=========================
استمعت امس محكمة جنايات بورسعيد المنعقدة بأكاديمية الشرطة لمرافعة النيابة فى قضية أحداث استاد بورسعيد التى وقعت عقب مباراة كرة القدم بين ناديى الأهلى والمصرى البورسعيدى والمتهم فيها 75 متهمًا بينهم 9 من رجال الشرطة و3 من مسئولى النادى حيث طالبت النيابة بتوقيع اقصى عقوبة على المتهمين وهى الاعدام جزاء ما اقترفته أيديهم من سفك دماء المجنى عليهم.
عقدت الجلسة برئاسة المستشار صبحى عبد المجيد وعضوية المستشارين طارق جاد المولى ومحمد عبد الكريم وبحضور المستشار محمود الحفناوى بالمكتب الفنى للنائب العام بأمانة سر أحمد عبد الهادى.
قال ممثل النيابة المستشار محمود الحفناوى:
===========================
الحمد لله الذى جاء بنا إلى ساحة القضاء العادل لتسمعوا شكوى المظلومين وهم يناشدونكم أن تقتصوا ممن ظلمهم وأن ترسلوا بهم إلى منصة الإعدام وغيابات السجون بحكم الله ثم بحكم القانون وأنتم هادئون مطمئنون شاكرون لفضل الله الذى هداكم إلى هذا فنصرتم الحق وارتاحت ضمائركم بعد أن سمعتم صرخات المجنى عليهم من الأنفس غير السوية التى زين لها الشيطان جريمتها التى فعلتها. وقسم الدعوى إلى أطراف الطرف الأول منها هو "المجنى عليهم" والذين بدأت نهايتهم حينما انضموا إلى رابطة "ألتراس أهلاوى" لتشجيع ومؤازرة النادى الأهلى وساروا وراءه فى كل المحافظات والبلدان لمشاركته الأفراح والأحزان تاركين وراءهم أسرهم وأعمالهم وذويهم فمنهم الطفل ومنهم من هو فى ريعان شبابه.
أما الطرف الثانى فهو المتهمون وهم على شاكلتين إحداهما ارتكبت جريمتها بيدها التى تلطخت بدماء الشهداء والأخرى ساعدتها على ارتكابها بالأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة لها فلقد كان الفريق الأول منضمًّا إلى الروابط المشجعة للنادى المصرى البورسعيدى ودأب أفراده على التجاوز فى تشجيعهم أمام لاعبى ومشجعى النادى الآخر باستخدامهم الهتافات والشعارات واللافتات المسيئة لهم بل وصل تشجيعهم فى أحيان عدة إلى التعدى والإيذاء.
وأكد ممثل النيابة أن المتهمين اتخذوا أبشع أنواع الإيذاء مع المجنى عليهم بل إنهم اتخذوا من الروابط ستارًا لتنفيذ غرضهم الإجرامى فى الانتشار لإراقة الدماء والتلويح بالقوة وإزهاق الأرواح وكأنهم فى معركة حربية مع الأعداء فى حين أنهم مشتركون معهم فى العرق والأصل واللغة وفى ضيافتهم إلا أنهم ضربوا بذلك عرض الحائط وأعدوا لغرضهم الأدوات اللازمة للفتك بهم وانتظروهم فى طريق قدومهم وخارج وداخل الاستاد للانقضاض عليهم حتى سنحت لهم الفرصة بعد نهاية المباراة فقاموا بقتل أكثر من سبعين من المجنى عليهم وإصابة المئات منهم ولم يتركوهم بل قاموا بسرقتهم وترويعهم انتقامًا منهم ولفرض سيطرتهم وبسط نفوذهم على مشجعى الأندية الأخرى.
وأشارت النيابة إلى أنه من العار على المتهمين الادعاء أنهم أحفاد الرجال الذين دافعوا عن أرض مصر وذادوا عنها ضد الغزاة على مر العصور قائلاً لهم: أين أنتم من هؤلاء البواسل الذين كانوا يحافظون على الأرواح والأموال وأين أنتم من شعب بورسعيد الباسل الأبىّ الذى تنتمون إليه والذى قدمكم هو بيده إلى هذه المحاكمة متبرئًا من جريمتكم التى اهتز لها عرش الرحمن بل إنه ينتظر الحكم فيها مثلما ننتظر جميعًا ليعلن للجميع أنكم لا تمثلون ذلك الشعب الذى طالما ضحى بأرواحه وأرواح أبنائه فداءً لأرض مصر ورفعة شعبها؟ فنحن لا نحاكم شعب بورسعيد على نحو ما زعم البعض وإنما نحن وشعب بورسعيد نحاكم الطغاة الذين استحلوا دماء الأبرياء مزهقين أرواحهم.
