باسم الشعب
محكمة العجوزة
الجزئية بالجلسة العلنية المنعقدة بسراي المحكمة في يوم الخميس الموافق 26-4-2012
برئاسة السيد الأستاذ/ أحمد سميح الريحاني. "رئيس المحكمة"
وبحضور السيد الأستاذ/ محمد السويفي. "وكيل النيابة"
وبحضور السيد الأستاذ/ محمد عبد القادر. "أمين السر"
أصدرت الحكم في القضية رقم 529 لسنة 2012 جنح جزئي العجوزة
مدعي بالحق المدني فيها / عسران منصور محمد ……. بمبلغ واحد وخمسون جنيها على سبيل التعويض المدني المؤقت
ضـــــــــــد
عادل محمد إمام محمد
محمد نادر أحمد جلال
لينين فتحي عبد الله فكري الرملي
شريف سعيد حسن عرفه
وحيد حامد علي
محمد محمود فاضل
بعد سماع المرافعة الشفوية ومطالعة الأوراق//
حيث إن وقائع الدعوى تخلص فيما سلف أن ألم به قضاء محكمة العامرية الجزئية المؤرخ 13/10/2011 والذي نوجز منه القول بالقدر الكافي لحمل قضاء هذه المحكمة في أن المدعي بالحق المدني قد أقام هذه الدعوى بطريق الادعاء المباشر بموجب صحيفة أودعها قلم كتاب تلك المحكمة ، أعلن بها المدعي عليهم والسيد وكيل النيابة المختص ، طالباً في ختامها الحكم على المدعي عليهم بالعقوبة المقررة بالمادة 98 (و) من قانون العقوبات ، فضلاً عن إلزامهم بأداء مبلغ “واحد وخمسون جنيهاً”على سبيل التعويض المدني المؤقت ، فضلاًَ عن المصاريف ، والأتعاب ، والنفاذ ؛
وذلك على سندٍ من القول من أن المتهمين تعدَّوا على الإسلام والمسلمين باستغلالهم الدين في أعمالهم للترويج لأفكارٍٍ متطرفةٍ؛ بقصد إثارة الفتنة وتحقير وازدراء الدين الإسلامي عموماً ، والجماعات الإسلامية خصوصاً ؛ مما يضر بالوَحدة الوطنية ، على النحو المبين بصحيفة الدعوى ، والآتي بيانه تفصيلاً عند التطرق لبحث الركن المادي للجريمة ؛ الأمر الذي حدا به لإقامة دعواه؛ للقضاء له بطلباته سالفة البيان .
وحيث إن الدعوى قد تُدُوَّلتْ بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها أمام تلك المحكمة ؛ فقد مَثُلَ المدعي بالحق المدني وصمَّ على طلباته وقدم حافظة مستندات أطلعَتْ عليها المحكمة وألمتْ بها .
ومَثُل وكيلاً عن المتهم الخامس ، ودفع بعدم قبول الدعوى ؛ لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون ، وبعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى ؛فقررت حجزها للحكم .
وبجلسة 13/10/2011 قضت المحكمة بعدَم اختصاصها محلياً بنظر الدعوى ، وبإحالتها لهذه المحكمة ؛ ونفاذًا لذلك القضاء ، فقد تُدُوَّلتْ بالجلسات أمام هذه المحكمة على النحو المبين محاضرها ، فلم يَمثُل المدعي المدني ، ومَثُل المدعَي عليهم جميعاً كلٌ بوكيله ، وقدم وكيلا المتهم الأول مذكرتين بدفاعهما وحافظتي مستندات أُطلِتْ عليها المحكمة ، ودفعَا بعدم قَبول الدعويين لرفعهما من غير ذي صفةٍ ، ولانتفاء الضرر الشخصي المباشر كما دفعَا بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم وبانتفاء المسئولية للمتهم الأول ، والحاضر عن المتهم الثانيٍ صحح أسم موكله، والحاضر عن المتهم الرابع صحح أسم موكله ، والحاضر عن المتهم السادس صحح أسم موكله ، وأنضم وكلاُ المهتمين جميعاً لوكيلَي المتهم الأول في دفاعهما ؛ وطلبوا معاً الفصل في الدعوى بحالتها . فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة اليوم.
والمحكمة إذ تشير إلى أن المدعي بالحق المدني ليس له الحق في مباشرة الدعوى الجنائية أو التنازل عنها ؛ إذ إن النيابة العامة هي المنوط لها بمباشرة الدعوى الجنائية وحدها ؛ فهي التي لها إثبات الاتهام ، ولها أن تُخوَّل الرأي للمحكمة إذا هي رأت أدلة الثبوت غير كافية فالمستقَرٌ عليه قضاءً وفقها أن المدعي المدني لا عَلاقة له بالدعوى الجنائية ، وليس له استعمال ما تُخوَّلُه من حقوق (نقض19 فبراير 1968 ، مجموعة أحكام النقض س19 ، ص223 ، رقم40) كما أن القاعدة هي عدم تقيد المحكمة الجنائية بطلبات المدعي المدني رافع الدعوى المباشرة وهي بصدد إنزال حكم قانون العقوبات على واقعة الدعوى .(نقض 8 إبر يل 1968 ، مجموعة أحكام النقض س19 ، ص402 ، رقم 76 ).
وإن المقصود من ذلك مما تقدم أن المحكمة مقيدة بالتهمة الواردة بورقة التكليف بالحضور ، إلا أنها ليست مقيدة بالوصف الوارد بها وعليها أن تعطي الجريمة الوصف القانوني الصحيح فهي مقيدة فقط بالوقائع ، أما تكييف تلك الوقائع فهو من اختصاص المحكمة .
وحيث إن الاختصاص يسبق الموضوع ، ومن ثَمَّ الدفعُ بانقضاء الدعوى ، وعليه ؛ فإن المحكمة تستهل قضاءها بالفصل في دفع المتهمين بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية ؛ لرفعهما من غير ذي صفة ولانتفاء الضرر الشخصي المباشر .
ولما كان الثابت والمستقر قضاءً وفقها على أن شروط الادعاء المباشر أربعة شروط هي :
أولاً -أن يكون الادعاء المباشر قد تم بمعرفة المضر ور من الجريمة .
ثانياً – أن يكون الادعاء متعلقاً بجريمة ، هي جنحة أو مخالفة .
ثالثاً – ألا يكون هناك تحقيق لم يزل قائماً .
رابعاً – أن تكون الدعوى الجنائية والمدنية توافرت فيهما شروط القبول أمام القضاء الجنائي.
