إبرام العقد الإلكتروني
إعداد الباحث
فراس فاضل الشطي
الدفعة التاسعة
المقدمة
من الملاحظ أن التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل الذي تشهده البشرية في العصر الحديث يلقي بظلاله ونتائجه على كافة جوانب الحياة والعلاقات بين الأفراد والدول، ويبدو ذلك بوضوح بصدد ثورة الاتصالات والفضائيات والحاسبات الآلية والمعلوماتية عبر شبكة الإنترنت، ولذلك يتم تجسيد التجارة الإلكترونية عبر الأساليب التعاقدية ومن خلال العقد الإلكتروني الذي يعتبر من أهم الوسائل التي ساعدت على رواج تلك التجارة.
وبالتالي، لا مناص من التسليم بأن العقد الإلكتروني يعتبر بمثابة القلب النابض للتجارة الإلكترونية، حيث أنه يمثل ترجمة قانونية لتلاقي الإرادات بين البائع ومقدم الخدمة من ناحية والمشتري أو المستهلك من ناحية أخرى، ويقوم هذا العقد مثل العقد التقليدي على الثقة ويتطلب وسطاً قانونياً قوياً تحيطه العديد من الضمانات التي تعمل على تدارك المخاطر التي قد تصيب المعاملات المبرمة عن بعد، ويواكب التطور المتنامي في مجال التجارة الإلكترونية والتي أصبحت حقيقة قائمة لا تقف آفاقها وإمكاناتها عند حد .
ويمكن تعريف العقد الإلكتروني بأنه (اتفاق بين شخصين أو أكثر يتلاقى فيه الإيجاب والقبول عبر تقنيات الاتصال عن بعد بهدف إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها).
وللعقد الإلكتروني العديد من الخصائص التي تميزه عن غيره من العقود المكتوبة، وتتمثل في الآتي:
أولا : في إنه عقد إبرام عن بعد يتمثل بمجموعة من الإجراءات الفنية المسموعة والمرئية لإرسال واستقبال المعلومات عن بعد ، ونظرا لأن العقد الإلكتروني ينعقد عن بعد عبر تقنيات الاتصالات الحديثة ودون حضور شخصي للمتعاقدين ، وهو الأمر الذي أدى إلى تحقيق العديد من المزايا الاقتصادية للمشروعات التجارية والعملاء على حد سواء.
وبالنسبة للمشروعات السياحية أدى استخدامها للعقود الإلكترونية في معاملاتها التجارية إلى تخفيض النفقات الداخلية في هذه المشروعات وتقليص عدد العمال بها، وإمكانية الاتصال المباشر بالعملاء في منازلهم، وبالنسبة للعملاء فأنه يوفر الجهد والوقت إذ يغني هذا النوع من السلع والخدمات عن الحاجة إلى المتجر الذي تتواجد فيه هذه السلعة أو الخدمة، أو الانتظار في طابور للحصول على منتج معين.
ثانيا: وإن كان العقد الإلكتروني لا يعدو أن يكون عقداً تجارياً تقليدياً لا يختلف في أثره القانوني عن العقد المكتوب إلا أن العقد الإلكتروني ينفرد بالوسيلة التي ينعقد بها إذ يتم إبرامه عن طريق الإنترنت أو غيره من وسائل الاتصال الإلكترونية، وتطبيقاً لذلك فقد يتمثل العقد الإلكتروني في عقد بيع أو عقد قرض أو عقد إجارة أو عقد سمسرة، أو عقد تقديم خدمات، أو معلومات.
ثالثا: أن العقد الإلكتروني عقد عابر للحدود فهو يتم بين شخصين كل منهما في دولتين مختلفتين.
أهمية البحث:
لا شك أن التطور الهائل في ثورة الاتصالات والتقنيات الحديثة وبالإضافة إلى التطور التكنولوجي الحديث بصفة عامة قد أدى إلى ظهور التجارة الإلكترونية ومن خلالها العقد الإلكتروني، وإذا كان المشرع الكويتي لم ينظم بعد القوانين والأحكام اللازمة للفصل في المنازعات التي قد تثور بشأن هذه الأمور التي تفرض نفسها في العصر الحالي على المعاملات التجارية التي قد تنشأ في المجتمع بحكم هذا التطور. فإن الأمر يحتاج إلى إلقاء الضوء على هذا النوع الحديث من المعاملات لبيان ماهية القوانين والأحكام التي تحكمه حتى تتوافر الحماية القانونية للمتعاملين في هذا المجال. ومن أجل ذلك رأيت أن أتناول البحث في هذا المجال الذي سوف يفرض على النظم القانونية أن تتعرض له لتضع له الأحكام والقوانين اللازمة للفصل في المنازعات التي قد تثور بشأنه لا محالة ، ولتسليط الضوء على ماهية العقد الإلكتروني من خلال انعقاده وإثباته فقط، ومن أجل ذلك سوف أتعرض للموضوعات التي يشملها البحث في فصلين ، ويتضمن الفصل الأول انعقاد العقد الإلكتروني ويشمل التراضي بما يلزمه من إيجاب وقبول ومجلس التعاقد الإلكتروني والعيوب التي تلحق الإرادة ، ثم بيان الأهلية اللازمة لانعقاد العقد الإلكتروني ، والتعرض للنيابة في التعاقد الإلكتروني وفي نهاية هذا الفصل يتم التحدث عن محل العقد الإلكتروني وسببه. وتضمن الفصل الثاني إثبات العقد الإلكتروني ، ومن خلال هذا الفصل تم الحديث عن طرق الإثبات وهي الكتابة والتوقيع ،وصور التوقيع الإلكتروني وهي التوقيع البيومتري والتوقيع الرقمي والتوقيع بالقلم الإلكتروني والتوقيع الكودي او السري ، وبعد ذلك تحدثت عن حجية التوقيع الإلكتروني.
