إطلالة علي القانون الدستوري
إعداد المستشار/ رضا فاروق الملاح
نائب رئيس مجلس الدولة
مفهوم القانون بوجه عام :
للقانون مدلولات عديدة ومتنوعة فقد يقصد بالقانون كل قاعدة مطردة مستقرة ، يفهم منها نتائج معينة وهذا هو المقصود العام للقانون ، وهو لفظ يستعمل في المجالات المختلفة ، العلمية والرياضية ، والإقتصادية ، والإجتماعية كأن يقال قانون (الطفو) أو قانون (الجاذيبية) أو قانون (العرض والطلب) …إلخ.
وقد يقصد بالقانون بمجموعة القواعد القانونية التي تصدرها السلطة التشريعية بقصد تنظيم مسألة معينة مثالها ، قانون الوظيفة العامة ، الذي يبين كيفية تعيين الموظف وترقيته ، وعزله وإحالته إلى التقاعد ، أو قانون تنظيم الجامعات أو المحاماة.
وقد يقصد بالقانون كذلك التدليل على فرع معين من فروع القانون ، فيقال على سبيل المثال القانون المدني ، أو القانون التجاري ، أو قانون تنظيم الجامعات ، أو المحاماة.
وقد يقصد بالقانون أخيراً وهو التعريف الشائع " بأنه مجموعة القواعد القانونية العامة والمجردة التي تنظم وتحكم سلوك الأفراد في المجتمع ، والتي يتعين عليهم الخضوع لها ولو جبراً إذا إقتضى الأمر ذلك.
وفي الواقع أننا لا يمكن إعتماد المدلول الأول للقانون ، على أساس أن هذا المدلول لا ينطبق إلا على الظواهر الطبيعية كما رأينا عند وضعه ، و الأمر كذلك ، بالنسبة للمدلول الثاني على أساس أن التشريع الذي تضعه السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة ليس إلا مصدر من مصادر القانون بإعتبار أن للقانون مصادر عديدة كما أن الشيئ لا يعرف بمصادره التي يستقي منها قواعده.
تعريف القانون الدستوري :
"هو مجموعة القواعد التي تحدد شكل الدولة ، وطبيعة نظام الحكم في الدولة ، وتبين السلطات العامة فيها وإختصاص كل منها وعلاقاتها مع بعضها البعض ، كما تبين حقوق الأفراد السياسية وما يجب لحرياتهم من ضمانات ".
ويعتبر القانون الدستوري في طليعة فروع القانون العام الداخلي فهو أساس كل تنظيم في الدولة ، حيث يضع الأسس التي تقوم عليها الدولة ، وعلى هذا فإنه لا يجوز مخالفة هذا القانون بقانون
آخر يصدر داخل الدولة ، لأن كل القوانين الأخرى أقل منه في المرتبة.
أهمية القانون الدستوري :
إذا كانت الدولة تهتم بالتوفيق بين الحرية والمصلحة العامة فإن مهمة القانون الدستوري هي تنظم التعايش السلمي بين السلطة والحرية في إطار الدولة وهذا لن يأتي إلا بالتوفيق بين فردية الإنسان وأنانيته التي تبين حقوق الفرد وحرياته وواجبات الدولة إتجاه الجماعة حتى أن الأستاذ (بريلو) يقول بأن القانون الدستوري أداة السلطة أو تقنية السلطة.
فالقانون الدستوري حسب وجهة نظره هو ظاهرة السلطة العامة في مظاهرها القانونية.
الهدف من القانون الدستوري :
المسائل التي ينظمها القانون الدستوري :
من التعريف السابق للقانون الدستوري ، يتبين أن المسائل التي ينظمها ويعتني في تحديد أحكامها هي :
أولاً : يبين نظام الدولة السياسي ، ملكية أم جمهورية ، ديمقراطية أم دكتاتورية ، نيابية أم غير نيابية ، بسيطة أم إتحادية ... إلخ.
ثانياً : يبين السلطات العامة في الدولة السلطة القضائية السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ويبين الهيئات التي تباشرها فالسلطة القضائية تقوم بها المحاكم على نطاق الجمهورية ، أما السلطة التشريعية فيقوم بها مجلس الشعب بصفة أساسية ومجلس الشوري بشكل ثانوي ، أما السلطة التنفيذية فيقوم بها رئيس الجمهورية ويعاونه في ذلك الوزراء ، كما يبين القانون الدستوري في هذا الخصوص علاقات السلطة العامة بعضها مع بعض ، ويبين ما إذا كانت هذه السلطات منفصلة عن بعضها أم أن لكل سلطة منها الحق بالتدخل في نشاط السلطتين الأخيرتين ، وحدود هذا التدخل.
ثالثاً : ويحدد القانون الدستوري حقوق الأفراد في الدولة ، كما يقرر الحريات التي يتمتع بها كل فرد، وترجع هذه الحقوق وهذه الحريات إلى حقين جوهريين الحرية والمساواة ، فالحرية تشمل الحرية في التملك ، الدين و العقيدة ، السكن ، والحرية الشخصية ، والتعليم ، أما المساواة فهي تتضمن المساواة في الحقوق والواجبات ، أي المساواة في ما تخوله الدولة من مزايا وتكاليف كالمساواة في تولي الوظائف العامة وواجب أداء الخدمة الوطنية أو أداء الضرائب.
أنواع الدساتير :
تنقسم الدساتير من حيث المصدر الذي تخرج منه إلى قسمين :
القسم الأول : عندما يكون الدستور منحة من الحاكم أو السلطات إلى شعبه ، ينزل فيه عن بعض سلطاته للشعب ، والقسم الثاني عندما يصدر الدستور عن الشعب ، أي يكون الشعب هو مصدر الدستور ، وهذا هو ما تم بالنسبة للدستور الجديد عندما طرح للإستفتاء على الدستور ، كما تنقسم إلى دساتير مرنة ودساتير غير مرنة وتسمى بالدساتير الجامدة ، والدساتير المرنة هي الدساتير التي يجوز تعديل أحكامها بقانون عادي ، ومثال ذلك الدستور الإنجليزي ، حيث يمكن تعديل أي حكم فيه بقانون عادي يصدره البرلمان، أما الدساتير الجامدة فهي التي لا يمكن تعديلها بقانون عادي ، وإنما لابد لتعديلها من إتخاذ إجراءات خاصة كأن يكون لرئيس الجمهورية أو البرلمان طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور.
وعلي ذلك يمكن إبراز أهم تقسيمات الدساتير إلي :
1- الدستور المدون : وهو أن تكون القواعد القانونية مجمعة ومدونة في وثيقة أو أكثر من طرف السلطة المختصة وفقاً للإجراءات التي تعتمدها.
2- الدستور غير المدون (العرفي) : هو عبارة عن سلوكيات تتعلق بالسلطة وممارستها وكل ما يلحق بذلك من أعراف وتقاليد ومبادئ عامة أو قيم أخلاقية تتبلور تدريجياً عبر الزمن حتى تصبح مشكلة لدستور عرفي.
3- الدستور المرن : هو الذي يتم تعديله بصورة عادية مثله مثل غيره من القوانين دون إتباع إجراءات معقدة.
4- الدستور الجامد : هو الذي لا يمكن تعديله إلا بإتباع جملة من الشروط وأن لا يتعدى جملة من المبادئ والقيم العامة في الدولة مثل اللغة والدين والمعتقد.
5- دستور القانون : وهو المتواجد في غالبية الدول الليبرالية إذ يكتفي فقط بتحديد المبادئ القانونية العامة في الدولة دون تطرقه إلى طبيعة النظام الإقتصادي المتبع.
6- دستور برنامج : وهو الذي يتم من خلاله تحديد النهج الإقتصادي الذي تسير عليه الدولة.
المعاني المختلفة للدستور :
يتفق أغلب الفقه على أن القانون هو ذلك الموضوع الذي ينظم العلاقات الإجتماعية بين الأفراد من أجل ضمان العدالة بينهم ، ومن المعروف أن القانون ينقسم إلى قسمين : القانون الخاص والقانون العام أو العمومي ، فالقانون الخاص ينظم العلاقات الخاصة بين الأفراد كعلاقات البائع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر، أما القانون العام فهو الذي ينظم العلاقات التي يمكن أن تقوم بين أحد الأشخاص المعنوية العمومية وأحد الأشخاص الخاصة الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية العمومية (شخص واحد أو أكثر) ، ومن الأمثلة على هذه التصرفات قيام الدولة بنزع ملكية شخص من أجل تحقيق منفعة عامة أو تعاقدها مع مقاول للقيام بأشغال لصالحها ، أو توريد أشياء لها مقابل مبلغ معين ، أو نقل ملكية من شخص إلى آخر كما هو الشأن بالنسبة لنقل طريق مملوك للولاية أو البلدية إلى الدولة أو العكس.
ومن بين فروع القانون العام الدستوري الذي يحدد شكل النظام السياسي للدولة والذي يجد أهم قواعده في الدستور الذي يحمل معاني مختلفة لغوية وسياسية وقانونية.
1-المعنى اللغوي :
نعتقد مع جميع الفقهاء العرب أن عبارة " دستور" ليست عربية وأن معناها هو القانون الأساسي ، غير أن هذا الإصطلاح العربي أختلف بشأنه ، فنجد بعض الدول قد إستعملته للدلالة على معنى الدستور كالعراق مثلاً في دستور 1925م وإيران في دستور 1979م ، في حين أن البعض الآخر يستعمله للدلالة على قوانين لا تصل إلى مرتبة الدستور، ولكنها تعد أساسية بإعتبارها تتضمن مبادئ عامة تتناولها بالشرح أو التفسير قوانين أخرى ومثل ذلك القوانين الأساسية في الجزائر (القانون الأساسي العام للعامل مثلاً).
والحقيقة أن مصطلح الدستور الآن في معظم الدول العربية يقابله بالفرنسي والإنجليزي مصطلح Constituion
الذي يعني التأسيس أي النظام أو القانون الأساسي ونتيجة لهذا الإختلاف يفضل استعمال إصطلاح الدستور لما يحمله من معاني السمو ومظاهر الإحترام.
فالدستور لغة هو اذن مجموعة القواعد الأساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة ، ولا يشترط فيه أن يكون مكتوباً أو عرفياً ، لذلك فإن الدستور بهذا المعنى يوجد في كل جماعة ، من الأسرة حتى الدولة ، وأن هذا المعنى الواسع غير محدد وغير دقيق لكونه يحتوي على معاني يمكن أن تنصرف إلى كل تنظيم يمس أية مجموعة بشرية ، في حين أن المعنى الحقيقي للدستور هو الوثيقة المنظمة للدولة وشؤون الحكم.
2-المعنى السياسي والمذهب الدستوري :
لقد تضمن إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789م شروطاً معينة يجب توافرها في الدستور وتتمثل في تضمينه لحقوق الإنسان وحرياته وضمانات ممارستها إلى جانب ضرورة الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات حتى لا تتداخل إختصاصاتها وتقضي على السلطة المطلقة وذلك تأثراً بالمذهب الدستوري الداعي إلى إقرار التوفيق ين السلطة والحرية.
ويقصد بالمذهب الدستوري تلك الحركة التي ظهرت في عصر النهضة الأوربية وحلت محل الأعراف السائدة آنذاك غير الواضحة والتي تركت مجالاً واسعاً للملك لممارسة السلطة التقديرية ، فظهرت الدساتير المكتوبة للحد من إطلاق السلطة وإستبدادية الملوك ، ولذلك طالب الأحرار بتحديد أنماط إسناد ممارسة السلطة السياسية بموجب نص واضح دفعاً لأي إطلاقاً للسلطة ، ومن ثم فالدستور في مفهومه الشكلي يتعارض مع التعسف ، لأنه يحدد دولة القانون التي يمكن أن يكون الكل سواء ومطابق للقواعد التي يضعها ذلك الدستور.
