روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    فن المرافعة في الدعوى الجزائية ما بين الدفاع وسلطة الاتهام – بقلم د. أحمد براك

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    فن المرافعة في الدعوى الجزائية ما بين الدفاع وسلطة الاتهام – بقلم د. أحمد براك Empty فن المرافعة في الدعوى الجزائية ما بين الدفاع وسلطة الاتهام – بقلم د. أحمد براك

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأحد يناير 22, 2012 2:39 pm




    مدخل:

    المتهمة وروب المحاماة

    قال المحامي للمتهمة : قبل ان تحضري إلى الجلسة في الاستئناف ... البسي روب محاماة ... وغطي راسك بايشارب يخفي ملامحك .

    نظرت إليه المتهمة في دهشة وقبل أن تسأله قال لها " حتى لا يعرفك الشهود " .

    وبدأ نظر الاستئناف ... وكانت محكمة أول درجه قد قضت بسجنها لمدة عام بتهمة تقاض " خلو رجل " من السكن ... وناقش المحامي شاهد الإثبات الأول ... ثم اخرج من جيبه ثلاث صور فوتوغرافية ... وطلب من شاهد الاثبات ان يتعرف على صور المتهمة .

    وامسك الشاهد بالصور ... ثم حدد قائلأ : هذه هي المتهم .

    وضحك المحامي ثم قال بصوت عال : هذه الصور الثلاثة ليست من بينها صورة المتهمة .

    و ابتسم القاضي وهو يحكم ببراءة المتهمه ... التي كانت تقف على مقربة من الشاهد ... مرتدية روب المحاماه والايشارب !!.

    تمهيد وتقسيم :

    ان فن المرافعة امام المحاكم الجزائية هو أسلوب وموهبة وخبرة يمتاز به عضو النيابة والمحامين ذو الخبرة والحنكة وبه يلعب اطراف الدعوة الجزئية ادوارهم لغاية ايصال طلباتهم او الرد على الدفوع المثارة من قبل الاطراف الاخرى المتنازعة ولذلك فان الامر يحتاج في البداية الى دراسة و تعلم ومن ثم كسب تلك الخبرة امام المحاكم والاهمية الموضوع من الناحية العملية والنظرية على حد سواء سوف نتناوله بالبحث هذا الموضوع على النحو التالي:

    المبحث الاول : المبادئ القانونية المتعارف عليها في المحاكمات الجزائية .

    المبحث الثاني : القواعد الاساسيه لعضو النيابة العامة في عملية الترافع امام المحكمة .

    المبحث الثالث : القواعد الاساسية لوكلاء الدفاع في عملية الترافع امام المحاكم .

    المبحث الرابع : انواع الطلبات والدفوع في المواد الجزئية .

    المبحث الخامس : التوجيهات الاساسية في كتابة المرافعات الجزائية .



    المبحث الاول

    المبادئ القانونية المتعارف عليها في المحاكمات الجزائيه

    تمهيد وتقسيم :

    هناك العديد من المبادئ القانونية التي سمت الى مستوى الدستورية بالنص عليها في الدستور تحكم عملية المحاكمات الجزائية , ومنها علانية المحاكمة , وشفوية المحاكمة , ومبدأ المواجهة الجزائية ومبدا الاصل في المتهم البراءة ومبدا الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي وصيانة حق الدفاع و تدوين اجراءات المحاكمة و اخيرا ان الاصل مبدا الاجرائات قد روعيت , وهو ما سنتاوله بايجاز في البنود التالية :

    اولا : مبدا علانية المحاكمة :

    يتميز التحقيق النهائي الذي تجريه المحكمة عن التحقيق الابتدائي الذي تجريه النيابة العامة بالعلانية كاصل من اصول المحاكمات الجزائية وعلى ذلك نصت المادة 237 اجراءات الجزئية بانه تجري المحاكمه بصورة علنية ما لم تقرر المحكمة اجراءها سرية لاعتبارات المحافظة على النظام العام او الاخلاق , ويجوز في جميع الاحوال منع الاحداث او فئة معينة من الاشخاص من حضور المحكمة ويقصد بالعلانية تمكين الجمهور بغير تمييز من دخول الى قاعة التي تجري فيها المحكمة و الاستماع الى ما يدور فيها من اجراءات المحاكمة , والغاية التي يبتغيها هذا الاصل الهام من اصول المحاكمات الجزائية هي تمكين الراي العام من مراقبة اجراءات المحاكمة بنفسه فيبعث هذا على الثقة في المحكمة وفي عدالتها و جديتها ومن باب اولى تمكين الخصوم بأنفسهم من ذلك , فالعلانية ضمانه من ضمانات حقوق الانسان واحد المبادئ العامة للقانون وهي ما نصت عليه الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان مادة (6 / 1 ) , وكذلك المادة ( 10 ) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان .

    ثانيا : شفوية المحاكمة :

    يقصد بشفوية المرافعة او المحاكمة ان تجري شفويا وبصوت مسموع للكافة كل ما يتم من اجراءات في الجلسة , فيجب ان تتلى في الجلسه وبصوت مسموع الاتهامات التي يحاكم المتهم من اجلها , ورده عليها , ومرافعة النيابه العامة والمدعي المدني والدفاع واسئلة واجابات الشهود عليها وبذلك يستهدف مبدا الشفوية بسط رقابة محكمةالموضوع على ما يتم من اجراءات جزائية امام سلطة جمع الاستدلالات وسلطة التحقيق الابتدائي و بذلك تستطيع المحكمة تقيم هذه الاجراءات والفصل فيما يوجه اليها من ملاحظات , انظر المادة (207 ) إجراءات فلسطيني .

    ثالثا : مبدا المواجهه في المحاكمة :

    والواقع ان التزام المحكمة بمبدا شفوية المحاكمة او المرافعة انما يرجع الى تحقيق اصل اخر من اصول المحاكمات الجزائية هو مبدا المواجهة بين اطراف الدعوى هذا يعني انه لابد ان يواجه كل طرف من اطراف الدعوة بالادلة الموجهة ضد طلباته حتى يتمكن من

    تنفيذها , وهو ما نصت عليه المادة( 273 ) اجراءات فقرة ( 1 ) حيث ذكرت في عجزها ( انه لا يجوز لها " المحكمة " ان تبني حكمها على اي دليل لم يطرح امامها في الجلسة ...) .

    رابعا : مبدا الاصل في المتهم البراءة :

    هو حق دستوري , ويعتبر هذا الاصل مبدا اساسي في النظم الديمقراطية , و مفترض من مفترضات المحاكمة المنصفة , وقد وصفه مجلس اللوردات البريطاني بانه خيط ذهبي في نسيج ثوب القانون الجزائي , ويعتبر من حقوق الانسان , فقد نص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة( 1948 ) في المادة( 11 / 1 ) , كما اكد هذا المبدا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ( 1966 ) المادة( 14 ) , و نصت عليه الاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان والمواطن لسنة( 1989 ) المادة ( 99 ) , ويعد هذا الاصل مبدأ اسياسيا لضمان الحرية الشخصية للمتهم و مقتضاه ان كل متهم بجريمة مهما بلغت جسامتها يجب معاملته بوصفه شخصا بريئأ حتى تثبت ادانته بحكم قضائي بات , وهو ما اكد عليه القانون الاساسي الفلسطيني في مادة ( 14 ) وبعض الدساتير العربية مثل : التونسي الفصل رقم( 12 ) والسوري المادة ( 10 / 1 ) واليبي المادة( 15 ) ولكن هذا الاصل قابل لاثبات العكس بطبيعة الحال , وبذلك يعد قرينه بسيطة وفقا لقواعد الخصومة الجزائية وقواعد الاثبات الجزائية ويترتب على هذا المبدا

    عدة نتائج هامه :

    اولا : عدم التزام المتهم باثبات براءته .

    ثانيا : الشك يفسر لمصلحة المتهم .

    خامسا : صيانة حق الدفاع باعتباره حقا مقدسا :

    ويعني هذا المبدأ انه يجب مراعاة حقوق المتهم والدفاع في كافة مراحل المحاكمة على اساس التساوي والتوازن بين الادعاء العام والدفاع , ولذلك تم النص على ان المتهم هو اخر من يتكلم وضرورت توكيله محام له في الجنايات " المادة ( 244 ) اجراءات " , ويجب

    صيانة حق الدفاع والا ترتب على ذلك البطلان .

    سادسا : الاقتناع الذاتي للقاضي :

    هذا المبدأ يترك القاضي الحرية في ان يقدر قيمة القضية , لا يملي عليه المشرع اي حجة معينة لاعمالها وعلى القاضي ان يبحث عن الادلة اللازمة ثم يقدرها في حرية تامة , الا انه مع ذلك يجب ان يخضع اقتناع القاضي دائما للمنطق والعقل , فلا يجوز ان يعني مبدأ الاقتناع الذاتي للقاضي اطلاق حرية القاضي في ان يحل محل ادلة الاثبات تصوراته الشخصية و تخميناته مهما كانت وجهاتها , هذا مع العلم ان الاثبات يعني ان القاضي حر في تقييم ادلة الاثبات دون قيد غير مراعاة واجبه القضائي , و هذا لا يعني انه يقضي بما يشاء , لان ذلك سيكون تحكما منه , ومن جهة اخرى فان القاضي لتتكون القناعة لديه عملا بنظام الاقتناع الذاتي عليه مراعاة ضوابط معينة اهمها ما يلي :

    1 - طرح الادلة في الجلسة :

    وهذا يعني ان القاضي ملزم بطرح الدليل , ومناقشته في الجلسة شفاهة وبحضور الاطراف , حتى يدلي كل واحد برأيه فيه , ومن ثم لا يجوز للقاضي الفصل في الدعوى اعتمادا على دليل وصل الى علمه الشخصي من غير ان يطرح للمناقشه في جلسة المحاكمة .

    2 - بناء الحكم على اليقين والجزم :

    في حالة الادانة لا بد من بناء الحكم القضائي على الجزم واليقين لا على مجرد الترجيح والتخمين والا وقع نقض الحكم المشوب بهذا العيب .

    3 - ان تكون الادلة صحيحة ومشروعة :

    يشترط في الوسيلة التي اقتنع بها القاضي ان تكون صحيحة مشروعة من ثم فالوسيلة المحصل عليها بطريق غير مباشر كالنصب او السرقة لا يمكن ان تعتبر وسيلة مشروعة للاثبات ما عدا ادلة البراءة .

    4 - ان تكون الادلة مؤدية الى النتيجة التي وصل اليها الحكم :

    بمعنى ان الادله المعتمد عليها في تاسيس الحكم قانونا وفقها مؤيدة للنتيجة التي اعلنها الحكم والا تتعرض هذا الاخير للنقض اما لانعدام التعليل او لعدم كفايته .

    5 - تعزيز الادلة لبعضها ( تساند الادلة ) :

    ان القاضي و هو بصدد اقامة اقتناعه الذاتي عليه الا ينسى بان الادلة تعزز بعضها بعضا بمعنى ان الادله الجزائية تستند بعضها الى بعض خصوصا في حالة الادانة .

    سابعا : تدوين اجراءات المحاكمة :

    يشترك التحقيق النهائي مع التحقيق الابتدائي في ضرورة تدوين اجراءاته فكل اجراء شفوي يتم امام المحكمة في الجلسة يجب ان يدون كتابته في محضر خاص يسمى محضر الجلسه يثبت فيه جميع ما ذكر في الجلسة من مرافعات ومناقشات وطلبات ودفوع ... الــخ المادة( 253 ) اجراءات (( يدون كاتب المحكمة جميع وقائع المحكمة في محضر الجلسه ويوقع عليه مع هيئة المحكمة )) وبذلك فان حصلت منازعة فيها كان محضر الجلسة هو الحجة في ذلك .



    المبحث الثاني

    القواعد الأساسية لعضو النيابة العامة في عملية الترافع أمام المحاكم (مرافعة النيابية )



    أولا مدلوله : الخطاب الذي يلقيه طالب الحق امام القاضي ليقضى له به .

    تعتبر المرافعة من اهم الوظائف التي يؤديها عضو النيابة العامة , فمن خلالها تقوم النيابة بشرح ادلة الاتهام وسرد ظروف الدعوى وتنبيه المحكمة الى مواطن الشدة او الرافه التي تكون في القضية .

    ثانيا: القواعد الاساسية التي يجب على اعضاء النيابة العامة مراعتها:

    1 - الاطلاع على الدعوى بعناية .

    لكي تكون مرافعة عضو النيابة على الوجه الاكمل يجب ان يقرا قضيته من اولها لاخرها حتى يكون ملما بقضيته محيطا بتفاصيلها مستعدا للمفاجات التي قد تثار بالجلسة ومطمئنا الى انه سيجد لكل سؤال جواب ولكل احراج رد .

    2 - استقلال النيابة العامة عن القضاء .

    اعضاء النيابة مستقلون عن المحكمه التي يزاولون اعملهم لديها وليس للمحكمة ان تنتقدهم كما انه ليس من حقها ان توجه للنيابة اي توبيخ او نقد او لوم عند مرافعتها فأذا وقع منها شيء من هذا القبيل كان حكمها قابل للنقض وحق الرئاسة غير قائم , لذلك فلو سمح للمحاكم بحق الرئاسة على اعضاء النيابة لكان في ذلك ضرر كبير على العدالة نفسها لان النيابة عندئذ تخشى ان تغضب القضاء وتسعى الى استرضائه فتوافقه على ارائه ولو خالفت القانون ويترتب على استقلال النيابه العامه عن القضاء ما يلي :



    المبحث الثاني

    1 - ليس للمحاكم من حق في الحد من حرية النيابة في بسط ارائها في الدعوى العمومية الا في حدود ما يقضي به النظام وحقوق الدفاع .

    2 - ليس للقضاء الحق في توجيه اللوم و/او التوبيخ لعضو النيابة مباشرة رعاية للحرمة الواجبة للنيابة العامة حتى لا ينقص من كرامتها امام الجمهور .

    ولكن اذا ترائى للقضاء ان هناك شبهة في طريقة سير النيابة العامة في اداء وظيفتها فعلى القضاء ان يرفع الامر - بصفه سرية - الى النائب العام .

    3 - حرية النيابة في ابداء اقوالها .

    بناء على ما تقدم فان النتيجة طبيعية لمبدأ استقلال النيابة عن المحكمة هي حرية النيابة في ابداء اقوالها بدون مقاطعة من المحكمة لان في مقاطعتها ضرب من ضروب الرقابة عليها , الامر الذي لا يليق وعليه لا يجوز مقاطعة النيابة ولهذا فان ممثل النيابة المترافع من حقه ان يقول ما يعتقد انه في مصلحة العدالة وتقديم كافة المستندات المؤيدة لدعواها دون مقاطعة من المحكمة ولو كان ذلك بحجة انتهاء الوقت المحدد للجلسة .