ومما هو جدير بالذكر أن المشرع الكويتي على وشك تنظيم قانون التجارة الإلكترونية بموجب قانون أعد مشروعه ولم يصدر بعد.
ولذلك فقد اتبعت في هذا البحث المنهج المقارن ومنهج التحليل القانوني.
الصعوبات:
* ندرة الأحكام القضائية التي تناولت الموضوع
وبعد أن تناولنا مقدمة البحث سوف نتناول بحثنا هذا في فصلين يتخللهما مباحث ومطالب تفصيلية وذلك على النحو التالي:
الفصل الأول: انعقاد العقد الإلكتروني .
الفصل الثاني: إثبات العقد الإلكتروني .
الفصل الأول
انعقاد العقد الإلكتروني
العقد الإلكتروني لا يختلف عن العقد العادي في أركان انعقاده وشروط صحته والأثر المترتب عليه من حيث المسئولية وإنما يختلف عنه في الوسيلة التي يتم بها إبرامه إذ يكتسب الطابع الإلكتروني من الطريقة التي ينعقد بها فينعقد بتلاقي الإيجاب بالقبول بفضل التواصل بين المتعاقدين بوسيلة مرئية مسموعة عبر شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد، ومتى كان العقد الإلكتروني لا يعدو أن يكون عقداً عادياً لا يختلف عنه إلا في الطريقة التي ينعقد بها عبر وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت فإنه يلزم أن نعرض للتنظيم الذي وضعه المشرع للعقد العادي حيث صدر المرسوم رقم 67 لسنة 1980 بإصدار القانون المدني الكويتي ونص في المادة 31 منه على إن العقد هو (ارتباط الإيجاب بالقبول على إحداث أثر يرتبه القانون) ونص في المادة 32 منه على أن( ينعقد العقد بمجرد ارتباط الإيجاب بالقبول إذا ورد على محل واستند إلى سبب معتبرين قانوناً، وذلك دون إخلال بما يتطلبه القانون، في حالات خاصة ، من أوضاع معينة لانعقاد العقد).
فعلى ذلك فالعقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني ، فالرضا أو التراضي هي قوام العقد، والتراضي ينصرف إلى إنشاء الالتزام وكل التزام لابد أن يكون له من محل وسبب وهذا هو العقد التقليدي وفقا للنظرية العامة للالتزام .
وإذا كان العقد الإلكتروني يخضع في تنظيمه للقواعد والأحكام العامة التي تنظمها النظرية العامة للعقد بوجه عام ولكن يختلف بوسيلة إبرامه إذ أنه عقد يُبرم بين غائبين عن بُعد باستخدام وسائط إلكترونية حديثة.
ولذلك يلزم التعرف على العقد العادي من حيث أركان انعقاده وشروط صحته وفقاً للتنظيم الذي وضعه المشرع الكويتي ومن خلال ذلك نعرض للطبيعة الخاصة للعقد الإلكتروني طبقاً للترتيب الآتي:
المبحث الأول: توافر الرضا.
المبحث الثاني: المحل في العقد الإلكتروني.
المبحث الثالث: السبب في العقد الإلكتروني.
المبحث الأول
توافر الرضا
التراضي هو أحد الأركان الأساسية لانعقاد العقد الذي ينعقد بتوافق إرادتين بقصد إحداث أثر قانوني ، ويعتبر التراضي موجود إذا تطابقت إرادتا المتعاقدين، وتوافرت شروط صحة التراضي إذ بهذا ينعقد العقد ، ولكي يوجد التراضي لابد من وجود إرادة لدى كلا من طرفي العقد ولابد أن تتطابق الإرادتان والقانون يعتد بالإرادة إذا كانت صادرة ممن له القدرة على معرفة ما يترتب على الإرادة من أثار ، والإرادة عمل نفسي لا أثر لها ما بقيت كامنة في نفس صاحبها لذلك يجب لكي يعتد القانون بالإرادة أن تتخذ مظهر خارجي يدل عليها ، فلكي ينعقــد العقد بصفة عامة لابد أن يصدر إيجاب من أحد المتعاقدين يعقبه قبول من الطرف الآخر ولابد أن يقترن الإيجاب بالقبول وان يتطابق كل من الإيجاب والقبول(1).
وسوف نقوم بدراسة توافر الرضا من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: الإيجاب.
المطلب الثاني: القبول.
المطلب الثالث: مجلس التعاقد الإلكتروني
المطلب الرابع: أهلية إبرام العقد الإلكتروني.
المطلب الخامس: عيوب الإرادة.
المطلب السادس: النيابة في التعاقد الإلكتروني.
المطلب الأول
الإيــــجـــــاب
الإيجاب: هو تعبير عن إرادة المتعاقد ، يدل بصورة قاطعة على أنه يقبل التعاقد وفقا لشروط معينة ، وهذا ما عرَّفته المادة 39 من القانون المدني الكويتي بقولها:
(يعتبر إيجاباً العرض الذي يتضمن عزم صاحبه على إبرام العقد بمجرد أن يقبله الموجب له، ويلزم أن يتضمن على الأقل طبيعة العقد المراد إبرامه وشروطه الأساسية). وقد عرفته محكمة النقض المصرية بقولها (عرض يعبر به الشخص على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين)، ولذلك يجب لاعتبار التعبير عن الإرادة إيجابا أن يكون دالا على إرادة نهائية وأن يتضمن جميع العناصر الأساسية للعقد.
