لقصد الجنائي
يتخذ القصد صورا متنوعه ومنها ما يلي:
أولا: القصد العام والقصد الخاص
أساس التمييز هو النظر إلي ما إذا كان الشارع يتطلب في الجريمة حصول نتيجة اجرامية معينة أو وقوعها بباعث خاص أو كانت الجريمة تستلزم ذلك بحسب طبيعتها ولو لم يتطلبه الشارع صراحة في نص التجريم ، فهنا يكون القصد اللازم في الجريمة من نوع القصد الخاص الذي يتمثل في شمول ارادة الجاني وعلمه لهذه النتيجة ، ولما كان الغالب من الجرائم ليس مما يتطلب فيه نتيجة بعينها أو باعث خاص فان القصد العام يكون هو الأصل العام الكافي لقيام صورة الاثم الجنائي في الجرائم العمدية .
ويتفقا من حيث لزوم توافر قيام عنصرا العلم والارادة فيهما ولكن الخلاف بينهما يكمن في مدي ما يلزم شمل هذين العنصرين له حيث يزيد القصد الخص قدرا من العلم والارادة ينصب علي النتيجة أو الباعث الخاص المتطلب في جرائمه مما لا يلزم في القصد العام .
وعلي هذا يمكن القول ان القصد الجنائي العام هو الأصل في قيام الركن المعنوي في الجرائم العمدية ما لم يتكطلب الشارع قصدا خاصا ، وما هذا القصد الخاص سوي قدر زائد علي القصد العام الذي يكون قيامه مفترضا لازما للبحث في توافر هذا القصد الخاص فلا يكون متصورا توافر هذا الأخير بغير قيام الاول .
ومن الجرائم التي تطلب فيها الشارع قصدا جنائيا خاصا بصريح النص ما يلي:
- جناية تعذيب متهم أو الامر بذلك بقصد حمله علي الاعتراف .
- جنحة التزوير في الشهادات الطبية بقصد التخلص من خدمة عمومية .
- جنح الدخول في عقار أو بيت مسكون أو معد للسكن في حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيه .
وقد جري قضاء محكمتنا العليا علي استلزام قيام قصد جنائي خاص في جرائم أخري تفترض طبيعتها هذا النوع من القصد علي الرغم من خلو نص التجريم الخاص بها من اية اشارة صريحة أو ضمنية ومن امثلتها القتل والسرقة والتبديد والبلاغ الكاذب والاختلاس ، بينما تعتبر من الجرائم ذات القصد الجنائي العام الضرب والجرح البسيط والضرب المفضي إلي الموت .
ثم استطردت المحكمة بعد تبيانها لحكم القصد الاحتمالي إلي ايضاح ما هيته فقررت " ... وحيث ان القصد الاحتمالي وذلك حكمه لا يمكن تعريفه الا بأنه نية ثانوية غير مؤكدة تختلج بها نفس الجاني الذي يتوقع ان يتعدي فعله الغرض المنوي بالذات إلي غرض آخر لم ينوه من قبل اصلا فيمضي مع ذلك في تنفيذ الفعل فيصيب به الغرض الغير مقصود ومظنه وجود تلك النية هي استواء حصول النتيجة وعمد حصولها لديه ... " .
ومؤدي هذا المفهوم انه لا قيام لهذا النوع من القصد في الاحوال التي يجئ توقع الجاني للنتيجة المحتملة من جراء سلوكه مصحوبا برغبة في تفاديها وتمني بعدم حصولها ومثلب ذلك من يقود سيارته بسرعة زائدة في طريق مكتظ بالمارة متوقعا انم يؤدي سلوكه هذا إلي قتل البعض واصابته ولكنه لا يقبل هذه النتيجة ويامل في توقيها اعتنمادا علي مهارته في القيادة ، ففي مثل هذه الحالة لا يكون الجاني مسئولا عن النتيجة باعتباره عامدا لها في صورة القصد الاحتمالي وانما يسئل عنها تحت وصف الخطا باعتباره القدر المتيقن في حقه ، بيد ان قضاء محكمتنا العليا قد اقر نظرية القصد الاحتمالي باعتباره يقوم مقام القصد الأصيل في الجرائم العمدية بغير تمييز .
** سبق الاصرار أو الترصد
• سبق الاصرار
هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية يكون غرض المصر منها ايذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقا علي حدوث امرا أو موقوفا علي شرط .
وتبين ان سبق الاصرار يقوم علي حق الجاني متي ثبت مضي فترة من الزمن بين اختمار فكرة الجريمة في ذهنه وعزمه وتصميمه عليها وبين تنفيذه لها بالفعل ولا يكفي هذا العنصر الزمني وحده للقول بتوافر سبق الاصرار وانما لزاما قيام عنصر نفسي كذلك لدي الجاني قوامه التروي وتمكنه من تدبر امر الجريمة وتقليب أوجه الرأي فيها والتردد بين الاقدام عليها وبين الاحجام عنها فيثبت علي عزمه ويقدم علي تنفيذ جريمته .
