يحاول هذا البحث الوصول إلى إجابة السؤال التالي:-
هل يقر القرآن بوقوع النبي داود في خطيئة الزنا أم لا؟
وللإجابة على هذا السؤال سوف نتناول الآيات الواردة في القرآن والتي ذكرت قصة داود بالبحث والتحليل ، والآيات موضوع الدراسة موجودة في سورة "ص" وبالتحديد من الآية 21 إلى الآية 26 حيث تقول الآيات :-
( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ {21} إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ {22} إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ {23} قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ {س} . {24} فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ {25} يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ {26} )
ولنرجع إلى المصادر الإسلامية في تفسير القرآن
أولا : تفسير الجلالين :- {وهل} معنى الاستفهام هنا التعجب والتشويق إلى استماع ما بعده {أتاك } يا محمد {نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} محراب داود أي مسجده حيث منعوا الدخول عليه من الباب لشغله بالعبادة أي خبرهم وقصتهم
{إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف} نحن {خصمان} قيل فريقان ليطابق ما قبله من ضمير الجمع وقيل اثنان والضمير بمعناها والخصم يطلق على الواحد وأكثر وهما ملكان جاءا في الصورة خصمين وقع لهما ما ذكر على سبيل الفرض لتنبيه داود عليه السلام على ما وقع منه وكان له تسع وتسعون امرأة وطلب امرأة شخص ليس له غيرها وتزوجها ودخل بها {بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط } تجر {واهدنا } أرشدنا {إلى سواء الصراط } وسط الطريق الصواب
{إن هذا أخي } أي على ديني {له تسع وتسعون نعجة } يعبر بها عن المرأة {ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها} أى اجعلني كافلها {وعزني } غلبني {في الخطاب } أي الجدال وأقره الآخر على ذلك
{قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك } ليضمها {إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء } الشركاء {ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم } ما لتأكيد القلة فقال الملكان صاعدين في صورتيهما إلى السماء قضى الرجل على نفسه فتنبه داود قال تعالى {وظن } أى أيقن {داود أنما فتناه } أوقعناه في فتنة أي بلية بمحبته تلك المرأة {فاستغفر ربه وخر راكعا } ساجدا {وأناب }
{فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى } أى زيادة خير في الدنيا {وحسن مآب } مرجع في الآخرة {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } تدبر أمر الناس {فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } أى هوى النفس {فيضلك عن سبيل الله } عن الدلائل الدالة على توحيده {إن الذين يضلون عن سبيل الله } عن الايمان بالله {لهم عذاب شديد بما نسوا } بنسيانهم {يوم الحساب } المرتب عليه تركهم الايمان ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا
نتيجة 1 : هذا تفسير الجلالين ذكر قصة اشتهاء داود لزوجة غيره
ثانيا : زبدة التفاسير :-
(وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) بعث الله إلى داود ملكين لينبهه على التوبة، أتوه من أعلى سوره، ونزلوا إليه في محرابه حيث يصلي. عن ابن عباس أن داود رأى امرأة أوريا تغتسل فأعجبته فقدم زوجها في الحرب حتى قتل فلما انقضت عدتها خطبها داود وتزوجها.فتسور عليه الملكان المحراب، وكان شأنهما ما قص الله في كتابه، وخر داود ساجدا فغفر الله له وتاب عليه. وبعض العلماء ينكر هذه القصة في حق امرأة أوريا، ويقول: لم يكونا ملكين، بل كانا بشرين اختصما في النعاج حقيقة.
