الاغتصــــــــــــــاب
هو مواقعة رجل لأنثي ضد رغبتها ودون رضاها
و قد نصت المادة 267 من قانون العقوبات المصري علي ان كل من واقع أنثي بغير رضاها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ، فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو المتولين تربيتها او ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة .
ويعتبر الإيلاج هو الركن المادي في الاغتصاب سواء كان كاملاً أو جزئياً ، أما دون ذلك من أي احتكاك خارجي يعتبر من قبيل هتك العرض .
شروط الرضا التام والكامل و التي في حالة توافرهم ينتفي معها قيام جريمة الاغتصاب :
1- السن :
سن الرضا الكامل بالنسبة للإناث 18 سنة أما أقل من ذلك فيعتبر الرضا ناقصاً لا يخلي المتهم من المسئولية، وتعتبر المواقعة في هذه الحالة اغتصاباً ، وتشدد العقوبة إذا كانت المجني عليها أقل من 7 سنوات .
2- النضوج العقلي :
لابد أن تكون المجني عليها بحالة عقلية سليمة فإذا كانت تعاني من أي آفة عقلية مثل الضعف العقلي أو البله أو العته أو الجنون فلا يعتبر الرضا في هذه الحالة كاملاً ، ويعتبر من هذا القبيل أيضاً الرضا في الفترة ما بعد النوبة الصرعية فإنه يعتبر رضا ناقصاً يجعل المتهم مسئولاً إذا كان يعرف ظروف المجني عليها وإصابتها بهذا المرض .
3- القوة الجسمانية :
إذا كانت المجني عليها بصحة معتلة هزيلة نحيلة البنية ، فإنها في هذه الحالة تكون غير قادرة علي المقاومة مما يفقدها الرضا .
4- الإكراه المعنوي :
إذا وقعت المجني عليها تحت تأثير ضغط مثل الخوف أو التهديد ، فقد يؤثر ذلك علي إرادتها ويجعلها ترتكب الفعل مستسلمة لهذه الظروف ، مثل التهديد بسلاح مصوب إليها أو بقتل شخص عزيز عليها أو التهديد بإفشاء سر خاص بها ، أو استعمال السلطة أو النفوذ لإجبارها علي الموافقة .
5- الغش والخداع :
استعمال الغش أو الخداع بقصد تضليل المجني عليها مما يحملها علا الاستسلام يبطل عامل الرضا ، إذ ان رضاها و إن كان متوافراً إلا أنه رضاء فاسد صادر عن الغش ولو علمت بحقيقة الأمر لما قبلت بممارسة الفعل ، ومن أمثلة هذه الحالات :
- مواقعة أنثي بعقد زواج صوري
- مواقعة زوجة طلقت طلاقاً بائناً وكانت جاهلة بوقوعه .
- مواقعة امرأة بالخديعة وهي نائمة ليلاً علي صورة تجعلها تظنه زوجها .
- مواقعة طبيب لمريضة أثناء الكشف عليها موهما إياها أنه لصالحها في العلاج .
6- المباغتة :
تعتبر المواقعة التى تتم عن طريق المباغتة أو أثناء النوم أو أثناء حالات الغيبوبة المرضية ، أو الأمراض التى تعجز عليها عن المقاومة كالشلل مثلاً اغتصاباً .
و نحن نري أن مثل هذه الحالات يجب ان تؤخذ بتحفظ لاحتمال أن يكون هذا الادعاء رغبة في إنكار الرضا ، ويجب التحقق من ذلك بالكشف علي المجني عليها لبيان ما إذا كان بها أعراضاً نتيجة لتعاطيها مواد مخدرة بالإضافة لفحص عينة من الدم والبول فثبات وجودها .
علامــــات الاغتصــــاب
العلامات التي تشير إلي وقوع هذه الجريمة :
1- آثار العنف أو المقاومة بجسم المجني عليها أو المتهم أو كلاهما .
2- تمزق غشاء البكارة إذا كانت المجني عليها بكرا .
3- العثور علي حيوانات منوية بالمجني عليها إما بالفرج أو المهبل او بملابسها .
4- حصول الحمل نتيجة للمواقعة الجنسية .
5- العدوي بالأمراض التناسيلة من المتهم إذا كان مريضاً بها .
الكشــــف علي المجنــــي عليهــــا
يتم بعد أخذ موافقتها و يبدا بالاستماع على روايتها تفصيلياً عن كيفية حدوث الواقعة وتاريخها ، مع ملاحظة طريقة حديثها وسردها للأحداث ، ويتم تحديد سنها وما إذا كانت أقل من 7 سنوات حيث يتم تشديد العقوبة في هذه الحالة أو في سن الثامنة عشر وهي سن الرضا والقبول ، و اثناء مناقشتها يتم الحكم علي حالتها العقلية وما إذا كانت بحالة عقلية سليمة ام تعاني من أي ضعف أو نقص عقلي ، كما يتم فحصها لبيان حالتها الجسمانية وقوتها البدنية بالإضافة إلي فحص عينة من البول و الدم .
الكشف العام
يتم فحص عموم الجسم للبحث عن أي سحجات أو تسلخات أو رضوض أو حتي جروح خاصة حول الفم لمنعها من الاستغاثة ، أو بالمعصمين لشل حركتها ، أو بانسية أعلي الفخذين في محاولة إبعداها أو بالظهر نتيجة طرحها علي الأرض .
و لكن هناك تباين في هذه المظاهر السالفة الذكر تبعاً لحالة المجني عليها :
- ففي حالات الأطفال فإنه لا يوجد بهم هذه المظاهر بالنسبة لعدم قدرتهم علي المقاومة وبراءة أفكارهم .
- وفي حالات الفتيات الأبكار فإنهن يقعن تحت تأثير الرعب والفزع ، وبالتالي تشل إرادتهن ومظاهر العنف العام بهن تكون أقل مما في المتزوجات .
- في حالات السيدات المتزوجات فإن مظاهر العنف العام تكون علي أقصي مداها عادة ، إلا أنه قد يحدث أحياناً خاصة في السيدات المرفهات اللاتي يتم اغتصابهم برجال أشداء ، عدم وجود عنف نتيجة للرعب .
الكشف الموضعي
يتم فحص الأعضاء التناسلية الخارجية عن أي تسلخات او كدمات و أحياناً يساهد سحجات ظفرية تحدث من أصابع المتهم ، وقد لا توجد أحياناً أي أثار إصابية سوي احمرار بالفرج و تورم بالبظر نتيجة الاحتكاك .
ويتم فحص غشاء البكارة ويشاهد به تمزقات إذا كانت المجني عليها بكرا ، وفي هذه الحالة من المهم تحديد عدد هذه التمزقات ومكانها ، وما إذا كانت واصلة لجدار المهبل من عدمه ، وما إذا كانت حديثة ودامية أو قديمة ، وإذا وجد غشاء البكارة سليماً يلزم وصفه وبيات اتساع فتحته ، وما إذا كانت تسمح بحدوث إيلاج دون تمزقه من عدمه .