• الترصد
هو تربص الانسان لشخص في جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طةيلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلي قتل ذلك الشخص أو إلي ايذائه بالضرب ونحوه.
والترصد يقوم علي عنصرين:
اولهما: عنصر زمني يتمثل في مرور فترة من الزمن كما هو الحال في سبق الاصرار .
ثانيهما: عنصر مكاني مؤداه تربص الجاني وترقبه لضحيته في مكان يتوقع قدومه إليه أو مروره منه ليباغته بالعدوان وياخذه علي غرة من امره .
فليس بلازم في الترصد ان يتوافر العنصر النفسي الذي لا يقام لسبق الاصرار الا به ومؤدي ذلك انه يكون من المتصور توافر أي من الظرفين دون الاخر بغير تلازم بينهما .
• اثار قيام سبق الاصرار أو الترصد
اعتبرهما شارعنا مشددان للعقاب في جرائم العدوان علي النفس وسلامة البدن وليس بلازم لتشديد العقاب في هذه الجرائم اجتماع الظرفين معا فيكفي قيام احدهما ولذلك فان اثبات توافر ايهما يغني عن اثبات الاخر ، ويختلف الظرفان من حيث طبيعتهما فبينما سبق الاصرار ظرف شخصي يتصل بشخص الجاني القئم في حقه فان الترصد ظرف عيني لصيق بذات الفعل المكون للجريمة لا بشخص مرتكبها.
ونتيجة لهذا الاختلاف في الطبيعة بين الظرفين انه بينما لا يؤخذ بظرف سبق الاصرار الا من ثبت قيامه في حقه من الجناه فان جميعهم يؤاخذون عن ظرف الترصد فاعلين كانوا أو شركاء وسواء علموا بهذا الظرف أو لا ، اما عن اثر أي من هذين الظرفين علي قيام القصد الجنائي أو انتقاله فانه ليس لايهما أي اثر في هذا الخصوص سواء بالايجاب أو بالسلب .
فمتي توافر عنصرا العمد لدي المتهم قام القصد الجنائي في حقه سواء ثبت سبق الاصرار أو الترصد أو انتفيا عنه فكل ما يحدثه قيام هذين الظرفين من اثر يكون قاصرا علي درجة العقاب وتشدده فحسب .
** الغلط في الشخص أو في الشخصية
إذا قصد المتهم قتل شخص بعينه أو ايذائه بدنيا فلم يصبه وانما اصاب شخص غير المقصود فإننا نكون بصدد غلط في الشخص أو ما يعرف بالحياد عن الهدف ، اما الغلط في الشخصية فهو الذي ينصب علي صفة متعلقة بمحل الجريمة وليس علي المحل ذاته ومثاله ان يطلق الجاني مقذوفا ناريا علي شخص اعتقد انه عدوه ويصيبه ثم يتبين لظروف تعذر الرؤية أو بسبب التشابه الكبير ان المجني عليه شخص آخر .
والمستقر فقها وقضاء ان الغلط في الشخص أو في الشخصية كلاهما سواء من حيث عدم الاعتراف لايهما باي اثر يذكر في نفي القصد عن الجاني فيسئل المتهم عن القتل أو الجرح والاصابة العمد وكانه قصد اصلا قتل أو ايذاء من اصابه بفعله فضلا عن الشروع في القتل بالنسبة للمقصود ابتداء .
والعلة في مؤاخذة الجاني تحت وصف العمد في حالات الغلط في الشخص أو في الشخصية ان القانون يحمي الحق في الحياة أو في سلامة البدن مجردا عن صاحبه ، فلا عبرة بشخص كان محلا للعدوان علي النفس أو علي البدن مادام ان العدوان وقع مقصودا في جميع الاحوال .
** الخطا غير العمدي
• ماهية الخطا
يعتبر الخطا الصورة الدنيا للاثم الجنائي فهو ياتي في مرتبة لا حقة علي القصد من حيث درجو جسامة الاذناب والخطئية لدي الجاني وهو يكفي لنكوين الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية أو المتصور قانونا ارتكابها علي وجه العمد أو الخطا كما هو الحال في القتل والجرح والحريق واتلاف ممتلكات الغير ... وغيرها .
وقد جاء تشريعنا العقابي خلوا من تعريف ماهية الخطا الذي يتحقق به الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية مكتفيا في ذلك بيان الصور والاوضاع التي قد يتخذها هذا الخطا ، وقد جاء الفقه الجنائي تعريفات كثيرة قيل بها في محاولة ابيان كنة الخطا الجنائي وتحديد ماهيته ، واكثر هذه التعريفات شيوعا ما قاله الجنائي الفرنسي " جارو " فقد عرفه بقوله: " من وجهة نظر القانون العقابي فان الشخص يكون مخطئا إذا كان لم يحتط للنتائج الضارة التي وقعت نتيجة للعمل الايجابي أو السلبي الصادر عنه " .