    4 - توضيح فكرة غامضه في مرافعة النيابة .

    و مع ذلك فمن حق القاضي ان يقاطع النيابة والدفاع لتوضيح فكرة غامضة او لاستبيان حجة قيلت باختصار لتفهم مغزاها على ان يكون ذلك بطريقة توقر دور النيابة في عملها .

    5 - اختيار الفاظ تليق بمكانة النيابة .

    ممثل النيابة المترافع - ان طعن على المتهم او شهود النفي - بما هو ثابت في الاوراق - فعليه ان ينتقي لذلك اخف الالفاظ وقعا واقلها ايلاما وان يلقي مرافعته في كثير من المحيطة والاتزان وان يصون اقواله من العبث حتى لا يترك للدفاع او غيره فرصة للطعن فيها .

    6 - الترافع للمحكمة لا لجمهور الحاضرين بالجلسة .

    كما يجب الا يغيب عن ذهن ممثل النيابة المترافع - انه للقاضي لا لجمهور فوظيفته محدده باقناع القاضي بما يراه حقا لا باقناع الجمهور ولذلك فالمرافعة للقاضي يجب ان تقتصر على ما قد يكون محل شك او غموض او ما قد يكون محل ضعف من ادله الاثبات لتقويته او محل قوة في مركز الدفاع لهدمه كل ذلك بما يتفق مع الحق والضمير .

    7 - عدم تجريح المدافعين .

    يجب على عضو النيابة المترافع الا يتعرض لما يجرح دفاع المتهم , حتى ولو اخطا الدفاع وهاجم النيابة فعضو النيابة عليه ضبط نفسه وعدم الخروج عن طوره والدخول معه في معركة كلامية و شقشقه لسانية عقيمة فالسكوت في اغلب الاحيان اقوى الردود على الكلام .

    8 - مرافعة النيابة يجب ان تكون عالية الاسلوب بينة الحجج وافية بالمطلوب من غير اطالة فيما لا يفيد الاتهام لا سيما اذا وجد عضو النيابه المترافع نفسه امام هيئه من الدفاع عرفت ببلاغة التعبير وقوة الحجة فما اشق على سمعه العدالة من ان يقف ممثل الاتهام متلعثما في دفاعة متعثرا في اقواله بينما القضية غنيه بالادلة والبراهين وممثل الاتهام لا يعرف كيف يبديها .

    9 - عدم هيبه النيابة عند طلب توقيع اقصى عقوبة .

    بعض رجال النيابة اثناء مرافعتهم يتهيبون طلب توقيع اقصى عقوبة الاعدام والتدليل على تناسبها مع الجريمة التي ارتكبها المتهم ( كان تكون الجريمه قصدا او تكون قتل مصحوب بعدة جنايات اخرى متوافرة فيه الظروف المشددة ) وذلك خطا من رجال النيابة وضعف ,

    خطا لان القانون نص عليها وضعف لان عقوبة الاعدام متناسبة مع الجرم وما على ممثل الاتهام الا ان يطلبها من القاضي و يلح في طلبها متى توافرت شروطها , وسنضرب مثالا توضيحي لمرافعة من عضو النيابه في جناية قتل اعقبها جناية قتل اخرى وسرقة , فبعد

    ان استهل ممثل النيابة المترافع الظروف المشددة وشرح الادلة القائمة على المتهم ختم مرافعته متحدثا عن الظروف المخففه متسائلا , فاين اذن هذه الظروف المخففه ؟ اين مكانها ؟ ايجوز البحث عنها في سوابق المتهم ؟ فما اسوأها من سوابق ؟ ام نبحث عنها في الباعث له على ارتكاب الجريمة ؟ لقد قتل ليسرق ولقد اسال هذا الدم الغالي البرئ - الذي لا ترده اموال الدنيا جميعها - ليكسب مبلغا تافها , ام تبحثون عنها في وقفته امام القضاة ؟ وها هو يقف لا موضع للندم في قلبه ولا اثر للأسف في نفسه يقذف في وجه القضاء بالاكذوبه تلو الاكذوبه غير هياب ولا وجل ….. ان القتل افظع جريمة يرتكبها الانسان ضد اخيه الانسان , و قد ارتكب المتهم جريمتي قتل لا واحدة و يزيد جرم المتهم ان القتيلين لم يكونا غريبين عنه , فقد كانا يستقبلانه في دارهما كصديق ويحيطانه بعطفهما ويمدانه بنصائحمها , فكان الاعتراف لهما بالجميل ان قتلهما وسرقهما في النهاية , نطقت المحكمة بالعقوبة المطلوبة وهي عقوبة الاعدام وبذلك قضت محكمة النقض المصرية :

    يكفي لتغليظ عملا بالفقرة الثانية من المادة( 234 ) ع ان يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنيه بينهما بان تكون الجنايتين قد ارتكبتا في نفس وقت واحد او في فترة قصيرة من الزمن وتقدير ذلك مما يستقل به

    قاضي الموضوع فمتى قدر الحكم قيام رابطة الزمنية هذه فلا يجوز اثارة الجدل في ذلك امام محكمة النقض (1962/2/26ص75) .

    10 - النيابه خصم شريف في الدعوة قد تطلب البراءة او التخفيف او السقوط .

    فكما ان لممثل النيابة ان يتشدد في الواجب وفي طلب توقيع اقصى العقوبة فليس هناك ما يمنعه من ان يكون رحيما يطلب تخفيف العقوبة او الحكم بايقاف التنفيذ ... او الاكتفاء بالغرامة ... بل ان من حقه ان يطلب براءة اذا وضحت له وضوحا لا محل للتردد فيه ,

    خلاصة القول , ممثل النيابة قبل الجلسة ان يقرا القضيه ويخرج منها بالراي الذي يرتئيه - ادانة او برائة - ولا يملك انسان في الوجود ان يجبره على ان يترافع بغير ما يمليه عليه ضميره و ذلك لان الحق احق ان يتبع .

    11 - الخروج عن حدود الدعوى .

    يضاف لما سبق ذكره ان وكيل النيابة ليس ملزما اثناء مرافعته امام القاضي ان يقصر مرافعته في حدود الدعوى الماثلة امامه , وانما له ان يخرج عنها اذا كانت الدعوى تتطلب درسا اخلاقيا جديرا ان يقال .

    12 - عدم الخوض في المسائل السياسية .

    اخيرا : يجب على ممثل النيابة ان يبتعد عن الخوض في المسائل السياسية و المنازعات الحزبية , وان ينزه النيابة عن الخوض فيها احتفاظا للنيابه بكامل استقلالها .

    13 - الاستعانة بالوصف والخيال .

    كما لا يعب على ممثل النيابة المترافع ان يستعين بخياله احيانا فيصف الجريمة كما وقعت, وكما راها في اوراق التحقيق فان اسعفه خياله واستطاع ان يصور للمحكمة تصويرا صادقا, كيف ارتكبت الجريمة , كان ذلك افضل لاثبات التهمة من اطاله الشرح والوصف وصفوة القول:

    1 - مرافعة عضو النيابة امام المحكمة , الغرض منها تنبيه المحكمة لمواطن الشدة او الرافة التي تكون في القضية .

    2 - استقلال اعضاء النيابة عن المحكمة عند اجراء مرافعتهم لديها .

    3 - ليس للمحكمة توجيه اللوم والتوبيخ لعضو النيابة مباشرة و انما عليها ان ترفع الامر - بصفة سرية الى النائب العام عند حدوث تقصير من عضو النيابة .

    4 - لا يجوز مقاطعة النيابة اثناء ابداء اقوالها او عرض مستنداتها الا لتوضيح فكرة غامضة او حجة قيلت .

    5 - الترافع يوجد للمحكمة لا للجمهور الحاضر الجلسة .

    6 - عدم تجريح المدافع عن المتهم والارتفاع بمستوى الاسلوب , واختيار الافاظ التي تليق بمكانة النيابه .

    7 - عدم تهيب النيابة عند طلب توقيع اقصى العقوبة .

    8 - النيابة خصم شريف في الدعوى قد تطلب البراءة او التخفيف .

    9 - يجب على عضو النيابة ان يختار اخف الافاظ و اكثرها لباقة في مواجهة الدفاع الحاضر في الدعوى .



    المبحث الثالث

    مبادئ الدفاع أمام الجنايات

    اولا : المقصود بحق الدفاع :

    حق الدفاع ضرورة لازمة لكل نظام يحاكم الجاني عن جريمته , فهو حق وجد عند وجود القضاء , ولا يتصور وجود قضاء بغيره ولذلك وجود مدافع عن المتهم في الجنايات امر واجب والاخلال به يستوجب بطلان اجراءات المحاكمة ولذلك يجب ندب محامي يتولى الدفاع عن المتهم اذا تغيب المحامي المعين عن المتهم يوم الجلسه , ولا يعد ذلك اخلالا بحق الدفاع حيث هذا الاجراء يعد ضروريا ووجوبيا على المحكمة في حال عدم توكل محاميا للدفاع عنه (م244 اجراءات) , واذا صدر حكم على المتهم في غيبته من غير سماع دفاعه ثم حضر او قبض عليه يعاد نظر الدعوى امام المحكمة ليدلي بدافعه في التهمة او التهم المنسوبة اليه (م395 اجراءات ) ويجب عدم مقاطعة الدفاع اثناء مرافعته والقانون اوجب في سبيل حماية المتهم ان يعاونه محاميه امام المحكمة , فبدون هذه المعونة قد يذهب المتهم ضحية جهله وعدم اقتداره على النضال مع ذلك الخصم القدير وهو النيابة , وخلاصة القول انه يجب ان يكون للمتهم في الجنايات محامي يدافع عنه ويجب على المحكمة الا تقاطعه اثناء المرافعة وابداء دفاعه الا اذا خرج المحامي على غير ما هو مالوف ولائق بالمحاكم , كما انه من حق المحكمة منع المتهم او محاميه من ذكر اشياء لا دخل لها في موضوع التهمة لذلك يجيب عدم اطالة المرافعة دون مبرر واذا تبين للمحكمة ان الغرض من اطالة المرافعة من قبل المحامي انما هو تعطيل سير العدالة تحت ستار حرية الدفاع - جاز لها ان تحثه على التركيز في حديثه على الحقائق الغامضة , والمقصود بالاطالة هنا ... هو تلك الاطالة التي تخرج عن المألوف .

    ثانيا: المقصود بالمرافعة امام المحاكم :

    هي احتكار مسلم به لاعضاء النيابة العامة والمحامين و تعتبر المرافعة من اهم مظاهر عمل المحامي فهي من انجح الوسائل التي يتبعها المحامي لدفع الاذى عن موكله , اضف الى ذلك ان المرافعة العلنية - هي بلا مراء - عمل يساعد في توزيع العدالة بين الناس بالقسط كما ان مرافعته هي السبيل الوحيد ليظهر الدافع للملا تفوقه ... والمنهاج الذي يسير عليه ... والدروب التي يقوم بها بالتركيز عليها ومدى لباقته في الحوار .

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    فن المرافعة في الدعوى الجزائية ما بين الدفاع وسلطة الاتهام – بقلم د. أحمد براك Empty رد: فن المرافعة في الدعوى الجزائية ما بين الدفاع وسلطة الاتهام – بقلم د. أحمد براك

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأحد يناير 22, 2012 2:41 pm

    ثالثا : واجبات المحامي :

    1 - واجبات المحامي المترافع نحو المحكمة .

    واجب المحامي المترافع نحو المحكمة هو ان لا يدخل قاعة الجلسة الا مرتد ثوب المحاماة ( روب ) لان ارتداء هذا الثوب فيه اظهار لشخصه امام زملائه والجمهور والحراس الذين قد لا يعرفون شخصه وارى انه يجب ان يلتزم ايضا القاضي بهذا المبدأ وتكون المعاملة بالمثل وكذلك لا تجوز الاهانة التي تقع من الدفاع على المحكمة ولا ابالغ ان قلت ان هناك اعتدائات جمة قد تقع بين المحامين اثناء انعقاد الجلسة وهي تعرض المحامي لان تحكم عليه المحكمة بالعقوبة المنصوص عليها في قانون العقوبات وكذلك فان اهانة المحكمة والنيابة للدفاع امر مرفوض ويجب الرد عليه بطريقة قانوينة .

    2 - واجبات المحامي المترافع تجاه النيابة .

    المحامي المترافع من حقه ان يهاجم ادلة النيابه واستنتاجاتها ولكن ليس له ان يهاجم شخص ممثلها اثناء المرافعه فان فعل ذلك كان معتديا على المحكمة اثناء انعقادها ولو كان ذلك بقصد الاحتجاج على الاهانة التي وقعت عليه ... والحكمة من ذلك هي حفظ النظام بالجلسات القضائية , حيث انه ليس من النظام في شي تبادل الاهانة او الاسترسال فيها مع عضو النيابية , فان كان هناك احتجاج من المحامي المترافع على اهانة فيجب ان يكون هذا الاحتجاج صادر بطريقة موزونة لا مهينة ولا خارجة على حدود اللياقة الادبية ويحق للدفاع اللجوء الى التفتيش القضائي للنيابة العامة ضد عضو النيابة الخاطئ .

    3 - واجب المحامي المترافع نحو زملائه في الجلسة .

    على المحامي المترافع ان يلاحظ ان محامي خصمه , انما هو زميل له , فليس من حقه ان يقاطعه اثناء المرافعة , ولا يستفزه بقول جارح او كلمة قاسية , فاللغة العربية غنية بالاساليب و مليئة بالعبارات التي تمكن المحامي من ان يقول كل ما يريد ان يقوله من غير ان يجرح محامي خصمه او يعتدي على كرامته .

    4 - واجب المحامي المترافع نحو خصمه .

    لا يقل واجب المحامي المترافع نحو خصمه اهمية عن واجبه نحو زملائه ونحو بقية الناس , فعلى المحامي المترافع ان يتحلى بصفات الدفاع حتى يكسب احترام الموكلين والخصوم وتقدير الزملاء والقضاء , ومن هذه الصفات ان يكون متوازن لا يسب ولا يكذب ولا

    يفتري وان يعرف لنفسه كرامتها وان يكون مسلكه مهذبا .

    وما اجمل ان نكتب حكمة قالها الفقيه(( مونتسيكو )) مخاطبا بها جموع المحامين ايهاالمحامون - ان فيكم غيرة على حقوق موكليكم ... ولكن غيرتكم يجب الا تنهيكم ما يجب عليكم نحو خصومكم ... فلا شيء يؤلمنا او يكدر صفونا اكثر من تجاوز بعض السنة المحامين حد الكمال في المقال ... فالذي يحزننا ويبكينا ... ان خصم يتأذى شرفه وتهان كرامته وتنتهك حرمته , بقوارض المطاعن والكلام .

