روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع.

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع. Empty القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع.

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يوليو 17, 2010 1:14 am

    القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع...
    مقدمة:
    تملك الإدارة امتيازات السلطة العامة، ومن أهم مظاهر هذه الامتيازات، إقدام الإدارة على استخدام سلطتها في أن تفرض بإرادتها المنفردة قرارات تُرتب لهل حقوقاً والتزامات في مواجهة الغير، دون حاجةٍ إلى الحصول على رضائهم أو موافقتهم، فهذه السلطة في التصرف الإداري من جانبٍ واحد، تُعتبر من أهم مظاهر السلطة العامة للإدارة، وتُعدُّ أحد الفوارق الجوهرية بيت أساليب النشاط أو التصرفات القانونية في مجال القانونين العام والخاص.
    فالأصل العام في مجال القانون العاص أن الإرادة المنفردة لا ترتب آثاراً إلا في حق من أصدرها، ومن ثم يُعد العقد هو الصورة الأساسية التصرفات القانونية الإرادية في مجال القانون الخاص.
    أما في مجال القانون العام فإن المظهر الجلي والواضح من مظاهر امتيازات السلطة العامة ، هو منح الإدارة إصدار القرارات الإدارية التي لها قوة مُلزمة قانوناً، بإرادتها المنفردة، لدرجة أن مجلس الدولة الفرنسي اعتبرها القاعدة الرئيسية للقانون العام.
    وتُشكل دراسة القرار الإداري أهمية مميزة، من جهتين، من حيث أن القرارات الإدارية تُشكل أحد أركان ودعائم القانون الإداري، وتُعد من أنجح الوسائل في ممارسة الإدارة لنشاطها.
    كما انه من جهةٍ أخرى تُشكل القرارات الإدارية مجالاً رحباً لممارسة الرقابة القضائية على أعمل الإدارة، بل كانت وما تزال القرارات الإدارية تُشكل محوراً لمعظم المنازعات والقضايا المعروضة على القضاء الإداري، وتُعتبر مصدراً ثرياً وغنياً لاجتهادات القضاء الإداري.

    مفهوم القرارات الإدارية:
    تُمثل سلطة الدولة في إصدار القرارات الإدارية المظهر الرئيس والأساسي لوسائل الإدارة في مباشرة نشاطها، حيث لا تستطيع السلطة الإدارية الاستغناء عنها في أي وجهٍ من أوجه النشاط الإداري ( الوظيفة العامة ـ الضبط الإداري ـ نزع الملكية للمنفعة العامة ) وذلك على خلاف العقود الإدارية التي يندر اللجوء إليها بصدد مباشرة بعض أوجه النشاط الإداري مثل نشاط الضبط الإداري.
    فالقرارات الإدارية هي الأسلوب الأكثر شيوعاً في أعمال الإدارة، والذي لا نظير له في مجال القانون الخاص، إذ أن من شأنها إنتاج آثارٍ قانونية وبصفة خاصة التزامات تقع على عاتق المُخاطبين بأحكامها دون أن يتوقف ذلك على قبولهم ورضاهم.














    أولاًـ تعريف القرار الإداري

    1 ـ التعريف الفقهي:

    اختلف الفقه الإداري ، ولكن هذا الاختلاف لا يعدو كونه في إطار الجزئيات، أما ما يتعلق بجوهر ماهية القرار الإداري فإنه لا يبدو أن هنالك من فرقٍ بينهما.

    يُعرف العميد هوريو القرار الإداري النافذ بأنه" تصريحٌ وحيد الطرف عن الإرادة صادرٌ عن سلطة إدارية مختصة بصيغة النفاذ، بقصد إحداث أثر حقوقي " .

    بينما يُعرفه الأستاذ فالين بأنه " كل عمل حقوقي وحيد الطرف صادر عن رجل الإدارة المختص، بوصفه هذا ، وقابلٌ بحد ذاته أن يُحدث آثاراً حقوقية ".(1)

    بينما يُعرفه د. سليمان الطماوي بأنه " كل عملٍ صادر من فرد أو هيئة تابعة للإدارة أثناء أداء وظيفتها ".(2)

    وعرَّف د. عبد الغني بسيوني عبد الله، القرار الإداري بأنه " عملٌ قانوني نهائي يصدر من سلطة إدارية وطنية بإرادتها المنفردة وتترتب عليه آثار قانونية معينة ".(3)

    في حين عرفه د. محمد فؤاد مهنا بأنه " عملٌ قانوني من جانب واحد يصدر بإرادة إحدى السلطات الإدارية في الدولة ويُحدث آثاراً قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو يعديا أو إلغاء وضع قانوني قائم ".(4)

    ويرى د. عبد الله طلبة بأنه " إفصاحٌ عن إرادة منفردة يصدر عن سلطةٍ إدارية ويرتب آثاراً قانونية ".(5)
    ويعرفه د. عبسي الحسن بأنه " تصرفٌ قانون يصدر من جهة الإدارة أو إحدى الجهات العامة وتعبر فيه عن إرادتها الملزمة للأفراد، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، بقصد إحداث أثر قانوني معين( إنشاءً أو إلغاءً أو تعديلاً ) ابتغاءً للمصلحة العامة.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) د. عدنان العجلاني، الوجيز في الحقوق الإدارية، دمشق 1961
    (2) د. سليمان الطماوي، مبادئ القانون الإداري، ط7، 1965، ص 872
    (3) د. عبد الغني بسيوني عبد الله، وقف تنفيذ القرار الإداري، الإسكندرية، ص 40
    (4) د. محمد فؤاد مهنا، مبادئ وأحكام القانون الإداري، القاهرة، 1973، ص 67
    (5) د. عبد الله طلبة، مبادئ القانون الإداري، ج2، دمشق 1989، ص 228
    (6) د. عبسي الحسن، القرار الإداري، أملية معدة لطلاب الدراسات القانونية، التعليم المفتوح، في سوريا، ص7









    2 ـ التعريف القضائي:
    استقر القضاء الإداري لفترةٍ طويلة على اعتماد تعريف القرار الإداري، بأنه:
    " إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون، عن إرادتها الملزمة، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحةٍ عامة ".
    كما عرفته المحكمة الإدارية العليا المصرية بأنه " إفصاح الإدارة في الشكل الذي يحدده القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة ".

    وقد عرّفت محكمة القضاء الإداري السورية القرار الإداري بأنه " إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد بناءً على سلطتها العمة بمقتضى القوانين و اللوائح حين تتجه إرادتها إلى إنشاء مركز قانوني يكون جائزاً وممكناً قانوناً، وبباعث من المصلحة العامة التي يبتغيها القانون ". (1)
    وقد تعرضت هذه التعريف للانتقاد من حيث:
    1 ـ أن عبارة إفصاح الإدارة، تدل على أن المقصود هنا هي القرارات الإدارية الصريحة دون القرارات الإدارية الضمنية، فالإفصاح ما هو إلا تعبيرٌ صريح من جانب الإدارة.
    ولهذا نجد أن المحكمة الإدارية العليا المصرية، قد تلافت هذا الانتقاد في بعض أحكامها اللاحقة وذلك بقولها:
    أن القرار الإداري هو عملٌ قانوني من جانب واحد يصدر بالإرادة الملزمة لإحدى الجهات الإدارية في الدولة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح في الشكل الذي يتطلبه القانون.
    أو بقولها أن القرار الإداري هو تعبير من إحدى السلطات أو الجهات الإدارية المختصة عن إرادتها الملزمة بإحداث مركز قانوني معين.(2)
    2 ـ إن عبارة أو إنشاء مركز قانوني تدل على أن المقصود هي القرارات الإدارية التي تنشئ مراكز قانونية دون أن تُعدل أو تلغي مراكز قائمة.
    كذلك تلافت المحكمة الإدارية العليا المصرية هذا الانتقاد في بعض أحكامها وذلك حينما ذكرت بصدد تعريفها للقرار الإداري"......بقصد إحداث أثر قانوني معين" أي أنها استبدلت عبارة إحداث مركز قانوني معين بعبارة إحداث أثر قانوني معين، لأن هذا الأثر قد يكون إنشاء أو إلغاء أو تعديل مركز قانوني وليس فقط مجرد إحداث هذا المركز.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 132 لسنة 1960.
    (2) د. عبسي الحسن، مرجع سابق،ص7











    ثانياً ـ أركان القرار الإداري

    اتفق الفقه الحقوقي على أن للقرار الإداري أركاناً أساسية يجب توافرها فيه ليكون صحيحاً، فإذا لم يستوفِ العقد أركان انعقاده فإنه يكون باطلاً، وفي بعض الأحيان منعدماً، ومن ثم يفقد طبيعته القانونية ويتحول إلى عمل مادي منعدم الأثر القانوني.
    أما هذه الأركان فهي خمسة, بعضها ذو طبيعة شكلية وهي الاختصاص والشكل، والبعض الآخر ذو طبيعة موضوعية وهي السبب والمحل والغاية:
    1 ـ المحل
    2 ـ السبب
    3 ـ الغاية
    4 ـ الشكل
    5 ـ الاختصاص


    1 ًـ المحل:

    محل القرار الإداري هو موضوع هذا القرار أو الأثر القانوني الذي يترتب عليه حالاً ومباشرة، وعلى ذلك يجب أن يكون الأثر القانوني المُتولد عن القرار الإداري مُتعيناً وممكناً وجائزاً قانوناً.
    فالقرار الصادر بتسخير شخص أو بمصادرة أمواله باطل لأن الموضوع غير جائزٍ قانوناً، كما أن القرار الصادر بتسليم لاجئٍ سياسي يُعتبر باطلاً لمخالفة موضوعه للقانون، نظراً لأن المبادئ الدستورية تحظر تسليم اللاجئين السياسيين.
    وفي هذه التصرفات يكون محلها غير مشروع لمخالفته لمبدأ الشرعية القانونية، وهنا نكون أمام عيب مخالفة القانون بالمعنى الضيق لهذا التعبير، وذلك بالمقارنة بعيب مخالفة القانون في معناه الواسع الذي يمكن أن يطلق على العيب الذي يصيب أي ركن من أركان القرار الإداري، بالنظر إلى كون القانون يحكم جميع هذه الأركان في نهاية المطاف.

    2 ًـ السبب:

    سبب القرار الإداري هو الأمر الذي يسبق القرار ويكون دافعاً إلى وجوده، فالسبب في قرار منع الأفراد من الانتقال من منطقة معينة أو إليها هو انتشار وباء في هذه المنطقة، كما أن السبب في اتخاذ إجراء ضبط إداري هو الاضطراب الذي قد يؤثر في النظام العام.











    وسبب القرار الإداري بهذا المعنى ليس عنصراً شخصياً أو نفسياً لدى متخذ القرار، وإنما هو عنصرُ موضوعي خارجي عنه من شأنه أن يبرر صدور هذا القرار.
    من ذلك يتضح لنا أن السبب هو ركنٌ فعال من أركان القرار الإداري بحيث لا يمكن أن يقوم القرار دون سبب يكون علة وجوده و إصداره.
    يعتبر العميد دوغي السبب " وهو ما يعبر عنه بالباعث الملهم " لا مكان له بين العناصر في العمل القانوني، ولا أهمية بالنسبة له على وجه العموم، إذ أنه في حقيقة الأمر واقعة بعيدة عن رجل الإدارة ومستقلة تماماً عن العمل الإداري.
    وقد عرّف الفقيه دولوبادير السبب بأنه " الواقعة الموضوعية السابقة على القرار والخارجة عنه، ويكون وجودها هو الذي دفع مُصدر القرار إلى إصداره والقيام به "
    كما عرّفه العميد فيدل بأنه " حالة موضوعية واقعية أو قانونية تُعتبر أساس القرار ".
    ويُعد وجود سبب القرار " وهو ما يستدعي تدخل الإدارة " صماناً لحقوق وحريات الأفراد ضد تعسف الإدارة في استخدامها للسلطات الممنوحة.
    ويختلف مدى التزام الإدارة بإصدار القرار في حالة وجود السبب حسب مدى السلطة التقديرية التي تتمتع بها على النحو التالي:
    * في الحالات التي يكون فيها للإدارة سلطة تقديرية فتستطيع أن تُصدر القرار أو لا تصدره حسب ما يتراءى لها.
    ففي مثال ظهور الوباء السابق ذكره تستطيع الإدارة أن تُصدر قراراً بمنع الدخول و الخروج بالنسبة للمنطقة الموبوءة، وقد ترى أنه من الأفضل لاعتبارات أخرى " كحالة الذعر التي بمكن أن تترتب عليه " أن لا تصدر مثل هذا القرار، وتستبدل به إجراءً آخر.
    * أما في الحالات التي تكون سلطة الإدارة فيها مقيدة، فإن وجود السبب يجعل الإدارة مُلزمة بإصدار القرار.
    مثال ذلك أن يفرض القانون على الإدارة منح ترخيص معين لكل طالب له تتوافر شروطٌ معينة.
    ففي هذه الحالة لا تستطيع الإدارة أمام وجود السبب " وهو طلب الرخصة من جانب من تتوافر فيه الشروط التي حددها القانون " ألا أن تصدر القرار بمنح هذه الرخصة.
    والأصل أن الإدارة ليست مُلزمة بذكر سبب القرار الإداري إلا إذا كان هناك نصٌ تشريعي أو تنظيمي يوجب بيان هذا السبب، إذ توجد قرينة قانونية مضمونها أن لكل قرار إداري سبباً مشروعاً، وعلى من يدعي العكس يقع عبء إثبات ما يدّعيه.
    ولكن الإدارة إذا بينت سبب القرار ولو من تلقاء نفسها دون إلزام من القانون، فإن السبب المذكور يخضع لرقابة القضاء.
    ويراقب القضاء الإداري سبب القرار ليس فقط من حيث وجوده الحقيقي وتكييفه القانوني أو مشروعيته، وإنما كذلك من حيث التناسب أو الملاءمة بينه وبين الأثر الذي رتبه القرار، وذلك عندما تكون الملاءمة شرطاً من شروط المشروعية أو عنصراً فيها.
    فإذا لم يكن سبب القرار موجوداً ومشروعاً حكم القضاء.









