القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع...
مقدمة:
تملك الإدارة امتيازات السلطة العامة، ومن أهم مظاهر هذه الامتيازات، إقدام الإدارة على استخدام سلطتها في أن تفرض بإرادتها المنفردة قرارات تُرتب لهل حقوقاً والتزامات في مواجهة الغير، دون حاجةٍ إلى الحصول على رضائهم أو موافقتهم، فهذه السلطة في التصرف الإداري من جانبٍ واحد، تُعتبر من أهم مظاهر السلطة العامة للإدارة، وتُعدُّ أحد الفوارق الجوهرية بيت أساليب النشاط أو التصرفات القانونية في مجال القانونين العام والخاص.
فالأصل العام في مجال القانون العاص أن الإرادة المنفردة لا ترتب آثاراً إلا في حق من أصدرها، ومن ثم يُعد العقد هو الصورة الأساسية التصرفات القانونية الإرادية في مجال القانون الخاص.
أما في مجال القانون العام فإن المظهر الجلي والواضح من مظاهر امتيازات السلطة العامة ، هو منح الإدارة إصدار القرارات الإدارية التي لها قوة مُلزمة قانوناً، بإرادتها المنفردة، لدرجة أن مجلس الدولة الفرنسي اعتبرها القاعدة الرئيسية للقانون العام.
وتُشكل دراسة القرار الإداري أهمية مميزة، من جهتين، من حيث أن القرارات الإدارية تُشكل أحد أركان ودعائم القانون الإداري، وتُعد من أنجح الوسائل في ممارسة الإدارة لنشاطها.
كما انه من جهةٍ أخرى تُشكل القرارات الإدارية مجالاً رحباً لممارسة الرقابة القضائية على أعمل الإدارة، بل كانت وما تزال القرارات الإدارية تُشكل محوراً لمعظم المنازعات والقضايا المعروضة على القضاء الإداري، وتُعتبر مصدراً ثرياً وغنياً لاجتهادات القضاء الإداري.
مفهوم القرارات الإدارية:
تُمثل سلطة الدولة في إصدار القرارات الإدارية المظهر الرئيس والأساسي لوسائل الإدارة في مباشرة نشاطها، حيث لا تستطيع السلطة الإدارية الاستغناء عنها في أي وجهٍ من أوجه النشاط الإداري ( الوظيفة العامة ـ الضبط الإداري ـ نزع الملكية للمنفعة العامة ) وذلك على خلاف العقود الإدارية التي يندر اللجوء إليها بصدد مباشرة بعض أوجه النشاط الإداري مثل نشاط الضبط الإداري.
فالقرارات الإدارية هي الأسلوب الأكثر شيوعاً في أعمال الإدارة، والذي لا نظير له في مجال القانون الخاص، إذ أن من شأنها إنتاج آثارٍ قانونية وبصفة خاصة التزامات تقع على عاتق المُخاطبين بأحكامها دون أن يتوقف ذلك على قبولهم ورضاهم.
أولاًـ تعريف القرار الإداري
1 ـ التعريف الفقهي:
اختلف الفقه الإداري ، ولكن هذا الاختلاف لا يعدو كونه في إطار الجزئيات، أما ما يتعلق بجوهر ماهية القرار الإداري فإنه لا يبدو أن هنالك من فرقٍ بينهما.
يُعرف العميد هوريو القرار الإداري النافذ بأنه" تصريحٌ وحيد الطرف عن الإرادة صادرٌ عن سلطة إدارية مختصة بصيغة النفاذ، بقصد إحداث أثر حقوقي " .
بينما يُعرفه الأستاذ فالين بأنه " كل عمل حقوقي وحيد الطرف صادر عن رجل الإدارة المختص، بوصفه هذا ، وقابلٌ بحد ذاته أن يُحدث آثاراً حقوقية ".(1)
بينما يُعرفه د. سليمان الطماوي بأنه " كل عملٍ صادر من فرد أو هيئة تابعة للإدارة أثناء أداء وظيفتها ".(2)
وعرَّف د. عبد الغني بسيوني عبد الله، القرار الإداري بأنه " عملٌ قانوني نهائي يصدر من سلطة إدارية وطنية بإرادتها المنفردة وتترتب عليه آثار قانونية معينة ".(3)
في حين عرفه د. محمد فؤاد مهنا بأنه " عملٌ قانوني من جانب واحد يصدر بإرادة إحدى السلطات الإدارية في الدولة ويُحدث آثاراً قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو يعديا أو إلغاء وضع قانوني قائم ".(4)
ويرى د. عبد الله طلبة بأنه " إفصاحٌ عن إرادة منفردة يصدر عن سلطةٍ إدارية ويرتب آثاراً قانونية ".(5)
ويعرفه د. عبسي الحسن بأنه " تصرفٌ قانون يصدر من جهة الإدارة أو إحدى الجهات العامة وتعبر فيه عن إرادتها الملزمة للأفراد، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، بقصد إحداث أثر قانوني معين( إنشاءً أو إلغاءً أو تعديلاً ) ابتغاءً للمصلحة العامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. عدنان العجلاني، الوجيز في الحقوق الإدارية، دمشق 1961
(2) د. سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري، ط7، 1965، ص 872
(3) د. عبد الغني بسيوني عبد الله، وقف تنفيذ القرار الإداري، الإسكندرية، ص 40
(4) د. محمد فؤاد مهنا، مبادئ وأحكام القانون الإداري، القاهرة، 1973، ص 67
(5) د. عبد الله طلبة، مبادئ القانون الإداري، ج2، دمشق 1989، ص 228
(6) د. عبسي الحسن، القرار الإداري، أملية معدة لطلاب الدراسات القانونية، التعليم المفتوح، في سوريا، ص7
2 ـ التعريف القضائي:
استقر القضاء الإداري لفترةٍ طويلة على اعتماد تعريف القرار الإداري، بأنه:
" إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون، عن إرادتها الملزمة، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحةٍ عامة ".
كما عرفته المحكمة الإدارية العليا المصرية بأنه " إفصاح الإدارة في الشكل الذي يحدده القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة ".
وقد عرّفت محكمة القضاء الإداري السورية القرار الإداري بأنه " إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد بناءً على سلطتها العمة بمقتضى القوانين و اللوائح حين تتجه إرادتها إلى إنشاء مركز قانوني يكون جائزاً وممكناً قانوناً، وبباعث من المصلحة العامة التي يبتغيها القانون ". (1)
وقد تعرضت هذه التعريف للانتقاد من حيث:
1 ـ أن عبارة إفصاح الإدارة، تدل على أن المقصود هنا هي القرارات الإدارية الصريحة دون القرارات الإدارية الضمنية، فالإفصاح ما هو إلا تعبيرٌ صريح من جانب الإدارة.
ولهذا نجد أن المحكمة الإدارية العليا المصرية، قد تلافت هذا الانتقاد في بعض أحكامها اللاحقة وذلك بقولها:
أن القرار الإداري هو عملٌ قانوني من جانب واحد يصدر بالإرادة الملزمة لإحدى الجهات الإدارية في الدولة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح في الشكل الذي يتطلبه القانون.
أو بقولها أن القرار الإداري هو تعبير من إحدى السلطات أو الجهات الإدارية المختصة عن إرادتها الملزمة بإحداث مركز قانوني معين.(2)
2 ـ إن عبارة أو إنشاء مركز قانوني تدل على أن المقصود هي القرارات الإدارية التي تنشئ مراكز قانونية دون أن تُعدل أو تلغي مراكز قائمة.
كذلك تلافت المحكمة الإدارية العليا المصرية هذا الانتقاد في بعض أحكامها وذلك حينما ذكرت بصدد تعريفها للقرار الإداري"......بقصد إحداث أثر قانوني معين" أي أنها استبدلت عبارة إحداث مركز قانوني معين بعبارة إحداث أثر قانوني معين، لأن هذا الأثر قد يكون إنشاء أو إلغاء أو تعديل مركز قانوني وليس فقط مجرد إحداث هذا المركز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 132 لسنة 1960.
(2) د. عبسي الحسن، مرجع سابق،ص7
ثانياً ـ أركان القرار الإداري
اتفق الفقه الحقوقي على أن للقرار الإداري أركاناً أساسية يجب توافرها فيه ليكون صحيحاً، فإذا لم يستوفِ العقد أركان انعقاده فإنه يكون باطلاً، وفي بعض الأحيان منعدماً، ومن ثم يفقد طبيعته القانونية ويتحول إلى عمل مادي منعدم الأثر القانوني.
أما هذه الأركان فهي خمسة, بعضها ذو طبيعة شكلية وهي الاختصاص والشكل، والبعض الآخر ذو طبيعة موضوعية وهي السبب والمحل والغاية:
1 ـ المحل
2 ـ السبب
3 ـ الغاية
4 ـ الشكل
5 ـ الاختصاص
1 ًـ المحل:
محل القرار الإداري هو موضوع هذا القرار أو الأثر القانوني الذي يترتب عليه حالاً ومباشرة، وعلى ذلك يجب أن يكون الأثر القانوني المُتولد عن القرار الإداري مُتعيناً وممكناً وجائزاً قانوناً.
فالقرار الصادر بتسخير شخص أو بمصادرة أمواله باطل لأن الموضوع غير جائزٍ قانوناً، كما أن القرار الصادر بتسليم لاجئٍ سياسي يُعتبر باطلاً لمخالفة موضوعه للقانون، نظراً لأن المبادئ الدستورية تحظر تسليم اللاجئين السياسيين.
وفي هذه التصرفات يكون محلها غير مشروع لمخالفته لمبدأ الشرعية القانونية، وهنا نكون أمام عيب مخالفة القانون بالمعنى الضيق لهذا التعبير، وذلك بالمقارنة بعيب مخالفة القانون في معناه الواسع الذي يمكن أن يطلق على العيب الذي يصيب أي ركن من أركان القرار الإداري، بالنظر إلى كون القانون يحكم جميع هذه الأركان في نهاية المطاف.