وذكر المستشار الحفناوى أن ضباط الشرطة المتهمين لم يقوموا بواجبات وظيفتهم ولم يحفظوا الأمن والأمان بل اشتركوا مع المتهمين فى تنفيذ مخططهم الإجرامى بمساعدتهم على ارتكابها دون عائق وعلى أكمل وجه وبدلاً من حماية المجنى عليهم وتوفير الأمن والأمان لهم احتجزوهم لتركهم بين براثن المتهمين للقضاء عليهم، وذلك للانتقام منهم لسبق تعديهم على رجال الشرطة وسب قادتها فى مباراة سابقة، وهى مباراة النادى الأهلى وكيما أسوان، والتى شاهدنا أحداثها بالأسطوانات المدمجة فى القاعة، كما تعدوا عليهم بالسب أيضًا قبل بداية المباراة، فأقسموا على الانتقام الذى يلقنون به المجنى عليهم درسًا لن ينسوه.
وأضاف المستشار الحفناوى أن ضباط الشرطة المتهمين وافقوا على إقامة المباراة رغم الظروف التى أحاطتها والمعلومات التى أكدت عزم المتهمين على قتل المجنى عليهم، إلا أنهم انتهزوا فرصة الأحداث التى تمر بها البلاد، واستتروا وراء مسلسل الانفلات الأمنى الهابط، وتذرعوا بالظروف القهرية، وارتكبوا جريمتهم غير عابئين بما أقسموا عليه، تاركين رسالة للجميع واضحة المعانى بأن هذا هو مصير من تسول له نفسه التعدى على ضباط الشرطة، بل وعلى أى فرد من أفرادها، فى حين أن غيرهم من أقرانهم الذين ينتمون إلى جهة عملهم يربأون بأنفسهم عن تلك الصغائر ويؤدون أعمال وظيفتهم على أكمل وجه دون أحقاد أو ضغائن، ويؤثرون الآخرين على أنفسهم مهما أساؤوا لهم، بل ويقدمون أرواحهم فداءً لهم وفداءً لوطنهم، ويكفى أن يعلم الجميع أنه قد استشهد منهم فى الأشهر الستة الأخيرة سبعة وثلاثون من خيرة أبناء الوطن.
وطالب ممثل النيابة بمعاقبة المتهمين بأقصى عقوبة لكونهم قد أساؤوا لمهنتهم وبلدهم ومجتمعهم ودينهم، كما أشار ممثل النيابة إلى أن المتهمين روَّعوا الآمنين وبثوا الرعب فى نفوسهم وسعوا فى الأرض فسادًا ظانِّين أنهم بمنأى عن العيون، كل العيون، ونسوا من يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
ووصف المستشار الحفناوى الجريمة بأنها فجة.. أدمت قلوب المصريين جميعًا، وعمت بها مشاعر الحزن والأسى ربوع البلاد، والتى بسببها باتت الأحزان سمة لا تنفصل عن واقعنا بوقائعها المريرة؛ لأنها جريمة يتابعها العالم بأسره لِما كشفت عنه من بشاعة وفداحة فى الجرم الذى ارتكبه المتهمون بقلوب مَلأهَا الحقد والعنف والكراهية، وكانت مثالاً للظلم والطغيان والخسة والعدوان، ما انهارت معه جميع القيم الأخلاقية التى هى عماد المنافسات الرياضية؛ لأنه فى الأول من شهر فبراير عام 2012 أبَى الشيطان أن يكون الأمن والأمان هما السائدين فى مصر، فجند بعضًا من جنوده، وهم المتهمون، ليجعلوا الفزع والهلع هما المخيمين عليها.