    3 ـ الغاية أو الهدف المنشود:

    وهي الهدف النهائي الذي يسعى القرار الإداري لتحقيقه، فالغاية بهذا المعنى تختلف عن النتيجة المباشرة للقرار أو الأثر القانوني المُترتب عليه وهو ما يُسمى بمحل القرار.
    وهكذا فإن الغاية من إصدار قرار بترقية موظف تستهدف حسن سير المرافق العامة، والغاية من لائحة المرور هو المحافظة على النظام العام.
    ومن واجب رجل الإدارة كقاعدة عامة أن لا يهدف في جميع تصرفاته إلا فكرة تحقيق الصالح العام، ولما كانت حدود المصلحة العامة واسعة، فإن المشرع كثيراً ما يُحدد لرجل الإدارة هدفاً معيناً لا يجوز تجاوزه.
    وهذه القاعدة تُسمى " تخصيص الأهداف " وهي تقييد الإدارة بالغية التي رسمها المشرع، فإذا جاوزت الإدارة هذه الغية المُخصصة إلى غاية أخرى ولو كانت تستهدف بها تحقيق الصالح العام في ذاته كان قرارها في هذا الخصوص مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة وجديراً بالإلغاء.
    ويُلاحظ أن عدم تحديد الهدف في النص التشريعي لا يعني أن الإدارة طليقةٌ من كل قيد، بل عليها دائماً أن تهدف إلى الصالح العام في نطاقه الواسع.
    فالمحافظ يرتكب عيب الانحراف بالسلطة، إذا هو مارس سلطة الرقابة الإدارية، لا لمراقبة النشاط البلدي، بل للضغط على البلدية لاتخاذ تدبيرٍ سياسي يراه ضرورياً، وكذلك إذا سعى مُصدر القرار إلى تحقيق نفعٍ شخصي أو غرضٍ سياسي أو ديني أو انتقامي وقع القرار باطلاً لعيب الانحراف في السلطة أو إساءة استعمال السلطة.
    والحقيق أن للإدارة أن تختار الوسيلة التي ترتئي بأنها تحقق الصالح العام أو الهدف الخاص الذي توخاه المشرع في ممارسة نشاطٍ معيّن، بيد أنه إذا كان المشرع قد حدد وسيلةً معينةً بالذات لتحقيق هذا الهدف، فإن على الإدارة أن تلتزم بإتباع هذه الوسيلة بالذات تحت طائلة إلغاء قرارها من قبل القضاء الإداري.
    ويجب التنويه إلى أن مهمة القاضي في نطاق رقابة أو هدف القرار الإداري، لا تنحصر في رقابة المشروعية الخارجية ولا حتى في رقابة المشروعية الموضوعية، بل تمتد إلى رقابة البواعث الخفية، والدوافع المستورة التي حملت رجل الإدارة على التصرف.
    وهذا يعني أن رقابة عيب الانحراف تُمثل عملاً دقيقاً وصعباً لأنها تستند إلى تقديرات شخصية ومهنية أحياناً ضد الإدارة وممثليها نظراً للشك في موضوع الأخلاق والأمانة.
    ونظراً لهذه الأسباب فإن عيب الانحراف لم يُعتمد من قِبل القضاء الإداري إلا عندما أصبح على مستوى عالٍ من الخبرة والكفاءة ومتمتعاً بمركزٍ قوي في المُجتمع.














    4 ـ الشكل:

    يُقصد بالشكل في القرار الإداري: المظهر الخارجي الذي يبدو فيه القرار والإجراءات التي تُتبع في إصداره.
    وتهدف الشكليات إلى ضمان حسن سير المرافق العامة من ناحية، وضمان حقوق الأفراد من ناحية أخرى، كما أنها تشكل ضمانةً للإدارة نفسها تمنعها من الارتجالية والتسرع وتهديد حقوق الأفراد وحرياتهم، باتخاذ قرارات غير مدروسة، أي أنها ليست مجرد روتين أو عقبات أو إجراءات إدارية لا قيمة لها.
    وكما يقول الفقيه الألماني ايهرينغ فإن الشكليات والإجراءات تُعد الأخت التوأم للحرية وهي العدو اللدود للتحكم والاستبداد.
    ولكن يجب التنويه إلى أن التشدد في موضوع الإجراءات قد يؤدي إلى تسهيل عمليات من قِبل أصحاب العلاقة أو إلى التدخلات من قِبل الهيئات السياسية أو الاقتصادية، كما قد ينجم عنه الإبطاء الشديد في سير المرافق العامة.
    ورغم ذلك فإن إخضاع السلطات الإدارية لبعض الإجراءات الشكلية يشكل ضمانةً قوية للأفراد.
    والأصل أن القرار الإداري لا يخضع لشكلٍ معين إلا إذا نصّ القانون على خلاف ذلك بأن استلزم كتابته أو احتواءه على بياناتٍ معينة كذكر سبب القرار مثلاً، أو استوجب لإصداره اتخاذ إجراءات محددة كأخذ رأي فرد أو هيئة، أو إجراء التحقيق اللازم.
    وهكذا فقد تطلب القضاء الفرنسي من الإدارة التقيد بالإجراءات والشكليات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة ولا سيما الإجراءات الجوهرية المتعلقة بمصالح الأفراد.
    وفي حال سكوت النصوص التشريعية أو التنظيمية فإن قواعد الشكل والإجراءات غالباً ما يجري بالإحالة إلى مبدأٍ مماثلٍ لذلك الذي يُستخدم في تحديد الاختصاص، وهذا يعني مبدأ الإجراءات الموازية.
    أي أنه في حالة ضرورة إتباع إجراءات معينة من أجل اتخاذ قرارٍ ما وفقاً للنصوص القانونية أو التنظيمية، فإن هذه الإجراءات يجب إتباعها من أجل اتخاذ قرارٍ معاكس للأول.
    ومع ذلك فإن هذا المبدأ ليس مطلقاً، بل له استثناءات كثيرة، فإذا كان يُشترط في منح ترخيصٍ ما أخذ رأي مجلس الدولة مُسبقاً، فإن رفض هذا الترخيص لا يحتاج للحصول على الرأي المُسبق.
    ولا يؤدي عيب الشكل إلى بطلان القرار الإداري إلا إذا نصّ المشرع صراحةً على البطلان في حالة عدم استيفاء الشكل المطلوب، أو إذا كان عيب الشكل جسيماً أو جوهرياً بحيث أن تلافيه كان يمكن أن يؤثر في مضمون القرار أو يغير من جوهره.
    أما مسائل الإجراءات والشكليات الثانوية التي لا تؤثر في سلامة القرار موضوعياً والمُقررة لمصلحة الإدارة فلا تُرتب البطلان، وذلك من باب عدم المبالغة في التمسك بالشكليات.












    5 ـ الاختصاص:

    يُعرّف الفقيه الفرنسي لافيريير الاختصاص بأنه " القدرة القانونية التي يمتلكها موظفٌ عام أو سلطةٌ عامة، وتُخول له حق اتخاذ قرارٍ معين ".
    في حين يأخذ الفقيه ألبير على هذا التعريف بأنه لا يجمع حالات عدم الاختصاص التي يرتكبها أشخاصٌ ليس لهم ولاية أو صفة في إصدار قراراتٍ من أي نوع، بِحكم أنهم لا يتمتعون بصفة الموظف العام، ومن ثم فهو يقترح تعريفاً أوسع للاختصاص باعتباره " القدرة القانونية التي تُخَوّلُ اتخاذ قراراتٍ معينة ".
    ومن ثم يمكن تعريف قواعد الاختصاص بأنها " القواعد التي تُحدد الأشخاص أو الهيئات القادرة قانوناً على مباشرة أعمالٍ إدارية معينة.
    وتجدر الإشارة إلى أنه ليس دائماً من السهولة بمكان تحديد السلطة المُختصة باتخاذ قرارٍ ما في موضوعٍ معين.
    فعندما تكون النصوص المُحددة للاختصاص واضحةٌ، فيجب على الهيئات والموظفين الالتزام في حدود الاختصاص كما رسمتها النصوص صراحةً أو ضمناً.
    ولكن قد يعتري هذه النصوص الغموض والالتباس، وعندها يمكن إتباع المبادئ التي استنتجها القضاء والفقه الحقوقي.
    وهكذا فقد جرى القضاء الإداري الفرنسي على تبني مبدأ الاختصاص المتوازي، أي أن السلطة المُختصة في اتخاذ قرار ما تكون مختصةً أيضاً في اتخاذ القرار المعاكس، لأن من يملك إبرام عملٍ يملك نقضه،فالاختصاص بمنح ترخيصٍ مثلاً يتضمن الاختصاص بسحب الترخيص، والسلطة صاحبة الاختصاص في تعيين موظف، تكون في الوقت نفسه صاحبة الاختصاص في إقالته من عمله.
    ومع ذلك فإن هذا المبدأ ليس مطلقاً، بل هو مُجرد توجيهٍ لأن المشرع في كثيرٍ من الحالات يجعل السلطة التي تملك إلغاء تصرفٍ معين غير تلك التي تُبرمه، فمن يملك التعيين لا يملك الفصل في جميع الحالات.
    وقد يعهد النصّ التشريعي إلى فردٍ بذاته أو إلى هيئةٍ بذاتها ممارسة اختصاصٍ ما، كما أنه قد يشترط مشاركة عدة أفرادٍ أو هيئات لممارسة اختصاصٍ ما، بحيث لا يمكن إجراء التصرف أو اتخاذ القرار إلا بموافقتها جميعاً.
    فالاختصاصات الممنوحة لمجلس الوزراء يجب أن تُمارس بقرارات مُتخذةٍ من هذا المجلس وإلا تعرضت لعيب عدم الاختصاص، أما إذا كان الاختصاص لا يمكن ممارسته إلا بعد استشارة هيئةٍ معينة، فالقرار الصادر في موضوع الاختصاص لا يستلزم بالضرورة توقيع هذه الهيئة.
    ولكي يكون القرار الإداري صحيحاً يجب أن يصدر من صاحب الاختصاص القانوني في إصداره.
    ويخلط معظم الفقه والقضاء بين عنصر الاختصاص وركن الإرادة فيما يتصل بالعيوب التي تلحق بهما إذا تمثل العيب في اغتصاب سلطة عامة لاختصاصات السلطة الإدارية فيعتبرون أن عيب الاختصاص إما أن يكون جسيماً (تعبيراً عن اغتصاب السلطة)، أو بسيطاً(تعبيراً عن عيب عدم الاختصاص أو بالأحرى عدم الاختصاص).







