حكم تولية المرأة القضاء
بحث تمهيدي لمرحلة الماجستير
في الدراسات الإسلامية
إعداد: مصطفى محمود سليخ
إشراف الدكتور: محمد خير هيكل
1998
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأَتَم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقد خَطَّطتُ ليكونَ البحث في تمهيدٍ، وأربعة فصول، وخاتمة، وذلك كما يلي:
تمهيد: في سبب اختلاف الفقهاء في مسألة تولية المرأة القضاء.
الفصل الأول: في بيان مذاهب العلماء في هذه المسألة.
الفصل الثاني: في أدِلَّة مذاهب العلماء.
الفصل الثالث: في مناقَشة أدلة المذهب.
الفصل الرابع: في الاختيار والتَّرجيح.
الخاتمة: في ذِكْر أهم النتائج المستخلَصة منَ البحث.
تمهيد
بَيَّنَ فقهاؤُنا - رحمهمُ الله أجمعين -: أنَّ شريعة الإسلام توجب وجود القضاء في المجتمع الإسلامي، ووَضَّحوا الشُّروط التي لا بُدَّ مِن توافُرها فيمَن يَتَوَلَّى هذا الأمر الخطير، هذه الشُّروط التي استنْبطوها منَ القرآن والسُّنَّة وغيرهما مِن مصادر التَّشريع الإسلامي.
إذًا؛ للقضاء شروط يجب توافرها فيمَن يقوم بحمْل أعباء هذا المنصب؛ وذلك لكيْ يكونَ أهلاً للفصل بين الناس، ولا يجوز لولِيِّ الأمر أن يقلِّدَ هذا المنصب إلاَّ لِمَن تتوافر فيه كامِل الشروط.
وكان الحادي للعلماء إلى اشتراطها هو الاحتياطَ بِقَدْر الإمكان؛ لأنْ تكونَ الأحكام الصادرة في القضايا أحكامًا شرعيَّة، صادِرة عنْ ذي أهلية صالِحة لإصدار مثل هذه الأحْكام.
ومنَ الشروط التي شَرَطَها العلماء لِتَوَلِّي القضاء: الذُّكورة، وهذا الشرط محلُّ اختلافٍ كبيرٍ بين العلماء في الماضي والحاضر، فمِنهم منِ اعتبر الذكورة شرطًا مِن شروط القاضي؛ وعلى هذا فلا يجوز تولية المرأة، ومنهم مَن لم يعتبرِ الذكورة منَ الشروط، فيجوز عنده توليتها، ومنهم مَن اعتبرها شَرْط جواز، لا شرط صحة.
ومن هنا يَتَبَيَّن أنَّ اختلاف الفُقَهاء في تَوْلِية المرأة القضاءَ، نابِع مِن اختلافهم في تحديد شروط أهلية القضاء، وهل تعتبر الذُّكورة شرطًا مِن هذه الشروط أو لا؟
وإليك بيانَ ما قالَه العلماء في هذه المسألة:
الفصل الأول
بيان مذاهب العلماء في حُكم تولية المرأة القَضاء
أولاً: مَذْهب الجُمهُور:
ذَهَب جمهور العلماء - وفيهم الشافعية، والحنابلة، وجمهور المالكية[1]، وغيرهم – إلى: أنَّه لا يجوز تولية المرأة القضاء، في أي نوع من أنواع القضايا، سواء أكانت في قضايا الأموال، أم في قضايا القِصاص والحدود، أم في غير ذلك منَ القضايا، ولو وُلِّيَتْ، كان مَن وَلاَّها آثمًا، ولا ينفذ قضاؤُها، ولو كان موافقًا للحَقِّ.
ثانيًا: مذهب الحنفيَّة:
أمَّا الحنفيَّة، فنرى بعض الكتَّاب في الفقه الإسلامي، ينسبون إليهم أنهم يرون جواز أن تَتَوَلَّى المرأةُ القضاء، في الأمور التي يصِحُّ لها أن تشهدَ فيها، وهي ما عدا مسائل الحدود والقِصاص[2].
بينما يرى البعض: أنَّ حقيقة مذهب الحنفيَّة غير ذلك؛ لأنَّ الحنفية يقفون مع الجمهور في القول: بِعَدَم جواز تولية المرأة القضاء؛ لكنهم زادوا على ذلك أنها لو وُلِّيَتْ أَثِمَ مَن ولاَّها؛ لكن قضاءها ينفذ مع إِثْم المُولِّي بشرطينِ:
1- أن يوافقَ قضاؤها كتاب الله، وسنَّة رسوله.
