إذا كان قد حدث.. فما حال المسلمين ونحن نجد نساء مسلمات يتقلبن عاريات فى مضاجع الدجالين؟
هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رجلاً مسحوراً ؟!.. حاشا لله!!
◄لا وجود حقيقيا فى العهد النبوى لشخص من «بنى رزيق» يدعى لبيد بن الأعصم الذى قيل إنه وضع السحر فى بئر «ذروان»
◄ الحوار «المقترض» بين النبى وأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها حول الواقعة فيه تناقض واضطراب
◄نحن أمام واقعة غير ثابتة عن النبى بالكلية.. ونُسبت لشخص مجهول الأثر والديانة كما أنها رويت بعلل قادحة كثيرة فى النص أهمها مخالفته القرآن الكريم ومفهوم العصمة
يقول الفقيه الحنفى «أبوبكر الجصاص» عن حديث سحر الرسول الذى أخرجه البخارى ومسلم: «ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبا بالحشو الطغام» أحكام القرآن (1/49), فى حين نجد «ابن حجر» فى دفاعه المألوف عن ذات الحديث فى البخارى يقول: «وإنما يكون من جنس الخاطر، يخطر ولا يثبت، فلا يبقى على هذا للملحد حجة» فتح البارى (10/264).
وهكذا وصف «الجصاص» واضعى الحديث بالملحدين, ووصف «ابن حجر» منكرى ذات الحديث بالملحدين أيضا, وذلك التنابز إنما هو بالأساس صراع حول إخراج البخارى ثم مسلم للحديث وليس على أصل الحديث, فقد كان من المفترض تمييز الأحاديث الضعيفة عند كل المحدِّثين على سواء، إما ببيان علل السند، أو بالاستيثاق من سلامة المتن النص -, وكان من البدهى أن يغنى فساد أحدهما عن الآخر, فلو كان النص فى ذاته فاسدا، لما تطلب ذلك أن ننظر فى الإسناد, ولو كان الإسناد معلولا لما استوجب قبول النص من أصله, ولكن الذى فعله أغلب المحدثين هو استثناء البخارى ومسلم من ذلك, فأعملوا قاعدة، وأغفلوا الأخرى فأصبحت سلامة السند عندهما هى السبيل لمعرفة سلامة النص, ولم يصبح شذوذ ومخالفة النص سبيلا لرفض السند, ومن هنا تكرست البلية وعظمت البلوى.
وحديث سحر الرسول، أحد الأحاديث التى مثلت أزمة متوارثة بين العقلاء وبين المقدِّسين, لذا سوف نقرأ متن الحديث بعناية ثم ننظر لسنده, مع الاعتبار أننا سنتماشى مع المفهوم السائد والمتوارث عن معنى السحر لنرى الدليل على بطلانه فى مقام النبوة, ثم سنفرد مقالا منفردا يختص بالمقصود القرآنى لمعنى السحر.
نص الحديث عند البخارى: «عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ سُحِرَ حَتى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتى النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ قَالَ سُفْيَانُ وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانى رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رَأْسِى لِلْآخَرِ مَا بَالُ الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقَاً قَالَ وَفِيمَ قَالَ فى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ قَالَ وَأَيْنَ قَالَ فى جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فى بِئْرِ ذَرْوَانَ قَالَتْ فَأَتَى النَّبىُّ البِئْرَ حَتى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ هَذِهِ البِئْرُ الَّتى أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قَالَ فَاسْتُخْرِجَ قَالَتْ فَقُلْتُ أَفَلا أَيْ تَنَشَّرْتَ فَقَالَ أَمَّا اللهُ فَقَدْ شَفَانى وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرَّاً».
وقد أخرجه البخارى فى سبعة مواضع من كتابه - كما سنبين لاحقاً - نستطيع أن نخرج من مجموعها بعدة نتائج مفترضة:
أن النبى سحر وأن السحر أثر فى عقله.
أن الذى قام بذلك رجل من «بنى زريق» يقال له «لبيد بن الأعصم».
أن هذا «اللبيد» وضع السحر فى بئر تسمى «ذروان».
أن هذه البئر دفنت وردمت بعد اكتشاف النبى للأمر.
أن النبى جاءه اثنان من الملائكة ليخبراه بسبب علته وسبيل دوائه.
علل النص فى ذاته:
أولاً: لن نتوقف هنا على معنى السحر الذى أثر فى عقل الرسول حيث سنفرد له بعد هذه النقاط.