    حيث أن عيب اغتصاب السلطة هو عيبٌ يشوب ركن الإرادة في القرار الإداري، لأنه يعني تعبير أو إفصاح غير السلطة الإدارية عن إرادة السلطة الإدارية، ولذلك فإنه إذا تحقق هذا العيب فإنه يؤدي إلى انعدام القرار الإداري لانعدام إرادة السلطة الإدارية فيه.
    أما عيب عدم الاختصاص فإنه يعني أنه في داخل السلطة الإدارية تتوزع الاختصاصات بين موظفي الإدارة والجهات الإدارية المختلفة داخل الإٌدارة، ومن ثم فإذا اعتدى موظفٌ أو جهة إدارية على اختصاص موظف أو جهة إدارية أخرى، فإنه يلحق بالقرار الإداري المتصل بهذا الاختصاص عيب عدم الاختصاص هو عيبٌ لا يتصل بركن الإرادة لأنه أيضاً تعبيرٌ عن إرادة سلطة إدارية، ولكنه عيب يتصل بعنصر الاختصاص بوصفه من العناصر التي إذا شابها عيبٌ فإنه يؤدي إلى قابلية هذا القرار للإلغاء لعدم مشروعيته وذلك لمخالفته القواعد القانونية التي تحدد اختصاصات أو صلاحيات موظفي السلطة الدارية في ممارسة الأعمال الإدارية. ، وقد تتعلق المخالفة بالاختصاص الموضوعي التي تتمثل في اعتداء المرؤوس على اختصاصات رئيسه، أو العكس باعتداء الرئيس على اختصاصات المرؤوس.
    كما قد تمس الاختصاص الزمني كأن يُصدر المفوَّض إليه قراراً بعد انتهاء فترة التفويض.
    وقد تتعلق المخافة باختصاص مكاني كما لو أصدر أحد المحافظين قراراً خاصاً بالحجز الإداري لعددٍ من الأفراد الذين لم يعودوا يقطنون محافظته.
    وتُعد مخالفة قواعد الاختصاص في إصدار القرار الإداري من أقدم أوجه الإلغاء في القضاء الإداري الفرنسي، وبالرغم من طهور أوجه إلغاءٍ أخرى، فإنه ما يزال يمثل العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام.
    وهذا ما أيدته المحكمة الإدارية العليا السورية عندما ذكرت " بأن قواعد تحديد الاختصاص هي من النظام العام، وهي من عمل المشرع وحده ولا يسوغ للإجراءات الفردية أو لإرادات الإدارات العامة أن تغير من صفته النوعية ".
    ويترتب على اعتبار مخالفة قواعد الاختصاص من النظام العام أنه:
    يجوز إبداء الدفع بعيب الاختصاص في أية مرحلة من مراحل الدعوى، وللقاضي التعرض له من تلقاء نفسه ولو لم يثره الخصوم، كما لا يجوز تعديل قواعد الاختصاص بالاتفاق، ولا يمكن تصحيح القرار المعيب بعدم الاختصاص بإجراءٍ لاحق من الجهة المختصة. ، كما أن حالة الاستعجال لا تبرر للإدارة مخالفة قواعد الاختصاص مالم تصل هذه الحالة إلى مرتبة الظروف الاستثنائية ومن ثم تتحول إلى حالة ضرورة تبرر هذه المخالفة تحت رقابة القضاء.
















    ثالثاً ـ أنواع القرارات الإدارية من حيث مداها أو عموميتها:

    تنقسم القرارات الإدارية من حيث مداها إلى قسمين رئيسيين هما:

    1 ـ القرارات الإدارية التنظيمية
    2 ـ القرارات الإدارية الفردية.
    ورغم وجود أحكامٍ عامة للقرارات الإدارية، فرديةً كانت أم تنظيمية، فإن بعض الأحكام تختلف حسب طبيعة القرار الفردية أو التنظيمية.

    وتبدو أهمية التفرقة بينهما في النواحي التالية:

    1ـ إن القرار الإداري الفردي ينفذ في حق صاحي العلاقة من تاريخ تبلغه لمضمون القرار، بينما يسري القرار التنظيمي من تاريخ نشره أصولاً.
    2 ـ لا يمكن في نطاق دعوى الإلغاء الاحتجاج من قِبل رافع الدعوى بالحقوق المُكتسبة الناجمة عن القرار الإداري التنظيمي، أما القرار الفردي فلا يجوز إلغاؤه إلا في الأحوال التي يحددها القانون.
    3 ـ قد يعُلق تطبيق القانون على صدور القرارات التنظيمية اللازمة لتنفيذه، وليس الأمر كذلك بالنسبة للقرارات الفردية.
    4 ـ اعترفت محكمة تنازع الاختصاص الفرنسية للمحاكم العادية بحق تفسير القرارات التنظيمية، بل وبتقدير مشروعيتها عند نظر المواد الجزائية، وذلك دون القرارات الفردية
    5 ـ ينجم عن انقضاء ميعاد الطعن الذي حدده القانون لرفع دعوى إلغاء القرار الإداري، اكتساب القرار حصانة ضد الإلغاء، وتصدق هذه القاعدة على إطلاقها بالنسبة للقرارات الفردية، أما بالنسبة للقرارات التنظيمية، فهي وإن كانت تخضع كقاعدة عامة للميعاد المُحدد لدعوى الإلغاء فلا يجوز الطعن فيها بعد انقضاء المدة، ومع ذلك فقد قبل مجلس الفرنسي الطعن في القرارات التنظيمية بعد انقضاء الميعاد في حالات استثنائية جداً. كما يجوز الدفع أمام القاضي الإداري دائماً وفي أي وقت إذا وُجّهَ الدفع ضد قرارٍ تنظيمي، بمناسبة إصدار بعض القرارات تطبيقا له.

    1 ـ القرار الإداري الفردي:

    وهو القرار الذي يُعالج حالةً فردية معينة بذاتها، سواءٌ تعلق الأمر بشخصٍ أو بمجموعة معينة ومحددة بالذات من الأشخاص، بشيءٍ أو أشياء.
    وتستنفد موضوعها أو مضمونها بمجرد تطبيقها على الحالة أو الحالات المذكورة، أو على الفرد أو الأفراد المعينين بالذات.








    فقرار تعيين مواطن في إحدى الوظائف أو عدد منهم معين بالذات يعتبر قراراً فردياً.
    وكذلك القرار الصادر بإنشاء إحدى المستشفيات أو عدد محددٍ منها.
    كما أن القرار المتعلق بفضّ مظاهرةٍ معينة هو أيضاً قرارٌ فردي.
    وهنا لا يغير من الأمر احتواء المظاهرة على عددٍ كبيرٍ من الأفراد غير معينين بالذات لأن القرار يتعلق بحالةٍ معينة، هي تلك المظاهرة بذاتها، بحيث إذا قامت مظاهرة أخرى بعد ذلك ولو بواسطة نفس الأفراد الذين اشتركوا في تنظيم الأولى فإن القرار لا يسري عليها.

    2 ـ القرار الإداري التنظيمي:

    القرار الإداري التنظيمي أو اللائحي هو القرار الذي يتضمن قواعد عامة مُجردة ومُلزمة، فلا يتعلق بشخصٍ أو شيءٍ أو حالةٍ على سبيل التعيين بالذات، وإنما بأمورٍ متجددة تُحَدّدُ بأوصافها وشروطها.
    ولا يغير من طبيعة القرار التنظيمي أن يضيق مجال تطبيقه من حيث عدد الذين ينطبق عليهم، حتى ولو انطبق على حالة واحدة، ما دامت هذه الحالة متجددة غير معينة بذاتها، بل ولا يغير من
    طبيعة القرار التنظيمية أن يكون المُخاطب به معروفاً وقت صدوره ما دام المجال الزمني لتطبيقه يمكن أن يتسع ليشمل غيره.
    وذلك كما هو الحال في القرارات المتعلقة برئيس الجمهورية أو برئيس مجلس الوزراء.

    ونتيجة لما تقدم:
    فإن القرار التنظيمي يتميز عن القرار الفردي بصفة العمومية و التجريد، ومن ثم يتسم بطابع الثبات النسبي، فهو لا يستنفد موضوعه بمجرد تطبيقه على حالةٍ معينة أو على فردٍ من الأفراد، بل يظل ٌ قابلاً للتطبيق كلما توافرت الشروط المحددة لهذا التطبيق.
    فالقرار الذي ينظم اختصاص نائب الوزير في وزارةٍ لا يوجد فيها سوى نائبُ واحد يُعد قراراً تنظيمياً رغم أن المستفيد به شخصً واحد قد يكون معروفاً سلفاً وبشخصه.
    وهو يكتسب صفته التنظيمية بحكم سريانه، ليس على نائب الوزير القائم بالعمل فحسب، ولكن على كل شخصٍ يحمل هذا الوصف مُستقبلاً طالما بقي منصب نائب وزير وطالما بقي القرار نافذاً، فالقاعدة تُخاطب نائب الوزير وليس فلاناً بالذات.

    فالقرار التنظيمي إذن لا يخاطب الشخص مباشرةً، بل يخاطبه من خلال المركز القانوني العام الذي تعرّض له القرار بالإنشاء أو التعديل أو الإلغاء والذي يشغله الشخص بحكم استيفائه لشروطه.
    كما أن القرار اللائحي يتسم بالثبات، فالقرارات التي تُنظم قبول الطلاب بإحدى الكليات الجامعية لا تسقط بانتهاء إجراءات القبول في السنة الدراسية التي صدرت فيها، بل تبقى لتحكم القبول في السنوات المُقبلة.









    والقرار اللائحي قد يكون صالحاً للتطبيق بذاته، مثال ذلك القرارات التي تُنظم المرور في منطقةٍ معينة، فهي تري فوراً على كل سائق.

    وقد يكون القرار اللائحي غير صالحٍ للتطبيق بذاته بل يلزمه قرارٌ آخر ينقله من دائرة التجريد إلى دائرة الواقع التطبيقي، فحتى تتحرك القواعد التي تنظم شؤون طلاب إحدى الجامعات بالنسبة إلى أحد الأشخاص ]لزم أن يصدر قرارٌ بقبوله في إحدى كلياتها.

    القيمة القانونية للقرار التنظيمي أو اللائحي:

    تتضمن اللائحة قواعد عامة مجردة ملزمة، ومن ثم فإنها تشارك القانون في هذه الخصائص.
    ولكنهما يختلفان من حيث النظام القانوني الذي يحكم كلاً منهما، فالقانون هو من صنع ممثلي الشعب ضمن نطاق الهيئة التشريعية، بينما القرار التنظيمي اللائحي، الذي يساهم بصورة أساسية في تنفيذ القوانين، فهو من صنع الهيئة التنفيذية.
    وقد استقر الفقه التقليدي على أن القرار التنظيمي أو اللائحي يُعد أقل درجةٍ من القانون فيما يتعلق بقوته القانونية بحيث لا يجوز له مخالفة أو تعديل أو إلغاء القانون، بينما يستطيع القانون أن يُحدِثَ في القرار التنظيمي ما يشاء.
    وذلك باستثناء لوائح الضرورة واللوائح التفويضية التي تقوى على مخالفة القانون وتعديله بصفةٍ مؤقتة وبشروطٍ معينة.

    ورغم أن تفوق درجة القانون على اللائحة لا تزال هي السائدة بصفةٍ عامة، إلا أنها لم تَعُد الآن صحيحة على إطلاقها بعد التطور الذي لحق المبادئ الدستورية في العصر الحديث، فمن
    المعروف أن رئيس السلطة التنفيذية في كثيٍ من البلاد قد أصبح هو الآخر كالبرلمان ممثلاً للشعب حائزاً على أصوات أغلبية أفراده، كما هو الحال في سوريا وفرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية.

    ومن ناحيةٍ أخرى فنظام اللائحة المُستقلة المُحددة بموجب المادة/37/ من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة لعام/1958/ والتي بموجبها صار اختصاص اللائحة في التشريع هو الاختصاص الأصلي أو القاعدة العامة، بمعنى أنها تختص بالتشريع في كل المسائل والمواضيع فبما عدا تلك التي جعلها الدستور صراحةً من اختصاص القانون بموجب المادة/34/ منه.
    هذا النظام لم يعد يتفق في بعض أحكامه مع ما هو سائد بالنسبة لقوة اللائحة القانونية، إذ أن هذه اللوائح المستقلة ـ رغم بقاء خضوعها كقرارات إدارية لرقابة القضاء الإداري والتزامها بمراعاة قواعد الدستور والمبادئ العامة للقانون ـ لا يمكن تعديلها أو إلغاؤها بقانون، كما أنها تقوى على أو إلغاء القوانين التي سبق أن صدرت في مجالها.