والمعلوم أن المذهب الدستوري يجد مصدره في فكرة العقد المعارضة لإطلاق السلطة والتي ظهرت بوادر لها في القرن 16 وسيطرت في القرن 18 والتي دفعت إلى إنشاء المجتمع المدني في قالب عقد بين مختلف الأطراف بعيداً عن تأثير العوامل الدينية ، وإعتبر الدستور شكلاً قيداً على السلطة المطلقة للملوك ، وبالتطور أصبح لأغلب الدول دستور في مفهومه الشكلي إلا أن الممارسة السياسية لم تكن في كل الأحوال متماشية مع الدستور وهو ما تسبب في إختلال بين النصوص الدستورية والممارسات السياسية، وإن كان هذا الإختلال ليس من ذات الطبيعة الواحدة والدرجة والأثر في كل الأنظمة.
ومن هنا فإن أي نظام لاسيما إذا كان رسمياً ، مثلما هو في الدستور، كان دائماً له معنى إجتماعي لكونه تعبيراً عن علاقات قوى موجودة ضمن نظام سياسي في مرحلة معينة ، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت كل قاعدة دستورية تحمل في طياتها فكرتها المضادة بالمفهوم التناقضي أو الماركسي ، ذلك أنه وإن كانت الحرية مقررة دستورياً إلا أنها عملياً صعبة التحقيق وسهلة التقييد وحتى الإلغاء الوقتي لا سيما من حيث تنظيمها قانوناً ، وعليه فإن التفسير التناقضي السالف الذكر يعني رفض النظرة المنسجمة للمذهب الدستوري.
والمؤكد أن الطبقة البورجوازية استعملت المذهب الدستوري لتقييد السلطة المطلقة وإعتبرت نفسها المعبر عن رأي واردة الشعب في مواجهة تلك السلطة ، وهي الفكرة التي تبنتها طبقات مختلفة كالمجاهدين ، والجيش والبورجوازية في الدول النامية حيث إعتبرت نفسها هي الشعب والمعبر الحقيقي الوحيد عن الشعب ودفع بها ذلك الموقف إلى إعتبار أن كل ما يخالف وجهة نظرها ومصلحتها ولو كان ذلك وارداً من الشعب يعتبر مرفوضاً يجب محاربته ورفضه ، وهو ما يطرح تساؤلاً في هذه الأنظمة حول ما إذا كان الدستور في النهاية هو أداة للدعاية داخلياً وخارجياً للنظام عما هو قائم ، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن يصبح الدستور يحمل معنى شعارياً أكثر من كونه ذو معنى إجتماعي سياسي ، ومهما يكن من رأي حول المذهب الدستوري ونتائج الأخذ به فإن المعنى السياسي للدستور رسمياً ونظرياً يقصد به تلك الوثيقة التي تتناول كيفية تنظيم السلطة السياسية في الدولة على أساس الفصل بين السلطات ، وتتضمن حقوق وحريات الأفراد وضمانات ممارستها بإعتبارها قيوداً على سلطة الحكام عليهم إحترامها وعدم الإعتداء عليها.
المعنى القانوني :
من المعروف أن الأفراد في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات فيما بينهم ، وكذلك الحال بالنسبة للدولة ، فهي في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم شؤونها وعلاقتها ، وأن الحكام عندما يمارسون وظائفهم وإختصاصاتهم لايفعلون ذلك بإعتبارهم يمارسون حقوقاً أو إمتيازات شخصية ، وإنما إختصاصات أو وظائف منظمة ومحددة بقواعد دستورية تستمد منها القواعد القانونية الأخرى وجودها وشرعيتها.
ومن المعلوم أن للدستور مفهومين أحدهما شكلي والأخر موضوعي :
المفهوم الشكلي : ويقصد بالمفهوم الشكلي مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية ، وعليه فإن المفهوم الشكلي ينحصر فيما هو وارد من أحكام في الوثيقة الدستورية ، الموضوعة من طرف جهة مختصة دون أن يمد إلى غير ذلك من القواعد.
والذي لاشك فيه أن الإعتماد على هذا المفهوم لايتماشى والواقع لأن في ذلك إنكار لوجود دساتير عرفية كدستور إنجلترا ، فضلاً عن الدساتير تتضمن بعض القواعد التي لا صلة لها بالتنظيم السياسي مثل النص في الدستور الجزائري على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية ، ونص الدستور الفرنسي لسنة 1848م على إلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية ، والغرض من ذلك هو كفالة ثباتها وإستقرارها أكثر بالمقارنة مع القوانين العادية فتصبح بعيدة عن التأثيرات السياسية.
وبالمقابل فإن هناك قواعد دستورية بطبيعتها لاتتضمنها الوثيقة الدستورية مثل قوانين الإنتخابات وقوانين تشكيل وتنظيم البرلمان ونظمها الداخلية ، والأخذ بالمفهوم الشكلي يعني إبعادها من الدستور خلافاً للواقع.
أما المفهوم الموضوعي : يقصد به مجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات وإختصاصاتها ، وكذلك القواعد التي تبين حقوق الأفراد وحرياتهم وضماناتها دون نظر إلى ما إذا كانت مدرجة ضمن الوثيقة الدستورية أو وثيقة قانونية أخرى مهما كان مصدرها وتدريجها في الهرم القانوني أو كانت عرفية.
ونتيجة لإختلاف المفهومين فإن الفقهاء إختلفوا حول المعيار الذي يمكن الإعتماد عليه بشأن تعريف الدستور.
فمنهم من إعتمد المعيار الشكلي بحيث يسند على الوثيقة الدستورية ، أي النصوص المدونة فيها والهيئة والإجراءات التي إتبعت في وضعها والمصادق عليها ، ومنهم من إستند على المعيار الموضوعي الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور، وعليه يعرف أنصار المعيار الشكلي الدستور بأنه مجموعة القواعد التي تضعها هيئة خاصة وتتبع في ذلك إجراءات خاصة تختلف عادة عن إجراءات وضع القوانين العادية ، أما أنصار المعيار الموضوعي فيعرفون الدستور بأنه مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبين سلطتها العامة وعلاقتها ببعضها وعلاقة الأفراد بها ، كما تقرر حقوق الفرد وحرياته المختلفة وضمانتها. أما المدرسة الإشتراكية فتعرفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تثبت وفقاً لمصالح النظام الإجتماعي والسياسي في الدولة ، وكذلك مبادئ تنظيم هيئات السلطة ونشاطها وأسس الوضع القانوني للأفراد في الدولة الإشتراكية.
وقد رجح معظم الفقهاء التعريف الموضوعي عن التعريف الشكلي لما له من إحاطة أكبر بالموضوع نظراً لأن المعيار الشكلي يعاب عليه كونه لا يشمل بعض الموضوعات ذات الصفة الدستورية ، وغير المدونة مثلما ذكرنا آنفا.
فضلاً عن أن إستناده على الدستور ونصوصه يجعلنا عاجزين على إيراد تعريف الدستور في الدول التي ليس لها دساتير مكتوبة ، وأخيراً فإن التعريف الذي يستند على المعيار الشكلي لا يمكن الأخذ به في جميع الدول نظراً لاختلاف دساتيرها ، وبالتالي فإن التعريف لا يكون واحد بل متعدداً.
التفرقة بين القانون الدستوري وبعض الإصطلاحات الأخرى :
بجانب إصطلاح القانون الدستوري مصطلحات أخرى تشبهه، وهي قريبة منه لكنها ليس لها ذات المعنى ، ونقصد بذلك الدستور والنظام الدستوري ، ونظراً للتشابه اللغوي والإختلاف في المعنى بين هذه الإصطلاحات والقانون الدستوري ، يتوجب علينا التميز بين مفاهيم هذه التسميات.
1-فالدستور بمفهومه الموضوعي موجود في كل الدول ولو أنه شكلاً غير موجود في بعضها ، لأنه لا يتصور قيام مجتمع سياسي دون دستور.
وفضلاً عن ذلك فإن المفهوم الشكلي للدستور يجعل منه مصدراً من بين مصادر القانون الدستوري ، وإن كان هو الذي يحتل المرتبة الأولى.
2-أما النظام الدستوري فيقصد به ذلك النظام الحر أي الحكومة الدستورية في الدولة، ولكي تكون كذلك يشترط الفقه الفرنسي لإضفاء صفة النظام السياسي على دولة معينة وإعتباره نظاما دستورياً أن تكون الحكومة خاضعة لقواعد قانونية دستورية أعلى منها ، لا يجوز لها التحلل منها والخروج عنها ،وإنما عليها التقيد والإلتزام بما هو وارد فيها من قيود وفصل بين السلطات تكون الغلبة في هذا النظام للبرلمان المنتخب من طرف الشعب.
ومن هنا فإن الحكومة الإستبدادية والمطلقة والحكومة الفعلية تتنافى وفقاً لهذا الرأي مع قيام النظام السياسي لإنتقاء الشروط السابق ذكرها فيها ، والحقيقة أن هذا الرأي لم يعد مقبولاً في عصرنا الحاضر لكونه يتنافى مع المفهوم الحديث للدستور الذي يقصد به الوثيقة المتضمنة نظام الحكم في الدولة دون نظر إلى أساس هذا النظام وشكله ، كما أن التعريف الشائع للقانون الدستوري بإعتباره القواعد الخاصة بنظام الحكم لم يعد يهتم بشكل النظام ولا أساسه أيضاً.
نخلص مما سبق إلى أن القانون الدستوري أوسع من النظام الدستوري وبالتالي فإن إنعدام هذا الأخير في الدولة إذا أخذناه بمفهومه السابق لا يحول دون وجود القانون الدستوري.
علاقة القانون الدستوري بالقوانين الأخرى :
يمكن القول باختصار شديد أن العلاقة بين القانون الدستوري وفروع القانون العام الأخرى تتمثل في الآتي :
لعل أهم القوانين إتصالاً بالقانون الدستوري هو القانون الإداري لما لهما من علاقة وطيدة ، ومع ذلك فالقانون الدستوري أسمى من القانون الإداري من جهة ، حيث يقرر القواعد والمبادئ الأساسية لكل فروع القانون العام بما فيها القانون الإداري الذي يقتصر دوره على وضع هذه المبادئ والقواعد موضوع التنفيذ ، ومن جهة ثانية فالقانون الدستوري يتناول نشاط الدولة السياسي ، في حين أن القانون الإداري يهتم بتحديد النشاط الإداري في الدولة.
وإذا كان القانون الدستوري ينظم السلطات العامة في الدولة ويحدد الحقوق والحريات العامة للأفراد وضمانات حمايتها ، فإن القانون الإداري لا يهتم إلا بالوظيفة الإدارية للسلطة التنفيذية ، معتمداً في ذلك على مبادئ وقواعد الدستور.
وفيما يخص علاقة الدستور بعلم المالية ، فإنها أيضاً متينة بين الإثنين ، ولذلك فإن علم المالية يهتم بالتشريع المالي بقصد تنظيم وإدارة أملاك الدولة ، وإن كان البعض لا يسلم بإستقلالية هذا العلم والقانون لإحتوائه على مجالين الأول خاص بوضع التشريع المالي أي الميزانية وهو مجال يدخل في ميدان التشريع ، أما المجال الثاني فهو صرف هذه الأموال أو تحصيل الضرائب والرسوم وهو عمل إداري ، وبالتالي فلا وجود لقانون مالي منفصل عن التشريع أو القانون الإداري.