كما يتم فحص منطقة العانة فقد يتم العثور بفتحة الفرج ، او بين شعر العانة علي شعرة فريبة قد تكون للمتهم . وتختلف مظاهر العنف الموضعي :
- ففي الأطفال الصغار لا يكون هناك عادة أثر لعنف موضعي ، إذ من المستبعد حدوث إيلاج في مثل هذه السن ، بالنسبة لعدم تناسب الأعضاء التناسلية للطرفين ولكن إذا تصادف وحدث اعتداء جنسي كامل يؤدي عادة إلى تهتك بالأعضاء التناسلية ، والعجان مع نزيف ويحتاج إلى تداخل جراحي للعلاج .
- أما في الفتيات الأبكار فتظهر علامات العنف الموضعي بصورة واضحة مع تمزق بغشاء البكارة مصحوباً بنزيف بسيط نتيجة لذلك .
- أما في السيدات المتزوجات تكون علامات العنف الموضعي في أقل صورة بالنسبة لتكرار استعمالهن .
ومن المفيد في حالات الكشف علي المجني عليها وصف مظاهر العنف سواء عاماً أو خاصاً ، تحديد تاريخ حدوث هذه الإصابات أيا كان نوعها لبيان ما إذا كانت تتفق وتاريخ واقعة الاعتداء المدعي بحدوثها من عدمه .
ويتم في نهاية الكشف علي المجني عليها أخذ مسحة مهبلية منها لفحصها عن الحيوانات المنوية والدماء الدمية إن وجدت ، كما أنه في حالة العثور علي شعر غريب بمنطقة أعضائها التناسلية يتم التحفظ عليها لمقارنتها بشهر المتهم .
فحص الملابس
يلزم فحص ملابس المجني عليها التى كانت ترتديها وقت الحادث ، لبيان ما إذا كان بها أي أثر لتمزقات أو قطوع أو تنسيل بالأنسجة ، وما إذا كانت هذه الآثار حديثة أو قديمة وكذا البحث عما إذا كان بالملابس أزرار أو حليات مفقودة ، وفحص الملابس للبحث عن أي أثر لأتربة أو رمال أو حشائش نتيجة الرقاد علي الأرض ، وفي النهاية فحصها عن أي بقع مشتبهة للمني أو الدماء .
الفحوص المعملية
1- التلوثات المنوية :
في جميع القضايا الجنسية يمثل وجود التلوثات المنوية سواء بالملابس أو بمنطقة الأعضاء التناسلية الخارجية أو بالعينات المهبلية دليلاً مهماً .
و يتم التعرف علي الملوثات بصفة مبدئية عن طريق :
- الشم و الإحساس بالقوام النشوي عند لمسها .
- الأشعة البنفسجية حيث تحدد بلون بنفسجي فسفوري مضئ موضع البقع المنوية .
- التجارب الكيماوية و من أهمها تجربة فلورنس حيث تعطي نتيجة إيجابية للمني مهما طالت مدة بقائه في المسحة .
2- التلوثات الدموية
العثور علي بقع دموية مشتبه بملابس المجني عليها يفيد في حالات الاغتصاب ، فقد تكون نتيجة لجروح دامية منها اثناء وقوع العنف عليها ، او قد تكون نتيجة لتمزق غشاء البكارة إذا كانت بكرا .
الكشـــف علي المتهـــــم
يتم بعد موافقة ، ويبدأ بسماع روايته وتحديد تاريخ الواقعة المدعي بحدوثها ، وبعد ذلك يتم تحديد سنه وفحص حالته الجسمانية والعقلية والصحية .
الكشف العام
يتم فحص عموم جسمه لبيان ما إذا كان به أي أثر فصابات كسحجات أو تسلخات او كدمات ، أو أي آثار مقاومة خاصة بالوجه أو العنق أو أي آثار عضية في محاولة للمجني عليها للتخلص منه .
بصمات الحامض النووي DNA
بصمات الحامض النووي DNAتحتوي نواة كل خلية بشرية على 46 زوجاً من الصبغيات (أو الكروموزمات Chromosomes) وتحتوي كل واحدة من هذه الصبغيات على عدد من الجينات أو المورثات Genes. والصبغيات هي بروتينات نووية مكونة من البروتين والحامض النووي DNA. ونشاهد هنا أن الصبغيات مصبوغة باللون الأحمر القاتم بينما تعطي أجزاء من الحامض النووي DNA إشعاعاً فلورياً ملوناً باللون الأصفر المائل إلى الأخضر.
منذ سنة 1984 ترسخ وجود مايعد بكونه أسلوباً لا يقبل الجدل في تحديد هوية الشخص بثبات متواصل. ويعرف هذا الأسلوب على النطاق الشعبي ببصمات الحامض النووي DNA. ورغم الإدعاءات المبالغ فيها التي صدرت في مرحلة التطور الأول أو الباكر لهذا الأسلوب رسخ هذا الأسلوب وجوده وأهميته ليس فقط في إطار التحقيقات الجنائية الجنائية الخاصة بالجرائم بل أيضاً في تحديد المصدر الأبوي للشخص وعلم الأنساب. والإضافة إلى ذلك وبينما يتطلب تحديد هوية الشخص من خلال بصمات أصابعه وجود جزء كبير قابل للتعريف والتحديد من البصمة الكاملة من البصمة الكاملة فإن تحليل الحامض النووي DNA يتطلب فقط تواجد أو وجود عدد قليل من خلايا الجسد الإنفرادية.
والاسم الكامل لهذا الحامض النووي من خلال الحروف الأولية DNAهو Deoxyribonucleic Acid، وهو المادة أو الجوهر المكون للمادة الوراثية لكل خلايا الجسد التي تحتوي على نواة Nucleus مثل خلايا الأنسجة ومخ العظم وجذور الشعر ولب الأسنان والسائل المنوي وخلايا الدم البيضاء وخلايا الفضلات في اللعاب والبول – لكن ليس في خلايا الدم الحمراء التي لا يوجد فيها نواة. وتعتبر قصة اكتشاف الحامض النووي DNA وإظهار بنيته الجزئيية قصة مدهشة ولكن لا حاجة بنا للدخول في هذه التفاصيل هنا ولذلك فإن وصف بنية الحامض النووي ووظيفته تالياً مبسط بالضرورة.
يمكن تصور جزيئية الحامض النووي DNA molecule على شكل سلم طويل ملتف بشكل لولبي مشدود ويتكون جانباً هذا السلم من المجموعات متناوبة من مادة الفوسفات (P) والمادة السكرية ريبوز منقوص الأكسجين. وتتشكل درجات "السلم" من مجموعات من "قاعدتي البيورين" المتصلة في كل جانب من جوانب السلم بجزيئية سكرية. وهناك أربع قواعد في هذا الإطار (تصلح لتكون قاعدة من البيورين) وهي أديناين (A)؛ ثايماين(T)؛ غواناين(G)؛ وسايتوسين (C). وتحتوي كل درجة من درجات سلم جزيئية DNA من اثنين من هذه القواعد المزيجة ولكن نجد أنه يمكن لدرجة منفردة من هذا السلم أن تكون مكونة من: S-A-T-S؛S-T-A-S؛أو S-C-G-S. ويحتوي الحامض النووي البشري DNA على حوالي ثلاثة مليارات من هذه الدرجات.