    مجال القرار الإداري التنظيمي أو اللائحي:

    نظراً لأن القرار الإداري أو اللائحي يشمل قواعد عامة مجردة ملزمة، فإنه يصعب القول بأن هناك مسائل لائحية بطبيعتها وأخرى لا يمكن تنظيمها إلا بقانون.
    ولكن يبدو أن هناك اتفاقاً فقهيا على أن بعض المواضيع ذات أهمية خاصة كمسائل الحريات العامة والحرب والتجريم والضرائب لا يمكن تنظيمها إلا من قِبل الهيئة التشريعية وحدها باعتبارها السلطة العليا التي تُمثل إرادة الأمة.
    ومن ناحيةٍ أخرى يبدو أن هناك مسائل تنظيمية أو لائحية بطبيعتها يجب ترك أمر تنظيمها للسلطة التنفيذية وذلك كالقواعد التفصيلية ذات الطابع الفني التي يصعب على المشرع البتُّ فيها، أو يضيق وقته عن إصدارها.
    ويتقاسم العالم نظامين لتوزيع الاختصاص بين القانون واللائحةً :

    ففي النظام الأول ـ وهو السائد حتى الآن ـ يكون القانون هو صاحب الاختصاص العام في تنظيم مختلف المسائل التي يتراءى له تنظيمها، ويقتصر مجال اللائحة على الموضوعات التي يعهد بها إليها القانون سواءٌ أكان دستورياً أم عادياً، مكتوباً أم عرفياً.
    وفي النظام الثاني تكون اللائحة ـ على عكس الوضع السابق ـ هي صاحبة الاختصاص العام، ويقتصر دور الهيئة التشريعية على التشريع في مسائل يحددها حصراً النص الدستوري كما هو الحال في دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية عام/1958/ والدستور المغربي لعام/1962/.
    ويمكن أن ترتكز الهيئة التنفيذية في إصدارها للقرارات التنظيمية أو اللائحية إلى نصوصٍ دستورية أو تشريعية، كما يمكنها أن تستند إلى مبادئ العرف الدستوري كهذا الذي يُفسر النصوص التي تعهد إلى السلطة التنفيذية بمهمة تنفيذ القانون تفسيراً من شأنه أن يمنحها الحق في إصدار اللوائح.

    للامانة منقووووووووووووووووووووووووووووووووووووول للفائدة
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع. Empty رد: القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع.

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يوليو 17, 2010 1:17 am

    القرار الاداري والعمل القضائي

    تعريف القرار الإداري
    :

    هو عمل قانوني يصدر عن الإدارة بما لها من سلطة عامة يحدث مركزا قانونيا جديدا أو يؤثر في مركز قانوني سابق وقد عرفه العميد ليون دوجي بأنه هو كل عمل إداري يصدر بقصد تعديل الأوضاع القانونية كما هي قائمة وقت صدوره أو كما تكون في لحظة مستقبلة معينة وعرفه العميد بونار بأنه هو كل عمل إداري يحدث تغييرا في الأوضاع القانونية القائمة

    وقد استقر قضاء مجلس الدولة على تعريف القرار الإداري بأنه افصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة
    تعريف العمل القضائي
    عرفت محكمة القضاء الإداري العمل القضائي بقولها ( القرار القضائي – حسبما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – هو ما يحسم على أساس القاعدة القانونية خصومة قضائية تقوم بين خصمين ، وتتعلق بمركز قانوني خاص أو عام ، ولا ينشئ القرار مركزا قانونيا جديدا ، وإنما يقرر قي قوة الحقيقة القانونية وجود حق لأي الخصمين أو عدم وجوده . ويكون القرار قضائيا متى اشتمل على الخصائص ، ولو صدر من هيئة لا تتكون من عناصر فضائية ، وإنما استندت إليها سلطة قضائية استثنائية للفصل فيما نيط بها من الخصومات

    القرار القضائي :

    هو الذي تصدره الحكومة بمقتضى وظيفتها القضائية ويحسم على أساس قاعدة قانونية خصومة قضائية تقوم بين خصمين وتتعلق بمركز قانوني خاص أو عام ولا ينشئ القرار مركزا قانونيا جديدا وإنما يقرر في قوة الحقيقة القانونية وجود حق لأي من الخصمين أو عدم وجوده . ويكون القرار قضائيا متى اشتمل على هذه الخصائص ولو صدر من هيئة لا تتكون من عناصر قضائية وإنما اسندت إليها سلطة قضائية استثنائية للفصل فيما يناط بها من خصومات وطبيعة الحكم القضائي أنه يحوز قوة الشئ المحكوم فيه متى أصبح نهائيا فيعابر عنوانا للحقيقة فيما يقضي به
    ثانيا : التمييز بين القرار الإداري والعمل القضائي


    اختلف الفقه في معايير التفرقة بين العمل الإداري والعمل القضائي وقد دارت رحى هذا الاختلاف بين معايير ثلاث هي المعيار الشكلي والمعيار الموضوعي والمعيار المختلط

    ويقوم المعيار الشكلي على أساس أن يكون العمل أو القرار إداريا إذا كان صادرا عن فرد أو هيئة تابعة لجهة الإدارة وبصرف النظر عن مضمون العمل أو القرار ذاته أو الاجراءات والأوضاع الشكلية التي يصدر على مقتضاها ويكون العمل الصادر من السلطة القضائية وممثلة في المحاكم على اختلاف درجاتها وأنواعها عملا قضائيا أيا كان مضمونه وفحواه سواء كان داخلا في جسم الوظيفة القضائية بأن كان حاسما لنزاع بين خصمين أو أكثر على أساس قواعد القانون أو كان خارجا عن مجال هذه الوظيفة وصادرا من القاضي بناء على سلطته الولائية كالأمر بتعيين وصي .

    ولكن هذا المعيار منتقد من ناحتين : الأولى أن جميع الأعمال الصاردرة من السلطة القضائية لا تعتبر أحكاما ، بل منها ما يعتبر أعمالا إدارية بطبيعتها كالأعمال الداخلة في وظيفة القاضي الولائية . ومن ناحية أخرى فإن المشرع كثيرا ما يخول الجهات الإدارية سلطة إصدار أحكام بمعنى الكلمة . وهي الجهات الإدارية ذات الاختصاص القضائي ،
    ومن ثم فإن المعيار الشكلي لا يجدي في تمييز الأعمال الإدارية عن الأعمال القضائية .
    ويقوم المعيار الموضوعي على أساس النظر إلى موضوع العمل نفسه دون حاجة الى اعتبار بالسلطة التي يصدر عنها العمل ولهذا اهتم مؤيدوا هذا المعيار بوضع تمييز للعمل القضائي عن العمل الإداري بالنظر لموضوع العمل وعليه يتكون المعيار الموضوعي للوظيفة القضائية من عدة عناصر

    أولها : ضرورة توافر مسألة قانونية أي نزاع حول حق ذاتي
    وثانيا تقرير يقيم حدا للإشكال والنزاع .
    ثالثا : قرار يصحب غالبا التقرير كما أن هناك من بين أنصار هذا المذهب من ابتدعوا بعض المعايير الموضوعية الأخرى لتمييز العمل القضائي كنظرية التصرف التلقائي ونظرية السلطة التقديرية ونظرية المنازعة ونظرية الهدف .

    اولا : فكرة السلطة النقديرية : ذهب رأي قديم الي ان القرارات الادارية انما تصدر من سلطة تتمتع بإختصاص تقديري ، بينما تصدر الاحكام من سلطة ذات إختصاص مقيد . وهذا الراي لاغناء فيه ، لاننا راينا أن الادارة تصدر كثيرا من القرارات الادارية بينما يكون اختصاصها مقيدا. و علي العكس من ذلك فان القاضي كثيرا ما يتمتع بقدر كبير من حرية التقدير .

    ثانيا : وقال اخرون بأن القرارات الادارية تصدر عن تصرف تلقائي أما الاحكام فلا تصدر الا بطلب من الافراد . وهذا ايضا ليس بمعيار ، لان كثير من القرارات لا تصدر الا بطلب من الافراد .

    ثالثا : المعيار الذي يستند الي موضوع العمل : و يعتبر العمل قضائيا وفقا لهذا الراي اذا كانت السلطة العامة تفصل بمقتضاه في حق كان موضع منازعة أمامها : فيجب أن يكون ثمة نزاع في حق شخصي ، وقد فصلت فيه سلطة عامة للقول بوجود عمل قضائي .

    وقد انتقد هذا المعيار من ناحيتين : الاولي أن هذا النزاع قد يطرح علي سلطة إدارية لتفصل فيه بقرار إداري لا يحكم . كما أن من الاحكام ما لا يثير نزاعا متعلقا بحق شخصي . ومثال ذلك الاحكام الصادرة من القضاء العيني أو الموضوعي كقضاء الإلغاء الذي لا يتصدي إلا للفصل في شرعية قرار إداري ، بصرف النظر عن الحقوق الشخصية .
    ومثال ذلك أيضا الأحكام الجنائية .
    ومن ثم فقد أضيف إلي المعيار السابق عناصر أخري تتعلق بالغرض من العمل و بتكوينه .

    رابعا – تحديد العمل بناء علي الغرض منه : فالادارة بتدخلها إنما تستهدف إشباع الحاجات العامة سواء تعلق ذلك بالامن الداخلي أو الخارجي أو الصحة أو التعليم .... إلخ .

    أما وظيفة السلطة القضائية فترمي الي مجرد حماية النظام القانوني للدولة ، بغض النظر عن الاغراض التي نيط بالإدارة تحقيقها ، وذلك عن طريق حسم المنازعات وفقا للقانون ، و توقيع الجزاءات علي كل مخالفة لآحكامه .
    وقد ترتب علي ذلك ، أن طبع الغرض الذي تستهدفه كل من الادارة و القضاء ما يصدر منهما من أعمال بطابع خاص مميز : فالادارة وظيفتها مرنة ، ومن ثم كان القرار الاداري مرنا يستجيب بسهولة لمقتضيات حسن الادارة .

    أما العمل القضائي فيمتاز بالثبات ، ومن ثم فقد طبع بأثر هام جدا ، و هو حجية الشئ المقضي فيه فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن فكرة الحجية هي أبرز المظاهر التي تميز الحكم القضائي عن القرار الاداري : فالقرار الاداري مهما بلغ استقراره فانه استقرار نسبي . أما الحكم القضائي فيجب أن يكون عنوان الحقيقة المطلقة على ما جاء به . وهذا هو جوهر الحجية . وإذا كان القرار الإداري يشبه بعض الاحكام القضائية أحيانا ، فان المشرع حر في أن يرتب علي أي منهما حجية الشئ المقضي فيه فيصبح العمل قضائيا . و هذه الحجية كما ذكرنا ، ذات إرتباط وثيق بالغاية من كل التصرف الاداري و القضائي .

    ويقوم المعيار المحتلط على أساس المزج بين المعيارين السابقين حيث ينظر إلى طبيعة العمل نفسه من ناحية والشكل الذي يظهر فيه العمل من خلال الضمانات والاجراءات اللازمة لأي عمل قضائي .

    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع. Empty رد: القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع.

