محام.. من عصر المحاكم المختــــــــــــــــــــــــلطة!
حوار: ليلي محمد مصطفي
عمره82 عاما ويمارس المهنة منذ أكثر مــــــــــــــــــــــــن60 عاما
هو أقدم محام في مصر الآن.. عمره أكثر من80 عاما, قضي منها نحو60 عاما في ساحات المحاكم منذ تخرجه في مدرسة الحقوق بجامعة فؤاد الأول سنة1940..
إنه الأستاذ مراد رفعت الذي لايزال يمارس المهنة وقد أطلق عليه زملاؤه لقب شيخ المحامين.
يقول الأستاذ مراد رفعت المحامي:
أنا من مواليد2 يونيو1920 عزبة عمارة مركز طهطا سوهاج وتخرجت في مدرسة الحقوق بجامعة فؤاد الأول, والتي سميت فيما بعد كلية الحقوق جامعة القاهرة.. وكنت قد التحقت بها عام1937 وكانت هذه الدفعة هي آخر دفعة في نظام الدراسة القديم, حيث كان الطالب يدرس في السنة الأولي ثلاث مواد فقط وهي: اللغة العربية والفقه والخطابة وهذه السنة كنا نسميها الاعدادي وأيضا كنا ندرس فيها اللغة الفرنسية. أما باقي السنوات الثلاث فكنا ندرس فيها مواد القانون!
* هل كانت هناك شروط خاصة للالتحاق بمدرسة الحقوق؟
** شرطان لابد من توافرهما في الطالب الذي يلتحق بالحقوق الأول أن يكون حاصلا علي مجموع60 في المائة في مادة اللغة العربية والشرط الثاني ان يكون حاصلا علي نفس المجموع في اللغة الفرنسية في شهادة البكالوريا ـ الثانوية العامة كما تسمي الآن ـ والسبب أن مادة القانون كانت تدرس لنا علي مدي السنوات الأربع باللغتين الفرنسية وكان يدرسها لنا الدكتور سليمان مرقص.. واللغة العربية وكان يدرسها لنا الدكتور العالم الكبير عبد الرزاق السنهوري عميد الكلية وقتها.
والهدف من الدراسة بالفرنسية هو وجود المحاكم المختلطة حتي تم الغاؤها في اكتوبر عام1949 وهذه المحاكم المختلطة كانت تختص بالفصل في المنازعات بين الأجانب والمصريين.
وجميع المحامين الذين تخرجوا في مدرسة الحقوق الفرنسية عملوا بالمحاماة أمام المحاكم المختلطة.. ولما ألغيت اضطر المحامون الأجانب للاستعانة ببعض المحامين المصريين للمرافعة امام المحاكم المصرية, لأن المحامين الأجانب كانوا لايجيدون اللغة العربية.
ويواصل حديثه قائلا: تخرجت في شهر يونيو سنة1940 وكنت سعيدا بحصولي علي شهادة الليسانس وأسرعت حاملا أوراقي وتقدمت بها الي نقابة المحامين لكي أقيد نفسي بها فاكتشفت انني كنت لاأزال قاصرا فرفض الموظف تسلم أوراقي وطلب مني أن أحضر ومعي كل هذه الأوراق في العام الذي يليه بعد بلوغي سن الرشد القانونية21 سنة.
ومع ذلك لم أحزن وإنما أفادتني هذه السنة بعمل دراسات عليا في القانون العام وفي أول يوليو سنة1941 قدمت أوراقي لنقابة المحامين لأصبح محاميا.
وقد كان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ضمن زملاء دفعتي في مدرسة الحقوق, لكنه ترك الدراسة بها بعد ثلاثة أشهر فقط ليلتحق بالكلية الحربية وكان من بين خريجي الدفعة مجموعة من المشاهير, مثل المستشار عصام الدين حسونة وزير العدل السابق وأذكر وهو وزير للعدل قدمت له شكوي ضد أحد موظفي مأمورية الشهر العقاري بالقاهرة واتهمته فيها بتعطيل الاجراءات القانونية, كان هذا في أواخر الستينيات, وفي اليوم التالي بعد وصول التلغراف إليه أمر وزير العدل المستشار عصام الدين حسونه بنقل هذا الموظف وأحدث هذا النقل وقتها ضجة في أوساط مكاتب الشهر العقاري علي مستوي محافظة القاهرة.