وعندما تنقسم الخلية نصفي السلم عن بعضها ويعمل كل نصف كنموذج لتكوين جزيئية جديدة من جزيئيات الحامض النووي DNA وتكون كل واحدة من هذه الجزيئيات مكونة من سلسة متتالية من الفوسفات والسكر والقاعدة الواحدة وتسمى هذه الوحدة "النويدة" Nucleotide. وتتكون الجينة أو المورثة الواحدة من مجموعة من النويدات التي توفر الرمز أو الشيفرة الخاصة بتكون الحوامض الأمنية المحددة والأنزيمات. ويتحكم كل حامض أميني واحد وكل أنزيم واحد بجانب محدد من الحرمة الأيضية في الجسد (حركة تبديل تبديل الخلايا أو الاستقلاب الخلوي Metabolism) ويحدد الخصائص الجسدية الموروثة مثل لون البشرة ولون العينين وفئة الدم….إلخ. وبما أنه لا يمكن لشخصين أن يكونا متماثلين كلياً أو مطابقين لبعضهما البعض – إلا في حالة التوأمين اللذين ينمونا من بيضة واحدة – فإن كل شخص يختلف عن الشخص الآخر بمقدار عدد الجينات أو المورثات في خلية كل واحد منهما.
ويتكرس مشروع Human Genome Projectالذي ساهم فيه باحثون من كل أنحاء العالم لتعريف وتحديد هوية كل واحدة من تلك الجينات أو المورثات.
ونجد أيضا أن الكثير من أزواج الجينات أو المورثات (سلسة درجات سلم الحامض النووي) الموروثة مطابقة لبعضها البعض: فعلى سبيل المثال يولد معظم الناس وهم يملكون عينين اثنتين وساقين اثنتين وذراعين اثنين….إلخ وتسمى هذه الوضعية بالخصائص الصنفية أو المصنفة والتي تميز نوعاً بشرياً عن نوع بشري آخر. فعندما يوفر الوالدان الجينة أو المورثة ذاتها تكون النتيجة ما نسميه بالتشابه العائلي أو الشبه العائلي. أما إذا كانت جينات أو مورثات الوالدين مختلفة عن بعضها البعض تكون إحداهاهي الجينة أو المورثة المهيمنة. فعلى سبيل المثال يكون الطفل الذي يرث جينتين تمثلان عينين زرقايتين أزرق العينين، ولكن إذا ورث هذا الطفل جينة تمثل عيناً زرقاء وجينة تمثل عينة بنية اللون تصبح عيناه بنية اللون جينة أو مورثة العيون البنية اللون هي الجينة أو المرثة المهيمنة. وتحصل وراثة المزايا أوالخصائص العرقية على هذا النمط.
وتعتبر الأنزيمات حفازة أو محفزة من حيث أنها تشجع حصول آلاف العمليات الكيميائية المعقدة التي تحصل في الجسد الحي. ولقد اكتشف علماء البيولوجيا بعض الأنزيمات المحددة التي تقطع الحبل المجدول أو اللولبي لحامض DNA إلى أقسام وتسمى هذه الأنزيمات بأنزيمات الحصر أو التقييد Restriction Enzymes، وهي نتاج البكتيريا لمهاجمة الحامض النووي الدخيل وبذلك تحمي نفسها ضد الفيروسات.
وبما أن جانبي سلم الحامض النووي DNA مكونان فقط من مجموعات متناوبة من السكر والفوسفات يصبح بإمكاننا تحديد واحد من أطوال السلم بواسطة زوج القاعدة الكيمائية التي تكون "درجات" السلم دون إدخال العنصرين S-و P- (رموز السكر والفوسفات). فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون أحد أجزاء السلسة المتلاحقة من رموز سلم الحامض النووي DNA كما يلي:
T-A-T-G-G-C-C-C-C-T-A-T-T-A-C-G-C-G-C-T-T-T-A-G-G-C-C-T-T-C-G-A-T-T-A-T-A-C-C-G-G-G-A-T-A-A-T-G-C-G-C-A-A-A-T-C-C-G-G-A-A-G-C-A-T-A-A
وتعمل أنزيمات الحصر عادة على قطع أحد جانبي السلم فقط عند سلسلة محددة من الأزواج القاعدية. وغالباً ما يتم إنتاج الأنزيم الذي يستعمل في مختبرات الطب الشرعي الأميركية بواسطة جرثومة أو بكتيريا تسمى Haemophilus aegyptius والتي تعرف بالرمز Hae III
علة التجريم:
إن علة تجريم الاغتصاب واضحة بحيث لا أحتاج لتوضيحها ، حيث ينطوي هذا الفعل على اعتداء على حرية الأنثى الجنسية وعلى حقها في صيانة عرضها . وفضلاً عن ذلك فإن الاغتصاب يؤدي إلى المساس بالحرمة الجسدية للمجني عليها وقد يؤدي إلى عواقب اجتماعية وخيمة مثل تهديد استقرار العائلة وتحقيرها في الوسط الاجتماعي ، وقد يؤدي الاغتصاب أيضاً إلى حدوث حمل غير شرعي بكل ما ينطوي عليه ذلك من صعوبات اجتماعية للأم والطفل على السواء..
الأركان القانونية للاغتصاب:
تقوم هذه الجريمة على ثلاثة أركان ، الأول: المواقعة غير الشرعية للأنثى وهذا هو الركن المادي ، ثم انعدام رضاء المجني عليها بالمواقعة وثالثاً: توافر القصد الجنائي لدى المتهم..
أولاً: المواقعة غير الشرعية للأنثى:
أـ مواقعة الأنثى تعني حدوث الوطء الطبيعي الذي يتم بالتقاء العضو الجنسي للرجل التقاءً طبيعياً بالعضو الجنسي للمرأة. وهذا الوطء لا يتم إلا بحدوث الإيلاج ، أي إدخال عضو التذكير في المكان المعد له في جسم الأنثى..
ب ـ طرفا المواقعة:
المواقعة التي تقوم بها جريمة الاغتصاب تتم بين رجل وامرأة . وتفترض هذه الجريمة أن الرجل هو الطرف الإيجابي في المواقعة والجاني. في حين أن المرأة هي الطرف السلبي والمجني عليه . ويترتب على ذلك أن الركن المادي لجريمة الاغتصاب لا يتوافر إذا حدث اتصال جنسي غير طبيعي بين شخصين من ذات الجنس ، فأي علاقة جنسية بين رجلين أو بين امرأتين لا تعد اغتصاباً حتى ولو تم بدون رضاء ، وإنما قد تشكل جناية هتك عرض إذا حدثت بالقوة أو فعل فاضح علني إذا كان الفعل قد تم بالرضاء ولكن علانية ، بل وقد لا تشكل أي جريمة إذا تمت بالرضا الصحيح وفي غير علانية!..
وحسب تحديد مفهوم المواقعة بأنها اتصال جنسي طبيعي واقع من رجل على امرأة فإنه يترتب على ذلك أيضاً أن جريمة الاغتصاب لا يتصور حدوثها إلا من رجل ضد امرأة ، فإذا أكرهت امرأة رجل على الاتصال الجنسي فلا يعد اغتصاباً وإنما هتك عرض!!..