ثانياً: من هو الشخص الذى بزعمهم - قام بعمل السحر للنبى؟
فإذا نظرنا فى روايات البخارى السبع لوجدنا اضطراباً كبيراً فى معرفة كنه هذا الشخص, ففى روايته الأولى «كتاب الجزية» لم نجد له ذكراً, ثم فى الثانية «كتاب بدء الخلق» نجد ذكر اسمه فقط, ثم فى الروايات الثلاث التى أخرجها فى «كتاب الطب» نجد ذكره فى الأولى يأتى من قول أم المؤمنين عائشة: «رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ يُقالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ», ثم فى الثانية نجده مدرجا من قول الراوى: «لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقَاً», ثم فى الثالثة نجده مرة أخرى من قول أحد الملكيْن بتعريف آخر: «لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِىُّ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ», ثم فى الروايتين الأخيرتين فى «كتاب الأدب» جاء من قول أم المؤمنين: «وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ», ثم فى «كتاب الدعوات» نجد ذكره من قول الملكيْن: «لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ»، أما الرواية التى أخرجها مسلم بسندين فنجد ذكره من قول أم المؤمنين بتعريف جديد: «سَحَرَ رَسُولَ اللهِ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنى زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ»، وباستعراض الروايات التى ذُكر فيها «لبيد بن الأعصم» عند البخارى ومسلم نجد أنفسنا أمام مأساة متكاملة توضح مدى اضطراب النص بشدة فى تحديد هوية هذا الشخص الذى من المفترض قيامه بعمل جلل ضد مقام النبوة, فعند البخارى هو تارة: «رجل منافق من بنى زريق وكان حليفاً لليهود», وتارة يكون يهوديا: «لبيد اليهودى من بنى زريق», ثم نجده فى رواية «مسلم» من قول أم المؤمنين مؤكدة أنه: «يهودى من يهود بنى زريق», وهذا المعنى عند «مسلم» يؤكد أن هناك الكثير من اليهود غيره من بنى زريق, أى من مجموع يهود بنى زريق.
إذن وبجمع روايات البخارى ومسلم، نجد أننا لسنا فقط أمام نص مضطرب, بل نحن أمام كارثة نصية, فالطفل الصغير يعلم أن يهود المدينة كانت ثلاث قبائل فقط «بنو النضير», «بنو قريظة», «بنو قينقاع», إذن فبالقطع والجزم لا وجود بأى شكل ليهود من بنى زريق, لأن اليهود ببساطة هم «بنو إسرائيل» ونسلهم فى الثلاث قبائل المذكورة نسلا مُنسَّباً - بالنسب الثابت-, لذا فإن الزعم إن «بنى زريق» وهم عرب عاربة قحطانية وبطن من أكابر بطون الخزرج أنصار النبى كان منهم يهودا هو زعم فاحش الخطأ, فالروايات تزعم أن الملائكة أقرت بأنه «اليهودى» وأن أم المؤمنين وهى العالمة بقبائل الأنصار تقول: «يهودى من يهود بنى زريق», وكأنهم كثر، ولم يكن فى بنى زريق يوما يهودى واحد, وقد حاول «ابن حجر» الخروج من هذا المأزق الكبير فقال: «ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودى نظر إلى ما فى نفس الأمر، ومن أطلق عليه منافقا نظر إلى ظاهر أمره» فتح البارى (10/263), وهذه محاولة غير مقبولة فمتى قيل لمنافق حليف لليهود أنه منهم وينسب لدينهم, فذلك لا يستقيم لغة ولا شرعاً لأن الرواية عند البخارى تقول بالتعريف «اليهودى من بنى زريق» وذلك ما لا يمكن معه القول إنه منافق ولا حليف لهم, بل هذا تعريف فصيح لديانته الثابتة, ولو ترخصنا وصدقنا ذلك فما حال رواية مسلم التى جاء فيها النص أكثر دقة فقال: «يهودى من يهود بنى زريق» وهذا يدل على أن اليهود فى بنى زريق كثيرو العدد, فلو كان ما أراد «ابن حجر» صحيحاً من أنه وصِف بذلك لنفاقه, فلماذا وصف قومه باليهود, ولا يشك عاقل أن «بنى زريق» من كبار أنصار النبى, إذن المشكلة مستعصية الحل ولم يستطع «ابن حجر» الخروج من المأزق فتركه هكذا عالقا مخافة أن يرد الحديث, وحتى لو أغفلنا الدليل الصريح من النص واعتبرناه منافقاً - وهو خطأ - فأين اسمه فى الروايات التى حددت المنافقين الظاهرين، لأنه لم يعد بعدها من الذين يبطنون النفاق, وكل هذه علل كبيرة تهدم النص وتبين ركاكة صنعه.