2 ًـ السبب:
سبب القرار الإداري هو الأمر الذي يسبق القرار ويكون دافعاً إلى وجوده، فالسبب في قرار منع الأفراد من الانتقال من منطقة معينة أو إليها هو انتشار وباء في هذه المنطقة، كما أن السبب في اتخاذ إجراء ضبط إداري هو الاضطراب الذي قد يؤثر في النظام العام.
وسبب القرار الإداري بهذا المعنى ليس عنصراً شخصياً أو نفسياً لدى متخذ القرار، وإنما هو عنصرُ موضوعي خارجي عنه من شأنه أن يبرر صدور هذا القرار.
من ذلك يتضح لنا أن السبب هو ركنٌ فعال من أركان القرار الإداري بحيث لا يمكن أن يقوم القرار دون سبب يكون علة وجوده و إصداره.
يعتبر العميد دوغي السبب " وهو ما يعبر عنه بالباعث الملهم " لا مكان له بين العناصر في العمل القانوني، ولا أهمية بالنسبة له على وجه العموم، إذ أنه في حقيقة الأمر واقعة بعيدة عن رجل الإدارة ومستقلة تماماً عن العمل الإداري.
وقد عرّف الفقيه دولوبادير السبب بأنه " الواقعة الموضوعية السابقة على القرار والخارجة عنه، ويكون وجودها هو الذي دفع مُصدر القرار إلى إصداره والقيام به "
كما عرّفه العميد فيدل بأنه " حالة موضوعية واقعية أو قانونية تُعتبر أساس القرار ".
ويُعد وجود سبب القرار " وهو ما يستدعي تدخل الإدارة " صماناً لحقوق وحريات الأفراد ضد تعسف الإدارة في استخدامها للسلطات الممنوحة.
ويختلف مدى التزام الإدارة بإصدار القرار في حالة وجود السبب حسب مدى السلطة التقديرية التي تتمتع بها على النحو التالي:
* في الحالات التي يكون فيها للإدارة سلطة تقديرية فتستطيع أن تُصدر القرار أو لا تصدره حسب ما يتراءى لها.
ففي مثال ظهور الوباء السابق ذكره تستطيع الإدارة أن تُصدر قراراً بمنع الدخول و الخروج بالنسبة للمنطقة الموبوءة، وقد ترى أنه من الأفضل لاعتبارات أخرى " كحالة الذعر التي بمكن أن تترتب عليه " أن لا تصدر مثل هذا القرار، وتستبدل به إجراءً آخر.
* أما في الحالات التي تكون سلطة الإدارة فيها مقيدة، فإن وجود السبب يجعل الإدارة مُلزمة بإصدار القرار.
مثال ذلك أن يفرض القانون على الإدارة منح ترخيص معين لكل طالب له تتوافر شروطٌ معينة.
ففي هذه الحالة لا تستطيع الإدارة أمام وجود السبب " وهو طلب الرخصة من جانب من تتوافر فيه الشروط التي حددها القانون " ألا أن تصدر القرار بمنح هذه الرخصة.
والأصل أن الإدارة ليست مُلزمة بذكر سبب القرار الإداري إلا إذا كان هناك نصٌ تشريعي أو تنظيمي يوجب بيان هذا السبب، إذ توجد قرينة قانونية مضمونها أن لكل قرار إداري سبباً مشروعاً، وعلى من يدعي العكس يقع عبء إثبات ما يدّعيه.
ولكن الإدارة إذا بينت سبب القرار ولو من تلقاء نفسها دون إلزام من القانون، فإن السبب المذكور يخضع لرقابة القضاء.
ويراقب القضاء الإداري سبب القرار ليس فقط من حيث وجوده الحقيقي وتكييفه القانوني أو مشروعيته، وإنما كذلك من حيث التناسب أو الملاءمة بينه وبين الأثر الذي رتبه القرار، وذلك عندما تكون الملاءمة شرطاً من شروط المشروعية أو عنصراً فيها.
فإذا لم يكن سبب القرار موجوداً ومشروعاً حكم القضاء.
3 ـ الغاية أو الهدف المنشود:
وهي الهدف النهائي الذي يسعى القرار الإداري لتحقيقه، فالغاية بهذا المعنى تختلف عن النتيجة المباشرة للقرار أو الأثر القانوني المُترتب عليه وهو ما يُسمى بمحل القرار.
وهكذا فإن الغاية من إصدار قرار بترقية موظف تستهدف حسن سير المرافق العامة، والغاية من لائحة المرور هو المحافظة على النظام العام.
ومن واجب رجل الإدارة كقاعدة عامة أن لا يهدف في جميع تصرفاته إلا فكرة تحقيق الصالح العام، ولما كانت حدود المصلحة العامة واسعة، فإن المشرع كثيراً ما يُحدد لرجل الإدارة هدفاً معيناً لا يجوز تجاوزه.
وهذه القاعدة تُسمى " تخصيص الأهداف " وهي تقييد الإدارة بالغية التي رسمها المشرع، فإذا جاوزت الإدارة هذه الغية المُخصصة إلى غاية أخرى ولو كانت تستهدف بها تحقيق الصالح العام في ذاته كان قرارها في هذا الخصوص مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة وجديراً بالإلغاء.
ويُلاحظ أن عدم تحديد الهدف في النص التشريعي لا يعني أن الإدارة طليقةٌ من كل قيد، بل عليها دائماً أن تهدف إلى الصالح العام في نطاقه الواسع.
فالمحافظ يرتكب عيب الانحراف بالسلطة، إذا هو مارس سلطة الرقابة الإدارية، لا لمراقبة النشاط البلدي، بل للضغط على البلدية لاتخاذ تدبيرٍ سياسي يراه ضرورياً، وكذلك إذا سعى مُصدر القرار إلى تحقيق نفعٍ شخصي أو غرضٍ سياسي أو ديني أو انتقامي وقع القرار باطلاً لعيب الانحراف في السلطة أو إساءة استعمال السلطة.
والحقيق أن للإدارة أن تختار الوسيلة التي ترتئي بأنها تحقق الصالح العام أو الهدف الخاص الذي توخاه المشرع في ممارسة نشاطٍ معيّن، بيد أنه إذا كان المشرع قد حدد وسيلةً معينةً بالذات لتحقيق هذا الهدف، فإن على الإدارة أن تلتزم بإتباع هذه الوسيلة بالذات تحت طائلة إلغاء قرارها من قبل القضاء الإداري.
ويجب التنويه إلى أن مهمة القاضي في نطاق رقابة أو هدف القرار الإداري، لا تنحصر في رقابة المشروعية الخارجية ولا حتى في رقابة المشروعية الموضوعية، بل تمتد إلى رقابة البواعث الخفية، والدوافع المستورة التي حملت رجل الإدارة على التصرف.
وهذا يعني أن رقابة عيب الانحراف تُمثل عملاً دقيقاً وصعباً لأنها تستند إلى تقديرات شخصية ومهنية أحياناً ضد الإدارة وممثليها نظراً للشك في موضوع الأخلاق والأمانة.
ونظراً لهذه الأسباب فإن عيب الانحراف لم يُعتمد من قِبل القضاء الإداري إلا عندما أصبح على مستوى عالٍ من الخبرة والكفاءة ومتمتعاً بمركزٍ قوي في المُجتمع.
4 ـ الشكل:
يُقصد بالشكل في القرار الإداري: المظهر الخارجي الذي يبدو فيه القرار والإجراءات التي تُتبع في إصداره.
وتهدف الشكليات إلى ضمان حسن سير المرافق العامة من ناحية، وضمان حقوق الأفراد من ناحية أخرى، كما أنها تشكل ضمانةً للإدارة نفسها تمنعها من الارتجالية والتسرع وتهديد حقوق الأفراد وحرياتهم، باتخاذ قرارات غير مدروسة، أي أنها ليست مجرد روتين أو عقبات أو إجراءات إدارية لا قيمة لها.
وكما يقول الفقيه الألماني ايهرينغ فإن الشكليات والإجراءات تُعد الأخت التوأم للحرية وهي العدو اللدود للتحكم والاستبداد.
ولكن يجب التنويه إلى أن التشدد في موضوع الإجراءات قد يؤدي إلى تسهيل عمليات من قِبل أصحاب العلاقة أو إلى التدخلات من قِبل الهيئات السياسية أو الاقتصادية، كما قد ينجم عنه الإبطاء الشديد في سير المرافق العامة.
ورغم ذلك فإن إخضاع السلطات الإدارية لبعض الإجراءات الشكلية يشكل ضمانةً قوية للأفراد.
والأصل أن القرار الإداري لا يخضع لشكلٍ معين إلا إذا نصّ القانون على خلاف ذلك بأن استلزم كتابته أو احتواءه على بياناتٍ معينة كذكر سبب القرار مثلاً، أو استوجب لإصداره اتخاذ إجراءات محددة كأخذ رأي فرد أو هيئة، أو إجراء التحقيق اللازم.
وهكذا فقد تطلب القضاء الفرنسي من الإدارة التقيد بالإجراءات والشكليات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة ولا سيما الإجراءات الجوهرية المتعلقة بمصالح الأفراد.
وفي حال سكوت النصوص التشريعية أو التنظيمية فإن قواعد الشكل والإجراءات غالباً ما يجري بالإحالة إلى مبدأٍ مماثلٍ لذلك الذي يُستخدم في تحديد الاختصاص، وهذا يعني مبدأ الإجراءات الموازية.
أي أنه في حالة ضرورة إتباع إجراءات معينة من أجل اتخاذ قرارٍ ما وفقاً للنصوص القانونية أو التنظيمية، فإن هذه الإجراءات يجب إتباعها من أجل اتخاذ قرارٍ معاكس للأول.