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يوليو 17, 2010 1:22 am

    القرار الإداري تعريفه وأركانه

    المقدمة
    يعد القرار الإداري أهم مظهر من مظاهر نشاط وامتيازات السلطة التي تتمتع بها الإدارة وتستمدها من القانون العام ، إذ بواسطته تستطيع الإدارة بإرادتها المنفردة على خلاف القواعد العامة في القانون الخاص إنشاء حقوق أو فرض التزامات ، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الإدارة المصالح العامة والتي يجب تغليبها على المصالح الفردية الخاصة .
    ومن الأهمية بمكان تعريف القرار الإداري وتميزه عن غيره من الأعمال القانونية الأخرى ، مثل الأعمال المادية والأعمال التشريعية والأعمال القضائية ، حيث تتداخل هذه الأعمال القانونية السابقة مع القرارات الإدارية ، فيصعب أحياناً التفرقة بينهما ، ومن هنا تكمن أهمية تعريف القرار الإداري ، وهي تفرقة لازمة أيضاَ لتحديد الأعمال التي تخضع لنطاق الرقابة القضائية عن غيرها .
    والقرار الإداري باعتباره نشاطاً مهماً من أنشطة السلطة الإدارية ، يتكون من عدة أركان وهي ركن الاختصاص والشكل والمحل والسبب والغاية التي تعد جسداً للقرار الإداري .
    وتمثل أيضاً حدوداً لا يجوز للإدارة مخالفتها وإلا عدت قراراتها مشوبة بعيوب قابلة للإبطال أو البطلان .
    وبناء على سبق سوف نقوم بتقسيم خطة البحث كما يلي :
    - المقدمة :
    - المبحث الأول : تعريف القرار الإداري والفرق بينه وبين الأعمال القانونية الأخرى ويتكون من ثلاثة مطالب وهي كالتالي :
    المطلب الأول : تعريف القرار الإداري وبيان خصائصه .
    حيث عرف القضاء الإداري الكويتي القرار الإداري نفس تعريف القضاء المصري ، فعرف أن (القرار الإداري هو ذلك القرار الذي تفصح الجهة الإدارية عن إدارتها الملزمة في الشكل الذي يتطلبه القانون بما لها من سلطة مستمدة من القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني يكون ممكناً وجائزاً وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة)(1) وتكمن أهمية التعريف بأنه عن طريقه يمكن إجراء التفرقة بين القرارات الإدارية من جهة والأعمال الحكومية والأعمال التشريعية والأعمال القضائية من جهة أخرى ، وهي تفرقة لازمة لتحديد نطاق الرقابة القضائية على الأعمال العامة ، إذ يقتصر هذه الرقابة على الأعمال الإدارية ، فلا تمتد إلى غيرها من الأعمال العامة (2) ، وبعبارة أخرى يحدد القضاء المختص في نظر الطعون والمنازعات التي يثيرها العمل الإداري والتصدي لمشروعية تلك الأعمال .
    فمن خلال التعريف السابق ، نستطيع أن نستخلص خصائص القرار الإداري التي تميزه عن غيره من الأعمال الإدارية على النحو التالي :
    1- إن القرار الإداري تصرف قانوني وهو كل تعبير عن إرادة يرتب عليه القانون أثراً معيناً ، وبالتالي لا تدخل الأعمال المادية ضمن هذا المضمون ، حيث إن هذه الأعمال لا تنشئ ولا تعدل ولا تلغي مراكز قانونية قائمة ن بل إن هذه الأعمال المادية التي تقوم بها إحدى الجهات الإدارية إما أن تكون أعمالاً غير مقصودة مثل الأخطاء التي يرتكبها العاملون أثناء قيامهم بوظائفهم المختلفة ، أو أن تصدر عن عمد دون أن تكون تعبيراً عن إرادة الإدارة كالأعمال الفنية التي يقوم بها العاملون لدى الإدارة بحكم قيامهم بوظائفهم والأعمال التنفيذية للقوانين والقرارات .
    وقد ذكرت المحكمة الإدارية العليا الفرق بين القرار الإداري والعمل المادي من خلال تعريفها للقرار الإداري السابق ذكره ، فقالت (ويفترق القرار الإداري بذلك عن العمل المادي الذي لا تتجه فيه الإدارة بإرادتها الذاتية إلى إحداث آثار قانونية وإن رتب القانون عليها آثاراً معينة لأن مثل هذه الآثار تعد وليدة الإرادة المباشرة للمشروع وليس وليد إرادة الإدارة الذاتية) (3) .
    وقد طبق القضاء الكويتي نفس المبدأ السابق في التفرقة بين القرار الإداري والعمل المادي حيث قضى ب : (أن القرار الإداري يتميز عن العمل المادي الذي يخرج اختصاص الدائرة الإدارية بان الأول يكون مسبوقاً أو مصحوباً بقصد إحداث تعديل في المراكز القانونية القائمة في حين أن العمل المادي يكون دائماً واقعة مادية أو إجراء مثبتاً لها ولا يقصد به تحقيق آثار قانونية معينة إلا ما كان منها وليد إرادة المشرع مباشرة) (4) .
    والتعبير عن الإرادة قد يكون صريحاً بالكتابة أو بالقول والغالب أو يكون التعبير بالكتابة ، ويمكن أن يكون أيضاً التعبير عن الإرادة ضمنياً يستفاد من سكوت الإدارة ، ومن تطبيقاته :
    قبول الاستقالة التي مضى على تقديمها أكثر من ثلاثين يوماً دون صدور قرار صريح بذلك بقبولها أو رفضها أو إرجاء البت فيها ، وكذلك رفض التظلم الذي مضى على تقديمه ستون يوماً دون الإجابة عليه من السلطة المختصة ، وكقاعدة عامة يعد في حكم القرارات الإدارية امتناع السلطة عن اتخاذ قرار كان يجب وفقاً للقانون .
    2- صدور القرار الإداري من جهة إدارية ، فالقرار الإداري يتخذ هذه الصفة ويتحدد بالنظر إلى شخص من أصدره ، والإدارة هي التي تصدر القرارات ، وبناء عليه يعد كل شخص من أشخاص القانون العام تنطبق عليه صفة الإدارة يمكن أن يصدر قراراً إدارياً . أما غيرها من الأشخاص الذين لا تنطبق عليهم هذه الصفة لا يمكنهم ذلك .
    3- يصدر القرار الإداري بإرادة منفردة دون اعتداد برضا المخاطبين ، وهذه أهم ميزة للقرار الإداري تميزه عن العقد الإداري ، إذ إن القرار الإداري ينشأ ويكتسب صفته الإلزامية بمجرد التعبير عن إرادة الإدارة دون اعتداد بإرادة الطرف الآخر ، مثال ذلك قرار إداري بهدم منزل آيل للسقوط وتنفيذه أحياناً بالقوة المادية عند رفض مالك العقار.
    4- وإذا كان القرار تعبيراً عن إرادة الإدارة ، فيجب صدوره لمن يملك التعبير عن إرادة الإدارة من أصحاب الاختصاص ، طبقاً للقوانين واللوائح .
    5- ويجب أن يترتب القرار الإداري آثار قانونية ، وتتمثل هذه الآثار في إنشاء أو تعديل أو إلغاء المراكز القانونية ، فيكتسب المخاطبون فيها حقوقاً أو يلتزمون بواجبات ، سواء كان القرار الإداري قراراً تنظيمياً كلائحة المرور ولوائح الضبط أو قراراً فردياً يخص فرداً أو أفراداً معنيين بذواتهم ، فينشئ لهم حقاً أو يفرض عليهم التزاماً كقرار تعيين موظف أو منح ترخيص بناء عقار .
    وعادة ما يفسر القضاء الإداري فكرة ترتيب الآثار القانونية على صدور القرار الإداري تفسيراً واسعاً .
    فيكفي أن يمس القرار الإداري مصالح الأفراد أو يؤثر عليهم بطريقة أو أخرى ، فالقرار الصادر بتوقيع جزاء الإنذار على فقد قضت محكمة القضاء الإداري في أوضح أحكامها بقولها إنه : (يشترط في القرار القضائي أياَّ كانت السلطة التي تصدره توافر شروط ثلاثة : الأول قيام خصومة بين طرفين ، والثاني أن تقوم هذه الخصومة على مسألة قانونية ، والثالث أن يكون للقرار عند الفصل في الخصومة قوة الشيء المقضي فيه ، وبمعنى أوضح أن يعد عنوان الحقيقة فيما قضى به)(5) .
    وعلى الأساس السابق عد مجلس الدولة المصري أعمالاً قضائية لا يختص بها ، الأحكام القضائية ، سواء صدرت من جهة قضائية عادية أو استثنائية.
    أما بالنسبة للأعمال القضائية التي تصدر من جهات إدارية ذات اختصاص قضائي فإن مجلس الدولة قد أخذ في شأنها بالمعيار الشكلي ، وبالتالي أعدها بمثابة قرارات إدارية يجوز الطعن فيها بالإلغاء .
    وقد ذهبت المحكمة الإدارية العليا في هذا الصدد إلى أن مجلس المراجعة المنصوص عليه في القانون رقم 56 لسنة 1954م في شأن الضريبة على العقارات المبنية : "هو جهة إدارية ذات اختصاص قضائي تصدر قرارات نهائية في التظلمات المقدمة إليها(6) .
    كما ذهبت إلى أن "لجنة مخالفات الري لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي(7) .
    غير أن مجلس الدولة المصري في بعض الأحكام ، هجر المعيار الموضوعي المجرد والمعيار الشكلي المجرد فمزج بين المعيارين الشكلي والموضوعي ، وقد تجلى ذلك في حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بتاريخ 13-12-1954 والذي قررت فيه : "إن شراح القانون العام قد اختلفوا في وضع معايير للتفرقة بين القرار القضائي والقرار الإداري ، فمنهم من أخذ بالمعيار الشكلي ، ويتضمن أن القرار القضائي هو الذي يصدر من جهة منحها القانون ولاية القضاء .
    ومنهم من أخذ بالمعيار الموضوعي ، وهو ينتهي إلى أن القرار القضائي هو الذي يصدر في خصومة لبيان حكم القانون فيها .
    بينما يرى آخرون أن يؤخذ بالمعيارين معاً - الشكلي والموضوعي - وقد اتجه في فرنسا ثم في مصر إلى هذا الرأي الأخير ، وإن الراجح هو الأخذ بالمعيارين معاً مع بعض الضوابط ، وذلك أن القرار القضائي يختلف عن القرار الإداري في أن الأول يصدر من هيئة استمدت ولاية القضاء من قانون محدد لاختصاصها مبين لإجراءاتها ، وما إذا كان ما تصدر من أحكام نهائية أو قابلة للطعن ، مع بيان الهيئات التي تفصل في الحال الثانية ، وأن يكون هذا القرار حاسماً في خصومة أي نزاع بين طرفين ، مع بيان القواعد القانونية التي تنطبق عليها ووجه الفصل فيها"(Cool .
    وقد أكدت محكمة القضاء الإداري هذا المعنى في أحكام عدة حين قالت ".. قد استقر رأيها على الأخذ بالمعيارين الشكلي والموضوعي للتفريق بين القرار القضائي والقرار الإداري" (9) .
    ولأجل ذلك شبه بعض الفقهاء قواعد الاختصاص بقواعد الأهلية ، لكن الفارق بينهما يرجع إلى الغاية لكل منهما ، فقواعد الاختصاص هدفها المصلحة العامة ، بينما قواعد الأهلية هدفها المصلحة الخاصة(10) .
    وركن الاختصاص يتكون من عدة عناصر موضوعية وزمانية ومكانية وسوف نذكر هذه العناصر بشيء من التفصيل :
    أولاً : العنصر الموضوعي :
    بموجب هذا يتحدد المجال النوعي الذي يمكن لإدارة أن تتدخل فيه بقراراتها ، وهذا المجال يتحدد عادة بما يعد من أعمال الإدارة التي يكون لها أن تتخذ بشأنه إجراءً معيناً ، وبناء عليه لا يجوز للإدارة أن تتدخل في الأمور المحجوزة لصالح المشرع واختصاص القاضي .
    وفي نطاق ممارسة إدارة من الإدارات لمهامها ، ليس لها أن تتدخل في نشاط غيرها الذي لا تختص فيه ، فلا يجوز للإدارة المركزية أن تتدخل في أعمال الإدارة اللامركزية ، ولا يجوز للثانية أن تتدخل في عمل الأولى ، وفي نطاق الشخص العام الواحد تتوزع الاختصاصات أيضاً بين عدة أعضاء لكل عضو عمله الذي يختص به ، ففي السلطة المركزية لكل وزير اختصاصات معينة وبالتالي لا يجوز لأي وزير ممارسة اختصاصات غيره من الوزراء .
    ولا يغير من طبيعة العنصر الموضوعي ، فرض المشرع على بعض الجهات الإدارية استشارة جهات أخرى قبل ممارسة اختصاصات مثل استشارة ديوان المحاسبة أو مجلس الخدمة المدنية باعتبار أن هذه الإدارات جهات استشارة لإدارات الدولة الأخرى في نطاق ما أناط المشرع تلك الإدارات من عناصر موضوعية .
    وينتج عن مخالفة قواعد الاختصاص الموضوعي وجود نوعين من العيوب ، العيب الأول هو عيب اغتصاب السلطة ومثاله صدور قرار إداري من فرد عادي ليس له أي صفة ، وصدور قرار إداري في موضوع من أعمال السلطتين التشريعية والقضائية ، أو إصدار إدارة قرار إداري من اختصاص إدارة أخرى وتؤدي هذه المخالفة إلى بطلان القرار الإداري أو انعدامه في حال المخالفة الجسيمة ، وقد قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية في حكمها الصادر في 29-11-1969 قائلة بأنه : "إذا فقد القرار أحد أركانه الأساسية فإنه يعد معيناً بخلل جسيم إلى حد الانعدام ، والاتفاق منعقد على أنه سواء عدا الاختصاص أحد أركان القرار الإداري أم أحد مقومات الإدارة التي هي ركن من أركانه ، فإن صدور القرار الإداري من جهة غير منوط بها إصداره قانوناً يعيبه بعيب جسيم ينحدر به إلى حد العدم ، طالما كان في ذلك افتئات على سلطة جهة أخرى لها شخصيتها المستقلة . حيث أن هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه إذا كان العيب الذي يشوب القرار ينزل به إلى حد غصب السلطة فإنه ينحدر بالقرار إلى مجرد فعل مادي معدوم الأثر قانوناً لا تلحقه أي حصانة ولا يزيل عيبه فوات ميعاد الطعن فيه"(‍11) .