    وهناك مثال اخر لاحد الموكلين يدافع عن نفسه بسبب تجريح محامي الخصم له حيث وقف احد الخصوم امام المحكمة موجها كلامه للقضاء على تجريح المحامي الخصم له فماذا قال ( ايها القاضي اننا اتينا للمثول امام ايديكم فكان حظنا ان رمينا بالنقائص وألبسنا

    جلابيب المخازي , ولقد انكشفت لكم جراحنا فلم تضمدوها وجلستم لتنصفونا من اساءات اصبتنا بعيدا عنكم , فسمعنا من الاساءات امامكم ما هو اعظم واشد وقعا ... وتقولون انكم وليتم القضاء لتحفظوا ارواحنا واموالنا ... نعم ... ان شرفنا اعز عندنا من كل شرف ومن كل مال ... فان لم تستطيعوا ان تردوا عنا جماح خطيب اخذته حدته فدلونا على مجلس القضاء اعدل منكم ... ثم استطرد الموكل موجها خطابه للمحامين .. ايها المحامون ليس لنا طاقة على احتمال مثل هذا العتب و التعنيف ولا نريد ان يقال انكم كنتم في ترك الواجب عليكم اسراع منا في استنهاضكم الى ادائه .

    5 - واجب المحامي المترافع نحو الشهود .

    واذا كان لا يليق بالمحامي ان يجرح خصم موكله فانه من باب اولى يجب عليه ان لا يتعرض للشهود الا بالحيطة والحذر .

    فمن المسلم به ان المحامي المترافع قد يتجاوز الحد احيانا عند ادائه لواجبه فمثلا عندما يقوم المحامي بتفنيد الشهادة وبيان سقوطها , فانه قد يرجع على الشاهد بما يحط من قدره ويسقط اعتباره , وبذلك ينسى المحامي المترافع او يتناسى انه قد يلحق ضرر برجل من الاخيار جاء لاداء شهادته .

    وبناء على ما تقدم يجب على المحامي المترافع الحاضر عن الخصم , ان يمتنع عن سب الخصوم او الشهود وذكر الامور الشخصية التي تسيئهم , واتهامهم بما يخدش شرفهم او سمعتهم ... ما لم تستلزم حالة الدعوى هذا الاتهام وبشرط ان يكون المحامي المترافع وحده المسئول عن هذا التجريح .

    رابعا : طريقة اعداد المرافعة :

    المحامي مطالب بان يعد مرافعته و يستعد لها , ويلم باطراف قضيته وعليه ان يعرف مواطن القوة في قضيته وكيف يظهر على اتم صورة , ويلتمس نقاط الضعف في قضية خصمه فيعد هجومه عليه منها ويسد منافذ القول .

    اما المحامي الذي يتقدم للمرافعة من غير سابق استعداد , ارتكانا على ما يظنه في نفسه من قدرة على الخطابة وعلم باساليب الكلام … مثل هذا المحامي ان كان يستطيع ان يقول كلاما مرتبا يسر الجمهور ويسر موكله المسكين لجهله فانه لن يستطيع ان يغش خصمه ( النيابة او دفاعا ) ولن ينجح في زحزحة راي القاضي قيد انملة لناحيته .

    ولذلك واجب المحامي المترافع في القضية ان يلم بموضوع الدعوة تمام الامام ويكون ذلك بقراءة القضية والالمام بكل دقائقها واستكمال دوسية القضية بالمستندات والبينات التي يرى المحامي ضرورة ضمها للقضية , وبعد ذلك يبدأ المحامي باعداد خطة دفاعه .

    طريقة الادلاء بالمرافعة و التعبير عنها :

    الغرض من المرافعة هو اقناع القاضي بمواطن الحق حتى لا يقضي بها القاضي واهدار موطن الباطل فيما يدعيه الخصم .

    1 - البلاغة المعتدلة : المرافعة تتطلب بلاغة معتدلة لا تكليف فيها و تتطلب ايضا اعتدال في الالفاظ و تقليل في الاشارات..... والابتعاد عن كل ما هو تمثيل فكلما استخدم المحامي الالفاظ السهلة والبسيطة , كلما كان لذلك تأثير في اقناع المحكمة واكتساب وجهة نظرها .

    2 - ايجاز المرافعة : يجب على المحامي المترافع ان يوجز في مرافعته بحيث تكون جامعة مانعة وفي ذلك الخير الكثير لقضيته , لان ايجاز المرافعة فيها اقناع للقاضي بما ورد من حجة قوية , اما المحامي الذي يطيل مرافعته , فان الاطالة في ذاتها مضرة بالمرافعة حيث

    وهو في سبيل الاطالة يكدس الحجج الواحدة تلو الاخرى ( القيمة وغير القيمة , القوية والضعيف ) ويتقدم بسرد هذه الحجج للقاضي احداها قوية والباقية ضعيفة فتمر الحجة القوية على ذهن القاضي من غير ان تعلق به وتسقط في فيض الحجج التافهة .

    3 - بساطة التعبير : يجب على المحامي المترافع ان يترافع ببساطة مدهشة , وبلغه تكاد لا تفترق عن لغة التخاطب العادية , واضحة جليلة مرتبة , ويستطيع بنبرات صوته , وجمال معانيه وبلاغة تعبيره وقوة حججه ان يسيطر على مسامعه بالجلسة من جمهور وزملاء وقضاة .

    خامسا : شروط المرافعة

    1 - وحدة الموضوع .

    2 - ترتيب الكلام وترتيب الافكار بحيث يبدا اولا بالفكرة البسيطة ثم يتدرج حتى يصل الى قمة ما يريده , وفي القمة يبدا انفعاله ويظهر صوته وتقوى عبارته .

    3 - المحامي المترافع عليه عند عرض الموضوع ان يستند على ادلة تؤيده او ادلة تدفع ما يعارضه كما يجوز له ان يرد على تلك الدفوع التي يمكن ان تعارضه وان يكون في ذلك فاحصا ومتبسطا في استخدام العبارات .

    سادسا : واجبات المحامي المترافع :

    1 - على المحامي المترافع ان يبحث اولا وقبل كل شي عن الحقيقة والفكرة الاساسية التي تستند عليها مرافعته , وان يبتعد بقدر الامكان عن الكلمات الطنانة والرنانة التي تمل منها المحكمة .

    2 - ان يقوم المحامي باعداد مرافعته , فيبدا بدراسة اوراق الدعوى وتحضيرها بمراجهة ما يلزم من النصوص القانونية ويكون كل ذلك قبل يوم المرافعة حتى اذا حان وقت المرافعة عرض الجوانب القانونية بكل سهولة ويسر .

    3 - يجب على المحامي المترافع ان يحترم هيئة القضاء فلا يطلق على المنصة بيده , وذلك لان هيبة اجلال المنصة من هيبة واجلال المحاماة .

    4 - على المحامي المترافع ان لا يقدم على المرافعة الا اذا كان مستعد بالحجة الدامغة ... ومستعد بالاسانيد الازمة للموضوع الذي ينوي المرافعة فيه .

    5 - لو خرج المحامي المترافع عن طور الوقار الذي يتحلى به كل محامي لادى ذلك الى ان يفقد موكله وقضيته ونفسه .

    سابعا : القواعد الاساسية التي يجب على وكلاء الدفاع مراعاتها .

    1 - الاعتدال في المرافعة : يجب ان يكون المحامي المترافع معتدلا في مرافعته بحيث لا يرمي زميله بشيء يجرحه , صحيح ان المرافعة جذب ودفع ولكن ذلك لا يجعل المحامي المترافع يفلت زمام اعصابه ... فالالتزام بحدود الاعتدال اثناء المرافعة يجعل مطلع مرافعة

    تمتاز بعنصر الجذب ولفت انتباه ... و خاتمة مرافعته شيقة حسنة .

    2 - حيوية المرافعة : من الغريب ان يعتقد البعض ان المقصود بحيوية المرافعة هو رفع الصوت و الاكثار من حركات الجسم واليدين ... والضرب على منصة القضاء ... او بالبكاء المفتعل ... فكل ذلك يعتبر عيوبا وخطا ويجب على الدفاع المترافع ان يتحاشها فحيوية

    المرافعة ... انما تكون في الصوت الذي يرتفع عند الاقتضاء فيجلجل قاعة الجلسة … وينخفض عند الحاجة فينقلب همسا بين المحامي والقاضي لا يكاد يسمعها غيرهما فالارتفاع بالصوت ثم الهمس هي من وسائل الحيوية للمرافعة يدخل فيها عنصر التشويق , وحيوية المرافعة ايضا تكون بطريقة سرد الوقائع وشرح التدليل عليها , وفي ترتيب الادلة وتنسيقها , وفي قول ما يجب ان يقال , وفي اغفال ما لا فائدة من ذكره , فالحشو الزائد في المرافعة غير مطلوب .

    3 - قوة التدليل : تعد قوة التدليل الوظيفة الاولى للمحامي , ان لم تكن الوحيدة , لذلك يجب على المحامي المترافع الابتعاد عن كل ما لا علاقة له بموضوع القضية و الاقتصار على ذكر الادلة والتي تؤيد وجهة النظر التي يدافع عنها المحامي , وسردها بطريقة تظهر قوتها .

    اسلوب المرافعة

    1 - طريقة الارتجال : الارتجال الذي نقصده هو ارتجال اللغة والصيغة والالفاظ التي يعبر بها المترافع من الحجج والافكار التي اعدها ورتبها وتذوقها في سكون مكتبه وهدوئه ويمكن ان يعود نفسه على مثل هذا الارتجال ويروض لسانه على اتباعه , ويجب على المحامي

    المترافع ان لا يمسك بورقة بين اصابعه , ولا ينظر بعينه الى السطور المخطوطه , ولا يقيد تفكيره بالذاكرة التي قد تخونه , بل عليه ان يكون حرا طليقا ويكون كمن يصارع الامواج في حلقة السباق للوصول بالموكل الى بر الامان .

    2 - سعة الاطلاع : على المحامي المترافع (اتهاما ودفاعا ) ان يكون ملم بشتى العلوم المختلفة , لان بضاعته لن تكون غنية الا بكثرة القراءات وسعة الاطلاع , ولا يكفي في المحامي المترافع ان يكون ملما بلغته متقنا لاساليبها وتعابيرها , بل هو في حاجة لمعرفة لغة او لغتين من اللغات الاجنبية الاخرى لان تلك اللغات في وقتنا الحاضر هي وسيلة الوحيدة لتوسيع محيط الطلاعه , كما انه يقتبس منها ويدخل الى لغته تعبيرا جديده تدخل على اسلوبه رونقا وقوة , ولا يكفي من المحامي المترافع ان تقتصر معرفته على نصوص القوانين وقضاء المحاكم واقوال الشراح , والا كانت مرافعته جامدة ومملة لما استطاع ان يحسن الدفاع في مختلف الوسائل التي تعرض على المحاكم فالمحاكم اليوم تعرض عليها خلافات تتصل بالمال والصناعة والتجارة والطب والهندسة والعمارة والموسيقى ... ألـخ , فلكي يقول المترافع كلمته في شان كل هذه الشئون عليه ان يكون ملما بها , مطلعا على الاقل على اساسياتها .

    3 - الفراسة واللباقة : هو الذي يعرف متى يتقدم بطلبه للقاضي , وفي اية صيغة يضعه حتى لا يقابل طلبه بالرفض , وامر كل ذلك موكول لفراسة المحامي , والفراسة ملكة لا تدرس في الكتب ولا في المدارس وانما الفراسة هي مجموعة من الاستعداد الفطري

    والتجارب والمقدرة على اللعب بالالفاظ والصوت والاشارات ومتى صدقت فراسة المحامي المترافع فانه يستطيع ان يرغم المستمع اليه ان ينطق بالحق ولو كان متحيزا بالباطل , اما اذا اخطات فراسة المترافع فان محاولاته كلها تذهب سدى .

    4 - فن الالقاء : هو ملكه - بل ان شئت قلت هي صناعة و تكتسب بالدرس والمران وافضل طريقة للالقاء التاني في النطق والتلفظ بكل الكلمات وبجميع الحروف , ولهذا التاني الفائدة الكبيرة , فهو يعصم المترافع من ان يضع لفظا بدل لفظ ... وان يسبق عبارته بلفظ لم يكن يريد ان يقوله ... كما ان التاني في الالقاء يسهل على السامعين تتبع افكاره والاقتناع بحججه .

    اخيرا هناك بعض العيوب يقع فيها المترافعين عند القائهم للمرافعة وهم لا يشعرون ومن اهمها :

    من المترافعين من يدغم الحروف ببعضها ومنهم من يسرع في النطق حتى يصعب على المستمع ان يتبع الفاظه او يتفهم ما يقوله , وتلك هي عيوب فن الالقاء لا بد الحرص لعدم الوقوع في براثنها , ويرى المستشار حامد الشريف انه لا يشترط ان تكون المرافعة كلها بالغة العرابية الفصحى , بل يجوز الجمع بين تلك واللغة العامية بل العبرة بالالقاء الجيد ... من جهاره الصوت وحسن مخارج الحروف , كما يرى ضروري الاشارة باليد .

    ونرى بعكس هذا الاتجاه انه لا بد من الاقلال من اشارة اليد والاعتماد على قوة المرافعة وحجتها ... وعدم ارهاق المحكمة والاطالة بحشو وتزيد لا طائل منه .

    الا ان المستشار حامد الشريف يرى : انه يجب التشديد على الكلامات المهمة وتغيير طبقات الصوت ... ثم التوقف قبل وبعد الافكار المهمة ... وتغيير سرعة الصوت .

    ومع ذلك اذ أمكن المحامي ان يقوم بهذا الدور فهو بلا شك سيكون متميزا عن الاخرين ما دام قد ابدى دفاعه في عبارات واضحة وكان معاني تلك العبارات واضحة وكانت معاني تلك العبارات ظاهرة جلية وكان ذا اطلاع واسع وثقة بالنفس بما الم به من اصول اللغة

    العربية ويضرب الامثله ويسوق الادلة فهو في الطريق الصحيح .

    ومن مبادئ شيوخ المحامين ما يلي :

    1 - لا تغضب قاضيك ولا تتملقه .

    2 - عليك ان تثير انتباه قاضيك من العبارة الاولى .

    3 - ركز انتباهك على ان تكون مرافعتك لقاضيك وليس للجمهور .

    4 - عليك ان تكون بسيطا فعلا لا مقلا ولا متملقا .

    5 - ركز على الجانب السيء من القضية و فنده .

    6 - تمسك بالحجة القوية وليكن دفاعك كاملا .

    7 - يجب عليك الاحاطة بالقضية واشخاصها احاطة تامة .

