و هذا الحكم لأرسى مبدأ جديدا و هو أنه لا يشترط لإلغاء قرار نزع الملكية للمنفعة العامة أن يكون هذا القرار قصد به تحقيق نفع مادي مباشر للإدارة , بل يكفي لذلك أنت يكون هذا النفع غير مباشر و هو ما حدث مشار إليه إله في الطعن السابق , حيث إن الإدارة استفادت ماديا بحصيلة بيع الأراضي التي تصرفت فيها , و التي كان بوسعها إنشاء ما تشاء عليه من منشآت , و من ثم فلا تجوز لها استصدار قرار بنزع ملكية عقارات مملوكة للأفراد لتحقيق ذات الغرض حيث إن قرار تنوع الملكية للمنفعة العامة يكتسب مشروعيته , إذا ثبت أنه لم يكن هناك وسيلة لتحقيق المنفعة العامة إلا باللجوء إلى تلك الوسيلة الاستثنائية 0 أما و قد ثبت أنه كان بوسع الإدارة ذلك , إلا أنها فضلت عليه تحقيق نفعها المادي و الذي يعود عليها من حصيلة البيع , فإن قرار نزع الملكية يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة لكونه ستارا للتغطية على الاستفادة المادية التي حازت عليها الإدارة 0
"ج" الانحراف بالسلطة الاستيلاء المؤقت :
أعطى المشرع للإدارة سلطة الاستيلاء على ما يلزمها من أملاك الأفراد لتتمكن من القيام بواجبها نحو ضمان سير المرافق العامة لتؤدي خدماتها لجمهور المتعاملين معها , و سلطة الاستيلاء مقررة تشريعيا بالقانون رم 577 لسنة 544 و المعدل بالقانون رقم 252 لسنة 1960 حيث قصرت المادة الثالثة من هذا القانون استعمال حق الاستيلاء على العقارات اللازمة للمنفعة العامة عن قرار يصدر عن رئيس الجمهورية إلا أن المادة 17 من ذات القانون أعطت للمحافظ سلطة إصدار قرار بالاستيلاء المؤقت في الحالات الطارئة و المستعجلة 0
و قد وصف القانون رقم 5 لسنة 1907 في المادة 22 منه هذا الاستيلاء بأنه مؤقت و ذلك لتميزه عن الاستيلاء الدائم نتيجة لنزع الملكية و قد تتحايل الإدارة على القانون فتلجأ إلى الاستيلاء المؤقت على عقار بينما هي في الحقيقة تقصد نزع ملكيته و هدفها من ذلك تحقيق مصلحتها المالية لأن هذا لاستيلاء لا يحملها الأعباء المالية التي تتكبدها في حالة لجوؤها إلى إجراء نزع الملكية فالإدارة في الاستيلاء المؤقت لا تلتزم إلا بدفع قيمة الخسائر الناجمة عن هذا الاستيلاء كما أن تعويض الأفراد عن نزع ملكية عقاراتهم يكون فوريا بعكس التعويض في حالة الاستيلاء المؤقت توفيرا للنفقات و هدف الإدارة من ذلك بالطبع هو تحقيق مصلحتها المالية و هنا يقع الانحراف بالسلطة , حيث إن الإدارة خرجت بالسلطة الممنوحة لها عن الإطار المحدد لممارسة تلك السلطة لأن في اللجوء إلى الاستيلاء المؤقت كبديل لنزع الملكية المقرر دستوريا مع حرمان الأفراد من الحصول على حقوقهم المالية المترتبة على نزع الملكية و لتحديد ما إذا كان الاستيلاء على عقار معين يمثل استيلاءا مؤقتا أنم أنه يهدف إلى الاستيلاء النهائي دون إتباع إجراءات نزع الكلية يمكن الارتكان إلى معيار طبيعة العمل الذي تم الاستيلاء و تحدي ما إذا كان مؤقتا أو نهائيا فإذا كان العمل للذي تم الاستيلاء من أجله يمثل منشآت دائمة فإن الاستيلاء يكون نهائيا أما إذا كان الاستيلاء قد تم من أجل إقامة منشآت أو أعمال لها صفة التأقيت و ليس صفة الدوام فإنه يمكن القول أن الاستيلاء هنا يمثل استيلاء مؤقتا 0
و قد أكد ذلك مجلس الدولة الفرنسي في قضية تتلخص وقائعها في أن الجهة الإدارية أصدرت قرارا بالاستيلاء المؤقت على الأرض المملوكة لأحد الأفراد من أجل تسهيل تنفيذ الأعمال المتعلقة بإنشاء مكان لإقامة العمال 0 و مخزن للمواد اللازمة للعمل المزمع إنشاؤه و قد لجأ صاحب الشأن إلى المحكمة الإدارية العليا 0 التي قضت بإلغاء القرار المطعون فيه للانحراف بالإجراء و لكن مجلس الدولة عند إثارة الدعوى أمامه قضى بأن قرار الاستيلاء لم يكن مشوبا بالانحراف لأن الأعمال التي صدر من أجلها القرار لم يكن لها صفة الدوام و انتهى إلى إلغاء حكم المحكمة الإدارية 0
كما ألغى قرار اتخذته إحدى المدن بالاستيلاء المؤقت على قطعة أرض لإنشاء ملعب محلي عليها و استند مجلس الدولة في إلغاء هذا القرار إلى أن المنشآت التي تريديها المدينة من الاستيلاء المؤقت لها صفة الدوام و بالتالي فإنه كان يتعين اللجوء إلى إجراء نزع الملكية في حالة عدم توافر الاتفاق الودي 0
و أخيرا قضى مجلس الدولة الفرنسي بوجود انحراف بالسلطة لمخالفة قاعدة تخصيص الأهداف إذا لجأت الإدارة إلى "إجراءات الاستيلاء المؤقت يقصد الاستيلاء الدائم أو نوع الملكية و ذلك توخيا للسهولة و تفاديا لإتباع إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة , بما تتسم به من كثرة الأعباء المالية على الإدارة 0
و قد تصدى مجلس الدولة المصري لإلغاء قرارات الإدارة التي قصدت بها استعمال سلطة الاستيلاء المؤقت كبديل لنزع الملكية للمنفعة العامة بما تتسم ه من كثرة الأعباء المالية على الإدارة 0