ومع ذلك فإن هذا المبدأ ليس مطلقاً، بل له استثناءات كثيرة، فإذا كان يُشترط في منح ترخيصٍ ما أخذ رأي مجلس الدولة مُسبقاً، فإن رفض هذا الترخيص لا يحتاج للحصول على الرأي المُسبق.
ولا يؤدي عيب الشكل إلى بطلان القرار الإداري إلا إذا نصّ المشرع صراحةً على البطلان في حالة عدم استيفاء الشكل المطلوب، أو إذا كان عيب الشكل جسيماً أو جوهرياً بحيث أن تلافيه كان يمكن أن يؤثر في مضمون القرار أو يغير من جوهره.
أما مسائل الإجراءات والشكليات الثانوية التي لا تؤثر في سلامة القرار موضوعياً والمُقررة لمصلحة الإدارة فلا تُرتب البطلان، وذلك من باب عدم المبالغة في التمسك بالشكليات.
5 ـ الاختصاص:
يُعرّف الفقيه الفرنسي لافيريير الاختصاص بأنه " القدرة القانونية التي يمتلكها موظفٌ عام أو سلطةٌ عامة، وتُخول له حق اتخاذ قرارٍ معين ".
في حين يأخذ الفقيه ألبير على هذا التعريف بأنه لا يجمع حالات عدم الاختصاص التي يرتكبها أشخاصٌ ليس لهم ولاية أو صفة في إصدار قراراتٍ من أي نوع، بِحكم أنهم لا يتمتعون بصفة الموظف العام، ومن ثم فهو يقترح تعريفاً أوسع للاختصاص باعتباره " القدرة القانونية التي تُخَوّلُ اتخاذ قراراتٍ معينة ".
ومن ثم يمكن تعريف قواعد الاختصاص بأنها " القواعد التي تُحدد الأشخاص أو الهيئات القادرة قانوناً على مباشرة أعمالٍ إدارية معينة.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس دائماً من السهولة بمكان تحديد السلطة المُختصة باتخاذ قرارٍ ما في موضوعٍ معين.
فعندما تكون النصوص المُحددة للاختصاص واضحةٌ، فيجب على الهيئات والموظفين الالتزام في حدود الاختصاص كما رسمتها النصوص صراحةً أو ضمناً.
ولكن قد يعتري هذه النصوص الغموض والالتباس، وعندها يمكن إتباع المبادئ التي استنتجها القضاء والفقه الحقوقي.
وهكذا فقد جرى القضاء الإداري الفرنسي على تبني مبدأ الاختصاص المتوازي، أي أن السلطة المُختصة في اتخاذ قرار ما تكون مختصةً أيضاً في اتخاذ القرار المعاكس، لأن من يملك إبرام عملٍ يملك نقضه،فالاختصاص بمنح ترخيصٍ مثلاً يتضمن الاختصاص بسحب الترخيص، والسلطة صاحبة الاختصاص في تعيين موظف، تكون في الوقت نفسه صاحبة الاختصاص في إقالته من عمله.
ومع ذلك فإن هذا المبدأ ليس مطلقاً، بل هو مُجرد توجيهٍ لأن المشرع في كثيرٍ من الحالات يجعل السلطة التي تملك إلغاء تصرفٍ معين غير تلك التي تُبرمه، فمن يملك التعيين لا يملك الفصل في جميع الحالات.
وقد يعهد النصّ التشريعي إلى فردٍ بذاته أو إلى هيئةٍ بذاتها ممارسة اختصاصٍ ما، كما أنه قد يشترط مشاركة عدة أفرادٍ أو هيئات لممارسة اختصاصٍ ما، بحيث لا يمكن إجراء التصرف أو اتخاذ القرار إلا بموافقتها جميعاً.
فالاختصاصات الممنوحة لمجلس الوزراء يجب أن تُمارس بقرارات مُتخذةٍ من هذا المجلس وإلا تعرضت لعيب عدم الاختصاص، أما إذا كان الاختصاص لا يمكن ممارسته إلا بعد استشارة هيئةٍ معينة، فالقرار الصادر في موضوع الاختصاص لا يستلزم بالضرورة توقيع هذه الهيئة.
ولكي يكون القرار الإداري صحيحاً يجب أن يصدر من صاحب الاختصاص القانوني في إصداره.
ويخلط معظم الفقه والقضاء بين عنصر الاختصاص وركن الإرادة فيما يتصل بالعيوب التي تلحق بهما إذا تمثل العيب في اغتصاب سلطة عامة لاختصاصات السلطة الإدارية فيعتبرون أن عيب الاختصاص إما أن يكون جسيماً (تعبيراً عن اغتصاب السلطة)، أو بسيطاً(تعبيراً عن عيب عدم الاختصاص أو بالأحرى عدم الاختصاص).
حيث أن عيب اغتصاب السلطة هو عيبٌ يشوب ركن الإرادة في القرار الإداري، لأنه يعني تعبير أو إفصاح غير السلطة الإدارية عن إرادة السلطة الإدارية، ولذلك فإنه إذا تحقق هذا العيب فإنه يؤدي إلى انعدام القرار الإداري لانعدام إرادة السلطة الإدارية فيه.
أما عيب عدم الاختصاص فإنه يعني أنه في داخل السلطة الإدارية تتوزع الاختصاصات بين موظفي الإدارة والجهات الإدارية المختلفة داخل الإٌدارة، ومن ثم فإذا اعتدى موظفٌ أو جهة إدارية على اختصاص موظف أو جهة إدارية أخرى، فإنه يلحق بالقرار الإداري المتصل بهذا الاختصاص عيب عدم الاختصاص هو عيبٌ لا يتصل بركن الإرادة لأنه أيضاً تعبيرٌ عن إرادة سلطة إدارية، ولكنه عيب يتصل بعنصر الاختصاص بوصفه من العناصر التي إذا شابها عيبٌ فإنه يؤدي إلى قابلية هذا القرار للإلغاء لعدم مشروعيته وذلك لمخالفته القواعد القانونية التي تحدد اختصاصات أو صلاحيات موظفي السلطة الدارية في ممارسة الأعمال الإدارية. ، وقد تتعلق المخالفة بالاختصاص الموضوعي التي تتمثل في اعتداء المرؤوس على اختصاصات رئيسه، أو العكس باعتداء الرئيس على اختصاصات المرؤوس.
كما قد تمس الاختصاص الزمني كأن يُصدر المفوَّض إليه قراراً بعد انتهاء فترة التفويض.
وقد تتعلق المخافة باختصاص مكاني كما لو أصدر أحد المحافظين قراراً خاصاً بالحجز الإداري لعددٍ من الأفراد الذين لم يعودوا يقطنون محافظته.
وتُعد مخالفة قواعد الاختصاص في إصدار القرار الإداري من أقدم أوجه الإلغاء في القضاء الإداري الفرنسي، وبالرغم من طهور أوجه إلغاءٍ أخرى، فإنه ما يزال يمثل العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام.
وهذا ما أيدته المحكمة الإدارية العليا السورية عندما ذكرت " بأن قواعد تحديد الاختصاص هي من النظام العام، وهي من عمل المشرع وحده ولا يسوغ للإجراءات الفردية أو لإرادات الإدارات العامة أن تغير من صفته النوعية ".
ويترتب على اعتبار مخالفة قواعد الاختصاص من النظام العام أنه:
يجوز إبداء الدفع بعيب الاختصاص في أية مرحلة من مراحل الدعوى، وللقاضي التعرض له من تلقاء نفسه ولو لم يثره الخصوم، كما لا يجوز تعديل قواعد الاختصاص بالاتفاق، ولا يمكن تصحيح القرار المعيب بعدم الاختصاص بإجراءٍ لاحق من الجهة المختصة. ، كما أن حالة الاستعجال لا تبرر للإدارة مخالفة قواعد الاختصاص مالم تصل هذه الحالة إلى مرتبة الظروف الاستثنائية ومن ثم تتحول إلى حالة ضرورة تبرر هذه المخالفة تحت رقابة القضاء.
ثالثاً ـ أنواع القرارات الإدارية من حيث مداها أو عموميتها:
تنقسم القرارات الإدارية من حيث مداها إلى قسمين رئيسيين هما:
1 ـ القرارات الإدارية التنظيمية
2 ـ القرارات الإدارية الفردية.
ورغم وجود أحكامٍ عامة للقرارات الإدارية، فرديةً كانت أم تنظيمية، فإن بعض الأحكام تختلف حسب طبيعة القرار الفردية أو التنظيمية.
وتبدو أهمية التفرقة بينهما في النواحي التالية:
1ـ إن القرار الإداري الفردي ينفذ في حق صاحي العلاقة من تاريخ تبلغه لمضمون القرار، بينما يسري القرار التنظيمي من تاريخ نشره أصولاً.
2 ـ لا يمكن في نطاق دعوى الإلغاء الاحتجاج من قِبل رافع الدعوى بالحقوق المُكتسبة الناجمة عن القرار الإداري التنظيمي، أما القرار الفردي فلا يجوز إلغاؤه إلا في الأحوال التي يحددها القانون.
3 ـ قد يعُلق تطبيق القانون على صدور القرارات التنظيمية اللازمة لتنفيذه، وليس الأمر كذلك بالنسبة للقرارات الفردية.
