاليا بهذه الوسائل الثلاث خشية أن تؤدى إباحة حق الطعن المباشر إلى إساءة إستعماله بما يكدس القضايا أمام المحكمة ويعوقها عن التفرغ لمهامها الجسام علاوة على أن الأصل هو مراعاة كافة القوانين واللوائح لأحكام الدستور إلى أن يثور خلاف جدى بشأن عدم دستورية أى نص منها عند طرحه على القضاء لتطبيقه فيعرض أمر دستوريته للبت فيه (6).
وقد تواترت أحكام المحكمة الدستورية العليا على القضاء بعدم قبول الدعوى إذا ما رفعت من قبل الأفراد بطريقة مباشرة أى أنها استقرت على أنه لا حق للأفراد فى اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا للطعن بعدم الدستورية ومن ذلك قضاؤها فى الدعوى رقم 8 لسنة 2 ق دستورية بجلسة 5/12/1981 وذلك بقولها "لما كان ما تقدم وكانت ولاية هذه المحكمة فى الدعاوى الدستورية لا تقوم إلا بإتصالها بالدعوى إتصالاً قانونياً طبقا للأوضاع المقررة فى المادتين 27 ، 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا، الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 اللتين رسمتا سبل التداعى فى شأن الدعاوى الدستورية وليس من بينها سبيل الدعوى الأصلية أو الطلبات العارضة التى تقدم للمحكمة مباشرة طعناً فى دستورية التشريعات، وكان طلب المدعى الحكم بعدم دستورية المادة 8 من القانون 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية بعدم تعديلها بالقانون 30 لسنة 1981 الذى استبدل بأعضاء مجلس الشعب أعضاء من الشخصيات العامة قد أثاره فى مذكرته المقدمة بجلسة 3 أكتوبر 1981 كطلب عارض وبالتالى لم يتصل بالمحكمة اتصالا قانونيا فإنه يتعين الالتفات عنه (7).
وإذا كان البعض من الفقه قد أيد أتجاه قانون المحكمة الدستورية بحرمان الأفراد من اللجوء إليها مباشرة لرفع دعواهم بعدم الدستورية بحجة عدم إغراق المحكمة بسيل من الدعاوى التى قد لا يقصد منها سوى اللدد فى الخصومة وإطالة أمد التقاضى .
فإننا نرى أنه من الأوفق أن يأخذ المشرع المصرى بطريق بالدعوى الأصلية إلى جانب الطرق الثلاث الأخرى وليس من شأن إساءة استخدام المواطنين لحق أصيل كحق التقاضى فى شأن دستورية أو عدم دستورية القوانين حرمانهم بصفة مطلقة من هذا الحق، بل أن من الواجب أن يتقرر هذا الحق للأفراد مع وضع بعض الضمانات لعدم إساءة استعمال هذا الحق كأن تنشأ لجنة من بعض أعضاء المحكمة لفحص الطعون واستبعاد ما يكون فيها ظاهر الكيد أو ظاهر البطلان ، كما يمكن أن يفرض على الطاعن إيداع كفالة مالية يودعها قبل الطعن أو فرض غرامة مالية كبيرة على من يخسر الدعوى مما يحد من عدد الدعاوى بحيث لا يرفع الدعوى إلا من كان جادا ومقتنعا بعدم دستورية النص الذى يطعن عليه.