وفي ذات المعني عرفته محكماتنا اعليا في قولها: " من الوقرر ان الخطا الذي يقع من الافراد في الجرائم غير العمدية يتوافر متي تصرف الشخص تصرفا لا يتفق والحيكة التي تقتضي بها ظروف الحياة العادية وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الانسان لا ياتيه الرجل العدي المتبصر الذي احاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التي احاطت بالمسئول ... " .
وعدم احتياط الفاعل للنتائج الضارة التي تحدث نتيجة لسلوكه الايجابي أو السلبي بوجه عام قد يكون مرجحه انه لم يتوقع علي الاطلاق ان يؤدي سلوكه إلي وقوع هذه النتيجة الضارة وهنا يوصف الخطا بكونه بسيطا ، اما إذا كان الفاعل قد توقع النتيجة الضارة بالفعل ولكنه لم يقبلها وكان يامل عدم وقوعها اعتمادا علي مقدرته ومهارته كان الخطا في هذه الحالة من قبيل الخطا الواعي أو الخطا مع التوقع ، وهذا النوع الأخير اشد جسامه من سابقه .
• اهمية الخطا
الخطا في الجرائم غير العمدية هو صورة الاثم الجنائي فيها والذي لا غني عنه لتكوين ركنها المعنوي ، وعلي ذلك فانه إذا لم يثبت حصول الخطا من جانب المتهم في احدي الجرائم غير العمدية فمؤدي ذلك انتفاء الركن المعنوي الزم للجريمة في حقه مما يمتنع معه مسئوليته الجنائية عنها وتدخل الواقعة في عداد القضاء والقدر .
ولما كان الخطا في الجرائم غير العمدية هو الركن المميز لها فقد جري قضاء محكمتنا العليا علي انه يجب لسلامة الحكم بالادانة في هذه الجرائم ان يبين الحكم عنصر الخطا وان يورد الدليل عليه مردودا إلي اصل صحيح ثابت في الاوراق ، والخطا الذي يتحقق به الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية يلزم ان يكون شخصيا فلا يسئل الشخص جنائيا الا عن نتائج خطئه الشخصي فلا محل لاعمال نظرية المسئولية عن فعل الغير في المجال الجنائي .
• صور الخطا
ورد في النص علي صور الخطا في المدة238 عقوبات في قولها: " من تسبب خطا في موت شخص آخر بان كان ذلك ناشئا عن اهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والانظمة يعاقب ... "
ولم يبين الشارع المقصود بكل صورة من صور الخطا السابقة وقبل الخوض في مسعي الفقه تباينا لمراد الشارع لكل من صور الخطا وتمييزها عن غيرها ننبه إلي ان ورود صور الخطا الجنائي بشان جريمة القتل الخطا والجرح والايذاء الخطا لا يعني قصرها علي هذه الجرائم فحسب فيعمل بهذه الصورة في غيرها من الجرائم غير العمدية بغير تمييز .
• الاهمال
تنصرف هذه الصورة إلي الخطا الذي يقع بطريق سلبي نتيجة لترك واجب أو الامتناع عن امر كان من شان القيام به منع وقوع النتيجة الضارة .
• الرعونة
هي نقص المهارة والحذق في السلوك المهني فتنصرف إلي الخطا الذي يقع من المهنيين بالمخالفة للقواعد والاصول الفنية واجبة الاتباع في مهنتهم سواء كان الخطا في صورة سلوك ايجابي أو سلبي .
• عدم الاحتراز (الاحتياط)
هو صورة للخطا الذي يتحقق بسلوك ايجابي ياتيه الجاني مخالفا به ما تمليه عليه قواعد الخبرة العامة في السلوك فتقع النتيجة الضارة .
• مخالفة القوانين والقرارات واللوائح والانظمة
الخطا هنا ممثلا في مخالفة النمط السلوكي الواجب والمحدد من قبل الشارع نفسه في حالات معينة بموجب نصوص خاصة وردت في قانون أو قرار أو لائحة أو في النظم الداخلية التي تضعها الاشخاص الاعتبارية بقصد تنظيم سير العمل فيها .
• كفاية احدي صور الخطا
ان تعدد صور الخطا الجنائي علي النحو المتقدم لا يعني ضرورة ثبوت هذه الصور مجتمعه في حق المتهم حتي يثبت ركن الخطا في جانبه ويكون مسئولا جنائيا عن النتائج الضارة لسلوكه الخاطئ وانما يكفي لذلك توافر احدي هذه الصور فحسب.