فبداية المأساة حينما تحدد موعد إقامة مباراة كرة القدم بين فريقى النادى المصرى والنادى الأهلى فى الدورى العام، ووافق مدير أمن بورسعيد والقيادات الأمنية من المتهمين على إقامتها - رغم الظروف التى أحاطت بها، وعلمهم اليقينى بالخطورة الداهمة التى تسيطر على أجواء هذه المباراة - التى قام على أثرها مشجعو الفريقين من الألتراس بالتراشق بالألفاظ والعبارات النابية عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وقام مشجعو رابطة "ألتراس المصرى" بتهديدهم بالقتل انتقامًا منهم لوجود خلافات سابقة بينهما، وللقضاء على ظاهرة "ألتراس أهلاوى".
وتجمع حزب الشيطان من قادة تلك الروابط واتفقوا جميعًا على قتل المجنى عليهم وسرقة ملابسهم ومتعلقاتهم والأدوات التى يستخدمونها فى التشجيع، أيًّا كانت النتائج، وأعدوا عدتهم بحشد أعداد غفيرة منهم، والاتفاق معهم على ذلك المخطط، مستعينين بالمسجلين الخطرين على الأمن العام ومن لهم خبرة فى مجال الإجرام، ثم قاموا بشراء كميات كبيرة من الأسلحة البيضاء والألعاب النارية لاستخدامها فى تحقيق غرضهم المنشود.
واستكملت النيابة: إنه فى يوم المباراة توجه المجنى عليهم إلى محافظة بورسعيد، ولم يخطر ببالهم للحظة واحدة أن تلك المباراة سوف تكون آخر مباراة يحضرونها، ولم يخطر ببالهم أيضًا أنهم سوف يقفون أمام إعصار من الحقد والعنف والكراهية، كما أنه لم يخطر ببالهم أن استاد بورسعيد سوف يشهد مثواهم الأخير، وأن الأنشودة التى تغنت بها روابط الألتراس البورسعيدى على مواقع التواصل الاجتماعى سوف يتم تنفيذها، والتى جاء نصها: (يا اللى رايح بورسعيد اكتب لامك وصية علشان هاتموت أكيد وما لكش دية). فلقد بدأوا رحلتهم من محافظة القاهرة إلى محافظة بورسعيد بالهتاف مستبشرين بالنصر لفريقهم، ثم ذاقوا الأمرين بدءًا من رشقهم بالطوب والحجارة على طول طريقهم، ثم إنزالهم قبل محطة بورسعيد بأربعين كيلو مترًا لتغيير خط سيرهم لعلم المتهمين من قيادات الشرطة - علمًا يقينيًّا - بما أضمر لهم من عدوان وتربص فى مواقع عدة للقضاء عليهم، ثم اسقلالهم مركبات إلى داخل استاد بورسعيد ورشقهم بالطوب والحجارة، وأخيرًا دلوفهم إلى المدرج الشرقى المخصص لهم، ظانِّين أن ذلك المدرج هو ملجأهم من تلك الصعاب، ولم يكن فى علمهم أنه هو الشرَك المعد لإزهاق أرواحهم بداخله، ومن ناحية أخرى كان باقى المتهمين يقومون بمساعدة منفذى الجريمة على تنفيذ مأربهم بعد علمهم اليقينى بعزمهم على ارتكابها، وذلك بالسماح لهم بالدلوف إلى الاستاد دون تفتيش لإدخال ما بحوزتهم من ألعاب نارية وأسلحة بيضاء بجميع أنواعها، كما أنهم مكنوا المتهمين من المسجلين الخطرين على الأمن العام من الدلوف إلى مضمار الملعب والمدرجات المخصصة لمشجعى النادى المصرى بحجة تأمين المباراة كلجانٍ شعبية.