وقد وضعت اتفاقية فيينا لعام 1980 بشأن النقل الدولي للبضائع في المادة (14/1) معيارا لتحديد الإيجاب فنصت على أن الإيجاب (يكون محددا بشكل كافٍ إذا تعينت فيه البضائع محل البيع وتحددت كميتها وثمنها صراحة أو ضمنا ، أو إذا كانت ممكنة التحديد حسب البيانات التي تضمنتها صيغة الإيجاب).
هذا بالنسبة للإيجاب وفقاً لمعناه التقليدي أما بالنسبة لتعريف الإيجاب بشأن العقد الإلكتروني فقد عرفه التوجه الأوروبي الصادر في 20/5/1997م (إنه كل اتصال عن بعد يتضمن كافة العناصر اللازمة لتمكين المرسل إليه من أن يقبل التعاقد مباشرة ويستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان).
ولفظ إلكتروني إذا ما أضيف إلى الإيجاب فلا يؤثر في معناه المذكور شيء وفقا للنظرية العامة للالتزامات ، فالمسألة مجرد وصف لا أكثر بسبب اختلاف وسيلة التعبير عن الإرادة، فالتعبير في العقد الإلكتروني يتجسد في وسائل الاتصال الحديثة عن طريق الحاسب الآلي، يظهر التعبير عن الإرادة على شاشة هذا الحاسب وقد يتم التعبير عن الإرادة إلكترونيا عن طريق البريد الإلكتروني أو عن طريق موقع انترنت أو عن طريق المحادثة.(1)
أولاً: الإيجاب عبر البريد الإلكتروني: ويهدف الإيجاب الذي يتم عبر البريد الإلكتروني أن يكون العرض لأشخاص محددين وذلك في حالة إذا ما رغب التاجر في أن يخصص الإيجاب لأشخاص الذي يرى إنهم قد يهتمون بمنتجه دون غيرهم من أفراد الجمهور، ويلاحظ أن الإيجاب إما أن يكون موجه لشخص واحد فقط أو موجه لعدة أشخاص، وأن الإيجاب الموجه لشخص واحد هو إيجاب غير ملزم إلا إذا كان الإيجاب خلال مدة معينة يلتزم من خلاله الموجب بالبقاء على إيجابه طوال تلك المدة، وفي حالة الإيجاب غير الملزم يمكن رفضه عبر البريد الإلكتروني إذا قام الموجب له بإغلاق جهاز الحاسب الآلي أو انتقل إلى موقع آخر غير موقع الموجب.
أما إذا كان الإيجاب موجه لعدة أشخاص فإنه يكون عند الشك مجرد دعوة إلى التفاوض أو التعاقد ولا يكون إيجاباً استنادا إلى أن النشر أو الإعلان أو بيان الأسعار الجاري التعامل بها أو بطلبات موجه للجمهور فلا يعتبر عند الشك إيجاباً، ولكن يكون دعوة إلى التعاقد(1).
ثانياً: الإيجاب الذي يتم عبر صفحات الويب web:
وهذا النوع من الإيجاب لا يختلف كثيرا عن الإيجاب الصادر من الصحف أو عبر التلفاز وذلك لأنه إيجاباً مستمراً على مدار الساعة، وأن هذا الإيجاب يكون في الأغلب موجه إلى الجمهور وليس إلى فرد معين، وذلك إن الإيجاب الصادر عبر صفحات الويب لا يكون محدداً بزمن وإن كان محددا بنفاذ الكمية أو مدة معقولة كما في الإيجاب التقليدي ليس إلا وفي مثل هذه الحالة يكون الإيجاب كاملاً إذا استكمل شروطه العامة(2).
ثالثاً: الإيجاب عبر المحادثة أو المشاهدة:
وهنا يستطيع المتعامل على شبكة الإنترنت أن يرى المتصل معه على شاشة الحاسب الآلي، وأن يتحدث معه وذلك عن طريق كاميرا بجهاز الكمبيوتر لدى كل من الطرفين، ويتصور في هذه الحالة أن يصدر من أحد الطرفين إيجابا يصادفه قبولاً من الطرف الآخر وهنا ينعقد العقد بناء على تلاقي الإيجاب والقبول وتكون أمام تعاقد بين حاضرين حكما (3).
والواقع أن صدور الإيجاب الإلكتروني ينبغي أن تسبقه مراحل تفاوضية قبل إتمام التعاقد ، وبما أن الإيجاب الإلكتروني يكون إيجابا عن بعد فان العقد الذي ينتهي إليه يكون عقدا مبرما عن بعد إضافة إلى انه غالبا ما يكون موجها من تاجر مهني إلى طائفة المستهلكين لذلك فهو يخضع للقواعد الخاصة بحماية المستهلك التي تفرض على التاجر أو المتعاقد المهني العديد من الالتزامات والواجبات تجاه المستهلك ويأتي في مقدمتها تحديد هوية البائع وعنوانه وتحديد الشيء المبيع أو الخدمة المقدمة وأوصافها والسعر المقابل لها وطريقة الدفع أو السداد وخيار المستهلك في الرجوع إلى التعاقد في خلال المدة المحددة قانوناً، وإعادة إخطار المستهلك بالمعلومات السابقة في خلال مدة لا تتجاوز إعادة تسليم ، ومدة الضمان وخدمة ما بعد البيع .
ويتميز الإيجاب الإلكتروني الذي يتم عبر الانترنت بوجود وسيط بعرض الإيجاب ونشره نيابة عن الموجب ولهذا السبب فان الإيجاب لا يكون فاعلا لمجرد صدوره وإنما بعرضه على الموقع إذ بهذا العرض يتحقق الوجود القانوني المؤثر للإيجاب ويكون صالحاً لترتيب آثاره.