(إذ دخلوا على داود ففزع منهم) دخلوا عليه بغير إذنه، ولم يدخلوا من الباب الذي يدخل منه الناس (ولا تشطط) أي لا تَجُرْ في حكمك (واهدنا إلى سواء الصراط) أرشدنا إلى الحق، واحملنا عليه، ثم قال أحدهما: (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة) النعجة الأنثى من الضأن، وقد يقال لبقر الوحش نعجة (ولي نعجة واحدة) والعرب تكنى عن المرأة بها، وتشبه النساء بالنعاج من البقر (فقال أكفلنيها) أي أعطني نعجتك حتى أضمها إلى نعاجي وتكون كفلي ونصيبي (وعزني في الخطاب) أي غلبني (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) حكم ببطلان ما سمعه من طلب صاحب النعاج التسع والتسعين أن يضم إليه النعجة الواحدة التي مع صاحبه ولم يكن معه غيرها. قال النحاس: ويقال: إن خطيئة داود هي قوله: ( لقد ظلمك) لأنه قال ذلك قبل أن يتثبت فربما كان صاحب النعجة الواحدة هو الظالم (وإن كثيرا من الخلطاء) وهم الشركاء في المال. (ليبغي بعضهم على بعض) يظلمه غير مراع لحقه (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فإنهم يتحامون ذلك، ولا يظلمون خليطا ولا غيره (وقليل ما هم) أي: وقليل هم (وظن داود أنما فتناه) أيقن أننا ابتليناه، علم عند ذلك أنه هو المراد، وأن مقصودهما التعريض به وبصاحبه الذي أراد أن يحتال عليه حتى يتزوج امرأته. وقيل: استغفر ربه من أنه حكم بين الخصمين في النعاج قبل أن يسمع بينة الخصم الآخر وكان الحق له (فاستغفر ربه) لذنبه (وخر راكعا) أي: ساجدا، وعبر بالركوع عن السجود (وأناب) أي: رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه، وذنب داود الذي استغفر له وتاب عنه، ما تقدم من أنه قدم زوج المرأة الواحدة في الحرب حتى قتل، فتزوجها هو، ونبهه الله على ذلك، وعرض له بإرسال ملائكته إليه حتى يستغفر لذنبه ويتوب منه، فاستغفر وتاب (فغفرنا له ذلك) أي ذلك الذنب الذي استغفر منه (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) الزلفى: القربة والكرامة بعد المغفرة لذنبه، وحسن المآب: حسن المرجع، وهو الجنة (يا داود إنا جعلناك خليفة) أي: وقلنا له: استخلفناك على الأرض، أو جعلناك خليفة لمن قبلك من الأنبياء، لتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر (فاحكم بين الناس بالحق) أي: بالعدل الذي هو حكم الله بين عباده (ولا تتبع الهوى) في الحكم بين العباد (فيضلك عن سبيل الله) هو طريق الحق، أو طريق الجنة (بما نسوا يوم الحساب) أي: بسبب تركهم العمل لذلك اليوم، ومنه القضاء بالعدل
نتيجة 2 : وهذه اقوال زبدة التفاسير ذكرت قصة داود واشتهائه للمرأة المتزوجة وقصة استحمامها في البحيرة ، إلى جانب أن داود قال ( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ) كقول آخر للعلماء . وواضح جدا أن قصة اشتهاء داود لزوجة المرأة هي الغالبة على التفسير . وسوف يتضح لنا أي تفسير هو الذي رجح عند العلماء عندما نستعرض بقية التفاسير.
ثالثا : مختصر الطبري :- {نبأ الخصم}: خبر الخصم. و"الخصم" في هذا الموضع: مَلَكَان {إذ تسوروا المحراب} دخلوا من غير باب و"المحراب": مقدم كل بيت ومجلس.
{ففزع منهم} لأنهما دخلا عليه ليلا، في غير وقتِ نَظَرِهِ بين الناس {قالوا لا تخف} لما رأياه قد ارتاع من دخولهما عليه من غير الباب {خصمان} بمعنى: نحن خصمان {بغى}: تَعَدَّى بغير حق {ولا تشطط} لا تَمِلْ ولا تَحِفْ {واهدنا}: احملنا على الحق وأرشدنا إليه
{إن هذا أخي} يعني: على ديني {له تسع وتسعون نعجة} مَثَلٌ ضربه الخصم المتسور على داود {فقال أكفلنيها} انزل لي عنها. وَخَلِّ سبيلها، لأضمها إليَّ {وعزني في الخطاب}: صار أعز مني في مخاطبته إياي.
{قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ... } إلى قوله: {وأناب} يقول داود: لقد ظلمك بسؤال نعجتك الواحدة إلى التسع والتسعين من نعاجه {وإن كثيرا من الخلطاء}: من الشركاء {ليبغي}: ليتعدى {وقليل ما هم} بمعنى: وقليل هم.
{وإن له عندنا لزلفى} لقُرْبَة منا يوم القيامة {وحسن مآب}: حسن منقلب.
{إنا جعلناك خليفة في الأرض} استخلفناك حَكَما بين أهلها، من بعد مَنْ كان قبلك من رسلنا {ولا تتبع الهوى} في قضائك بينهم {فيضلك عن سبيل الله}: فتجور عن الحق، الذي هو سبيل الله.
نتيجة 3 : تفسير الطبري أيضا رجح قصة اشتهاء داود لزوجة أوريا.
رابعا : تفسير المنتخب :-
وهل جاءك - يا محمد - خبر الخصوم الذين جاءوا داود من سور المحراب وهو محل العبادة، لا من بابه.
إذ دخلوا على داود فخاف منهم واضطرب. قالوا: لا تخف ، نحن متخاصمان، ظلم بعضنا بعضا، فاحكم بيننا بالعدل ولا تتجاوزه، وأرشدنا إلى الطريقة المثلى.