جـ ـ الاغتصاب يستلزم حدوث الوطء الطبيعي:
فلا يقوم الاغتصاب ولا تتوافر الجريمة بإتيان امرأة من الخلف أو وضع الإصبع أو عصا أو أي شيء آخر في فرج المرأة فهذه الأفعال تشكل جناية هتك العرض . ولإتمام الاتصال الجنسي ينبغي أن يكون الرجل قادراً عليه وأن تكون المرأة مهيأة له . فإذا كان الرجل غير قادر على اتمام الإيلاج لإصابته بعجز جنسي أو إذا كانت المرأة غير مهيأة لإتمام العملية الجنسية بسبب ضيق الفرج الناشئ عن أمر طبي ، أو بسبب صغر السن فإن الوطء يكون مستحيلاً ومن ثم فلا تقوم جريمة الاغتصاب وإن توافرت جريمة هتك العرض..
د ـ أن يرتكب الاغتصاب ضد امرأة حية:
لأنه بذلك يتحقق معنى الاعتداء الصارخ على الحرية الجنسية للمجني عليها وعلى حرمة جسدها . ويترتب على هذا أن أفعال الفسق التي يرتكبها الرجل على جثة امرأة لا تقوم بها جريمة الاغتصاب مهما بلغت درجة فحشها..
هـ ـ المواقعة غير الشرعية:
المواقعة التي تكون الركن المادي للاغتصاب هي المواقعة غير الشرعية . والنظام الوحيد الذي يجيز الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة هو الزواج . فإذا أتى الرجل زوجته بالطريق الطبيعي فلا يعد الفعل اغتصاباً وإن أتمه دون رضاها لأن الزواج يعطي للرجل هذا الحق..
ولكي يستفيد الزوج من حق الاستمتاع بزوجته يجب أن يكون الاتصال الجنسي قد تم أثناء قيام العلاقة الزوجية ويأخذ حكم قيام هذه العلاقة فترة الطلاق الرجعي حيث لا يرفع أحكام النكاح قبل مضي العدة ، بل إن مواقعة الزوجة ولو كرهاً أثناء العدة يعتبر مراجعة لها..
فإذا أصبح الطلاق بائناً بينونة كبرى فإنه لا يحل لمن كان زوجاً أن يجامع مطلقته ، فإذا اتاها رغماً عنها عد مرتكباً لجريمة الاغتصاب . وإذا كانت هذه الجريمة تقوم بانتهاء العلاقة الزوجية فإنها قد تقوم قبل نشأتها أيضاً ولو كان ذلك في المراحل التمهيدية لها كمن يواقع خطيبته بغير رضاها . بل وتقوم جريمة الاغتصاب أثناء قيام الزوجية إذا كان العقد باطلاً أو فاسداً وكان الزوج وحده يعلم بذلك . أما إذا كان الزوج لا يعلم فإن المواقعة تكون غير شرعية لفساد النكاح أو بطلانه ولكن لا يقع الاغتصاب لعدم توافر القصد الجنائي لدى الرجل..
ثالثاً: الشروع في جريمة الاغتصاب:
ذهب قضاء محكمة النقض المصرية في بادئ الأمر إلى تبني المذهب الموضوعي لتحديد مفهوم البدء في التنفيذ ، ومن ثم فقد كان مجرد طلب الفحشاء من امرأة وجذبها من يدها وملابسها ليس إلا مجرد عمل تحضيري لا يقوم به الشروع في جريمة الاغتصاب . ولكن القضاء الحديث لمحكمة النقض المصرية يميل إلى تبني المذهب الشخصي تحقيقاً لحماية أكثر فعالية للحرية الجنسية للمجني عليها ، ووفقاً لهذا المذهب فإن البدء في التنفيذ يتحقق بأي فعل يؤدي حالاً ومباشرة إلى إتمام هذه الجريمة..
وعلى ذلك فيسأل الجاني عن شروع في اغتصاب لتحقق البدء في التنفيذ لمحاولته خلع ملابس المجني عليها أو إركابها في عربة ولو بالخداع أو باصطحابها إلى المكان الذي ينوي ارتكاب جريمته فيه ، ثم أوقف الفعل أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيه كنجاح المجني عليها في مقاومة الجاني أو كأن يهب الغير لنجدتها..
وتطبيقاً لذلك فقد قضى بأنه متى كان الحكم قد أثبت أن المجني عليها كانت تلبس قميص النوم فجلس المتهم بجانبها في غرفة نومها وراودها عن نفسها وأمسك بها ورفع رجليها يحاول مواقعتها فقاومته واستغاثت فخرج هارباً ، فهذه الواقعة يصح في القانون عدها شروعاً في وقاع متى اقتنعت المحكمة بأن المتهم كان يقصد إليه ، إذ هذه الأفعال من شأنها أن تؤدي حالاً ومباشرة إلى تحقيق ذلك القصد..
وقضى أيضاً بتوافر الشروع في الاغتصاب في شأن المتهم الذي دفع المجني عليها بالقوة وأرقدها عنوة ثم رفع ثيابها وكشف جسمها وجذب سروالها فأمسكت برباط الاستك تحاول منعه ما استطاعت من الوصول إلى غرضه منها فتمزق لباسها في يده وفك أزرار بنطلونه وجثم فوقها وهو رافع عن ثيابها يحاول مواقعتها بالقوة..
ويسأل عن الشروع في هذه الجريمة المتهمان اللذان دفعا المجني عليها كرهاً للركوب معهما بالسيارة بقصد مواقعتها ثم كشف أحدهما ملابسها ومزق سروالها وألقاه من نافذة السيارة ورقد فوقها وحاول أن يواقعها..
فإذا عدل المتهم باختياره عن إتمام فعل المواقعة فإنه يعفى من العقاب عن الشروع في الاغتصاب ولكنه يسأل عما يشكله فعله من جرائم . فقد يسأل عن هتك عرض أو عن جريمة الضرب..
رابعاً: المساهمة الجنائية في جريمة الاغتصاب:
لا تشذ جريمة الاغتصاب عن الجرائم الأخرى في الخضوع للقواعد العامة للمساهمة الجنائية ، حيث يتصور تعدد الفاعلين أو الشركاء للمساهمة في إتمام الموقعة..
فجريمة الاغتصاب تقوم بمواقعة أنثى بغير رضاها وبالتالي فإن كل من أتى فعلاً من أجل انعدام رضاء المجني عليها أو شل مقاومتها بالقوة أو بالتهديد يكون مساهماً مع من باشر الاتصال الجنسي في ارتكاب جريمة الاغتصاب سواء بوصفه فاعلاً أو شريكاً..
وإذا كانت المرأة لا يتصور منها أنها قد ترتكب فعل المواقعة المشكل لجريمة الاغتصاب ، فإنها قد تقوم بالفعل المعدم لإرادة المجني عليها لكي يتمكن الرجل من إتمام المواقعة ، ومن المتصور كذلك أن تكون المرأة فاعلة معنوية لجريمة الاغتصاب ، كما لو قامت مثلاً بإغراء مجنون باغتصاب المجني عليها..
رابعاً: الركن الثاني في جريمة الاغتصاب: انعدام الرضا:
لقد هدف المشرع بتجريمه للاغتصاب حماية الحرية الجنسية للأنثى ، ومن ثم فإن ركن عدم الرضا يشكل جوهر هذه الجريمة ، فإذا تم وقاع الأنثى برضاها فلا جريمة في الأمر إلا إذا كان أحد الطرفين متزوجاً (فيشكل الفعل جريمة زنا) أو إذا تم الفعل في علانية (فيشكل جريمة فعل فاضح علني)..