ولاأنسي أبدا المرحوم الكاتب الصحفي الرياضي الكبير نجيب المستكاوي الذي كان بطلا في ألعاب القوي بجامعة القاهرة بالاضافة الي عشقه لكرة القدم وكان يلعب ضمن فريق الجامعة في مركز الجناح الأيمن.
ومستشارين كثيرين كانوا ضمن دفعتي اصبح كثير منهم فيما بعد رؤساء لمحكمة النقض وهي أعلي سلطة قضائية في مصر.
* هل تتذكر أول قضية ترافعت فيها؟
** أول قضية ترافعت فيها كانت عام1941 عندما بلغت سن الرشد القانونية وكانت في قريتي طما بمحافظة سوهاج امام المحكمة العسكرية التي كانت تشكل وقتها من قاض مدني واثنين من الضباط العسكريين.. ووقائع القضية كانت تخص تاجرين من اهل بلدتي ألقي القبض عليهما بتهمة أنهما لايبيعان الكميات المحددة والموزعة عليهما من المواد التموينية بالبطاقات وهي: الزيت والشاي والسكر والجاز والكستور وانهما يحتفظان بها في محلهما.. فدافعت عنهما قائلا: إن الفلاح من أهل القرية لايواظب علي توزيع المواد التموينية بسبب وجوده في الحقل حيث يقوم بالزراعة وله مبيت في وسط الحقل ـ فيبيت فيه أياما لحراسة زراعته الأمر الذي يترتب عليه تخزين كميات كبيرة من المواد التموينية.. وجاء حكم القضاء بالبراءة من التهمة المنسوبة للتاجرين.. وكانت أتعابي فيها خمسة جنيهات من كل متهم واشتريت وقتها رطل لحم بعشرة قروش وجوز حمام بستة قروش وادخرت الباقي!!
* وماهي أهم قضية في حياتك؟
** القضية التي لاأنساها كانت قضية وقف سعيد باشا وهي تعد أهم قضية شرعية في حياتي وترافعت فيها مع الشيخ عبدالرازق القاضي بك نقيب المحامين الشرعيين وقتها ـ حيث كانت توجد نقابة للمحامين الشرعيين وأخري للذين يعملون أمام المحاكم المدنية والجنائية وهذه القضية كانت خاصة بوقف سعيد باشا والي مصر ـ علي معتوقته( جاريته) ثروت هانم شركس وهي من الشراكسة, فقد أوقف سعيد باشا والي مصر عليها مائة فدان بناحية بردنوها وهي من أعمال محافظة الدقهلية ووصل الخلاف بين ورثة المرحومة ثروت هانم شركس الي درجة كبيرة. وعندما وكلتني إحدي المستحقات واسمها امينة هانم رحمي ـ وهي من ورثة المعتوقة أخذت أفحص جميع المؤلفات الشرعية في الفقه الاسلامي وبعدما كونت عقيدتي في القضية الشرعية المعقدة. وقفت اترافع فيها قرابة الساعة وفي ختام المرافعة صدر الحكم لصالحنا بأحقية امينة هانم موكلتي في الميراث الشرعي.
* هل وقفت أمام محكمة الجنايات ؟
** نعم في قضية كان لها صداها في الستينيات تحديدا سنة1964 ووقائعها تقول: إن مساعد ـ صيدلي كان يعطي الحقن لسيدة حامل وكانت هذه السيدة في شهور الحمل الاخيرة وفجأة ومع آخر حقنة اعطاها مساعد الصيدلي للمجني عليها أصيبت بنوع غريب من الحساسية ـ توفيت علي اثره وكان شقيقها يعمل قاضيا في محكمة البلدية فأثار القضية وقبض علي المتهم وتم تشريح الجثة بواسطة الطبيب الشرعي, الذي كتب في تقريره ان الحقنة كان بها هواء حوالي10 سنتيمترات وتم توكيل المرحوم مصطفي البرادعي المحامي القدير عن ورثة السيدة المتوفاة وكنت حاضرا انا والدكتور علي الرجال رحمه الله وكان استاذي في الجامعة بتوكيل من المتهم.