    8 - كن ثابتا وواثقا من نفسك عند المفاجات .



    المبحث الرابع

    أنواع الطلبات والدفوع

    الدفوع التي يتقدم بها الدفاع عن احد الخصوم قد تكون موضوعية , وهذه من الاصوب ان نطلق عليها اوجه الدفاع وقد تكون قانوينة وهذه هي التي يصح ان تحمل وصف دفع .

    واوجه الدفاع الموضوعية لا حصر لها وتختلف من دعوى الى اخرى وتدور كلها اما حول عدم ثبوت الواقعة واما عدم صحتها او عدم صحة اسنادها الى المتهم قد تدور حول عدم اهميتها - اذا اريد بها التأثير في تقديم العقوبة فحسب .

    اما الدفوع القانونية فهي تلك التي تستند الى نصوص خاصة في قانون العقوبات او في قانون الاجراءات وهذه يمكن حصرها ولكنها مع ذلك في حكم اوجه الدفاع الموضوعية , وتلحق بها - ما دامت تقتضي تحقيقا في موضوع الدعوى , فلا يجوز اثارتها الاول مرة امام محكمة النقض من الدفوع الموضوعية الجوهرية - او اوجه الدفاع الموضوعية الدفع بعدم توافر ركن من اركان الجريمة ايا كان نوعه : مثل الدفع المادي او المعنوي او القصد الخاص او السببية بين الفعل والنتيجة المعاقب عليها.

    والدفع كذلك بعدم ثبوت اي ركن من اركان الجريمة في حق المتهم او بعدم اسناده اليه او بالاصل قيام شك في هذا الاسناد بما يستوجب الحكم ببراءة المتهم , ومثله الدفع بعدم ثبوت ظرف مشدد قانوني من الظروف التي طلبت النيابة العامة تطبيقها على الواقعة او بعدم تحققه بحسب وقائع الدعوى .

    وينبغي التمييز بين نوعين مختلفين من الدفوع القانونية :

    اولهما : يمثل تلك التي تستند الى نصوص القانون الموضوعي اي قانون العقوبات .

    ثانيهما : يمثل تلك التي تستند الى نصوص قانون الاجراءات الجزائية .

    1) التعرف بالدفوع وانواعها :

    يطلق اصطلاح الدفع بمعناه العام على جميع وسائل الدفاع التي يجوز للخصم ان يستعين بها ليجيب على دعوى خصمه , بقصد تفادى الحكم لخصمه بما يدعيه .

    والوسائل التي يستعين بها الخصم ويطعن بمقتضاها في صحة اجراءات الخصومة دون ان يتعرض لاصل الحق الذي يزعمه خصمه فيتفادى بها موقتا الحكم عليه بمطلوب خصمه كأن يجيب بان الدعوى قد رفعت الى المحكمة غير مختصة او رفعت باجراء باطل , ووسائل الدفاع هذه تعرف بالدفوع الشكلية واشار اليها قانون اصول المحاكمات المدنية والتجارية بعبارة ( الدفوع الجائز ابدائها قبل التعرض لموضوع الدعوى) لما وسائل الدفاع المتعلقة بأصل الحق , اي توجه الى ذات الحق المدعي به , كان ينكر وجوده او يزعم انقضاءه , فهي تعرف بالدفوع الموضوعية .

    واما الوسائل التي ينكر بها الخصم سلطة خصمه في استعمال الدعوى كان يزعم مثلا انقضاه صفة الخصم في استعمال الدعوى او سبق صدور حكم في موضوعها فهي تعرف بالدفوع بعدم القبول , فلمدعي عليه اذا اجاب على ما يدعيه خصمه بدفع وجه للخصومة فيكون دفعه شكليا , واذا وجه الدفع لاصل الحق الذي يديعه خصمه فيكون دفعا موضوعيا , واذا وجه للدعوى فيكون دفعا بعدم القبول .



    المبحث الرابع

    2) اهمية التفرقة بين الدفوع الشكلية والموضوعية :

    تشترك الدفوع الشكلية في صفات خاصة تتميز بها عن الدفوع الموضوعيه وهي :

    اولا : انها تبدى قبل التكلم في موضوع الدعوى:

    اي في بدء النزاع والا سقط الحق في الادلاء بها على اعتبار ان صاحب الحق فيها قد تنازل عنها وهذه القاعدة تتماشى مع المنطق السليم اذا انه من الطبيعي الا يسمح للمدعي عليه بالتراخي في ابداء هذه الدفوع التي لا تمس اصل الحق بعد التكلم في الموضوع , وذلك منعا من تأخير الفصل في الدعوى هذا بالنسبة للدفوع التي لا تتعلق بالنظام العام , اما الدفوع المتعلقة بالنظام العام فيجوز ابداؤها في اية حالة تكون عليها الدعوى كالدفع بعدم الاختصاص المتعلق بالوظيفة او بنوع القضية .

    ثانيا : يجب ابداء جميع الدفوع الشكلية معا وبشكل متسلسل وباسبابها قبل التكلم في الموضوع , والا سقط الحق فيما لم يبد منها , ما لم يتصل بالنظام العام , وعلى ذلك يعتبر تنازلا عن الدفع الشكلي مجرد تقديم دفع اخر عليه , اما الدفوع الموضوعية فلا يعتبر تنازلا عن الدفع الموضوعي مجرد تقديم دفع اخر عليه .

    ثالثا : ان المحكمة كقاعدة عامة تفصل في الدفع الشكلي قبل البحث في الموضوع الا ان الفصل في الدافع الشكلي قد يغنيها عن التعرض للموضوع , اذ يترتب على قبوله انقضاء الخصومة امامها , ومع ذلك يجوز للمحكمة ان تضم الدفع الى الموضوع اذا رأت ان الفصل في الدفع يستلزم ببحث الموضوع وفي هذه الحالة تصدر فيها حكما واحدا بشرط ان تبين في حكمها ما قضت به كل منهما وللمحكمة على الرغم من قرار الضم , ان تحكم بعدئذ في الدفع الشكلي وحده بقبوله , عندئذ قد يغنيها هذا الحكم عن نظر الموضوع وعند تعدد الدفوع الشكلية , يجب على المحكمة ان تقضي اولا في الدفع بعدم الاختصاص - ايا كان نوعه - ثم تتدرج بعدئذ لباقي الدفوع والدفع بعدم القبول اذا كانت قد قضت باختصاصها بنظر الدعوى , لان المحكمة لا ولاية لها في القضاء بباقي الدفوع الشكلية ما لم تكن مختصة بنظر النزاع .

    رابعا : ان الحكم الصادر بقبول الدفع الشكلي لا يمس اصل الحق , وبالتالي لا يترتب عليه انهاء النزاع وانما يترتب عليه انقضاء الخصومة امام المحكمة , كما هو الحال بالنسبة للحكم الصادر بقبول الدفع بعدم الاختصاص او ببطلان ورقة تكليف الحضور , ويجوز

    تجديد الخصومة بمراعاة الاجراءات الصحيحة اذا لم يكن الحق قد سقط لسبب من الاسباب .

    اما الحكم الصادر بقبول الدفع الموضوعي فيترتب علية انهاء النزاع على اصل الحق المدعي به , وهذا الحكم يحوز حجية الشيء المحكوم به فلا يجوز تجديد النزاع امام المحكمة التي اصدرت الحكم او اية محكمة اخرى .

    3) الدفوع الموضوعية :

    الدفع الموضوعي يوجه لذات الحق المدعي به كان ينكر وجوده او يزعم سقوطه او انقضائه كالدفع ببطلان سند الدين او بتزويره والدفع بانقضاء الدين بالوفاء .

    والدفوع الموضوعية تشمل كل دفع يترتب على قبوله رفض طلب المدعي ولهذا لا يتصور حصرها , فالدفوع الموضوعية يجوز ابذائها في اي حالة تكون عليها الدعوى وليس هناك ترتيب خاص فيما بينها ولا يعتبر تنازل عن الدفع الموضوعي تقديم دفع اخر عليه وبهذا

    تختلف عن الدفوع الشكلية .

    4) الدفع بعدم القبول :

    الدفع بعدم القبول لا يوجه لاجراءات الخصومة ولا يوجه لذات الحق المدعي به بل يرمي الى انكار سلطة المدعي في استعمال الدعوى فهو يوجه الى الوسيلة التي يحمى بها صاحب الحق حقه , وما اذا كان من الجائز استعمالها اما ان شرط الاستعمال غير جائز لعدم توافر شرط من الشروط العامة التي يتعين ان تتوافر لقبول الدعوى او لعدم توافر شرط خاص من الشروط المتعلقة بذات الدعوى .



    المبحث الخامس

    التوصيات الاساسية في كتابة المرافعات الختامية

    على عضو النيابة العامة او الدفاع على حد السواء حين الاستعداد للمرافعة الخطية الختامية القيام بالخطوات الاساسية التالية :

    1 - قراءة ملف القضية قراءة جيده :

    ويقصد بقراءة ملف الجناية ... القراءة المتأنية ... القراءة الدقيقة ... و بعناية وتركيز ...

    وذلك لعدة مرات لاستخراج المتناقضات والسقاطات والمخالفات القانوينة التي وقعت فيها الاجراءات التي اتخذت في القضيه حتى تقديمها الى المحكمة .

    مثل التناقض بين دليلين القولي والفني وكذا عدم جدية التحريات , وانتفاء حالت التلبس وبطلات التفتيش .

    فالدفع ببطلان التفتيش مثلا انما شرع للمحافظة على حرمة المكان , ومن ثم فأن التمسك ببطلان تفتيشه لا يقبل من غير حائزة فان لم يثره فليس لغيره ان يبديه ولو كان يستفيد منه , لان هذه الفائده لا تلحق الا عن طريق التبعيه وحدها .

    قراءة ملف الجناية ... يجب ان تبدأ بحسب الترتيب التاريخي والزمني لاحداث ... حيث ان محضر التحريات هو اول ورقه تحرر في اوراق القضية ... وبعد ذلك تتلاحق الاحداث من استصدار اذن النيابة بالضبط والتفتيش , وتنفيذ اذن النيابة بالقبض على المتحرى عنهم وتفتيشهم وتفتيش مساكنهم وسؤالهم عن التهمه واحالتهم للنيابة للتحقيق معهم وهكذا فاذا اردت ان تبدأ في قراءة ملف الجنايه او القضية فاقرا بداية محضر التحريات ... حتى ولو سبق هذا المحضر اوراق اخرى ... مثل محضر الضبط وغيره .

    2 - الاطلاع على المراجع الخاصة بموضوع القضية المعروضة :

    من الخطا الكبير الاكتفاء بقراءة ملف القضية او الجناية فقط ... ولكن لا بد ان يتم الاطلاع على المراجع الخاصة بموضوع القضية المعروضة عليك .....

    فاذا كانت القضية المعروضة هي جناية حيازة او احراز مواد مخدره بقصد التجار في غير الاحوال المصرح بها قانونا .... مثلا ... فعليك قراءة في الموضوعات التي شملها قرار الاتهام المشار اليه وهي :

    القراءه عن حيازة والاحراز : ما هي الحيازة وهل هناك فرق بينهما و بين الاحراز ... ؟.

    القراءة عن المواد المخدره : التعرف على الماده المخدره موضوع القضية ... فاذا كانت مثلا مادة الحشيش المخدره ... علينا ان تقف على تعريف هذه الماده وخصائصها وعما اذا كانت مادة مخلقة ( مصنعة ) ام نبات ام مادة طبيعية وكذا شكلها ولونها ... الـخ .

    القراءة عن قصد الاتجار : معرفة قصد الاتجار ... وشورطه ومظاهره وهل هناك قصود اخر بخلاف قصد الاتجار ؟.

    والقراءه اخيرا عن الاحوال التي يجوز فيها للشخص ان يكون جائزا حيازة مشروعة للمواد المخدره ... او بمعنى اكثر تحديدا معرفة الاحوال التي يصرح فيها للشخص بحيازة مواد مخدره ان وجدت .

    وبعد قراءة ملف القضية او الجنايه قراءة جيدة متانية وكذا قراءة المراجع القانونية الخاصة بالقضية المعروضة اصبح وكيل النيابة والاستاذ المحامي مستعدا استعداد جيدا لخوض معركة المرافعه والدفاع عن المتهم او المتهمين وهذا الاستعداد الجيد يزيد ثقته في نفسه امام المحكمة ... ويصبح واقفا على ارض صلبه لانه اصبح قارئا وفاهما وواعيا ومثقفا ...وبالتالي فلن ياتيه الاهتزاز من امامه او من خلفه و هكذا يجب ان يكون دائما عضو النيابة ومحامي الدفاع امام محكمة الجنايات ... او محكمة البداية .

    اما ما نراه اليوم من قلة لا تراعي الله في اعمالها نجدهم حينما تسلم اليهم امانة المرافعة والدفاع في قضيه امام محكمة البداية ... لا يسلكوا الطريق الصحيح لاستعداد الجيد للمرافعة الدفاع ... وانما نجد البعض من هذه القلة يتفحص ملف الجناية لاول مرة في قاعة المحكمه قبل انعقاد المحكمة بدقائق معدوده ... نراه يلهث متسرعا ... يقلب في صفحات الجناية لعله يخرج منها بشيء في هذه الدقائق القليله ... وتساعده في الوقوف امام المحكمة لعدة دقائق ... حتى يرضى مسئوله او المتهم القابع وراء القفص الذي ينظر اليه في قلق ورجاء ... واهل المتهم الذين جاءوا وشاهدوا الاستاذ المحامي الذي اودعوه امانه ابنهم لدفع التهمه عنه , ولكن للاسف تظل هيئة المحكمه على يقين ان مثل هذا الدفاع الواهن ... الضعيف لا يفيد المتهم ويظل على هيئة المحكمه ان تبحث بنفسها عن اسباب البراءة للمتهم في الاوراق ... واخيرا لا اجدني قد خرجت عن الامر الطبيعي المألوف اذا قلت انه يجب على عضو النيابة والاستاذ المحامي الذي يجد نفسه القدرة والرغبة للعمل في مجال العلوم الجنائية او التعامل امام محاكم الجنايات ويجب عليه ان يقراء كثيرا من الكتب الادبية والفنية والسياسية والعلمية والدينية ... وغيرها لان هذه الكتب تصقل ثقافة عضو النيابة والاستاذ المحامي وتعطيه القدرة على التصور والتخيل ما يجعله يكسب امكانية تصوير كيفيه حدوث الواقعة امام المحكمة المنظوره امامها القضيه .

    وهنا سنجد انفسنا امام عضو نيابة ومحامي اديب ومثقف ... ويؤكد هذا القول اننا نجد ان بعض كبار اعضاء النيابة العامة والاساتذة المحامين والمشهود لهم بالكفأه والشهرة امام محاكم الجنايات ادباء ... بل نجد بعض منهم يكتب للسينما وللذاعه والتلفزيون , فالقراءة كما هي للروح هي ايضا غذاء العقل لاستاذ العامل امام محاكم الجنايات .