2 - أن يكونَ القضاء في غير الحدود والقِصاص؛ إذ لا تُقْبَل شهادتها فيهما[3]؛ ويستدل لذلك بنصوص الحنفية أنفسهم، كمِثْل ما قَرَّرَهُ صاحب "مجمع الأنهر"؛ حيث يقول: "يجوز قضاء المرأة في جميع الحقوق؛ لكونِها مِن أهل الشهادة، لكن أَثِم موليها؛ للحديث: ((لن يفلحَ قوم وَلَّوا أمرهم امرأة))[4]في غير حدٍّ وَقَوَد؛ إذ لا يجري فيهما شهادتها، وكذا قضاؤها في "ظاهر الرِّوايَة".
وهو أيضًا ما أثبته الكمال ابن الهُمام[5]،في سياق رَدِّه على استدلال الجمهور على عدم نفاذ حكمها إذا ولِّيتْ؛ حيث يقول: "والجواب: أن ما ذكر غاية ما يفيد منع أن تَسْتَقْضِيَ وعدم حِلّه، والكلام فيما لو وليتْ، وأَثِم المقلد، أو حكمها خصمان، فقضتْ قضاء موافقًا لدِين الله، أكان ينفذ أم لا؟ لم ينتهِضِ الدليل على نَفْيه بعد موافقته ما أنزل الله، إلاَّ أن يثبت شرعًا سَلْب أهليتها، وليس في الشرع سوى نُقصان عقلها، ومعلوم أنه لم يصل إلى حدِّ سلب ولايتها بالكُلية، ألا ترى أنها تصلح شاهدة... وذلك النُّقْصان بالنِّسبة والإضافة، ثم هو منسوب إلى الجِنْس، فجاز في الفرد خلافه... ولذلك النقص الغريزي نَسَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَن يوليهنَّ عدم الفلاح[6]، فكان الحديث متعرِّضًا للمُولِّين ولَهُنَّ بنَقْص الحال، وهذا حق؛ لكن الكلام فيما لو وليتْ فقضتْ بالحق، لماذا يبطل هذا الحق[7]؟
مع أنَّ الكمال نفسه قد قال قبل هذا الموضع في الكتاب نفسه: "وأما الذكورة، فليستْ بشرط إلاَّ للقضاء في الحدود والدِّماء، فتقضي المرأة في كل شيء إلا فيهما[8]".
بحث تمهيدي لمرحلة الماجستير
في الدراسات الإسلامية
إعداد: مصطفى محمود سليخ
إشراف الدكتور: محمد خير هيكل
1998
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأَتَم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقد خَطَّطتُ ليكونَ البحث في تمهيدٍ، وأربعة فصول، وخاتمة، وذلك كما يلي:
تمهيد: في سبب اختلاف الفقهاء في مسألة تولية المرأة القضاء.
الفصل الأول: في بيان مذاهب العلماء في هذه المسألة.
الفصل الثاني: في أدِلَّة مذاهب العلماء.
الفصل الثالث: في مناقَشة أدلة المذهب.
الفصل الرابع: في الاختيار والتَّرجيح.
الخاتمة: في ذِكْر أهم النتائج المستخلَصة منَ البحث.
تمهيد
بَيَّنَ فقهاؤُنا - رحمهمُ الله أجمعين -: أنَّ شريعة الإسلام توجب وجود القضاء في المجتمع الإسلامي، ووَضَّحوا الشُّروط التي لا بُدَّ مِن توافُرها فيمَن يَتَوَلَّى هذا الأمر الخطير، هذه الشُّروط التي استنْبطوها منَ القرآن والسُّنَّة وغيرهما مِن مصادر التَّشريع الإسلامي.
إذًا؛ للقضاء شروط يجب توافرها فيمَن يقوم بحمْل أعباء هذا المنصب؛ وذلك لكيْ يكونَ أهلاً للفصل بين الناس، ولا يجوز لولِيِّ الأمر أن يقلِّدَ هذا المنصب إلاَّ لِمَن تتوافر فيه كامِل الشروط.
وكان الحادي للعلماء إلى اشتراطها هو الاحتياطَ بِقَدْر الإمكان؛ لأنْ تكونَ الأحكام الصادرة في القضايا أحكامًا شرعيَّة، صادِرة عنْ ذي أهلية صالِحة لإصدار مثل هذه الأحْكام.
ومنَ الشروط التي شَرَطَها العلماء لِتَوَلِّي القضاء: الذُّكورة، وهذا الشرط محلُّ اختلافٍ كبيرٍ بين العلماء في الماضي والحاضر، فمِنهم منِ اعتبر الذكورة شرطًا مِن شروط القاضي؛ وعلى هذا فلا يجوز تولية المرأة، ومنهم مَن لم يعتبرِ الذكورة منَ الشروط، فيجوز عنده توليتها، ومنهم مَن اعتبرها شَرْط جواز، لا شرط صحة.