وكانت دائرة الجنايات التي تنظر هذه القضية برئاسة المستشار سليمان أباظة قد طلبت اعلان الطبيب الشرعي الذي تمسك بتقريره وكذلك اعلان كبير الاطباء الشرعيين لمناقشتهما.. وكانت المفاجأة عندما أبدي كبير الاطباء الشرعيين رأيه بأن الحقنة التي بها هواء بمقدار عشرة سنتيمترات لا تؤدي الي الوفاة.. فسألته المحكمة عن سبب الوفاة إذن ؟!...
فأجاب كبير الاطباء الشرعيين بأن مرض الحساسية ـ الذي كانت مصابة به السيدة الحامل هو السبب وراء وفاتها.. وقضت المحكمة بالبراءة وتحدثت عني الجرائد وقتها انا والدكتور علي الرجال, وكانت القضية حديث الرأي العام كله وحققت من الشهرة والانجاز ما لم يحققه اي محام في ذلك الوقت.
** لماذا اطلق عليك لقب( محامي زنانيري) ؟!
** محكمة زنانيري توجد بالقرب من مكتبي بشبرا وكان يطلق عليها المحكمة العليا الشرعية وكان اختصاصها قضايا الاوقاف والطلاق وعندما ألغيت المحاكم الشرعية ونقل اختصاصها للقضاء المدني وظل القاضي الشرعي كما هو مختصا بالنظر في القضايا الشرعية واصبحت محكمة زنانيري تنظر هذه القضايا تحت مسمي قضايا التصرفات. واحتفظ القاضي الشرعي بملابسه المميزة وهي العمامة والجبة والقفطان, وكذلك المحامون, حيث كانوا علماء وفقهاء في العلوم الشرعية وأذكر منهم المحامي الشرعي الشهير والفقيه احمد المعداوي رحمه الله.
وقد أطلق علي لقب محامي زنانيري لان شباك مكتبي يطل علي المحكمة مباشرة
** وماذا عن لقب شيخ المحامين ؟
* هذا اللقب اطلقه علي زملائي في المهنة لانني اعتبر أقدم محام في مصر الآن لانني قضيت من عمري62 عاما داخل ساحات المحاكم والحمد لله مازلت قادرا علي العطاء ومتعتي وسعادتي الحقيقية في الاوقات التي اقضيها في مكتبي بين ملفات القضايا.
فأنا دائما أبدأ يومي في الساعة السادسة صباحا وفي الثامنة بالضبط أكون في مكتبي أراجع القضية التي سأترافع فيها بعد قليل. قبل أن أذهب الي ساحة العدالة وأعود بعدها الي مكتبي في شبرا لأظل فيه حتي الساعة السادسة او السابعة مساء وأغادره بعدها الي بيتي في مصر الجديدة ويضيف قائلا: محامون كثيرون تركوا مهنة المحاماة بعد أن بلغوا الستين من عمرهم أما أنا فأشعر وكأني في قمة شبابي ومازلت قادرا علي العطاء.
** بما تنصح المحامين الشبان؟
** بعض المحامين للأسف لايدرسون القضايا التي يوكلون فيها دراسة عميقة ودقيقة.. فقد كنا في الماضي إذا عجزنا عن فهم قضية او الوصول الي مفتاحها ـ لا نتردد في طرق ابواب أساتذتنا طالبين منهم المشورة والمساعدة وكان محامي زمان يعشق التخصص فالمحامي المدني لا يقبل قضايا جنائية والعكس صحيح.. لكن للأسف فإن محامي هذه الايام كشكول خاصة صغار السن الذين يقبلون القضايا الشرعية والجنائية والعسكرية والمدنية والمحصلة في النهاية أن يكون ضعيف المستوي, لذلك أهيب بنقابة المحامين أن تعيد النظر في عودة التخصصات مرة أخري كما كان معمولا بها علي ايامي, عندما يصل المحامي الي الدرجة الاستئنافية العليا لابد أن يتخصص إما أمام المحاكم الجنائية او المدنية او الشرعية او العمالية او التوثيق وهذا النظام لايزال معمولا به في فرنسا حتي اليوم.
كما أنصح كل محام شاب أن يدرس ويفحص اي دعوي او قضية يترافع فيها, ولا ينظر الي المادة لانها آخر شيء يجب ان يفكر فيه المحامي الناجح.. ايضا يجب ان يتمتع المحامي بالامانة والاستقرار والثقة الكاملة ثقة الموكل بالمحامي وقدرته وأهليته علي التصرف بحكمة.