ويستلزم القانون بالشرط الأول أن يكون مًنْ صدر منه الادعاء هو المضر ور من الجريمة ، وأن يكون قد لحقه فعلاً ضررٌ من أثر تلك الجريمة وأن يكون هذا الضرر خاصاً وشخصياً ناشئا عن الجريمة مباشرة ، ثابتاً ومؤكداً أي أن مناط إعطاء هذا الحق هْو لمن ثُبت له الحق المدني في التعويض ؛ إذ إن المشرع قد راعى في الادعاء المباشر صيانة حقوق الأفراد المدنية ؛ لأن القاعدة العامه هي أن تتولى النيابة العامة المطالبة بالعقاب عن طريق رفع الدعوى الجنائية عن طريقها إذا كان الضرر قد أصاب المجتمع الذي تنوب عنه النيابة العامة في مباشرة حق العقاب ؛ لمخالفة المتهم لأوامر الشارع ونواهيه القانونية .سواءٌ أكان الضرر مادياً أو أدبياً، وكذا سواءٌ أكانُ المضر ور شخصياً طبيعياً معنوياً . (الدكتور / مأمون سلامه – قانون الإجراءات الجنائية معلقاً عليه بالفقه وأحكام النقض – الجزء الثاني – ص637 – 644 ).
وقد أقرت محكمة النقض هذا المبدأ عندما قضت بأنه ” متى كان مناط الإباحة في تحريك الدعوى بالطريق المباشر من المدعي بالحقوق المدنية أن يكون طلب التعويض عن ضرر لحقه مباشرة من الفعل الخاطئ المكوِّن للجريمة موضوع الدعوى الجنائية ، فإذا لم يكن الضرر الذي لحق به ناشئاً عن الجريمة سقطت هذه الإباحة وأنحسر عنه وصف المضرور من الجريمة وأضحت دعواه المباشرة في شقيها الجنائي والمدني غير مقبولة … ” (نقض 9 من ديسمبر 1981 مجموعة أحكام النقض س32 ، ص1072)
وغنى عن الذكر أن المقصود من الشرط ثانياً أن يكون الادعاء متعلقاً بجريمة ، هي جنحة أو مخالفة ؛ فلا يجوز الادعاء المباشر في الجنايات .
والمقصود من الشرط الرابع – وهو أن تكون الدعوى الجنائية والمدنية توافرت فيهما شروط القبول أمام القضاء الجنائي – أن تكون الدعوى الجنائية مقبولة أمام القضاء ؛ أي توافر الشروط التي ترفعها بها النيابة كما وأن تكون الدعوى المدنية جائزة القبول ؛ أي أن تكون الشروط الخاصة بالدعوى المدنية متوافرة ؛ لكي يمكن قبولها أمام القضاء الجنائي ؛ ويترتب على ذلك أنه لا يجوز الادعاء المباشر أمام القضاء الجنائي لعدم قبول الدعوى المدنية في الأحوال الآتية :
-إذا كان الحق قد أنقضى أو سقط .
-إذا كان المدعي المدني قد رفع دعواه أمام المحاكم المدنية لسقوط حقه في الخيار بين الطريقين.
-إذا كانت إجراءات رفع الدعوى غير صحيحة ، وأخيراً ، إذا كانت قد رفعت من غير ذي صفة أو إذا تخلف شرط المصلحة .
وفي ذلك قضت محكمة النقض من “إن أساس المطالبة بالتعويض أمام القضاء الجنائي يجب أن يكون عن فعل يعاقب عليه القانون وأن يكون الضرر شخصياً ومترتباً على هذا الفعل ومتصلاً به أتصالاً سببياً مباشراً ، فإذا لم يكن الضرر حاصلاً من الجريمة ، وإنما كان نتيجة ظرف آخر ولو متصلاً بالواقعة التي تجري المحاكمة عنها أنتفت علة التبعية التي تربط الدعوى المدنية بالدعوى الجنائية ،وإذاً ، فالقلقِ والاضطراب الذي يتولد عن الجريمة لدى أحد المواطنين لا يجوز الادعاء به مدنياً أمام المحكمة الجنائية”.
(الطعن رقم 1115 – لسنة 24 ق – تاريخ الجلسة 22/02/1955 – مكتب فني 6 – رقم الجزء 2 – رقم الصفحة 545 – تم رفض هذا الطعن )
إذاً فلابد أن يكون الضرر ناشئاً عن جريمة ؛ أما إذا كان ناشئاً عن فعل ضار لا تتوافر فيه أركان الجريمة ، فلا يكون ثَّمة اختصاص للمحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية ؛ فقد نصت المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعياً بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى …
“فإذا أقام شخص دعوى مدنية أمام القضاء الجنائي لتعويض ضرر ادعى أنه نشأ عن جريمة نصب ، ثم تبين للقاضي أن السلوك المنسوب للمدعى عليه ليس إلا مجرد تدليس لا يرقى الطرق الاحتيالية التي تكوِّن جريمة النصب، فإن الدعوى المدنية لا تكون من اختصاص المحكمة الجنائية.(الدكتور / عبد الرءوف مهدي ، شرح القواعد العامة لإجراءات الجنائية ، ص2003 ، ص 1070 – 1077) – كما يجب لتوافر الجريمة من قيام ركنيها المادي والمعنوي ؛ وإلا تعيِّن الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ؛ لأن الدعوى المدنية تصبح غير ناشئة عن جريمة .(الدكتور / إد وارد غالي الذهبي ، دراسات في قانون الإجراءات الجنائية ، 1991 ، ص 156).
ويستخلص من جماع ما تقدم أن المحكمة تتقيد بالوقائع المطروحة عليها بصحيفة الدعوى المباشرة ، وإنما هي المختصة – وتحت رقابة محكمة النقض – في تكييف الوقائع قانوناً ، فإذا أتضح لها أن السلوك المنسوب للمدعي عليه لا يرتقي لتكوين أركان جريمة ؛ قضت بعدم اختصاصها بنظر الدعويين ؛ إذ إن عدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية يستتبع بالضرورة في هذه الحالة عدم القضاء بالبراءة بل القضاء بعدم قبول الدعوى الجنائية التي لم تتوافر أركانها بالأوراق والتي أسس المدعي حقه الاستثنائي في رفعها على الدعوى المدنية .
ولّما كان بحث انطباق أركان الجريمة الجنائية على واقعات الدعوى أدعى ومقدم على بحث الصفة والمصلحة ؛ إذ إن الأخيرتين تتطلبان وجود جريمة جنائية قد شكلتها وقائع الدعوى . ومن ثِّم فإن المحكمة تستهلُّ بحثها بمدى انطباق أركان الجريمة الجنائية على واقعات الدعوى ، فلا تقوم جريمة بفعل مشروع – طبقاً لقانون العقوبات وهذا وبالضرورة يتطلب توافر الركن الشرعي للجريمة وهو خضوع الفعل لنص التجريم ويؤصل الدكتور / محمد نجيب حسني لذلك بأن الركن الشرعي طابَعاً موضوعيَّاً ، باعتباره مجرد تكييف قانوني ، وثمرة علاقة مباشرة بين قواعد القانون والفعل ، وهذه علاقة لا شأن لشخصية الجاني بها.