    عضو النيابة والمحامي المثقف سواء الثقافة القانونيه او الثقافة العامة لديه القدرة على التصوير والتحليل للاحداث والوقائع امام المحكمه وكل ذلك سيكون له مردود حسن على المؤسسة القضائية والمحامين ومهنة المحاماة .

    3 - كتابة مرافعة النيابة متضمنة العناصر التالية:

    1 - سرد الوقائع مدعومة بالادله الثبوتيه التي عرضت على المحكمة وتناقش بها الخصوم .

    2 - من ثم تطبيق او تكييف الوقائع المثبتة بالادله على العناصر القانونية للتهم المنسوبة للمتهم من حيث الواقع المادي والمعنوي وعلاقة السبية مع الظروف المشددة ان وجدت .

    3 - التركيز على بواطن الشدة في القضية وتوضيح النقاط الغامضة .

    4 - تستطير المرافعة الختامية بلغه سليمة وببلاغه في وضع الوقائع كأن الجميع على مسرح الجريمة مما يقنع القاضي بصدق نسبة الاتهام إلى المتهم الماثل أمام المحكمة .

    5 - وأخيرا طلب تجريم المتهم وتوقيع العقوبة المناسبة مع جرمه.
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    فن المرافعة في الدعوى الجزائية ما بين الدفاع وسلطة الاتهام – بقلم د. أحمد براك Empty رد: فن المرافعة في الدعوى الجزائية ما بين الدفاع وسلطة الاتهام – بقلم د. أحمد براك

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأحد يناير 22, 2012 3:32 pm

    الحمد لله الأول بلا ابتداء, والآخر بلا انتهاء, العظيم سلطانه, الساطع برهانه, معجز البلغاء قرآنه القائل {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} والصلاة والسلام على من رفع الله له قدرا, وساد البرية طـُرّا, القائل {إن من البيان لسحرا}
    أما بعد:
    فإن لي عشقاً قديماً باللغة العربية, وآدابها فلا يطربني شيءٌ أكثر من الشعر, ولا يشدني شيء أكثر من الخطابة. ولقد جرت الرياح بما يشتهي السَّـفِـنُ, فلقد خيرت بين خمسة مواضيع أحدها عنوان هذا البحث ولما كان له أوثق الصلة بالمعشوقة لم أتردد لحظة في اختياره.
    فالمرافعة هي الكـُوَّة(1) التي يمكن لعضو ادعاء عام له شغف بالعربية أن يطل من خلالها على اللغة وآدابها, وهذا وإن لم يكن هو كل ما حملني على اختيار هذا الموضوع إلا أنه أحد أهم الأسباب.
    إنني قبل الالتحاق بالادعاء العام كنت أسمع عن المرافعة من خلال الأعمال الفنية المرئية أو المسموعة أو المقروءة, ولقد رسمت تلك الأعمال صورة معينة في ذهني إلا أني لم أجدها في الواقع العملي بعد التحاقي بالعمل ومعاينة الواقع وهذا سبب آخر.
    كما أنني لم ألمس - على الأقل عند زملائي – تصوراً واضحاً ودقيقاً للمرافعة بمعناها القانوني فهل ما يجري في المحاكم من مداخلات لأطراف الدعوى هي المرافعة؟ أم هي الردود التي يرد بها بعضهم على بعض؟أم هي ما يبديه المحامون وأعضاء الادعاء العام في جميع الجلسات المخصصة لقضية ما, هي المرافعة؟ أم أن المرافعة هي ذلك القالب الخطابي الأدبي القانوني الذي يَسُلّ فيه كل طرف من أطراف الخصومة سيف بيانه ليصل به إلى الحق الذي ينشده و يذود عنه؟ إذن هناك أسئلة عديدة... فما المرافعة؟ وما آدابها؟ وهل هي ملكة عند أشخاص موهوبين؟ أم أنها تطيع كل من أراد قبض زمامها؟ لقد وجدت هذه الأسئلة في نفسي مقدمات فعزمت أن أضع هذا البحث كجواب لها, فعساني أبلغ ما ابتغيت, وإلا فحسبي أجر المجتهد.
    المرافعة القانونية كما سيأتي تعريفها لاحقاً متصورة من أشخاص ثلاثة هم: 1- عضو الادعاء العام ممثلاً للحق العام. 2- المحامي بصفته وكيلاً عن الخصوم سواء كان محامي المتهم أو المجني عليه أو المدين بالحق المدني أو المسؤول عنه. 3- الخصم نفسه إذا لم يقم وكيلاً عنه.
    ومراعاة لشرط البحث المتعلق بعدد صفحاته, وتركيزاً للجهد في الوصول إلى ما يصبو إليه الباحث وما يعنيه ومجموعته في عملهم في المقام الأول، فلقد رأيت الاقتصار على تناول الموضوع من جهة مرافعة أعضاء الادعاء العام فقط.
    سيبدأ البحث بتوطئة أعرض فيها لتاريخ المرافعة والتفريق بينها وبين المرافعة المدنية.
    ثم سنتناول موضوع البحث من خلال أربعة مطالب رئيسة مقسمة على النحو الآتي:

    المطلب الأول نخصصه لبحث ضرورة المرافعة , وأحاول التوسع فيه لأن الاقتناع بضرورة المرافعة سيدفع القارئ الكريم إما إلى مواصلة قراءة البحث بعناية أو طي دفتيه. وسيقع المطلب في فرعين يكون الأول لبحث الجانب القانوني لضرورة المرافعة والثاني لبحث ضرورتها الأدبية.

    وفي المطلب الثاني أتناول تعريف المرافعة لغة واصطلاحاً وأسهم في الموضوع بمحاولة لوضع تعريف دقيق للمرافعة.

    وفي المطلب الثالث أعرض لبناء المرافعة وأقسمه إلى ثلاثة أفرع يكون الأول لدراسة لغة المرافعة والثاني لبيان عناصرها والثالث لإظهار أساليبها.

    وأخصص المطلب الرابع لآداب المرافعة محاولاً تحديد الأساسي منها على شكل نقاط متوالية. وقد راعيت قدر المستطاع تسلسل الموضوع عند ترتيب المباحث ليكون اللاحق منها مكملاً لفكرة السابق.

    أخيراً... وبعد ما تفتحت عيني على عظم شأن هذا الموضوع وتوافقه مع اتجاهي وميولي فإني عازم على أن يكون لهذا العمل ما بعده عملاً وقولاً.
    وقبل البدء أقول:-
    وأن تجد عيباً فسد الخللا فجل من لا عيب فيه وعلا(1)


    ملاحظة:

    خدم هذا البحث باستبيان أجريته على شريحة مكونة من بعض أصحاب الفضيلة المشايخ القضاة, وأعضاء ادعاء عام, ومحامين, وأفراد من الجمهور. وقد طرحت فيه أسئلة متعلقة ببعض محاور البحث لاستجلاء آراء المستجبين حولها بقدر ما يعينني على بحث ومناقشة المسائل الخلافية, توفيراً للوقت والجهد الذي قد يبذل في المقابلات الشخصية وعناية بأخذ قدر معلوم من الآراء في هذا المجال وقد ألحقت بالبحث عينة من هذا الاستبيان تحت الملحق الأول.
    كما أخترت للقارئ الكريم مرافعات من الأدب القضائي العماني والمصري والفرنسي لما أعتبره تطبيقاً عملياً للقواعد العامة المتعلقة بعلم المرافعة, وألحقته بالبحث تحت الملحق الثاني.










    توطئة
    عُرفت المرافعات القضائية منذ عصور قديمة جداً, فلقد اشتهر بها البابليون والكلدانيون والفرس, وعرفها اليهود على زمن موسى عليه السلام, كما عرفها الإغريق واعتبروها من أسمى المهن ولا يتولاها منهم غير الشرفاء, وكذلك عند الرومان فقد بلغ من شأن المرافعة كفن من فنون الخطابة عندهم أن جعلوها المؤهل لتولي رئاسة الجمهورية, وعُرف منهم أقطاب في المرافعة مثل شيشرون ويوليوس قيصر وغيرهم(1) ولقد تلقفها الغربيون وعلى رأسهم الفرنسيين في العصور الوسطى وبرعوا فيها أمثال رويير وباربو, وامتدت بطبيعة الحال إلى وقتنا الحاضر.
    أما عن المرافعة عند العرب, ففي الجاهلية كان يمكن للمتخاصمين أن يكلفوا شفهياً من يشاؤون لتمثيلهم أمام من يمارس القضاء سواء كان شيخاً أو ملكاً أو حكماً. وكان هؤلاء الوكلاء يعرضون قضية موكلهم بفصاحة وبلاغة فـَدُعوا (حُجَّاج) أي أقوياء الحجة (2), ولم تكن هذه المرافعة بالمعنى القانوني المعروف اليوم.
    أما في ظل الإسلام فلم تتضح معالمٌ لمرافعات قضائية في التراث الإسلامي رغم أن البيان العربي مؤهل كل التأهيل للبلاغة القضائية! ورغم أن العرب في ظل الإسلام استفادوا من علوم الإغريق والرومان في الفلسفة والطب وغيرها من العلوم ! ولكن لماذا لم يأخذوا عنهم الخطابة القضائية؟؟ سؤال لم ينقل له التراث العلمي الإسلامي جواباً (3).
    أما في العصر الحديث عند العرب فظهرت المرافعة القضائية بالمفهوم المعاصر ابتداءً في مصر إبان عهود الانتداب الفرنسي لها, وتلقاها المصريون فبرعوا فيها وبذوا أقرانهم وكان منهم أعلام مبرزون كأمثال سعد زغلول, وإبراهيم الهلباوي, وعبدالعزيز باشا فهمي وغيرهم كثر من السابقين والمحدَثين, ومنها إلى جميع الأقطار العربية التي خرجت من تحت ولاية الدولة العثمانية فظهر فيها التنظيم القانوني الحديث بعد التحول من نظام القوانين العرفية إلى نظام دولة القانون والمؤسسات, ومنها بطبيعة الحال السلطنة بعد بزوغ فجر النهضة المباركة وإرساء دعائم الدولة الحديثة بالتشريعات القانونية سيما المتعلقة بنظام الخصومة والتقاضي.
    على أن المعني بهذا البحث هي المرافعات الجزائية القائمة على مبادئ كمبدأ شفوية إجراءات المحاكمة, وقناعة القاضي الوجدانية, وعلانية الجلسات, وغيرها. تفريقاً لها عن المرافعات المدنية التي تكون على شكل مذكرات مكتوبة يسطر فيها كل طرف من أطراف الخصومة ما يريده, فيسلم منها نسخة لمحكمة الموضوع وأخرى لخصمه الآخر، ليرد عليه الأخير بنفس الطريقة دون أن يلزم التقاؤهما وتقارعهما شفاهة أمام قاضي الموضوع.
    كما أن للادعاء العام دور محدود في الدعوى المدنية - كما جاء بقانون الإجراءات المدنية والتجارية - لا تكون فيه مرافعة شفوية.



    المطلب الأول : ضرورة المرافعة
    سنعرض لدراسة ضرورة المرافعة في فرعين نخصص الأول لاستجلاء ضرورتها من الناحية القانونية من واقع النصوص القانونية التي عنيت بالأمر ثم في المطلب الثاني نستبين ضرورتها من الناحية الأدبية من الشريعة الغراء والتراث.