قال أحد الخصمين: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة، فقال: اجعلني كافلها كما أكفل ما تحت يدي: وغلبني في المخاطبة.
قال داود قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر: لقد ظلمك بطلب ضم نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيرًا من المتخالطين ليجوز بعضهم على بعض، إلا من استقر الإيمان في قلوبهم، وكان عمل الصالحات من دأبهم، وهم قلة نادرة، وعرف داود أن الأمر ما هو إلا امتحان منا له، فطلب من الله المغفرة، وانحنى راكعا لله، ورجع إليه خاشعًا.
فغفرنا له تعجله في الحكم، وإن له عندنا لقربى وحسن مرجع.
وأوحى الله إليه: يا دواد إنا صيرناك خليفة عنا في الأرض، فاحكم بين الناس بما شرعت لك، ولا تسر في الحكم وراء الهوى، فيحيد بك عن سبيل الله، إن الذين يحيدون عن سبيل الله باتباع أهوائهم لهم عذاب شديد بغفلتهم عن يوم الجزاء.
نتيجة 4: تفسير المتخب ذكر أن خطيئة داود كانت أنه لم يسمع كلام الشخص الآخر وتسرع في الحكم ، وأغفل تماما القول الآخر باشتهاء داود لزوجة أوريا.
خامسا : تفسير ابن كثير :- قد ذكر المفسرون ههنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضا وقوله تعالى "ففزع منهم" إنما كان ذلك لأنه كان في محرابه وهو أشرف مكان في داره وكان قد أمر أن لا يدخل عليه أحد ذلك اليوم فلم يشعر إلا بشخصين قد تسورا عليه المحراب أي احتاطا به يسألانه عن شأنهما وقوله عز وجل "وعزني في الخطاب" أي غلبني يقال عز يعز إذا قهر وغلب وقوله تعالى "وظن داود إنما فتناه" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أي اختبرناه وقوله تعالى "وخر راكعا" أي ساجدا "وأناب" ويحتمل أنه ركع أولا ثم سجد بعد ذلك وقد ذكر أنه استمر ساجدا "أربعين صباحا" فغفرنا له ذلك أي ما كان منه مما يقال فيه إن حسنات الأبرار سيئات المقربين وقد اختلف الأئمة في سجدة ص هل هي من عزائم السجود ؟ على قولين الجديد من مذهب الشافعي رضي الله عنه أنها ليست من عزائم السجود بل هي سجدة شكر والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد حيث قال حدثنا إسماعيل هو ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في السجدة في ص ليست من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها ورواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في تفسيره من حديث أيوب به وقال الترمذي حسن صحيح وقال النسائي أيضا عند تفسير هذه الآية أخبرني إبراهيم بن الحسن هو المقسمي حدثنا حجاج بن محمد عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال " سجدها داود عليه الصلاة والسلام توبة ونسجدها شكرا" تفرد بروايته النسائي ورجال إسناده كلهم ثقات وقد أخبرني شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو إسحاق المدرجي أخبرنا زاهر بن أبي طاهر الثقفي حدثنا زاهر بن أبي طاهر الشحامي أخبرنا أبو سعيد الكنجدروذي أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن يزيد ابن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال: قال لي ابن جريج يا حسن حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى رأيت فيما يرى النائم كأنى أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فسجدت فسجدت الشجرة بسجودي فسمعتها تقول وهي ساجدة: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وأجعلها لي عندك دخرا وضع بها عني وزرا وأقبلها مني كما فبلتها من عبدك داود قال ابن عباس رضي الله عنهما فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام فقرأ السجدة ثم سجد فسمعته يقول وهو ساجد كما حكى الرجل من كلام الشجرة رواه الترمذي عن قتيبة وابن ماجة عن أبي بكر بن خلاد كلاهما عن محمد بن يزيد بن خنيس نحوه وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال البخاري عند تفسيرها أيضا حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن العوام قال سألت مجاهدا عن سجدة ص فقال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما من أين سجدت فقال أو ما تقرأ "ومن ذريته داود وسليمان" "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" فكان داود عليه الصلاة والسلام ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به فسجدها داود عليه الصلاة والسلام فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حميد حدثنا بكر هو ابن عبد الله المزني أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه رأى رؤيا أنه يكتب ص فلما بلغ إلى الآية التي يسجد بها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجدا قال قفصها على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد بها بعد تفرد به أحمد وقال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر "ص" فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال صلى الله عليه وسلم "إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم "فنزل وسجد تفرد به أبو داود وإسناده عل شرط الصحيح.