    ويستثنى من الحالة الأولى صدور قرار إداري من فرد عادي في حال الموظف الفعلي .
    أما العيب الثاني فهو عيب الاختصاص البسيط ، وهو على نوعين : الأول : عدم الاختصاص الإيجابي وهو الغالب عملياً وذلك بأن يصدر القرار من موظف غير مختص لكونه من اختصاص موظف آخر وقد أكد هذا المبدأ القضاء التجاري الكويتي في حكمه قائلاً : "المقرر أنه إذا أقيم فعندما يتطلب القانون شكلية معينة للقرار الإداري ، يجب مراعاة هذه الشكلية والإجراء وإلا عد القار باطلاً لمخالفته قواعد الشكليات ، فالقرار الإداري كما هو مذكور سابقاً ، إن الأصل فيه حرية الإدارة في التعبير عن إرادتها دونما شكل محدد إلا إذا نص المشرع على خلاف ذلك .
    فقد يكون القرار الإداري مكتوباً وهو الشائع لمعظم القرارات الإدارية وقد يكون شفهياً ، ومن تطبيقاتها الإشارات الصادرة عن رجال المرور إلى قائدي المركبات (12).
    أما بالنسبة لصمت الإدارة فلا يعد قراراً إدارياً طبقاً لقاعدة لا ينسب لساكت قول إلا إذا وجد نص يدل على خلاف ذلك أو كان الإفصاح أمراً واجباً من الإدارة ، والمثال التقليدي هو صمت الإدارة في شأن طلب الاستقالة من قبل أحد الموظفين فيعد صمتها قبولاً كالاستقالة خلال ستين يوماً ، وينطبق المبدأ أيضاً على تظلم الأفراد من قرار الإدارة خلال ستين يوماً فيعد صمتها أيضاً قراراً برفض التظلم .
    والملاحظ أن معظم القرارات الإدارية قد يتطلب المشرع لتمامها وصيرورتها قرارات نهائية إتباع إجراءات معينة ، وعندئذ يكون إغفال هذه الإجراءات سبباً للطعن في القرار رغم أن الأصل أن الإدارة غير ملزمة باتباع شكل معين ، والهدف من هذه الإجراءات حماية حقوق وحريات الأفراد من عنت الإدارة .
    ومن هذه الأشكال والإجراءات ما يتعلق بشكل القرار ويقصد به المظهر الخارجي للقرار التي توجب القوانين أن يكون فيها ، ومنها ما يتعلق بالإجراءات التمهيدية والمدد .
    أما ما يتعلق بشكل القرار في حد ذاته أي المظهر الخارجي له من صوره أن يكون مكتوباً ، ومن صوره أيضاً تسبيب القرارات الإدارية حيث يشترط القانون أحياناً ذكر سبب القرار في صلبة ، وعندئذ يصبح جوهرياً يترتب على إغفاله بطلان القرار الإداري والهدف من التسبيب هو حماية وضمانة للإفراد وذلك بنقل عبء الإثبات على الإدارة خلافاً للمبدأ الذي مفاده أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها .
    أما ما يتعلق بالإجراءات التمهيدية والمدد فقد يفرض المشرع إجراءات تمهيدية قبل اتخاذ أي قرار إداري معين ، كوجوب إجراء تحقيق قبل المحاكمة التأديبية ، أو إصدار قرار تأديبي وإطلاع الموظف على ملفه قبل المحاكمة ، وقد يفرض المشرع مدة معينة قبل اتخاذ القرار الإداري مثل منح الموظف المجال للتحقيق مهلة للإطلاع على الملف ومعرفة الأسباب للرد عليها .
    ومن الإجراءات الواجب مراعاتها الاستشارة السابقة ، حيث يلزم المشرع الإدارة استشارة جهة معينة قبل اتخاذ قرار إداري في أمر معين ، ومن أمثلة ذلك عند قيام إدارة من إدارات الكويت إبرام عقد قيمته تزيد على 75 ألف دينار يجب عليها الرجوع إلى إدارة الفتوى والتشريع ، كما أن لجنة المناقصات المركزية ملزمة قانوناً بعرض عطاءاتها على الجهة الحكومية طالبة المناقصة للدراسة وإبداء الرأي مع أنها غير ملزمة برأي الجهة الحكومية ، ويترتب على مخالفة هذه الإجراءات بطلان القرارات الإدارية .
    وقد فرق الفقه والقضاء بين الأشكال الجوهرية حيث بينها البعض بأنها(13) التي تمثل ضمانة لحقوق الأفراد وتلك التي من الممكن أن تغير في ماهية القرار الإداري فيجب على الإدارة احترامها وإلا كان جزاء مخالفتها البطلان .
    وقد أكدت هذه التفرقة المحكمة الإدارية العليا المصرية(14) قائلة : "الأصل المسلم به قضاء وفقهاً هو أنه إذا كان نص القانون قد أوجب على جهة الإدارة .
    المطلب الرابع : ركن السبب :
    يقصد بتعريف ركن السبب في القرار الإداري بأنه : "حال واقعية أو قانونية بعيدة عن رجل الإدارة ، ومستقلة عن إرادته تتم فتوحي له بأنه يستطيع أن يتدخل وأن يتخذ قراراً ما"(15) .
    وقد أكدت هذا التعريف المحكمة الإدارية العليا في أحكامها باستمرار قائلة : "والسبب في القرار الإداري حال واقعية أو قانونية تحمل الإدارة على التدخل بقصد إحداث أثر قانوني "(16) .
    وقد أخذت أيضاً الدائرة الإدارية في المحكمة الكلية بنفس التعريف السابق قائلة : "إن السبب كركن في القرار الإداري هو الحال الواقعية أو القانونية التي تحمل الإدارة على التدخل بقصد إحداث أثر قانوني"(17) .
    ويتلخص من التعريف السابق أن السبب حال قد تكون واقعية وقد تكون قانونية ومثال الأولى وجود منزل آيل للسقوط فتؤدي هذه الحال إلى تدخل الإدارة باتخاذ قرار بهدم المنزل أو حدوث اضطرابات في الأمن فتتدخل الإدارة بالحفاظ على الأمن .
    ومثال الثانية وجود وظيفة أو وظائف شاغرة ترغب الإدارة في شغلها وتقديم الطلبات وتوفر الشروط من بعض الأشخاص يجعلها تصدر قراراً بالتعيين .
    وتقدم أحد الموظفين طلباً للتقاعد يجعل الإدارة تصدر قراراً بإحالته إلى التقاعد .
    وهكذا ، فلابد أن توجد حال قانونية أو واقعية سابقة على كل قرار إداري وخارجة عنه تسوغ إصداره ، فالسبب عنصر موضوعي خارجي من شأنه أن يسوغ صدور تلك القرارات .
    وقد أكدت هذه القاعد\ة المحكمة الإدارية العليا المصرية بقولها : "أن الجهة الإدارية ليست ملزمة بذكر الأسباب وفي هذه الحال تحمل قراراتها على القرينة العامة التي تقضي بافتراض وجود الأسباب الصحيحة لهذه القرارات وعلى من يدعي العكس إثبات ذلك"(18) .
    وهناك فرق بين السبب والتسبيب ، إذ أن التسبيب هو ذكر أسباب القرار صراحة ، وإن كانت القاعدة العامة كما ذكرنا سابقاً ، توجب أن يكون لكل قرار إداري سبب معين ، فإن الإدارة غير ملزمة - كأصل عام- بذكر أسباب القرار الإداري صراحة إلا إذا ألزمها القانون بذلك .
    على أنه إذا ألزم القانون الإدارة بضرورة تسبيب قراراتها فيجب عليها أن تذكر هذا السبب صراحة مثل حال رفض منح تراخيص حمل الأسلحة أو سحبها أو إلغائها ، وإن لم تكن الإدارة ملزمة بذكر سبب القرار وذكرته مع ذلك فيتعين أن يكون هذا السبب صحيحاً .(19)
    وعلة وجوب أن يكون لكل قرار إداري سبب تراجع إلى طبيعة الدور الذي تقوم به الإدارة باعتبارها إحدى السلطات القائمة بوظيفة من وظائف الدولة ، وأن رجل الإدارة عند قيامه بمهامه لا يمارس حقاً بل وظيفة ، ومن ثم فهو ملزم أن يعمل في حدودها وفيما يفرضه القانون من قيود ، كما أن الهدف الذي يسعى إليه متعلق بالمنفعة العامة .
    وهنالك فرق أيضاً بين سبب القرار الإداري والغاية منه ، فالسبب حال توجد عند إصدار القرار فتدفع الإدارة إلى إصداره ، أما الغاية فهي ما تسعى الإدارة إلى تحقيقه من إصدار القار ، فالمخالفة التي يرتكبها الموظف هي ركن الغاية عيب "إساءة استعمال السلطة(20) أو الانحراف بالسلطة ، ومفهومة أن يستهدف القرار الإداري غرضاً غير الغرض الذي من أجله منحت الإدارة سلطة إصداره (21) ، ويعد القرار الإداري باطلاً إذا قصد هدفاً بعيداً عن المصلحة العامة أو الهدف المخصص ، وترجع أهمية ركن الغاية إلى كونه يشكل مع ركن السبب ضمانه مؤكدة للأفراد في عدم إمكان قيام الإدارية بمصادرة حقوق الأفراد أو التعسف في استعمال الحق .
    ومن صور إساءة استعمال السلطة :
    - أن يتوخى مصدر القرار هدفاً لا صلة له بالمصلحة العامة ، كأن يسعى إلى تحقيق غرض سياسي أو مذهبي أو بقصد الانتقام ، أو الدفاع عن مصالحه الخاصة .
    - قد يتخذ القرار لتحقيق مصلحة عامة لكن صورة هذه المصلحة ليست هي التي من أجلها زودت السلطة الإدارية بإمكانية إصدار القرارات ، ومثالها التقليدي أن تستخدم سلطات الضبط الإداري لأغراض غير وقائية النظام العام ولو كانت تلك الأغراض متعلقة بالصالح العام .
    - عندما تتخذ الإدارة قراراً يبدو في مظهره الخارجي انه قرار لا شائبة فيه من حيث المشروعية ، لكن الهدف الحقيقي وراءه إسقاط أحكام العدالة ، كما لو صدر مرسوم لائحي يعدل نظام الإدارات بهدف السماح باتخاذ إجراءات فردية مماثلة لقرارات حكم مجلس الدولة بإلغائها .
    الهوامش:
    (1) الطعن رقم 9 لسنة 1987 إداري جلسة 6-5-1987م ، موسوعة مبادئ القضاء الإداري التي أقرتها محكمة التمييز الكويتية في سبعة عشر عاماً 1982-1999 .
    (2) د. بكر القباني ، القانون الإداري الكويتي ، مطبوعات جامعة الكويت ، ص226 .
    (3) مجموعة المبادئ القانونية العامة التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في خمسة عشر عاماً 1965-1980 ، القضية رقم 930 لسنة 11 قضائية ، ص 2023 .
    (4) الطعن رقم 47/1990 تجاري جلسة 10-6-1990 ، موسوعة مبادئ القضاء الإداري التي أقرتها محكمة التمييز في 17 عاماً 1982-1999 ، ص483 .
    (5) حكم محكمة القضاء الإداري (جلسة 15-6-1984م - مجموعة مجلس الدولة - س2 ص451) . نقلاً ، حمدي ياسين عكاشة ، القرار الإداري ، ص44 .
    (6) حكم المحكمة العليا في 24 أبريل سنة 1965، س10 ، ص1132 ، نقلاً عن سليمان الطماوي ، القرارات الإدارية ، ص 194م
    (7) حكم المحكمة الإدارية العليا في 11 يونيه 1966 ، س11 ، ص696 ، نفس المرجع السابق والصفحة .
    (Cool حكم محكمة القضاء الإداري - جلسة 13-12-1954 - مجموعة المجلس س9 ص127 ، نقلاً عن حمدي عكاشة القرارات الإدارية ، ص46.
    (9) حكم محكمة القضاء الإداري - جلسة 24-1-1955 - مجموعة المجلس س 9 ص206 ، نفس المرجع السابق ونفس الصفحة .
    (10) فالين ، رقابة القضاء لأعمال الإدارة ، ص31 ، نقلاً عن المرجع السابق ، ص302 .
    (11) مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في خمسة عشر عاماً (1965-1980) ، حكم رقم 1365 السنة الثانية عشر بتاريخ 29-11-1969، ص 2044.
    (12) إبراهيم الفياض ، القانون الإداري ، ص320 .
    (13) فيدل القانون الإداري نقلاً عن عبدالغني بسيوني عبدالله ، القانون الإداري ، منشأة المعارف ص473 .
    (14) حكمها الصادر بجلسة 19 ديسمبر 1964 ، القضية رقم 1027 لسنة 17 القضائية ، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا السنة العاشرة 245 ، نقلاً عن المرجع السابق ، ص473 .
    (15) سليمان الطماوي ، القرارات الإدارية ، ص200.
    (16) المحكمة الإدارية العليا ، في حكمها رقم 40 لسنة 18 قضائية بتاريخ 29-6-1976، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة في خمسة عشر عاماً 1965- 1980 ، ص2064 .
    (17) طعن رقم 115/1988 إداري جلسة 4-12-1988 ، ص 250 ، موسوعة مبادئ القضاء الإداري التي أقررتها محكمة التمييز في 17 عاماً 1982-1999.
    (18) الحكم رقم 1586/11 بتاريخ 11-12-1965 ، ص1167 ، المجموعة السابقة .
    (19) الحكم 58/4 بتاريخ 12-7-1958 ، ص1169 ، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدراية العليا في عشر سنوات 1955-1965 .
    (20) حكم 598/11 بتاريخ 3-5-1969 ، ص 2051 ، مجموعة المبادئ القانونية التي قراراتها المحكمة الإدارية العليا في عشر سنوات (65-1980) ، وأنظر أيضاً نفس الحكم طعن رقم 233/77 تجاري جلسة 20-4-1998 ، ص354 ، موسوعة مبادئ القضاء الإداري التي أقرتها محكمة التمييز الكويتية في سبعة عشر عاماً (82-1999) .
    (21) محمود حافظ ، القضاء الإداري ، دار النهضة العربية ، 1993، ص648 .