و قد تصدى مجلس الدولة لإلغاء قرارات الإدارة التي قصدت بها استعمال سلطة الاستيلاء المؤقت كبديل لنزع الملكية للمنفعة العامة و ذلك بهدف تحقيق نفع مادي لها , و قد ذهبت محكمة القضاء الإداري في حكم شارح لها إلى أنه " حيث أن المشرع حرص على وصف الاستيلاء بأنه مؤقت , تميزا له عن نزع الملكية , و من حيث أن الحكومات أصدرت القرار المطعون فيه بالاستيلاء مؤقتا على أرض المدعيات تمهيدا لنزع الملكية على ما جاء في دفاعها فاتجاهها واضح بأن وضع يدها منذ البداية بصفة دائمة و سبيل ذلك إنما كون باستصدار مرسوم خاص بنزع الملكية , أما الاتجاه إلى نظام الاستيلاء المؤقت فهو اتجاه غير سليم , و يجافي ما استهدفه الشارع من هذا النظام و من ثم يكون قرار الإدارة في هذا الشأن مشوبا بالانحراف بالسلطة 0
و قد فرق هذا الحكم ما بين الاستيلاء المؤقت و الاستيلاء الدائم حيث لا يجوز اللجوء إلى الأول هربا من الالتجاء إلى الثاني و في حالة إقدام الإدارة على ذلك يكون قراراها مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة 0
و الاستيلاء المؤقت له هدف محدد , هو تحقيق المصلحة العامة , الممثلة في ضمان سير المرافق العامة بإضطراد فإذا كان اتخذت الإدارة من هذا الاستيلاء عقوبة توقع على صاحب العقارات المتأخرين عن تقديم ما طلبته منهم من إقرارات فإن هذا يمثل انحرافا في استعمال السلطات و يؤكد هذا الانحراف ما ثبت من اتجاه نية الإدارة إلى تحقيق مصلحتها المالية , على حساب الأفراد الذين حرمتهم من الاستفادة بعقاراتهم حيث استولت عليها دون مقابل لمدة ثماني سنوات لذلك قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء قرار الاستيلاء , و تعويض أصحاب العقارات
بأربعين ألف جنيه0
"د" الانحراف بسلطة إصدار خط التنظيم :
أعطى المشرع للإدارة سلطة إصدار خط التنظيم من أجل رسم حدود الشوارع 0 و منع تجاوز الإفراد و تعديهم على الطريق العام و و في حالة دخول عقارات داخل نطاق خط التنظيم فإن الإفراج يقع عليهم التزام بعد ترميمها حتى إذا ما تهدمت سهل على الإدارة ضمها إلى الطريق العام كما يلتزم الأفراد بعدم البناء على الأراضي الفضاء الواقعة داخل حدود خط التنظيم و إلا بعد الحصول على إذن بذلك 0
و قد تستخدم الإدارة سلطتها في إصدار خط التنظيم كبديل لإجراء نزع الملكية للمنفعة العامة الذي يكلفها مبالغ كبيرة و تهدف الإدارة من ذلك إلى تحقيق نفع مادي حيث تستطيع ضم الأراضي التي تدخل في حدود هذا الخط دون أن تدفع سوى قيمة الأرض الفضاء , و إذا أقدمت الإدارة على ذلك فإن عملها يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة حيث أن الإدارة حادت عن الهدف الذي منحت لأجله سلطة إصدار خط التنظيم و قصدت تحقيق نفع مادي و ذلك عن طريق وسيلة غير مقررة " الإكثار من إصدار خط التنظيم " مكان وسيلة أخرى مقررة " نزع الملكية للمنفعة العامة "
و قد يثور التساؤل عن المعيار الذي يتعين الارتكان إليه , لتحديد متى يجوز للجهة الإدارية أن تلجأ إلى إجراء خط التنظيم , و متى يتعين عليها اللجوء إلى إجراء نزع الملكية و لا شك أن المعيار الذي يمكن تطبيقه هنا , هو طبيعة الغرض المستهدف من العملية الإدارية و ذلك لأن خطة التنظيم تقررت من أجل رسم حدود الشوارع و منع الأفراد من التجاوز و التعدي على الطريق العام و فإن قصدت الجهة الإدارة ذلك كان عملها مشروعا , أما إذا استهدفت الجهة الإدارة افتتاح طريق جديد فإنه يتعين عليها اللجوء لاستخدام إجراء نزع الملكية فإن هي استعاضت عنه بإجراء خط التنظيم فإن عملها يكون مشوبا بالانحراف بالسلطة 0
و انحراف الإدارة بسلطتها في إصدار خط التنظيم ما هو إلا نزع ملكية بطريق غير مباشر , و هو أسهل منالا للإدارة من اللجوء إلى وسيلة نزع الملكية ذات النفقات الكثيرة و لذلك فكثيرا ما تلجأ الإدارة إلى هذه لوسيلة تهربا من الأعباء المالية التي تستلزمها إجراءات أمر نزع الملكية و لهذا فإن مجلس الدولة الفرنسي يلزم الإدارة بأن تلتزم في إصدارها لخط التنظيم لتطبيق الحدود و كلما تبين أنها تقصد في الحقيقة بخط التنظيم نزع الملكية مستتر , فإنه يلغي قراراتها إذا ما طعن فيها 0
و قد ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرارات الإدارة التي ثبت له أنها استعاضت فيها عن إجراء نزع الملكية للمنفعة العامة بإجراء إصدار خط التنظيم قاصدة من ذلك تحقيق نفع مادي على حساب الاعتداء على حق الملكية 0
فقد قضى بأنه " حيث إن جهة الإدارة تهدف إلى افتتاح طريق جديد فإن ذلك يترتب عليه عدم إمكانية تطبيق ارتفاق خط التنظيم و ن اكتساب ملكية الأرض الضرورية لهذا الغرض , يتم بواسطة نزع الملكية 0
كما ذهب إلى أنه قد ترتب على خطة التنظيم أن الحدود الجديدة لطريق ما سوف يضم داخلها عقارا كاملا أو للجزء الأكبر منه فإنه في هذه الحالة لا يكون هناك مجال لتطبيق خطة التنظيم و هذا العقار لا يمكن إلحاقه بالطريق العام إلا بوسيلة نزع الملكية 0