وللقانون الدستوري علاقة بالقانون الجنائي ، الذي هو الآخر يستمد ويستلهم أحكامه من القواعد والمبادئ الدستورية ، وغايته هي حماية نظام الحكم ككل من الإعتداء عليه من قبل الأفراد أو الحكام، فيحدد الجرائم والعقوبات المقابلة لها، ولا أدل على ذلك من نص الدساتير على العديد من القواعد العامة التي يتناولها القانون الجنائي بالتفاصيل مثل قاعدة عدم جواز القبض على الأشخاص إلا طبقاً لأحكام القوانين وحق الدفاع.
وهناك أيضاً علاقة بين القانون الدستوري والقانون الدولي العام ، نظراً لأن الأول هو الذي ينظم كيفية إبرام المعاهدات وإجراءات التمثيل في الخارج ، كما يبين مدى أخذه بمبادئ أحكام القانون الدولي كميثاق الأمم المتحدة ، ولا أدل على تلك العلاقة من ضمين الدساتير الحديثة أحكاماً تتعلق بمدى القوة القانونية للمعاهدات الدولية التي تبرمها الدول فيما بينها ، وإحترام الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها وإحترام حقوق الإنسان.
طبيعة قواعد القانون الدستوري :
إختلف الفقه بشأن مدى إلزامية القواعد الدستورية ، وإنقسم إلى إتجاهين الأول إنجليزي بزعامة أستن والثاني فرنسي بزعامة ديجي.
1-المدرسة الإنجليزية : تعتمد هذه المدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعد القانونية وإلزاميتها على مدى توافر عنصر الجزاء المتبدي في الإكراه المادي تضمن السلطة العامة توقيعه بما لها
من وسائل.
ومن هنا يقول زعيم هذه النظرية الفقيه أستن أن قواعد القانون الدستوري لا تعدو أن تكون مجرد قواعد آداب مرعية تحميها جزاءات أدبية بحتة ، ذلك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة دستورية يوصف عمله بأنه غير دستوري لكنه لا يكون مخالفاً لقاعدة بالمعنى الصحيح ، مما يستتبع عدم وصفه بأنه غير قانوني.
تقدير الرأي: إذا كانت هذه المدرسة قد إعتمدت في التمييز بين قواعد القانون الدستوري والقانون الدولي من جهة القانون العادي من جهة أخرى على الحاكم الذي يضفي على الأخير الصفة الإلزامية بتوقيع الجزاء على مخالفيه لما يملك من وسائل وهي المنعدمة في القانون الدستوري والقانون الدولي ، فإن الذي غاب على أنصار هذه المدرسة هو أن بعض القواعد القانونية العادية لا نجد لها جزاءاً مادياً يترتب على عدم إحترامها لكونها مفسرة أو أنها مجيزة لتصرف أو تصرفات معينة ، مثل حق المالك في الإيصاء بأمواله ، كما أن هذه المدرسة لا تعير أي إهتمام للقواعد الدينية بإعتبارها أساساً أو جزءاً لا يتجزأ من القواعد القانونية لبعض الدول كالدول الإسلامية.
2-المدرسة الفرنسية : ترى هذه المدرسة بأنه ينبغي الاعتداد بالجزء المعنوي ، لأن كل قاعدة على حد قول زعيم المدرسة ديجي تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الإجتماعي.
، وبهذا فإن كل قاعدة لها جزاءها وان كان الإختلاف بين القواعد القانونية يبدو واضحاً من حيث ذلك الجزاء الذي يبدأ من المعنوي المتمثل في رد الفعل الإجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العامة في الدولة ، وعليه فإن أصحاب وأنصار هذه المدرسة يقرون بأن قواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح.
تقدير هذا الرأي : بالنظر إلى ما وصلت إليه الأنظمة القانونية الحديثة وتطور الحكم الديمقراطي يمكن القول بأن القواعد القانونية الدستورية ينبغي أن تحترم من قبل ممارسي السلطة إذا أريد لهم أن يحترموا من قبل الشعب صاحب السيادة ، فهذه القواعد تحدد كيفيات ممارسة السلطة من قبل مؤسسات الدولة والتي يحق لكل منها إعتماداً على ما ورد في الدستور ، أن توقف غيرها عند حدود إختصاصاتها و سلطاتها مما يعد جزاءاً يترتب على كل تجاوز للإختصاص والسلطات ، بل و قد يمتد عدم إحترامها إلى حد تدخل الشعب لإجبار مؤسسة أو مؤسسات على إحترام أحكام الدستور ، و ذلك إما بردعها بالوسائل المختلفة كالضغوط والمظاهرات أو التجمهر وإجبارها على القيام بتصرف معين أو الإمتناع عنه بما يثبت تراجعها والإعتراف بخطئها ، بل وقد يصل ذلك إلى حد الإطاحة بها مثلما لاحظنا في مصر سنة 1952م وليبيا سنة 1969م وإيران سنة 1979م وما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس السابق نكسون لدليل على دور الشعب في فرض إحترام أحكام الدستور، فقد إستقال في عام 1974م نتيجة قيامه بأفعال مخالفة لأحكام الدستور ، وعرفت باسم فضيحة واترجايت ، كما يتجلي ذلك مؤخراً في ثورة 25ينايرالمجيدة بمصرنا الغالية.
مصادر القانون الدستوري :
تعتبر المصادر ذات أهمية بالغة في النظرية العامة للقانون لأنها منبع القواعد القانونية فالمقصود بالمصدر لغة هو المكان الذي ظهر فيه الشيء بعد أن كان خفياً ، أما في موضوعنا فإن المقصود بالمصدر له عدة معان ما يهمنا منها هو المصدر الرسمي الذي يضفي على القاعدة القانونية الصفة الإلزامية والمصدر الموضوعي (أو المادي أو الحقيقي) الذي تستمد القاعدة القانونية منه مضمون خطابها أو موضوعها.
والقول بهذا يعني أن المصدر الرسمي يأتي دائماً بعد المصدر الموضوعي أو المادي ، لأن القاعدة لا تكتسب الصفة الإلزامية إلا إذا مرت بمراحل معينة تختلف بإختلاف المجتمعات وتأثير العوامل عليها.
والمتفق عليه كما سبق أن رأينا أن سلوك الأفراد يتطور بتطور المجتمع ، فقد يتحول إلى عرف ثم يتحول إلى قاعدة مكتوبة بظهور الدولة.
وإذا كانت الأعراف هي السائدة في الماضي كقواعد تحكم العلاقات بين الأفراد فإن تدخل الدولة قد كان عاملاً مؤثراً في الإكثار من سن القوانين لتنظيم أمور المجتمع السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، مما إستتبع تراجع العرف إلى المرتبة الثانية وإحتلال التشريع للمرتبة الأولى كمصدر أول للقوانين وسوف لن نخوض في التفاصيل ونقتصر على التعرض لأهم المصادر المتمثلة في التشريع والقضاء والعرف والفقه.
1-التشريع : يقصد به النصوص القانونية المدونة والصادرة عن هيئة خاصة وفقاً لإجراءات معينة وعادة ما تسمى هذه السلطة بالسلطة أو المؤسسة التشريعية على أن القواعد التشريعية هي الأخرى تخضع لمبدأ التدرج إذا كنا بصدد دستور جامد، ذلك أن تعديله يخضع لإجراءات خاصة تختلف عن تعديل التشريع العادي مما يضفي على التعديل الأول صبغة قانونية أسمى من التعديل الثاني وعليه فإن التشريع العادي يضع للتشريع غير العادي، وقد إزدادت أهمية التشريع كمصدر للقوانين نتيجة لتزايد تدخل الدولة وتعقيد نشاطها بالتالي وزيادة إرتباطها بالأفراد والجماعات والدول.
2- العــرف :
يقصد بالعرف " إتباع الناس سلوكاً معيناً في موضوع معين بصفة مطردة ولمدة طويلة يجعل الناس يشعرون بقوته الإلزامية كالقانون المكتوب ".
ويتضح مما سبق أن هناك ركنان للعرف: مادي ومعنوي ،فالركن المادي يفيد إتباع الأفراد سلوكاً معيناً في تصرفاتهم بصفة مطردة ، أما الركن المعنوي فيعني استقرار الإحساس في ضمير الجماعة بأن ذلك السلوك أصبح ملزما لهم ، فبغير الإعتقاد بإلزاميته لا نكون بصدد عرف بمعناه القانوني ويشترط في العرف أن يكون عاماً وقديماً وثابتاً ، وأن لا يكون مخالفاً للقوانين والآداب العامة ، وإذا كان العرف هو ما سبق ذكره بإختصار، فإن الفقه إختلف بشأن مدى إلزاميته فقد ذهب أنصار المذهب الشكلي المتطرفين ومن بينهم الفقيهان الإنجليزي والفرنسي كارى ومالبرغ إلى أن العرف لا قيمة له إلا أقره التشريع أو القضاء، أما المعتدلون من هذا المذهب مثل ديجي فيعترفون له بالصفة الإلزامية ، وبالنسبة للمذهب الموضوعي فيرى أنصاره وعلى رأسهم ديحي وجوي بأن القانون ما هو إلا تعبيراً عن ضمير الجماعة الذي يمثله العرف ، ولذلك يقولون بأنه مصدر رسمي للقانون.
وبعد أن عرفنا قيمة العرف كمصدر للقانون نبحث الآن دوره في العرف الدستوري ، لقد تأثر فقهاء القانون الدستوري بفقه القانون الخاص بشأن أركان العرف ، فالركن المادي يتمثل في وجود قاعدة مستقرة ومطردة التطبيق من قبل السلطات العامة في الدولة ، وهذا يعني الثبات وتوافر مدة معقولة ، غير أن الحقائق تثبت أن المدة لا يمكن تحديدها نظراً لظهور أعراف دستورية في مدة قصيرة مثل بعض سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء في فرنسا التي نظمت بمقتضى عرف نشأ بعد الحرب العالمية الأولى في حين أن مسؤولية الوزارة في إنجلترا تقررت بعرف يعود إلى القرن الثامن عشر.
أما الركن المعنوي فيشترط فيه صفة الإلزام التي يردها البعض إلى الإرادة المفروضة للمشرع بينما يردها البعض الآخر إلى إرادة الجماعة المتمثلة في السلطات والأفراد.
والعرف إما يكون مفسراً أو مكملاً أو معدلاً.
أ-العرف المفسر: هو الذي يهدف إلى تفسير نص من نصوص الدستور، فدوره هنا ليس إنشاء أو تعديل قاعدة دستورية ، وإنما يبين كيفية تطبيق قاعدة معينة غامضة إلا أن هذا التفسير يصبح جزءاً من الدستور فيكتسب صفة الإلزام.
ومن الأمثلة على ذلك جريان العرف أن لرئيس الجمهورية الفرنسية طبقاً لدستور 1875م أن يصدر اللوائح إستناد إلى المادة التي تنص على أن رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين.