نتيجة 5 : تفسير ابن كثير امتنع عن ذكر القصة لانها مأخوذة من الاسرائيليات ( أي من الكتاب المقدس ) . ورد علمها الى الله تعالى . لم يصدقها ولم يكذبها ( اعني قصة الاسرائيليات ) ، والتزم بالامر بعدم تصديق قصص أهل الكتاب وعدم تكذيبها كما يأمر الحديث ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا الْآيَة) صحيح البخاري. ولم يقدم ابن كثير أي تفسير لهذه الآية مطالبا المسلم بقراءتها كما هي دون فهم القصة التي تكمن خلفها .
سادسا : تفسير القرطبي :-
فيه أربع وعشرون مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَاُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوّرُوا الْمِحْرَابَ } «الْخَصْم» يقع على الواحد والاثنين والجماعة لأن أصله المصدر. قال الشاعر:
وَخَصْم غِضابٌ يَنْفُضُونَ لِحَاهُمُ كنفضِ البَرَاذينِ العِرابِ المَخَالِيَا
النحاس: ولا خلاف بين أهل التفسير أنه يراد به هاهنا مَلَكان. وقيل: «تَسَوّرُوا» وإن كان اثنين حملاً على الخصم، إذ كان بلفظ الجمع ومضارعًا له، مثل الركب والصحب. تقديره للاثنين ذوا خصم وللجماعة ذوو خصمٍ. ومعنى: «تَسَوّرُوا المِحْرَابَ» أتوه من أعلى سوره. يقال: تسوّر الحائط تسلّقه، والسور حائط المدينة وهو بغير همز، وكذلك السّوَرُ جمع سورةٍ مثل بُسْرَةٍ وبُسَرٍ وهي كل منزلة من البناء. ومنه سورة القرآن لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى. وقد مضى في مقدّمة الكتاب بيان هذا. وقول النابغة:
ألم تَرَ أنَ اللّهَ أعْطَاكَ سُورَةً تَرَى كُلّ مَلْكٍ دونها يتذبذب
يريد شرفًا ومنزلة. فأما السؤر بالهمز فهو بقية الطعام في الإناء. ابن العربي: والسؤر الوليمة بالفارسي. وفي الحديث: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الأحزاب: «إن جابرًا قد صنع لكم سؤرًا فَحَيّهلاً بكم». والمحراب هنا الغرفة لأنهم تسوّروا عليه فيها قاله يحيـى بن سلام. وقال أبو عبيدة: إنه صدر المجلس، ومنه محراب المسجد. وقد مضى القول فيه في غير موضع. {إِذْ دَخَلُوا عَلَىَ دَاوُودَ} جاءت «اِذْ» مرتين لأنهما فعلان. وزعم الفرّاء: أن إحداهما بمعنى لما. وقول آخر أن تكون الثانية مع ما بعدها تبيينًا لما قبلها. قيل: إنهما كانا إنسيين قاله النقاش. وقيل: ملَكَين قاله جماعة. وعينهما جماعة فقالوا: إنهما جبريل وميكائيل. وقيل: ملَكَين في صورة إنسيين بعثهما الله إليه في يوم عبادته. فمنعهما الحرس الدخول، فتسوّروا المحراب عليه، فما شعر وهو في الصلاة إلا وهما بين يديه جالسين وهو قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَاُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوّرُوا الْمِحْرَابَ } أي علوا ونزلوا عليه من فوق المحراب قاله سفيان الثوري وغيره. وسبب ذلك ما حكاه ابن عباس أن داود عليه السلام حدّث نفسه إن ابتلى أن يعتصم. فقيل له: إنك ستبتلي وتعلم اليوم الذي تبتلي فيه فخذ حِذرك. فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه، فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير، فجعل يَدرُج بين يديه. فهمّ أن يتناوله بيده، فاستدرج حتى وقع في كوّة المحراب، فدنا منه ليأخذه فطار، فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة تغتسل، فلما رأته غطت جسدها بشعرها. قال السدّي: فوقعت في قلبه. قال ابن عباس: وكان زوجها غازيًا في سبيل الله وهو أورِيا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا، فقدّمه فيهم فقتل، فلما انقضت عدّتها خطبها داود، واشترطت عليه إن ولدت غلامًا أن يكون الخليفة بعده، وكتبت عليه بذلك كتابًا، وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل، فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشَبّ، وتسوّر الملكان وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه. ذكره الماوردي وغيره. ولا يصح. قال ابن العربي: وهو أمثل ما روي في ذلك.