و إلغاء القضاء لتلك ا القرارات يجد مبرره , في أنه إذا كانت سلطة الإدارة في إصدار خط التنظيم ينبع من مسئوليتها عن تحسين الطرق , مما ينعكس بصورة إيجابية على جمهور المتعاملين مع هذه الطرق , كما أنم ملاك العقارات التي طرأت عليها التحسينات يستفيدون من ذلك حيث ترتفع القيمة الاقتصادية لعقاراتهم إلا أن ذلك لا يبرر انحراف الإدارة في إصدار خطة التنظيم , هادفة منذ لم تحقيق مصلحتها المالية لمل في ذلك من اعتداء على حق الملكية المقرر دستوريا 0
"2" التحول من الاتجاه التقليدي :
" مشروعية الانحراف بالسلطة لمصلحة الإدارة المالية "
كان المبدأ العام الذي سار عليه القضاء الفرنسي و المصري -0 على نحو ما سبق يؤكد رفض خروج الإدارة على قاعدة تخصيص الأهداف بغية تحقيق أهدافها المالية حيث عد ذلك انحجرافا بالسلطة يستوجب إلغاء قرار الإدارة و التعويض عنه إن كان لذلك مقتضى 0
إلا أن هذا المبدأ ما لبث أن طرأ عليه تطور هام يمثل في إقرار مجلسي الدولة الفرنسي و المصري لمشروعية القرارات المخالفة للهدف المخصص في سبيل تحقيق أهداف الإدارة المالية تأسيسا على أن تلك القرارات لم تعد تشكل انحرافا بالسلطة 0
و هذا التحول المنصب أساسا على قاعدة تخصيص الأهداف يعني توسيع نطاق فكرة المصلحة العامة بحيث يدخل في هذا النطاق المصلحة المالية لإدارة المحلية و التي اعتبرت أهدافها المالية من أهداف المصلحة العامة 0
و يرج ع هذا التحول في قضاء مجلس الدولة الفرنسي إلى ظهور مبادئ سياسية و اجتماعية بعد سنوات الحرب العالمية الأولى و ما صاحبها من انكماش في المذهب الفردي و نهوض بالمذهب الجماعي مما أدى إلى اتساع فكرة الصالح العام على حساب المصلحة الفردية و كان ذلك داعيا إلى نظر المبدأ الصالح العام بمنظور جديد يعمل على التضحية بالصالح الفردي في سبيل صالح المجموع فقي بعض الحالات و كان في تطور النظم الاقتصادية و تدخل الدولة في مظاهر النشاط الاقتصادي و ما ألقته على المرافق العامة من أعباء و تكاليف متزايدة مما يجعلها في حاجة إلى زيادة مواردها المالية و كانت العوامل الاقتصادية التي ظهرت في شكل أزمات مالية منذ عام 1930 , سببا يدعو إلى التفكير في الحصول على موارد مالية لسد ما عجزت السلطة العامة عن مواجهته من أزمات متعددة فرضها التطور السياسي و الاجتماعي كل ذلك أدى إلى التطور الذي لحق مبدأ انحراف السلطة للمصلحة المالية للإدارة 0
و قد تجلى تحول مجلس الدولة عن الاتجاه التقليدي في موقفه من المشروعات ذات الصبغة التجارية أو الصناعية التي تقيمها الهيئات الإقليمية فبعد أن كان يلغى كل قرار إداري يعرض عليه في هذا الصدد إنه بدأ الآن يهدأ من حدة موقفه و يسمح للسلطات البلدية بأن تتدخل و تنشأ هذا النوع من المشروعات حتى ولو ثبت لديه أنها عاجزة عن سد احتياجات الأفراد 0
و على ذلك إذا أنشأن الجهات المحلية مشروعات تجاريا أو صناعيا فإن مجلس الدولة لا يلغي قرارها بإنشاء هذا المشروع و ذلك ليمكن الهيئة المحلية من الحصول على مورد مالي جديد , حتى ولو كان هذا المشروع لا يشبع حاجات الأفراد
و قد طبق مجلس الدول ذلك في قضية تتلخص وقائعها في أن إحدى السلطات المحلية قد افتتحت محلا لبيع اللحوم نظرا لإغلاق المحلات التي كانت قائمة بالمنطقة بسبب الأزمة الاقتصادية فلما انتهت حدة الأزمة فتحت تلك المحال من جديد و طالب أصحابها بغلق المحال البلدية إلا أن مجلسي الدولة الفرنسي رفض هذا الطلب مقررا هذا المحل يحافظ على توازن الأسعار 0
كما قضى المجلس بأن افتتاح إحدى البلديات مسرحا لا يتعارض مع حرية التجارة طالما أن المسارح الخاصة لا تسبع حاجة البلدية 0
و في قضية تلخص وقائعها في إقامة إحدى البلديات مغسلا استغلته للحصول على أرباح مالية فرفع أحد الأشخاص دعوى يطالب فيها منع البلدية من استغلال هذا المغسل لأنه عمل تجاري لا يجوز لها مباشرته فرفض مجلس الدولة ذلك مقرا إن إنشاء هذا المغسل يعود بالفائدة على الصحة العامة 0
و إذا كان مجلس الدولة الفرنسي في أحكام أخرى أكثر وضوحا في إسباغ حمايته لقرارات الإدارة التي تسعى بها إلى تحقيق أهداف مالية حيث أعلن أمن " مسعى الإدارة لتحقيق أغراض مالية هدف المشروع لأن موازنة الميزانية المحلية من أغراض المصلحة العامة "
و تطبيقا لهذا التحول فقد أقر مجلس الدولة الفرنسي , ما هدفت إليه إحدى الهيئات المحلية من تحقيق صلحتها المالية عن طريق تخفيض أعباء صيانة الطرق العامة بأن أصدرت قرارات بقصر المرور في أحد الطرق على عربات النقل العامة التي لا تزيد على ثقل معين و ذلك لحماية هذا الطريق من التلف و قد ذهب مجلس الدولة إلى أن هذا القرار مشروع بالرغم من أن هدفه الواضح و هو ضغط نفقات البلدية على هذا الطريق هو بلا شك هدف مالي 0
كذلك أعلن المجلس مشروعية قرار الإدارة بقصر المرور في أحد الشوارع المنشأة حديثا على العربات التي لا تجاوز ثقلا معيا حيث انتهى إلى أن هذا القرار ليس مشوبا بأي صفة تعسفية و ذلك استنادا إلى أن العمل على التخفيف من المصاريف التي تقع على كاهل القرية لا يمكن أن ينظر إليه كانحراف بالسلطة 0