( الطعن رقم 41774 – لسنة 59 ق – تاريخ الجلسة 07 / 01 / 1996 – مكتب فني 47 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 16 – تم قبول هذا الطعن ).ٍ
بيد أنه – وإذ تشير المحكمة إلى أنه ، وعلى عكس النظام العام الأنجلوسكسوني أو الأنجلو – أمريكي (Common law/Anglp-Saxon)
الذي يعتمد على السوابق القضائية (Preccdent Case law) باعتبارها قانوناً ، فلا يجوز للمحاكم مخالفتها .
تلتزم المحاكم في النظام اللاتيني(Civil law ) بأحكام النقض أدبياً وليس وجوباً عليها بأمر الدستور أو القانون ، حيث أورد المشرع بنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من التقنين المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 ، مصادر القاعدة القانونية على سبيل الحصر ، محدداً إياها بالتشريع ، ثم الشريعة الإسلامية ، وأخيراً مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة – دون النص على السوابق القضائية .
لذا؛ فإن المحكمة وإعمالاً لسلطتها هذه ، وبما لها من سلطة في الاجتهاد والتفسير لقصد المشروع بالمادة 98 (و) من قانون العقوبات ترى أن الذي يستقيم مع المنطق القانوني ، وما كفله الدستور من حريات ومن مبادئ أساسية للحقوق والواجبات والحريات المقررة بالمعاهدات الدولية والشريعة الإسلامية ، هو تجريم استخدام الدين بغرض إثارة الفتنة أو الإصرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ؛ أي أن مناط الحماية القانونية بنص تلك المادة هو الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ، وليس الأديان السماوية أوالطوائف المنتمية إليها .
ومن حيث المنطق القانوني ، فإنه ، وإن كان المتعارف عليه أن النص على ” أو ” تعني فرضاً أخر يفصل فيما بين ما تقدم عنها وما تأخر ، ألا أن المحكمة ترى أن النص لا يستقيم ؛ إذا أفترض أن قصد المشرع على هذا المحو وهو أعتبارها فِقرات منفصلة ينصبُّ على كلِ منها الحماية القانونية بالتجريم ، فالمحكمة ترى أن النص يجب أن يفسَّر على أنه نصُّ عامُّ ؛ أي أن يفهم في السياق الذي أتت به تلك المادة من مواد سابقة ولاحقة ومن قراءة النص كاملاً دون تجزئته ، لا باعتبار أن كلمة ” أو ” تنص على حالات مختلفة ينصب على كل فقرة منها الحماية القانونية .
فإذا نُصُّ على أن ” كل من أستغل الدين في الترويج لأفكار متطرفة … بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو أزدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية . “فجاء بكل من “تحقير” و “الطوائف المنتمية إليها” بين “أو” إلا أنه وعلى هذا النحو لا يستقيم المعنى ولا قصد الشارع إلا بإلحاقهم على ما سبقهم وما خلفهم من نص المادة وهو ما يدلل على عدم إمكانية اعتبارهما فقرتين منفصلتين ينصب على كلا منها العقاب ، بل يجب ترابط الفقرات جميعها حتى يستقيم المعنى ؛ فهو قد نص على الفتنة بأول المادة ، ثم شدد بالإشارة إلى الوحدة الوطنية بنهاية المادة ، وهي إشارة على ترابط فقرات المادة بترابط قصد المشرع من أولها وحتى نهايتها ؛ ومن ثم فلا يستقيم اعتبار أن قصد المشرع هو تجريم فعل تحقير وازدراء أحد الأديان السماوية ، دون أن يكون ذلك الفعل بقصد الإضرار بالوحدة الوطنية والفتنة ، كما لا يمكن القول بتجريم فعل تحقير وازدراء الطوائف المنتمية إليها دون الرجوع إلى الأديان السماوية أو الإضرار بالوحدة الوطنية والفتنة.
وبمعنى أخر ، فإن هذه الجريمة تحتاج إلى قصد جنائي خاص لا تقوم بدونه قوامة الإضرار بالوحدة الوطنية وصناعة الفتنة.
وإذا نظرنا إلى وضع المادة من التقنين العقابي ، وحيث جاءت تلك المادة بين مواد القسم الثاني من الباب الثاني الخاص “بالجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل ” فقد نصت المادة الأولى من القانون رقم 97 لسنة 1992 ، الجريدة الرسمية في 18 يوليو سنة 1992 العدد 29 مكرر ، على أن “يقسم الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات إلى قسمين…”
وإذ استهل هذا القسم الثاني سالف البيان بالمادة 89 مكرر ، والتي تخص بالحماية وسائل الإنتاج بقصد الإضرار بالاقتصاد القومي ثم المواد 90 و 90 مكرر و 93 والتي تخص بالحماية المباني والأملاك العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو للمرافق العامة أو للمؤسسات العامة أو الجمعيات المعتبرة قانونا ذات نفع عام أو الأراضي أو الأموال المملوكة للحكومة أو لجماعة من الناس ، سواء بالتخريب أو الاحتلال أو الاغتصاب أو النهب والمواد 91 و 92 والتي تخص بالحماية قيادة الجيش والشرطة ، ثم كان نص المادة98 والتي تخص بالحماية نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية بتجريم تأسيس أو تنظيم أو إدارة جمعيات أو هيئات أو منظمات ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات ، أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية .
ثم كان نص 98 أ مكرر والتي تخص بالحماية المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الاشتراكي في الدولة ، أو الحض على كراهيتها أو الازدراء بها أو الدعوة ضد تحالف قوى الشعب العاملة ، أو التحريض على مقاومة السلطات العامة أو ترويج أو تحبيذ شيئ من ذلك ! ثثم كان نص المادة 98 ب والتي تخص بالحماية مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو للقضاء على طبقة اجتماعية ونظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية .
ثم كان نص المادة 98 ج المؤثمة لإنشاء أو تأسيس أو تنظيم أو إدارة جمعيات أو هيئات أو أنظمة من أيّ نوع كان ذا صفة دولية أو فروعاً لها دون ترخيص من الحكومة ثم كان نص المادة 98 د التي تجرِّم تسلم أو قبول أموال أو منافع من شخص أو هيئة في خارج الجمهورية ، ثم كانت المادة 98 (و) موضوع الدعوى ثم المادة 99 التي تجرِّم حمل رئيس الجمهورية على عمل من خصائصه قانوناً أو على الامتناع عنه باستخدام العنف أو التهديد أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة وينتهي القسم الثاني بالمادة 102 مكرر والتي تجرم إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة .
ويستخلص من ذلك ومن نصوص المواد سالفة البيان أنها تشترك جميعاً في تجريم الأفعال التي تضر بالأمن العام ( الأمن القومي )أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة من جهة ( وهو ما وصفة المشرع “بالفتنة ” بالمواد 100 و 102 ) وهو ما نستخلص منه أن القصد العام للمشرع بنص المادة موضوع الدعوى اتجه لحماية الوحدة الوطنية ودرء الفتنة وذلك بقصد صيانة الأمن العام والمصلحة العامة ، وليس في نصه على “الدين” بهاْ إلا التنبيه على أنه وسيلة يمكن أن تستخدم في زرع تلك الفتنة ، وإنما لم يقصد حماية الأديان السماوية في حد ذاتها من التعدي عليها باستخدام ” الأفكار المتطرفة ” ، كما لم يقصد حماية الطوائف المنتمية لها من التحقير أو الازدراء ، إلا إذا كان القصد منه الفتنة ؛ ذلك بأنه لا يضير ولي الأمر وهو بصدد إيجاد أطر عامة لتنظيم المجتمع والحفاظ على النظام العام فيه أن يعتقد شخص فيما يخالف الجماعة أوما يدين به عامة الناس ، وإنما الذي يُعنى به هو نزع فتيل الأزمات والحيلولة دون احتكاك طوائف الشعب الواحد ، وترديهم في هُوّةِ التراع الطائفي المقيت . كما إن حرية الاعتقاد مكفولة ، وحرية ممارسة الشعائر الدينية أيضا ، ولكن الأخيرة تتميز بكونها يمكن أن تقيَّد بأحكام تنظيمية ؛ حفاظاً على الأمن والآداب والصحة العامة ؛ أما حرية التعبير عن الرأي في المعتقد فلا تدخل ضمن حدود التأثيم والعقاب اللذين تملكهما الدولة ؛ إلا إذا أقتضت الضرورة الحفاظَ على السلم العام ، وذلك إذا تعدت الممارسة لشعائر أو استطال الرأي – المفصح به – إلى الدومين العام فتبين أن المعبر عن راية والمعتقد في فكرة ما ، لم يعبر عنها لحسن نية وإنما بسوء قصد ؛ بنية مشاعر وتأليب الناس بعضهم على بعض إذ إنه وبالقول بمثل ذلك وباستخدام هذا المقياس الفضفاض المسمى ” بالأفكار المتطرفة ” والذي لا يبن حداً ضابطاً لما يعدُّ متطرفاً وما يعد غير متطرف ، الأمر الذي يهدد بأن ينتهي بالنظام القانوني بما يشبه محاكم التفتيش فيفتح باب التفتيش في الأفكار ، ومن ثم العقائد والحجر عليها بدعوى الهرطقة – بالمفهوم المسيحي تارة ، والردة والزندقة – بالمفهوم الإسلامي – تارة أخرى ، ويرد المجتمع بأثره إلى الظلامية والجمود ، بل وشمولية تيار فكري ديني بعينه ، يجهض جميع التطلعات بتطوير الخطاب الديني وهو ما يناقض الحرية في التعبير والاعتقاد ، تلك التي هي مقررة بالدستور والشريعة الإسلامية ذاتها ؛ وهو ما ينتهي على المستوى التطبيقي إلى تحكيم بشر من نوع خاص ، يزعمون لأنفسهم احتكار حق الفهم والشرح والتفسير والتأويل ،وأنهم وحدهم الناقلون عن الله ، فالثابت شرعاً أن الله هو شارع الدين ، ومحمد هو مبلغه الأمين ، وأننا جميعاً نعكف على الاجتهاد ، ولا يمتلك أحد منا صواباً ، ولا يملك لآخر معاتبة ، طالما أن التعبير عن الرأي ناجم عن نقاء سريرة واجتهاد محمود.
ومن حيث الدستورية ، فقد نص الدستور المعطل بالمادة 40 على أنّ “المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة .” وإذا نص بالمادة 46 على أنْ “تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية “.
ونصه بالمادة 47 “ حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون والنقد الذاتي والنقد البنَّاء ضماناً لسلامة البناء الوطني” ؛ ذلك بأن العقوبة أساسها العدالة ، ولكنها محدودة المنفعة العامة بأشكالها وأنواعها ، فليس للمجتمع أن يعاقب بما يجاوز الحدود التي تتطلبها مصلحته . فالعقوبة لا تكون مشروعة إلا في النطاق الذي تجتمع قيه العدالة والمصلحة ؛ ومن هنا كان تنظيم الحريات الشخصية بين الفرد والمجتمع وبين الأفراد بعضهم لبعض فكانت نظريات الحق والمصلحة والتعسف في استعمال الحق ما يرسم الحدود للحريات الفردية داخل المجتمع فالحرية مكفولة مادا مت لم تفتئت على المصلحة العليا بالمجتمع ومن ثم مصلحة الأفراد ، وهنا يقوم المشرع بإصدار القوانين المنظمة لتلك الحدود ، وللقاضي إعمالها وتقديرها وَفقاً للمصلحة وعدم التعسف في استعمال الحق ولو كان مصوناً بالقانون .
وفي صدد التوازن بين الحقوق والحريات من جهة ، والمصلحة العامة من جهة أخرى ، فقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على أن حقوق الإنسان وحرياته لا يجوز التضحية بها في غير ضرورة تتطلبها مصلحة أجتماعية لها اعتباراتها . (دستورية عليا في 15 يونيه 1996 القضية رقم 49 لسنة 17 ق دستورية ، مجموعة أحكام الدستورية العليا ، ج 7 ، قاعدة رقم 48 ، ص 749).