هل يقر القرآن بوقوع النبي داود في خطيئة الزنا أم لا؟
وللإجابة على هذا السؤال سوف نتناول الآيات الواردة في القرآن والتي ذكرت قصة داود بالبحث والتحليل ، والآيات موضوع الدراسة موجودة في سورة "ص" وبالتحديد من الآية 21 إلى الآية 26 حيث تقول الآيات :-
( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ {21} إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ {22} إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ {23} قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ {س} . {24} فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ {25} يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ {26} )
ولنرجع إلى المصادر الإسلامية في تفسير القرآن
أولا : تفسير الجلالين :- {وهل} معنى الاستفهام هنا التعجب والتشويق إلى استماع ما بعده {أتاك } يا محمد {نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} محراب داود أي مسجده حيث منعوا الدخول عليه من الباب لشغله بالعبادة أي خبرهم وقصتهم
{إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف} نحن {خصمان} قيل فريقان ليطابق ما قبله من ضمير الجمع وقيل اثنان والضمير بمعناها والخصم يطلق على الواحد وأكثر وهما ملكان جاءا في الصورة خصمين وقع لهما ما ذكر على سبيل الفرض لتنبيه داود عليه السلام على ما وقع منه وكان له تسع وتسعون امرأة وطلب امرأة شخص ليس له غيرها وتزوجها ودخل بها {بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط } تجر {واهدنا } أرشدنا {إلى سواء الصراط } وسط الطريق الصواب
{إن هذا أخي } أي على ديني {له تسع وتسعون نعجة } يعبر بها عن المرأة {ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها} أى اجعلني كافلها {وعزني } غلبني {في الخطاب } أي الجدال وأقره الآخر على ذلك
{قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك } ليضمها {إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء } الشركاء {ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم } ما لتأكيد القلة فقال الملكان صاعدين في صورتيهما إلى السماء قضى الرجل على نفسه فتنبه داود قال تعالى {وظن } أى أيقن {داود أنما فتناه } أوقعناه في فتنة أي بلية بمحبته تلك المرأة {فاستغفر ربه وخر راكعا } ساجدا {وأناب }
{فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى } أى زيادة خير في الدنيا {وحسن مآب } مرجع في الآخرة {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } تدبر أمر الناس {فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } أى هوى النفس {فيضلك عن سبيل الله } عن الدلائل الدالة على توحيده {إن الذين يضلون عن سبيل الله } عن الايمان بالله {لهم عذاب شديد بما نسوا } بنسيانهم {يوم الحساب } المرتب عليه تركهم الايمان ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا
نتيجة 1 : هذا تفسير الجلالين ذكر قصة اشتهاء داود لزوجة غيره
ثانيا : زبدة التفاسير :-
(وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) بعث الله إلى داود ملكين لينبهه على التوبة، أتوه من أعلى سوره، ونزلوا إليه في محرابه حيث يصلي. عن ابن عباس أن داود رأى امرأة أوريا تغتسل فأعجبته فقدم زوجها في الحرب حتى قتل فلما انقضت عدتها خطبها داود وتزوجها.فتسور عليه الملكان المحراب، وكان شأنهما ما قص الله في كتابه، وخر داود ساجدا فغفر الله له وتاب عليه. وبعض العلماء ينكر هذه القصة في حق امرأة أوريا، ويقول: لم يكونا ملكين، بل كانا بشرين اختصما في النعاج حقيقة.