و قد سار القضاء الإداري المصري على درب القضاء الإداري الفرنسي المطور حيث أقر مبتدئ النظرية الحديثة للمصلحة المالية 0 فلم يعد يرى في استخدام سلطات الهيئات المحلية لتحقيق مصلحتها المالية انحرافا في استعمال السلطة و ذلك تحت ضغط الرغبة في توفير الموارد المالية اللازمة ليقام المرافق العامة بوجباتها المتزايدة نتيجة لتطور النظم الاجتماعية والاقتصادية 0
و لهذا قضت محكمة القضاء الإداري بأن الأسباب المالية التي دعت إلى سحب الترخيص لامتناع المدين عن دفع الإتاوة تدخل ضمن المصلحة العامة و من ثم فإن المجلس البلدي إذا استهدف من إلغاؤها أن يفيد ماليا ليتسنى له إصلاح شوارع المدينة و التي تتأثر بعمل الشركات المرخص لها عملا مستمرا و أن نفقات إصلاحها تصل إلى مبالغ كبيرة إنما استهدفت هدفا مشروعيا فليس ثمة من شك في أن موازنة الميزانية المحلية من أغراض المصلحة العامة 0
و يختلف اتجاه مجلس الدولة الفرنسي عن نظيره المصري في مدى إجازة الانحراف بالسلطة لمصلحة الإدارة المالية حيث يشترط الأول وجود مصلحة عامة إلى جوار المصلحة المالية أما الثاني فلا يشترط ذلك , و من ثم لا يلغي قرار الإدارة و لو قصدت من وارؤه تحقيق المصلحة المالية وحدها و يؤكد ذلك حكم محكمة القضاء الإداري الذي أقرت فيه مشروعية قرار إداري باعتباره غير مشوب بالانحراف بالسلطة على الرغم من استهدافه مصلحة مالية بحتة لموازنة ميزانية إحدى البلديات و دون أن يحقق أية مصلحة عامة بجانبها 0
(3) نطاق تطبيق الاتجاه الحديث :
أقر القضاء الفرنسي و المصري – على نحو ما رأينا انحراف الإدارة في استعمال سلطتها لتحقيق أ هداف مالية إلا أن لذلك مجالا معينا فهو يقتصر أصلا على عمل السلطات المحلية , و حتى في ميدان خدمات المجالس المحلية , فإنه يلزم ألا يكون هدفها من الانحراف بسلطتها ماليا بحتا , إذ يضيف القضاء أسبابا أخرى تتصل بصالح المرفق و صالح المنتفعين به 0
و لذلك فإن الاتجاه القضائي السابق لا يعني زوال انحراف اسلطة لمصلحة الإدارة المالية بأن أصبحت هذه المصلحة بمنجاة عن كل إلغاء 0
حيث إن الانحراف بالسلطة التي تؤدي إلى إلغاء القرار الإداري لمجانية قاعدة تخصيص الأهداف و ذلك إذا ثبت للقاضي أن هدف القرار مالي بحت بحيث لا يخالطه هدف آخر من أهداف المصلحة العامة أما إذا كان القرار يحقق مصلحة عامة أخرى إلى جوار المصلحة المالية فإن مجلس الدولة الفرنسي لا يلغي القرار و قد تأكد ذلك في قضية تتلخص وقائعها في إصدار مدير إقليم قرار إعلان نزع الملكية لمنفعة عامة لقطعة أرض مملوكة ملكية خاصة و ذلك بهدف إقامة مشروع ترفيهي في الهواء الطلق لقضاء أوقات الفراغ مع السماح لإحدى الشركات الخاصة باستغلال أجزاء من الأرض المعينة و فتح منجم عليها ثم أصدر المدير بعد ذلك قرارا بالسماح بإحدى الشركات باستغلال المنجم طعن ذوي الشأن على هذا القرار تأسيسا على أن الإدارة هدفت بقرارها تحقيق مصلحة مالية من عائد استغلال الشركة للمنجم , إلا أن مجلس الدولة الفرنسي أيد قرار المدير مقرا أن قيام المدينة بتأجير استغلال المنجم كان هدفه تحقيق الصالح العام بأقل تكلفة و انتهى إلى مشروعية قرار المدير الذي يعلن المنفعة العامة , و الذي يعلن القابلية للتنازل عن العقارات اللازمة لإنجاز هذا المشروع حيث إنه غير مشوب بإساءة استعمال السلطة 0
تعقيب :
نعتقد بأن في إضفاء المشروعية على انحراف الإدارة بسلطتها لتحقيق مصلحتها المالية , وإن كان فيه إشباع لاحتياجات الهيئات المحلية المالية إلا أن فيه اعتداء على حقوق الأفراد المقررة دستوريا , و تنكر لمبدأ المشروعية الذي يجب إعلاؤه على أي مصلحة مادية فنبل الغاية لا يبرر استخدام الوسيلة 0 و في تقرير مشروعية هذا الانحراف بالسلطة خطورة بالغة لما في ذلك من جعل حقوق الأفراد و احترام مبدأ مشروعية هذا الانحراف بالسلطة خطورة بالغة لما في ذلك من جعل حقوق الأفراد و احترام مبدأ المشروعية رهن احتياجات الهيئات المحلية لزيادة إيرادتها0
و بالرغم من ذلك فإنه إذا كان لا محالة من إقرار هذا المبدأ تحت إلحاح احتياجات الإدارة المحلية المادية – و التي تفرضها الظروف الراهنة – و حتى لا ينفصل القضاء عن الواقع فإننا نرى أن يسير مجلس الدولة المصري على نهج نظيره الفرنسي الذي يشترط لإقرار مشروعية مثل تلك القرارات , ألا يكون هدفها مالي بحت بل يجب أن يقترن به هدف تحقيق لمصلحة عامة كما نرى أهمية أن يشترط مجلس الدولة المصري ضرورة أن يكون هدف تحقيق مصلحة الإدارة المحلية المالية ثانويا إلى جانب هدف تحقيق المصلحة العامة المقترن به , إضافة إلى ذلك يجب أن يقتصر تطبيق هذا المبدأ في أضيق نطاق ممكن باعتباره استثناء على القاعدة العامة التي توجب احترام الهدف المخصص حتى يكون القرار منزها عن عيب الانحراف في استعمال السلطة 0
ثانيا : الانحراف بسلطة تأديب الموظفين :