ب-العرف المكمل : هو الذي ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور حيث يسد الفراغ الموجود في الدستور، ونظراً لكونه كذلك فإنه يختلف عن العرف المفسرفي كونه لا يستند على نص دستوري في ظهوره ، ومثل ذلك نشوء قاعدة في فرنسا تمنع من إبرام عقد قرض عمومي إلا إذا صدر قانون يأذن بذلك ، إذا كان القانون والدستور الصادران في 1815م ينصان على تلك القاعدة فإن الدساتير التي تلتها لم تنص عليها إنطلاقاً ومع ذلك إستمر تطبيقها لإستقرارها عرفياً فغدت بذلك عرفا دستوريا مكملا ونص دستور 1875م على أن الإنتخاب يتم على أساس الإقتراع العام دون أوضاع هذا الإنتخاب فكمله العرف بأن جعله على درجة واحدة.
ج-العرف المعدل : يراد به تلك القواعد العرفية التي تغير بأحكام الدستور إضافة أو حذفاً ومن أمثلة العرف المعدل في شكل إضافة ما جرى به العمل في الإتحادات الفيدرالية من زيادة في سلطات الحكومات المركزية على حساب السلطات المحلية ، وأن يتولى الرئاسة في لبنان ماروني والوزارة سني والبرلمان شيعي رغم أن الدستور لا ينص على طائفية في لبنان فجاء العرف بها مكملاً الدستور.
أما العرف المعدل في صورة حذف فمثله إمتناع رئيس الجمهورية من حل مجلس النواب في ظل دستور 1875م الذي يمنح له ذلك الحق ولم يستعمل إلا من طرف الرئيس ماكماهون سنة 1877م ثم لم يمارس ذلك الحق حتى سنة 1940م عندما إحتلت ألمانيا فرنسا فنتج عنه أن نشأة قاعدة عرفية ألغت أو حذفت نصاً دستورياً ، والسبب في ذلك يعود إلى أن ماكماهون عندما لجأ إلى حل مجلس النواب كان هدفه الحصول على تغيير في الأغلبية إلا أن الإنتخابات أدت إلى عودة الأغلبية السابقة وهي الجمهوريون فصرح بعد ذلك خلفه أنه سينصاع إلى إدارة الأمة وأنه لن يلجأ إلى حل البرلمان بعد ذلك وتبعه في ذلك سلفه مما أدى إلى نشوء ذلك العرف المعدل حذفاً في النص الدستوري ، وكذلك حدث في سنة 1962م - 1969م في نفس البلد عندما قدم رئيس الجمهورية مباشرة مشروعين لتعديل الدستور دون عرضهما على المجلسين لتصويت المسبق مع أن هناك نصوص صريحة خاصة بكيفية تعديل الدستور.
والحقيقة أن هذا النوع من العرف موجود ومطبق ، وإنكار الصفة الدستورية عنه من جهة والإعتراف به من جهة ثانية ليس له ما يبرره وهو يتناقض والمنطق والواقع.
3- القضاء : هو تلك المجموعة من الأحكام التي أصدرتها المحاكم بشأن تطبيق القانون على ما يعرض عليها من منازعات ، وتنقسم أحكام القضاء إلى قسمين :
القسم الأول : وهو الذي لا يخرج عن كونه تطبيقاً للقانون ويسمى بالأحكام العادية.
القسم الثاني : وهو الذي يتضمن مبادئ لم يتعرض لها القانون أو تضع حداً لخلاف في القانون وتسمى الأحكام الأساسية.
وإذا قلنا بأن القضاء مصدر من مصادر القانون الدستوري ، فان علينا أن نميز بين الدول ذات الدساتير العرفية كإنجلترا ، والدول ذات الدساتير المكتوبة كمصر، الجزائر وفرنسا.
ففي إنجلترا يعتبر القضاء مصدراً رسماً لما ينشئه من سوابق قضائية بشأن القضايا المطروحة أمامه أو التي تطبق فيما بعد على القضايا المشابهة لها من طرف المحاكم ذات الدرجة الواحدة أو الأدنى منها.
ومن الدول التي تأخذ بالسوابق القضائية الولايات المتحدة الأمريكية وإستراليا ونيوزلندا.
أما في فرنسا فإن القضاء كمصدر ضعيف جداً في المجال الدستوري، نظراً لأن المحاكم غير مقيدة بأحكامها السابقة ولا بالأحكام التي تصدرها تلك الأعلى منها في الدرجة.
4- الفـقـه : يقصد بالفقه الدراسات والبحوث التي قام أو جاء بها فقهاء القانون والفقه لا يعتبر مصدراً رسمياً للدستور ، وإنما مصدراً تفسيرياً يستأنس به في تفسير دستور وبيان كيفيات سنه ، فضلاً عن قيام رجال الفقه بشرح وتبيان محاسن وعيوب هذه الدساتير ، كما أنه يهتم بدراسة وتحليل الأحكام القضائية لما لها من تأثير على مسار قواعد دستورية ، والذي لا شك فيه أنه وإن كانت الآراء الفقهية غير ملزمة إلا أنها تلعب دوراً هاماً في تفسير النصوص القانونية وكثيراً ما يتأثر به القضاء في إصدار أحكامه أو المشرع أثناء سن القوانين والقواعد الدستورية وهو ما يكسب تلك الآراء سمعة أدبية كثيراً ما تلقى إحترام من قبل المشرع الدستوري ومن ذلك روح القوانين والعقد الإجتماعي أو السياسي لكل من مونتسكيو وجان جاك وروسو وجون لوك.
أساليب نشأة الدساتير وتعديلها :
تنشأ الدساتير وتنتهي بأساليب مختلفة ومتعددة وقبل تعرض لأساليب نشأتها ونهايتها يتوجب علينا بحث أسباب نشأة الدساتير والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة.
أسباب والدوافع الأساسية لوضع الدستور :إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات الأوربية وسيطرت البرجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وإنحصار الاستعمار كانت من الأسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم وكان غرض شعوب الأنظمة إثبات سيادتها داخلية وإستغلاليتها وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور يبن السلطات وعلاقاتها في دولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين والدول الأخرى ، وأن هذه الدول بوضع دستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي ولها الحق في الإنضمام للمجتمع الدولي إن طالبت بذلك.
- السلطة التأسيسية : عادة ما تصدر الدساتير المكتوبة عن سلطة عليا الدولة
وتمتاز أنها أصيلة وأولية وغير مقيدة بشرط.
طرق وضع الدساتير :
أولاً : الطرق غير الديمقراطية :
1-أسلوب المنحة : هو أسلوب قديم ساد لدى العروش الملكية الأوربية ويكون الدستور هنا من ذات الحاكم دون أن يكون للمحكوم دخل في ذلك لا في مرحلة الإعداد أو الإقرار ولكن تجدر الإشارة أن هذا الأسلوب ما كان ليقوم به الملك لولا الضغوط الشعبية.
2-أسلوب التعاقد : ويكون ذلك بعد ثورة على الحاكم بحيث يجبرون على توقيع وثيقة يفرض فيها الثوار شروطهم ومطالبهم أي أنها عبارة عن نص بتعاقدي يقيد من إرادة الحاكم.
ثانياً : الطرق الديمقراطية :
1-أسلوب الجمعية التأسيسية : يقوم الشعب بإنتخاب ممثلين له الذين يضعون الدستور المعبر عن إرادة الشعب ويصبح نافذاً بمجرد مصادقة الجمعية التأسيسية عليه.
2- أسلوب الإستفتاء الدستوري : وهنا يتم إنتخاب جمعية تأسيسية تتكفل بوضع مشروع دستور ثم يعرض هذا المشروع على الإستفتاء الشعبي للمصادقة عليه ، ويصبح نافذاً بمجرد موافقة الشعب عليه.
وأحسن طريقة هي الدمج بينهما.
تعديل الدستور : وهو التغيير الجزئي لأحكامه سواء بالإضافة أو الإنقاص أو بالإلغاء.
ضرورته : لأنه لابد أن يتماشى الدستور مع الظروف المحيطة بالمجتمع التي تقتضي تكييفه وملائمته مع هذه المستجدات.
شروطه : أي أن يتم وفقاً للشروط الواردة فيه والتي يتطلبها.
القيود التي ترد على التعديل : - منع التعديل بصفة مطلقة ، وكذلك منع تعديل الدستور إذا كان يرمي إلى إلغاء أحكامه ولابد من تحقق الأغلبية المطلوبة عند قراءة البرلمان لمواده ، وكذلك يمنع تعديل الدستور في حالات معينة مثل حالة الحرب وكذلك التعديل الذي يمس بمقومات الدولة مثل الدستور الجزائري حيث منع التعديل الذي يمس بمقومات الجمهورية (الإسلام ، العروبة ، والأمازيغية).
إجراءات التعديل :
1-المبادرة بالتعديل : لقد حصرت في جهتين وهما رئيس الجمهورية أو البرلمان معاً أو أحدهما.
2-إقرار التعديل : ويتم ذلك أن يتم التعديل وفقاً للأسلوب الذي وضع به وبالنصاب الذي يحدده عند التصويت أو أن يعرض على الشعب إذا كان يتطلب الإستفتاء الشعبي.
إنقضاء الدساتير :
1-الطرق القانونية : إما عن طريق الأسلوب الذي يحدده الدستور نفسه والراسخ أنه لا يمكن أن يحمل الدستور كيفية إلغائه لإمتيازه بالثبات والإستقرار ، وإنما يمنح فكرة الإلغاء الجزئي ويتم أيضا الإلغاء عن طريق الاستفتاء الشعبي.
2-الطرق غير القانونية (الواقعية) :
أ- الثورة الشعبية : وهنا عندما يكون الشعب غير راض عن الحكم وهي عملية يتم من خلالها التغيير الجذري لنظام الحكم ويترتب عليه بالضرورة إلغاء الدستور.
ب- الإنقلاب : وهو الإجراء الذي يقوم به أحد أو مجموعة من الطبقة السياسية وعادة ما يكون مدبر الإنقلاب الجيش لذا يسمى بالإنقلاب العسكري وهي ظاهرة تنتشر في دول العالم الثالث مثل ما حدث في موريتانيا مؤخراً.
محتوى الدستور :
الأحكام المتعلقة بتنظيم المجال السياسي :
1- الأحكام التي تؤسس شرعية السلطة : وهنا نجد أن الدساتير تعمل على إبراز وتكريس شرعية السلطة العامة في الدولة ومصدرها من الشعب الذي يعد هو صاحب السيادة في المجتمع وأن الحكام يمارسون الحكم بتخويل منه بإعتبارهم ممثليه الشرعيين الذين يعبرون عن إرادته.
2- أحكام تتعلق بطبيعة الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها : مثل الشكل بسيطة كانت أو مركبة كما يحدد الدستور نوع الحكومة في الدولة مثل الحكم الجمهوري أو الملكي أو رئاسي أو برلماني أو غير ذلك.
3- الأحكام المتعلقة بتنظيم السلطة والعلاقات بين السلطات : تحدد الأحكام التي يخضع لها الحكام مثل مبدأ الفصل بين السلطات ومداه بين المرونة والجمود وكذلك الحال بالنسبة لشكل الحكم وطبيعة البرلمان.
أحكام أخرى :
1- تكريس ثوابت المجتمع في المجال الإقتصادي والإجتماعي والثقافي : أي أن الدستور يقوم على خلفية إيديولوجية معينة.
2- إقراروضمان الحريات والحقوق الفردية وينص عليها عادة في بداية الدساتير مثل إعلانات حقوق الإنسان والمواطن.
3- أحكام مختلفة : وتختلف من دستور لآخر مثل الرقابة على دستورية القوانين وكيفية تنظيمها وقد يحتوي على أحكام إنتقالية.