كما أن الإيجاب الإلكتروني يختفي بمجرد سحبه من موقع عرضه إذ في هذه الحالة ينعدم أثره القانوني ولا يصبح له وجود يعتد به .لأنه لن يكون متاحا للجمهور في هذه الحالة .(1)
ويلاحظ أنه غالباً ما يتم الإعلان عن السلع والخدمات عن طريق الإنترنت ويمكن تعريف الإعلان بأنه (كل شكل من أشكال الاتصال في إطار نشاط تجاري أو صناعي أو فني بهدف الدعاية لتوريد أشياء أو خدمات).
واختلفت الآراء حول الحد الفاصل بين الإيجاب والإعلان فيرى أصحاب هذا الرأي أن الإعلان لا يعتبر إيجاباً وإنما دعوة إلى التعاقد وذلك بسبب عدم تعيين الشخص المقصود بالإيجاب فضلا عما يحمله هذا النوع من ضغط معنوي على المستهلك وتحريض له على شراء سلع غير ضرورية.
أما الرأي الأخرى فيعتبر الإعلان الموجه للجمهور عبر الإنترنت إيجاباً (2)، ونحن نميل لأصحاب الرأي الثاني طالما أنه قد تضمن العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه كأن يتضمن تحديداً للسلعة أو الخدمة تحديداً نافيا للجهالة ويتم أيضا تحديد الثمن أما إذا لم يتضمن الإعلان ذلك فإنه لا يـعد وأن يكون مجـرد دعــوة للتعاقد.
المطلب الثاني
الــقــبــــــول
القبول : هو تعبير عن إرادة من وجه إليه الإيجاب يفيد موافقته على الإيجاب ويؤدي القبول إلى إتمام العقد متى وصل إلى علم الموجب وكان الإيجاب لا يزال قائما أي لم يكن قد سقط لسبب من الأسباب كموت الموجب أو الموجب له أو بفقد أحدهما الأهلية وهذا ما أكدته المادة 42 من القانون المدني الكويتي بقولها: (يسقط الإيجاب بموت الموجب أو الموجب له أو بفقد أحدهما الأهلية).
والقبول الإلكتروني يتوافق مضمونه مع المعنى السابق كل ما في الأمر أنه يتم من خلال وسيط إلكتروني(1) ويصدر في الغالب الراجح من المستهلك ويتم عن بعد. وإذا كان القبول العادي قد يكون صريحاً أو ضمنياً، فإن القبول الإلكتروني لا يكون إلا صريحاً سواء باستعمال لفظ صريح ومباشر يدل على المعنى المقصود ويتم إما عن طريق اتصال تليفوني عبر الإنترنت أو عن طريق المحادثة الكتابية MIRC أو عن طريق البريد الإلكتروني وقت أن يعد المستهلك قبوله في شكل رسالة بريدية من خلال أحد برامج البريد الإلكتروني ويتم كتابة مضمون القبول في سطر الموضوع، ثم مجرد الضغط على زر الإرسال لتوجيه الرسالة إلى القائمة البريدية الإلكترونية الخاصة بالمحترف المهني(2).
كما أن السكوت واتخاذ موقف سلبي لا يدل على إرادة معينة يعتبر قبولا إذا لابسته ظروف معينة تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر ردا على إيجابه(3). وهذا ما نصت عليه المادة 44 من القانون المدني الكويتي بقولها : ( 1-لا ينسب لساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان يعتبر قبولا 2- ويعتبر السكوت قبولا بوجه خاص إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واقتصر الإيجاب بهذا التعامل ، أو إذا كان الإيجاب محض منفعة الموجب له وكذلك يعتبر سكوت المشتري بعد تسلمه لبضاعة التي اشتراها وقائمة الثمن قبولا لما ورد في هذه القائمة من شروط) .
ولذلك يظهر لنا سؤال هل يصح السكوت الملابس للتعبير عن القبول الإلكتروني؟
رأى قال: أن سكوت أحد المتعاقدين في التعامل السابق بينهما عبر الإنترنت يمكن أن نستنتج منه القبول شأنه في ذلك شأن القبول التقليدي. ويرى جانب آخر من الفقه أن السكوت لا يصلح للتعبير عن القبول الإلكتروني ولذلك فإن من يتسلم رسالة إلكترونية عبر الإنترنت تتضمن إيجاباً وينص فيها على أنه إذا لم يرد على هذا العرض خلال مدة معينة اعتبر ذلك قبولاً.(1)
وفي تقديرنا أنه من الصعوبة بمكان اعتبار السكوت الملابس تعبيراً عن القبول في التعاقد عبر الإنترنت تطبيقاً لنص المادة 44 من القانون المدني إذ أن سهولة إرسال الإيجاب عبر الإنترنت سواء أكان ذلك بواسطة صفحات الويب أو بواسطة البريد الإلكتروني قد يؤدي إلى فرض التعاقد على الشخص الذي اعتاد التعامل مع متجر افتراضي عبر الشبكة وذلك بمجرد إرسال التاجر على سبيل المثال لرسالة إلكترونية وعدم الرد عليها خلال مدة معينة بمثابة القبول لما جاء فيها من إيجاب فظروف التعامل السابق لا يكفي بنظرنا لاعتباره من قبيل السكوت الملابس في التعاقد عبر الإنترنت.
متى استكمل الإيجاب شروطه ووافقه قبول مكتمل انعقد العقد ومعنى التوافق أن يقترن الإيجاب بقبول مطابق له فلابد أن يصدر من أحد أطراف العقد إيجاب ويصدر قبول من الطرف الآخر حتى يتحقق التوافق بين الإرادتين المؤدي إلى انعقاد العقد.
واقتران الإيجاب والقبول له أهمية بالغة في تحديد زمان ومكان انعقاد العقد.