4 ـ اعترفت محكمة تنازع الاختصاص الفرنسية للمحاكم العادية بحق تفسير القرارات التنظيمية، بل وبتقدير مشروعيتها عند نظر المواد الجزائية، وذلك دون القرارات الفردية
5 ـ ينجم عن انقضاء ميعاد الطعن الذي حدده القانون لرفع دعوى إلغاء القرار الإداري، اكتساب القرار حصانة ضد الإلغاء، وتصدق هذه القاعدة على إطلاقها بالنسبة للقرارات الفردية، أما بالنسبة للقرارات التنظيمية، فهي وإن كانت تخضع كقاعدة عامة للميعاد المُحدد لدعوى الإلغاء فلا يجوز الطعن فيها بعد انقضاء المدة، ومع ذلك فقد قبل مجلس الفرنسي الطعن في القرارات التنظيمية بعد انقضاء الميعاد في حالات استثنائية جداً. كما يجوز الدفع أمام القاضي الإداري دائماً وفي أي وقت إذا وُجّهَ الدفع ضد قرارٍ تنظيمي، بمناسبة إصدار بعض القرارات تطبيقا له.
1 ـ القرار الإداري الفردي:
وهو القرار الذي يُعالج حالةً فردية معينة بذاتها، سواءٌ تعلق الأمر بشخصٍ أو بمجموعة معينة ومحددة بالذات من الأشخاص، بشيءٍ أو أشياء.
وتستنفد موضوعها أو مضمونها بمجرد تطبيقها على الحالة أو الحالات المذكورة، أو على الفرد أو الأفراد المعينين بالذات.
فقرار تعيين مواطن في إحدى الوظائف أو عدد منهم معين بالذات يعتبر قراراً فردياً.
وكذلك القرار الصادر بإنشاء إحدى المستشفيات أو عدد محددٍ منها.
كما أن القرار المتعلق بفضّ مظاهرةٍ معينة هو أيضاً قرارٌ فردي.
وهنا لا يغير من الأمر احتواء المظاهرة على عددٍ كبيرٍ من الأفراد غير معينين بالذات لأن القرار يتعلق بحالةٍ معينة، هي تلك المظاهرة بذاتها، بحيث إذا قامت مظاهرة أخرى بعد ذلك ولو بواسطة نفس الأفراد الذين اشتركوا في تنظيم الأولى فإن القرار لا يسري عليها.
2 ـ القرار الإداري التنظيمي:
القرار الإداري التنظيمي أو اللائحي هو القرار الذي يتضمن قواعد عامة مُجردة ومُلزمة، فلا يتعلق بشخصٍ أو شيءٍ أو حالةٍ على سبيل التعيين بالذات، وإنما بأمورٍ متجددة تُحَدّدُ بأوصافها وشروطها.
ولا يغير من طبيعة القرار التنظيمي أن يضيق مجال تطبيقه من حيث عدد الذين ينطبق عليهم، حتى ولو انطبق على حالة واحدة، ما دامت هذه الحالة متجددة غير معينة بذاتها، بل ولا يغير من
طبيعة القرار التنظيمية أن يكون المُخاطب به معروفاً وقت صدوره ما دام المجال الزمني لتطبيقه يمكن أن يتسع ليشمل غيره.
وذلك كما هو الحال في القرارات المتعلقة برئيس الجمهورية أو برئيس مجلس الوزراء.
ونتيجة لما تقدم:
فإن القرار التنظيمي يتميز عن القرار الفردي بصفة العمومية و التجريد، ومن ثم يتسم بطابع الثبات النسبي، فهو لا يستنفد موضوعه بمجرد تطبيقه على حالةٍ معينة أو على فردٍ من الأفراد، بل يظل ٌ قابلاً للتطبيق كلما توافرت الشروط المحددة لهذا التطبيق.
فالقرار الذي ينظم اختصاص نائب الوزير في وزارةٍ لا يوجد فيها سوى نائبُ واحد يُعد قراراً تنظيمياً رغم أن المستفيد به شخصً واحد قد يكون معروفاً سلفاً وبشخصه.
وهو يكتسب صفته التنظيمية بحكم سريانه، ليس على نائب الوزير القائم بالعمل فحسب، ولكن على كل شخصٍ يحمل هذا الوصف مُستقبلاً طالما بقي منصب نائب وزير وطالما بقي القرار نافذاً، فالقاعدة تُخاطب نائب الوزير وليس فلاناً بالذات.
فالقرار التنظيمي إذن لا يخاطب الشخص مباشرةً، بل يخاطبه من خلال المركز القانوني العام الذي تعرّض له القرار بالإنشاء أو التعديل أو الإلغاء والذي يشغله الشخص بحكم استيفائه لشروطه.
كما أن القرار اللائحي يتسم بالثبات، فالقرارات التي تُنظم قبول الطلاب بإحدى الكليات الجامعية لا تسقط بانتهاء إجراءات القبول في السنة الدراسية التي صدرت فيها، بل تبقى لتحكم القبول في السنوات المُقبلة.
والقرار اللائحي قد يكون صالحاً للتطبيق بذاته، مثال ذلك القرارات التي تُنظم المرور في منطقةٍ معينة، فهي تري فوراً على كل سائق.
وقد يكون القرار اللائحي غير صالحٍ للتطبيق بذاته بل يلزمه قرارٌ آخر ينقله من دائرة التجريد إلى دائرة الواقع التطبيقي، فحتى تتحرك القواعد التي تنظم شؤون طلاب إحدى الجامعات بالنسبة إلى أحد الأشخاص ]لزم أن يصدر قرارٌ بقبوله في إحدى كلياتها.
القيمة القانونية للقرار التنظيمي أو اللائحي:
تتضمن اللائحة قواعد عامة مجردة ملزمة، ومن ثم فإنها تشارك القانون في هذه الخصائص.
ولكنهما يختلفان من حيث النظام القانوني الذي يحكم كلاً منهما، فالقانون هو من صنع ممثلي الشعب ضمن نطاق الهيئة التشريعية، بينما القرار التنظيمي اللائحي، الذي يساهم بصورة أساسية في تنفيذ القوانين، فهو من صنع الهيئة التنفيذية.
وقد استقر الفقه التقليدي على أن القرار التنظيمي أو اللائحي يُعد أقل درجةٍ من القانون فيما يتعلق بقوته القانونية بحيث لا يجوز له مخالفة أو تعديل أو إلغاء القانون، بينما يستطيع القانون أن يُحدِثَ في القرار التنظيمي ما يشاء.
وذلك باستثناء لوائح الضرورة واللوائح التفويضية التي تقوى على مخالفة القانون وتعديله بصفةٍ مؤقتة وبشروطٍ معينة.
ورغم أن تفوق درجة القانون على اللائحة لا تزال هي السائدة بصفةٍ عامة، إلا أنها لم تَعُد الآن صحيحة على إطلاقها بعد التطور الذي لحق المبادئ الدستورية في العصر الحديث، فمن
المعروف أن رئيس السلطة التنفيذية في كثيٍ من البلاد قد أصبح هو الآخر كالبرلمان ممثلاً للشعب حائزاً على أصوات أغلبية أفراده، كما هو الحال في سوريا وفرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن ناحيةٍ أخرى فنظام اللائحة المُستقلة المُحددة بموجب المادة/37/ من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لعام/1958/ والتي بموجبها صار اختصاص اللائحة في التشريع هو الاختصاص الأصلي أو القاعدة العامة، بمعنى أنها تختص بالتشريع في كل المسائل والمواضيع فبما عدا تلك التي جعلها الدستور صراحةً من اختصاص القانون بموجب المادة/34/ منه.
هذا النظام لم يعد يتفق في بعض أحكامه مع ما هو سائد بالنسبة لقوة اللائحة القانونية، إذ أن هذه اللوائح المستقلة ـ رغم بقاء خضوعها كقرارات إدارية لرقابة القضاء الإداري والتزامها بمراعاة قواعد الدستور والمبادئ العامة للقانون ـ لا يمكن تعديلها أو إلغاؤها بقانون، كما أنها تقوى على أو إلغاء القوانين التي سبق أن صدرت في مجالها.
مجال القرار الإداري التنظيمي أو اللائحي:
نظراً لأن القرار الإداري أو اللائحي يشمل قواعد عامة مجردة ملزمة، فإنه يصعب القول بأن هناك مسائل لائحية بطبيعتها وأخرى لا يمكن تنظيمها إلا بقانون.
ولكن يبدو أن هناك اتفاقاً فقهيا على أن بعض المواضيع ذات أهمية خاصة كمسائل الحريات العامة والحرب والتجريم والضرائب لا يمكن تنظيمها إلا من قِبل الهيئة التشريعية وحدها باعتبارها السلطة العليا التي تُمثل إرادة الأمة.
ومن ناحيةٍ أخرى يبدو أن هناك مسائل تنظيمية أو لائحية بطبيعتها يجب ترك أمر تنظيمها للسلطة التنفيذية وذلك كالقواعد التفصيلية ذات الطابع الفني التي يصعب على المشرع البتُّ فيها، أو يضيق وقته عن إصدارها.
ويتقاسم العالم نظامين لتوزيع الاختصاص بين القانون واللائحةً :
ففي النظام الأول ـ وهو السائد حتى الآن ـ يكون القانون هو صاحب الاختصاص العام في تنظيم مختلف المسائل التي يتراءى له تنظيمها، ويقتصر مجال اللائحة على الموضوعات التي يعهد بها إليها القانون سواءٌ أكان دستورياً أم عادياً، مكتوباً أم عرفياً.
وفي النظام الثاني تكون اللائحة ـ على عكس الوضع السابق ـ هي صاحبة الاختصاص العام، ويقتصر دور الهيئة التشريعية على التشريع في مسائل يحددها حصراً النص الدستوري كما هو الحال في دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية عام/1958/ والدستور المغربي لعام/1962/.
ويمكن أن ترتكز الهيئة التنفيذية في إصدارها للقرارات التنظيمية أو اللائحية إلى نصوصٍ دستورية أو تشريعية، كما يمكنها أن تستند إلى مبادئ العرف الدستوري كهذا الذي يُفسر النصوص التي تعهد إلى السلطة التنفيذية بمهمة تنفيذ القانون تفسيراً من شأنه أن يمنحها الحق في إصدار اللوائح.