نقلا عن مجلة الشباب
حوار: ليلي محمد مصطفي
عمره82 عاما ويمارس المهنة منذ أكثر مــــــــــــــــــــــــن60 عاما
هو أقدم محام في مصر الآن.. عمره أكثر من80 عاما, قضي منها نحو60 عاما في ساحات المحاكم منذ تخرجه في مدرسة الحقوق بجامعة فؤاد الأول سنة1940..
إنه الأستاذ مراد رفعت الذي لايزال يمارس المهنة وقد أطلق عليه زملاؤه لقب شيخ المحامين.
يقول الأستاذ مراد رفعت المحامي:
أنا من مواليد2 يونيو1920 عزبة عمارة مركز طهطا سوهاج وتخرجت في مدرسة الحقوق بجامعة فؤاد الأول, والتي سميت فيما بعد كلية الحقوق جامعة القاهرة.. وكنت قد التحقت بها عام1937 وكانت هذه الدفعة هي آخر دفعة في نظام الدراسة القديم, حيث كان الطالب يدرس في السنة الأولي ثلاث مواد فقط وهي: اللغة العربية والفقه والخطابة وهذه السنة كنا نسميها الاعدادي وأيضا كنا ندرس فيها اللغة الفرنسية. أما باقي السنوات الثلاث فكنا ندرس فيها مواد القانون!
* هل كانت هناك شروط خاصة للالتحاق بمدرسة الحقوق؟
** شرطان لابد من توافرهما في الطالب الذي يلتحق بالحقوق الأول أن يكون حاصلا علي مجموع60 في المائة في مادة اللغة العربية والشرط الثاني ان يكون حاصلا علي نفس المجموع في اللغة الفرنسية في شهادة البكالوريا ـ الثانوية العامة كما تسمي الآن ـ والسبب أن مادة القانون كانت تدرس لنا علي مدي السنوات الأربع باللغتين الفرنسية وكان يدرسها لنا الدكتور سليمان مرقص.. واللغة العربية وكان يدرسها لنا الدكتور العالم الكبير عبد الرزاق السنهوري عميد الكلية وقتها.
والهدف من الدراسة بالفرنسية هو وجود المحاكم المختلطة حتي تم الغاؤها في اكتوبر عام1949 وهذه المحاكم المختلطة كانت تختص بالفصل في المنازعات بين الأجانب والمصريين.
وجميع المحامين الذين تخرجوا في مدرسة الحقوق الفرنسية عملوا بالمحاماة أمام المحاكم المختلطة.. ولما ألغيت اضطر المحامون الأجانب للاستعانة ببعض المحامين المصريين للمرافعة امام المحاكم المصرية, لأن المحامين الأجانب كانوا لايجيدون اللغة العربية.
ويواصل حديثه قائلا: تخرجت في شهر يونيو سنة1940 وكنت سعيدا بحصولي علي شهادة الليسانس وأسرعت حاملا أوراقي وتقدمت بها الي نقابة المحامين لكي أقيد نفسي بها فاكتشفت انني كنت لاأزال قاصرا فرفض الموظف تسلم أوراقي وطلب مني أن أحضر ومعي كل هذه الأوراق في العام الذي يليه بعد بلوغي سن الرشد القانونية21 سنة.
ومع ذلك لم أحزن وإنما أفادتني هذه السنة بعمل دراسات عليا في القانون العام وفي أول يوليو سنة1941 قدمت أوراقي لنقابة المحامين لأصبح محاميا.
وقد كان الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ضمن زملاء دفعتي في مدرسة الحقوق, لكنه ترك الدراسة بها بعد ثلاثة أشهر فقط ليلتحق بالكلية الحربية وكان من بين خريجي الدفعة مجموعة من المشاهير, مثل المستشار عصام الدين حسونة وزير العدل السابق وأذكر وهو وزير للعدل قدمت له شكوي ضد أحد موظفي مأمورية الشهر العقاري بالقاهرة واتهمته فيها بتعطيل الاجراءات القانونية, كان هذا في أواخر الستينيات, وفي اليوم التالي بعد وصول التلغراف إليه أمر وزير العدل المستشار عصام الدين حسونه بنقل هذا الموظف وأحدث هذا النقل وقتها ضجة في أوساط مكاتب الشهر العقاري علي مستوي محافظة القاهرة.