حتى تتمكن الإدارة من أداء واجبها في الحفاظ على انضباط العمل الإداري فقد كفل لها المشرع حق تأديب موظفيها بتوقيع ما يناسب مخالفتهم من جزاءات تأديبية منصوص عليها لمنعهم من معاودة اقترافها و دفعهم إلى الحرص على عدم الإخلال بوجباتهم الوظيفية و حتى يعتبر غيرهم من الموظفين الذين قد تسول لهم أنفسهم ارتكاب المخالفات و هدف توقيع الجزاء التأديبي يجب أن يكون دائما تحقيق الصالح العام المتمثل في ضمان سلامة أداء الجهاز الإداري و رفع كفاءاته لضمان سير و انتظام المرافق العامة في الوفاء بالتزاماتها نحو جمهور المتعاملين معها و لكن حق الإدارة في توقيع الجزاء على رجالها ليس حقا طليقا من كل قيد بل هو حق مشروط بأن يكون الجزاء صريحا و ليس مستترا خلف قرار نقل أو خلافه , كما أن الإدارة يتعين عليها لتوقيع الجزاء أن تتبع الإجراءات المقررة قانونا للتأديب , و ذلك حتى يتمكن العامل من الدفاع عن نفسه فإن خالفت الإدارة هذا الشرط أو ذاك أو خالفت الهدف من منحها سلطة التأديب و هو تحقيق المصلحة العامة كان قرارها مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة 0
و يظهر الانحراف بالسلطة التأديب بجلاء فيما يطلق عليه " العقوبة المقنعة " كنقل عامل أو ندبه بدلا من توقيع جزاء تأديبي عليه و هذه عقوبة مستترة خلف ستار تنظيم العمل في الإدارات و المصالح و المرافق العامة 0
و تتعلق مشكلة العقاب المقنع في واقع الأمر بأخلاقيات الإدارة و سلوكها في مواجهة موظفيها حيث تقوم في هذا الصدد عمدا بتوقيع عقوبات بالمعنى الصحيح للفظ على موظفيها عن طريق خفي غير قانوني مستخدمة في تحقيق مآربها في بعض الأحيان إجراءات منصوص عليها في القانون و في أحيان إجراءات منصوص عليها و لكنها تستخدمها في غير الأغراض التي تقررت من أجلها و للقضاء على هذا النوع من العقاب يجب على الإدارة من جانب أول الالتزام بتسبيب جميع القرارات ذات الآثار العقابية الضارة الصادرة عنها 0 كما يجب على المشرع من جانب ثان تقنين كافة الإجراءات و التدابير التي تسعى الإدارة من خلالها لتوقيع العقوبات المقنعة كما يجب على القضاء أخيرا بوصفه المحامي لحقوق الأفراد ألا ينفصل عن الواقع العملي عند تطبيقه للقانون على الوقائع المعروضة عليه بحيث يتفحصها و يتلمس معالمها في ضوء الظروف الملابسة لها و التي أدت إلى اتخاذها بما لا يخل بمصلحة كل من الإدارة و العاملين فيها 0
و قد وقف مجلس الدولة المصري وقفا حاسما من قرارات الإدارة التي قصدت بها توقيع جزاءات مقنعة حيث ألغت محكمة القضاء الإداري قرارا إداريا بنقل أحد أعضاء تنظيم نقابي حينما ثبت لديها أن القرار صدر بقصد التنكيل بالمدعي بسبب نشاطه النقابي المناوئ للإدارة 0 و من ثم كان مشوبا بإساءة استعمال السلطة 0
كما ذهبت المحكمة الإدارة العليا ؟إلى أن الندب تترخص فيه جهة الإدارة بما لها من سلطة تقديرية و لا تعقيب على قرارها طالما خلا من إساءة استعمال السلطة 000 و من صور إساءة استعمال السلطة تعديل قرار الندب إلى نقل ثم إعادته و صدور تلك القرارات في وقت قصير بعد أن أوضحت الإدارة عن صدها في أن الغرض من ذلك هو توقيع جزاء تأديبي "
في هذا الحكم اعتبرت المحكمة أ ن إصدار الإدارة لقرارات نقل و ندب متتابعة في فترة وجيزة دليل على الانحراف بالسلطة و من ثم ألغت قرار ندب أحد أعضاء الإدارات القانونية دون موافقته الكتابية بعد ما كشفت الإدارة عن أن قصدها من الندب و النقل توقيع جزاء تأديبي و وجه الانحراف هنا أن الإدارة خالفت الهدف المخصص للنقل و هو حسن سير و انتظام المرافق العامة حيث استبدلت به الهدف المخصص للتأديب و المتمثل في المنع و الردع 0
و قد استشفت المحكمة الإدارية العليا أن الإدارة اتخذت من النقل وسيلة لعقاب الموظف استندا إلى أن النقل تم إلى جهة تزخر بالعمالة الزائدة , و ليس بها درجات خالية و أن قرار النقل واكبه ادعاء جهة الإدارة المنقول منها الموظف لأنه تعدى بالضرب على أحد زملائه بالعمل و قد استنتجت المحكمة من كل الملابسات أن النقل اتخذ بهدف توقيع عقوبة مقنعة على الموظف المنقول لذلك ذهبت إلى إلغاء القرار الصادر به لكونه مشوبا بالانحراف بالسلطة 0
و إذا كان ما سبق هو موقف مجلس الدولة من الجزاءات المقنعة المستترة خلف قرارات النقل ما دام قد خلا من شبهة الجزاء التأديبي المقنع لذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه " و لما كان الثابت من الأوراق أن الوظيفة المنقول إليها هي وظيفة مدير إدارة الرقابة على المخزون السلعي و لم يثبت من الأوراق أو يقدم المطعون ضده ما يدلل على أن الوظيفة المنقول إليها نقل في درجتها أو مرتبها عن الوظيفة منها بل أن الثابت أن كلا من الوظيفتين يحتل موقعا واحدا في مجموعة الوظائف المالية و المحاسبية " 0
و تأسيسا على ما تقدم ذهبت المحكمة إلى أن قرار النقل لا يحمل في طياته جزاء مقنعا و لذلك فهو قارا مشروع و لا يجوز النعي عليه بالانحراف بالسلطة 0
ثالثا : الانحراف بسلطة نقل الموظفين
قد تفرض مقتضيات الصالح العام على جهة الإدارة نقل أحد موظفيها من مكان لم يعد بحاجة إلى خدماته إلى مكان آخر في أمس الحاجة إلى تخصصه و هذا هو النقل المكاني و يختلف عن النقل النوعي الذي يكون من وظيفة لأخرى في نفس المستوى الوظيفي و في نفس جهة العمل حيث تفرض متطلبات العمل الإداري اللجوء إليه 0