إعداد المستشار/ رضا فاروق الملاح
نائب رئيس مجلس الدولة
مفهوم القانون بوجه عام :
للقانون مدلولات عديدة ومتنوعة فقد يقصد بالقانون كل قاعدة مطردة مستقرة ، يفهم منها نتائج معينة وهذا هو المقصود العام للقانون ، وهو لفظ يستعمل في المجالات المختلفة ، العلمية والرياضية ، والإقتصادية ، والإجتماعية كأن يقال قانون (الطفو) أو قانون (الجاذيبية) أو قانون (العرض والطلب) …إلخ.
وقد يقصد بالقانون بمجموعة القواعد القانونية التي تصدرها السلطة التشريعية بقصد تنظيم مسألة معينة مثالها ، قانون الوظيفة العامة ، الذي يبين كيفية تعيين الموظف وترقيته ، وعزله وإحالته إلى التقاعد ، أو قانون تنظيم الجامعات أو المحاماة.
وقد يقصد بالقانون كذلك التدليل على فرع معين من فروع القانون ، فيقال على سبيل المثال القانون المدني ، أو القانون التجاري ، أو قانون تنظيم الجامعات ، أو المحاماة.
وقد يقصد بالقانون أخيراً وهو التعريف الشائع " بأنه مجموعة القواعد القانونية العامة والمجردة التي تنظم وتحكم سلوك الأفراد في المجتمع ، والتي يتعين عليهم الخضوع لها ولو جبراً إذا إقتضى الأمر ذلك.
وفي الواقع أننا لا يمكن إعتماد المدلول الأول للقانون ، على أساس أن هذا المدلول لا ينطبق إلا على الظواهر الطبيعية كما رأينا عند وضعه ، و الأمر كذلك ، بالنسبة للمدلول الثاني على أساس أن التشريع الذي تضعه السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة ليس إلا مصدر من مصادر القانون بإعتبار أن للقانون مصادر عديدة كما أن الشيئ لا يعرف بمصادره التي يستقي منها قواعده.
تعريف القانون الدستوري :
"هو مجموعة القواعد التي تحدد شكل الدولة ، وطبيعة نظام الحكم في الدولة ، وتبين السلطات العامة فيها وإختصاص كل منها وعلاقاتها مع بعضها البعض ، كما تبين حقوق الأفراد السياسية وما يجب لحرياتهم من ضمانات ".
ويعتبر القانون الدستوري في طليعة فروع القانون العام الداخلي فهو أساس كل تنظيم في الدولة ، حيث يضع الأسس التي تقوم عليها الدولة ، وعلى هذا فإنه لا يجوز مخالفة هذا القانون بقانون
آخر يصدر داخل الدولة ، لأن كل القوانين الأخرى أقل منه في المرتبة.
أهمية القانون الدستوري :
إذا كانت الدولة تهتم بالتوفيق بين الحرية والمصلحة العامة فإن مهمة القانون الدستوري هي تنظم التعايش السلمي بين السلطة والحرية في إطار الدولة وهذا لن يأتي إلا بالتوفيق بين فردية الإنسان وأنانيته التي تبين حقوق الفرد وحرياته وواجبات الدولة إتجاه الجماعة حتى أن الأستاذ (بريلو) يقول بأن القانون الدستوري أداة السلطة أو تقنية السلطة.
فالقانون الدستوري حسب وجهة نظره هو ظاهرة السلطة العامة في مظاهرها القانونية.
الهدف من القانون الدستوري :
المسائل التي ينظمها القانون الدستوري :
من التعريف السابق للقانون الدستوري ، يتبين أن المسائل التي ينظمها ويعتني في تحديد أحكامها هي :
أولاً : يبين نظام الدولة السياسي ، ملكية أم جمهورية ، ديمقراطية أم دكتاتورية ، نيابية أم غير نيابية ، بسيطة أم إتحادية ... إلخ.
ثانياً : يبين السلطات العامة في الدولة السلطة القضائية السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ويبين الهيئات التي تباشرها فالسلطة القضائية تقوم بها المحاكم على نطاق الجمهورية ، أما السلطة التشريعية فيقوم بها مجلس الشعب بصفة أساسية ومجلس الشوري بشكل ثانوي ، أما السلطة التنفيذية فيقوم بها رئيس الجمهورية ويعاونه في ذلك الوزراء ، كما يبين القانون الدستوري في هذا الخصوص علاقات السلطة العامة بعضها مع بعض ، ويبين ما إذا كانت هذه السلطات منفصلة عن بعضها أم أن لكل سلطة منها الحق بالتدخل في نشاط السلطتين الأخيرتين ، وحدود هذا التدخل.
ثالثاً : ويحدد القانون الدستوري حقوق الأفراد في الدولة ، كما يقرر الحريات التي يتمتع بها كل فرد، وترجع هذه الحقوق وهذه الحريات إلى حقين جوهريين الحرية والمساواة ، فالحرية تشمل الحرية في التملك ، الدين و العقيدة ، السكن ، والحرية الشخصية ، والتعليم ، أما المساواة فهي تتضمن المساواة في الحقوق والواجبات ، أي المساواة في ما تخوله الدولة من مزايا وتكاليف كالمساواة في تولي الوظائف العامة وواجب أداء الخدمة الوطنية أو أداء الضرائب.
أنواع الدساتير :
تنقسم الدساتير من حيث المصدر الذي تخرج منه إلى قسمين :
القسم الأول : عندما يكون الدستور منحة من الحاكم أو السلطات إلى شعبه ، ينزل فيه عن بعض سلطاته للشعب ، والقسم الثاني عندما يصدر الدستور عن الشعب ، أي يكون الشعب هو مصدر الدستور ، وهذا هو ما تم بالنسبة للدستور الجديد عندما طرح للإستفتاء على الدستور ، كما تنقسم إلى دساتير مرنة ودساتير غير مرنة وتسمى بالدساتير الجامدة ، والدساتير المرنة هي الدساتير التي يجوز تعديل أحكامها بقانون عادي ، ومثال ذلك الدستور الإنجليزي ، حيث يمكن تعديل أي حكم فيه بقانون عادي يصدره البرلمان، أما الدساتير الجامدة فهي التي لا يمكن تعديلها بقانون عادي ، وإنما لابد لتعديلها من إتخاذ إجراءات خاصة كأن يكون لرئيس الجمهورية أو البرلمان طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور.
وعلي ذلك يمكن إبراز أهم تقسيمات الدساتير إلي :
1- الدستور المدون : وهو أن تكون القواعد القانونية مجمعة ومدونة في وثيقة أو أكثر من طرف السلطة المختصة وفقاً للإجراءات التي تعتمدها.
2- الدستور غير المدون (العرفي) : هو عبارة عن سلوكيات تتعلق بالسلطة وممارستها وكل ما يلحق بذلك من أعراف وتقاليد ومبادئ عامة أو قيم أخلاقية تتبلور تدريجياً عبر الزمن حتى تصبح مشكلة لدستور عرفي.
3- الدستور المرن : هو الذي يتم تعديله بصورة عادية مثله مثل غيره من القوانين دون إتباع إجراءات معقدة.
4- الدستور الجامد : هو الذي لا يمكن تعديله إلا بإتباع جملة من الشروط وأن لا يتعدى جملة من المبادئ والقيم العامة في الدولة مثل اللغة والدين والمعتقد.
5- دستور القانون : وهو المتواجد في غالبية الدول الليبرالية إذ يكتفي فقط بتحديد المبادئ القانونية العامة في الدولة دون تطرقه إلى طبيعة النظام الإقتصادي المتبع.
6- دستور برنامج : وهو الذي يتم من خلاله تحديد النهج الإقتصادي الذي تسير عليه الدولة.
المعاني المختلفة للدستور :
يتفق أغلب الفقه على أن القانون هو ذلك الموضوع الذي ينظم العلاقات الإجتماعية بين الأفراد من أجل ضمان العدالة بينهم ، ومن المعروف أن القانون ينقسم إلى قسمين : القانون الخاص والقانون العام أو العمومي ، فالقانون الخاص ينظم العلاقات الخاصة بين الأفراد كعلاقات البائع مع المشتري والمؤجر مع المستأجر، أما القانون العام فهو الذي ينظم العلاقات التي يمكن أن تقوم بين أحد الأشخاص المعنوية العمومية وأحد الأشخاص الخاصة الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية العمومية (شخص واحد أو أكثر) ، ومن الأمثلة على هذه التصرفات قيام الدولة بنزع ملكية شخص من أجل تحقيق منفعة عامة أو تعاقدها مع مقاول للقيام بأشغال لصالحها ، أو توريد أشياء لها مقابل مبلغ معين ، أو نقل ملكية من شخص إلى آخر كما هو الشأن بالنسبة لنقل طريق مملوك للولاية أو البلدية إلى الدولة أو العكس.
ومن بين فروع القانون العام الدستوري الذي يحدد شكل النظام السياسي للدولة والذي يجد أهم قواعده في الدستور الذي يحمل معاني مختلفة لغوية وسياسية وقانونية.
1-المعنى اللغوي :
نعتقد مع جميع الفقهاء العرب أن عبارة " دستور" ليست عربية وأن معناها هو القانون الأساسي ، غير أن هذا الإصطلاح العربي أختلف بشأنه ، فنجد بعض الدول قد إستعملته للدلالة على معنى الدستور كالعراق مثلاً في دستور 1925م وإيران في دستور 1979م ، في حين أن البعض الآخر يستعمله للدلالة على قوانين لا تصل إلى مرتبة الدستور، ولكنها تعد أساسية بإعتبارها تتضمن مبادئ عامة تتناولها بالشرح أو التفسير قوانين أخرى ومثل ذلك القوانين الأساسية في الجزائر (القانون الأساسي العام للعامل مثلاً).
والحقيقة أن مصطلح الدستور الآن في معظم الدول العربية يقابله بالفرنسي والإنجليزي مصطلح Constituion
الذي يعني التأسيس أي النظام أو القانون الأساسي ونتيجة لهذا الإختلاف يفضل استعمال إصطلاح الدستور لما يحمله من معاني السمو ومظاهر الإحترام.
فالدستور لغة هو اذن مجموعة القواعد الأساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة ، ولا يشترط فيه أن يكون مكتوباً أو عرفياً ، لذلك فإن الدستور بهذا المعنى يوجد في كل جماعة ، من الأسرة حتى الدولة ، وأن هذا المعنى الواسع غير محدد وغير دقيق لكونه يحتوي على معاني يمكن أن تنصرف إلى كل تنظيم يمس أية مجموعة بشرية ، في حين أن المعنى الحقيقي للدستور هو الوثيقة المنظمة للدولة وشؤون الحكم.
2-المعنى السياسي والمذهب الدستوري :
لقد تضمن إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789م شروطاً معينة يجب توافرها في الدستور وتتمثل في تضمينه لحقوق الإنسان وحرياته وضمانات ممارستها إلى جانب ضرورة الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات حتى لا تتداخل إختصاصاتها وتقضي على السلطة المطلقة وذلك تأثراً بالمذهب الدستوري الداعي إلى إقرار التوفيق ين السلطة والحرية.
ويقصد بالمذهب الدستوري تلك الحركة التي ظهرت في عصر النهضة الأوربية وحلت محل الأعراف السائدة آنذاك غير الواضحة والتي تركت مجالاً واسعاً للملك لممارسة السلطة التقديرية ، فظهرت الدساتير المكتوبة للحد من إطلاق السلطة وإستبدادية الملوك ، ولذلك طالب الأحرار بتحديد أنماط إسناد ممارسة السلطة السياسية بموجب نص واضح دفعاً لأي إطلاقاً للسلطة ، ومن ثم فالدستور في مفهومه الشكلي يتعارض مع التعسف ، لأنه يحدد دولة القانون التي يمكن أن يكون الكل سواء ومطابق للقواعد التي يضعها ذلك الدستور.