(إذ دخلوا على داود ففزع منهم) دخلوا عليه بغير إذنه، ولم يدخلوا من الباب الذي يدخل منه الناس (ولا تشطط) أي لا تَجُرْ في حكمك (واهدنا إلى سواء الصراط) أرشدنا إلى الحق، واحملنا عليه، ثم قال أحدهما: (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة) النعجة الأنثى من الضأن، وقد يقال لبقر الوحش نعجة (ولي نعجة واحدة) والعرب تكنى عن المرأة بها، وتشبه النساء بالنعاج من البقر (فقال أكفلنيها) أي أعطني نعجتك حتى أضمها إلى نعاجي وتكون كفلي ونصيبي (وعزني في الخطاب) أي غلبني (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) حكم ببطلان ما سمعه من طلب صاحب النعاج التسع والتسعين أن يضم إليه النعجة الواحدة التي مع صاحبه ولم يكن معه غيرها. قال النحاس: ويقال: إن خطيئة داود هي قوله: ( لقد ظلمك) لأنه قال ذلك قبل أن يتثبت فربما كان صاحب النعجة الواحدة هو الظالم (وإن كثيرا من الخلطاء) وهم الشركاء في المال. (ليبغي بعضهم على بعض) يظلمه غير مراع لحقه (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فإنهم يتحامون ذلك، ولا يظلمون خليطا ولا غيره (وقليل ما هم) أي: وقليل هم (وظن داود أنما فتناه) أيقن أننا ابتليناه، علم عند ذلك أنه هو المراد، وأن مقصودهما التعريض به وبصاحبه الذي أراد أن يحتال عليه حتى يتزوج امرأته. وقيل: استغفر ربه من أنه حكم بين الخصمين في النعاج قبل أن يسمع بينة الخصم الآخر وكان الحق له (فاستغفر ربه) لذنبه (وخر راكعا) أي: ساجدا، وعبر بالركوع عن السجود (وأناب) أي: رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه، وذنب داود الذي استغفر له وتاب عنه، ما تقدم من أنه قدم زوج المرأة الواحدة في الحرب حتى قتل، فتزوجها هو، ونبهه الله على ذلك، وعرض له بإرسال ملائكته إليه حتى يستغفر لذنبه ويتوب منه، فاستغفر وتاب (فغفرنا له ذلك) أي ذلك الذنب الذي استغفر منه (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) الزلفى: القربة والكرامة بعد المغفرة لذنبه، وحسن المآب: حسن المرجع، وهو الجنة (يا داود إنا جعلناك خليفة) أي: وقلنا له: استخلفناك على الأرض، أو جعلناك خليفة لمن قبلك من الأنبياء، لتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر (فاحكم بين الناس بالحق) أي: بالعدل الذي هو حكم الله بين عباده (ولا تتبع الهوى) في الحكم بين العباد (فيضلك عن سبيل الله) هو طريق الحق، أو طريق الجنة (بما نسوا يوم الحساب) أي: بسبب تركهم العمل لذلك اليوم، ومنه القضاء بالعدل
نتيجة 2 : وهذه اقوال زبدة التفاسير ذكرت قصة داود واشتهائه للمرأة المتزوجة وقصة استحمامها في البحيرة ، إلى جانب أن داود قال ( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ) كقول آخر للعلماء . وواضح جدا أن قصة اشتهاء داود لزوجة المرأة هي الغالبة على التفسير . وسوف يتضح لنا أي تفسير هو الذي رجح عند العلماء عندما نستعرض بقية التفاسير.
ثالثا : مختصر الطبري :- {نبأ الخصم}: خبر الخصم. و"الخصم" في هذا الموضع: مَلَكَان {إذ تسوروا المحراب} دخلوا من غير باب و"المحراب": مقدم كل بيت ومجلس.
{ففزع منهم} لأنهما دخلا عليه ليلا، في غير وقتِ نَظَرِهِ بين الناس {قالوا لا تخف} لما رأياه قد ارتاع من دخولهما عليه من غير الباب {خصمان} بمعنى: نحن خصمان {بغى}: تَعَدَّى بغير حق {ولا تشطط} لا تَمِلْ ولا تَحِفْ {واهدنا}: احملنا على الحق وأرشدنا إليه
{إن هذا أخي} يعني: على ديني {له تسع وتسعون نعجة} مَثَلٌ ضربه الخصم المتسور على داود {فقال أكفلنيها} انزل لي عنها. وَخَلِّ سبيلها، لأضمها إليَّ {وعزني في الخطاب}: صار أعز مني في مخاطبته إياي.
{قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ... } إلى قوله: {وأناب} يقول داود: لقد ظلمك بسؤال نعجتك الواحدة إلى التسع والتسعين من نعاجه {وإن كثيرا من الخلطاء}: من الشركاء {ليبغي}: ليتعدى {وقليل ما هم} بمعنى: وقليل هم.
{وإن له عندنا لزلفى} لقُرْبَة منا يوم القيامة {وحسن مآب}: حسن منقلب.
{إنا جعلناك خليفة في الأرض} استخلفناك حَكَما بين أهلها، من بعد مَنْ كان قبلك من رسلنا {ولا تتبع الهوى} في قضائك بينهم {فيضلك عن سبيل الله}: فتجور عن الحق، الذي هو سبيل الله.
نتيجة 3 : تفسير الطبري أيضا رجح قصة اشتهاء داود لزوجة أوريا.
رابعا : تفسير المنتخب :-
وهل جاءك - يا محمد - خبر الخصوم الذين جاءوا داود من سور المحراب وهو محل العبادة، لا من بابه.
إذ دخلوا على داود فخاف منهم واضطرب. قالوا: لا تخف ، نحن متخاصمان، ظلم بعضنا بعضا، فاحكم بيننا بالعدل ولا تتجاوزه، وأرشدنا إلى الطريقة المثلى.