ووجهت النيابة الاتهام إلى المدير التنفيذى للنادى المصرى محسن شتا وهو المتهم الواحد والسبعون، بأنه تعمد – فى سابقة هى الأولى من نوعها فى مباريات الناديين - إدخال المتهمين بالمدرج الملاصق لمدرج المجنى عليهم حتى يسهل الانقضاض عليهم بعد نهاية المباراة، فلقد سمح بإدخال رابطة السوبر جرين بالمدرج البحرى القريب من المدرج الشرقى المتواجد به المجنى عليهم، معتمدًا على أنه صاحب القول الفصل والمرجعية فى هذا الشأن، لكونه الأب الروحى للنادى المصرى والمدير التنفيذى له، فضلاً على أن له سطوة بين هذه الأوساط، كما أنه فتح بوابات دخول جماهير النادى المصرى بالاستاد على مصاريعها لتزداد أعدادهم بغض النظر عن سعته الرسمية التى لا تسمح بذلك العدد الكبير الذى زاد بستة آلاف شخص من العناصر الإجرامية التى كانت قابعة بالمدرجات تنتظر اللحظة المناسبة لبث سمومها وإظهار نزعاتها الإجرامية، وإمعانًا فى الغدر استعان مشرف أمن النادى المصرى محمد صالح، الشهير بالبرنس، وهو المتهم الثانى والسبعون، بالمزيد والمزيد من العناصر الإجرامية وسمح لها بالدلوف إلى مضمار الملعب لارتكاب جريمتها، وعلل تواجد هؤلاء بأنهم أصحاب سطوة على الجمهور، متذرعًا بالضعف الأمنى وعدم القدرة على منعهم من التعدى خشية بطشهم، وما إن بدأ المجنى عليهم فى التشجيع حتى قام المتهمون من مشجعى ألتراس المصرى بإثارتهم واستفزازهم بعبارات وألفاظ وهتافات عدائية تهديدًا ووعيدًا لهم، معلنين رغبتهم فى قتلهم، رافعين لافتة مدونًا عليها باللغة الإنجليزية: "موتكم هنا".
ثم قاموا بإطلاق الألعاب النارية صوبهم وصوب لاعبى النادى الأهلى أثناء قيامهم بالإحماء، وذلك لممارسة البلطجة والترويع وإدخال الرعب فى نفوسهم، وفى أثناء المباراة نزل بعض المتهمين إلى أرض الملعب، فى إشارة واضحة منهم إلى نيتهم الإيذاء، ولم يتخذ المتهمون من رجال الشرطة أى إجراءات رادعة ضدهم، بل كان رجالهم يربتون على أكتافهم مكتفين بإرجاعهم إلى مدرجاتهم، وذلك بتعليمات صريحة من مدير الأمن ودون اعتراض من الآخرين، وما قصد من ذلك سيدى الرئيس سوى إدخال الأمان والطمأنينة إلى نفوسهم حتى يقدموا على جريمتهم بكل جرأة وعدم اكتراث، وبين شوطى المباراة قام المتهمون بإطلاق المزيد والمزيد من الألعاب النارية والطوب والحجارة صوب المجنى عليهم، ولم تتخذ معهم أى إجراءات رادعة أو تدابير للحيلولة بينهم وبين ذلك، ما دعاهم إلى النزول بأعداد كبيرة إلى مضمار الملعب حاملين فى أيديهم أسلحة بيضاء وألعابًا نارية، متجهين بها إلى المجنى عليهم لإيذائهم على نحو ما شاهدناه جميعًا، وبدأ الشوط الثانى، وأثناءه ظلوا منتظرين بمدرجاتهم مترقبين نهاية المباراة أيًّا كانت نتيجتها، لتنفيذ مأربهم الحقير، واستعدوا لتنفيذ جريمتهم فارتدى البعض منهم الزى المميز لرابطتهم والمميز لأفعالهم والمكتوب عليه من الأمام عبارة "عقلية حربية" ومن الخلف "أحفاد 56"، فهذه العبارات ظنوا واهمين أنها شعار رابطتهم التى انضموا إليها، فى حين أن شعارهم الحقيقى هو الحرب والعدوان، ودستورهم هو السرقة وإزهاق الأرواح، ذلك الدستور الذى تقطر مبادئه دمًا، ويستحل الروح إزهاقًا، دستور لا يعرف شيئًا عن معانى الإنسانية، بعيد كل البعد عن الروح الرياضية، فمن العار عليهم سيدى الرئيس أن يظنوا أنهم من أحفاد 56، لأن أجدادهم البواسل قد استخدموا العقلية الحربية فى أمن مصر وسلامة أراضيها، وليس فى إزهاق الأرواح وسلب الأموال.