للامانة منقووووووووووووووووووووووووووووووووووووول للفائدة
مقدمة:
تملك الإدارة امتيازات السلطة العامة، ومن أهم مظاهر هذه الامتيازات، إقدام الإدارة على استخدام سلطتها في أن تفرض بإرادتها المنفردة قرارات تُرتب لهل حقوقاً والتزامات في مواجهة الغير، دون حاجةٍ إلى الحصول على رضائهم أو موافقتهم، فهذه السلطة في التصرف الإداري من جانبٍ واحد، تُعتبر من أهم مظاهر السلطة العامة للإدارة، وتُعدُّ أحد الفوارق الجوهرية بيت أساليب النشاط أو التصرفات القانونية في مجال القانونين العام والخاص.
فالأصل العام في مجال القانون العاص أن الإرادة المنفردة لا ترتب آثاراً إلا في حق من أصدرها، ومن ثم يُعد العقد هو الصورة الأساسية التصرفات القانونية الإرادية في مجال القانون الخاص.
أما في مجال القانون العام فإن المظهر الجلي والواضح من مظاهر امتيازات السلطة العامة ، هو منح الإدارة إصدار القرارات الإدارية التي لها قوة مُلزمة قانوناً، بإرادتها المنفردة، لدرجة أن مجلس الدولة الفرنسي اعتبرها القاعدة الرئيسية للقانون العام.
وتُشكل دراسة القرار الإداري أهمية مميزة، من جهتين، من حيث أن القرارات الإدارية تُشكل أحد أركان ودعائم القانون الإداري، وتُعد من أنجح الوسائل في ممارسة الإدارة لنشاطها.
كما انه من جهةٍ أخرى تُشكل القرارات الإدارية مجالاً رحباً لممارسة الرقابة القضائية على أعمل الإدارة، بل كانت وما تزال القرارات الإدارية تُشكل محوراً لمعظم المنازعات والقضايا المعروضة على القضاء الإداري، وتُعتبر مصدراً ثرياً وغنياً لاجتهادات القضاء الإداري.
مفهوم القرارات الإدارية:
تُمثل سلطة الدولة في إصدار القرارات الإدارية المظهر الرئيس والأساسي لوسائل الإدارة في مباشرة نشاطها، حيث لا تستطيع السلطة الإدارية الاستغناء عنها في أي وجهٍ من أوجه النشاط الإداري ( الوظيفة العامة ـ الضبط الإداري ـ نزع الملكية للمنفعة العامة ) وذلك على خلاف العقود الإدارية التي يندر اللجوء إليها بصدد مباشرة بعض أوجه النشاط الإداري مثل نشاط الضبط الإداري.
فالقرارات الإدارية هي الأسلوب الأكثر شيوعاً في أعمال الإدارة، والذي لا نظير له في مجال القانون الخاص، إذ أن من شأنها إنتاج آثارٍ قانونية وبصفة خاصة التزامات تقع على عاتق المُخاطبين بأحكامها دون أن يتوقف ذلك على قبولهم ورضاهم.
أولاًـ تعريف القرار الإداري
1 ـ التعريف الفقهي:
اختلف الفقه الإداري ، ولكن هذا الاختلاف لا يعدو كونه في إطار الجزئيات، أما ما يتعلق بجوهر ماهية القرار الإداري فإنه لا يبدو أن هنالك من فرقٍ بينهما.
يُعرف العميد هوريو القرار الإداري النافذ بأنه" تصريحٌ وحيد الطرف عن الإرادة صادرٌ عن سلطة إدارية مختصة بصيغة النفاذ، بقصد إحداث أثر حقوقي " .
بينما يُعرفه الأستاذ فالين بأنه " كل عمل حقوقي وحيد الطرف صادر عن رجل الإدارة المختص، بوصفه هذا ، وقابلٌ بحد ذاته أن يُحدث آثاراً حقوقية ".(1)
بينما يُعرفه د. سليمان الطماوي بأنه " كل عملٍ صادر من فرد أو هيئة تابعة للإدارة أثناء أداء وظيفتها ".(2)
وعرَّف د. عبد الغني بسيوني عبد الله، القرار الإداري بأنه " عملٌ قانوني نهائي يصدر من سلطة إدارية وطنية بإرادتها المنفردة وتترتب عليه آثار قانونية معينة ".(3)
في حين عرفه د. محمد فؤاد مهنا بأنه " عملٌ قانوني من جانب واحد يصدر بإرادة إحدى السلطات الإدارية في الدولة ويُحدث آثاراً قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو يعديا أو إلغاء وضع قانوني قائم ".(4)
ويرى د. عبد الله طلبة بأنه " إفصاحٌ عن إرادة منفردة يصدر عن سلطةٍ إدارية ويرتب آثاراً قانونية ".(5)
ويعرفه د. عبسي الحسن بأنه " تصرفٌ قانون يصدر من جهة الإدارة أو إحدى الجهات العامة وتعبر فيه عن إرادتها الملزمة للأفراد، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، بقصد إحداث أثر قانوني معين( إنشاءً أو إلغاءً أو تعديلاً ) ابتغاءً للمصلحة العامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. عدنان العجلاني، الوجيز في الحقوق الإدارية، دمشق 1961
(2) د. سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري، ط7، 1965، ص 872
(3) د. عبد الغني بسيوني عبد الله، وقف تنفيذ القرار الإداري، الإسكندرية، ص 40
(4) د. محمد فؤاد مهنا، مبادئ وأحكام القانون الإداري، القاهرة، 1973، ص 67
(5) د. عبد الله طلبة، مبادئ القانون الإداري، ج2، دمشق 1989، ص 228
(6) د. عبسي الحسن، القرار الإداري، أملية معدة لطلاب الدراسات القانونية، التعليم المفتوح، في سوريا، ص7
2 ـ التعريف القضائي:
استقر القضاء الإداري لفترةٍ طويلة على اعتماد تعريف القرار الإداري، بأنه:
" إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون، عن إرادتها الملزمة، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحةٍ عامة ".
كما عرفته المحكمة الإدارية العليا المصرية بأنه " إفصاح الإدارة في الشكل الذي يحدده القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة ".
وقد عرّفت محكمة القضاء الإداري السورية القرار الإداري بأنه " إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد بناءً على سلطتها العمة بمقتضى القوانين و اللوائح حين تتجه إرادتها إلى إنشاء مركز قانوني يكون جائزاً وممكناً قانوناً، وبباعث من المصلحة العامة التي يبتغيها القانون ". (1)
وقد تعرضت هذه التعريف للانتقاد من حيث:
1 ـ أن عبارة إفصاح الإدارة، تدل على أن المقصود هنا هي القرارات الإدارية الصريحة دون القرارات الإدارية الضمنية، فالإفصاح ما هو إلا تعبيرٌ صريح من جانب الإدارة.
ولهذا نجد أن المحكمة الإدارية العليا المصرية، قد تلافت هذا الانتقاد في بعض أحكامها اللاحقة وذلك بقولها:
أن القرار الإداري هو عملٌ قانوني من جانب واحد يصدر بالإرادة الملزمة لإحدى الجهات الإدارية في الدولة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح في الشكل الذي يتطلبه القانون.
أو بقولها أن القرار الإداري هو تعبير من إحدى السلطات أو الجهات الإدارية المختصة عن إرادتها الملزمة بإحداث مركز قانوني معين.(2)
2 ـ إن عبارة أو إنشاء مركز قانوني تدل على أن المقصود هي القرارات الإدارية التي تنشئ مراكز قانونية دون أن تُعدل أو تلغي مراكز قائمة.
كذلك تلافت المحكمة الإدارية العليا المصرية هذا الانتقاد في بعض أحكامها وذلك حينما ذكرت بصدد تعريفها للقرار الإداري"......بقصد إحداث أثر قانوني معين" أي أنها استبدلت عبارة إحداث مركز قانوني معين بعبارة إحداث أثر قانوني معين، لأن هذا الأثر قد يكون إنشاء أو إلغاء أو تعديل مركز قانوني وليس فقط مجرد إحداث هذا المركز.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 132 لسنة 1960.
(2) د. عبسي الحسن، مرجع سابق،ص7
ثانياً ـ أركان القرار الإداري
اتفق الفقه الحقوقي على أن للقرار الإداري أركاناً أساسية يجب توافرها فيه ليكون صحيحاً، فإذا لم يستوفِ العقد أركان انعقاده فإنه يكون باطلاً، وفي بعض الأحيان منعدماً، ومن ثم يفقد طبيعته القانونية ويتحول إلى عمل مادي منعدم الأثر القانوني.
أما هذه الأركان فهي خمسة, بعضها ذو طبيعة شكلية وهي الاختصاص والشكل، والبعض الآخر ذو طبيعة موضوعية وهي السبب والمحل والغاية:
1 ـ المحل
2 ـ السبب
3 ـ الغاية
4 ـ الشكل
5 ـ الاختصاص
1 ًـ المحل:
محل القرار الإداري هو موضوع هذا القرار أو الأثر القانوني الذي يترتب عليه حالاً ومباشرة، وعلى ذلك يجب أن يكون الأثر القانوني المُتولد عن القرار الإداري مُتعيناً وممكناً وجائزاً قانوناً.
فالقرار الصادر بتسخير شخص أو بمصادرة أمواله باطل لأن الموضوع غير جائزٍ قانوناً، كما أن القرار الصادر بتسليم لاجئٍ سياسي يُعتبر باطلاً لمخالفة موضوعه للقانون، نظراً لأن المبادئ الدستورية تحظر تسليم اللاجئين السياسيين.
وفي هذه التصرفات يكون محلها غير مشروع لمخالفته لمبدأ الشرعية القانونية، وهنا نكون أمام عيب مخالفة القانون بالمعنى الضيق لهذا التعبير، وذلك بالمقارنة بعيب مخالفة القانون في معناه الواسع الذي يمكن أن يطلق على العيب الذي يصيب أي ركن من أركان القرار الإداري، بالنظر إلى كون القانون يحكم جميع هذه الأركان في نهاية المطاف.