وتاسيسا علي ذلك فقد جري قضاء محكمة النقض علي انه: " لا يلزم العقاب علي جريمة القتل الخطا ان يقع الخطا الذي يتسبب عنه الاصابة بجميع صوره بل يكفي لتحقيق الجريمة ان تتوافر صورة واحدة منها " .
• درجة الخطا
ان الخطا في مجال المسئولية الجنائية يقوم متي اكتملت عناصرها الاخري بطبيعة الحال ، والمرجع في ذلك ما نصت عليه المادة(163 مدني) من انه: " كل خطا سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض " .
وقد ثار تساؤل عما إذا كان يلزم في الخطا ان يبلغ درجة معينة من الجسامة ام ان الخطا اليسير شانه شان الخطا الجسيم سواء بسواء ، فذهب البعض إلي القول بنظرية ازدواج الخطا التي مفادها انه يلزم في الخطا الذي يصلح اساسا للمسائلة الجنائية في الجرائم غير العمدية ان يبلغ درجة معينة من الجسامة بحيث إذا كان خطئا يسيرا انتفت عن فاعله المسئولية الجنائية .
اما الغالب في الفقه المصري فيميل إلي تبني نظرية وحدة الخطا التي قوامها ان أي قدر من الخطا مهما كان يسيرا يكفي اساسا للمسئولية الجنائية والمدنية علي حد سواء ، وطبقا لذلك فان القدر من الخطا الذي يصلح اساسا للحكم بالتعويض مدنيا يصلح في نفس الوقت اساسا للمسائلة الجنائية في الجرائم غير العمدية .
• ملا ينفي الخطا
متي ثبت الخطا في حق المتهم فانه يكون مسئولا عن مغبة سلوكه الخاطئ فلا ينفي عنه الخطا ولا يعفيه من المسئولية الجنائية عنه:
أ- خطا الغير
إذا ساهم مع خطا المتهم خطا ارتكبه شخص آخر من الغير ووقعت النتيجة الضارة كاثر لمجموع هذه الاخطاء كان الجميع مسئولين جنائيا عن هذه النتيجة ، فمن المقرر ان تعدد الاخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مسائلة كل من اسهم فيها ايا كان قدر الخطا المنسوب إليه ويستوي في ذلك ان يكون سببا مباشرا أو غير مباشر في حصوله .
ب- خطا المجني عليه
إذا جاء الخطا الذي اسهم مع خطا المتهم في احداث النتيجة الضارة من قبل المجني عليه نفسه الذي اصابته الجريمة بالضرر فان هذا الخطا لا ينفي خطا المتهم ولا يرفع مسئوليته الجنائية عن مغبة سلوكه الخاطئ .
والذي نود التوكيد عليه انه إذا كان خطا الغير أو خطا المجني عليه لم يصل إلي هذا الحد من الجسامة الذي يستغرق بموجبه خطا المتهم فان ثبوت هذا الخطا يحدث اثره في التخفيف من مسئولية المتهم بغير جدال ولو في مسئوليته المدنية علي الاقل .
• ما ينتفي به الخطا
- التزام الحيطة والحذر
إذا كان قوام الخطا الجنائي هو عدم مراعاه المتهم في سلوكه للقدر اللازم من الحيطة والحذر الذي تفرضه ظروف الحياة العادية علي الرجل العادي المتبصر فان الخطا يكون منتفيا عنه كلما ثبت انه تذرع في مسلكه باعتبارات الحيطة والحذر المطالب بهما الرجل المعتاد في مثل ظروفه لأنه بذلك يكون المتهم قد دحض الاساس الذي يشيد عليه مفهوم الخطا الجنائي العام .
واعتبارات الحيطة والحذر النافية لمعني الخطا الجنائي معيارها النظر إلي ما كان يسلكه الشخص الحريص المعتاد لو انه وجد في مثل ظروف المتهم والمقصود هنا ان يراعي القاضي في ذلك الظروف الموضوعية المحيطة بالمتهم وقت الحادث ومدي ما كانت تسمح له من خيارات فضلا عن الظروف الشخصية اللصيقة بهذا الأخير .
اما الخطا الجنائي الخاص فهو قائم في حق المتهم متي اتي سلوكا مخالفا لما تامر به أو تنتهي عنه النصوص الخاصة ولا يجديه نفعا التذرع بالتزام الحيطة والحذر في مسلكه في هذه الصورة من الخطا ، فلا يقبل من المتهم التذرع بالحيطة والحذر إذا كان سلوكه الخاص مخالفا لما تنص عليه القوانين والقرارات واللوائح والانظمة .
فالمتهم في هذه الاحوال وما شابهها يكون مسئولا عن سلوكه الخاطئ ونتيجته دون ان يجديه نفعا قوله انه التزم في سلوكه بالحيطة والحذر الواجب علي مثله في مثل ظروفه .