إعداد الباحث
فراس فاضل الشطي
الدفعة التاسعة
المقدمة
من الملاحظ أن التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل الذي تشهده البشرية في العصر الحديث يلقي بظلاله ونتائجه على كافة جوانب الحياة والعلاقات بين الأفراد والدول، ويبدو ذلك بوضوح بصدد ثورة الاتصالات والفضائيات والحاسبات الآلية والمعلوماتية عبر شبكة الإنترنت، ولذلك يتم تجسيد التجارة الإلكترونية عبر الأساليب التعاقدية ومن خلال العقد الإلكتروني الذي يعتبر من أهم الوسائل التي ساعدت على رواج تلك التجارة.
وبالتالي، لا مناص من التسليم بأن العقد الإلكتروني يعتبر بمثابة القلب النابض للتجارة الإلكترونية، حيث أنه يمثل ترجمة قانونية لتلاقي الإرادات بين البائع ومقدم الخدمة من ناحية والمشتري أو المستهلك من ناحية أخرى، ويقوم هذا العقد مثل العقد التقليدي على الثقة ويتطلب وسطاً قانونياً قوياً تحيطه العديد من الضمانات التي تعمل على تدارك المخاطر التي قد تصيب المعاملات المبرمة عن بعد، ويواكب التطور المتنامي في مجال التجارة الإلكترونية والتي أصبحت حقيقة قائمة لا تقف آفاقها وإمكاناتها عند حد .
ويمكن تعريف العقد الإلكتروني بأنه (اتفاق بين شخصين أو أكثر يتلاقى فيه الإيجاب والقبول عبر تقنيات الاتصال عن بعد بهدف إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها).
وللعقد الإلكتروني العديد من الخصائص التي تميزه عن غيره من العقود المكتوبة، وتتمثل في الآتي:
أولا : في إنه عقد إبرام عن بعد يتمثل بمجموعة من الإجراءات الفنية المسموعة والمرئية لإرسال واستقبال المعلومات عن بعد ، ونظرا لأن العقد الإلكتروني ينعقد عن بعد عبر تقنيات الاتصالات الحديثة ودون حضور شخصي للمتعاقدين ، وهو الأمر الذي أدى إلى تحقيق العديد من المزايا الاقتصادية للمشروعات التجارية والعملاء على حد سواء.
وبالنسبة للمشروعات السياحية أدى استخدامها للعقود الإلكترونية في معاملاتها التجارية إلى تخفيض النفقات الداخلية في هذه المشروعات وتقليص عدد العمال بها، وإمكانية الاتصال المباشر بالعملاء في منازلهم، وبالنسبة للعملاء فأنه يوفر الجهد والوقت إذ يغني هذا النوع من السلع والخدمات عن الحاجة إلى المتجر الذي تتواجد فيه هذه السلعة أو الخدمة، أو الانتظار في طابور للحصول على منتج معين.
ثانيا: وإن كان العقد الإلكتروني لا يعدو أن يكون عقداً تجارياً تقليدياً لا يختلف في أثره القانوني عن العقد المكتوب إلا أن العقد الإلكتروني ينفرد بالوسيلة التي ينعقد بها إذ يتم إبرامه عن طريق الإنترنت أو غيره من وسائل الاتصال الإلكترونية، وتطبيقاً لذلك فقد يتمثل العقد الإلكتروني في عقد بيع أو عقد قرض أو عقد إجارة أو عقد سمسرة، أو عقد تقديم خدمات، أو معلومات.
ثالثا: أن العقد الإلكتروني عقد عابر للحدود فهو يتم بين شخصين كل منهما في دولتين مختلفتين.
أهمية البحث:
لا شك أن التطور الهائل في ثورة الاتصالات والتقنيات الحديثة وبالإضافة إلى التطور التكنولوجي الحديث بصفة عامة قد أدى إلى ظهور التجارة الإلكترونية ومن خلالها العقد الإلكتروني، وإذا كان المشرع الكويتي لم ينظم بعد القوانين والأحكام اللازمة للفصل في المنازعات التي قد تثور بشأن هذه الأمور التي تفرض نفسها في العصر الحالي على المعاملات التجارية التي قد تنشأ في المجتمع بحكم هذا التطور. فإن الأمر يحتاج إلى إلقاء الضوء على هذا النوع الحديث من المعاملات لبيان ماهية القوانين والأحكام التي تحكمه حتى تتوافر الحماية القانونية للمتعاملين في هذا المجال. ومن أجل ذلك رأيت أن أتناول البحث في هذا المجال الذي سوف يفرض على النظم القانونية أن تتعرض له لتضع له الأحكام والقوانين اللازمة للفصل في المنازعات التي قد تثور بشأنه لا محالة ، ولتسليط الضوء على ماهية العقد الإلكتروني من خلال انعقاده وإثباته فقط، ومن أجل ذلك سوف أتعرض للموضوعات التي يشملها البحث في فصلين ، ويتضمن الفصل الأول انعقاد العقد الإلكتروني ويشمل التراضي بما يلزمه من إيجاب وقبول ومجلس التعاقد الإلكتروني والعيوب التي تلحق الإرادة ، ثم بيان الأهلية اللازمة لانعقاد العقد الإلكتروني ، والتعرض للنيابة في التعاقد الإلكتروني وفي نهاية هذا الفصل يتم التحدث عن محل العقد الإلكتروني وسببه. وتضمن الفصل الثاني إثبات العقد الإلكتروني ، ومن خلال هذا الفصل تم الحديث عن طرق الإثبات وهي الكتابة والتوقيع ،وصور التوقيع الإلكتروني وهي التوقيع البيومتري والتوقيع الرقمي والتوقيع بالقلم الإلكتروني والتوقيع الكودي او السري ، وبعد ذلك تحدثت عن حجية التوقيع الإلكتروني.
