التنفيذ في الأحكام الجنائية ؟
تثير
إشكالات التنفيذ في المواد الجنائية كثيرًا من الصعوبات والجدل لدى
القضاء، فقد يحدث أن يرفع المستشكل في الحكم الجنائي إشكاله لدى القضاء
الجنائي وقد يقيمه أمام قاضي الأمور المستعجلة ويثور النزاع حول أيهما
المختص هل هو القضاء الجنائي الذي أصدر الحكم المستشكل فيه أم هو القضاء
المدني بما فيه قاضي الأمور المستعجلة.
وقد تثير أقلام المحضرين
عند تنفيذ الحكم الجنائي بعد رفع الإشكال أو قبله اعتراضات في التنفيذ قد
يدق عليها تذليلها إذا لم ترجع إلى نصوص القانون التي شرعت لإيضاح إجراءات
الإشكال في تنفيذ الأحكام الجنائية.
2 - ونرى في معالجة هذا
الموضوع أن نوضح ما ثار من جدال حوله في ظل نصوص قانوني المرافعات وتحقيق
الجنايات القديمين ومقارنتها بالنصوص الجديدة الواردة في قانون المرافعات
الجديد وقانون الإجراءات الجنائية لنخلص من ذلك إلى الجهة المختصة قانونًا
بنظر إشكالات التنفيذ في الأحكام الجنائية سواء من المحكوم عليه أو من
الغير ولنرى أثر رفع الإشكال ومدى أحقية المحضر في إثارة اعتراض على
التنفيذ بعد رفع الإشكال أو عند التنفيذ.
في فرنسا:
3
- والنيابة العامة في فرنسا هي التي كانت تتلقى إشكالات التنفيذ في
الأحكام الجنائية وهي التي تفصل فيها مع أن النيابة العامة حين تنفيذها
الأحكام الجنائية تعد خصمًا يباشر تنفيذ الحكم الصادر لصالحه ولا يجوز أن
يكون الخصم حكمًا وقد عدل عن هذا الرأي لمخالفته للعدالة وأصبحت المحاكم
هي المختصة دون النيابة العامة بنظر هذه الإشكالات واستقر الفقه والقضاء
على ذلك ولكن دار البحث حول تحديد المحكمة التي تختص بنظر الإشكالات في
الأحكام الجنائية هل هي المحكمة التي أصدرت الحكم أم هي المحكمة الجنائية
التي يقع في دائرتها التنفيذ أم هي المحكمة المدنية المستعجلة.
وقد استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على أن الاختصاص يكون للمحكمة التي أصدرت الحكم.
ويرى
جارو أن الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم قد يكون فيه حرج لأن مسائل
الإشكال في التنفيذ تتطلب بطبيعة الحال الفصل فيها بطريق الاستعجال وقد
يقبض على المتهم خارج دائرة المحكمة التي أصدرت الحكم ولا يكون من المتيسر
الفصل في إشكاله بالسرعة اللازمة فرأى جارو أن يكون الاختصاص في الفصل في
الإشكال دائمًا لمحكمة الجنح التي يوجد بدائرتها المحكوم عليه وذلك
بالنسبة للعقوبات البدنية.
أما الإشكال في تنفيذ أحكام الغرامات
والمصادرة فيرى جارو أن يرفع دائمًا إلى المحكمة المدنية لأن هذه الأحكام
تقضي بملكية أو بدين وتفقد صفتها الجنائية بمجرد النطق بها.
في مصر:
[/b]
[right]في قانون المرافعات القديم وقانون تحقيق الجنايات الملغى:
4 - أما في مصر فكان قانون المرافعات القديم الصادر في 14 يونيه سنة 1882 المعدل بالديكريتو 31 أغسطس سنة 1892 ينص في المادة (2
منه على أنه (يحكم قاضي المواد الجزئية بمواجهة الأخصام في المنازعات
المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات الواجبة التنفيذ بشرط ألا
يتعرض في حكمه لتفسير تلك الأحكام، ويحكم أيضًا في الأمور المستعجلة التي
يخشى عليها من فوات الوقت بحيث لا يكون لحكمه تأثير في أصل الدعوى).
وكانت
المادة (386) من قانون المرافعات القديم تنص على أنه (إذا حصل إشكال في
التنفيذ فيما يكون متعلقًا بالإجراءات الوقتية يرفع أمره إلى محكمة المواد
الجزئية الكائن بدائرتها محل التنفيذ وما يكون متعلقًا بأصل الدعوى يرفع
أمره إلى المحكمة التي أصدرت الحكم).
أما قانون تحقيق الجنايات
الملغى فلم يرد فيه أي نص بشأن الإشكالات في تنفيذ الأحكام الجنائية وإنما
ورد في قانون تحقيق الجنايات المختلط نص المادة (330) منه وهي تقضي بأن
(كل إشكال في التنفيذ وكل نزاع بين النيابة والمتهم يُرفع إلى المحكمة
التي أصدرت الحكم).