ولقد استعمل المشرع تعبير (بغير رضاها) للحديث عن هذا الركن وهو تعبير عام أوسع من استخدام مصطلح بالقوة أو الإكراه ، فانعدام الرضاء يشمل حالات أخرى قد لا يستعمل فيها الجاني القوة ولا يلجأ إلى الإكراه ومع ذلك تنعدم إرادة المجني عليها . وذلك كأن تكون إرادتها غير معتبرة قانوناً مثل الصبية غير المميزة أو المجنونة ، وكأن تكون المجني عليها تعجز عن التعبير عن إرادتها كالنائمة أو المخدرة..
فالذي يهم المشرع هو ألا يرتكب فعل الوقاع بدون إرادة صحيحة من المجني عليها! ، وليس فقط ضد إرادتها..
وهكذا فإن ركن انعدام الرضاء يتوافر سواء كان الفعل قد ارتكب ضد إرادة المجني عليها أو بدون هذه الإرادة..
1ـ وقاع الأنثى ضد إرادتها:
وتتوافر هذه الحالة إذا لجأ الجاني في سبيل تعطيل مقاومة المجني عليها إلى القوة (إكراه مادي) أو التهديد (إكراه معنوي):
أولاً: الإكراه المادي:
الإكراه المادي هي أفعال العنف التي يرتكبها الجاني على جسد المرأة بهدف التغلب على مقاومتها أو لإرهابها حتى لا تبدي مقاومة وغالباً ما يتخذ الإكراه صورة الضرب أو الجرح ولكنه قد يقوم بأي صورة أخرى من شأنها تعطيل مقاومة المرأة والتغلب عليها كتقيد المجني عليها بحبل أو الإمساك بها بقوة بأعضائها المستعملة في المقاومة..
ويلزم في الإكراه المادي الذي يعدم الإرادة أن يكون مباشراً على شخص المرأة وأن يكون له من التأثير ما يعدم إرادة الضحية..
وعلى ذلك فإذا كانت أعمال العنف لم تباشر على شخص المرأة وإنما على الأشياء أو الحيوانات كتحطيم باب لإرهاب المجني عليها فإن ذلك لا يتوافر معه الإكراه المادي . ولا يتحقق هذا الأخير أيضاً إذا لم يكن لأعمال العنف من القوة والتأثير ما يجعلها تعدم إرادة المرأة . فالعنف اليسير لا يتحقق به انعدام الرضاء حتى وإن أدى إلى التغلب على تمنع المرأة وترددها..
وإذا اعتقد الجاني أن رفض المراة ومقاومتها كان من قبيل التمنع فقط في حين أنها كانت جادة في الرفض فإن القصد الجنائي ينتفي لدى المتهم وإن كان سيسأل عن جريمة هتك عرض..
وقد قضى بتوافر الإكراه لأن الجاني قد امسك بالمجني عليها من ذراعها وأدخلها عنوة مزرعة القطن فقاومته إلا انه تمكن بقوته العضلية من التغلب عليها وألقاها على الأرض وهددها بمطواة كان يحملها وضربها برأسه في جبهتها عند مقاومتها له . فإن هذا لا يتعارض مع تقرير الطب الشرعي الذي أثبت وجود كدمات بجبهة المجني عليها ، وان بنيان المتهم الجسماني فوق المتوسط وأن يمكنه مواقعة المجني عليها بغير رضاها بقوته العضلية . ولكن ما ورد بالتقرير بعد ذلك من أن خلو جسم المجني عليها وخاصة منطقة الفخذ من الإصابات وخلو جسم المتهم من علامات المقاومة يشير إلى أن المجني عليها استسلمت تحت تأثير الإكراه بالسلاح وهو ما يتوافر به ركن الإكراه وعدم الرضا في جريمة الوقاع..
ثانياً: الإكراه المعنوي:
الإكراه المعنوي هو تهديد المتهم للمرأة بأذى أو بسوء جسيم وحال إن لم تقبل أن يواقعها . ويستوي في التهديد أن يكون منصباً على نفس المرأة أو مالها أو على شخص عزيز لديها كالتهديد بقتل ابنها أو أبيها..
ويستوي أن يكون التهديد بأمر غير مشروع كارتكاب جريمة أو بأمر مشروع كإبلاغ السلطات العامة (وهو أمر مشروع) عن جريمة ارتكبتها المجني عليها..
وعلى ذلك فإذا كشف شخص أمر العلاقة الآثمة التي تربط امرأة برجل غير زوجها فهددها بكشف أمرها إذا لم تمكنه من نفسها فسلمت نفسها إليه بسبب هذا التهديد فيسأل ذلك الشخص عن جريمة اغتصاب لانعدام رضاء المجني عليها بسبب الإكراه المعنوي المباشر ضدها..
وقد قضى في فرنسا بتوافر ظرف الإكراه من خلال تهديد المجني عليها بتركها في وسط الليل ، في برد قارس وضباب كثيف وبعيداً عن الأماكن المأهولة إذا لم تمكنه من نفسها..
وقد قضي بانعدام الرضاء بسبب الإكراه المعنوي لتهديد المتهم المجني عليها بعدم تمكينها من مغادرة المسكن إلا بعد أن يقوم بمواقعتها..
ونفس الشيء إذا هدد المتهمان المجني عليها بقتل وليدها الذي كانت تحمله إن لم تستجب لرغبتهما في مواقعتها مما أدخل الفزع على قلبها خشية على وليدها فأسلمت نفسها لكليهما تحت تأثير الخوف..
2ـ وقاع الأنثى بدون إرادتها:
القانون لا يهمه فقط تجريم أفعال المواقعة التي ترتكب ضد إرادة المرأة وإنما يحرص أيضاً على تجريم الأفعال المرتكبة بدون إرادة المجني عليها إذا كانت الإرادة غير معتبرة قانوناً بسبب مرض أو صغر السن أو الغش أو التدليس..
أ ـ انعدام التمييز:
إذا كانت المجني عليها معدومة التمييز فإن جريمة الاغتصاب تقوم حتى ولو تمت المواقعة بموافقة المجني عليها لأن رضائها غير معتبر قانوناً لأن الإرادة التي هي مصدر تقييم الأشياء والحكم عليها غير موجودة أو معطلة لدى المجني عليها إذاك كانت مجنونة أو صغيرة غير مميزة أو سكرانة..
فإذا واقع شخص أمرأة مجنونة برضائها فإنه يعتبر مسئولاً عن جريمة اغتصاب (ولكن يشترط أن يكون جنون المرأة قد بلغ حداً لا تستطيع معه القدرة على فهم ماهية الفعل المرتكب)..
وعلى ذلك فإنه يعتد برضاء المجني عليها ولا تتوافر جريمة الاغتصاب إذا كان الجنون من النوع المتقطع وتمت المواقعة في فترة الإفاقة . ويسأل المتهم عن جريمة اغتصاب إذا واقع امرأة في غيبوبة ناشئة عن سكر وسواء كان الجاني هو الذي أعطاها المادة المسكرة أو شخص غيره أو حتى إذا كانت المجني عليها هي التي تناولتها . ويأخذ حكم السكر الحبوب المنومة أو البخور الذي يحدث دواراً للمجني عليها ، فذلك مما يجعل الإرادة غير معتبرة قانوناً..