2 ًـ السبب:
سبب القرار الإداري هو الأمر الذي يسبق القرار ويكون دافعاً إلى وجوده، فالسبب في قرار منع الأفراد من الانتقال من منطقة معينة أو إليها هو انتشار وباء في هذه المنطقة، كما أن السبب في اتخاذ إجراء ضبط إداري هو الاضطراب الذي قد يؤثر في النظام العام.
وسبب القرار الإداري بهذا المعنى ليس عنصراً شخصياً أو نفسياً لدى متخذ القرار، وإنما هو عنصرُ موضوعي خارجي عنه من شأنه أن يبرر صدور هذا القرار.
من ذلك يتضح لنا أن السبب هو ركنٌ فعال من أركان القرار الإداري بحيث لا يمكن أن يقوم القرار دون سبب يكون علة وجوده و إصداره.
يعتبر العميد دوغي السبب " وهو ما يعبر عنه بالباعث الملهم " لا مكان له بين العناصر في العمل القانوني، ولا أهمية بالنسبة له على وجه العموم، إذ أنه في حقيقة الأمر واقعة بعيدة عن رجل الإدارة ومستقلة تماماً عن العمل الإداري.
وقد عرّف الفقيه دولوبادير السبب بأنه " الواقعة الموضوعية السابقة على القرار والخارجة عنه، ويكون وجودها هو الذي دفع مُصدر القرار إلى إصداره والقيام به "
كما عرّفه العميد فيدل بأنه " حالة موضوعية واقعية أو قانونية تُعتبر أساس القرار ".
ويُعد وجود سبب القرار " وهو ما يستدعي تدخل الإدارة " صماناً لحقوق وحريات الأفراد ضد تعسف الإدارة في استخدامها للسلطات الممنوحة.
ويختلف مدى التزام الإدارة بإصدار القرار في حالة وجود السبب حسب مدى السلطة التقديرية التي تتمتع بها على النحو التالي:
* في الحالات التي يكون فيها للإدارة سلطة تقديرية فتستطيع أن تُصدر القرار أو لا تصدره حسب ما يتراءى لها.
ففي مثال ظهور الوباء السابق ذكره تستطيع الإدارة أن تُصدر قراراً بمنع الدخول و الخروج بالنسبة للمنطقة الموبوءة، وقد ترى أنه من الأفضل لاعتبارات أخرى " كحالة الذعر التي بمكن أن تترتب عليه " أن لا تصدر مثل هذا القرار، وتستبدل به إجراءً آخر.
* أما في الحالات التي تكون سلطة الإدارة فيها مقيدة، فإن وجود السبب يجعل الإدارة مُلزمة بإصدار القرار.
مثال ذلك أن يفرض القانون على الإدارة منح ترخيص معين لكل طالب له تتوافر شروطٌ معينة.
ففي هذه الحالة لا تستطيع الإدارة أمام وجود السبب " وهو طلب الرخصة من جانب من تتوافر فيه الشروط التي حددها القانون " ألا أن تصدر القرار بمنح هذه الرخصة.
والأصل أن الإدارة ليست مُلزمة بذكر سبب القرار الإداري إلا إذا كان هناك نصٌ تشريعي أو تنظيمي يوجب بيان هذا السبب، إذ توجد قرينة قانونية مضمونها أن لكل قرار إداري سبباً مشروعاً، وعلى من يدعي العكس يقع عبء إثبات ما يدّعيه.
ولكن الإدارة إذا بينت سبب القرار ولو من تلقاء نفسها دون إلزام من القانون، فإن السبب المذكور يخضع لرقابة القضاء.
ويراقب القضاء الإداري سبب القرار ليس فقط من حيث وجوده الحقيقي وتكييفه القانوني أو مشروعيته، وإنما كذلك من حيث التناسب أو الملاءمة بينه وبين الأثر الذي رتبه القرار، وذلك عندما تكون الملاءمة شرطاً من شروط المشروعية أو عنصراً فيها.
فإذا لم يكن سبب القرار موجوداً ومشروعاً حكم القضاء.
3 ـ الغاية أو الهدف المنشود:
وهي الهدف النهائي الذي يسعى القرار الإداري لتحقيقه، فالغاية بهذا المعنى تختلف عن النتيجة المباشرة للقرار أو الأثر القانوني المُترتب عليه وهو ما يُسمى بمحل القرار.
وهكذا فإن الغاية من إصدار قرار بترقية موظف تستهدف حسن سير المرافق العامة، والغاية من لائحة المرور هو المحافظة على النظام العام.
ومن واجب رجل الإدارة كقاعدة عامة أن لا يهدف في جميع تصرفاته إلا فكرة تحقيق الصالح العام، ولما كانت حدود المصلحة العامة واسعة، فإن المشرع كثيراً ما يُحدد لرجل الإدارة هدفاً معيناً لا يجوز تجاوزه.
وهذه القاعدة تُسمى " تخصيص الأهداف " وهي تقييد الإدارة بالغية التي رسمها المشرع، فإذا جاوزت الإدارة هذه الغية المُخصصة إلى غاية أخرى ولو كانت تستهدف بها تحقيق الصالح العام في ذاته كان قرارها في هذا الخصوص مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة وجديراً بالإلغاء.
ويُلاحظ أن عدم تحديد الهدف في النص التشريعي لا يعني أن الإدارة طليقةٌ من كل قيد، بل عليها دائماً أن تهدف إلى الصالح العام في نطاقه الواسع.
فالمحافظ يرتكب عيب الانحراف بالسلطة، إذا هو مارس سلطة الرقابة الإدارية، لا لمراقبة النشاط البلدي، بل للضغط على البلدية لاتخاذ تدبيرٍ سياسي يراه ضرورياً، وكذلك إذا سعى مُصدر القرار إلى تحقيق نفعٍ شخصي أو غرضٍ سياسي أو ديني أو انتقامي وقع القرار باطلاً لعيب الانحراف في السلطة أو إساءة استعمال السلطة.
والحقيق أن للإدارة أن تختار الوسيلة التي ترتئي بأنها تحقق الصالح العام أو الهدف الخاص الذي توخاه المشرع في ممارسة نشاطٍ معيّن، بيد أنه إذا كان المشرع قد حدد وسيلةً معينةً بالذات لتحقيق هذا الهدف، فإن على الإدارة أن تلتزم بإتباع هذه الوسيلة بالذات تحت طائلة إلغاء قرارها من قبل القضاء الإداري.
ويجب التنويه إلى أن مهمة القاضي في نطاق رقابة أو هدف القرار الإداري، لا تنحصر في رقابة المشروعية الخارجية ولا حتى في رقابة المشروعية الموضوعية، بل تمتد إلى رقابة البواعث الخفية، والدوافع المستورة التي حملت رجل الإدارة على التصرف.
وهذا يعني أن رقابة عيب الانحراف تُمثل عملاً دقيقاً وصعباً لأنها تستند إلى تقديرات شخصية ومهنية أحياناً ضد الإدارة وممثليها نظراً للشك في موضوع الأخلاق والأمانة.
ونظراً لهذه الأسباب فإن عيب الانحراف لم يُعتمد من قِبل القضاء الإداري إلا عندما أصبح على مستوى عالٍ من الخبرة والكفاءة ومتمتعاً بمركزٍ قوي في المُجتمع.
4 ـ الشكل:
يُقصد بالشكل في القرار الإداري: المظهر الخارجي الذي يبدو فيه القرار والإجراءات التي تُتبع في إصداره.
وتهدف الشكليات إلى ضمان حسن سير المرافق العامة من ناحية، وضمان حقوق الأفراد من ناحية أخرى، كما أنها تشكل ضمانةً للإدارة نفسها تمنعها من الارتجالية والتسرع وتهديد حقوق الأفراد وحرياتهم، باتخاذ قرارات غير مدروسة، أي أنها ليست مجرد روتين أو عقبات أو إجراءات إدارية لا قيمة لها.
وكما يقول الفقيه الألماني ايهرينغ فإن الشكليات والإجراءات تُعد الأخت التوأم للحرية وهي العدو اللدود للتحكم والاستبداد.
ولكن يجب التنويه إلى أن التشدد في موضوع الإجراءات قد يؤدي إلى تسهيل عمليات من قِبل أصحاب العلاقة أو إلى التدخلات من قِبل الهيئات السياسية أو الاقتصادية، كما قد ينجم عنه الإبطاء الشديد في سير المرافق العامة.
ورغم ذلك فإن إخضاع السلطات الإدارية لبعض الإجراءات الشكلية يشكل ضمانةً قوية للأفراد.
والأصل أن القرار الإداري لا يخضع لشكلٍ معين إلا إذا نصّ القانون على خلاف ذلك بأن استلزم كتابته أو احتواءه على بياناتٍ معينة كذكر سبب القرار مثلاً، أو استوجب لإصداره اتخاذ إجراءات محددة كأخذ رأي فرد أو هيئة، أو إجراء التحقيق اللازم.
وهكذا فقد تطلب القضاء الفرنسي من الإدارة التقيد بالإجراءات والشكليات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة ولا سيما الإجراءات الجوهرية المتعلقة بمصالح الأفراد.
وفي حال سكوت النصوص التشريعية أو التنظيمية فإن قواعد الشكل والإجراءات غالباً ما يجري بالإحالة إلى مبدأٍ مماثلٍ لذلك الذي يُستخدم في تحديد الاختصاص، وهذا يعني مبدأ الإجراءات الموازية.
أي أنه في حالة ضرورة إتباع إجراءات معينة من أجل اتخاذ قرارٍ ما وفقاً للنصوص القانونية أو التنظيمية، فإن هذه الإجراءات يجب إتباعها من أجل اتخاذ قرارٍ معاكس للأول.