قال أحد الخصمين: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة، فقال: اجعلني كافلها كما أكفل ما تحت يدي: وغلبني في المخاطبة.
قال داود قبل أن يسمع كلام الخصم الآخر: لقد ظلمك بطلب ضم نعجتك إلى نعاجه، وإن كثيرًا من المتخالطين ليجوز بعضهم على بعض، إلا من استقر الإيمان في قلوبهم، وكان عمل الصالحات من دأبهم، وهم قلة نادرة، وعرف داود أن الأمر ما هو إلا امتحان منا له، فطلب من الله المغفرة، وانحنى راكعا لله، ورجع إليه خاشعًا.
فغفرنا له تعجله في الحكم، وإن له عندنا لقربى وحسن مرجع.
وأوحى الله إليه: يا دواد إنا صيرناك خليفة عنا في الأرض، فاحكم بين الناس بما شرعت لك، ولا تسر في الحكم وراء الهوى، فيحيد بك عن سبيل الله، إن الذين يحيدون عن سبيل الله باتباع أهوائهم لهم عذاب شديد بغفلتهم عن يوم الجزاء.
نتيجة 4: تفسير المتخب ذكر أن خطيئة داود كانت أنه لم يسمع كلام الشخص الآخر وتسرع في الحكم ، وأغفل تماما القول الآخر باشتهاء داود لزوجة أوريا.
خامسا : تفسير ابن كثير :- قد ذكر المفسرون ههنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله عز وجل فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضا وقوله تعالى "ففزع منهم" إنما كان ذلك لأنه كان في محرابه وهو أشرف مكان في داره وكان قد أمر أن لا يدخل عليه أحد ذلك اليوم فلم يشعر إلا بشخصين قد تسورا عليه المحراب أي احتاطا به يسألانه عن شأنهما وقوله عز وجل "وعزني في الخطاب" أي غلبني يقال عز يعز إذا قهر وغلب وقوله تعالى "وظن داود إنما فتناه" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما أي اختبرناه وقوله تعالى "وخر راكعا" أي ساجدا "وأناب" ويحتمل أنه ركع أولا ثم سجد بعد ذلك وقد ذكر أنه استمر ساجدا "أربعين صباحا" فغفرنا له ذلك أي ما كان منه مما يقال فيه إن حسنات الأبرار سيئات المقربين وقد اختلف الأئمة في سجدة ص هل هي من عزائم السجود ؟ على قولين الجديد من مذهب الشافعي رضي الله عنه أنها ليست من عزائم السجود بل هي سجدة شكر والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد حيث قال حدثنا إسماعيل هو ابن علية عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في السجدة في ص ليست من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها ورواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في تفسيره من حديث أيوب به وقال الترمذي حسن صحيح وقال النسائي أيضا عند تفسير هذه الآية أخبرني إبراهيم بن الحسن هو المقسمي حدثنا حجاج بن محمد عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال " سجدها داود عليه الصلاة والسلام توبة ونسجدها شكرا" تفرد بروايته النسائي ورجال إسناده كلهم ثقات وقد أخبرني شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا أبو إسحاق المدرجي أخبرنا زاهر بن أبي طاهر الثقفي حدثنا زاهر بن أبي طاهر الشحامي أخبرنا أبو سعيد الكنجدروذي أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن يزيد ابن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال: قال لي ابن جريج يا حسن حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى رأيت فيما يرى النائم كأنى أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فسجدت فسجدت الشجرة بسجودي فسمعتها تقول وهي ساجدة: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وأجعلها لي عندك دخرا وضع بها عني وزرا وأقبلها مني كما فبلتها من عبدك داود قال ابن عباس رضي الله عنهما فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قام فقرأ السجدة ثم سجد فسمعته يقول وهو ساجد كما حكى الرجل من كلام الشجرة رواه الترمذي عن قتيبة وابن ماجة عن أبي بكر بن خلاد كلاهما عن محمد بن يزيد بن خنيس نحوه وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال البخاري عند تفسيرها أيضا حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن العوام قال سألت مجاهدا عن سجدة ص فقال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما من أين سجدت فقال أو ما تقرأ "ومن ذريته داود وسليمان" "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" فكان داود عليه الصلاة والسلام ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به فسجدها داود عليه الصلاة والسلام فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حميد حدثنا بكر هو ابن عبد الله المزني أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه رأى رؤيا أنه يكتب ص فلما بلغ إلى الآية التي يسجد بها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجدا قال قفصها على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد بها بعد تفرد به أحمد وقال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر "ص" فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال صلى الله عليه وسلم "إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم "فنزل وسجد تفرد به أبو داود وإسناده عل شرط الصحيح.