وقد حرصت النيابة العامة على تقديم ذلك الزى كحرز من أحراز القضية ليكون خير دليل على دموية أفكارهم وفساد معتقداتهم وانحراف سلوكهم، وما إن أطلق الحكم صافرة النهاية حتى اندفعوا جميعًا إلى أرض الملعب عبر البوابات الفاصلة محطمين إياها، متجهين إلى مدرجات المجنى عليهم وبحوزتهم الأسلحة البيضاء والأدوات التى أعدوها للفتك بهم، وكانوا يتسابقون فيما بينهم عدوًا للوصول سريعًا إلى المجنى عليهم، وكأنهم ذئاب بشرية يسيل اللعاب بين أشداقها تعطشًا لافتراس ضحيتها، تلك الضحية التى كانت تفر خوفًا ورعبًا وهلعًا وكأنها شاهدت ملك الموت متجسدًا فيهم، ثم صعدوا إلى مدرجاتهم بعد أن أفسح لهم المتهمون من رجال الشرطة الطريق عمدًا حتى يصبح الضحايا لقمة سائغة لهم، وما إن أصبحوا فى متناول أيديهم حتى قاموا بضربهم وطعنهم بكل حقد وكراهية، مُطْبِقين عليهم بالأسلحة الفتاكة بلا هوادة أو رحمة، وكأنهم متعطشون إلى دمائهم التى طالما اشتاقوا إليها، فأحدثوا إصابة المئات منهم، أما الباقون فلقد حاولوا الفرار للنجاة بأرواحهم، فمنهم من هرع إلى أعلى المدرجات فى سبيل الوصول إلى أى مخرج للنجاة، إلا أن المتهمين جماعات كانوا يتعقبونهم فرادى، ويقومون بحملهم وإلقائهم من أعلى المدرج إلى خارجه بلا رحمة، ومن ارتفاع كبير، ما نتج عنه ارتطامهم بالأرض وتهشم عظامهم ومفارقتهم الحياة، ومن المجنى عليهم الطفل الذى لا يقوى على الفرار لضعفه، فكان يستعطفهم ليرحموه ويبكى لهم ويقبل أيديهم ليتركوه، إلا أن قلوبهم كانت قد قست، نعم قد قست، فلقد قتلوهم بدم بارد، وسرقوا أموالهم بكل خسة ودناءة، ولم يرحموا ضعف قوتهم، وصغر سنهم، وقلة حيلتهم، فهان أمرهم عليهم، فليكن الآن أمرهم عليكم أهون.
ومن المجنى عليهم سيدى الرئيس من هرع إلى الممر المؤدى إلى بوابة الخروج ظانًّا أنها مفتوحة كما كانت منذ بداية المباراة، ولم يكن فى مخيلته مطلقًا أنها تم إغلاقها وبأيدى رجال الشرطة، فلحق بهم المتهمون مطاردين، ولروحهم باغين، لعلمهم مسبقًا بغلق الأبواب، ولعلمهم بوجود فريق آخر منهم يحاصرهم من الجهة المقابلة لها، مزودين بالأسلحة والأدوات الكافية لقتل المجنى عليهم، وبذلك لم يتركوا لهم أى سبيل للنجاة، فلقد قاموا بمحاصرتهم من خارج البوابة ومن داخلها، حال تواجدهم فى مساحة صغيرة لا تتناسب مع أعدادهم، وقاموا بضربهم من الداخل والخارج بكل ما أوتوا من قوة، ولم يكتفوا بذلك، بل أمطروهم بوابل من الشماريخ الملتهبة والحارقة بطريقة منظمة ومتوالية، حتى يختنقوا من أدخنتها، مستغلين تدافعهم وكثرة عددهم فى تلك المساحة، فكان الجحيم بعينه، الجحيم الذى سوف يذيقهم الله إياه يوم تقوم الساعة، وليتأكدوا سيدى الرئيس من تنفيذ مأربهم أطبقوا عليهم داخل الممر بالأسلحة والأدوات التى كانت بحوزتهم، فأزهقوا أرواح أكثر من سبعين شهيدًا، وأصابوا المئات من المجنى عليهم، تلك الأعداد سيدى الرئيس التى قد تفوق أعداد القتلى فى بعض المعارك الحربية، فهذا يدل على عدم تكافؤ المعركة، وعلى بشاعة المتهمين وقسوتهم، لأنهم لم تردعهم توسلات المجنى عليهم وبكاؤهم ونحيبهم، بل أمعنوا فى غيهم بكل قسوة وجبروت، فما كان من المجنى عليهم فى تلك اللحظة إلا أن توسلوا لرجال الشرطة المتواجدين خارج البوابة لمساعدتهم، إلا أنهم امتنعوا عمدًا عن نجدتهم مع قدرتهم على ذلك، ما نتج عنه ازدياد التدافع لكثرة الأعداد المتواجدة بالممر، ذلك المشهد الذى حمل شابًّا فى مقتبل عمره، وهو الشهيد يوسف حمادة الذى كان متواجدًا خارج البوابة، على الاندفاع نحوهم بكل طاقته تلبية لنداء المجنى عليهم المتواجدين داخلها، غير عابئ بالخطورة الداهمة التى