ومع ذلك فإن هذا المبدأ ليس مطلقاً، بل له استثناءات كثيرة، فإذا كان يُشترط في منح ترخيصٍ ما أخذ رأي مجلس الدولة مُسبقاً، فإن رفض هذا الترخيص لا يحتاج للحصول على الرأي المُسبق.
ولا يؤدي عيب الشكل إلى بطلان القرار الإداري إلا إذا نصّ المشرع صراحةً على البطلان في حالة عدم استيفاء الشكل المطلوب، أو إذا كان عيب الشكل جسيماً أو جوهرياً بحيث أن تلافيه كان يمكن أن يؤثر في مضمون القرار أو يغير من جوهره.
أما مسائل الإجراءات والشكليات الثانوية التي لا تؤثر في سلامة القرار موضوعياً والمُقررة لمصلحة الإدارة فلا تُرتب البطلان، وذلك من باب عدم المبالغة في التمسك بالشكليات.
5 ـ الاختصاص:
يُعرّف الفقيه الفرنسي لافيريير الاختصاص بأنه " القدرة القانونية التي يمتلكها موظفٌ عام أو سلطةٌ عامة، وتُخول له حق اتخاذ قرارٍ معين ".
في حين يأخذ الفقيه ألبير على هذا التعريف بأنه لا يجمع حالات عدم الاختصاص التي يرتكبها أشخاصٌ ليس لهم ولاية أو صفة في إصدار قراراتٍ من أي نوع، بِحكم أنهم لا يتمتعون بصفة الموظف العام، ومن ثم فهو يقترح تعريفاً أوسع للاختصاص باعتباره " القدرة القانونية التي تُخَوّلُ اتخاذ قراراتٍ معينة ".
ومن ثم يمكن تعريف قواعد الاختصاص بأنها " القواعد التي تُحدد الأشخاص أو الهيئات القادرة قانوناً على مباشرة أعمالٍ إدارية معينة.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس دائماً من السهولة بمكان تحديد السلطة المُختصة باتخاذ قرارٍ ما في موضوعٍ معين.
فعندما تكون النصوص المُحددة للاختصاص واضحةٌ، فيجب على الهيئات والموظفين الالتزام في حدود الاختصاص كما رسمتها النصوص صراحةً أو ضمناً.
ولكن قد يعتري هذه النصوص الغموض والالتباس، وعندها يمكن إتباع المبادئ التي استنتجها القضاء والفقه الحقوقي.
وهكذا فقد جرى القضاء الإداري الفرنسي على تبني مبدأ الاختصاص المتوازي، أي أن السلطة المُختصة في اتخاذ قرار ما تكون مختصةً أيضاً في اتخاذ القرار المعاكس، لأن من يملك إبرام عملٍ يملك نقضه،فالاختصاص بمنح ترخيصٍ مثلاً يتضمن الاختصاص بسحب الترخيص، والسلطة صاحبة الاختصاص في تعيين موظف، تكون في الوقت نفسه صاحبة الاختصاص في إقالته من عمله.
ومع ذلك فإن هذا المبدأ ليس مطلقاً، بل هو مُجرد توجيهٍ لأن المشرع في كثيرٍ من الحالات يجعل السلطة التي تملك إلغاء تصرفٍ معين غير تلك التي تُبرمه، فمن يملك التعيين لا يملك الفصل في جميع الحالات.
وقد يعهد النصّ التشريعي إلى فردٍ بذاته أو إلى هيئةٍ بذاتها ممارسة اختصاصٍ ما، كما أنه قد يشترط مشاركة عدة أفرادٍ أو هيئات لممارسة اختصاصٍ ما، بحيث لا يمكن إجراء التصرف أو اتخاذ القرار إلا بموافقتها جميعاً.
فالاختصاصات الممنوحة لمجلس الوزراء يجب أن تُمارس بقرارات مُتخذةٍ من هذا المجلس وإلا تعرضت لعيب عدم الاختصاص، أما إذا كان الاختصاص لا يمكن ممارسته إلا بعد استشارة هيئةٍ معينة، فالقرار الصادر في موضوع الاختصاص لا يستلزم بالضرورة توقيع هذه الهيئة.
ولكي يكون القرار الإداري صحيحاً يجب أن يصدر من صاحب الاختصاص القانوني في إصداره.
ويخلط معظم الفقه والقضاء بين عنصر الاختصاص وركن الإرادة فيما يتصل بالعيوب التي تلحق بهما إذا تمثل العيب في اغتصاب سلطة عامة لاختصاصات السلطة الإدارية فيعتبرون أن عيب الاختصاص إما أن يكون جسيماً (تعبيراً عن اغتصاب السلطة)، أو بسيطاً(تعبيراً عن عيب عدم الاختصاص أو بالأحرى عدم الاختصاص).
حيث أن عيب اغتصاب السلطة هو عيبٌ يشوب ركن الإرادة في القرار الإداري، لأنه يعني تعبير أو إفصاح غير السلطة الإدارية عن إرادة السلطة الإدارية، ولذلك فإنه إذا تحقق هذا العيب فإنه يؤدي إلى انعدام القرار الإداري لانعدام إرادة السلطة الإدارية فيه.
أما عيب عدم الاختصاص فإنه يعني أنه في داخل السلطة الإدارية تتوزع الاختصاصات بين موظفي الإدارة والجهات الإدارية المختلفة داخل الإٌدارة، ومن ثم فإذا اعتدى موظفٌ أو جهة إدارية على اختصاص موظف أو جهة إدارية أخرى، فإنه يلحق بالقرار الإداري المتصل بهذا الاختصاص عيب عدم الاختصاص هو عيبٌ لا يتصل بركن الإرادة لأنه أيضاً تعبيرٌ عن إرادة سلطة إدارية، ولكنه عيب يتصل بعنصر الاختصاص بوصفه من العناصر التي إذا شابها عيبٌ فإنه يؤدي إلى قابلية هذا القرار للإلغاء لعدم مشروعيته وذلك لمخالفته القواعد القانونية التي تحدد اختصاصات أو صلاحيات موظفي السلطة الدارية في ممارسة الأعمال الإدارية. ، وقد تتعلق المخالفة بالاختصاص الموضوعي التي تتمثل في اعتداء المرؤوس على اختصاصات رئيسه، أو العكس باعتداء الرئيس على اختصاصات المرؤوس.
كما قد تمس الاختصاص الزمني كأن يُصدر المفوَّض إليه قراراً بعد انتهاء فترة التفويض.
وقد تتعلق المخافة باختصاص مكاني كما لو أصدر أحد المحافظين قراراً خاصاً بالحجز الإداري لعددٍ من الأفراد الذين لم يعودوا يقطنون محافظته.
وتُعد مخالفة قواعد الاختصاص في إصدار القرار الإداري من أقدم أوجه الإلغاء في القضاء الإداري الفرنسي، وبالرغم من طهور أوجه إلغاءٍ أخرى، فإنه ما يزال يمثل العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام.
وهذا ما أيدته المحكمة الإدارية العليا السورية عندما ذكرت " بأن قواعد تحديد الاختصاص هي من النظام العام، وهي من عمل المشرع وحده ولا يسوغ للإجراءات الفردية أو لإرادات الإدارات العامة أن تغير من صفته النوعية ".
ويترتب على اعتبار مخالفة قواعد الاختصاص من النظام العام أنه:
يجوز إبداء الدفع بعيب الاختصاص في أية مرحلة من مراحل الدعوى، وللقاضي التعرض له من تلقاء نفسه ولو لم يثره الخصوم، كما لا يجوز تعديل قواعد الاختصاص بالاتفاق، ولا يمكن تصحيح القرار المعيب بعدم الاختصاص بإجراءٍ لاحق من الجهة المختصة. ، كما أن حالة الاستعجال لا تبرر للإدارة مخالفة قواعد الاختصاص مالم تصل هذه الحالة إلى مرتبة الظروف الاستثنائية ومن ثم تتحول إلى حالة ضرورة تبرر هذه المخالفة تحت رقابة القضاء.
ثالثاً ـ أنواع القرارات الإدارية من حيث مداها أو عموميتها:
تنقسم القرارات الإدارية من حيث مداها إلى قسمين رئيسيين هما:
1 ـ القرارات الإدارية التنظيمية
2 ـ القرارات الإدارية الفردية.
ورغم وجود أحكامٍ عامة للقرارات الإدارية، فرديةً كانت أم تنظيمية، فإن بعض الأحكام تختلف حسب طبيعة القرار الفردية أو التنظيمية.
وتبدو أهمية التفرقة بينهما في النواحي التالية:
1ـ إن القرار الإداري الفردي ينفذ في حق صاحي العلاقة من تاريخ تبلغه لمضمون القرار، بينما يسري القرار التنظيمي من تاريخ نشره أصولاً.
2 ـ لا يمكن في نطاق دعوى الإلغاء الاحتجاج من قِبل رافع الدعوى بالحقوق المُكتسبة الناجمة عن القرار الإداري التنظيمي، أما القرار الفردي فلا يجوز إلغاؤه إلا في الأحوال التي يحددها القانون.
3 ـ قد يعُلق تطبيق القانون على صدور القرارات التنظيمية اللازمة لتنفيذه، وليس الأمر كذلك بالنسبة للقرارات الفردية.