و حتى يكون النقل مشروعا يجب أن يكون نابعا من الرغبة في تحقيق مصلحة العمل و تيسير أداءه 0
و رفع مستوى الخدمة التي يؤديها الجهة الإداري , حيث إن القاعدة المسلمة أن للإدارة سلطة نقل وظفيها بهدف تحقيق الصالح العام فإذا خالفت جهة الإدارة هذه القاعدة فإن القضاء يلغي قرارها لأنه مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة 0
و النقل بنوعيه هو سلطة خولها المشرع للجهة الإدارية تجريه وفقا لسلطتها التقديرية حسبما يمليه عليها صالح العمل و مقتضياته 0
و المشرع حينما منح الإدارة سلطة تقديرية لإجراء النقل النوعي من وحدة إلى أخرى أو من داخل الجهاز الحكومي و الهيئات العامة إلى القطاع العام أو العكس فإنه يشترط ألا يضار الموظف من جراء ذلك بألا يفوت على الموظف المنقول دوره في الترقية " و ألا يكون النقل وظيفة دوره في الترقية و ألا يكون النقل إلى وظيفة أقل درجة من الوظيفة التي يشغلها 0
فيجب ألا تحرك ممارسة الإدارة لهذه السلطة سوى حوافز الصالح العام و حسن تنظيم المرفق المبرر لتوزيع عمال المرافق على نحو من الأنحاء 0
كما يجب أن يكون قرار النقل مقصودا لذاته , أما إذا اتخذت الإدارة ما منحت من سلطة تقديرية في النقل لتحقيق أغراض أخرى , فإن القضاء قد جرى على إلغاء تلك القرارات فلا يجوز أن يتخذ من نقل الموظف وسيلة تأديبية على خلاف ما قرره القانون من إجراءات كما يجب ألا يكون هدف الإدارة مع النقل الانتقام من موظف أو إفادته على حساب المصلحة العامة 0
و تطبيقا لذلك قضت المحكمة الإدارية العليا بإلغاء قرار نقل قصد به الانتقام من موظف حيث ثبت أن النقل رغما عن موافقة الموظف و إلى جهة مجال الترقي فيها مقفول و ذلك بهدف حرمانه من مزاياه و ترقية غيره في الدرجة الوظيفية التي كان يشغلها من قبل0
و يلاحظ إن إلغاء المحكمة لقرار النقل موضوع الدعوى سببه انحراف الإدارة بسلطة النقل حيث لم يكن مبررها في استعمالها الرغبة في تحقيق المصلحة العامة بل الانتقام من موظف و محاباة آخر 0
و قد ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى أن عدم بيان الجهة الإدارية لوجه الصالح العام الذي تغياه من قرار نقل الموظف بشكل و كن الخطأ في قرار النقل 0
و وفقا لهاذ الحكم فقد اشترطت محكمة القضاء الإداري لمشروعية قرار النقل أن تفصح الإدارة عن وجه صالح العام الذي حدى بها إلى إصداره , و بذلك خالف هذا الحكم قرينة الصحة المفترض توافرها في جميع قرارات الإدارة إلى أن يثبت العكس 0
و قد خالفت المحكمة الإدارية العليا محكمة القضاء الإداري في قضائها السابق حيث ذهبت إلى أن الأصل هو القضاء الإداري يقوم على سبب صحيح قانونا و أنه يصدر بقصد تحقيق الصالح العام و بغية سير المواقف العامة إلى أن يثبت العكس و انتهت إلى أنه لا يجوز أن ينسب الخطأ إلى الجهة الإدارية لمجرد أنها لم تبين وجه الصالح العام عند إصدارها قرار النقل 0
و أخيرا حددت المحكمة الإدارية العليا شروط نقل موظفي الإدارة حيث يجب أن يكون هدفه هو تحقيق الصالح العام و ألا يفوت على الموظف فرصة الترقي و ألا يكون متضمنا جزاءا مقنعا 0
و إذا كان ما سبق هو موقف مجلس الدولة الفرنسي لك يختلف عنه حيث أرسى مبدأ عدم جواز نقل موظفي الإدارة لغير هدف المصلحة العامة , و تطبيقا لذلك ألغى قرار نقل موظف بسب استناده إلى دوافع شخصية لا إلى المصلحة العامة , و انتهى على أن هذا القرار مشوبا بالانحراف في استخدام السلطة 0
رابعا : الانحراف بسلطة وضع
تقارير قياس الكفاية :
منح المشرع للإدارة سلطة وضع تقارير قياس كفاية لموظفيها حتى درجة وظيفة لتقييم أدائهم و لضمان القيام بالواجبات الوظيفية على النحو الأمثل و الهدف من تخويل الإدارة هذه السلطة هو تحقيق المصلحة العامة المتمثلة في حسن سير المرفق عموما و ذلك بحث العاملين على القيام بوظائفهم على الوجه الأكمل مع إثابة العامل الممتاز و عقاب العامل المقصر 0
إلا أن الإدارة قد تستعمل سلطتها في هذا الشأن استعمالا منحرفا لمجاملة موظف ذو حظوة مهمل أو لعقاب موظف كفئ و لكنه لا يحظى بقبول رؤساؤه لأسباب غير موضوعية و هنا يقع الانحراف بالسلطة في وضع تقرير قياس الكفاية 0
و قد تتخذ الإدارة من التقارير السنوية ذات الدرجات المنخفضة أسلوبا للعقاب المقنع0
و نظرا لملا تتسم به تلك التقارير من خطورة على المستقبل الوظيفي للخاضعين لها فقد بسط القضاء رقابته عليها ملغيا إياها إذا شابها انحراف بالسلطة 0
لذلك ذهبت المحكمة الإدارية العليا و هي بصدد إلغاء الضوء على كيفية وضع تقرير قياس كفاية إلى أن الدرجة التي يستحقها الموظف عن كل عنصر من العناصر الواردة بالتقرير السنوي هو أمر يترخص به الرئيس المباشر و المدير المحلي و رئيس المصلحة و لجنة شئون العاملين كل في حدود اختصاصه و لا رقابة للقضاء عليهم في ذلك 0
ما دام لم يثبت أن تقديراتهم كانت مشوبة بالانحراف أو إساءة استعمال السلطة لتعلق ذلك بصميم اختصاص الإدارة الذي ليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها فيه 0