تحيط به، وكأنه يستحضر قول الشاعر: "إذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانًا"، ولسان حاله يقول لرفاقه: حياتى ليست أغلى من حياتكم، ولسوف أضحى بها فداءً لنجدتكم. فلقد ظن البطل بسمو خلقه هذا أنه بإمكانه إنقاذ المجنى عليهم من ذلك الجحيم بتحطيمه البوابة الحديدية بكلتا يديه، فحاول تحطيمها بالفعل بكل ما أوتى من قوة، إلى أن بزغ قبس من رحمة الله، فإذا بالبوابة الحديدية تغادر الحائط من قراره وتسقط عليه، ومن فوقها رفاقه ليكتب الله لهم النجاة من الموت المحقق ويكافِئَه بالشهادة، وكأنه سبحانه وتعالى يقول لنا: سوف أسترد وديعتى التى ضحت بروحها ودمها فى سبيل إنقاذ أرواح ودماء الأبرياء، فأنتم لا تستحقون أن يعيش بينكم مثله. وترك لنا أمثال الدنف والماندو والشيطان وحسيبة والمُوءة والحرامى ومن هم على شاكلتهم، رحمك الله يا يوسف، ورحم رفاقك من الشهداء، وأسكنكم فسيح جناته، ووهب لكم جنة الخلد وأعلى درجات الشهداء والقديسين.
وأضاف ممثل النيابة فى مرافعته: سيدى الرئيس.. عودة بنا إلى مسرح الجريمة، فبعد أن سقطت البوابة الحديدية وانفرج باب الرحمة الوحيد للخلاص من زبانية جهنم هرع الكثير من المجنى عليهم إلى أرض الملعب لإسعافه، أما الباقون منهم فلقد كتب الله لهم الشهادة، ولم يكتف المتهمون بما أزهقوا من أرواح واعتداءات، سيدى الرئيس، بل قاموا بإتلاف وتخريب أى شىء يرونه داخل الاستاد، إما لاستخدامه فى التعدى، وإما إمعانًا فى الأذى، واستمروا فى غيهم غير عابئين بالجرم الذى اقترفوه، ومدى مخالفته لشرع الله والقانون، وقاموا بسرقة المجنى عليهم بالإكراه، وتحت تهديد السلاح؛ للاستيلاء على ملابسهم ومتعلقاتهم وأموالهم، ثم أعلنوا عن انتصارهم فى تلك المعركة متباهين بإزهاق الأرواح وسلب الأموال، وعقب ذلك انسحبوا جميعًا من المدرج بطريقة منظمة ومتفق عليها معتمدين على قطع التيار الكهربائى عن الاستاد بمعرفة المتهم الأخير، فاستطاعوا الفرار بفعلتهم من وجه العدالة، ولكن الله كان لهم بالمرصاد، وتم ضبطهم لينالوا جزاء ما اقترفت أيديهم فى الدنيا والآخرة؛ مصداقًا لقوله تعالى: "ومَن يقتلْ مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا". وقوله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أن يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أو يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
وبعد إعلان الفريق الأول من المتهمين انتصاره فى هذه المعركة أعلن الفريق الثانى انتصاره هو الآخر لنجاحه فى تمكينهم من تنفيذ جريمتهم دون عائق، وعلى أكمل وجه، بسماحهم لهم بالدلوف إلى الاستاد وبحوزتهم الأدوات والأسلحة اللازمة لقتل المجنى عليهم، دون تفتيش، بعد أن اتخذوا قرارًا جماعيًّا بتعمد عدم ضبطها، كما أنهم سمحوا بوضع العديد منها بالغرفة المخصصة لمشجعى ألتراس المصرى أسفل المدرج الغربى، وذلك قبل المباراة، لاستخدامها فى الواقعة، كما أنهم تعمدوا عدم توفير الحماية للمجنى عليهم بالمدرجات أثناء هجوم المتهمين عليهم رغم علمهم بذلك، كما أنهم تعمدوا إفساح الطريق للمتهمين من جماهير المصرى لصعودهم للمدرجات المخصصة للمجنى عليهم بل وتركوهم يفعلون بهم ما يشاؤون، ولم يكتفوا بذلك بل قام المتهم العقيد محمد محمد محمد سعد بإغلاق باب الخروج من ذلك المدرج قبل نهاية المباراة، وهو باب الرحمة الوحيد أمام المجنى عليهم من ذلك الطوفان الجامح، حتى يتمكن المتهمون منهم بعد أن قام مدير الأمن بإصدار قرار قبل المباراة بإغلاق باقى الأبواب الخاصة بالخروج من المدرج الشرقى؛ حتى لا يستطيع المجنى عليهم النجاة بأرواحهم.