ومن هنا يَتَبَيَّن أنَّ اختلاف الفُقَهاء في تَوْلِية المرأة القضاءَ، نابِع مِن اختلافهم في تحديد شروط أهلية القضاء، وهل تعتبر الذُّكورة شرطًا مِن هذه الشروط أو لا؟
وإليك بيانَ ما قالَه العلماء في هذه المسألة:
الفصل الأول
بيان مذاهب العلماء في حُكم تولية المرأة القَضاء
أولاً: مَذْهب الجُمهُور:
ذَهَب جمهور العلماء - وفيهم الشافعية، والحنابلة، وجمهور المالكية[1]، وغيرهم – إلى: أنَّه لا يجوز تولية المرأة القضاء، في أي نوع من أنواع القضايا، سواء أكانت في قضايا الأموال، أم في قضايا القِصاص والحدود، أم في غير ذلك منَ القضايا، ولو وُلِّيَتْ، كان مَن وَلاَّها آثمًا، ولا ينفذ قضاؤُها، ولو كان موافقًا للحَقِّ.
ثانيًا: مذهب الحنفيَّة:
أمَّا الحنفيَّة، فنرى بعض الكتَّاب في الفقه الإسلامي، ينسبون إليهم أنهم يرون جواز أن تَتَوَلَّى المرأةُ القضاء، في الأمور التي يصِحُّ لها أن تشهدَ فيها، وهي ما عدا مسائل الحدود والقِصاص[2].
بينما يرى البعض: أنَّ حقيقة مذهب الحنفيَّة غير ذلك؛ لأنَّ الحنفية يقفون مع الجمهور في القول: بِعَدَم جواز تولية المرأة القضاء؛ لكنهم زادوا على ذلك أنها لو وُلِّيَتْ أَثِمَ مَن ولاَّها؛ لكن قضاءها ينفذ مع إِثْم المُولِّي بشرطينِ:
1- أن يوافقَ قضاؤها كتاب الله، وسنَّة رسوله.
2 - أن يكونَ القضاء في غير الحدود والقِصاص؛ إذ لا تُقْبَل شهادتها فيهما[3]؛ ويستدل لذلك بنصوص الحنفية أنفسهم، كمِثْل ما قَرَّرَهُ صاحب "مجمع الأنهر"؛ حيث يقول: "يجوز قضاء المرأة في جميع الحقوق؛ لكونِها مِن أهل الشهادة، لكن أَثِم موليها؛ للحديث: ((لن يفلحَ قوم وَلَّوا أمرهم امرأة))[4]في غير حدٍّ وَقَوَد؛ إذ لا يجري فيهما شهادتها، وكذا قضاؤها في "ظاهر الرِّوايَة".
وهو أيضًا ما أثبته الكمال ابن الهُمام[5]،في سياق رَدِّه على استدلال الجمهور على عدم نفاذ حكمها إذا ولِّيتْ؛ حيث يقول: "والجواب: أن ما ذكر غاية ما يفيد منع أن تَسْتَقْضِيَ وعدم حِلّه، والكلام فيما لو وليتْ، وأَثِم المقلد، أو حكمها خصمان، فقضتْ قضاء موافقًا لدِين الله، أكان ينفذ أم لا؟ لم ينتهِضِ الدليل على نَفْيه بعد موافقته ما أنزل الله، إلاَّ أن يثبت شرعًا سَلْب أهليتها، وليس في الشرع سوى نُقصان عقلها، ومعلوم أنه لم يصل إلى حدِّ سلب ولايتها بالكُلية، ألا ترى أنها تصلح شاهدة... وذلك النُّقْصان بالنِّسبة والإضافة، ثم هو منسوب إلى الجِنْس، فجاز في الفرد خلافه... ولذلك النقص الغريزي نَسَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَن يوليهنَّ عدم الفلاح[6]، فكان الحديث متعرِّضًا للمُولِّين ولَهُنَّ بنَقْص الحال، وهذا حق؛ لكن الكلام فيما لو وليتْ فقضتْ بالحق، لماذا يبطل هذا الحق[7]؟
مع أنَّ الكمال نفسه قد قال قبل هذا الموضع في الكتاب نفسه: "وأما الذكورة، فليستْ بشرط إلاَّ للقضاء في الحدود والدِّماء، فتقضي المرأة في كل شيء إلا فيهما[8]".