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع. Empty رد: القرار الإداري من حيث التعريف والأركان والأنواع.

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يوليو 17, 2010 1:27 am

    ما هي دعوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة ؟

    تعتبر دعوى الإلغاء وسيلة من وسائل الرقابة القضائية على مشروعية القرارات الإدارية، تكمن الغاية منها في حماية حقوق وحريات الإنسان.

    وبالنسبة للموظف العمومي، يكون أحيانا معرضا لأن تلحق به أو بحياته الإدارية بعض الأضرار بسبب ما قد تصدره الإدارة في حقه من قرارات مشوبة بعدم المشروعية.

    فحماية له، وصيانة لحقوقه وحرياته من مثل تلك القرارات، أنشأ المشرع تظلما لإخضاع مقررات الإدارة وأعمالها للرقابة القضائية.

    وتتخذ الرقابة القضائية لأعمال الإدارة ومقرراتها صورتين :

    صورة المشروعية :

    وتعني مراقبة نشاط الإدارة وتصرفاتها من حيث مطابقتها القانون أم لا، وكلما تبين عدم المشروعية في عمل الإدارة إلا وحق التظلم منه والطعن فيه بالإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة.

    صورة المسؤولية :

    يقصد بها حق التعويض عن الأضرار الناجمة عن النشاط الإداري واللاحقة بالأفراد.

    صورة المسؤولية :

    شروط قبول دعوى الإلغاء :

    يمكن للموظف المتضرر من قرار إداري مقاضاة إدارته أمام المحاكم الإدارية أو الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى حسب الأحوال، ولكن لا تقبل دعواه إلا بتوفر عدد من الشروط حددها القانون فيما يلي :

    الشروط المتعلقة بالقرار المطعون فيه بالإلغاء.

    الشروط المتعلقة برافع الدعوى.

    الشروط المتعلقة بالآجال.

    أن يكون مضرا بمصلحة من مصالح الطاعن.

    أولا : الشروط المتعلقة بالقرار المطعون فيه بالإلغاء لا يمكن الطعن في القرارات التي مصدرها الإدارة إلا بتوافر شروط ثلاثة : أن يكون القرار إداريا.

    أن يكون القرار نهائيا.

    أن يكون مضرا بمصلحة من مصالح الطاعن.

    أن يكون القرار المطعون فيه قرارا إداريا :

    لكي يكون القرار قابلا للطعن بالإلغاء لابد أن يصدر فعلا عن سلطة إدارية، فالقرار الإداري هو عمل قانوني يصدر عن السلطة الإدارية بإداراتها المنفردة لإحداث أثر قانوني معين، ويتعين في الغالب أن تتوافر بعض الشروط في القرار الإداري، كأن يكون كتابيا ومؤرخا، وموقعا، لأن هذه العناصر تفيد، على التوالي، في حالة وقوع نزاع على التعرف على فحوى القرار وتاريخ إصداره، ومدى صلاحية الجهة المصدرة له.

    وقد يحدث أحيانا أن يكون القرار إداريا، لكنه غير قابل للطعن بالإلغاء بالنظر إلى كونه غير صادر عن سلطة إدارية، وذلك كالقرارات الملكية وأعمال السيادة، وأعمال السلطتين التشريعية والقضائية، وتدخل في هذا النطاق الأعمال المادية الصادرة عن الإدارة التي لا يكون القصد منها تحقيق آثار قانونية معينة، ومثال هذا الصنف عزل موظف صدر في حقه حكم بالسجن لارتكابه جريمة مخلة بالشرف.

    ولا تفوت الإشارة إلى أن قانون المحاكم الإدارية استبعد النزاعات المرتبطة بالعقود الخاصة بالإدارة، وترك اختصاص النظر فيها إلى المحاكم العادية.

    أن يكون القرار نهائيا :

    لا يجوز الطعن في القرار الإداري بالإلغاء إلا إذا اكتسب صفة نهائية، أي أصبح قابلا للتنفيذ دون أن توقفه سلطة إدارية أخرى يكون لها حق التعقيب عليه أو التصديق عليه ومثال ذلك، القرارات التأديبية الصادرة عن المجلس التأديبي فهي تعتبر مجرد مقترحات وليست قرارات نهائية لأنها تخضع إلى تصديق السلطة التي تملك حق التأديب، وبالتصديق عليها من طرف تلك السلطة تصبح قرارات إدارية نهائية يمكن أن تكون موضوعا للطعن بالإلغاء.

    أن يكون مضرا بمصلحة من مصالح الطاعن : لا يكون القرار الإداري محل أي طعن بالإلغاء ما لم ينشأ عن إصداره تأثير في المركز القانوني للموظف المعني بالأمر.

    أما القرارات التي لا ينشأ عنها أي تأثير في الوضع الإداري والقانوني للموظف، فلا تعتبر في مجال الطعن بالإلغاء.

    ومثالها قرار الإدارة بإحالة أحد الموظفين إلى الكشف الطبي.

    ثانيا : الشروط المتعلقة برافع الدعوى :

    والسؤال هنا : متى يكون الموظف المتضرر من قرار إداري أهلا لممارسة دعوى الإلغاء ؟

    القاعدة القانونية العامة هي أن التقاضي لا يصح إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة لإثبات حقوقه (الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية).

    الأهلية : لا يجوز رفع دعوى بالإلغاء إلا إذا توافرت شروط الأهلية، وتخضع الأهلية المدنية للشخص لقانون الأحوال الشخصية المغربي، وتحدد في 20 سنة، على أن يكون خاليا من عوارض الأهلية، أي أن يكون متمتعا بقواه العقلية ولم يثبت سفهه.

    المصلحة : وهي شرط لازم لقبول دعوى الإلغاء، فالقاعدة تقول : حيث لا مصلحة لا دعوى.

    ومن أمثالها : أن لكل موظف تتوافر فيه شروط التعيين في وظيفة معينة مصلحة الطعن في قرار التعيين.

    الصفة : إن رافع دعوى الإلغاء لا يكفي أن تتوافر فيه شرطا الأهلية والمصلحة في رفع هذه الدعوى فقط، وإنما يجب أن يجوز أيضا على الصفة، أي أن يدعي حقا أو مركزا قانونيا لنفسه، وإلا لم تقبل دعواه.

    ولذا ترفض دعوى إلغاء قرار إداري من موظف ليس مقصودا به، ولو كانت لهذا الموظف مصلحة في إلغائه.

    كما يمنع التقاضي باسم شخص الطاعن بدون وكالة منه.

    ثالثا : الشروط المتعلقة بالآجال : ميعاد رفع الدعوى :

    حدد المشرع مدة قانونية لرفع دعوى الإلغاء أمام المحاكم الإدارية أو المجلس الأعلى، يترتب عن عدم احترام حدودها لاكتساب القرار الإداري حصانة ضد الإلغاء وبالتالي سقوط حق الطاعن في الطعن..

    وبناء على الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية، والمادة 23 من قانون المحاكم الإدارية، فإن دعوى الإلغاء يمكنه رفعها أمام الجهة القضائية المختصة (الغرفة الإدارية أو المحكمة الإدارية) خلال ستين يوما من تاريخ نشر أو تبليغ القرار المطعون فيه، أو من تاريخ العلم اليقيني به كما سار على ذلك الاجتهاد القضائي.

    النشر :

    عموما يتم نشر القوانين بمختلف درجاتها في الجريدة الرسمية حيث تصبح سارية المفعول بمجرد نشرها، وفي غياب وجود نص عام يحدد كيفيات النشر ووسائله، يمكن أن يتم النشر بأية وسيلة من وسائل الإعلام المرئية أو السمعية أو المكتوبة أو غيرها مما يصح أن تصل به القرارات إلى علم الأفراد.

    ولابد من الإشارة إلى أن الاستعانة بهذه الوسائل في النشر لا يكون صحيحا إلا حيث لا يرد نص يوجب النشر في الجريدة الرسمية.

    ولا يحتج بالنشر إلا بالنسبة للقرارات التنظيمية، وقد قضت الغرفة الإدارية بأنه إذا كان القرار الإداري يعني عددا محدودا من الأفراد تعرف هويتهم فإن النشر لا يصلح للاحتجاج عليه ولابد من التبليغ.

    التبليغ : إذا كان الأمر يتعلق بقرارات فردية فإن ميعاد الطعن فيها يبدأ من تاريخ تبليغها إلى من يهمه الأمر.

    ولا يعتبر التبليغ بالبريد المضمون صحيحا إلا إذا كان مصحوبا بشهادة الإشعار، بالتسليم موقعا عليها من طرف المرسل إليه، وإلا اعتبر بالتبليغ لاغيا.

    العلم اليقيني : يبدأ سريان ميعاد الطعن بالإلغاء من تاريخ العلم اليقيني الذي يحصل في الحالة التي يكون فيها الموظف المعني بالأمر عالما بفحوى القرار المطلوب إلغاؤه، وتاريخ صدوره، وتعليله، فمثل هذا العلم اليقيني يقع على عاتق الإدارة.

    وقف الميعاد في حالة طلب المساعدة القضائية : يتوقف ميعاد رفع دعوى الإلغاء عن السريان بسبب طلب المساعدة القضائية، على أن يستأنف من جديد بعد توصل المعني بالأمر بالجواب على طلبه الذي يكون قد أودعه لدى كتابة الضبط بالمجلس الأعلى أو بالمحكمة الإدارية.

    قطع الميعاد في حالة التظلم الإداري : يجوز للطاعن أن يوجه إلى الإدارة تظلما تمهيديا لإعطائها الفرصة للتراجع عن قرارها، ويعرف هذا النوع من الطعن بالتظلم الإداري، وقد يأتي على صورتين : إما طعن استعطافي إن وجه إلى مصدر القرار، أو طعن رئاسي إن وجه إلى رئيس مصدر القرار.

    ويؤدي تقديم التظلم الإداري إلى قطع الميعاد المحدد لرفع دعوى الإلغاء، وبالتالي إسقاط المدة التي مضت من حساب ميعاد رفع الدعوى على أن يشرع في حساب ميعاد جديد كامل يبدأ من تاريخ توصل المعني بالأمر بقرار رفض التظلم الإداري صراحة أو ضمنا.

    رابعا-شروط عدم وجود دعوى موازية :

    يأخذ المشرع المغربي بفكرة الدعوى الموازية في الفصل 360 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه “لا يقبل طلب إلغاء الموجه ضد المقررات الإدارية إذا كان في استطاعة من يعنيهم الأمر المطالبة بحقوقهم لدى المحاكم العادية.

    واتجه القانون الجديد للمحاكم الإدارية في نفس المسار، حيث نص الفصل 23 منه على أنه “لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء قرارات إدارية إذا كان في وسع المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق بطريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل.

    فاستنادا إلى النصين السابقين، فإن دعوى الإلغاء لا تقبل إذا كان في إمكان الطاعن أن يرفع دعوى قضائية أمام المحاكم العادية يحقق من خلالها نفس المزايا التي يمكن أن يجنيها من دعوى الإلغاء.

    أسباب الطعن بالإلغاء :

    يكون القرار معيبا وقابلا للطعن بالإلغاء في خمس حالات أتى قانون المحاكم الإدارية رقم 90/41 على ذكرها في المادة 20 منه، وهي :

    عيب عدم الاختصاص.

    عيب الشكل.

    عيب الانحراف في استعمال السلطة.

    عيب السبب.

    عيب مخالفة القانون.

    عيب عدم الاختصاص :

    عندما يصدر القرار الإداري عن سلطة غير مختصة، أي لم يخول لها القانون حق إصداره، نقول إن القرار مشوب بعيب عدم الاختصاص.

    ويرتبط عيب عدم الاختصاص بالنظام العام، ومعنى ذلك أن قاضي الإلغاء يستطيع من تلقاء نفسه أن يتدخل لإثارة هذا العيب في أية مرحلة تكون عليها الدعوى ولو لم يثره رافع الدعوى كسب للإلغاء، كما ليس من حق الإدارة أن تخالف قواعد الاختصاص فتتنازل عنها لجهة أجنبية أو تلجأ لإصدار قرار إداري لا تملك سلطة إصداره.

    عيب الشكل والإجراءات :

    يتعين على الإدارة أن تراعي عند إصدار كل قرار إداري الأشكال والإجراءات التي حددها القانون في هذا المجال.