تابع معنا
هل كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رجلاً مسحوراً ؟!.. حاشا لله!!
◄لا وجود حقيقيا فى العهد النبوى لشخص من «بنى رزيق» يدعى لبيد بن الأعصم الذى قيل إنه وضع السحر فى بئر «ذروان»
◄ الحوار «المقترض» بين النبى وأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها حول الواقعة فيه تناقض واضطراب
◄نحن أمام واقعة غير ثابتة عن النبى بالكلية.. ونُسبت لشخص مجهول الأثر والديانة كما أنها رويت بعلل قادحة كثيرة فى النص أهمها مخالفته القرآن الكريم ومفهوم العصمة
يقول الفقيه الحنفى «أبوبكر الجصاص» عن حديث سحر الرسول الذى أخرجه البخارى ومسلم: «ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبا بالحشو الطغام» أحكام القرآن (1/49), فى حين نجد «ابن حجر» فى دفاعه المألوف عن ذات الحديث فى البخارى يقول: «وإنما يكون من جنس الخاطر، يخطر ولا يثبت، فلا يبقى على هذا للملحد حجة» فتح البارى (10/264).
وهكذا وصف «الجصاص» واضعى الحديث بالملحدين, ووصف «ابن حجر» منكرى ذات الحديث بالملحدين أيضا, وذلك التنابز إنما هو بالأساس صراع حول إخراج البخارى ثم مسلم للحديث وليس على أصل الحديث, فقد كان من المفترض تمييز الأحاديث الضعيفة عند كل المحدِّثين على سواء، إما ببيان علل السند، أو بالاستيثاق من سلامة المتن النص -, وكان من البدهى أن يغنى فساد أحدهما عن الآخر, فلو كان النص فى ذاته فاسدا، لما تطلب ذلك أن ننظر فى الإسناد, ولو كان الإسناد معلولا لما استوجب قبول النص من أصله, ولكن الذى فعله أغلب المحدثين هو استثناء البخارى ومسلم من ذلك, فأعملوا قاعدة، وأغفلوا الأخرى فأصبحت سلامة السند عندهما هى السبيل لمعرفة سلامة النص, ولم يصبح شذوذ ومخالفة النص سبيلا لرفض السند, ومن هنا تكرست البلية وعظمت البلوى.
وحديث سحر الرسول، أحد الأحاديث التى مثلت أزمة متوارثة بين العقلاء وبين المقدِّسين, لذا سوف نقرأ متن الحديث بعناية ثم ننظر لسنده, مع الاعتبار أننا سنتماشى مع المفهوم السائد والمتوارث عن معنى السحر لنرى الدليل على بطلانه فى مقام النبوة, ثم سنفرد مقالا منفردا يختص بالمقصود القرآنى لمعنى السحر.
نص الحديث عند البخارى: «عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ سُحِرَ حَتى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتى النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ قَالَ سُفْيَانُ وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانى رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رَأْسِى لِلْآخَرِ مَا بَالُ الرَّجُلِ قَالَ مَطْبُوبٌ قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ قَالَ لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقَاً قَالَ وَفِيمَ قَالَ فى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ قَالَ وَأَيْنَ قَالَ فى جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فى بِئْرِ ذَرْوَانَ قَالَتْ فَأَتَى النَّبىُّ البِئْرَ حَتى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ هَذِهِ البِئْرُ الَّتى أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قَالَ فَاسْتُخْرِجَ قَالَتْ فَقُلْتُ أَفَلا أَيْ تَنَشَّرْتَ فَقَالَ أَمَّا اللهُ فَقَدْ شَفَانى وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرَّاً».
وقد أخرجه البخارى فى سبعة مواضع من كتابه - كما سنبين لاحقاً - نستطيع أن نخرج من مجموعها بعدة نتائج مفترضة:
أن النبى سحر وأن السحر أثر فى عقله.
أن الذى قام بذلك رجل من «بنى زريق» يقال له «لبيد بن الأعصم».
أن هذا «اللبيد» وضع السحر فى بئر تسمى «ذروان».
أن هذه البئر دفنت وردمت بعد اكتشاف النبى للأمر.
أن النبى جاءه اثنان من الملائكة ليخبراه بسبب علته وسبيل دوائه.
علل النص فى ذاته:
أولاً: لن نتوقف هنا على معنى السحر الذى أثر فى عقل الرسول حيث سنفرد له بعد هذه النقاط.