يتخذ القصد صورا متنوعه ومنها ما يلي:
أولا: القصد العام والقصد الخاص
أساس التمييز هو النظر إلي ما إذا كان الشارع يتطلب في الجريمة حصول نتيجة اجرامية معينة أو وقوعها بباعث خاص أو كانت الجريمة تستلزم ذلك بحسب طبيعتها ولو لم يتطلبه الشارع صراحة في نص التجريم ، فهنا يكون القصد اللازم في الجريمة من نوع القصد الخاص الذي يتمثل في شمول ارادة الجاني وعلمه لهذه النتيجة ، ولما كان الغالب من الجرائم ليس مما يتطلب فيه نتيجة بعينها أو باعث خاص فان القصد العام يكون هو الأصل العام الكافي لقيام صورة الاثم الجنائي في الجرائم العمدية .
ويتفقا من حيث لزوم توافر قيام عنصرا العلم والارادة فيهما ولكن الخلاف بينهما يكمن في مدي ما يلزم شمل هذين العنصرين له حيث يزيد القصد الخص قدرا من العلم والارادة ينصب علي النتيجة أو الباعث الخاص المتطلب في جرائمه مما لا يلزم في القصد العام .
وعلي هذا يمكن القول ان القصد الجنائي العام هو الأصل في قيام الركن المعنوي في الجرائم العمدية ما لم يتكطلب الشارع قصدا خاصا ، وما هذا القصد الخاص سوي قدر زائد علي القصد العام الذي يكون قيامه مفترضا لازما للبحث في توافر هذا القصد الخاص فلا يكون متصورا توافر هذا الأخير بغير قيام الاول .
ومن الجرائم التي تطلب فيها الشارع قصدا جنائيا خاصا بصريح النص ما يلي:
- جناية تعذيب متهم أو الامر بذلك بقصد حمله علي الاعتراف .
- جنحة التزوير في الشهادات الطبية بقصد التخلص من خدمة عمومية .
- جنح الدخول في عقار أو بيت مسكون أو معد للسكن في حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة أو ارتكاب جريمة فيه .
وقد جري قضاء محكمتنا العليا علي استلزام قيام قصد جنائي خاص في جرائم أخري تفترض طبيعتها هذا النوع من القصد علي الرغم من خلو نص التجريم الخاص بها من اية اشارة صريحة أو ضمنية ومن امثلتها القتل والسرقة والتبديد والبلاغ الكاذب والاختلاس ، بينما تعتبر من الجرائم ذات القصد الجنائي العام الضرب والجرح البسيط والضرب المفضي إلي الموت .
ثم استطردت المحكمة بعد تبيانها لحكم القصد الاحتمالي إلي ايضاح ما هيته فقررت " ... وحيث ان القصد الاحتمالي وذلك حكمه لا يمكن تعريفه الا بأنه نية ثانوية غير مؤكدة تختلج بها نفس الجاني الذي يتوقع ان يتعدي فعله الغرض المنوي بالذات إلي غرض آخر لم ينوه من قبل اصلا فيمضي مع ذلك في تنفيذ الفعل فيصيب به الغرض الغير مقصود ومظنه وجود تلك النية هي استواء حصول النتيجة وعمد حصولها لديه ... " .
ومؤدي هذا المفهوم انه لا قيام لهذا النوع من القصد في الاحوال التي يجئ توقع الجاني للنتيجة المحتملة من جراء سلوكه مصحوبا برغبة في تفاديها وتمني بعدم حصولها ومثلب ذلك من يقود سيارته بسرعة زائدة في طريق مكتظ بالمارة متوقعا انم يؤدي سلوكه هذا إلي قتل البعض واصابته ولكنه لا يقبل هذه النتيجة ويامل في توقيها اعتنمادا علي مهارته في القيادة ، ففي مثل هذه الحالة لا يكون الجاني مسئولا عن النتيجة باعتباره عامدا لها في صورة القصد الاحتمالي وانما يسئل عنها تحت وصف الخطا باعتباره القدر المتيقن في حقه ، بيد ان قضاء محكمتنا العليا قد اقر نظرية القصد الاحتمالي باعتباره يقوم مقام القصد الأصيل في الجرائم العمدية بغير تمييز .
** سبق الاصرار أو الترصد
• سبق الاصرار
هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية يكون غرض المصر منها ايذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقا علي حدوث امرا أو موقوفا علي شرط .
وتبين ان سبق الاصرار يقوم علي حق الجاني متي ثبت مضي فترة من الزمن بين اختمار فكرة الجريمة في ذهنه وعزمه وتصميمه عليها وبين تنفيذه لها بالفعل ولا يكفي هذا العنصر الزمني وحده للقول بتوافر سبق الاصرار وانما لزاما قيام عنصر نفسي كذلك لدي الجاني قوامه التروي وتمكنه من تدبر امر الجريمة وتقليب أوجه الرأي فيها والتردد بين الاقدام عليها وبين الاحجام عنها فيثبت علي عزمه ويقدم علي تنفيذ جريمته .