والمعلوم أن المذهب الدستوري يجد مصدره في فكرة العقد المعارضة لإطلاق السلطة والتي ظهرت بوادر لها في القرن 16 وسيطرت في القرن 18 والتي دفعت إلى إنشاء المجتمع المدني في قالب عقد بين مختلف الأطراف بعيداً عن تأثير العوامل الدينية ، وإعتبر الدستور شكلاً قيداً على السلطة المطلقة للملوك ، وبالتطور أصبح لأغلب الدول دستور في مفهومه الشكلي إلا أن الممارسة السياسية لم تكن في كل الأحوال متماشية مع الدستور وهو ما تسبب في إختلال بين النصوص الدستورية والممارسات السياسية، وإن كان هذا الإختلال ليس من ذات الطبيعة الواحدة والدرجة والأثر في كل الأنظمة.
ومن هنا فإن أي نظام لاسيما إذا كان رسمياً ، مثلما هو في الدستور، كان دائماً له معنى إجتماعي لكونه تعبيراً عن علاقات قوى موجودة ضمن نظام سياسي في مرحلة معينة ، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كانت كل قاعدة دستورية تحمل في طياتها فكرتها المضادة بالمفهوم التناقضي أو الماركسي ، ذلك أنه وإن كانت الحرية مقررة دستورياً إلا أنها عملياً صعبة التحقيق وسهلة التقييد وحتى الإلغاء الوقتي لا سيما من حيث تنظيمها قانوناً ، وعليه فإن التفسير التناقضي السالف الذكر يعني رفض النظرة المنسجمة للمذهب الدستوري.
والمؤكد أن الطبقة البورجوازية استعملت المذهب الدستوري لتقييد السلطة المطلقة وإعتبرت نفسها المعبر عن رأي واردة الشعب في مواجهة تلك السلطة ، وهي الفكرة التي تبنتها طبقات مختلفة كالمجاهدين ، والجيش والبورجوازية في الدول النامية حيث إعتبرت نفسها هي الشعب والمعبر الحقيقي الوحيد عن الشعب ودفع بها ذلك الموقف إلى إعتبار أن كل ما يخالف وجهة نظرها ومصلحتها ولو كان ذلك وارداً من الشعب يعتبر مرفوضاً يجب محاربته ورفضه ، وهو ما يطرح تساؤلاً في هذه الأنظمة حول ما إذا كان الدستور في النهاية هو أداة للدعاية داخلياً وخارجياً للنظام عما هو قائم ، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن يصبح الدستور يحمل معنى شعارياً أكثر من كونه ذو معنى إجتماعي سياسي ، ومهما يكن من رأي حول المذهب الدستوري ونتائج الأخذ به فإن المعنى السياسي للدستور رسمياً ونظرياً يقصد به تلك الوثيقة التي تتناول كيفية تنظيم السلطة السياسية في الدولة على أساس الفصل بين السلطات ، وتتضمن حقوق وحريات الأفراد وضمانات ممارستها بإعتبارها قيوداً على سلطة الحكام عليهم إحترامها وعدم الإعتداء عليها.
المعنى القانوني :
من المعروف أن الأفراد في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات فيما بينهم ، وكذلك الحال بالنسبة للدولة ، فهي في حاجة إلى قواعد قانونية تنظم شؤونها وعلاقتها ، وأن الحكام عندما يمارسون وظائفهم وإختصاصاتهم لايفعلون ذلك بإعتبارهم يمارسون حقوقاً أو إمتيازات شخصية ، وإنما إختصاصات أو وظائف منظمة ومحددة بقواعد دستورية تستمد منها القواعد القانونية الأخرى وجودها وشرعيتها.
ومن المعلوم أن للدستور مفهومين أحدهما شكلي والأخر موضوعي :
المفهوم الشكلي : ويقصد بالمفهوم الشكلي مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية ، وعليه فإن المفهوم الشكلي ينحصر فيما هو وارد من أحكام في الوثيقة الدستورية ، الموضوعة من طرف جهة مختصة دون أن يمد إلى غير ذلك من القواعد.
والذي لاشك فيه أن الإعتماد على هذا المفهوم لايتماشى والواقع لأن في ذلك إنكار لوجود دساتير عرفية كدستور إنجلترا ، فضلاً عن الدساتير تتضمن بعض القواعد التي لا صلة لها بالتنظيم السياسي مثل النص في الدستور الجزائري على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية ، ونص الدستور الفرنسي لسنة 1848م على إلغاء عقوبة الإعدام في الجرائم السياسية ، والغرض من ذلك هو كفالة ثباتها وإستقرارها أكثر بالمقارنة مع القوانين العادية فتصبح بعيدة عن التأثيرات السياسية.
وبالمقابل فإن هناك قواعد دستورية بطبيعتها لاتتضمنها الوثيقة الدستورية مثل قوانين الإنتخابات وقوانين تشكيل وتنظيم البرلمان ونظمها الداخلية ، والأخذ بالمفهوم الشكلي يعني إبعادها من الدستور خلافاً للواقع.
أما المفهوم الموضوعي : يقصد به مجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات وإختصاصاتها ، وكذلك القواعد التي تبين حقوق الأفراد وحرياتهم وضماناتها دون نظر إلى ما إذا كانت مدرجة ضمن الوثيقة الدستورية أو وثيقة قانونية أخرى مهما كان مصدرها وتدريجها في الهرم القانوني أو كانت عرفية.
ونتيجة لإختلاف المفهومين فإن الفقهاء إختلفوا حول المعيار الذي يمكن الإعتماد عليه بشأن تعريف الدستور.
فمنهم من إعتمد المعيار الشكلي بحيث يسند على الوثيقة الدستورية ، أي النصوص المدونة فيها والهيئة والإجراءات التي إتبعت في وضعها والمصادق عليها ، ومنهم من إستند على المعيار الموضوعي الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور، وعليه يعرف أنصار المعيار الشكلي الدستور بأنه مجموعة القواعد التي تضعها هيئة خاصة وتتبع في ذلك إجراءات خاصة تختلف عادة عن إجراءات وضع القوانين العادية ، أما أنصار المعيار الموضوعي فيعرفون الدستور بأنه مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبين سلطتها العامة وعلاقتها ببعضها وعلاقة الأفراد بها ، كما تقرر حقوق الفرد وحرياته المختلفة وضمانتها. أما المدرسة الإشتراكية فتعرفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تثبت وفقاً لمصالح النظام الإجتماعي والسياسي في الدولة ، وكذلك مبادئ تنظيم هيئات السلطة ونشاطها وأسس الوضع القانوني للأفراد في الدولة الإشتراكية.
وقد رجح معظم الفقهاء التعريف الموضوعي عن التعريف الشكلي لما له من إحاطة أكبر بالموضوع نظراً لأن المعيار الشكلي يعاب عليه كونه لا يشمل بعض الموضوعات ذات الصفة الدستورية ، وغير المدونة مثلما ذكرنا آنفا.
فضلاً عن أن إستناده على الدستور ونصوصه يجعلنا عاجزين على إيراد تعريف الدستور في الدول التي ليس لها دساتير مكتوبة ، وأخيراً فإن التعريف الذي يستند على المعيار الشكلي لا يمكن الأخذ به في جميع الدول نظراً لاختلاف دساتيرها ، وبالتالي فإن التعريف لا يكون واحد بل متعدداً.
التفرقة بين القانون الدستوري وبعض الإصطلاحات الأخرى :
بجانب إصطلاح القانون الدستوري مصطلحات أخرى تشبهه، وهي قريبة منه لكنها ليس لها ذات المعنى ، ونقصد بذلك الدستور والنظام الدستوري ، ونظراً للتشابه اللغوي والإختلاف في المعنى بين هذه الإصطلاحات والقانون الدستوري ، يتوجب علينا التميز بين مفاهيم هذه التسميات.
1-فالدستور بمفهومه الموضوعي موجود في كل الدول ولو أنه شكلاً غير موجود في بعضها ، لأنه لا يتصور قيام مجتمع سياسي دون دستور.
وفضلاً عن ذلك فإن المفهوم الشكلي للدستور يجعل منه مصدراً من بين مصادر القانون الدستوري ، وإن كان هو الذي يحتل المرتبة الأولى.
2-أما النظام الدستوري فيقصد به ذلك النظام الحر أي الحكومة الدستورية في الدولة، ولكي تكون كذلك يشترط الفقه الفرنسي لإضفاء صفة النظام السياسي على دولة معينة وإعتباره نظاما دستورياً أن تكون الحكومة خاضعة لقواعد قانونية دستورية أعلى منها ، لا يجوز لها التحلل منها والخروج عنها ،وإنما عليها التقيد والإلتزام بما هو وارد فيها من قيود وفصل بين السلطات تكون الغلبة في هذا النظام للبرلمان المنتخب من طرف الشعب.
ومن هنا فإن الحكومة الإستبدادية والمطلقة والحكومة الفعلية تتنافى وفقاً لهذا الرأي مع قيام النظام السياسي لإنتقاء الشروط السابق ذكرها فيها ، والحقيقة أن هذا الرأي لم يعد مقبولاً في عصرنا الحاضر لكونه يتنافى مع المفهوم الحديث للدستور الذي يقصد به الوثيقة المتضمنة نظام الحكم في الدولة دون نظر إلى أساس هذا النظام وشكله ، كما أن التعريف الشائع للقانون الدستوري بإعتباره القواعد الخاصة بنظام الحكم لم يعد يهتم بشكل النظام ولا أساسه أيضاً.
نخلص مما سبق إلى أن القانون الدستوري أوسع من النظام الدستوري وبالتالي فإن إنعدام هذا الأخير في الدولة إذا أخذناه بمفهومه السابق لا يحول دون وجود القانون الدستوري.
علاقة القانون الدستوري بالقوانين الأخرى :
يمكن القول باختصار شديد أن العلاقة بين القانون الدستوري وفروع القانون العام الأخرى تتمثل في الآتي :
لعل أهم القوانين إتصالاً بالقانون الدستوري هو القانون الإداري لما لهما من علاقة وطيدة ، ومع ذلك فالقانون الدستوري أسمى من القانون الإداري من جهة ، حيث يقرر القواعد والمبادئ الأساسية لكل فروع القانون العام بما فيها القانون الإداري الذي يقتصر دوره على وضع هذه المبادئ والقواعد موضوع التنفيذ ، ومن جهة ثانية فالقانون الدستوري يتناول نشاط الدولة السياسي ، في حين أن القانون الإداري يهتم بتحديد النشاط الإداري في الدولة.
وإذا كان القانون الدستوري ينظم السلطات العامة في الدولة ويحدد الحقوق والحريات العامة للأفراد وضمانات حمايتها ، فإن القانون الإداري لا يهتم إلا بالوظيفة الإدارية للسلطة التنفيذية ، معتمداً في ذلك على مبادئ وقواعد الدستور.
وفيما يخص علاقة الدستور بعلم المالية ، فإنها أيضاً متينة بين الإثنين ، ولذلك فإن علم المالية يهتم بالتشريع المالي بقصد تنظيم وإدارة أملاك الدولة ، وإن كان البعض لا يسلم بإستقلالية هذا العلم والقانون لإحتوائه على مجالين الأول خاص بوضع التشريع المالي أي الميزانية وهو مجال يدخل في ميدان التشريع ، أما المجال الثاني فهو صرف هذه الأموال أو تحصيل الضرائب والرسوم وهو عمل إداري ، وبالتالي فلا وجود لقانون مالي منفصل عن التشريع أو القانون الإداري.