4 ـ اعترفت محكمة تنازع الاختصاص الفرنسية للمحاكم العادية بحق تفسير القرارات التنظيمية، بل وبتقدير مشروعيتها عند نظر المواد الجزائية، وذلك دون القرارات الفردية
5 ـ ينجم عن انقضاء ميعاد الطعن الذي حدده القانون لرفع دعوى إلغاء القرار الإداري، اكتساب القرار حصانة ضد الإلغاء، وتصدق هذه القاعدة على إطلاقها بالنسبة للقرارات الفردية، أما بالنسبة للقرارات التنظيمية، فهي وإن كانت تخضع كقاعدة عامة للميعاد المُحدد لدعوى الإلغاء فلا يجوز الطعن فيها بعد انقضاء المدة، ومع ذلك فقد قبل مجلس الفرنسي الطعن في القرارات التنظيمية بعد انقضاء الميعاد في حالات استثنائية جداً. كما يجوز الدفع أمام القاضي الإداري دائماً وفي أي وقت إذا وُجّهَ الدفع ضد قرارٍ تنظيمي، بمناسبة إصدار بعض القرارات تطبيقا له.
1 ـ القرار الإداري الفردي:
وهو القرار الذي يُعالج حالةً فردية معينة بذاتها، سواءٌ تعلق الأمر بشخصٍ أو بمجموعة معينة ومحددة بالذات من الأشخاص، بشيءٍ أو أشياء.
وتستنفد موضوعها أو مضمونها بمجرد تطبيقها على الحالة أو الحالات المذكورة، أو على الفرد أو الأفراد المعينين بالذات.
فقرار تعيين مواطن في إحدى الوظائف أو عدد منهم معين بالذات يعتبر قراراً فردياً.
وكذلك القرار الصادر بإنشاء إحدى المستشفيات أو عدد محددٍ منها.
كما أن القرار المتعلق بفضّ مظاهرةٍ معينة هو أيضاً قرارٌ فردي.
وهنا لا يغير من الأمر احتواء المظاهرة على عددٍ كبيرٍ من الأفراد غير معينين بالذات لأن القرار يتعلق بحالةٍ معينة، هي تلك المظاهرة بذاتها، بحيث إذا قامت مظاهرة أخرى بعد ذلك ولو بواسطة نفس الأفراد الذين اشتركوا في تنظيم الأولى فإن القرار لا يسري عليها.
2 ـ القرار الإداري التنظيمي:
القرار الإداري التنظيمي أو اللائحي هو القرار الذي يتضمن قواعد عامة مُجردة ومُلزمة، فلا يتعلق بشخصٍ أو شيءٍ أو حالةٍ على سبيل التعيين بالذات، وإنما بأمورٍ متجددة تُحَدّدُ بأوصافها وشروطها.
ولا يغير من طبيعة القرار التنظيمي أن يضيق مجال تطبيقه من حيث عدد الذين ينطبق عليهم، حتى ولو انطبق على حالة واحدة، ما دامت هذه الحالة متجددة غير معينة بذاتها، بل ولا يغير من
طبيعة القرار التنظيمية أن يكون المُخاطب به معروفاً وقت صدوره ما دام المجال الزمني لتطبيقه يمكن أن يتسع ليشمل غيره.
وذلك كما هو الحال في القرارات المتعلقة برئيس الجمهورية أو برئيس مجلس الوزراء.
ونتيجة لما تقدم:
فإن القرار التنظيمي يتميز عن القرار الفردي بصفة العمومية و التجريد، ومن ثم يتسم بطابع الثبات النسبي، فهو لا يستنفد موضوعه بمجرد تطبيقه على حالةٍ معينة أو على فردٍ من الأفراد، بل يظل ٌ قابلاً للتطبيق كلما توافرت الشروط المحددة لهذا التطبيق.
فالقرار الذي ينظم اختصاص نائب الوزير في وزارةٍ لا يوجد فيها سوى نائبُ واحد يُعد قراراً تنظيمياً رغم أن المستفيد به شخصً واحد قد يكون معروفاً سلفاً وبشخصه.
وهو يكتسب صفته التنظيمية بحكم سريانه، ليس على نائب الوزير القائم بالعمل فحسب، ولكن على كل شخصٍ يحمل هذا الوصف مُستقبلاً طالما بقي منصب نائب وزير وطالما بقي القرار نافذاً، فالقاعدة تُخاطب نائب الوزير وليس فلاناً بالذات.
فالقرار التنظيمي إذن لا يخاطب الشخص مباشرةً، بل يخاطبه من خلال المركز القانوني العام الذي تعرّض له القرار بالإنشاء أو التعديل أو الإلغاء والذي يشغله الشخص بحكم استيفائه لشروطه.
كما أن القرار اللائحي يتسم بالثبات، فالقرارات التي تُنظم قبول الطلاب بإحدى الكليات الجامعية لا تسقط بانتهاء إجراءات القبول في السنة الدراسية التي صدرت فيها، بل تبقى لتحكم القبول في السنوات المُقبلة.
والقرار اللائحي قد يكون صالحاً للتطبيق بذاته، مثال ذلك القرارات التي تُنظم المرور في منطقةٍ معينة، فهي تري فوراً على كل سائق.
وقد يكون القرار اللائحي غير صالحٍ للتطبيق بذاته بل يلزمه قرارٌ آخر ينقله من دائرة التجريد إلى دائرة الواقع التطبيقي، فحتى تتحرك القواعد التي تنظم شؤون طلاب إحدى الجامعات بالنسبة إلى أحد الأشخاص ]لزم أن يصدر قرارٌ بقبوله في إحدى كلياتها.
القيمة القانونية للقرار التنظيمي أو اللائحي:
تتضمن اللائحة قواعد عامة مجردة ملزمة، ومن ثم فإنها تشارك القانون في هذه الخصائص.
ولكنهما يختلفان من حيث النظام القانوني الذي يحكم كلاً منهما، فالقانون هو من صنع ممثلي الشعب ضمن نطاق الهيئة التشريعية، بينما القرار التنظيمي اللائحي، الذي يساهم بصورة أساسية في تنفيذ القوانين، فهو من صنع الهيئة التنفيذية.
وقد استقر الفقه التقليدي على أن القرار التنظيمي أو اللائحي يُعد أقل درجةٍ من القانون فيما يتعلق بقوته القانونية بحيث لا يجوز له مخالفة أو تعديل أو إلغاء القانون، بينما يستطيع القانون أن يُحدِثَ في القرار التنظيمي ما يشاء.
وذلك باستثناء لوائح الضرورة واللوائح التفويضية التي تقوى على مخالفة القانون وتعديله بصفةٍ مؤقتة وبشروطٍ معينة.
ورغم أن تفوق درجة القانون على اللائحة لا تزال هي السائدة بصفةٍ عامة، إلا أنها لم تَعُد الآن صحيحة على إطلاقها بعد التطور الذي لحق المبادئ الدستورية في العصر الحديث، فمن
المعروف أن رئيس السلطة التنفيذية في كثيٍ من البلاد قد أصبح هو الآخر كالبرلمان ممثلاً للشعب حائزاً على أصوات أغلبية أفراده، كما هو الحال في سوريا وفرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن ناحيةٍ أخرى فنظام اللائحة المُستقلة المُحددة بموجب المادة/37/ من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لعام/1958/ والتي بموجبها صار اختصاص اللائحة في التشريع هو الاختصاص الأصلي أو القاعدة العامة، بمعنى أنها تختص بالتشريع في كل المسائل والمواضيع فبما عدا تلك التي جعلها الدستور صراحةً من اختصاص القانون بموجب المادة/34/ منه.
هذا النظام لم يعد يتفق في بعض أحكامه مع ما هو سائد بالنسبة لقوة اللائحة القانونية، إذ أن هذه اللوائح المستقلة ـ رغم بقاء خضوعها كقرارات إدارية لرقابة القضاء الإداري والتزامها بمراعاة قواعد الدستور والمبادئ العامة للقانون ـ لا يمكن تعديلها أو إلغاؤها بقانون، كما أنها تقوى على أو إلغاء القوانين التي سبق أن صدرت في مجالها.
مجال القرار الإداري التنظيمي أو اللائحي:
نظراً لأن القرار الإداري أو اللائحي يشمل قواعد عامة مجردة ملزمة، فإنه يصعب القول بأن هناك مسائل لائحية بطبيعتها وأخرى لا يمكن تنظيمها إلا بقانون.
ولكن يبدو أن هناك اتفاقاً فقهيا على أن بعض المواضيع ذات أهمية خاصة كمسائل الحريات العامة والحرب والتجريم والضرائب لا يمكن تنظيمها إلا من قِبل الهيئة التشريعية وحدها باعتبارها السلطة العليا التي تُمثل إرادة الأمة.
ومن ناحيةٍ أخرى يبدو أن هناك مسائل تنظيمية أو لائحية بطبيعتها يجب ترك أمر تنظيمها للسلطة التنفيذية وذلك كالقواعد التفصيلية ذات الطابع الفني التي يصعب على المشرع البتُّ فيها، أو يضيق وقته عن إصدارها.
ويتقاسم العالم نظامين لتوزيع الاختصاص بين القانون واللائحةً :
ففي النظام الأول ـ وهو السائد حتى الآن ـ يكون القانون هو صاحب الاختصاص العام في تنظيم مختلف المسائل التي يتراءى له تنظيمها، ويقتصر مجال اللائحة على الموضوعات التي يعهد بها إليها القانون سواءٌ أكان دستورياً أم عادياً، مكتوباً أم عرفياً.
وفي النظام الثاني تكون اللائحة ـ على عكس الوضع السابق ـ هي صاحبة الاختصاص العام، ويقتصر دور الهيئة التشريعية على التشريع في مسائل يحددها حصراً النص الدستوري كما هو الحال في دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية عام/1958/ والدستور المغربي لعام/1962/.
ويمكن أن ترتكز الهيئة التنفيذية في إصدارها للقرارات التنظيمية أو اللائحية إلى نصوصٍ دستورية أو تشريعية، كما يمكنها أن تستند إلى مبادئ العرف الدستوري كهذا الذي يُفسر النصوص التي تعهد إلى السلطة التنفيذية بمهمة تنفيذ القانون تفسيراً من شأنه أن يمنحها الحق في إصدار اللوائح.
للامانة منقووووووووووووووووووووووووووووووووووووول للفائدة