وعن ذلك تقول المحكمة الدستورية : إنّ “حرية العقيدة التي نص عليها الدستور في المادة 46 … بأن هذه الحرية في أصلها تعني ألا يحمل الشخص على القبول بعقيدة لا يؤمن بها أو التنصل من عقيدة دخل فيها أو الإعلان عنها أو ممالأة إحداها تحاملاً على غيرها سواء بإنكارها أو التهوين منها أو ازدرائها بل تتسامح الأديان فيما بينها ويكون احترامها متبادلاً . ولا يجوز كذلك في المفهوم الحق لحرية العقيدة أن يكون صونها لمن يمارسونها إضراراً بغيرها ولا تيسر الدولة – سراً أو علانية – الانضمام إلى عقيدة ترعاها إرهاقاً لآخرين من الدخول في سواها ، ولا أن يكون تدخلها بالجزاء عقاباً لمن يلوذون بعقيدة لا تصطفيها ، وليس لها بوجه خاص أن يكون إذكاء صراع بين الأديان تمييزاً لبعضها على البعض ، كذلك فإن حرية العقيدة لا يجوز فصلها عن حرية ممارسة شعائرها ، وهو ما حمل الدستور على أن يضم هاتين الحريتين في جملة واحدة جرت بها مادته السادسة والأربعون بما نصت عليه ؛ من أن حرية العقيدة ممارسة الشعائر الدينية مكفولتان ؛ وهو ما يعني تكاملهما ، وأنهما قسيمان لا ينفصلان وأن ثانيتهما تمثل مظاهر أولاهما باعتبارها انتقالًا بالعقيدة من مجرد الإيمان واختلاجها في الوجدان إلى التعبير عن محتواها عملا ليكون تطبيقها حيا فلا تكمن في الصدور ومن ثم ساغ القول بأن أولاهما لا قيد عليها، وأن ثانيتهما يجوز تقييدها من خلال تنظيمها توكيدا لبعض المصالح العليا التي ترتبط بها وبوجه خاص ما يتصل منها بصون النظام العام والقيم الأدبية وحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
محكمة العجوزة
الجزئية بالجلسة العلنية المنعقدة بسراي المحكمة في يوم الخميس الموافق 26-4-2012
برئاسة السيد الأستاذ/ أحمد سميح الريحاني. "رئيس المحكمة"
وبحضور السيد الأستاذ/ محمد السويفي. "وكيل النيابة"
وبحضور السيد الأستاذ/ محمد عبد القادر. "أمين السر"
أصدرت الحكم في القضية رقم 529 لسنة 2012 جنح جزئي العجوزة
مدعي بالحق المدني فيها / عسران منصور محمد ……. بمبلغ واحد وخمسون جنيها على سبيل التعويض المدني المؤقت
ضـــــــــــد
عادل محمد إمام محمد
محمد نادر أحمد جلال
لينين فتحي عبد الله فكري الرملي
شريف سعيد حسن عرفه
وحيد حامد علي
محمد محمود فاضل
بعد سماع المرافعة الشفوية ومطالعة الأوراق//
حيث إن وقائع الدعوى تخلص فيما سلف أن ألم به قضاء محكمة العامرية الجزئية المؤرخ 13/10/2011 والذي نوجز منه القول بالقدر الكافي لحمل قضاء هذه المحكمة في أن المدعي بالحق المدني قد أقام هذه الدعوى بطريق الادعاء المباشر بموجب صحيفة أودعها قلم كتاب تلك المحكمة ، أعلن بها المدعي عليهم والسيد وكيل النيابة المختص ، طالباً في ختامها الحكم على المدعي عليهم بالعقوبة المقررة بالمادة 98 (و) من قانون العقوبات ، فضلاً عن إلزامهم بأداء مبلغ “واحد وخمسون جنيهاً”على سبيل التعويض المدني المؤقت ، فضلاًَ عن المصاريف ، والأتعاب ، والنفاذ ؛
وذلك على سندٍ من القول من أن المتهمين تعدَّوا على الإسلام والمسلمين باستغلالهم الدين في أعمالهم للترويج لأفكارٍٍ متطرفةٍ؛ بقصد إثارة الفتنة وتحقير وازدراء الدين الإسلامي عموماً ، والجماعات الإسلامية خصوصاً ؛ مما يضر بالوَحدة الوطنية ، على النحو المبين بصحيفة الدعوى ، والآتي بيانه تفصيلاً عند التطرق لبحث الركن المادي للجريمة ؛ الأمر الذي حدا به لإقامة دعواه؛ للقضاء له بطلباته سالفة البيان .
وحيث إن الدعوى قد تُدُوَّلتْ بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها أمام تلك المحكمة ؛ فقد مَثُلَ المدعي بالحق المدني وصمَّ على طلباته وقدم حافظة مستندات أطلعَتْ عليها المحكمة وألمتْ بها .
ومَثُل وكيلاً عن المتهم الخامس ، ودفع بعدم قبول الدعوى ؛ لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون ، وبعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى ؛فقررت حجزها للحكم .
وبجلسة 13/10/2011 قضت المحكمة بعدَم اختصاصها محلياً بنظر الدعوى ، وبإحالتها لهذه المحكمة ؛ ونفاذًا لذلك القضاء ، فقد تُدُوَّلتْ بالجلسات أمام هذه المحكمة على النحو المبين محاضرها ، فلم يَمثُل المدعي المدني ، ومَثُل المدعَي عليهم جميعاً كلٌ بوكيله ، وقدم وكيلا المتهم الأول مذكرتين بدفاعهما وحافظتي مستندات أُطلِتْ عليها المحكمة ، ودفعَا بعدم قَبول الدعويين لرفعهما من غير ذي صفةٍ ، ولانتفاء الضرر الشخصي المباشر كما دفعَا بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم وبانتفاء المسئولية للمتهم الأول ، والحاضر عن المتهم الثانيٍ صحح أسم موكله، والحاضر عن المتهم الرابع صحح أسم موكله ، والحاضر عن المتهم السادس صحح أسم موكله ، وأنضم وكلاُ المهتمين جميعاً لوكيلَي المتهم الأول في دفاعهما ؛ وطلبوا معاً الفصل في الدعوى بحالتها . فقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم لجلسة اليوم.
والمحكمة إذ تشير إلى أن المدعي بالحق المدني ليس له الحق في مباشرة الدعوى الجنائية أو التنازل عنها ؛ إذ إن النيابة العامة هي المنوط لها بمباشرة الدعوى الجنائية وحدها ؛ فهي التي لها إثبات الاتهام ، ولها أن تُخوَّل الرأي للمحكمة إذا هي رأت أدلة الثبوت غير كافية فالمستقَرٌ عليه قضاءً وفقها أن المدعي المدني لا عَلاقة له بالدعوى الجنائية ، وليس له استعمال ما تُخوَّلُه من حقوق (نقض19 فبراير 1968 ، مجموعة أحكام النقض س19 ، ص223 ، رقم40) كما أن القاعدة هي عدم تقيد المحكمة الجنائية بطلبات المدعي المدني رافع الدعوى المباشرة وهي بصدد إنزال حكم قانون العقوبات على واقعة الدعوى .(نقض 8 إبر يل 1968 ، مجموعة أحكام النقض س19 ، ص402 ، رقم 76 ).
وإن المقصود من ذلك مما تقدم أن المحكمة مقيدة بالتهمة الواردة بورقة التكليف بالحضور ، إلا أنها ليست مقيدة بالوصف الوارد بها وعليها أن تعطي الجريمة الوصف القانوني الصحيح فهي مقيدة فقط بالوقائع ، أما تكييف تلك الوقائع فهو من اختصاص المحكمة .
وحيث إن الاختصاص يسبق الموضوع ، ومن ثَمَّ الدفعُ بانقضاء الدعوى ، وعليه ؛ فإن المحكمة تستهل قضاءها بالفصل في دفع المتهمين بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية ؛ لرفعهما من غير ذي صفة ولانتفاء الضرر الشخصي المباشر .
ولما كان الثابت والمستقر قضاءً وفقها على أن شروط الادعاء المباشر أربعة شروط هي :
أولاً -أن يكون الادعاء المباشر قد تم بمعرفة المضر ور من الجريمة .
ثانياً – أن يكون الادعاء متعلقاً بجريمة ، هي جنحة أو مخالفة .
ثالثاً – ألا يكون هناك تحقيق لم يزل قائماً .
رابعاً – أن تكون الدعوى الجنائية والمدنية توافرت فيهما شروط القبول أمام القضاء الجنائي.