والصغيرة غير المميزة تأخذ حكم المجنونة من حيث عدم الاعتداد بإرادتها وبالتالي فإن رضائها بالمواقعة لا ينفي جريمة الاغتصاب . أما إذا كانت الصغيرة مميزة أي أنها بين السابعة والثامنة عشرة من عمرها ، فإن قبولها فعل المواقعة ينفي جريمة الاغتصاب حيث ان القانون يعتد إلى حد ما بإرادة الصغيرة المميزة ، ولكنه لا يولي إرادتها قيمة كاملة بحيث تنفي عن الواقعة الصفة التجريمية لأن الفتاة مازالت ـ بحكم صغر سنها ـ قليلة الخبرة سهلة الإغواء ، ومن ثم فإن مواقعتها برضائها وإن لم يشكل جريمة الاغتصاب إلا انه يعاقب عليه تحت وصف هتك العرض بدون قوة أو تهديد.
ب ـ التدليس أو الغلط:
الغش والخداع الذي يتوصل الجاني من خلاله إلى إتيان المرأة يعدم إرادة هذه الأخيرة قيمتها القانونية ، ومن ثم فتقوم جريمة الاغتصاب إذا تم الاتصال الجنسي بسبب التدليس او الغلط . والتدليس إما ينصب على شخص الجاني أو على صفته..
فبالغش والخداع قد يأتي الرجل المراة في ظروف تجعلها تعتقد انه شخص تسمح له بهذه المعاشرة كزوج أو عشيق! ، ومن ذلك مثلاً أن يدخل الجاني في سرير امرأة ليلاً فتعتقد أنه زوجها فتسمح له بإتيانها فرضاؤها هنا لا ينفي مساءلة الرجل عن جريمة اغتصاب لأنه رضاء معيب وغير معتبر قانوناً..
أما عن التدليس الذي ينصب على صفة الجاني فمثاله ذلك الزوج الذي يطلق زوجته طلاقاً بائناً دون أن تعلم هي بذلك ثم يعاشرها معاشرة الأزواج فيسأل الرجل هناعن جريمة اغتصاب لأن رضاء المرأة قد بني على الغش والخداع ومن ثم فلا يعتد به . فالمرأة لو علمت أنها مطلقة طلاقاً بائناً لكانت قد رفضت تمكين زوجها السابق منها ، أو على الأقل أن هناك اعتداء على حريتها الجنسية في القبول أو الرفض عن علم وبينة من الأمر..
ويأخذ حكم التدليس المنصب على صفة الجاني أيضاً الكتابي الذي يتزوج بمسلمة مدعياً أنه مسلم ومخفياً حقيقة أمره . ونفس الأمر ينطبق على المسيحي والذي لا يحل له ان يجمع بين أكثر من امرأة في وقت واحد إذا تزوج ثانية بعد أن أخفى عليها أنه متزوج حيث يعاقب عن اغتصاب لأن رضاء المرأة الثانية يعتبر رضاءً معيباً لابتنائه على غش منصب على صفة الجاني..
وإذا أتى الرجل المرأة مباغتة فينطبق عليه حكم الاغتصاب أيضاً كمن يأتيها بالغش والخداع. وعلى ذلك فالطبيب الذي يواقع امرأة بغتة منتهزاً فرصة استسلامها له للكشف عليها يكون مسئولاً عن جريمة اغتصاب..
جـ ـ النوم والمرض وما في حكمهما:
قد تكون إرادة المرأة معتبرة قانوناً ولا يستعمل الجاني وسائل تدليسية للوصول إلى مآربة ومع ذلك يسأل الجاني عن اغتصاب المرأة إذا أتاها وهي عاجزة عن التعبير عن إرادتها ، حيث يكون الفعل قد ارتكب بدون إرادة المجني عليها وهو ما يعني المشرع بتجريمه . وعجز المرأة عن التعبير يرجع إلى امور عديدة يقدر القاضي مدى توافر أحدها وفقاً لظروف الواقعة وملابساتها . ويأتي في مقدمة هذه الأسباب النوم والإغماء والإعياء الشديد أو الغيبوبة والصرع..
ولذلك فإذا واقع الجاني امررأة أثناء نومها ثم استيقظت بعد بدء الفعل ، فإن جريمة الاغتصاب تتوافر أركانها . وسواء كان النوم طبيعياً أو مغناطيسياً ..
ولا تتوافر الإرادة كذلك إذا كانت المراة مريضة وانتهز الجاني فرصة عجزها وواقعها ، ولهذا قضي بأنه متى كان المتهم قد باغت المجني عليها وهي مريضة ومستلقية في فراشها وكمم فاها بيده وانتزع سروالها ثم اتصل بها اتصالاً جنسياً بإيلاج قضيبه فيها بغير رضاها منتهزاً فرصة عجزها بسبب المرض عن المقاومة أو إتيان أية حركة فإن ذلك يكفي لتكوين جريمة الاغتصاب..
ويأخذ حكم المرض الإعياء الشديد الذي ينتاب الأنثى ويبلغ منها مبلغاً يعطل لديها مراكز الإحساس والقدرة على المقاومة ، فإذا اتاها الجاني وهي على هذه الحالة فإنه يسأل عن جريمة اغتصاب..
د ـ حماية الحرية الجنسية للمراة غير مرتبط بشرفها:
المشرع يحمي الحرية الجنسية للمرأة من الاعتداء عليها بغض النظر عما كانت المرأة نفسها تحافظ على عفتها وشرفها أم لا ، فمناط الحماية الجنائية هو حرية المرأة الجنسية وليس شرفها وطهارتها..
وعلى ذلك فإن انعدام الرضا يتحقق وتقوم جريمة الاغتصاب إذا واقع الجاني عاهرة بغير موافقتها حتى لو كانت عشيقته في يوم من الأيام . ومع ذلك يجوز لجهة التحقيق في الواقعة أو للقاضي اعتبار سوء سلوك المرأة قرينة على رضائها بالمواقعة..
ثالثاً: الركن المعنوي لجريمة الاغتصاب:
الاغتصاب جريمة عمدية ومن ثم فإن ركنها المعنوي يتخذ صورة القصد الجنائي . والقصد المتطلب هنا هو القصد العام الذي يتحقق بانصراف علم الجاني وإرادته إلى الأركان القانونية المكونة لجريمة الاغتصاب وهي مواقعة الأنثى دون إرادتها..
فاتجاه إرادة الجاني إلى فعل المواقعة لا يثير صعوبة لأن هذا الفعل إرادي ، ولأنه يرتكب عن رغبة ، فالإرادية فيه واضحة وخاصة إذا ما ارتكب بواسطة الإكراه..
أما عن علم الجاني ، فإنه ينبغي أن يحيط بالصلة الجنسية غير المشروعة وبعدم توافر رضاء المرأة الصحيح بهذه العلاقة . فإذا حدث غلط من الجاني في أحد هذه العناصر انتفى لديه القصد الجنائي..
وعلى ذلك فإذا اتجه اعتقاد الجاني إلى انه يمارس علاقة جنسية مشروعة ، فإن القصد الجنائي لا يتوافر لديه لأنه يعتبر قد وقع في غلط ، ويستوي أن يكون غلطه منصب على الوقائع أو متعلقاً بالقانون ذلك كله بشرط أن تكون القاعدة القانونية التي وقع فيها الغلط لا تنتمي إلى القانون العقابي..
وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا اتصل رجل بأمرأة جنسياً وكان يربطه بها عقد زواج فاسد أو باطل وكان يجهل سبب الفساد أو البطلان فإنه لا يتحقق لديه القصد الجنائي . ويستوي أن ينصب غلطه على الوقائع كما لو تزوج أخته في الرضاعة وهو يجهل ذلك ، أو ينصب على القانون كما لو كان يعلم بأنها اخته في الرضاعة ولكنه يجهل القاعدة الشرعية التي تحظر هذا الزواج..
ويجب أيضاً أن يعلم الجاني بعدم رضاء المرأة بالعلاقة الجنسية ، ولكنه إذا اعتقد أن ما تبديه من رفض هو في حقيقته مجرد تمنع ناشئ عن حياء طبيعي أو لإثارة غريزته ، فلا يتوافر القصد لديه حتى لو كان اعتقاده مبنياً على تقدير خاطئ . ويعتبر الإكراه المباشر ضد المرأة قرينة بسيطة على عدم توافر الرضاء ، وتعني القرينة البسيطة بأنه يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات التي كفلها القانون..
وبناء على ما سبق ، وتطبيقاً للقواعد العامة التي تحكم القصد الجنائي ، فإنه لا يعتد بالبواعث التي تدفع الجاني إلى ارتكاب الجريمة ، فيستوي أن يكون غرضه مجرد إشباع شهوته الجنسية أو أن يكون هدفه أبعد من ذلك كالانتقام من المرأة بفض بكارتها أو إلحاق العار بأسرتها..
هو مواقعة رجل لأنثي ضد رغبتها ودون رضاها
و قد نصت المادة 267 من قانون العقوبات المصري علي ان كل من واقع أنثي بغير رضاها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ، فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو المتولين تربيتها او ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة .
ويعتبر الإيلاج هو الركن المادي في الاغتصاب سواء كان كاملاً أو جزئياً ، أما دون ذلك من أي احتكاك خارجي يعتبر من قبيل هتك العرض .
شروط الرضا التام والكامل و التي في حالة توافرهم ينتفي معها قيام جريمة الاغتصاب :
1- السن :
سن الرضا الكامل بالنسبة للإناث 18 سنة أما أقل من ذلك فيعتبر الرضا ناقصاً لا يخلي المتهم من المسئولية، وتعتبر المواقعة في هذه الحالة اغتصاباً ، وتشدد العقوبة إذا كانت المجني عليها أقل من 7 سنوات .
2- النضوج العقلي :
لابد أن تكون المجني عليها بحالة عقلية سليمة فإذا كانت تعاني من أي آفة عقلية مثل الضعف العقلي أو البله أو العته أو الجنون فلا يعتبر الرضا في هذه الحالة كاملاً ، ويعتبر من هذا القبيل أيضاً الرضا في الفترة ما بعد النوبة الصرعية فإنه يعتبر رضا ناقصاً يجعل المتهم مسئولاً إذا كان يعرف ظروف المجني عليها وإصابتها بهذا المرض .
3- القوة الجسمانية :
إذا كانت المجني عليها بصحة معتلة هزيلة نحيلة البنية ، فإنها في هذه الحالة تكون غير قادرة علي المقاومة مما يفقدها الرضا .
4- الإكراه المعنوي :
إذا وقعت المجني عليها تحت تأثير ضغط مثل الخوف أو التهديد ، فقد يؤثر ذلك علي إرادتها ويجعلها ترتكب الفعل مستسلمة لهذه الظروف ، مثل التهديد بسلاح مصوب إليها أو بقتل شخص عزيز عليها أو التهديد بإفشاء سر خاص بها ، أو استعمال السلطة أو النفوذ لإجبارها علي الموافقة .
5- الغش والخداع :
استعمال الغش أو الخداع بقصد تضليل المجني عليها مما يحملها علا الاستسلام يبطل عامل الرضا ، إذ ان رضاها و إن كان متوافراً إلا أنه رضاء فاسد صادر عن الغش ولو علمت بحقيقة الأمر لما قبلت بممارسة الفعل ، ومن أمثلة هذه الحالات :
- مواقعة أنثي بعقد زواج صوري
- مواقعة زوجة طلقت طلاقاً بائناً وكانت جاهلة بوقوعه .
- مواقعة امرأة بالخديعة وهي نائمة ليلاً علي صورة تجعلها تظنه زوجها .
- مواقعة طبيب لمريضة أثناء الكشف عليها موهما إياها أنه لصالحها في العلاج .
6- المباغتة :
تعتبر المواقعة التى تتم عن طريق المباغتة أو أثناء النوم أو أثناء حالات الغيبوبة المرضية ، أو الأمراض التى تعجز عليها عن المقاومة كالشلل مثلاً اغتصاباً .
و نحن نري أن مثل هذه الحالات يجب ان تؤخذ بتحفظ لاحتمال أن يكون هذا الادعاء رغبة في إنكار الرضا ، ويجب التحقق من ذلك بالكشف علي المجني عليها لبيان ما إذا كان بها أعراضاً نتيجة لتعاطيها مواد مخدرة بالإضافة لفحص عينة من الدم والبول فثبات وجودها .
علامــــات الاغتصــــاب
العلامات التي تشير إلي وقوع هذه الجريمة :
1- آثار العنف أو المقاومة بجسم المجني عليها أو المتهم أو كلاهما .
2- تمزق غشاء البكارة إذا كانت المجني عليها بكرا .
3- العثور علي حيوانات منوية بالمجني عليها إما بالفرج أو المهبل او بملابسها .
4- حصول الحمل نتيجة للمواقعة الجنسية .
5- العدوي بالأمراض التناسيلة من المتهم إذا كان مريضاً بها .
الكشــــف علي المجنــــي عليهــــا
يتم بعد أخذ موافقتها و يبدا بالاستماع على روايتها تفصيلياً عن كيفية حدوث الواقعة وتاريخها ، مع ملاحظة طريقة حديثها وسردها للأحداث ، ويتم تحديد سنها وما إذا كانت أقل من 7 سنوات حيث يتم تشديد العقوبة في هذه الحالة أو في سن الثامنة عشر وهي سن الرضا والقبول ، و اثناء مناقشتها يتم الحكم علي حالتها العقلية وما إذا كانت بحالة عقلية سليمة ام تعاني من أي ضعف أو نقص عقلي ، كما يتم فحصها لبيان حالتها الجسمانية وقوتها البدنية بالإضافة إلي فحص عينة من البول و الدم .
الكشف العام
يتم فحص عموم الجسم للبحث عن أي سحجات أو تسلخات أو رضوض أو حتي جروح خاصة حول الفم لمنعها من الاستغاثة ، أو بالمعصمين لشل حركتها ، أو بانسية أعلي الفخذين في محاولة إبعداها أو بالظهر نتيجة طرحها علي الأرض .
و لكن هناك تباين في هذه المظاهر السالفة الذكر تبعاً لحالة المجني عليها :
- ففي حالات الأطفال فإنه لا يوجد بهم هذه المظاهر بالنسبة لعدم قدرتهم علي المقاومة وبراءة أفكارهم .