    الفرع الأول: ضرورة المرافعة من الناحية القانونية
    لقد وضع النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/96 القواعد الأساسية لبناء دولة المؤسسات وسيادة القانون. ونظم الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين, ووضع آليات وضمانات لتنفيذ ذلك منها أن أناط بالادعاء العام مهمة تولي الدعوى العمومية ومباشرتها حين نص في المادة (64) منه على أن: يتولى الادعاء العام الدعوى العمومية باسم المجتمع, ويشرف على شؤون الضبط القضائي ويسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام, ويرتب القانون الادعاء العام وينظم اختصاصاته , ويعين الشروط والضمانات الخاصة بمن يولون وظائفه)
    وفعلاً صدر قانون الادعاء العام رقم 97/99 وبين مهام الادعاء العام فلقد جاء في المادة (1) منه: " يتولى الادعاء العام الدعوى العمومية باسم المجتمع ويشرف على شؤون الضبط القضائي ويسهر على تطبيق القوانين الجزائية وملاحقة المذنبين وتنفيذ الأحكام وغير ذلك من الاختصاصات التي يقرها القانون".
    ثم جاء قانون الإجراءات الجزائية ليقر تلك الإختصاصات المذكورة ويبين جميع الإجراءات القانونية العملية التي يجب على الادعاء العام التصرف بموجبها قِبَلَ الدعوى العمومية ومنه ما ورد في المادة (4) حيث جاء فيها " يختص الادعاء العام برفع الدعوى العمومية ومباشرتها أمام المحكمة المختصة".
    ثم جاء وقرر أن الادعاء العام إذا أحال الدعوى إلى المحكمة المختصة فإنه يقوم بمباشرتها أمام تلك المحكمة حتى صدور حكم فيها سواء بالبراءة أم بالإدانة , ومن خلال تلك المباشرة يستطيع تقديم الطلبات وابداء ما يرى من أقوال وعلى المحكمة واجب سماع أقواله والفصل في طلباته. (م 178 إج) وله مناقشة الشهود وتوجيه ما يراه من الأسئلة لهم سواء أكانوا شهود نفي أم أثبات ( م 197 إج )(1).
    وعلى ضوء ذلك فإن المشرع أوجب حضور عضو الادعاء العام لصحة تشكيل المحكمة ( م 178 إج ) ومتى كان حضوره واجباً فإن أداءه لواجبه يكون واجباً عليه كذلك(2).
    ومن هنا كانت حتمية المرافعة ثابته بنص القانون, بل أن نص المادة آنفة الذكر 178 وسياق عباراتها تؤكدان ذلك إذ أوجبت على المحكمة أن تسمع أقوال عضو الادعاء العام وتفصل فيها(3) .
    " وفي هذا الشأن فإن لقضاء النقض مقولة وردت في (مجموعة الأحكام الجنائية, السنة الخامسة, المكتب الفني لمحكمة النقض, القاعدة 43, في الصحيفة 132) بخصوص الواقعة الآتية : محكمة إستئنافية سمعت الشهود وسمعت المرافعة وأجلت النطق بالحكم أسبوعاً, وحين حل موعد النطق بالحكم تغيّر التشكيل فكان من قاضيين ممن سمعوا المرافعة وانضم إليهم قاض جديد مكان القاضي الغائب وبدلاً من إعادة إجراءات المحاكمة أمام الهيئة بتشكيلها الجديد قررت فتح باب المرافعة والحكم آخر الجلسة. وفي آخر الجلسة صدر الحكم دون أن تسمع مرافعة , عرض هذا الحكم على محكمة النقض فوصمته بالبطلان, لأن الهيئة بتشكيلها الجديد لم تسمع المرافعة "(1)
    وبصدور التعليمات القضائية للإدعاء العام بالسلطنة وكونها أُفردت للمرافعة باباً خاصاً فقد صرحت المادة (168) لأعضاء الادعاء العام بأمر مباشر حيث نصت على الآتي:" على أعضاء الادعاء العام ضرورة المرافعة أمام المحاكم لما لها من أهمية في إظهار الحقيقة وتأكيد ثقة المجتمع في حكم الإدانة الذي يصدر بعد عرض الادعاء العام لأدلة الثبوت في الدعوى(2).
    الفرع الثاني: من الناحية الأدبية
    عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا بشر, وإنكم تختصمون لدي, ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, فأقضي له على نحو ما أسمع, فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه, فإنما اقتطع له قطعة من النار" (3)
    وفي هذا القول أبلغ الدلالة على أن القاضي من شأنه أن يتأثر بطريقة عرض الخصوم لدعواهم مهما بلغ من التحوط والحيدة , وأنه ربما يقضي لغير صاحب الحق كما أشار الحديث الشريف, عليه فلابد لعضو الادعاء العام وهو ينهض بمسؤولية الدفاع عن حق المجتمع أن يقابل لحن (1) دفاع المتهم بلحن أفضل منه إحقاقاً للحق وإزهاقاً للباطل.
    هذا علاوة على أن المرافعة الشفوية تمكن القضاة من الوقوف على دقائق الدعوى ومغزى ما تتضمنه الأوراق, وتبث الحياة والحركة في إجراءات الدعوى وتكسب الجلسات الروعة والبهجة التي تجذب الجمهور والمتقاضين فتحقق رقابتهم على سير العدالة, ولقد جاءت التعليمات القضائية للإدعاء العام بالسلطنة لتؤكد هذه المعاني(2).
    هذا علاوة على أنه من المبادئ المقررة في الفقه والقانون مبدأ شفوية إجراءات المحاكمة (3) و يصح القول أن عماد هذه الإجراءات هو المرافعة إذ أن مبدأ الشفوية هو الأساس المنطقي لمبادئ أخرى تسود نظام المحاكمة الجنائية في القانون الحديث. فهو السبيل إلى تطبيق مبدأ المواجهة بين الخصوم, فلكي يتاح لكل طرف في الدعوى أن يواجه خصمه بما لديه من أدلة ويعرف ما لدى الخصم منها, ويبدي رأيه فيها, يتعين أن تعرض هذه الأدلة شفهياً في الجلسة وتدور في شأنها المناقشة بين أطراف الدعوى, وأكدت ذلك محكمة النقض المصرية بقولها: "من المقرر في قواعد تحقيق الجنايات أن المحكمة لا تكون اعتقادها على وجه العموم إلا من المرافعة الشفوية التي تحصل أمامها" (1).
    ومن هذا نستنتج أن مبدأ الشفوية متصل بمبدأ الاقتناع القضائي . إذ أن القاضي يستمد قناعته من جملة المناقشات التي تجري أمامه. كما أن مبدأ الشفوية أيضاً يحقق رقابة للمحكمة على أعمال التحقيق الابتدائي, فما تولد عنه من أدلة تقدره المحكمة وتزنه أثناء عرضه عليها, ومناقشته شفوياً أمامها.
    " وقد رتب المشرع جزاء البطلان على مخالفة مبدأ الشفوية في إجراءات المحاكمة".(2)











    المطلب الثاني: تعريف المرافعة
    المرافعة في اللغة مصدر على وزن مُفـَاعَلـَة, وأصلها ثلاثي على وزن رَفَعَ يقال رفع فلاناً إلى الحاكم رفعاً ورِفعاناً أي قدمه إليه ليحاكمه.(1) ولقد جاء في القاموس المحيط للفيروزأبادي قوله: رافعه إلى الحاكم أي شكاه إليه ويقال أيضاً ترافعا إلى الحاكم تحاكما لديه, وترافع المحامي عن المتهم أمام القضاء أي دافع عنه بالحجة, ولقد ورد تعريف المرافعة بحسب رأي ثلة من أرباب اللغة والقانون في معجم القانون بأنها " الأقوال الشفوية التي يبديها الخصوم أو وكلاؤهم في جلسات المحاكمة"(2).
    أما عن تعريف المرافعة في الإصطلاح القانوني فقد اجتهد مجموعة من الفقهاء ورجال القانون ووضعوا تعريفات للمرافعة أورد بعضها الأستاذان الأريبان سمير ناجي وأشرف هلال في مؤلفهما " آداب مرافعة الادعاء" مثل تعريف الفرنسي مارشال للمرافعة بأنها (مناجاة العقل والقلب) وتعريف الأستاذ أحمد بك رشدي بأنها (ليست الفصاحة وحدها ولا هي العلم بالقانون وحده ولكنها سياسة يقظة واستبصار في الدعوى وحذق في الأداء) ولكنهما خلصا إلى تعريف جديد محاولين الجمع بين تلك التعريفات حيث عرفا المرافعة بأنها " قوة تغري (آذان القاضي بالإستماع إليك والإنصراف بوجدانه وسمعه لك) ثم تحول (رأي القاضي إلى الانعطاف إلى رأيك) ثم ترغم (بأن يصدر حكمه على ما ابتغيت أنت) وغاية المرافعة أن تخرج قاضيك من رأي خصمك الخاطيء إلى رأيك أنت الصائب" (1)(2)
    ولكني بكل تواضع لا أساير الأستاذين الجليلين فيما خلصا إليه كونهما عرفا المرافعة ابتداءً أنها " قوة ... تغري ثم تحول ثم ترغم" ومن المعروف في علم المنطق أن الحدّ(3) إنما يكون منصباً على ماهية الشيء وكنهه لا على أثره أو وصفه. كما يجب أن يكون جامعاً لكل عناصره مانعاً غيره من الدخول فيه, وعليه فإن ماهية المرافعة ليست قوة وإنما هي خطاب. كما أن قولهما أنها " ترغم القاضي على ..." لا يتوافق مع ما يجب أن يكون عليه وضع المترافع من الإلتماس والطلب من هيئة المحكمة بما يستميل القاضي.
    ثم أنهما حصرا المخاطب بالمرافعة في شخص القاضي إلا أنه وإن كان فضيلة القاضي أو القضاة هم أول المخاطبين وإليهم يوجه الخطاب بشكل أساسي لكن المترافع يجب أن يضع الجمهور والخصوم في اعتباره عند المرافعة وذلك لتأكيد ثقة المجتمع في حكم الإدانة واقتناع أطراف الخصومة ووكلاؤهم بالحكم الذي تصدره المحكمة.
    وأأسس على نقد هذا التعريف والإطلاع على غيره محاولة ً لتعريف المرافعة معتنياً بتفادي القصور في التعاريف السابقة فأقول أن المرافعة هي: " خطاب يلقيه صاحب الحق أو وكيله بحضرة القاضي ليقضي له به, مجسداً بالعرض لوقائع الدعوى حسب ما خلص إليها ومفنداً ما يثار في الدعوى المعروضة من دفوع بالحجة البينة والإستدلال المنطقي مستخدماً قوة البيان ومحتكماً إلى الحق والصدق والقانون في وسيلته وهدفه, ومتفاعلاً مع ما يستجد في الدعوى أثناء عرضها على المحكمة, ومختتماً بالمطالبة بما يراه حق له أو بإنزال الموجب القانوني على المتهم سواء بالإدانة أم بالبراءة".
    فالمرافعة إذن هي خطاب يُلقى, وهذا قيد يخرج المذكرات المكتوبة من حدّ المرافعة, وقولنا بحضرة القاضي لا يحصر المخاطبين به في شخصه بل يتعداه إلى كل من حضر معه من دفاع المتهم أو المتهم نفسه أو المدعين بالحق المدني أو المجني عليهم أو الجمهور.
    وقولنا ليقضي له به, لبيان الهدف من المرافعة, وقولنا محتكماً إلى الحق والصدق والقانون في وسيلته وهدفه, قيد يُخرِج كل عمل غير قانوني أو غير مأطر بأطر الحق والإنصاف من حد المرافعة الصحيحة التي ابتغاها المشرع.
    لذلك أخلص في هذا المقام إلى القول بأني وجدت للمرافعة من أدبياتها, والقوانين التي ذَكرَتْها مفهومين: واسع, وضيق. أما المرافعة بالمفهوم الواسع هي كل إجراء يأتي به عضو الادعاء العام أو المحامين أو الخصوم بصدد دعوى معينة من مناقشة شاهد أو الردّ على دفع, أو تفنيد اشكال أو غيره وهذا ما يسمى بمباشرة الدعوى وهو المقصود كشرط لصحة إجراءات المحاكمات الجزائية. أما بمفهومها الضيق فهو المقصود بتعريفنا المختار, وهو موضوع بحثنا, والمراد بالحديث أين ما ورد مصطلح المرافعة بهذا البحث لاحقاً.


    المطلب الثالث: بناء المرافعة
    سنعرض في هذا المطلب لموضوع بناء المرافعة بمفهوميه الضيق والواسع من خلال ثلاثة أفرع نتناول في الأول ما يجب أن تكون عليه لغة المرافعة , وفي الثاني عناصر المرافعة المكونة لها, وفي الثالث أساليب أدائها في ساحات القضاء وذلك على النحو الآتي:-
    الفرع الأول: لغة المرافعة
    لقد نص القانون العماني على أن تكون لغة التقاضي هي اللغة العربية, وفي حالة كون أحد أطراف الدعوى أو الشهود لا يجيد العربية يحضر معه مترجم يقسم اليمين على الترجمة إلى العربية بالصدق(1).
    هذا عن لغة المرافعة بمفهومها الضيق, أما عن لغة المرافعة بمفهومها الواسع فلها جوانب عدّة نحاول تفصيلها في النقاط الآتية:-
    أولاً: أنها لغة حديث لا لغة كتابة.
    ومؤدى هذا أن المرافعة وإن سطرها المترافع قبل حضوره لجلسة المحاكمة إلا أنه إن أراد إتيانها بحسب أصولها فلا بد له أن يلقَى بها السامع وجهاً لوجه, فيستعين على اقناعه بلسانه وعينه, وبصوته وإشارته, وبحركته وسكونه, وببديهته ودقة ملاحظته, وبما فيه من قوة مغناطيسية كامنة, وهو بحكم ضرورة الموقف مضطرٌ إلى الإبتكار السريع والكلام المرتجل ومواصلة الحديث من غير توقف ولا تردد. فلا ريب أنه سيعتمد بساطة التعبير في بناء مرافعته ليتجنب التلعثم والزلل.
    أما لغة الكتابة فللكاتب أن يستعمل فيها اللفظ المنمق, وأن يحتال على المعاني البعيدة, وأن يطلق العنان للخيال فيؤاتيه بصور شعرية رائعة, كما يمكن أن يستعين بنقول مدبجة من أمهات الكتب الرصينة يستخرج منها ما شاء مما يخدم فكرته وموضوعه بهدوء بال, وسعة وقت. " ففي المسموع أنت دائما بحاجة إلى أن تستأثر بإذن سامعك ولا تدعه ينصرف عنك أما في المقروء فإن كنت مجهد الذهن وعسر عليك الاستيعاب, طويت الصفحة وعدت لها في وقت تكون فيه أقدر على الاستيعاب"(1)
    ثانياً: لغة المرافعة لغة التماس
    فيجب أن تكون لغة المترافع يحوطها الاحترام الكلي للهيئة التي يترافع أمامها عضو الادعاء, وقد يكون العضو أغزر من سامعيه علماً, وأظهرهم فضلاً, وقد يكون كلامه في مضمونه تعليماً ولكن عبارته يجب أن تكون عبارة إكبار وإعظام دون تذلل ولا ضِعه.(2)
    ثالثاً: يجب أن تكون لغة المرافعة رصينة وسلسة ومفهومة
    ووجوب كونها رصينة وسلسة يقتضي ذلك من المترافع أن يلم بقدر غير ضئيل من قواعد النحو والصرف والبيان. فذلك مما يُسلِس إلى بلوغ المقصود من المباني في توضيح الدلالات والمعاني. " فليس أزرى بالمرافعات ولا أضيع لبهجتها ولا أفلُّ لسلاحها من سفه لغتها " (3)
    كما يقتضي أن يحرص المترافع على النهل(4) من معين مضان اللغة سيما من كتاب الله العزيز الذي أنزل قرآنا عربياً قال تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(1), وسنة سيد البلغاء والفصحاء النبي الأمي الذي لم ينطق عن الهوى وفيه قال أمير الشعراء :
    وإذا خطبت فللمنابر هزة تعروا النَديّ وللقلوب بكاء
    وعليه العَـلُّ (2) من الحكم والمواعظ والآثار والخطب الشهيرة من طيوف الإرث الإنساني اللغوي. وجدير بالذكر هنا أن ذخيرة المترافع من الفصاحة والبيان تعينه على التدليل والاستشهاد للمواقف والآراء التي يتبناها في مرافعته. وفي هذا المعنى جاءت المادة 173 من تعليمات الادعاء العام بالسلطنة فنصت على الآتي:- " على أعضاء الادعاء العام العناية بدراسة قواعد اللغة العربية والاستزادة من آدابها والإطلاع على مختلف نواحي المعرفة حتى يساعدهم ذلك على أداء واجبهم في المرافعة أمام المحاكم".
    وهنا ربما يتساءل متسائل عن جدوى الاعتناء إلى هذا الحد بلغة المرافعة حيث أنها محكومة بغايتها, وهي ظهور الحق وإنفاذه فإن كان الزخرف لقلب الحق باطلاً أو العكس فذلك مذموم, وإن كان الحق مجرداً فإنه يجب أن يُبَلّغْ بمجرد الطلب, ولا حاجة لزخرف اللغة.
    أقول هذا تصور خاطيء !!! لأن الألفاظ والمباني قوالب الدلالات والمعاني, وإن من البيان لسحراً كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم, وإن الحَكـَم والجمهور في قاعة المحكمة بشر يتأثرون بما يسمعون وإن من شأن بلاغة العضو المترافع أن تجلي للمحكمة مكامن الغموض في الدعوى وتُدَعِّم مواطن الضعف فيها, وتبرز الأدلة الخافتة منها, وتفند وترد الإشكالات التي وردت عليها, وتبين أثر جريمة المتهم على المجتمع, وإساءته إلى قيمه ومبادئه, وتستثير غضب القاضي, وتستنهضه لتحقيق واجبه كذائد عن الهيئة الإجتماعية, وكونه ملجأ المظلوم وسند المهضوم, ومورياً للجمهور عن سبب الإدانة في حال صدورها لترسيخ ثقتهم بالعدالة وتعميق شعورهم بالإنصاف.
    وأما عن وجوب كونها - أي لغة المرافعة – مفهومة, فهذا يقتضي أن تكون المرافعة بلغة سهلة العبارة, ومباشِرة الدلالة, جزلة المعنى, دون تكلف أو إسفاف.
    ولقد خصصت سؤالاً في الإستبيان عن مستوى اللغة الواجب التخاطب بها في قاعة المحكمة وكذلك طرحته على من قابلته من أصحاب الفضيلة المشايخ القضاة وأعضاء الادعاء العام والمحامين فجاءت آرائهم متباينة, فمنهم من قال أنه يجب أن تكون لغة فصيحة, وآخرون قالوا بأنها يجب أن تكون عامية دارجة(1), وآخرون رأوا أن تكون خليطاً بينهما. ولقد برر الفريق الأول رأيه بأن الفصاحة في اللغة تضفي على القضاء الهيبة والوقار إلى جانب أنها أجزل في معانيها. وبرر الفريق الثاني بأن العامية في متناول الجميع بينما تعسر الفصحى على البعض خصوصاً من الجمهور والخصوم. ورأى الفريق الثالث أن تكون لغة المرافعة بالعامية المحسنة.
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    فن المرافعة في الدعوى الجزائية ما بين الدفاع وسلطة الاتهام – بقلم د. أحمد براك Empty رد: فن المرافعة في الدعوى الجزائية ما بين الدفاع وسلطة الاتهام – بقلم د. أحمد براك