ويستلزم القانون بالشرط الأول أن يكون مًنْ صدر منه الادعاء هو المضر ور من الجريمة ، وأن يكون قد لحقه فعلاً ضررٌ من أثر تلك الجريمة وأن يكون هذا الضرر خاصاً وشخصياً ناشئا عن الجريمة مباشرة ، ثابتاً ومؤكداً أي أن مناط إعطاء هذا الحق هْو لمن ثُبت له الحق المدني في التعويض ؛ إذ إن المشرع قد راعى في الادعاء المباشر صيانة حقوق الأفراد المدنية ؛ لأن القاعدة العامه هي أن تتولى النيابة العامة المطالبة بالعقاب عن طريق رفع الدعوى الجنائية عن طريقها إذا كان الضرر قد أصاب المجتمع الذي تنوب عنه النيابة العامة في مباشرة حق العقاب ؛ لمخالفة المتهم لأوامر الشارع ونواهيه القانونية .سواءٌ أكان الضرر مادياً أو أدبياً، وكذا سواءٌ أكانُ المضر ور شخصياً طبيعياً معنوياً . (الدكتور / مأمون سلامه – قانون الإجراءات الجنائية معلقاً عليه بالفقه وأحكام النقض – الجزء الثاني – ص637 – 644 ).
وقد أقرت محكمة النقض هذا المبدأ عندما قضت بأنه ” متى كان مناط الإباحة في تحريك الدعوى بالطريق المباشر من المدعي بالحقوق المدنية أن يكون طلب التعويض عن ضرر لحقه مباشرة من الفعل الخاطئ المكوِّن للجريمة موضوع الدعوى الجنائية ، فإذا لم يكن الضرر الذي لحق به ناشئاً عن الجريمة سقطت هذه الإباحة وأنحسر عنه وصف المضرور من الجريمة وأضحت دعواه المباشرة في شقيها الجنائي والمدني غير مقبولة … ” (نقض 9 من ديسمبر 1981 مجموعة أحكام النقض س32 ، ص1072)
وغنى عن الذكر أن المقصود من الشرط ثانياً أن يكون الادعاء متعلقاً بجريمة ، هي جنحة أو مخالفة ؛ فلا يجوز الادعاء المباشر في الجنايات .
والمقصود من الشرط الرابع – وهو أن تكون الدعوى الجنائية والمدنية توافرت فيهما شروط القبول أمام القضاء الجنائي – أن تكون الدعوى الجنائية مقبولة أمام القضاء ؛ أي توافر الشروط التي ترفعها بها النيابة كما وأن تكون الدعوى المدنية جائزة القبول ؛ أي أن تكون الشروط الخاصة بالدعوى المدنية متوافرة ؛ لكي يمكن قبولها أمام القضاء الجنائي ؛ ويترتب على ذلك أنه لا يجوز الادعاء المباشر أمام القضاء الجنائي لعدم قبول الدعوى المدنية في الأحوال الآتية :
-إذا كان الحق قد أنقضى أو سقط .
-إذا كان المدعي المدني قد رفع دعواه أمام المحاكم المدنية لسقوط حقه في الخيار بين الطريقين.
-إذا كانت إجراءات رفع الدعوى غير صحيحة ، وأخيراً ، إذا كانت قد رفعت من غير ذي صفة أو إذا تخلف شرط المصلحة .
وفي ذلك قضت محكمة النقض من “إن أساس المطالبة بالتعويض أمام القضاء الجنائي يجب أن يكون عن فعل يعاقب عليه القانون وأن يكون الضرر شخصياً ومترتباً على هذا الفعل ومتصلاً به أتصالاً سببياً مباشراً ، فإذا لم يكن الضرر حاصلاً من الجريمة ، وإنما كان نتيجة ظرف آخر ولو متصلاً بالواقعة التي تجري المحاكمة عنها أنتفت علة التبعية التي تربط الدعوى المدنية بالدعوى الجنائية ،وإذاً ، فالقلقِ والاضطراب الذي يتولد عن الجريمة لدى أحد المواطنين لا يجوز الادعاء به مدنياً أمام المحكمة الجنائية”.
(الطعن رقم 1115 – لسنة 24 ق – تاريخ الجلسة 22/02/1955 – مكتب فني 6 – رقم الجزء 2 – رقم الصفحة 545 – تم رفض هذا الطعن )
إذاً فلابد أن يكون الضرر ناشئاً عن جريمة ؛ أما إذا كان ناشئاً عن فعل ضار لا تتوافر فيه أركان الجريمة ، فلا يكون ثَّمة اختصاص للمحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية ؛ فقد نصت المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه ” لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعياً بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى …
“فإذا أقام شخص دعوى مدنية أمام القضاء الجنائي لتعويض ضرر ادعى أنه نشأ عن جريمة نصب ، ثم تبين للقاضي أن السلوك المنسوب للمدعى عليه ليس إلا مجرد تدليس لا يرقى الطرق الاحتيالية التي تكوِّن جريمة النصب، فإن الدعوى المدنية لا تكون من اختصاص المحكمة الجنائية.(الدكتور / عبد الرءوف مهدي ، شرح القواعد العامة لإجراءات الجنائية ، ص2003 ، ص 1070 – 1077) – كما يجب لتوافر الجريمة من قيام ركنيها المادي والمعنوي ؛ وإلا تعيِّن الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ؛ لأن الدعوى المدنية تصبح غير ناشئة عن جريمة .(الدكتور / إد وارد غالي الذهبي ، دراسات في قانون الإجراءات الجنائية ، 1991 ، ص 156).
ويستخلص من جماع ما تقدم أن المحكمة تتقيد بالوقائع المطروحة عليها بصحيفة الدعوى المباشرة ، وإنما هي المختصة – وتحت رقابة محكمة النقض – في تكييف الوقائع قانوناً ، فإذا أتضح لها أن السلوك المنسوب للمدعي عليه لا يرتقي لتكوين أركان جريمة ؛ قضت بعدم اختصاصها بنظر الدعويين ؛ إذ إن عدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية يستتبع بالضرورة في هذه الحالة عدم القضاء بالبراءة بل القضاء بعدم قبول الدعوى الجنائية التي لم تتوافر أركانها بالأوراق والتي أسس المدعي حقه الاستثنائي في رفعها على الدعوى المدنية .
ولّما كان بحث انطباق أركان الجريمة الجنائية على واقعات الدعوى أدعى ومقدم على بحث الصفة والمصلحة ؛ إذ إن الأخيرتين تتطلبان وجود جريمة جنائية قد شكلتها وقائع الدعوى . ومن ثِّم فإن المحكمة تستهلُّ بحثها بمدى انطباق أركان الجريمة الجنائية على واقعات الدعوى ، فلا تقوم جريمة بفعل مشروع – طبقاً لقانون العقوبات وهذا وبالضرورة يتطلب توافر الركن الشرعي للجريمة وهو خضوع الفعل لنص التجريم ويؤصل الدكتور / محمد نجيب حسني لذلك بأن الركن الشرعي طابَعاً موضوعيَّاً ، باعتباره مجرد تكييف قانوني ، وثمرة علاقة مباشرة بين قواعد القانون والفعل ، وهذه علاقة لا شأن لشخصية الجاني بها.