وللقانون الدستوري علاقة بالقانون الجنائي ، الذي هو الآخر يستمد ويستلهم أحكامه من القواعد والمبادئ الدستورية ، وغايته هي حماية نظام الحكم ككل من الإعتداء عليه من قبل الأفراد أو الحكام، فيحدد الجرائم والعقوبات المقابلة لها، ولا أدل على ذلك من نص الدساتير على العديد من القواعد العامة التي يتناولها القانون الجنائي بالتفاصيل مثل قاعدة عدم جواز القبض على الأشخاص إلا طبقاً لأحكام القوانين وحق الدفاع.
وهناك أيضاً علاقة بين القانون الدستوري والقانون الدولي العام ، نظراً لأن الأول هو الذي ينظم كيفية إبرام المعاهدات وإجراءات التمثيل في الخارج ، كما يبين مدى أخذه بمبادئ أحكام القانون الدولي كميثاق الأمم المتحدة ، ولا أدل على تلك العلاقة من ضمين الدساتير الحديثة أحكاماً تتعلق بمدى القوة القانونية للمعاهدات الدولية التي تبرمها الدول فيما بينها ، وإحترام الدول وسيادتها وعدم التدخل في شؤونها وإحترام حقوق الإنسان.
طبيعة قواعد القانون الدستوري :
إختلف الفقه بشأن مدى إلزامية القواعد الدستورية ، وإنقسم إلى إتجاهين الأول إنجليزي بزعامة أستن والثاني فرنسي بزعامة ديجي.
1-المدرسة الإنجليزية : تعتمد هذه المدرسة في تحديد مدى طبيعة القواعد القانونية وإلزاميتها على مدى توافر عنصر الجزاء المتبدي في الإكراه المادي تضمن السلطة العامة توقيعه بما لها
من وسائل.
ومن هنا يقول زعيم هذه النظرية الفقيه أستن أن قواعد القانون الدستوري لا تعدو أن تكون مجرد قواعد آداب مرعية تحميها جزاءات أدبية بحتة ، ذلك أن الحاكم لدى مخالفته لقاعدة دستورية يوصف عمله بأنه غير دستوري لكنه لا يكون مخالفاً لقاعدة بالمعنى الصحيح ، مما يستتبع عدم وصفه بأنه غير قانوني.
تقدير الرأي: إذا كانت هذه المدرسة قد إعتمدت في التمييز بين قواعد القانون الدستوري والقانون الدولي من جهة القانون العادي من جهة أخرى على الحاكم الذي يضفي على الأخير الصفة الإلزامية بتوقيع الجزاء على مخالفيه لما يملك من وسائل وهي المنعدمة في القانون الدستوري والقانون الدولي ، فإن الذي غاب على أنصار هذه المدرسة هو أن بعض القواعد القانونية العادية لا نجد لها جزاءاً مادياً يترتب على عدم إحترامها لكونها مفسرة أو أنها مجيزة لتصرف أو تصرفات معينة ، مثل حق المالك في الإيصاء بأمواله ، كما أن هذه المدرسة لا تعير أي إهتمام للقواعد الدينية بإعتبارها أساساً أو جزءاً لا يتجزأ من القواعد القانونية لبعض الدول كالدول الإسلامية.
2-المدرسة الفرنسية : ترى هذه المدرسة بأنه ينبغي الاعتداد بالجزء المعنوي ، لأن كل قاعدة على حد قول زعيم المدرسة ديجي تحتوي على جزاء يتمثل في رد الفعل الإجتماعي.
، وبهذا فإن كل قاعدة لها جزاءها وان كان الإختلاف بين القواعد القانونية يبدو واضحاً من حيث ذلك الجزاء الذي يبدأ من المعنوي المتمثل في رد الفعل الإجتماعي إلى العقاب الجسماني الذي توقعه السلطة العامة في الدولة ، وعليه فإن أصحاب وأنصار هذه المدرسة يقرون بأن قواعد القانون الدستوري هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح.
تقدير هذا الرأي : بالنظر إلى ما وصلت إليه الأنظمة القانونية الحديثة وتطور الحكم الديمقراطي يمكن القول بأن القواعد القانونية الدستورية ينبغي أن تحترم من قبل ممارسي السلطة إذا أريد لهم أن يحترموا من قبل الشعب صاحب السيادة ، فهذه القواعد تحدد كيفيات ممارسة السلطة من قبل مؤسسات الدولة والتي يحق لكل منها إعتماداً على ما ورد في الدستور ، أن توقف غيرها عند حدود إختصاصاتها و سلطاتها مما يعد جزاءاً يترتب على كل تجاوز للإختصاص والسلطات ، بل و قد يمتد عدم إحترامها إلى حد تدخل الشعب لإجبار مؤسسة أو مؤسسات على إحترام أحكام الدستور ، و ذلك إما بردعها بالوسائل المختلفة كالضغوط والمظاهرات أو التجمهر وإجبارها على القيام بتصرف معين أو الإمتناع عنه بما يثبت تراجعها والإعتراف بخطئها ، بل وقد يصل ذلك إلى حد الإطاحة بها مثلما لاحظنا في مصر سنة 1952م وليبيا سنة 1969م وإيران سنة 1979م وما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية للرئيس السابق نكسون لدليل على دور الشعب في فرض إحترام أحكام الدستور، فقد إستقال في عام 1974م نتيجة قيامه بأفعال مخالفة لأحكام الدستور ، وعرفت باسم فضيحة واترجايت ، كما يتجلي ذلك مؤخراً في ثورة 25ينايرالمجيدة بمصرنا الغالية.
مصادر القانون الدستوري :
تعتبر المصادر ذات أهمية بالغة في النظرية العامة للقانون لأنها منبع القواعد القانونية فالمقصود بالمصدر لغة هو المكان الذي ظهر فيه الشيء بعد أن كان خفياً ، أما في موضوعنا فإن المقصود بالمصدر له عدة معان ما يهمنا منها هو المصدر الرسمي الذي يضفي على القاعدة القانونية الصفة الإلزامية والمصدر الموضوعي (أو المادي أو الحقيقي) الذي تستمد القاعدة القانونية منه مضمون خطابها أو موضوعها.
والقول بهذا يعني أن المصدر الرسمي يأتي دائماً بعد المصدر الموضوعي أو المادي ، لأن القاعدة لا تكتسب الصفة الإلزامية إلا إذا مرت بمراحل معينة تختلف بإختلاف المجتمعات وتأثير العوامل عليها.
والمتفق عليه كما سبق أن رأينا أن سلوك الأفراد يتطور بتطور المجتمع ، فقد يتحول إلى عرف ثم يتحول إلى قاعدة مكتوبة بظهور الدولة.
وإذا كانت الأعراف هي السائدة في الماضي كقواعد تحكم العلاقات بين الأفراد فإن تدخل الدولة قد كان عاملاً مؤثراً في الإكثار من سن القوانين لتنظيم أمور المجتمع السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، مما إستتبع تراجع العرف إلى المرتبة الثانية وإحتلال التشريع للمرتبة الأولى كمصدر أول للقوانين وسوف لن نخوض في التفاصيل ونقتصر على التعرض لأهم المصادر المتمثلة في التشريع والقضاء والعرف والفقه.
1-التشريع : يقصد به النصوص القانونية المدونة والصادرة عن هيئة خاصة وفقاً لإجراءات معينة وعادة ما تسمى هذه السلطة بالسلطة أو المؤسسة التشريعية على أن القواعد التشريعية هي الأخرى تخضع لمبدأ التدرج إذا كنا بصدد دستور جامد، ذلك أن تعديله يخضع لإجراءات خاصة تختلف عن تعديل التشريع العادي مما يضفي على التعديل الأول صبغة قانونية أسمى من التعديل الثاني وعليه فإن التشريع العادي يضع للتشريع غير العادي، وقد إزدادت أهمية التشريع كمصدر للقوانين نتيجة لتزايد تدخل الدولة وتعقيد نشاطها بالتالي وزيادة إرتباطها بالأفراد والجماعات والدول.
2- العــرف :
يقصد بالعرف " إتباع الناس سلوكاً معيناً في موضوع معين بصفة مطردة ولمدة طويلة يجعل الناس يشعرون بقوته الإلزامية كالقانون المكتوب ".
ويتضح مما سبق أن هناك ركنان للعرف: مادي ومعنوي ،فالركن المادي يفيد إتباع الأفراد سلوكاً معيناً في تصرفاتهم بصفة مطردة ، أما الركن المعنوي فيعني استقرار الإحساس في ضمير الجماعة بأن ذلك السلوك أصبح ملزما لهم ، فبغير الإعتقاد بإلزاميته لا نكون بصدد عرف بمعناه القانوني ويشترط في العرف أن يكون عاماً وقديماً وثابتاً ، وأن لا يكون مخالفاً للقوانين والآداب العامة ، وإذا كان العرف هو ما سبق ذكره بإختصار، فإن الفقه إختلف بشأن مدى إلزاميته فقد ذهب أنصار المذهب الشكلي المتطرفين ومن بينهم الفقيهان الإنجليزي والفرنسي كارى ومالبرغ إلى أن العرف لا قيمة له إلا أقره التشريع أو القضاء، أما المعتدلون من هذا المذهب مثل ديجي فيعترفون له بالصفة الإلزامية ، وبالنسبة للمذهب الموضوعي فيرى أنصاره وعلى رأسهم ديحي وجوي بأن القانون ما هو إلا تعبيراً عن ضمير الجماعة الذي يمثله العرف ، ولذلك يقولون بأنه مصدر رسمي للقانون.
وبعد أن عرفنا قيمة العرف كمصدر للقانون نبحث الآن دوره في العرف الدستوري ، لقد تأثر فقهاء القانون الدستوري بفقه القانون الخاص بشأن أركان العرف ، فالركن المادي يتمثل في وجود قاعدة مستقرة ومطردة التطبيق من قبل السلطات العامة في الدولة ، وهذا يعني الثبات وتوافر مدة معقولة ، غير أن الحقائق تثبت أن المدة لا يمكن تحديدها نظراً لظهور أعراف دستورية في مدة قصيرة مثل بعض سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء في فرنسا التي نظمت بمقتضى عرف نشأ بعد الحرب العالمية الأولى في حين أن مسؤولية الوزارة في إنجلترا تقررت بعرف يعود إلى القرن الثامن عشر.
أما الركن المعنوي فيشترط فيه صفة الإلزام التي يردها البعض إلى الإرادة المفروضة للمشرع بينما يردها البعض الآخر إلى إرادة الجماعة المتمثلة في السلطات والأفراد.
والعرف إما يكون مفسراً أو مكملاً أو معدلاً.
أ-العرف المفسر: هو الذي يهدف إلى تفسير نص من نصوص الدستور، فدوره هنا ليس إنشاء أو تعديل قاعدة دستورية ، وإنما يبين كيفية تطبيق قاعدة معينة غامضة إلا أن هذا التفسير يصبح جزءاً من الدستور فيكتسب صفة الإلزام.
ومن الأمثلة على ذلك جريان العرف أن لرئيس الجمهورية الفرنسية طبقاً لدستور 1875م أن يصدر اللوائح إستناد إلى المادة التي تنص على أن رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين.