في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية:
5
- وقضت المادة (347) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بأن الإشكالات في
التنفيذ التي تُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو التي بدائرتها محل
التنفيذ هي التي يثار فيها نزاع في مسائل تتعلق بالأحوال الشخصية ونصت
المادة (351) على أنه (إذا حصل إشكال في التنفيذ فبعد اتخاذ الإجراءات
التحفظية إذا اقتضى الحال ذلك يرفع ما كان منه متعلقًا بالإجراءات الوقتية
إلى المحكمة الجزئية الكائن بدائرتها محل التنفيذ وما يكون متعلقًا بأصل
الدعوى يُرفع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم).
وتطبيقًا لذلك حكم
بأن (تختص جهات الأحوال الشخصية بكل ما يمس شخص الإنسان ولا يتعدى ماله،
إلا أنه من الأحوال الشخصية ما يستلزم الالتزام المالي كالنفقة والمهر وما
إليهما فيختص بالفصل فيها جهات الأحوال الشخصية اختصاصًا محدودًا في أمور
معينة تحدوه فكرة واحدة لا تخرج عنه لذلك يكون للمحاكم المدنية سلطة
الإشراف على أحكام جهات الأحوال الشخصية لترقب صدورها في حدود اختصاصها
وقد نصت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أن الإشكال لا يُرفع إلى المحكمة
الشرعية إلا إذا تعلق بمسألة شرعية ومحصل ذلك أنه إذا أثار تنفيذ الحكم
نزاعًا مدنيًا فتختص به المحكمة المدنية (حكم مستعجل مصر 16 مارس سنة 1933
مجلة المحاماة س 14 ع 1 صـ 41) [(1)].
وقضت محكمة النقض بأنه (لما
كانت المادتان (15) و(16) من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية (الملغاة)
الأولى منهما تمنع هذه المحاكم من نظر أية دعوى لا تكون بذاتها من
اختصاصها والثانية تحظر عليها الفصل في مسائل الأحوال الشخصية وتأويل
الأحكام الصادرة فيها من الجهات المعهود إليها بنظرها وكان حكم الطاعة
الذي قضى الحكم المطعون فيه بإيقاف تنفيذه صادرًا من المحكمة الشرعية في
مسألة هي بلا جدال من صميم الأحوال الشخصية وكان الحكم المذكور لا يمس
حقًا ماليًا ولا يحتمل تنفيذًا على المال مما ينتفي معه اختصاص المحاكم
بنظر أي نزاع يقدم بشأنه، لما كان ذلك كذلك كان الحكم المطعون فيه باطلاً
لتجاوز المحكمة التي أصدرته حدود ولايتها فيتعين نقضه والحكم بعدم اختصاص
المحاكم بنظر الدعوى (راجع نقض 2 مارس سنة 1949 مجموعة رسمية ع 3 و4 س 51
صـ 9 وكان الحكم المطعون فيه بإيقاف تنفيذ حكم الطاعة).
رأي الفقه والقضاء:
6
- وفي ظل هذه النصوص السالفة رأى جمهور الفقهاء أن المسائل الجنائية
كالمسائل الشرعية تخضع لقاعدة عامة تحكم اختصاص قاضي الأمور المستعجلة وهي
أنه لا يختص إلا إذا كان موضوع الحق بين الطرفين من اختصاص المحكمة
المدنية التي هو فرع منها ويتحدد اختصاصه باختصاصها، أما إذا كان مثار
النزاع في الإشكال مسألة تمس الموضوع الذي فصل فيه الحكم وتخرج عن تطبيق
القانون المدني فلا يختص القاضي المستعجل بنظر الإشكال، أما إذا كان
التنفيذ قد لحق المال وأثار نزاعًا في نفاذ الالتزام ولزومه لسبب من أسباب
انقضاء الالتزامات أو ادعى الغير حقًا على المال موضوع التنفيذ أو غير ذلك
من المنازعات التي تحكمها قواعد القانون المدني ففي هذه الأحوال جميعًا
يختص القاضي المستعجل بنظر الإشكال في التنفيذ كما تختص المحكمة المدنية
بنظر النزاع موضوعًا (مؤلف قاضي الأمور المستعجلة للأستاذ محمد علي رشدي
صـ 603).
7 - وإذا كان المشرع قد أوضح فكرته في الاختصاص في
إشكالات التنفيذ في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية فإذا لم يورد نصًا يرتب
قاعدة الاختصاص في قانون تحقيق الجنايات القديم إلا أن ذلك لا يعني أن
المشرع أراد أن يخرج عن القاعدة التي أوضحها بل يعني أنه أغفل تطبيقًا لها
لا تدعو إلى تكراره حاجة ولعل السبب في ذلك أنه لا يتصور حالات كثيرة
يحتمل فيها الإشكال في العقوبة بوجهي الإشكال السريع والموضوعي كما في
القانون المدني فإذا استشكل في تنفيذ حكم جنائي فإنما يقصد عدم تنفيذه على
المستشكل فإذا أوقف التنفيذ فلا يكون ثمة موضوع بين المستشكل والنيابة
وإذا أرادت النيابة التنفيذ فإنما بدعوى عمومية يصدر فيها حكم جديد يختلف
عن الحكم الأول المستشكل فيه.