• الترصد
هو تربص الانسان لشخص في جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طةيلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلي قتل ذلك الشخص أو إلي ايذائه بالضرب ونحوه.
والترصد يقوم علي عنصرين:
اولهما: عنصر زمني يتمثل في مرور فترة من الزمن كما هو الحال في سبق الاصرار .
ثانيهما: عنصر مكاني مؤداه تربص الجاني وترقبه لضحيته في مكان يتوقع قدومه إليه أو مروره منه ليباغته بالعدوان وياخذه علي غرة من امره .
فليس بلازم في الترصد ان يتوافر العنصر النفسي الذي لا يقام لسبق الاصرار الا به ومؤدي ذلك انه يكون من المتصور توافر أي من الظرفين دون الاخر بغير تلازم بينهما .
• اثار قيام سبق الاصرار أو الترصد
اعتبرهما شارعنا مشددان للعقاب في جرائم العدوان علي النفس وسلامة البدن وليس بلازم لتشديد العقاب في هذه الجرائم اجتماع الظرفين معا فيكفي قيام احدهما ولذلك فان اثبات توافر ايهما يغني عن اثبات الاخر ، ويختلف الظرفان من حيث طبيعتهما فبينما سبق الاصرار ظرف شخصي يتصل بشخص الجاني القئم في حقه فان الترصد ظرف عيني لصيق بذات الفعل المكون للجريمة لا بشخص مرتكبها.
ونتيجة لهذا الاختلاف في الطبيعة بين الظرفين انه بينما لا يؤخذ بظرف سبق الاصرار الا من ثبت قيامه في حقه من الجناه فان جميعهم يؤاخذون عن ظرف الترصد فاعلين كانوا أو شركاء وسواء علموا بهذا الظرف أو لا ، اما عن اثر أي من هذين الظرفين علي قيام القصد الجنائي أو انتقاله فانه ليس لايهما أي اثر في هذا الخصوص سواء بالايجاب أو بالسلب .
فمتي توافر عنصرا العمد لدي المتهم قام القصد الجنائي في حقه سواء ثبت سبق الاصرار أو الترصد أو انتفيا عنه فكل ما يحدثه قيام هذين الظرفين من اثر يكون قاصرا علي درجة العقاب وتشدده فحسب .
** الغلط في الشخص أو في الشخصية
إذا قصد المتهم قتل شخص بعينه أو ايذائه بدنيا فلم يصبه وانما اصاب شخص غير المقصود فإننا نكون بصدد غلط في الشخص أو ما يعرف بالحياد عن الهدف ، اما الغلط في الشخصية فهو الذي ينصب علي صفة متعلقة بمحل الجريمة وليس علي المحل ذاته ومثاله ان يطلق الجاني مقذوفا ناريا علي شخص اعتقد انه عدوه ويصيبه ثم يتبين لظروف تعذر الرؤية أو بسبب التشابه الكبير ان المجني عليه شخص آخر .
والمستقر فقها وقضاء ان الغلط في الشخص أو في الشخصية كلاهما سواء من حيث عدم الاعتراف لايهما باي اثر يذكر في نفي القصد عن الجاني فيسئل المتهم عن القتل أو الجرح والاصابة العمد وكانه قصد اصلا قتل أو ايذاء من اصابه بفعله فضلا عن الشروع في القتل بالنسبة للمقصود ابتداء .
والعلة في مؤاخذة الجاني تحت وصف العمد في حالات الغلط في الشخص أو في الشخصية ان القانون يحمي الحق في الحياة أو في سلامة البدن مجردا عن صاحبه ، فلا عبرة بشخص كان محلا للعدوان علي النفس أو علي البدن مادام ان العدوان وقع مقصودا في جميع الاحوال .
** الخطا غير العمدي
• ماهية الخطا
يعتبر الخطا الصورة الدنيا للاثم الجنائي فهو ياتي في مرتبة لا حقة علي القصد من حيث درجو جسامة الاذناب والخطئية لدي الجاني وهو يكفي لنكوين الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية أو المتصور قانونا ارتكابها علي وجه العمد أو الخطا كما هو الحال في القتل والجرح والحريق واتلاف ممتلكات الغير ... وغيرها .
وقد جاء تشريعنا العقابي خلوا من تعريف ماهية الخطا الذي يتحقق به الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية مكتفيا في ذلك بيان الصور والاوضاع التي قد يتخذها هذا الخطا ، وقد جاء الفقه الجنائي تعريفات كثيرة قيل بها في محاولة ابيان كنة الخطا الجنائي وتحديد ماهيته ، واكثر هذه التعريفات شيوعا ما قاله الجنائي الفرنسي " جارو " فقد عرفه بقوله: " من وجهة نظر القانون العقابي فان الشخص يكون مخطئا إذا كان لم يحتط للنتائج الضارة التي وقعت نتيجة للعمل الايجابي أو السلبي الصادر عنه " .