و ذهبت في حكم آخر إلى أنه إذا كان التقدير ي بني على أساب تبرره , فإن تقرير درجة الكفاية للموظف ضعيف هو أمر يخرج عن رقابة القضاء لتعلقه بصميم اختصاص الإدارة طالما أن هذا التقدير قد خلا من الانحراف أو إساءة استعمال السلطة 0
و يلاحظ على قضاء المحكمة الإدارية العليا أنها لا تعطي لنفسها الحق في رقابة ملائمة قرار تقدير كفاية و إنما تكتفي بالرقابة علة مشروعيته , و ق اعترض بعض الفقه على موقف المحكمة الإدارية العليا حيث ذهب بحق إلى أنه كان يتعين على مجلس الدولة المصري بسط رقابته على قرار تقدير الكفاية , كما فعل منذ عام 1961 حين فرض رقابته على ملاءمة القرار التأديبي حينما اشترط لمشروعيته ألا يشوب تقديره غلو بأن يكون هناك ملائمة ظاهرة بين الجريمة التأديبية و الجزاء التأديبي حيث يرى هذا الاتجاه أنه كان من المأمول فيه منذ ذلك التاريخ أن يبسط المجلس رقابته على ملاءمة تقدير الكفاية فيشترط لمشروعيته ألا يكون هناك عدمن ملائمة ظاهرة بين هذا التقدير و بين أداء الموظف لعمله ذلك أن هناك سمات مشتركة بين القرار التأديبي و بين قرار تقدير الكفاية تحبذ التسوية بينها في مدى الرقابة القضائية عليها فإذا كانت الأخطاء التأديبية ليست محل حصر تشريعي فإن الأداء الوظيفي المتنوع للموظفين ليس محل حصر تشريعي أيضا و إذا كانت الجزاءات التأديبية تندرج بنص القانون فإن الأمر كذلك بالنسبة لمراتب تقدير الكفاية و إذا لم يكن هناك نصوصا قانونية تحدد عقوبة تأديبية لكل فعل بالذات , فإنه ليس هناك نصوصا قانونية تحدد مرتبة الكفاية معنينة لكل أداء وظيفي
و في تطبيق عملي للرقابة على بواعث الإدارة , ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى أتنه " إذا كان الثابت من ملف خدمة الموظف أنه لم يطرأ على ما يؤثر في قدرته و كفايته حتى يحدو الأمر بلجنة شئون العاملين إلى خفض كفايته من 85 إلى 50 درجة 0 و إذا كان الثابت أيضا أنها رفعت درجة كفاية موظف آخر على النحو الذي أهله للترقية بالاختيار في ذات الجلسة الأمر الذي يقطع بأن هذا التخفيض و هذا ارفع لم يكونا إلا لوسيلة استهدفت ترقية الموظف الأخير دون الأول عن طريق التحكم في درجات الكفاية التي هي في ذاتها الواقعة المنشأة مشوبا بسوء استعمال السلطة 0
و لقد امتدت رقابة مجلس الدولة الفرنسي إلى تقارير الكفاية التي تحررها الإدارة لموظفيها فيقضي بإلغائها أما إذا استشعر تضمنها نوعا من الانحراف بالسلطة التي منحها لها المشرع لكي تمارسها في تحقيق هدف المصلحة العامة دون أية أهداف شخصية أو دوافع انتقامية 0
و في البداية كان مجلس الدولة الفرنسي يمتنع عن رقابة ملاءمة قرار تقرير الكفاية لذلك ذهب في أحد أحكامه إلى أنه لا يختص قاضي الإلغاء برقابة التقرير الذي يضعه رئيس المرفق سواء كان هذا التقرير تقديرا عاما أو درجة رقمية و كان سند مجلس الدول امتناعه عن قبول الطعن في الدرجات المعطاة الموظف العام في تقارير الكفاية 0
أن ذلك من الإطلاقات الإدارية التي لا يجوز للقضاء الإداري التدخل فيها حيث إن السلطات الرئاسية لموظف العام هي أقدر الجهات على تقييمه و على إعطاؤه الدرجات المعبرة دقة عن مستواه الوظيفي و كفاءته المهنية دون معقب عليها طالما أنها لم تخالف القانون 0
غير أن هناك تحولا هاما ظهر في قضاء مجلس الدولة الفرنسي حيث لم يكتف بجعل رقابته على تقارير قياس الكفاية رقابة مشروعية فحسب بل أضفى على تلك التقارير رقابة ملائمة و ذلك حين ذهب إلى أنه " و من حيث إن السيد leca منح عن سنة 1970 درجة رقمية مقدارها 17.25 درجة متبوعا بتقدير عام عن كفايته الوظيفية و حيث أنه لا يتبين من ملف الدعوى أن تقدير كفاية السيد leca مشوب بغلط بين في التقدي ر أو إساءة استعمال السلطة 0000 لذا فإنه يكون غير محق في ادعائه بأن الحكم المطعون فيه قد أخطأ حيث رفض دعواه 0
و قد دأب مجلس الدولة الفرنسي على إعلان عدم مشروعية الدرجات الممنوحة للموظف كالما لم تكن مستندة إلى سلوك الموظف العام و لم يكن أساسها كفاءته في أداء عمله 0
و يتضح من هذه الأحكام أن مجلس الدولة الفرنسي أسبغ رقابة الملائمة على تقدير قياس الكفاية حيث اشترط لسلامته وجود تناسب ما بين محل تقدير و سببه و معنى ذلك أن التقدير يكون غير مشروع إذا شابه خطأ بين في التقدير 0
تعقيب :
إذا كان مجلس الدولة الفرنسي و المصري قد اتفقا على إخضاع تقرير قياس الكفاية لرقابتهما , إلا أنهما اختلفا حول نطاق تلك الرقابة فعلى حين اقتصرت رقابة مجلس الدولة الفرنسي تخطت ذلك النطاق و أخضعته لرقابة الملائمة و نرى أن مسايرة مجلس الدولة المصري له في الخصوص من شأنه التضييق على الإدارة في الانحراف بسلطتها في وضع تقارير قياس الكفاية حين تعلم بأن القضاء سوف يفحص عناصره بما في ذلك أسس منح درجاته و التي كثيرا ما تنحرف الإدارة بسلطتها عند رصدها و ليس في ذلك افتئات على سلطة الإدارة في وضع تلك التقارير حيث لا يجوز لها التمسك بسلطة قد يكون في ممارستها إياها اعتداء على حقوق موظفيها مما يؤدي لإصابتهم بإحباط يكون له سيئ الأثر على أداء العمل الإداري بصفة عامة و لا يجوز للإدارة أن ترهب الرقابة القضائية لأن هدف هذه الرقابة الأسمى هو تمكين اسلطة الإدارية من ممارسة سلطاتها على النحو الأمثل و ذلك من خلال احترامها لمبدأ المشروعية و الذي استمدت سلطتها من خلاله 0