ولاأنسي أبدا المرحوم الكاتب الصحفي الرياضي الكبير نجيب المستكاوي الذي كان بطلا في ألعاب القوي بجامعة القاهرة بالاضافة الي عشقه لكرة القدم وكان يلعب ضمن فريق الجامعة في مركز الجناح الأيمن.
ومستشارين كثيرين كانوا ضمن دفعتي اصبح كثير منهم فيما بعد رؤساء لمحكمة النقض وهي أعلي سلطة قضائية في مصر.
* هل تتذكر أول قضية ترافعت فيها؟
** أول قضية ترافعت فيها كانت عام1941 عندما بلغت سن الرشد القانونية وكانت في قريتي طما بمحافظة سوهاج امام المحكمة العسكرية التي كانت تشكل وقتها من قاض مدني واثنين من الضباط العسكريين.. ووقائع القضية كانت تخص تاجرين من اهل بلدتي ألقي القبض عليهما بتهمة أنهما لايبيعان الكميات المحددة والموزعة عليهما من المواد التموينية بالبطاقات وهي: الزيت والشاي والسكر والجاز والكستور وانهما يحتفظان بها في محلهما.. فدافعت عنهما قائلا: إن الفلاح من أهل القرية لايواظب علي توزيع المواد التموينية بسبب وجوده في الحقل حيث يقوم بالزراعة وله مبيت في وسط الحقل ـ فيبيت فيه أياما لحراسة زراعته الأمر الذي يترتب عليه تخزين كميات كبيرة من المواد التموينية.. وجاء حكم القضاء بالبراءة من التهمة المنسوبة للتاجرين.. وكانت أتعابي فيها خمسة جنيهات من كل متهم واشتريت وقتها رطل لحم بعشرة قروش وجوز حمام بستة قروش وادخرت الباقي!!
* وماهي أهم قضية في حياتك؟
** القضية التي لاأنساها كانت قضية وقف سعيد باشا وهي تعد أهم قضية شرعية في حياتي وترافعت فيها مع الشيخ عبدالرازق القاضي بك نقيب المحامين الشرعيين وقتها ـ حيث كانت توجد نقابة للمحامين الشرعيين وأخري للذين يعملون أمام المحاكم المدنية والجنائية وهذه القضية كانت خاصة بوقف سعيد باشا والي مصر ـ علي معتوقته( جاريته) ثروت هانم شركس وهي من الشراكسة, فقد أوقف سعيد باشا والي مصر عليها مائة فدان بناحية بردنوها وهي من أعمال محافظة الدقهلية ووصل الخلاف بين ورثة المرحومة ثروت هانم شركس الي درجة كبيرة. وعندما وكلتني إحدي المستحقات واسمها امينة هانم رحمي ـ وهي من ورثة المعتوقة أخذت أفحص جميع المؤلفات الشرعية في الفقه الاسلامي وبعدما كونت عقيدتي في القضية الشرعية المعقدة. وقفت اترافع فيها قرابة الساعة وفي ختام المرافعة صدر الحكم لصالحنا بأحقية امينة هانم موكلتي في الميراث الشرعي.
* هل وقفت أمام محكمة الجنايات ؟
** نعم في قضية كان لها صداها في الستينيات تحديدا سنة1964 ووقائعها تقول: إن مساعد ـ صيدلي كان يعطي الحقن لسيدة حامل وكانت هذه السيدة في شهور الحمل الاخيرة وفجأة ومع آخر حقنة اعطاها مساعد الصيدلي للمجني عليها أصيبت بنوع غريب من الحساسية ـ توفيت علي اثره وكان شقيقها يعمل قاضيا في محكمة البلدية فأثار القضية وقبض علي المتهم وتم تشريح الجثة بواسطة الطبيب الشرعي, الذي كتب في تقريره ان الحقنة كان بها هواء حوالي10 سنتيمترات وتم توكيل المرحوم مصطفي البرادعي المحامي القدير عن ورثة السيدة المتوفاة وكنت حاضرا انا والدكتور علي الرجال رحمه الله وكان استاذي في الجامعة بتوكيل من المتهم.