وفي ذات المعني عرفته محكماتنا اعليا في قولها: " من الوقرر ان الخطا الذي يقع من الافراد في الجرائم غير العمدية يتوافر متي تصرف الشخص تصرفا لا يتفق والحيكة التي تقتضي بها ظروف الحياة العادية وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الانسان لا ياتيه الرجل العدي المتبصر الذي احاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التي احاطت بالمسئول ... " .
وعدم احتياط الفاعل للنتائج الضارة التي تحدث نتيجة لسلوكه الايجابي أو السلبي بوجه عام قد يكون مرجحه انه لم يتوقع علي الاطلاق ان يؤدي سلوكه إلي وقوع هذه النتيجة الضارة وهنا يوصف الخطا بكونه بسيطا ، اما إذا كان الفاعل قد توقع النتيجة الضارة بالفعل ولكنه لم يقبلها وكان يامل عدم وقوعها اعتمادا علي مقدرته ومهارته كان الخطا في هذه الحالة من قبيل الخطا الواعي أو الخطا مع التوقع ، وهذا النوع الأخير اشد جسامه من سابقه .
• اهمية الخطا
الخطا في الجرائم غير العمدية هو صورة الاثم الجنائي فيها والذي لا غني عنه لتكوين ركنها المعنوي ، وعلي ذلك فانه إذا لم يثبت حصول الخطا من جانب المتهم في احدي الجرائم غير العمدية فمؤدي ذلك انتفاء الركن المعنوي الزم للجريمة في حقه مما يمتنع معه مسئوليته الجنائية عنها وتدخل الواقعة في عداد القضاء والقدر .
ولما كان الخطا في الجرائم غير العمدية هو الركن المميز لها فقد جري قضاء محكمتنا العليا علي انه يجب لسلامة الحكم بالادانة في هذه الجرائم ان يبين الحكم عنصر الخطا وان يورد الدليل عليه مردودا إلي اصل صحيح ثابت في الاوراق ، والخطا الذي يتحقق به الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية يلزم ان يكون شخصيا فلا يسئل الشخص جنائيا الا عن نتائج خطئه الشخصي فلا محل لاعمال نظرية المسئولية عن فعل الغير في المجال الجنائي .
• صور الخطا
ورد في النص علي صور الخطا في المدة238 عقوبات في قولها: " من تسبب خطا في موت شخص آخر بان كان ذلك ناشئا عن اهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والانظمة يعاقب ... "
ولم يبين الشارع المقصود بكل صورة من صور الخطا السابقة وقبل الخوض في مسعي الفقه تباينا لمراد الشارع لكل من صور الخطا وتمييزها عن غيرها ننبه إلي ان ورود صور الخطا الجنائي بشان جريمة القتل الخطا والجرح والايذاء الخطا لا يعني قصرها علي هذه الجرائم فحسب فيعمل بهذه الصورة في غيرها من الجرائم غير العمدية بغير تمييز .
• الاهمال
تنصرف هذه الصورة إلي الخطا الذي يقع بطريق سلبي نتيجة لترك واجب أو الامتناع عن امر كان من شان القيام به منع وقوع النتيجة الضارة .
• الرعونة
هي نقص المهارة والحذق في السلوك المهني فتنصرف إلي الخطا الذي يقع من المهنيين بالمخالفة للقواعد والاصول الفنية واجبة الاتباع في مهنتهم سواء كان الخطا في صورة سلوك ايجابي أو سلبي .
• عدم الاحتراز (الاحتياط)
هو صورة للخطا الذي يتحقق بسلوك ايجابي ياتيه الجاني مخالفا به ما تمليه عليه قواعد الخبرة العامة في السلوك فتقع النتيجة الضارة .
• مخالفة القوانين والقرارات واللوائح والانظمة
الخطا هنا ممثلا في مخالفة النمط السلوكي الواجب والمحدد من قبل الشارع نفسه في حالات معينة بموجب نصوص خاصة وردت في قانون أو قرار أو لائحة أو في النظم الداخلية التي تضعها الاشخاص الاعتبارية بقصد تنظيم سير العمل فيها .
• كفاية احدي صور الخطا
ان تعدد صور الخطا الجنائي علي النحو المتقدم لا يعني ضرورة ثبوت هذه الصور مجتمعه في حق المتهم حتي يثبت ركن الخطا في جانبه ويكون مسئولا جنائيا عن النتائج الضارة لسلوكه الخاطئ وانما يكفي لذلك توافر احدي هذه الصور فحسب.