ومما هو جدير بالذكر أن المشرع الكويتي على وشك تنظيم قانون التجارة الإلكترونية بموجب قانون أعد مشروعه ولم يصدر بعد.
ولذلك فقد اتبعت في هذا البحث المنهج المقارن ومنهج التحليل القانوني.
الصعوبات:
* ندرة الأحكام القضائية التي تناولت الموضوع
وبعد أن تناولنا مقدمة البحث سوف نتناول بحثنا هذا في فصلين يتخللهما مباحث ومطالب تفصيلية وذلك على النحو التالي:
الفصل الأول: انعقاد العقد الإلكتروني .
الفصل الثاني: إثبات العقد الإلكتروني .
الفصل الأول
انعقاد العقد الإلكتروني
العقد الإلكتروني لا يختلف عن العقد العادي في أركان انعقاده وشروط صحته والأثر المترتب عليه من حيث المسئولية وإنما يختلف عنه في الوسيلة التي يتم بها إبرامه إذ يكتسب الطابع الإلكتروني من الطريقة التي ينعقد بها فينعقد بتلاقي الإيجاب بالقبول بفضل التواصل بين المتعاقدين بوسيلة مرئية مسموعة عبر شبكة دولية مفتوحة للاتصال عن بعد، ومتى كان العقد الإلكتروني لا يعدو أن يكون عقداً عادياً لا يختلف عنه إلا في الطريقة التي ينعقد بها عبر وسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت فإنه يلزم أن نعرض للتنظيم الذي وضعه المشرع للعقد العادي حيث صدر المرسوم رقم 67 لسنة 1980 بإصدار القانون المدني الكويتي ونص في المادة 31 منه على إن العقد هو (ارتباط الإيجاب بالقبول على إحداث أثر يرتبه القانون) ونص في المادة 32 منه على أن( ينعقد العقد بمجرد ارتباط الإيجاب بالقبول إذا ورد على محل واستند إلى سبب معتبرين قانوناً، وذلك دون إخلال بما يتطلبه القانون، في حالات خاصة ، من أوضاع معينة لانعقاد العقد).
فعلى ذلك فالعقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني ، فالرضا أو التراضي هي قوام العقد، والتراضي ينصرف إلى إنشاء الالتزام وكل التزام لابد أن يكون له من محل وسبب وهذا هو العقد التقليدي وفقا للنظرية العامة للالتزام .
وإذا كان العقد الإلكتروني يخضع في تنظيمه للقواعد والأحكام العامة التي تنظمها النظرية العامة للعقد بوجه عام ولكن يختلف بوسيلة إبرامه إذ أنه عقد يُبرم بين غائبين عن بُعد باستخدام وسائط إلكترونية حديثة.
ولذلك يلزم التعرف على العقد العادي من حيث أركان انعقاده وشروط صحته وفقاً للتنظيم الذي وضعه المشرع الكويتي ومن خلال ذلك نعرض للطبيعة الخاصة للعقد الإلكتروني طبقاً للترتيب الآتي:
المبحث الأول: توافر الرضا.
المبحث الثاني: المحل في العقد الإلكتروني.
المبحث الثالث: السبب في العقد الإلكتروني.
المبحث الأول
توافر الرضا
التراضي هو أحد الأركان الأساسية لانعقاد العقد الذي ينعقد بتوافق إرادتين بقصد إحداث أثر قانوني ، ويعتبر التراضي موجود إذا تطابقت إرادتا المتعاقدين، وتوافرت شروط صحة التراضي إذ بهذا ينعقد العقد ، ولكي يوجد التراضي لابد من وجود إرادة لدى كلا من طرفي العقد ولابد أن تتطابق الإرادتان والقانون يعتد بالإرادة إذا كانت صادرة ممن له القدرة على معرفة ما يترتب على الإرادة من أثار ، والإرادة عمل نفسي لا أثر لها ما بقيت كامنة في نفس صاحبها لذلك يجب لكي يعتد القانون بالإرادة أن تتخذ مظهر خارجي يدل عليها ، فلكي ينعقــد العقد بصفة عامة لابد أن يصدر إيجاب من أحد المتعاقدين يعقبه قبول من الطرف الآخر ولابد أن يقترن الإيجاب بالقبول وان يتطابق كل من الإيجاب والقبول(1).
وسوف نقوم بدراسة توافر الرضا من خلال المطالب التالية:
المطلب الأول: الإيجاب.
المطلب الثاني: القبول.
المطلب الثالث: مجلس التعاقد الإلكتروني
المطلب الرابع: أهلية إبرام العقد الإلكتروني.
المطلب الخامس: عيوب الإرادة.
المطلب السادس: النيابة في التعاقد الإلكتروني.
المطلب الأول
الإيــــجـــــاب
الإيجاب: هو تعبير عن إرادة المتعاقد ، يدل بصورة قاطعة على أنه يقبل التعاقد وفقا لشروط معينة ، وهذا ما عرَّفته المادة 39 من القانون المدني الكويتي بقولها:
(يعتبر إيجاباً العرض الذي يتضمن عزم صاحبه على إبرام العقد بمجرد أن يقبله الموجب له، ويلزم أن يتضمن على الأقل طبيعة العقد المراد إبرامه وشروطه الأساسية). وقد عرفته محكمة النقض المصرية بقولها (عرض يعبر به الشخص على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد معين)، ولذلك يجب لاعتبار التعبير عن الإرادة إيجابا أن يكون دالا على إرادة نهائية وأن يتضمن جميع العناصر الأساسية للعقد.