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأحد يناير 22, 2012 3:38 pm

    وفي هذا الصدد أرى وجوب التفريق بين اللغة التي يُخَاطـَبُ بها الخصوم أو الشهود بشكل مباشر سواء من قبل القاضي أو المحامي أو عضو الادعاء , وبين اللغة التي تدور بين هؤلاء الأطراف. ففي الأولى يجب أن يكون الخطاب بقدر ما يفقه المخاطـَب, كما يجب التحري والعناية من قبل المتحدِث بأن ما يقوله مُدرَك من قبل سامعه.
    ولقد أتحفني فضيلة الشيخ ماجد بن عبدالله العلوي نائب رئيس المحكمة العليا عند سؤالي إياه عن هذا الموضوع بقوله: " لقد عنيت منذ توليت القضاء بإجادة اللهجة الدارجة في كل منطقة أنتقل إليها للعمل, لجسر ما بيني وما بين المتقاضين من عامة الناس من هوة, فأدرك مغازيهم من أقوالهم, ويشعرون هم بذلك فينطلقون بما يشاؤون في ادعائهم أو دفاعهم".
    أقول مصداقاً لذلك لو قيل لعاميّ أميّ " وأيم الله أنك لمان ٍ فيما فهت به " لرفع عقيرته بالشكر للقائل ظناً منه أنه يمدحه في حين أنه يكذبه.
    إلا أن فضيلته عاد وأكد على أهمية اللغة العربية الفصحى كلغة للتقاضي وأنها المحببة إليه عند المرافعة إذا ما صدرت ممن يعيها سيما أعضاء الادعاء العام والمحامين (1).
    أما المرافعة التي تعارف عليها الأدب القضائي فإنها إن صدرت من عضو الادعاء أو المحامي فالمقصود المباشر بها هو فضيلة القاضي, ولا شك في أنه لن يعزب عن ذهنه ما أراده المترافع, ولن تصعب عليه لغته وإن كانت فصيحة.
    الرأي:
    أرى أن المرافعة القضائية من العضو يجب أن تكون بلغة عربية فصيحة. فمن قال أن اللغة الفصيحة عصية على الفهم؟ فالجميع يسمع نشرات الأخبار وخطب الجمعة ويقرأ الصحف ويدرس الكتب بلغة عربية فصيحة, ويمكن القول أن هذا مقياس الرجل العادي(2), ولقد انتشر التعليم في مجتمعنا ولله الحمد بما يؤهل المتلقين إلى إستيعاب اللغة العربية الفصيحة. كما أني أشايع بعض المستجيبين للاستبيان من كون اللغة الفصحى تضفي مهابة ووقاراً على المحكمة وأنها أجزل في التعبير عن الأفكار. كما أني أؤمن بأنها ستكون – إن طبقت – عاملاً مهماً في إحياء اللغة العربية الفصحى, ودافعاً للاهتمام بها, ومَعيناً للبلاغة القضائية, وعامل محافظة على الهوية من معاول الغزو الثقافي والتغريب, كما تجنب قاعات المحكمة هرج ومرج واختلاط اللهجات. على أن يكون ذلك دون تكلف أو تصنع, فلا يعمد المترافع إلى المعاني القاموسية الغريبة. فقد ذم من قال لخلق تجمعوا عليه: " ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنةٍ , هيا افرنقعوا عني" وذلك رغم صحة قوله إلا أنه لو قال اذهبوا عني لبلغ مراده.
    وعليه فحرِّي بنا كرجال قانون أن نحفظ لغة القرآن ووعاء كلام رب العزة, بإعمالها لا سيما في ساحات العدل القدسية دون إغفال لمبادئ القانون الذي نستمد منه شرعية إجراءاتنا والذي قضى بأنه في أحوال معينة يجب أن نورد قول القائل كما جاء على لسانه كائناً من كان دون تدخل بزيادة ولا نقصان أو تعديل. ولو كانت ألفاظاً تعافها النفس, وتمجها الأسماع بل قد يقتضي الموقف ترديدها في بعض الأحيان لغاية سامية.
    كما أن الجميع مقرٌ - وأنا معهم - بانحدار مستوى اللغة العربية المتداولة بين الناس لأسباب عديدة لا يتسع المقام هنا لذكرها, ونسلم تبعاً لذلك بتكلف دوام المحادثة بها, فإني لا أرى بأساً في الاستعانة باللهجة العامية المحسنة في تخفيف ما قد تنوء به أسماع المتلقين من فصاحة القول الموجه لهم وذلك في قالب مُلحة جميلة غير خارجة عن الموضوع, أو تعليق قصير, أو مثال توضيحي, أو إيراد قول عامي ورد في التحقيق, أو غير ذلك مما يسمح به الوضع. أي معاملة اللهجة العامية معاملة الاستثناء الوارد على الأصل في المرافعة وهي كونها بلغة فصيحة. ويوجه الدكتور حامد الشريف نصيحة إلى المحامي فيقول: " ليس ضرورياً أن تكون كل المرافعة بألفاظ مقعرة وباللغة العربية الفصحى, ولكنه يتعين الجمع بين الاثنين بحيث يستطيع المحامي أن يدفع الرتابه بعيداً عن قاضيه"(1) وهذا ما يجب أن يكون عليه شأن عضو الادعاء العام.

    رابعاً: أن تكون مطابقة لمقتضى الحال
    " يقول الجاحظ رحمه الله : ينبغي للمتكلم أن يعرف أقدار المعاني, ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين, وبين أقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من ذلك كلاماً, ولكل حالة من ذلك مقام, حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني, ويقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات, وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات, وكما لا ينبغي أن يكون اللفظ عامياً, فكذلك لا ينبغي أن يكون غريباً وحشياً "(2)
    فالمترافع يجب أن يكون وثيق الصلة بالأدب, عالم بطبائع الناس عارف لمواقع الكلام متصرف في أنواعه على ما يشتهي, فلا يسهب في موضع الإيجاز إسهاباً مملاً, ولا يوجز في موضع البسط والبيان ايجازاً مخلاً. يستعمل اللفظ المجلجل مرّة والسهل البسيط أخرى, يغلب المنطق هنا ويرجح العاطفة هناك على حسب الظروف والأحوال.
    على أن خروج المترافع عن هذه القاعدة في مرافعته هو أدعى ما يكون للنفور منه, والاستخفاف به, والالتفات عمّا يخلص إليه من مطالب.
    وأخذاً بما سبق فإني أرى أن مراعاة مقتضى الحال تستلزم من العضو إبتداءً تقدير شكل وحجم المرافعة التي سيعدها على حسب الدعوى المعروضة إن كانت جناية أو جنحة(1) , وكذلك قيمة ما تشكله من أهمية للرأي العام, أو جسامة في الفعل, أو خطورة جرمية, أو تفرع من ظاهرة جرمية بدأت تنتشر في المجتمع, أو باعتبار شخصية المتهمين أو المجني عليهم فيها كأن يكونوا رموزاً وطنية أو من كبار موظفي الدولة , أو نوعية الجمهور المعتني بالقضية المعروضة, فهذه العوامل وغيرها يجب أن يراعيها العضو عندما يعد مرافعته التي سيبديها بصدد الدعوى.
    الفرع الثاني: عناصر المرافعة
    ليس للمرافعات في الواقع العملي قالب واحد جامد, ولكننا اذ نحاول تحديد عناصر المرافعة نقصد قوامها, وعلى ذلك فالمرافعة النموذجية تتألف من مقدمة وموضوع وخاتمة, ولنبين مضمون كل جزء أو ما يجب على المترافع أن يضمنه تلك الأجزاء سنعمد إلى التقسيم الآتي:-
    أولاً: المقدمة
    وهي بالغة التأثير على ما بعدها من القول, فإن جاء بها المترافع كما يجب فتح لنفسه من السامعين باب القبول, وإن تنكب فيها وجاء بها على غير أصولها أوصدت عنه الآذان والتفتت عنه العقول وجفته قلوب سامعيه. لذلك وجب على المترافع أن يفتتح مرافعته بمقدمة مثيرة وبشيء يأسر الإنتباه في الحال, والخطيب الفطن من يحفظ المقدمة بداية ويفضل لطبيعة الزمان المطبوع بطابع السرعة أن تكون المقدمة موجزة إيجازاً لا يخرجها عن كونها مقدمة, كما يجب أن يراعي المترافع في المقدمة ارتباطها بموضوع المرافعة ويجعلها توطئة ومدخلاً للموضوع.
    ثانياً: الموضوع
    في هذا الجزء من المرافعة يلزم من المترافع أن يرتب أفكاره, ويعرض لموضوع الدعوى بكل جوانبه ابتداء من تجسيد وقائع الدعوى للسامعين بعرضها عرضاً تصويرياً أكثر منه وصفياً, ومبيناً لأركان الجريمة التي تشكلها الواقعة, ومعرجاً على ما تشكله تلك الوقائع من ألم وعوار للمجتمع وقيمه, ومثـَنِّياً على إسقاط تلك الوقائع على نصوص القانون المنطبقة عليها, ومثبتاً لأدلة الإثبات ومفنداً لأدلة النفي, ومورياً عن الظروف القانونية أو الشخصية التي صاحبت وقائع الدعوى سواء كانت مدعاة للتشديد أم للتخفيف كما يقتضي مبدأ حياد الادعاء العام, ومجلياً للمحكمة بواعث المتهم التي حملته لإرتكاب جريمته, ومحللاً لنفسيته حين ارتكاب الجرم وقبله وبعده بمقتضى قواعد علم النفس, مستمداً تحليله من وقائع الدعوى متجنباً التخرص والتخمين, ومعتمداً السياسة المنطقية في الإستنتاجات التي يبديها أمام المحكمة ومبصراً إياها بما خفى وغمض من وقائع الدعوى كما حصلها هو(1) أو زميله عضو الادعاء من التحقيق الذي أجراه الادعاء العام.
    وفي هذا المعنى جاءت المادة (171) من تعليمات الادعاء العام بالسلطنة حيث نصت على أن : يراعى أن تتضمن المرافعة شرحاً لواقعات(1) الدعوى وأركانها وظروفها وأدلة الثبوت فيها ..."
    وكذلك المادة 1136 من تعليمات النيابة المصرية حيث نصت على " ... وعليه عندما يترافع في القضية أن يبين ظروفها وأن يسرد الأدلة القائمة في الدعوى تبعاً لترتيب أهميتها مع بيان الظروف المشددة والمخففة في القضية"

    ثالثاً: الخاتمة
    "إن الخاتمة في الحقيقة هي أكثر الأجزاء استراتيجية في المرافعة"(2) فما يقوله الإنسان في النهاية هو ما يبقى يرن في آذان المستمعين وهي ربما الكلمات التي تبقى عالقة في آذانهم. لذلك فالمترافع الحاذق من يخطط للخاتمة مسبقاً, ومن باب الاحتياط عليه أن يُعِدَ ويحفظ خاتمتين أو ثلاث يواجه بها التعديلات التي تطرأ على سير الدعوى خصوصاً إذا كانت مرافعته مرتجلة.
    لذلك يجب على المترافع أن يجلي للمحكمة ويصرح بطلبه من كل القول الذي أدلاه سابقاً, وهو طلب إدانة المتهم بحسب الأصل, أو طلب براءته على وجه الاستثناء. وإن كان يطالب بالإدانة فليبين نوع العقوبة التي يطالب بها إن كانت العقوبة بها مجال للخيار وفق القانون وخصوصاً عند وجود مجال للعقوبات الفرعية, وكذلك الظروف التي يطلب أخذها بالاعتبار عند الحكم سواء المخففة أم المشددة وأرى من الناحية العملية وجوب ذكر رقم المادة القانونية والقيد والوصف واضحين مع عدم الخلط في حالة تعدد المتهمين وتعدد القيود.
    "على أن خاتمة المرافعة ينبغي أن تكون منفصلة عن المرافعة غير مرتبطة بها ولا متصلة. أي بمنزلة الصدر, ولكن تكون موجهة نحو الكلام الذي سلف" (1).
    الفرع الثالث: أساليب المرافعة
    على هدى ما تقدم في الفرع السابق وباستقراء الواقع القضائي فإن المرافعة القضائية لن تخرج عن أربعة ضروب تحكم أداءها سنعرض لها بإيجاز محاولين إبراز مزايا كل أسلوب وعيوبه.
    أولاً: أسلوب التسميع
    مُتَبِّعُ هذا الأسلوب بعد أن يفرغ من دراسة قضيته ويلم بجزئياتها يُعمِلُ فيها التصور والتوقع لما سيقع من خصمه من دفوع ولما سيثيره الشهود من إشكالات وغير ذلك فيعد لذلك جواباً في مخيلته أو يفرغه في أوراق فيحفظهُ وإذا جاء موعد المحاكمة ذهب بدون أوراق فانطلق بما في مخيلته مما حفظه يسمعه للقاضي. وأكثر ما يؤخذ على هذا الأسلوب أنه يبعث الملل والسأم, فهو ميت بلا روح, ولأن هدف المترافع يتعدى أذن القاضي السامعة إلى وجدانه وقناعته المعول عليها في الحكم, هذا علاوة على أن أي مفاجئة غير محسوبة خلال المحاكمة ستوقع المترافع في يديه(1) فيحير فلا يدري جواباً في معظم الأحيان أو على الأقل تربكه فتخلط عليه أوراقه التي رتبها في مخيلته.