    والقاعدة العامة هي أن كل مخالفة من جانب الإدارة لقواعد الشكل والإجراءات يترتب عليها تعرض القرار المطعون فيه للإلغاء، ولكن لا يجب الأخذ بهذه القاعدة على إطلاقها، إذ لابد من التفرقة بين الشكليات الجوهرية والشكليات الثانوية، فالأولى فقط هي التي يترتب الإلغاء على مخالفتها.

    وهناك أحكام لإدارات عدة أصدرتها الغرفة الإدارية بالمغرب متعلقة بمخالفة صلح للشكليات التي يفرضها القانون منها : حالة توقيع عقوبة أشد من التي اقترحتها اللجنة المتساوية الأعضاء دون أخذ موافقة الوزير الأول.

    وحالة عدم استشارة المجلس التأديبي في اتخاذ العقوبة.

    وحالة عدم تمكين الموظف المقدم لمحاكمة تأديبية من الدفاع عن نفسه.

    عيب مخالفة القانون :

    يتعلق هذا العيب بمحل أو موضوع القرار، لذلك يعرف “بعيب المحل” ويقصد به عدم احترام القواعد القانونية بشكل عام، كأن يخالف محل القرار القواعد الدستورية أو القواعد التشريعية والتنظيمية.

    ومن حالاته ما يلي :

    حالة خروج الإدارة على حكم قررته قاعدة قانونية : ومثالها :

    إصدار الإدارة قرار يسري بأثر رجعي على أحد الموظفين، في حين أن القرارات الإدارية لا يمكن سريانها بأثر رجعي.

    حالة الخطأ القانوني في تفسير أو تطبيق القاعدة القانونية : ومثالها :

    إصدار الإدارة قرارا بإعفاء موظف بناء على مقترح للمجلس التأديبي رغم أنه لم يكن مشكلا بصفة قانونية، حيث لم يراع مبدأ التساوي والتكافؤ بين أعضائه.

    عيب الانحراف في استعمال السلطة :

    المفروض دائما أن تكون الغاية من اتخاذ قرار إداري هو خدمة المصلحة العامة لكن متى اتخذ القرار لأغراض لا تمت بصلة إلى ذلك اعتبر مشوبا بعيب الانحراف في استعمال السلطة.

    وغالبا ما تكون القرارات الإدارية المتسمة بهذا العيب صحيحة في الظاهر وسليمة في عناصرها الأخرى، بحيث يصعب حتى على القاضي نفسه استجلاء ما وراءها من خلفيات سيئة. ومن أمثلة هذه الحالة، أن تقوم الإدارة باتخاذ قرار بنقل أحد الموظفين لأجل مصلحة عامة، ثم تبين أن هذا القرار يستهدف تعيين موظف آخر في المنصب الذي أصبح شاغرا له علاقة قرابة بالمسؤول الإداري الذي اتخذ قرار النقل.

    عيب السبب :

    يجب أن ينبني كل قرار على سبب قانوني أو واقعي يبرر إصداره، فلا تتدخل الإدارة إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها، وإلا كان تصرفها متسما بعدم المشروعية وقابلا للإلغاء.

    أ- قيام حالة واقعية :

    إن عدم قيام حالة واقعية يستند إليها القرار الإداري، يجعل هذا الأخير معيبا في سببه، ومثال ذلك أن تصدر الإدارة قرارا بإحالة أحد موظفيها إلى التقاعد بناء على طلبه، ثم يتبين أنه لم يتقدم بهذا الطلب.

    ب- قيام حالة قانونية :

    يمكن أن تكون الحالة الواقعية قائمة وصحيحة وثابتة وقت إصدار القرار، ولكن العيب يكمن في الوصف القانوني للواقعة فتضفي عليها وصفا قانونيا لا ينطبق عليها ثم تؤسس قرارا بناء على ما وقعت فيه من خطأ في ذلك الوصف القانوني، مما يجعل قرارها معيبا من حيث السبب.

    ومثالها :

    أن تصدر الإدارة قرارا إداريا بقبول استقالة موظف عمومي فرضت عليه بالإكراه، فالإكراه في هذه الحالة سيؤثر على الوصف القانوني للواقعة باعتبار أن واقعة الاستقالة يشترط فيها الرضا.

    التقاضي أمام المحاكم الإدارية :

    يمكن للموظف أن يرفع دعوى الإلغاء أمام الغرفة الإدارية أو المحاكم الإدارية للمطالبة بإلغاء قرار إداري تتوفر فيه أحد الأسباب التي تثبت عدم مشروعيته كما ورد ذكرها فيما سبق.

    وقد أقيمت حاليا، وكمرحلة أولى قبل تعميم القضاء الإداري، سبع محاكم إدارية موزعة على الجهات التالية : الرباط، الدار البيضاء، مراكش، أكادير، فاس، مكناس، وجدة.

    أولا : اختصاص المحاكم الإدارية :

    الاختصاص النوعي :

    تنص المادة 8 من قانون المحاكم الإدارية على أن الاختصاص النوعي لهذه المحاكم هو البت في المنازعات الإدارية المتعلقة بما يلي :

    قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة.

    العقود الإدارية.

    التعويض عن الأضرار الناجمة عن أفعال وأعمال الدولة والمؤسسات التابعة لها.

    قضايا المعاشات ومنح الوفاة.

    نزع الملكية لأجل المنفعة العامة.

    قضايا الانتخابات.

    الضرائب والديون المستحقة للخزينة العامة.

    الوضعية الفردية للموظفين والأعوان.

    فحص شرعية القرارات الإدارية.

    وتنظر المحاكم الإدارية في المنازعات المذكورة كمحكمة من الدرجة الأولى، وتمثل الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى الدرجة الثانية في التقاضي، إضافة إلى البت ابتدائيا في طلبات إلغاء المقررات التنظيمية والفردية الصادرة عن الوزير الأول، وكذا القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية والتي يخرج مجال تطبيقها عن الاختصاص المكاني لمحكمة إدارية واحدة.

    الاختصاص المكاني :

    تطبق أمام المحاكم الإدارية قواعد الاختصاص المكاني الواردة في قانون المسطرة المدنية.

    واستثناء من ذلك، ترفع طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة إلى المحكمة الإدارية التي يوجد موطن طالب الإلغاء داخل دائرة اختصاصها أو التي صدر القرار بدائرة اختصاصها.

    وتتميز محكمة الرباط بكونها تختص وحدها في النظر في النزعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم، وأيضا النزاعات الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاص باقي المحاكم الإدارية.

    وطبقا لما سبق فإن الاختصاص في دعوى الإلغاء-التي تهمنا هنا- يكون لمحكمة موطن المدعي أو المحكمة التي صدر في دائرة اختصاصها القرار المطعون فيه.

    ويبقى التساؤل الآن عن المسطرة الواجب اتباعها أمام المحاكم الإدارية ؟

    ثانيا : المسطرة أمام المحاكم الإدارية :

    كيف يمكن للموظف المتضرر من قرار إداري رفع دعوى الإلغاء أمام المحكمة الإدارية ؟

    في حالة توصل المعني بالأمر بالقرار المتسم بأحد عيوب عدم المشروعية المومأ إليها فيما سبق، له الخيار في أن يرفع تظلما، أو أن يسلك طريق دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة مباشرة.

    أ- أ- الطعن الإداري : لا يعتبر التظلم الإداري من الشروط الواجبة التي يجب توافرها بقبول دعوى الإلغاء في المغرب، عكس بعض التشريعات التي جعلت الرجوع إليها واجبا.

    والتظلم الإداري هو الالتماس الذي يقدمه المعني بالأمر إلى الإدارة بهدف مراجعة قرارها الإداري الذي تضرر منه وذلك من أجل تصحيح أو تعديل أو سحب هذا القرار.

    ويرفع التظلم إلى الرئيس المباشر، فيسمى تظلما استعطافيا، أو إلى من يعلوه في المسؤولية ويسمى التظلم الرئاسي.

    ويقدم التظلم استعطافيا كان رئاسيا خلال المدة القانونية لذلك وهي الستون يوما الموالية لنشر القرار المطعون فيه أو تبليغه.

    وإذا توصل المعني بالأمر برفض التظلم الإداري صراحة أو ضمنا، يمكن له في هذه الحالة رفع طلب الإلغاء إلى المجلس الأعلى أو المحكمة الإدارية داخل أجل ستين يوما ابتداء من توصله بالرفض إياه.

    ب- ب- مسطرة الطعن القضائي :

    تعتمد المسطرة الكتابية في التقاضي أمام المحاكم الإدارية، ويقتضي ذلك تقديم مقال كتابي موقع من طرف أحد المحامين مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، ويحتوي على أسماء الأطراف وموطنهم الحقيقي، ويبين فيه بإيجاز الوقائع والوسائل وكذا المستندات بالإضافة إلى إرفاق نسخة من القرار المطعون فيه.

    ويودع المقال لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية المختصة مقابل تسليم صاحب الطلب نسخة من المقال المودع عليها خاتم كتابة الضبط وتاريخ الإيداع مع بيان الوثائق المرفقة.

    وتتألف هيئة الحكم أثناء انعقاد الجلسة من ثلاثة قضاة يساعدهم كاتب ضبط، ويحضر الجلسة المفوض الملكي للدفاع عن الحق الذي يكون بمثابة النائب العام في المحاكم الابتدائية.

    وبعد أن تكون الأطراف قد أدلت بمذكراتها الكتابية وتعقيباتها ومستنتجاتها، يعرض المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق آراءه المكتوبة والشفوية على هيئة الحكم بكامل الاستقلال سواء فيما يتعلق بظروف الوقائع أو القواعد المطبقة عليها.

    ويحق للأطراف أخذ نسخة من مستنتجات المفوض الملكي بقصد الإطلاع.

    وإذا أصبحت القضية جاهزة للحكم، بعد أن يستنفذ الأطراف كل وسائلهم ودفوعاتهم، أصدر أمرا بالتخلي عن الملف وحدد تاريخ الجلسة للبت في القضية، ولا يجوز بعد ذلك إضافة أية مستندات جديدة باستثناء طلب التنازل، كما يمكن إرجاع الملف إلى مكتب القاضي المقرر في حالة ظهور وقائع جديدة من شأنها أن تعطي وجها آخر للقضية، وبعد صدور الحكم يمكن للأطراف أن تطعن فيه أمام الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى التي تقوم مقام الاستئناف، ويتم هذا الطعن وفق المسطرة العادية المحددة في قانون المسطرة المدنية سواء في الشكل أو الآجال المطروحة.

    وهكذا، يقع الطعن بالاستئناف داخل أجل 30 يوما من تاريخ تبليغ الحكم، وتقدم العريضة من لدن محام، ليس بالضرورة أن يكون مقبولا لدى المجلس الأعلى، وتعفى العريضة من الرسوم القضائية.

    إشكالية تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية المتعلقة بدعوى الإلغاء غالبا ما يواجه الموظف الذي صدر حكم بإلغاء قرار إداري لصالحه بمشكلة أساسية تتمثل في امتناع الإدارة عن تنفيذ هذا الحكم.

    ويكمن وجه الصعوبة، في هذه المسألة، في كون القاضي لا يملك سلطة توجيه الأوامر إلى الإدارة لإلزامها بالقيام بعمل امتنعت عن القيام بعمل، كما ليس للقاضي القدرة على تعديل قرارات الإدارة المشوبة بعيب عدم المشروعية، كما ليس في إمكانه الحلول محل الإدارة لإصدار قرارات صحيحة ومشروعة محل القرارات المعيبة، فسلطة القاضي الإداري تنحصر عموما في الحكم بالإلغاء أو رفض الدعوى، ويبقى للإدارة وحدها على ضوء الحكم الصادر بالإلغاء أن تصحح أو تعدل أو تسحب القرار الإداري.

    وبعبارة أخرى فإن الإدارة -في مجال تنفيذ الحكم الصادر بإلغاء قراراتها الإدارية- مطالبة بالتزامين أساسيين، يتمثل أولهما في إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار المعني الملغي، والتزام ثان يتمثل في امتناعها عن القيام بأي عمل يعتبر تنفيذا للقرار الملغي.

    وغني عن البيان، القول بأن الامتناع عن تنفيذ أحكام الإلغاء الصادرة عن القضاء الإداري من طرف الإدارة يعد من الناحية القانونية إنكارا للعدالة، ويشكل عقبة أمام تطور دولة القانون، وضربة في الصميم لدعاوي الإلغاء التي بدونها لا يمكن الحديث عن حماية حقوق وحريات الموظف بشكل خاص والمواطنين بشكل عام.

    وعليه فإن إحداث المحاكم الإدارية رغم أهميته الكبيرة يبقى عملا ناقصا إذا لم تتم معالجة إشكالية الموقف السلبي للإدارة بامتناعها عن هذا التنفيذ.

    المصدر http://www.khayma.com/almoudaress/tachrie/mistarah.htm

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 5:29 pm