خامسا :
الانحراف بسلطة فصل
الموظف لإلغاء الوظيفة :
للإدارة انطلاقا من حرصها على تحقيق المصلحة العامة أن تقوم بإلغاء الوظيفة التي لم يعد لها مبرر و تقوم في هذه الحالة بالطبع بالاستغناء على الموظفين الشاغلين لها , و لكن إذا كان هذا الحق مقررا للإدارة على سبيل الاستثناء لمقتضيات الصالح العم , فإنه لا يجوز لها استعمال تلك الوسيلة السهلة للتخلص من الموظفين دون قانوني أو بمبررات شخصية كما لو السهل للتخلص من الموظفين دون مبرر قانوني أ بمررات شخصية كما لو قامت بالإلغاء الظاهري لوظيفة بهدف التخلص من الموظفين الشاغلين لها ثم إعادتها بعد ذلك لتعيين من تشاء فإن قامت الإدارة بذلك كان قراراها مشوبا بالانحراف بالسلطة 0
و يتبلور الانحراف في هذه الحالة في أن الإعفاء من الوظيفة يتم فيها بناء على معايير شخصية , تتعلق بالرابطة القائمة بين الموظف و الإدارة و التي تكون أشد انتصافا في الجهات الإدارية التي تضم عددا محدودا من الموظفين و بذلك يفوت تحقيق الهدف الذي تقرر من أجله – بحسب الأصل النص القانوني الذي يسمح للإدارة بإلغاء العمل الوظيفي و تظهر النية العقابية المقنعة للإدارة في هذه الحالة بصورة صريحة و معلنة تماما عند إعادة إنشاء نفس الوظيفة فيما بعد و إسناد أمرها إلى موظف أخر 0
و يتمثل الانحراف في هذه الحالة في الحياد عن المصلحة حيث ابتغت الإدارة بقرارها تحقيق مصلحة الغير دون أن يكون في ذلك تحقيق لمصلحة عامة 0
و قد ترتكب الإدارة انحرافا في استعمال الإجراءات و هي بصدد استعمال سلطة فصل الموظف لإلغاء الوظيفة , و يكون ذلك حينما يرتكب موظف أخطاء وظيفة تبرر توقيع جزاء تأديبي عليه و بدلا من أن تقوم جهة الإدارة بتوقيع الجزاء المناسب عليه فإنها تقوم بإلغاء الوظيفة التي كان يشغلها و بالتالي تصل إلى استبعاد هذا الموظف بوسيلة غير الوسيلة المقررة قانونا و لا شك أن الإدارة تبغي تحقيق الصالح العام باستبعاد الموظف الذي يرتكب أخطاء إدارية و ترى أنه غير صالح للاستمرار في عمله و لكن جهة الإدارة كان يتعين عليها اللجوء إلى الوسيلة المقررة قانونا لهذا الغرض و من ثم فإن لجوؤها إلى إلغاء الوظيفة و هي في الحقيقة تهدف إلى عزل الموظف الذي أغليت وظيفته يمثل انحرافا بالإجراء طالما أنه ليس هناك إلغاء حقيقي لهذه الوظيفة 0
و تطبيقا لذلك ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرار الإدارة بفصل موظف لإلغاء الوظيفة في حين أنها كانت تهدف إلى توقيع جزاء تأديبي حيث ذهب إلى إن " القرار المطعون فيه لا يمثل قرار فصل لإلغاء الوظيفة و لكنه يمثل انحرافا بالإجراء طالما أنه ليس هناك إلغاء حقيقي لهذه الوظيفة 0
و تطبيقا لذلك ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرار الإدارة بفصل موظف الإلغاء الوظيفة في حين أنها كانت تهدف إلى توقيع جزاء تأديبي حيث ذهب إلى أن " القرار المطعون فيه لا يمثل قرار فصل لإلغاء الوظيفة و لكنه يمثل قرار عزل و حيث إن الجهة الإدارية استبعدت الطاعن من وظيفته على نحو غير مشروع فإنها تكون قد ارتكبت خطأ من طبيعة تبرر قيام مسئوليتها 0
كما ألغى مجلس الدولة الفرنسي قرار جهة إدارية بفصل أحد موظفيها بعد أن تبين له ؟أن جهة الإدارة بعد أن تركت هذه الوظيفة شاغرة لمدة عام , قامت بإحلال موظف جيد محله و هذا ما استشف مجلس الدولة الفرنسي من خلاله أن القرار الصادر بفصل الموظف لإلغاء الوظيفة و إنما يمثل عزل دون إتباع الوسيلة المقررة قانونا 0
و قد تواترت أحكام القضاء الإداري المصري على أنه يشترط لمشروعية فصل موظف الإلغاء حقيقيا و ضروريا و يحقق المصلحة العامة و إلا كان هذا القرار مشوبا بالانحراف بالسلطة 0
و ترتيبا على ذلك ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى أنه " لا يجوز فصل الموظف لإلغاء الوظيفة إلا إذا كان الإلغاء حقيقيا و ضروريا تقتضيه المصلحة العامة 000 فإذا ثبت من وقائع الدعوى إن إلغاء الوظيفة لم يكن حقيقة اقتضتها المصلحة العامة 00 كان منطويا على الانحراف مشوبا بعيب إساءة استعمال السلطة 0
و أكدت المحكمة الإدارية العليا ذات المبدأ حين ذهبت إلى أن فصل الموظف نتيجة إلغاء الوظيفة مشروطا بأن يكون ثمة إلغاء حقيقي للوظيفة التي كان يشغلها الموظف 0
و الواقع أن منح الإدارة سلطة فصل موظفيها لإلغاء الوظيفة أمر بالغ الخطورة حيث يمكن لها استغلاله لارتكاب كافة صور الانحراف بالسلطة من مجانية المصلحة العامة و مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف و نظرا لصعوبة إثبات الانحراف بالسلطة بصفة عامة فإن الإدارة قد تتمادى في انحرافها باستعمال سلطة فصل الموظفين لتحقيق مآرب منبتة الصلة بصالح المرفق 0 منقووووول