لم تكن أحداث ماسبيرو فتنة طائفية فمصر لم تعرف الطائفية أبدا ، فالمسلمون والمسيحيون هم نسيج الوطن الواحد آلامهم وآمالهم واحدة ومستقبلهم واحد .
فقديما بهرت وحدة المصرين العالم فجاء في كتاب ( مصر الحديثة ) الذي ألفه اللورد كرومر حاكم مصر الفعلي في أعقاب الاحتلال البريطاني يصف القبطي بأنه ( من قمة رأسه إلي أخمص قدمه في السلوك واللغة والروح, مسلم! وإن لم يدر كيف؟) .
ولقد أثبتت ثورة 25 يناير 2011 التحاما وتوحدا عجيبًا بين المسلمين والمسيحيين وكافة مكونات الشعب ونجحت هذه الثورة بوحدة وقوة سواعد المصريين جميعا ، فالوحدة كلمة عظيمة إذا فقدتها أمة ضاعت وانهارت، وإذا استمسكت بها قويت وعظمت واستقامت.
ولم يعكر صفو هذه العلاقة الطيبة سوى تدخل النظم الحاكمة المستبدة التي أيقنت أن وجودها مرهون بالتفريق بينهم ، ولقد كشفت بعض الوقائع التي ازيح عنها الستار بعد سقوط نظام أمن الدولة ان اغلب الفتن الطائفية التي حدثت على أرض المحروسة - خلال الخمسين عاما السابقة - كانت من صنع وتدبير النظام البائد وآخرها حادثة كنيسة القديسين .
ومن أسباب الوحدة الوطنية الاعتدال والوسطية في الفكر والحركة ، فلما غاب ذلك عن بعض الجماعات الإسلامية حدثت ما ينال من منها ، ولقد ثبت تعاون بين الإخوان والأقباط في وأد كثير من الفتن الطائفية فلقد استطاع الأستاذ التلمساني وقت أن كان مرشدًا أن يقضيَ على هذه الفتنة الزاوية الحمراء وغيرها من أوجه التعاون التي يشهد عليها التاريخ بين الإخوان والأقباط .
ولقد ثبت أن من أشعل أحداث ماسبيرو تيار قبطي متطرف يتبنى العنف كان كامنا وأعلن عن ظهوره هو الذي نظم المسيرة ودبر الأحداث ، كانوا يحملوا "أكفانهم" في إشارة إلى إقدامهم على الموت ، ولقد تسلحوا بالأسلحة النارية وزجاجات المولوتوف وبالحجارة .
ولقد سبق هذه الأحداث مقدمات تمثلت في حالة التصعيد العنيف في خطاب بعض رجال الكنيسة المصرية وتهديدهم صراحة بالقتل إذا لم ترضخ الدولة للضغوط وتوافق على تحويل أزمة "مضيفة المريناب" إلى كنيسة وكثير من الرسائل والتسجيلات السابقة على الأحداث تؤكد ذلك .
وكان لأقباط المهجر المتطرفون دور في الفتنة إذ صرحوا خلال فترة ما بعد ثورة 25 يناير وروجوا لإدعاءات بتعرض الأقباط لاضطهاد واسع من جانب المسلمين، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أعلن هؤلاء قيام دولة للأقباط في مصـر .
ولقد كانت أحداث ماسبيرو الدامية التي زهقت فيها أرواح المصريين وسالت دماؤهم غزيرة محاولة للدخول بمصر في نفق الفوضى والعنف لوقف انجازات ومكاسب ثورة 25 يناير المباركة والنيل من وحدة الشعب المصري وتكاتفه من أجل حرمان مصرنا الحبيبة من الوصول إلى المكانة التي تليق بها .
ويجب علي الشعب المصري كله ، مسيحيين أو مسلمين ، علمانيين أو إسلاميين ، أحزاب سياسية أو منظمات المجتمع مدني ، أن يقفوا يدا واحدة ضد التطرف والإرهاب ، وعلى الدولة ألا تقابل التطرف بتطرف آخر ، وعليها أن تسل سيف الحق والقوة والمساواة على الجميع ، وتضرب بيد من حديد على كل من يريد النيل من مصر أو الفرقة بين المصريين .
وأخيرا يمكنني أن أقول إن معظم المسلمين المصريين هم أحفاد المسيحيين المصريين الذين أسلموا طوعا واختيارا حال دخول عمرو بن العاص مصر , وأن مسيحيي اليوم هم بقية قبط الأمس الذين استمروا علي عقيدتهم السابقة في ظل حرية العقيدة التي كفلها الإسلام . ومن هنا نستطيع أن نتفهم قول البعض إن المصريين إما' قبط مسلمون' وإما' قبط مسيحيون', حيث كلمة قبط مرادف لكلمة' إيجيبت' أي مصر.