ثانياً: من هو الشخص الذى بزعمهم - قام بعمل السحر للنبى؟
فإذا نظرنا فى روايات البخارى السبع لوجدنا اضطراباً كبيراً فى معرفة كنه هذا الشخص, ففى روايته الأولى «كتاب الجزية» لم نجد له ذكراً, ثم فى الثانية «كتاب بدء الخلق» نجد ذكر اسمه فقط, ثم فى الروايات الثلاث التى أخرجها فى «كتاب الطب» نجد ذكره فى الأولى يأتى من قول أم المؤمنين عائشة: «رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ يُقالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ», ثم فى الثانية نجده مدرجا من قول الراوى: «لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقَاً», ثم فى الثالثة نجده مرة أخرى من قول أحد الملكيْن بتعريف آخر: «لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِىُّ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ», ثم فى الروايتين الأخيرتين فى «كتاب الأدب» جاء من قول أم المؤمنين: «وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ», ثم فى «كتاب الدعوات» نجد ذكره من قول الملكيْن: «لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ»، أما الرواية التى أخرجها مسلم بسندين فنجد ذكره من قول أم المؤمنين بتعريف جديد: «سَحَرَ رَسُولَ اللهِ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنى زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ»، وباستعراض الروايات التى ذُكر فيها «لبيد بن الأعصم» عند البخارى ومسلم نجد أنفسنا أمام مأساة متكاملة توضح مدى اضطراب النص بشدة فى تحديد هوية هذا الشخص الذى من المفترض قيامه بعمل جلل ضد مقام النبوة, فعند البخارى هو تارة: «رجل منافق من بنى زريق وكان حليفاً لليهود», وتارة يكون يهوديا: «لبيد اليهودى من بنى زريق», ثم نجده فى رواية «مسلم» من قول أم المؤمنين مؤكدة أنه: «يهودى من يهود بنى زريق», وهذا المعنى عند «مسلم» يؤكد أن هناك الكثير من اليهود غيره من بنى زريق, أى من مجموع يهود بنى زريق.
إذن وبجمع روايات البخارى ومسلم، نجد أننا لسنا فقط أمام نص مضطرب, بل نحن أمام كارثة نصية, فالطفل الصغير يعلم أن يهود المدينة كانت ثلاث قبائل فقط «بنو النضير», «بنو قريظة», «بنو قينقاع», إذن فبالقطع والجزم لا وجود بأى شكل ليهود من بنى زريق, لأن اليهود ببساطة هم «بنو إسرائيل» ونسلهم فى الثلاث قبائل المذكورة نسلا مُنسَّباً - بالنسب الثابت-, لذا فإن الزعم إن «بنى زريق» وهم عرب عاربة قحطانية وبطن من أكابر بطون الخزرج أنصار النبى كان منهم يهودا هو زعم فاحش الخطأ, فالروايات تزعم أن الملائكة أقرت بأنه «اليهودى» وأن أم المؤمنين وهى العالمة بقبائل الأنصار تقول: «يهودى من يهود بنى زريق», وكأنهم كثر، ولم يكن فى بنى زريق يوما يهودى واحد, وقد حاول «ابن حجر» الخروج من هذا المأزق الكبير فقال: «ويجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودى نظر إلى ما فى نفس الأمر، ومن أطلق عليه منافقا نظر إلى ظاهر أمره» فتح البارى (10/263), وهذه محاولة غير مقبولة فمتى قيل لمنافق حليف لليهود أنه منهم وينسب لدينهم, فذلك لا يستقيم لغة ولا شرعاً لأن الرواية عند البخارى تقول بالتعريف «اليهودى من بنى زريق» وذلك ما لا يمكن معه القول إنه منافق ولا حليف لهم, بل هذا تعريف فصيح لديانته الثابتة, ولو ترخصنا وصدقنا ذلك فما حال رواية مسلم التى جاء فيها النص أكثر دقة فقال: «يهودى من يهود بنى زريق» وهذا يدل على أن اليهود فى بنى زريق كثيرو العدد, فلو كان ما أراد «ابن حجر» صحيحاً من أنه وصِف بذلك لنفاقه, فلماذا وصف قومه باليهود, ولا يشك عاقل أن «بنى زريق» من كبار أنصار النبى, إذن المشكلة مستعصية الحل ولم يستطع «ابن حجر» الخروج من المأزق فتركه هكذا عالقا مخافة أن يرد الحديث, وحتى لو أغفلنا الدليل الصريح من النص واعتبرناه منافقاً - وهو خطأ - فأين اسمه فى الروايات التى حددت المنافقين الظاهرين، لأنه لم يعد بعدها من الذين يبطنون النفاق, وكل هذه علل كبيرة تهدم النص وتبين ركاكة صنعه.
تابع معنا