وتاسيسا علي ذلك فقد جري قضاء محكمة النقض علي انه: " لا يلزم العقاب علي جريمة القتل الخطا ان يقع الخطا الذي يتسبب عنه الاصابة بجميع صوره بل يكفي لتحقيق الجريمة ان تتوافر صورة واحدة منها " .
• درجة الخطا
ان الخطا في مجال المسئولية الجنائية يقوم متي اكتملت عناصرها الاخري بطبيعة الحال ، والمرجع في ذلك ما نصت عليه المادة(163 مدني) من انه: " كل خطا سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض " .
وقد ثار تساؤل عما إذا كان يلزم في الخطا ان يبلغ درجة معينة من الجسامة ام ان الخطا اليسير شانه شان الخطا الجسيم سواء بسواء ، فذهب البعض إلي القول بنظرية ازدواج الخطا التي مفادها انه يلزم في الخطا الذي يصلح اساسا للمسائلة الجنائية في الجرائم غير العمدية ان يبلغ درجة معينة من الجسامة بحيث إذا كان خطئا يسيرا انتفت عن فاعله المسئولية الجنائية .
اما الغالب في الفقه المصري فيميل إلي تبني نظرية وحدة الخطا التي قوامها ان أي قدر من الخطا مهما كان يسيرا يكفي اساسا للمسئولية الجنائية والمدنية علي حد سواء ، وطبقا لذلك فان القدر من الخطا الذي يصلح اساسا للحكم بالتعويض مدنيا يصلح في نفس الوقت اساسا للمسائلة الجنائية في الجرائم غير العمدية .
• ملا ينفي الخطا
متي ثبت الخطا في حق المتهم فانه يكون مسئولا عن مغبة سلوكه الخاطئ فلا ينفي عنه الخطا ولا يعفيه من المسئولية الجنائية عنه:
أ- خطا الغير
إذا ساهم مع خطا المتهم خطا ارتكبه شخص آخر من الغير ووقعت النتيجة الضارة كاثر لمجموع هذه الاخطاء كان الجميع مسئولين جنائيا عن هذه النتيجة ، فمن المقرر ان تعدد الاخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مسائلة كل من اسهم فيها ايا كان قدر الخطا المنسوب إليه ويستوي في ذلك ان يكون سببا مباشرا أو غير مباشر في حصوله .
ب- خطا المجني عليه
إذا جاء الخطا الذي اسهم مع خطا المتهم في احداث النتيجة الضارة من قبل المجني عليه نفسه الذي اصابته الجريمة بالضرر فان هذا الخطا لا ينفي خطا المتهم ولا يرفع مسئوليته الجنائية عن مغبة سلوكه الخاطئ .
والذي نود التوكيد عليه انه إذا كان خطا الغير أو خطا المجني عليه لم يصل إلي هذا الحد من الجسامة الذي يستغرق بموجبه خطا المتهم فان ثبوت هذا الخطا يحدث اثره في التخفيف من مسئولية المتهم بغير جدال ولو في مسئوليته المدنية علي الاقل .
• ما ينتفي به الخطا
- التزام الحيطة والحذر
إذا كان قوام الخطا الجنائي هو عدم مراعاه المتهم في سلوكه للقدر اللازم من الحيطة والحذر الذي تفرضه ظروف الحياة العادية علي الرجل العادي المتبصر فان الخطا يكون منتفيا عنه كلما ثبت انه تذرع في مسلكه باعتبارات الحيطة والحذر المطالب بهما الرجل المعتاد في مثل ظروفه لأنه بذلك يكون المتهم قد دحض الاساس الذي يشيد عليه مفهوم الخطا الجنائي العام .
واعتبارات الحيطة والحذر النافية لمعني الخطا الجنائي معيارها النظر إلي ما كان يسلكه الشخص الحريص المعتاد لو انه وجد في مثل ظروف المتهم والمقصود هنا ان يراعي القاضي في ذلك الظروف الموضوعية المحيطة بالمتهم وقت الحادث ومدي ما كانت تسمح له من خيارات فضلا عن الظروف الشخصية اللصيقة بهذا الأخير .
اما الخطا الجنائي الخاص فهو قائم في حق المتهم متي اتي سلوكا مخالفا لما تامر به أو تنتهي عنه النصوص الخاصة ولا يجديه نفعا التذرع بالتزام الحيطة والحذر في مسلكه في هذه الصورة من الخطا ، فلا يقبل من المتهم التذرع بالحيطة والحذر إذا كان سلوكه الخاص مخالفا لما تنص عليه القوانين والقرارات واللوائح والانظمة .
فالمتهم في هذه الاحوال وما شابهها يكون مسئولا عن سلوكه الخاطئ ونتيجته دون ان يجديه نفعا قوله انه التزم في سلوكه بالحيطة والحذر الواجب علي مثله في مثل ظروفه .