كما قام الباقون منهم بتعمد ترك محل خدمتهم بالمدرج لأسباب واهية، تسهيلاً للكارثة المقبلة لا محالة، ما مكن المتهمين من محاصرتهم من كل جانب وارتكاب جريمتهم. كما أعلن المتهم الأخير توفيق ملكان طه صبيحة انتصاره هو الآخر فى تلك المعركة بتمكينه المتهمين من ارتكاب جريمتهم بتعمده قطع التيار الكهربائى عن الاستاد فى ذروة الأحداث، مع علمه اليقينى بوقوعها مخالفًا بذلك تعليمات رئيسه فى العمل محمد يونس سعد، ليمكن المتهمين من الإجهاز على المجنى عليهم والفرار دون تعقبهم أو رؤيتهم، فلقد حملوا عِصِيًّا مضيئة ليستطيعوا من خلالها رؤية المجنى عليهم وتمييزهم للقضاء عليهم، معتمدين على كثرة عددهم وقوتهم وما لديهم من أسلحة فتاكة سقوا بها المجنى عليهم من كأس المُرِّ موتًا، فحق عليهم أن يُسقوا من الكأس نفسها، ليكون الجزاء من جنس العمل، وهاهم المتهمون ماثلون أمامكم، مدحورين منكسى الرأس، وذلك بعد أن تخلى عنهم الشيطان.
تلك النهاية المأساوية هى خاتمة وقائعنا المتلاحقة التى إن نمت عن شىء فهى تنم عن الخطورة الإجرامية التى تأصلت فى نفوس المتهمين الذين قتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق، فلقد تسلحوا بالغدر الذميم وجعلوا من الحقد والكراهية دستورًا لحياتهم، واستخدموا الأسلحة الفتاكة والمفرقعات لتنفيذ غرضهم الدنىء فى الانتشاء بإراقة الدماء.
والنيابة العامة إذ تشرح بإيجاز ما اقترفه المتهمون من إثم فإنها بذلك تجانب العسف والتجنى وتدلى بما أسفرت عنه التحقيقات العميقة المتأنية.
وأضافت النيابة: "احكموا بالحكم الذى يطفئ لهيب النار المستعرة فى نفوس كلِّ أب وأم فقدوا فلذات أكبادهم وقرة أعينهم، فإزهاق أرواح أطفالهم وشبابهم وظروف حالهم تستصرخكم القصاص العادل عَلَّ ذلك يرأب الصدع الذى أصاب كيانهم ومزق أوصالهم، ويكون فيه العوض لهم عن حرمانهم من النظر فى أعين أبنائهم ولو للحظة واحدة، إلا أن تلك اللحظة لا يضاهيها عوض؛ لأننا إن وضعنا أنفسنا فى ظروفهم ذاتها لذقنا مرارة اللوعة والأسى والحسرة التى ذاقوها والتى لا يستطيع أىٌّ منا تحملها، ولكنهم تحملوها ليصلوا بنا إلى هذه اللحظة التى نحن فيها الآن، وهى لحظة القصاص والفرقان"