ب-العرف المكمل : هو الذي ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور حيث يسد الفراغ الموجود في الدستور، ونظراً لكونه كذلك فإنه يختلف عن العرف المفسرفي كونه لا يستند على نص دستوري في ظهوره ، ومثل ذلك نشوء قاعدة في فرنسا تمنع من إبرام عقد قرض عمومي إلا إذا صدر قانون يأذن بذلك ، إذا كان القانون والدستور الصادران في 1815م ينصان على تلك القاعدة فإن الدساتير التي تلتها لم تنص عليها إنطلاقاً ومع ذلك إستمر تطبيقها لإستقرارها عرفياً فغدت بذلك عرفا دستوريا مكملا ونص دستور 1875م على أن الإنتخاب يتم على أساس الإقتراع العام دون أوضاع هذا الإنتخاب فكمله العرف بأن جعله على درجة واحدة.
ج-العرف المعدل : يراد به تلك القواعد العرفية التي تغير بأحكام الدستور إضافة أو حذفاً ومن أمثلة العرف المعدل في شكل إضافة ما جرى به العمل في الإتحادات الفيدرالية من زيادة في سلطات الحكومات المركزية على حساب السلطات المحلية ، وأن يتولى الرئاسة في لبنان ماروني والوزارة سني والبرلمان شيعي رغم أن الدستور لا ينص على طائفية في لبنان فجاء العرف بها مكملاً الدستور.
أما العرف المعدل في صورة حذف فمثله إمتناع رئيس الجمهورية من حل مجلس النواب في ظل دستور 1875م الذي يمنح له ذلك الحق ولم يستعمل إلا من طرف الرئيس ماكماهون سنة 1877م ثم لم يمارس ذلك الحق حتى سنة 1940م عندما إحتلت ألمانيا فرنسا فنتج عنه أن نشأة قاعدة عرفية ألغت أو حذفت نصاً دستورياً ، والسبب في ذلك يعود إلى أن ماكماهون عندما لجأ إلى حل مجلس النواب كان هدفه الحصول على تغيير في الأغلبية إلا أن الإنتخابات أدت إلى عودة الأغلبية السابقة وهي الجمهوريون فصرح بعد ذلك خلفه أنه سينصاع إلى إدارة الأمة وأنه لن يلجأ إلى حل البرلمان بعد ذلك وتبعه في ذلك سلفه مما أدى إلى نشوء ذلك العرف المعدل حذفاً في النص الدستوري ، وكذلك حدث في سنة 1962م - 1969م في نفس البلد عندما قدم رئيس الجمهورية مباشرة مشروعين لتعديل الدستور دون عرضهما على المجلسين لتصويت المسبق مع أن هناك نصوص صريحة خاصة بكيفية تعديل الدستور.
والحقيقة أن هذا النوع من العرف موجود ومطبق ، وإنكار الصفة الدستورية عنه من جهة والإعتراف به من جهة ثانية ليس له ما يبرره وهو يتناقض والمنطق والواقع.
3- القضاء : هو تلك المجموعة من الأحكام التي أصدرتها المحاكم بشأن تطبيق القانون على ما يعرض عليها من منازعات ، وتنقسم أحكام القضاء إلى قسمين :
القسم الأول : وهو الذي لا يخرج عن كونه تطبيقاً للقانون ويسمى بالأحكام العادية.
القسم الثاني : وهو الذي يتضمن مبادئ لم يتعرض لها القانون أو تضع حداً لخلاف في القانون وتسمى الأحكام الأساسية.
وإذا قلنا بأن القضاء مصدر من مصادر القانون الدستوري ، فان علينا أن نميز بين الدول ذات الدساتير العرفية كإنجلترا ، والدول ذات الدساتير المكتوبة كمصر، الجزائر وفرنسا.
ففي إنجلترا يعتبر القضاء مصدراً رسماً لما ينشئه من سوابق قضائية بشأن القضايا المطروحة أمامه أو التي تطبق فيما بعد على القضايا المشابهة لها من طرف المحاكم ذات الدرجة الواحدة أو الأدنى منها.
ومن الدول التي تأخذ بالسوابق القضائية الولايات المتحدة الأمريكية وإستراليا ونيوزلندا.
أما في فرنسا فإن القضاء كمصدر ضعيف جداً في المجال الدستوري، نظراً لأن المحاكم غير مقيدة بأحكامها السابقة ولا بالأحكام التي تصدرها تلك الأعلى منها في الدرجة.
4- الفـقـه : يقصد بالفقه الدراسات والبحوث التي قام أو جاء بها فقهاء القانون والفقه لا يعتبر مصدراً رسمياً للدستور ، وإنما مصدراً تفسيرياً يستأنس به في تفسير دستور وبيان كيفيات سنه ، فضلاً عن قيام رجال الفقه بشرح وتبيان محاسن وعيوب هذه الدساتير ، كما أنه يهتم بدراسة وتحليل الأحكام القضائية لما لها من تأثير على مسار قواعد دستورية ، والذي لا شك فيه أنه وإن كانت الآراء الفقهية غير ملزمة إلا أنها تلعب دوراً هاماً في تفسير النصوص القانونية وكثيراً ما يتأثر به القضاء في إصدار أحكامه أو المشرع أثناء سن القوانين والقواعد الدستورية وهو ما يكسب تلك الآراء سمعة أدبية كثيراً ما تلقى إحترام من قبل المشرع الدستوري ومن ذلك روح القوانين والعقد الإجتماعي أو السياسي لكل من مونتسكيو وجان جاك وروسو وجون لوك.
أساليب نشأة الدساتير وتعديلها :
تنشأ الدساتير وتنتهي بأساليب مختلفة ومتعددة وقبل تعرض لأساليب نشأتها ونهايتها يتوجب علينا بحث أسباب نشأة الدساتير والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة.
أسباب والدوافع الأساسية لوضع الدستور :إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات الأوربية وسيطرت البرجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وإنحصار الاستعمار كانت من الأسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم وكان غرض شعوب الأنظمة إثبات سيادتها داخلية وإستغلاليتها وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور يبن السلطات وعلاقاتها في دولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين والدول الأخرى ، وأن هذه الدول بوضع دستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي ولها الحق في الإنضمام للمجتمع الدولي إن طالبت بذلك.
- السلطة التأسيسية : عادة ما تصدر الدساتير المكتوبة عن سلطة عليا الدولة
وتمتاز أنها أصيلة وأولية وغير مقيدة بشرط.
طرق وضع الدساتير :
أولاً : الطرق غير الديمقراطية :
1-أسلوب المنحة : هو أسلوب قديم ساد لدى العروش الملكية الأوربية ويكون الدستور هنا من ذات الحاكم دون أن يكون للمحكوم دخل في ذلك لا في مرحلة الإعداد أو الإقرار ولكن تجدر الإشارة أن هذا الأسلوب ما كان ليقوم به الملك لولا الضغوط الشعبية.
2-أسلوب التعاقد : ويكون ذلك بعد ثورة على الحاكم بحيث يجبرون على توقيع وثيقة يفرض فيها الثوار شروطهم ومطالبهم أي أنها عبارة عن نص بتعاقدي يقيد من إرادة الحاكم.
ثانياً : الطرق الديمقراطية :
1-أسلوب الجمعية التأسيسية : يقوم الشعب بإنتخاب ممثلين له الذين يضعون الدستور المعبر عن إرادة الشعب ويصبح نافذاً بمجرد مصادقة الجمعية التأسيسية عليه.
2- أسلوب الإستفتاء الدستوري : وهنا يتم إنتخاب جمعية تأسيسية تتكفل بوضع مشروع دستور ثم يعرض هذا المشروع على الإستفتاء الشعبي للمصادقة عليه ، ويصبح نافذاً بمجرد موافقة الشعب عليه.
وأحسن طريقة هي الدمج بينهما.
تعديل الدستور : وهو التغيير الجزئي لأحكامه سواء بالإضافة أو الإنقاص أو بالإلغاء.
ضرورته : لأنه لابد أن يتماشى الدستور مع الظروف المحيطة بالمجتمع التي تقتضي تكييفه وملائمته مع هذه المستجدات.
شروطه : أي أن يتم وفقاً للشروط الواردة فيه والتي يتطلبها.
القيود التي ترد على التعديل : - منع التعديل بصفة مطلقة ، وكذلك منع تعديل الدستور إذا كان يرمي إلى إلغاء أحكامه ولابد من تحقق الأغلبية المطلوبة عند قراءة البرلمان لمواده ، وكذلك يمنع تعديل الدستور في حالات معينة مثل حالة الحرب وكذلك التعديل الذي يمس بمقومات الدولة مثل الدستور الجزائري حيث منع التعديل الذي يمس بمقومات الجمهورية (الإسلام ، العروبة ، والأمازيغية).
إجراءات التعديل :
1-المبادرة بالتعديل : لقد حصرت في جهتين وهما رئيس الجمهورية أو البرلمان معاً أو أحدهما.
2-إقرار التعديل : ويتم ذلك أن يتم التعديل وفقاً للأسلوب الذي وضع به وبالنصاب الذي يحدده عند التصويت أو أن يعرض على الشعب إذا كان يتطلب الإستفتاء الشعبي.
إنقضاء الدساتير :
1-الطرق القانونية : إما عن طريق الأسلوب الذي يحدده الدستور نفسه والراسخ أنه لا يمكن أن يحمل الدستور كيفية إلغائه لإمتيازه بالثبات والإستقرار ، وإنما يمنح فكرة الإلغاء الجزئي ويتم أيضا الإلغاء عن طريق الاستفتاء الشعبي.
2-الطرق غير القانونية (الواقعية) :
أ- الثورة الشعبية : وهنا عندما يكون الشعب غير راض عن الحكم وهي عملية يتم من خلالها التغيير الجذري لنظام الحكم ويترتب عليه بالضرورة إلغاء الدستور.
ب- الإنقلاب : وهو الإجراء الذي يقوم به أحد أو مجموعة من الطبقة السياسية وعادة ما يكون مدبر الإنقلاب الجيش لذا يسمى بالإنقلاب العسكري وهي ظاهرة تنتشر في دول العالم الثالث مثل ما حدث في موريتانيا مؤخراً.
محتوى الدستور :
الأحكام المتعلقة بتنظيم المجال السياسي :
1- الأحكام التي تؤسس شرعية السلطة : وهنا نجد أن الدساتير تعمل على إبراز وتكريس شرعية السلطة العامة في الدولة ومصدرها من الشعب الذي يعد هو صاحب السيادة في المجتمع وأن الحكام يمارسون الحكم بتخويل منه بإعتبارهم ممثليه الشرعيين الذين يعبرون عن إرادته.
2- أحكام تتعلق بطبيعة الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها : مثل الشكل بسيطة كانت أو مركبة كما يحدد الدستور نوع الحكومة في الدولة مثل الحكم الجمهوري أو الملكي أو رئاسي أو برلماني أو غير ذلك.
3- الأحكام المتعلقة بتنظيم السلطة والعلاقات بين السلطات : تحدد الأحكام التي يخضع لها الحكام مثل مبدأ الفصل بين السلطات ومداه بين المرونة والجمود وكذلك الحال بالنسبة لشكل الحكم وطبيعة البرلمان.
أحكام أخرى :
1- تكريس ثوابت المجتمع في المجال الإقتصادي والإجتماعي والثقافي : أي أن الدستور يقوم على خلفية إيديولوجية معينة.
2- إقراروضمان الحريات والحقوق الفردية وينص عليها عادة في بداية الدساتير مثل إعلانات حقوق الإنسان والمواطن.
3- أحكام مختلفة : وتختلف من دستور لآخر مثل الرقابة على دستورية القوانين وكيفية تنظيمها وقد يحتوي على أحكام إنتقالية.