نتيجة 5 : تفسير ابن كثير امتنع عن ذكر القصة لانها مأخوذة من الاسرائيليات ( أي من الكتاب المقدس ) . ورد علمها الى الله تعالى . لم يصدقها ولم يكذبها ( اعني قصة الاسرائيليات ) ، والتزم بالامر بعدم تصديق قصص أهل الكتاب وعدم تكذيبها كما يأمر الحديث ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا الْآيَة) صحيح البخاري. ولم يقدم ابن كثير أي تفسير لهذه الآية مطالبا المسلم بقراءتها كما هي دون فهم القصة التي تكمن خلفها .
سادسا : تفسير القرطبي :-
فيه أربع وعشرون مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَاُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوّرُوا الْمِحْرَابَ } «الْخَصْم» يقع على الواحد والاثنين والجماعة لأن أصله المصدر. قال الشاعر:
وَخَصْم غِضابٌ يَنْفُضُونَ لِحَاهُمُ كنفضِ البَرَاذينِ العِرابِ المَخَالِيَا
النحاس: ولا خلاف بين أهل التفسير أنه يراد به هاهنا مَلَكان. وقيل: «تَسَوّرُوا» وإن كان اثنين حملاً على الخصم، إذ كان بلفظ الجمع ومضارعًا له، مثل الركب والصحب. تقديره للاثنين ذوا خصم وللجماعة ذوو خصمٍ. ومعنى: «تَسَوّرُوا المِحْرَابَ» أتوه من أعلى سوره. يقال: تسوّر الحائط تسلّقه، والسور حائط المدينة وهو بغير همز، وكذلك السّوَرُ جمع سورةٍ مثل بُسْرَةٍ وبُسَرٍ وهي كل منزلة من البناء. ومنه سورة القرآن لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى. وقد مضى في مقدّمة الكتاب بيان هذا. وقول النابغة:
ألم تَرَ أنَ اللّهَ أعْطَاكَ سُورَةً تَرَى كُلّ مَلْكٍ دونها يتذبذب
يريد شرفًا ومنزلة. فأما السؤر بالهمز فهو بقية الطعام في الإناء. ابن العربي: والسؤر الوليمة بالفارسي. وفي الحديث: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الأحزاب: «إن جابرًا قد صنع لكم سؤرًا فَحَيّهلاً بكم». والمحراب هنا الغرفة لأنهم تسوّروا عليه فيها قاله يحيـى بن سلام. وقال أبو عبيدة: إنه صدر المجلس، ومنه محراب المسجد. وقد مضى القول فيه في غير موضع. {إِذْ دَخَلُوا عَلَىَ دَاوُودَ} جاءت «اِذْ» مرتين لأنهما فعلان. وزعم الفرّاء: أن إحداهما بمعنى لما. وقول آخر أن تكون الثانية مع ما بعدها تبيينًا لما قبلها. قيل: إنهما كانا إنسيين قاله النقاش. وقيل: ملَكَين قاله جماعة. وعينهما جماعة فقالوا: إنهما جبريل وميكائيل. وقيل: ملَكَين في صورة إنسيين بعثهما الله إليه في يوم عبادته. فمنعهما الحرس الدخول، فتسوّروا المحراب عليه، فما شعر وهو في الصلاة إلا وهما بين يديه جالسين وهو قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَاُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوّرُوا الْمِحْرَابَ } أي علوا ونزلوا عليه من فوق المحراب قاله سفيان الثوري وغيره. وسبب ذلك ما حكاه ابن عباس أن داود عليه السلام حدّث نفسه إن ابتلى أن يعتصم. فقيل له: إنك ستبتلي وتعلم اليوم الذي تبتلي فيه فخذ حِذرك. فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه، فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير، فجعل يَدرُج بين يديه. فهمّ أن يتناوله بيده، فاستدرج حتى وقع في كوّة المحراب، فدنا منه ليأخذه فطار، فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة تغتسل، فلما رأته غطت جسدها بشعرها. قال السدّي: فوقعت في قلبه. قال ابن عباس: وكان زوجها غازيًا في سبيل الله وهو أورِيا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا، فقدّمه فيهم فقتل، فلما انقضت عدّتها خطبها داود، واشترطت عليه إن ولدت غلامًا أن يكون الخليفة بعده، وكتبت عليه بذلك كتابًا، وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل، فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشَبّ، وتسوّر الملكان وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه. ذكره الماوردي وغيره. ولا يصح. قال ابن العربي: وهو أمثل ما روي في ذلك.