وكانت دائرة الجنايات التي تنظر هذه القضية برئاسة المستشار سليمان أباظة قد طلبت اعلان الطبيب الشرعي الذي تمسك بتقريره وكذلك اعلان كبير الاطباء الشرعيين لمناقشتهما.. وكانت المفاجأة عندما أبدي كبير الاطباء الشرعيين رأيه بأن الحقنة التي بها هواء بمقدار عشرة سنتيمترات لا تؤدي الي الوفاة.. فسألته المحكمة عن سبب الوفاة إذن ؟!...
فأجاب كبير الاطباء الشرعيين بأن مرض الحساسية ـ الذي كانت مصابة به السيدة الحامل هو السبب وراء وفاتها.. وقضت المحكمة بالبراءة وتحدثت عني الجرائد وقتها انا والدكتور علي الرجال, وكانت القضية حديث الرأي العام كله وحققت من الشهرة والانجاز ما لم يحققه اي محام في ذلك الوقت.
** لماذا اطلق عليك لقب( محامي زنانيري) ؟!
** محكمة زنانيري توجد بالقرب من مكتبي بشبرا وكان يطلق عليها المحكمة العليا الشرعية وكان اختصاصها قضايا الاوقاف والطلاق وعندما ألغيت المحاكم الشرعية ونقل اختصاصها للقضاء المدني وظل القاضي الشرعي كما هو مختصا بالنظر في القضايا الشرعية واصبحت محكمة زنانيري تنظر هذه القضايا تحت مسمي قضايا التصرفات. واحتفظ القاضي الشرعي بملابسه المميزة وهي العمامة والجبة والقفطان, وكذلك المحامون, حيث كانوا علماء وفقهاء في العلوم الشرعية وأذكر منهم المحامي الشرعي الشهير والفقيه احمد المعداوي رحمه الله.
وقد أطلق علي لقب محامي زنانيري لان شباك مكتبي يطل علي المحكمة مباشرة
** وماذا عن لقب شيخ المحامين ؟
* هذا اللقب اطلقه علي زملائي في المهنة لانني اعتبر أقدم محام في مصر الآن لانني قضيت من عمري62 عاما داخل ساحات المحاكم والحمد لله مازلت قادرا علي العطاء ومتعتي وسعادتي الحقيقية في الاوقات التي اقضيها في مكتبي بين ملفات القضايا.
فأنا دائما أبدأ يومي في الساعة السادسة صباحا وفي الثامنة بالضبط أكون في مكتبي أراجع القضية التي سأترافع فيها بعد قليل. قبل أن أذهب الي ساحة العدالة وأعود بعدها الي مكتبي في شبرا لأظل فيه حتي الساعة السادسة او السابعة مساء وأغادره بعدها الي بيتي في مصر الجديدة ويضيف قائلا: محامون كثيرون تركوا مهنة المحاماة بعد أن بلغوا الستين من عمرهم أما أنا فأشعر وكأني في قمة شبابي ومازلت قادرا علي العطاء.
** بما تنصح المحامين الشبان؟
** بعض المحامين للأسف لايدرسون القضايا التي يوكلون فيها دراسة عميقة ودقيقة.. فقد كنا في الماضي إذا عجزنا عن فهم قضية او الوصول الي مفتاحها ـ لا نتردد في طرق ابواب أساتذتنا طالبين منهم المشورة والمساعدة وكان محامي زمان يعشق التخصص فالمحامي المدني لا يقبل قضايا جنائية والعكس صحيح.. لكن للأسف فإن محامي هذه الايام كشكول خاصة صغار السن الذين يقبلون القضايا الشرعية والجنائية والعسكرية والمدنية والمحصلة في النهاية أن يكون ضعيف المستوي, لذلك أهيب بنقابة المحامين أن تعيد النظر في عودة التخصصات مرة أخري كما كان معمولا بها علي ايامي, عندما يصل المحامي الي الدرجة الاستئنافية العليا لابد أن يتخصص إما أمام المحاكم الجنائية او المدنية او الشرعية او العمالية او التوثيق وهذا النظام لايزال معمولا به في فرنسا حتي اليوم.
كما أنصح كل محام شاب أن يدرس ويفحص اي دعوي او قضية يترافع فيها, ولا ينظر الي المادة لانها آخر شيء يجب ان يفكر فيه المحامي الناجح.. ايضا يجب ان يتمتع المحامي بالامانة والاستقرار والثقة الكاملة ثقة الموكل بالمحامي وقدرته وأهليته علي التصرف بحكمة.
نقلا عن مجلة الشباب