وقد وضعت اتفاقية فيينا لعام 1980 بشأن النقل الدولي للبضائع في المادة (14/1) معيارا لتحديد الإيجاب فنصت على أن الإيجاب (يكون محددا بشكل كافٍ إذا تعينت فيه البضائع محل البيع وتحددت كميتها وثمنها صراحة أو ضمنا ، أو إذا كانت ممكنة التحديد حسب البيانات التي تضمنتها صيغة الإيجاب).
هذا بالنسبة للإيجاب وفقاً لمعناه التقليدي أما بالنسبة لتعريف الإيجاب بشأن العقد الإلكتروني فقد عرفه التوجه الأوروبي الصادر في 20/5/1997م (إنه كل اتصال عن بعد يتضمن كافة العناصر اللازمة لتمكين المرسل إليه من أن يقبل التعاقد مباشرة ويستبعد من هذا النطاق مجرد الإعلان).
ولفظ إلكتروني إذا ما أضيف إلى الإيجاب فلا يؤثر في معناه المذكور شيء وفقا للنظرية العامة للالتزامات ، فالمسألة مجرد وصف لا أكثر بسبب اختلاف وسيلة التعبير عن الإرادة، فالتعبير في العقد الإلكتروني يتجسد في وسائل الاتصال الحديثة عن طريق الحاسب الآلي، يظهر التعبير عن الإرادة على شاشة هذا الحاسب وقد يتم التعبير عن الإرادة إلكترونيا عن طريق البريد الإلكتروني أو عن طريق موقع انترنت أو عن طريق المحادثة.(1)
أولاً: الإيجاب عبر البريد الإلكتروني: ويهدف الإيجاب الذي يتم عبر البريد الإلكتروني أن يكون العرض لأشخاص محددين وذلك في حالة إذا ما رغب التاجر في أن يخصص الإيجاب لأشخاص الذي يرى إنهم قد يهتمون بمنتجه دون غيرهم من أفراد الجمهور، ويلاحظ أن الإيجاب إما أن يكون موجه لشخص واحد فقط أو موجه لعدة أشخاص، وأن الإيجاب الموجه لشخص واحد هو إيجاب غير ملزم إلا إذا كان الإيجاب خلال مدة معينة يلتزم من خلاله الموجب بالبقاء على إيجابه طوال تلك المدة، وفي حالة الإيجاب غير الملزم يمكن رفضه عبر البريد الإلكتروني إذا قام الموجب له بإغلاق جهاز الحاسب الآلي أو انتقل إلى موقع آخر غير موقع الموجب.
أما إذا كان الإيجاب موجه لعدة أشخاص فإنه يكون عند الشك مجرد دعوة إلى التفاوض أو التعاقد ولا يكون إيجاباً استنادا إلى أن النشر أو الإعلان أو بيان الأسعار الجاري التعامل بها أو بطلبات موجه للجمهور فلا يعتبر عند الشك إيجاباً، ولكن يكون دعوة إلى التعاقد(1).
ثانياً: الإيجاب الذي يتم عبر صفحات الويب web:
وهذا النوع من الإيجاب لا يختلف كثيرا عن الإيجاب الصادر من الصحف أو عبر التلفاز وذلك لأنه إيجاباً مستمراً على مدار الساعة، وأن هذا الإيجاب يكون في الأغلب موجه إلى الجمهور وليس إلى فرد معين، وذلك إن الإيجاب الصادر عبر صفحات الويب لا يكون محدداً بزمن وإن كان محددا بنفاذ الكمية أو مدة معقولة كما في الإيجاب التقليدي ليس إلا وفي مثل هذه الحالة يكون الإيجاب كاملاً إذا استكمل شروطه العامة(2).
ثالثاً: الإيجاب عبر المحادثة أو المشاهدة:
وهنا يستطيع المتعامل على شبكة الإنترنت أن يرى المتصل معه على شاشة الحاسب الآلي، وأن يتحدث معه وذلك عن طريق كاميرا بجهاز الكمبيوتر لدى كل من الطرفين، ويتصور في هذه الحالة أن يصدر من أحد الطرفين إيجابا يصادفه قبولاً من الطرف الآخر وهنا ينعقد العقد بناء على تلاقي الإيجاب والقبول وتكون أمام تعاقد بين حاضرين حكما (3).
والواقع أن صدور الإيجاب الإلكتروني ينبغي أن تسبقه مراحل تفاوضية قبل إتمام التعاقد ، وبما أن الإيجاب الإلكتروني يكون إيجابا عن بعد فان العقد الذي ينتهي إليه يكون عقدا مبرما عن بعد إضافة إلى انه غالبا ما يكون موجها من تاجر مهني إلى طائفة المستهلكين لذلك فهو يخضع للقواعد الخاصة بحماية المستهلك التي تفرض على التاجر أو المتعاقد المهني العديد من الالتزامات والواجبات تجاه المستهلك ويأتي في مقدمتها تحديد هوية البائع وعنوانه وتحديد الشيء المبيع أو الخدمة المقدمة وأوصافها والسعر المقابل لها وطريقة الدفع أو السداد وخيار المستهلك في الرجوع إلى التعاقد في خلال المدة المحددة قانوناً، وإعادة إخطار المستهلك بالمعلومات السابقة في خلال مدة لا تتجاوز إعادة تسليم ، ومدة الضمان وخدمة ما بعد البيع .
ويتميز الإيجاب الإلكتروني الذي يتم عبر الانترنت بوجود وسيط بعرض الإيجاب ونشره نيابة عن الموجب ولهذا السبب فان الإيجاب لا يكون فاعلا لمجرد صدوره وإنما بعرضه على الموقع إذ بهذا العرض يتحقق الوجود القانوني المؤثر للإيجاب ويكون صالحاً لترتيب آثاره.