    ثانياً: التلاوة
    وفي هذا الضرب من المرافعة يأتي المترافع وقد كتب مرافعته فيبدأ بقرائتها ورقة ورقة. ولا شك أن ذلك يفقد المترافع القدرة على التأثير في سامعيه حيث ينصرف وينهمك في قراءة مرافعته فيلتفت عنه سامعيه إن لم يكن بآذانهم السامعة فبآذانهم الواعية المستجيبة مما يضفي على أداء المترافع فتوراً غير محمود. يقول هنري روبير: " إن الذي يتلو مرافعة مكتوبة إنما يلقي مرثية"


    ثالثاًً : الارتجال
    سُئل الأستاذ أحمد رشدي: كيف تؤدى المرافعة؟ فقال: " كل ما يعنيني في دعوى هو أن أعرف الثوب الصحيح اللائق بهذه الوقائع من الأثواب التي فصلها القانون وأسانيده, وأن أعرف ما يعدّه خصمي أو أتخيله, وبعد أن أعرف هذا أذهب إلى قاعة الجلسة غير مختط خطة معينة للدفاع, بل أضعها وأنا في الجلسة تبعاً للظروف التي تحيط بالخصومة وبالمرافعات وبأشخاص المترافعين والقضاة"(1)
    ومن مزايا هذا الأسلوب هو تفادي بعض مثالب الأسلوبين السابقين, فهو يُكسب المترافع قوة التأثير وعطف القاضي وتجاوبه ومتابعته له ويؤخذ عليه أيضاً ما يؤخذ على أسلوب التسميع من عدم الاستعداد للمفاجئات الغير محسوبة أثناء المحاكمة والاسترسال في الارتجال بما يرضي المستمع في نقطة ولو على حساب النقاط الأخرى في القضية.
    ولا شك أن هذا الأسلوب يحتاج إلى موهبة عظيمة من المترافع فهو يقتضي أن يلقي المترافع خطابه إلى السامعين وفي نفس الوقت يقيس مدى تأثرهم وقبولهم لما يقوله فإن لمس إعراضاً تعامل معه كما يجب وإن وجد تجاوباً أمعن القول فيما يقول من غير استرسال مخل. هذا علاوة على ما يجب أن يكون عليه المترافع من عظيم الإلمام بقواعد القانون ومواده وأحكامه والسوابق القضائية وواسع ثقافته العامة وعميق إلمامه بدقائق القضية المعروضة, ممتطياً صهوة البلاغة التي ألانت أعنتها له فطاوعته حيثما وجهها.

    رابعاًَ: الارتجال المكتوب
    أسلوب الارتجال المكتوب أسلوب محمود, حيث أنه تلافى عيوب الأساليب السابقة كما أنه يتوافق مع طبيعة التقاضي في الزمن المعاصر, وتعقيد القضايا, والظروف العملية التي تحكم إجراءات التقاضي, وطبيعة بعضها حيث يكون للأرقام الحسابية الكبيرة والعمليات المصرفية أو الأجهزة التقنية فيها دور بارز على سبيل المثال. وكذلك يراعي - هذا الأسلوب - مستوى القائمين على المرافعة من الناحية العلمية أو الفطرية فهو في متناول كل مجتهد ويسهل فيه الرجوع للمرافعة لمن فاته منها شيء خصوصاً القاضي الذي إذا اختلى بنفسه في محراب العدالة ليصدر حكمه فربما سقط عنه بعض ما ورد في مرافعة العضو لكن إن كانت المرافعة مكتوبة وقدمت للقاضي بعد إلقاءها لضمها بملف الدعوى سَهُلَ عليه الرجوع إليها متى شاء. وهذا الأسلوب يقتضي أن يُعِد المترافع مرافعته بعد دراستها دراسة مستفيضة وافية سواء قبل تداولها أو مما يَعِنُّ له أثناءه, فيكتبه أو يمليه كتابةً أو يمليه تسجيلاً - وفي هذا دُرْبَة ٌ له وتوطيداٌ للسانه على حسن الإلقاء في المحكمة - ويراجع ذلك مراراً, فإن جاء موعد المرافعة وضع ما أعد أمامه, ولمجرد شعوره أن ما أعده موجود أمامه, ويمكن الرجوع إليه وقت شاء يمنحه ثقة تغنيه عن الرجوع إليه, فينطلق مرتجلاً ومرتباً أفكاره حسب ما أعد ولا بأس إن عاد بنظرات قصيرة إلى ما أمامه ليقرأ ما يعسر على الحفظ أو يتذكر ترتيب الأفكار فيتفادى الاسترسال في غير محله أو فوات ما يجب بيانه.
    " فكما قيل أن هذا الإعداد المكتوب خادمٌ جيد وسيد ضار, بمعنى أنك إن تركت الأوراق تمتلك زمامك انصرفت إلى التلاوة فهي السيد الضار, وان جعلتها في خدمتك ترجع إليها إذا اقتضت الحاجة فهي الخادم النافع"(1)
    الرأي:
    وأرى أن هذا الأسلوب علاوة على ما فيه من المحاسن سالفة الذكر فهو متوافق مع أهداف إقرار المرافعة فقهاً وقانوناً. فلو لم يكن هناك مرافعات مكتوبة لما عرفنا اليوم شيئا يسمى بالأدب القضائي, ولقصرت فائدة ما يقال في المحكمة على حضورها ولكن الكتابة تحفظه وتعمم الفائدة منه, فقديماً قالوا: " كل سر فارق الإثنين شاع وكل علم ليس في القرطاس ضاع"
    وحسناً فعل واضع التعليمات القضائية بالسلطنة حين وجه إلى حفظ مرافعة العضو التي يعدها في قضية ما بملف خاص لتكون من أسباب تقدير كفايته عند التفتيش القضائي. ولهذا حسنات كثيرة حيث أنه سيشحذ همم الأعضاء في هذا المجال وينظر بعين التقدير للوقت والجهد اللذان بذلهما العضو في تلك المرافعة. ولقد فضل أسلوب الارتجال المكتوب جماعة من المستجيبين للإستبانة التي خُدم به هذا البحث وأبرزوا محاسنه.











    المطلب الرابع : آداب المرافعة
    سنحاول في هذا المطلب عرض أهم الآداب الأساسية التي يجب أن يتحلى بها المترافع سواء في مرحلة الإعداد للمرافعة أو مرحلة دراسة الدعوى أو مرحلة عرضها على شكل مرافعة أمام المحكمة.

    أولاً: الإلمام التام بقانوني الجزاء والإجراءات الجزائية خصوصاً والقوانين الأخرى عموماً وبالأحرى المرتبطة بمجال العمل.
    فلابد للمترافع أن يهتم بقانون الجزاء والإجراءات الجزائية والقوانين المكملة واللوائح والقرارات التي يُعنى الادعاء العام بمباشرة الدعاوى الناشئة عن مخالفتها, وكذلك الأحكام القضائية الصادرة من محاكم الموضوع أو أحكام المحكمة العليا ومبادئها والشروحات الفقهية الواردة على القوانين العمانية منها أو العربية أو الأجنبية أن كان مجيداً للغتها - وحري به ذلك - وكذلك عليه أن يطلع بتوسع على علم الطب الشرعي وعلمي الإجرام والعقاب وعلم النفس الجنائي لما لهذه العلوم من وثيق الصلة بعمله كمحقق أو مترافع.
    ثانياً: الإلمام بقواعد اللغة العربية والاهتمام بآدابها
    وقد تقدم في هذا البحث الحديث عن ضرورة الاهتمام باللغة العربية كونها عصبُ المرافعةِ الرئيس(1) إلا أنه لا يفوتنا هنا الإشارة إلى أن أكبر مُعين للعضو في ذلك هو القرآن الكريم, وتفاسيره, وكتب الحديث النبوي الشريف, والسيرة العطرة, ثم الكتب التي عنيت بخدمة جوانب اللغة وآدابها, ككتب النحو, والصرف, والبلاغة, وكذلك الروايات, والخطب المشهورة, والمقالات الأدبية, وكتب الأمثال, والحكم, والقواميس سيما الحديثة منها.

    ثالثاً: يجب أن يكون المترافع ذا ثقافة عامة واسعة
    وذلك من خلال التطوير المستمر لنفسه عن طريق تزويدها بكل جديد من العلوم المختلفة. وعليه أن يتقن التعامل مع وسائل التقنية الحديثة كالحاسوب والانترنت ويسخرها لخدمة أهدافه المتمثلة في الاستزادة من العلوم المختلفة, أو الاستعانة بها في مجال عمله(1), كما عليه أن يضع نصب عينه وجوب إجادة لغة رديفة للغة العربية وعلى رأسها اللغتان الإنجليزية والفرنسية كونهما لغة العلوم الحديثة. كل ذلك دون أن يلتفت عن الثقافة الإجتماعية التي يجب أن يكتسبها من خلال معايشته لمجتمعه والتفاعل معه. خلاصة القول أن على العضو أن لم يلم من كل فن بطرف.

    رابعاً: يجب على العضو المترافع أن يتحلى بالهيئة الحسنة والوقار والسمت وأن يحافظ على المواعيد(2)
    ولقد وضع الباحث حول هذا الموضوع سؤالاً في الإستبانة سالفة الذكر, ولم يحصد سؤالاً غيره إجماعاً في الإجابة كما حصده هو. إذ أجمعت جميع الشرائح على وجوب الظهور بهيئة حسنة أمام القضاء وبرروا ذلك – وقد أصابوا – بالحفاظ على هيبة المحكمة وتعزيز الشعور بقدسية القضاء وكذلك لتتميز هيئة المحكمة عن المحامين والجمهور.
    ولقد استقر العمل على أن يرتدي عضو الادعاء العام عند حضور المحكمة الخنجر العماني والبشت العربي علاوة على الزي الرسمي العادي(1) ومؤخراً أضيفت البطاقة التعريفية التي يتوشحها العضو على صدره وتحمل اسمه ورتبته ليعرفه بها كل من شاهده سواء في المحكمة أو مقر العمل أو مراكز الشرطة أو مواقع المعاينة أو غيره, وإني أرى لهذا الأمر في نفسي بالغ التأييد. فذلك أدنى أن يعرف العضو فينزل منزلته اللائقة أنّى ولّى وجهه.

    خامساً: يجب أن يكون المترافع قوي الملاحظة, حاضر البديهة, طلق اللسان, رابط الجأش, مراعياً لمقتضى الحال الذي يتحدث فيه.
    فقوة الملاحظة تفيده في براعة الإستنتاج ومراقبة تأثير قوله في السامعين. وحضور البديهة يمكنه من التعامل مع كل مفاجئة غير محسوبة تظهر في الجلسة. وطلاقة اللسان تعينه على إنفاذ معاني قوله إلى قلوب سامعيه لذلك عليه أن يدرب نفسه على الخطابة وحسن الإلقاء وأن يأخذ بأسباب ذلك العلمية والعملية, وأن يتخلص من لوازمه الكلامية, إن كان ممن ابتـُلي بها, ورباطة الجأش تمنحه الثقة بالنفس والثبات, ومراعاة مقتضى الحال تجنبه الشطط والتجاوز كما تجنبه التقصير والتخاذل.






    سادساً: الالتزام بالآداب العامة وحفظ هيبة الجهة التي ينتمى إليها
    سواء كان ذلك متعلقاً بحياته الشخصية أو الوظيفية, فعلى عضو الادعاء أن ينأى بنفسه عن مواضع الريبة ويترفع عن كل دنيئة, فلا يُرى ولا يُسمع إلا في المواضع اللائقة بأمثاله. وكذلك في حياته الوظيفية ينبغي عليه إلتزام النزاهة والحياد في عمله, وعليه في قاعة المحكمة تجنب الدخول في مهاترات أو خدش الخصوم أو التعريض بالمتهم سواء كان ذلك إبتداء منه أو دفعه إليه محامي المتهم أو جره إليه المتهم نفسه لأن موقعه وصفته يقيدانه.
    وأرى أنه في سبيل ذلك يجب على العضو أن لا يغشى الاجتماعات العامة للجمهور إلا بقدر ما تستلزم الضرورة. فلا يغرق نفسه في التعارف وفتح باب العلاقات الشخصية معه للجمهور؛ ليجنب نفسه حرج طلب الشفاعات مستقبلاً. ويكون ذلك من غير تفريط فلابد له من التعاطي مع مجتمعه كما أسلفنا ليكتسب الثقافة الإجتماعية التي تخوله فهم مجتمعه والتعبير عنه.
    ولقد تفضل جلالة السلطان المعظم وأصدر أوامره السامية بأن يعامل أعضاء الادعاء العام معاملة أصحاب الفضيلة المشايخ القضاة في المحتفلات الرسمية للدولة كل بحسب رتبته الموازية في القضاء حسب قانون السلطة القضائية فعلى الأعضاء أن ينزلوا أنفسهم حيث أنزلهم ولي الأمر إذا ما غشوا تلك المحافل, وإن غُمّ هذا الأمر على احد – لحداثة هذه الوظيفة – فعلى العضو بحسب رأيي أن يُعلِم المعنيين بذلك, وهذا وإن ظهر في ثوب امتياز للعضو إلاّ أنه في حقيقته رفعة من شأن العدالة بتقدير القائمين عليها.
    كما على العضو المترافع أن يحفظ للقاضي مقامه فيقف منه موقف الملتمس كون الأخير يمثل المحكمة وهي الجهة الأعلى كما عليه أن يبتعد كل البعد عن أسلوب المحاضر أو المعلم عند مخاطبته إياه.

    سابعاً: طلب حكم الإعدام عند إيمانه بتوفر موجباته وكذلك طلب البراءة للمتهم الذي ظهرت في جلسة المحاكمة أدلة قاطعة على براءته.(1)
    ففي كلا الأمرين تجسيد لمبدأ حياد الادعاء العام, ونيابته عن الهيئة الإجتماعية بما يحقق مصالحها وذلك بالنظر إلى عموم الهيئة الإجتماعية عند طلب الإدانة , ومصلحة المتهم كعضو فيها عند طلب البراءة.
    ولقد رأينا من خلال بحثنا أن هذين الأمرين قد حازا جدلا بين المشتغلين بالقضاء والادعاء العام والفقهاء والمحامين على النحو الآتي:
    أولاً: في طلب الحكم بالإعدام: يرى الفريق الأول أن حكم
    بحث فى المرافعة وادابها للاستاذ/ محمد على خميس المرزوقى معاون الادعاء العام سلطنةعمان

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 1:54 am