( الطعن رقم 41774 – لسنة 59 ق – تاريخ الجلسة 07 / 01 / 1996 – مكتب فني 47 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 16 – تم قبول هذا الطعن ).ٍ
بيد أنه – وإذ تشير المحكمة إلى أنه ، وعلى عكس النظام العام الأنجلوسكسوني أو الأنجلو – أمريكي (Common law/Anglp-Saxon)
الذي يعتمد على السوابق القضائية (Preccdent Case law) باعتبارها قانوناً ، فلا يجوز للمحاكم مخالفتها .
تلتزم المحاكم في النظام اللاتيني(Civil law ) بأحكام النقض أدبياً وليس وجوباً عليها بأمر الدستور أو القانون ، حيث أورد المشرع بنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من التقنين المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 ، مصادر القاعدة القانونية على سبيل الحصر ، محدداً إياها بالتشريع ، ثم الشريعة الإسلامية ، وأخيراً مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة – دون النص على السوابق القضائية .
لذا؛ فإن المحكمة وإعمالاً لسلطتها هذه ، وبما لها من سلطة في الاجتهاد والتفسير لقصد المشروع بالمادة 98 (و) من قانون العقوبات ترى أن الذي يستقيم مع المنطق القانوني ، وما كفله الدستور من حريات ومن مبادئ أساسية للحقوق والواجبات والحريات المقررة بالمعاهدات الدولية والشريعة الإسلامية ، هو تجريم استخدام الدين بغرض إثارة الفتنة أو الإصرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ؛ أي أن مناط الحماية القانونية بنص تلك المادة هو الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ، وليس الأديان السماوية أوالطوائف المنتمية إليها .
ومن حيث المنطق القانوني ، فإنه ، وإن كان المتعارف عليه أن النص على ” أو ” تعني فرضاً أخر يفصل فيما بين ما تقدم عنها وما تأخر ، ألا أن المحكمة ترى أن النص لا يستقيم ؛ إذا أفترض أن قصد المشرع على هذا المحو وهو أعتبارها فِقرات منفصلة ينصبُّ على كلِ منها الحماية القانونية بالتجريم ، فالمحكمة ترى أن النص يجب أن يفسَّر على أنه نصُّ عامُّ ؛ أي أن يفهم في السياق الذي أتت به تلك المادة من مواد سابقة ولاحقة ومن قراءة النص كاملاً دون تجزئته ، لا باعتبار أن كلمة ” أو ” تنص على حالات مختلفة ينصب على كل فقرة منها الحماية القانونية .
فإذا نُصُّ على أن ” كل من أستغل الدين في الترويج لأفكار متطرفة … بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو أزدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية . “فجاء بكل من “تحقير” و “الطوائف المنتمية إليها” بين “أو” إلا أنه وعلى هذا النحو لا يستقيم المعنى ولا قصد الشارع إلا بإلحاقهم على ما سبقهم وما خلفهم من نص المادة وهو ما يدلل على عدم إمكانية اعتبارهما فقرتين منفصلتين ينصب على كلا منها العقاب ، بل يجب ترابط الفقرات جميعها حتى يستقيم المعنى ؛ فهو قد نص على الفتنة بأول المادة ، ثم شدد بالإشارة إلى الوحدة الوطنية بنهاية المادة ، وهي إشارة على ترابط فقرات المادة بترابط قصد المشرع من أولها وحتى نهايتها ؛ ومن ثم فلا يستقيم اعتبار أن قصد المشرع هو تجريم فعل تحقير وازدراء أحد الأديان السماوية ، دون أن يكون ذلك الفعل بقصد الإضرار بالوحدة الوطنية والفتنة ، كما لا يمكن القول بتجريم فعل تحقير وازدراء الطوائف المنتمية إليها دون الرجوع إلى الأديان السماوية أو الإضرار بالوحدة الوطنية والفتنة.
وبمعنى أخر ، فإن هذه الجريمة تحتاج إلى قصد جنائي خاص لا تقوم بدونه قوامة الإضرار بالوحدة الوطنية وصناعة الفتنة.
وإذا نظرنا إلى وضع المادة من التقنين العقابي ، وحيث جاءت تلك المادة بين مواد القسم الثاني من الباب الثاني الخاص “بالجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل ” فقد نصت المادة الأولى من القانون رقم 97 لسنة 1992 ، الجريدة الرسمية في 18 يوليو سنة 1992 العدد 29 مكرر ، على أن “يقسم الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات إلى قسمين…”
وإذ استهل هذا القسم الثاني سالف البيان بالمادة 89 مكرر ، والتي تخص بالحماية وسائل الإنتاج بقصد الإضرار بالاقتصاد القومي ثم المواد 90 و 90 مكرر و 93 والتي تخص بالحماية المباني والأملاك العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو للمرافق العامة أو للمؤسسات العامة أو الجمعيات المعتبرة قانونا ذات نفع عام أو الأراضي أو الأموال المملوكة للحكومة أو لجماعة من الناس ، سواء بالتخريب أو الاحتلال أو الاغتصاب أو النهب والمواد 91 و 92 والتي تخص بالحماية قيادة الجيش والشرطة ، ثم كان نص المادة98 والتي تخص بالحماية نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية بتجريم تأسيس أو تنظيم أو إدارة جمعيات أو هيئات أو منظمات ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات ، أو إلى القضاء على طبقة اجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية .
ثم كان نص 98 أ مكرر والتي تخص بالحماية المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الاشتراكي في الدولة ، أو الحض على كراهيتها أو الازدراء بها أو الدعوة ضد تحالف قوى الشعب العاملة ، أو التحريض على مقاومة السلطات العامة أو ترويج أو تحبيذ شيئ من ذلك ! ثثم كان نص المادة 98 ب والتي تخص بالحماية مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو للقضاء على طبقة اجتماعية ونظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية .
ثم كان نص المادة 98 ج المؤثمة لإنشاء أو تأسيس أو تنظيم أو إدارة جمعيات أو هيئات أو أنظمة من أيّ نوع كان ذا صفة دولية أو فروعاً لها دون ترخيص من الحكومة ثم كان نص المادة 98 د التي تجرِّم تسلم أو قبول أموال أو منافع من شخص أو هيئة في خارج الجمهورية ، ثم كانت المادة 98 (و) موضوع الدعوى ثم المادة 99 التي تجرِّم حمل رئيس الجمهورية على عمل من خصائصه قانوناً أو على الامتناع عنه باستخدام العنف أو التهديد أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة وينتهي القسم الثاني بالمادة 102 مكرر والتي تجرم إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة .
ويستخلص من ذلك ومن نصوص المواد سالفة البيان أنها تشترك جميعاً في تجريم الأفعال التي تضر بالأمن العام ( الأمن القومي )أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة من جهة ( وهو ما وصفة المشرع “بالفتنة ” بالمواد 100 و 102 ) وهو ما نستخلص منه أن القصد العام للمشرع بنص المادة موضوع الدعوى اتجه لحماية الوحدة الوطنية ودرء الفتنة وذلك بقصد صيانة الأمن العام والمصلحة العامة ، وليس في نصه على “الدين” بهاْ إلا التنبيه على أنه وسيلة يمكن أن تستخدم في زرع تلك الفتنة ، وإنما لم يقصد حماية الأديان السماوية في حد ذاتها من التعدي عليها باستخدام ” الأفكار المتطرفة ” ، كما لم يقصد حماية الطوائف المنتمية لها من التحقير أو الازدراء ، إلا إذا كان القصد منه الفتنة ؛ ذلك بأنه لا يضير ولي الأمر وهو بصدد إيجاد أطر عامة لتنظيم المجتمع والحفاظ على النظام العام فيه أن يعتقد شخص فيما يخالف الجماعة أوما يدين به عامة الناس ، وإنما الذي يُعنى به هو نزع فتيل الأزمات والحيلولة دون احتكاك طوائف الشعب الواحد ، وترديهم في هُوّةِ التراع الطائفي المقيت . كما إن حرية الاعتقاد مكفولة ، وحرية ممارسة الشعائر الدينية أيضا ، ولكن الأخيرة تتميز بكونها يمكن أن تقيَّد بأحكام تنظيمية ؛ حفاظاً على الأمن والآداب والصحة العامة ؛ أما حرية التعبير عن الرأي في المعتقد فلا تدخل ضمن حدود التأثيم والعقاب اللذين تملكهما الدولة ؛ إلا إذا أقتضت الضرورة الحفاظَ على السلم العام ، وذلك إذا تعدت الممارسة لشعائر أو استطال الرأي – المفصح به – إلى الدومين العام فتبين أن المعبر عن راية والمعتقد في فكرة ما ، لم يعبر عنها لحسن نية وإنما بسوء قصد ؛ بنية مشاعر وتأليب الناس بعضهم على بعض إذ إنه وبالقول بمثل ذلك وباستخدام هذا المقياس الفضفاض المسمى ” بالأفكار المتطرفة ” والذي لا يبن حداً ضابطاً لما يعدُّ متطرفاً وما يعد غير متطرف ، الأمر الذي يهدد بأن ينتهي بالنظام القانوني بما يشبه محاكم التفتيش فيفتح باب التفتيش في الأفكار ، ومن ثم العقائد والحجر عليها بدعوى الهرطقة – بالمفهوم المسيحي تارة ، والردة والزندقة – بالمفهوم الإسلامي – تارة أخرى ، ويرد المجتمع بأثره إلى الظلامية والجمود ، بل وشمولية تيار فكري ديني بعينه ، يجهض جميع التطلعات بتطوير الخطاب الديني وهو ما يناقض الحرية في التعبير والاعتقاد ، تلك التي هي مقررة بالدستور والشريعة الإسلامية ذاتها ؛ وهو ما ينتهي على المستوى التطبيقي إلى تحكيم بشر من نوع خاص ، يزعمون لأنفسهم احتكار حق الفهم والشرح والتفسير والتأويل ،وأنهم وحدهم الناقلون عن الله ، فالثابت شرعاً أن الله هو شارع الدين ، ومحمد هو مبلغه الأمين ، وأننا جميعاً نعكف على الاجتهاد ، ولا يمتلك أحد منا صواباً ، ولا يملك لآخر معاتبة ، طالما أن التعبير عن الرأي ناجم عن نقاء سريرة واجتهاد محمود.
ومن حيث الدستورية ، فقد نص الدستور المعطل بالمادة 40 على أنّ “المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة .” وإذا نص بالمادة 46 على أنْ “تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية “.
ونصه بالمادة 47 “ حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون والنقد الذاتي والنقد البنَّاء ضماناً لسلامة البناء الوطني” ؛ ذلك بأن العقوبة أساسها العدالة ، ولكنها محدودة المنفعة العامة بأشكالها وأنواعها ، فليس للمجتمع أن يعاقب بما يجاوز الحدود التي تتطلبها مصلحته . فالعقوبة لا تكون مشروعة إلا في النطاق الذي تجتمع قيه العدالة والمصلحة ؛ ومن هنا كان تنظيم الحريات الشخصية بين الفرد والمجتمع وبين الأفراد بعضهم لبعض فكانت نظريات الحق والمصلحة والتعسف في استعمال الحق ما يرسم الحدود للحريات الفردية داخل المجتمع فالحرية مكفولة مادا مت لم تفتئت على المصلحة العليا بالمجتمع ومن ثم مصلحة الأفراد ، وهنا يقوم المشرع بإصدار القوانين المنظمة لتلك الحدود ، وللقاضي إعمالها وتقديرها وَفقاً للمصلحة وعدم التعسف في استعمال الحق ولو كان مصوناً بالقانون .
وفي صدد التوازن بين الحقوق والحريات من جهة ، والمصلحة العامة من جهة أخرى ، فقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على أن حقوق الإنسان وحرياته لا يجوز التضحية بها في غير ضرورة تتطلبها مصلحة أجتماعية لها اعتباراتها . (دستورية عليا في 15 يونيه 1996 القضية رقم 49 لسنة 17 ق دستورية ، مجموعة أحكام الدستورية العليا ، ج 7 ، قاعدة رقم 48 ، ص 749).
وعن ذلك تقول المحكمة الدستورية : إنّ “حرية العقيدة التي نص عليها الدستور في المادة 46 … بأن هذه الحرية في أصلها تعني ألا يحمل الشخص على القبول بعقيدة لا يؤمن بها أو التنصل من عقيدة دخل فيها أو الإعلان عنها أو ممالأة إحداها تحاملاً على غيرها سواء بإنكارها أو التهوين منها أو ازدرائها بل تتسامح الأديان فيما بينها ويكون احترامها متبادلاً . ولا يجوز كذلك في المفهوم الحق لحرية العقيدة أن يكون صونها لمن يمارسونها إضراراً بغيرها ولا تيسر الدولة – سراً أو علانية – الانضمام إلى عقيدة ترعاها إرهاقاً لآخرين من الدخول في سواها ، ولا أن يكون تدخلها بالجزاء عقاباً لمن يلوذون بعقيدة لا تصطفيها ، وليس لها بوجه خاص أن يكون إذكاء صراع بين الأديان تمييزاً لبعضها على البعض ، كذلك فإن حرية العقيدة لا يجوز فصلها عن حرية ممارسة شعائرها ، وهو ما حمل الدستور على أن يضم هاتين الحريتين في جملة واحدة جرت بها مادته السادسة والأربعون بما نصت عليه ؛ من أن حرية العقيدة ممارسة الشعائر الدينية مكفولتان ؛ وهو ما يعني تكاملهما ، وأنهما قسيمان لا ينفصلان وأن ثانيتهما تمثل مظاهر أولاهما باعتبارها انتقالًا بالعقيدة من مجرد الإيمان واختلاجها في الوجدان إلى التعبير عن محتواها عملا ليكون تطبيقها حيا فلا تكمن في الصدور ومن ثم ساغ القول بأن أولاهما لا قيد عليها، وأن ثانيتهما يجوز تقييدها من خلال تنظيمها توكيدا لبعض المصالح العليا التي ترتبط بها وبوجه خاص ما يتصل منها بصون النظام العام والقيم الأدبية وحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.