كما أن الإيجاب الإلكتروني يختفي بمجرد سحبه من موقع عرضه إذ في هذه الحالة ينعدم أثره القانوني ولا يصبح له وجود يعتد به .لأنه لن يكون متاحا للجمهور في هذه الحالة .(1)
ويلاحظ أنه غالباً ما يتم الإعلان عن السلع والخدمات عن طريق الإنترنت ويمكن تعريف الإعلان بأنه (كل شكل من أشكال الاتصال في إطار نشاط تجاري أو صناعي أو فني بهدف الدعاية لتوريد أشياء أو خدمات).
واختلفت الآراء حول الحد الفاصل بين الإيجاب والإعلان فيرى أصحاب هذا الرأي أن الإعلان لا يعتبر إيجاباً وإنما دعوة إلى التعاقد وذلك بسبب عدم تعيين الشخص المقصود بالإيجاب فضلا عما يحمله هذا النوع من ضغط معنوي على المستهلك وتحريض له على شراء سلع غير ضرورية.
أما الرأي الأخرى فيعتبر الإعلان الموجه للجمهور عبر الإنترنت إيجاباً (2)، ونحن نميل لأصحاب الرأي الثاني طالما أنه قد تضمن العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه كأن يتضمن تحديداً للسلعة أو الخدمة تحديداً نافيا للجهالة ويتم أيضا تحديد الثمن أما إذا لم يتضمن الإعلان ذلك فإنه لا يـعد وأن يكون مجـرد دعــوة للتعاقد.
المطلب الثاني
الــقــبــــــول
القبول : هو تعبير عن إرادة من وجه إليه الإيجاب يفيد موافقته على الإيجاب ويؤدي القبول إلى إتمام العقد متى وصل إلى علم الموجب وكان الإيجاب لا يزال قائما أي لم يكن قد سقط لسبب من الأسباب كموت الموجب أو الموجب له أو بفقد أحدهما الأهلية وهذا ما أكدته المادة 42 من القانون المدني الكويتي بقولها: (يسقط الإيجاب بموت الموجب أو الموجب له أو بفقد أحدهما الأهلية).
والقبول الإلكتروني يتوافق مضمونه مع المعنى السابق كل ما في الأمر أنه يتم من خلال وسيط إلكتروني(1) ويصدر في الغالب الراجح من المستهلك ويتم عن بعد. وإذا كان القبول العادي قد يكون صريحاً أو ضمنياً، فإن القبول الإلكتروني لا يكون إلا صريحاً سواء باستعمال لفظ صريح ومباشر يدل على المعنى المقصود ويتم إما عن طريق اتصال تليفوني عبر الإنترنت أو عن طريق المحادثة الكتابية MIRC أو عن طريق البريد الإلكتروني وقت أن يعد المستهلك قبوله في شكل رسالة بريدية من خلال أحد برامج البريد الإلكتروني ويتم كتابة مضمون القبول في سطر الموضوع، ثم مجرد الضغط على زر الإرسال لتوجيه الرسالة إلى القائمة البريدية الإلكترونية الخاصة بالمحترف المهني(2).
كما أن السكوت واتخاذ موقف سلبي لا يدل على إرادة معينة يعتبر قبولا إذا لابسته ظروف معينة تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر ردا على إيجابه(3). وهذا ما نصت عليه المادة 44 من القانون المدني الكويتي بقولها : ( 1-لا ينسب لساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان يعتبر قبولا 2- ويعتبر السكوت قبولا بوجه خاص إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واقتصر الإيجاب بهذا التعامل ، أو إذا كان الإيجاب محض منفعة الموجب له وكذلك يعتبر سكوت المشتري بعد تسلمه لبضاعة التي اشتراها وقائمة الثمن قبولا لما ورد في هذه القائمة من شروط) .
ولذلك يظهر لنا سؤال هل يصح السكوت الملابس للتعبير عن القبول الإلكتروني؟
رأى قال: أن سكوت أحد المتعاقدين في التعامل السابق بينهما عبر الإنترنت يمكن أن نستنتج منه القبول شأنه في ذلك شأن القبول التقليدي. ويرى جانب آخر من الفقه أن السكوت لا يصلح للتعبير عن القبول الإلكتروني ولذلك فإن من يتسلم رسالة إلكترونية عبر الإنترنت تتضمن إيجاباً وينص فيها على أنه إذا لم يرد على هذا العرض خلال مدة معينة اعتبر ذلك قبولاً.(1)
وفي تقديرنا أنه من الصعوبة بمكان اعتبار السكوت الملابس تعبيراً عن القبول في التعاقد عبر الإنترنت تطبيقاً لنص المادة 44 من القانون المدني إذ أن سهولة إرسال الإيجاب عبر الإنترنت سواء أكان ذلك بواسطة صفحات الويب أو بواسطة البريد الإلكتروني قد يؤدي إلى فرض التعاقد على الشخص الذي اعتاد التعامل مع متجر افتراضي عبر الشبكة وذلك بمجرد إرسال التاجر على سبيل المثال لرسالة إلكترونية وعدم الرد عليها خلال مدة معينة بمثابة القبول لما جاء فيها من إيجاب فظروف التعامل السابق لا يكفي بنظرنا لاعتباره من قبيل السكوت الملابس في التعاقد عبر الإنترنت.
متى استكمل الإيجاب شروطه ووافقه قبول مكتمل انعقد العقد ومعنى التوافق أن يقترن الإيجاب بقبول مطابق له فلابد أن يصدر من أحد أطراف العقد إيجاب ويصدر قبول من الطرف الآخر حتى يتحقق التوافق بين الإرادتين المؤدي إلى انعقاد العقد.
واقتران الإيجاب والقبول له أهمية بالغة في تحديد زمان ومكان انعقاد العقد.