- وفي حالات الفتيات الأبكار فإنهن يقعن تحت تأثير الرعب والفزع ، وبالتالي تشل إرادتهن ومظاهر العنف العام بهن تكون أقل مما في المتزوجات .
- في حالات السيدات المتزوجات فإن مظاهر العنف العام تكون علي أقصي مداها عادة ، إلا أنه قد يحدث أحياناً خاصة في السيدات المرفهات اللاتي يتم اغتصابهم برجال أشداء ، عدم وجود عنف نتيجة للرعب .
الكشف الموضعي
يتم فحص الأعضاء التناسلية الخارجية عن أي تسلخات او كدمات و أحياناً يساهد سحجات ظفرية تحدث من أصابع المتهم ، وقد لا توجد أحياناً أي أثار إصابية سوي احمرار بالفرج و تورم بالبظر نتيجة الاحتكاك .
ويتم فحص غشاء البكارة ويشاهد به تمزقات إذا كانت المجني عليها بكرا ، وفي هذه الحالة من المهم تحديد عدد هذه التمزقات ومكانها ، وما إذا كانت واصلة لجدار المهبل من عدمه ، وما إذا كانت حديثة ودامية أو قديمة ، وإذا وجد غشاء البكارة سليماً يلزم وصفه وبيات اتساع فتحته ، وما إذا كانت تسمح بحدوث إيلاج دون تمزقه من عدمه .
كما يتم فحص منطقة العانة فقد يتم العثور بفتحة الفرج ، او بين شعر العانة علي شعرة فريبة قد تكون للمتهم . وتختلف مظاهر العنف الموضعي :
- ففي الأطفال الصغار لا يكون هناك عادة أثر لعنف موضعي ، إذ من المستبعد حدوث إيلاج في مثل هذه السن ، بالنسبة لعدم تناسب الأعضاء التناسلية للطرفين ولكن إذا تصادف وحدث اعتداء جنسي كامل يؤدي عادة إلى تهتك بالأعضاء التناسلية ، والعجان مع نزيف ويحتاج إلى تداخل جراحي للعلاج .
- أما في الفتيات الأبكار فتظهر علامات العنف الموضعي بصورة واضحة مع تمزق بغشاء البكارة مصحوباً بنزيف بسيط نتيجة لذلك .
- أما في السيدات المتزوجات تكون علامات العنف الموضعي في أقل صورة بالنسبة لتكرار استعمالهن .
ومن المفيد في حالات الكشف علي المجني عليها وصف مظاهر العنف سواء عاماً أو خاصاً ، تحديد تاريخ حدوث هذه الإصابات أيا كان نوعها لبيان ما إذا كانت تتفق وتاريخ واقعة الاعتداء المدعي بحدوثها من عدمه .
ويتم في نهاية الكشف علي المجني عليها أخذ مسحة مهبلية منها لفحصها عن الحيوانات المنوية والدماء الدمية إن وجدت ، كما أنه في حالة العثور علي شعر غريب بمنطقة أعضائها التناسلية يتم التحفظ عليها لمقارنتها بشهر المتهم .
فحص الملابس
يلزم فحص ملابس المجني عليها التى كانت ترتديها وقت الحادث ، لبيان ما إذا كان بها أي أثر لتمزقات أو قطوع أو تنسيل بالأنسجة ، وما إذا كانت هذه الآثار حديثة أو قديمة وكذا البحث عما إذا كان بالملابس أزرار أو حليات مفقودة ، وفحص الملابس للبحث عن أي أثر لأتربة أو رمال أو حشائش نتيجة الرقاد علي الأرض ، وفي النهاية فحصها عن أي بقع مشتبهة للمني أو الدماء .
الفحوص المعملية
1- التلوثات المنوية :
في جميع القضايا الجنسية يمثل وجود التلوثات المنوية سواء بالملابس أو بمنطقة الأعضاء التناسلية الخارجية أو بالعينات المهبلية دليلاً مهماً .
و يتم التعرف علي الملوثات بصفة مبدئية عن طريق :
- الشم و الإحساس بالقوام النشوي عند لمسها .
- الأشعة البنفسجية حيث تحدد بلون بنفسجي فسفوري مضئ موضع البقع المنوية .
- التجارب الكيماوية و من أهمها تجربة فلورنس حيث تعطي نتيجة إيجابية للمني مهما طالت مدة بقائه في المسحة .
2- التلوثات الدموية
العثور علي بقع دموية مشتبه بملابس المجني عليها يفيد في حالات الاغتصاب ، فقد تكون نتيجة لجروح دامية منها اثناء وقوع العنف عليها ، او قد تكون نتيجة لتمزق غشاء البكارة إذا كانت بكرا .
الكشـــف علي المتهـــــم
يتم بعد موافقة ، ويبدأ بسماع روايته وتحديد تاريخ الواقعة المدعي بحدوثها ، وبعد ذلك يتم تحديد سنه وفحص حالته الجسمانية والعقلية والصحية .
الكشف العام
يتم فحص عموم جسمه لبيان ما إذا كان به أي أثر فصابات كسحجات أو تسلخات او كدمات ، أو أي آثار مقاومة خاصة بالوجه أو العنق أو أي آثار عضية في محاولة للمجني عليها للتخلص منه .
بصمات الحامض النووي DNA
بصمات الحامض النووي DNAتحتوي نواة كل خلية بشرية على 46 زوجاً من الصبغيات (أو الكروموزمات Chromosomes) وتحتوي كل واحدة من هذه الصبغيات على عدد من الجينات أو المورثات Genes. والصبغيات هي بروتينات نووية مكونة من البروتين والحامض النووي DNA. ونشاهد هنا أن الصبغيات مصبوغة باللون الأحمر القاتم بينما تعطي أجزاء من الحامض النووي DNA إشعاعاً فلورياً ملوناً باللون الأصفر المائل إلى الأخضر.
منذ سنة 1984 ترسخ وجود مايعد بكونه أسلوباً لا يقبل الجدل في تحديد هوية الشخص بثبات متواصل. ويعرف هذا الأسلوب على النطاق الشعبي ببصمات الحامض النووي DNA. ورغم الإدعاءات المبالغ فيها التي صدرت في مرحلة التطور الأول أو الباكر لهذا الأسلوب رسخ هذا الأسلوب وجوده وأهميته ليس فقط في إطار التحقيقات الجنائية الجنائية الخاصة بالجرائم بل أيضاً في تحديد المصدر الأبوي للشخص وعلم الأنساب. والإضافة إلى ذلك وبينما يتطلب تحديد هوية الشخص من خلال بصمات أصابعه وجود جزء كبير قابل للتعريف والتحديد من البصمة الكاملة من البصمة الكاملة فإن تحليل الحامض النووي DNA يتطلب فقط تواجد أو وجود عدد قليل من خلايا الجسد الإنفرادية.
والاسم الكامل لهذا الحامض النووي من خلال الحروف الأولية DNAهو Deoxyribonucleic Acid، وهو المادة أو الجوهر المكون للمادة الوراثية لكل خلايا الجسد التي تحتوي على نواة Nucleus مثل خلايا الأنسجة ومخ العظم وجذور الشعر ولب الأسنان والسائل المنوي وخلايا الدم البيضاء وخلايا الفضلات في اللعاب والبول – لكن ليس في خلايا الدم الحمراء التي لا يوجد فيها نواة. وتعتبر قصة اكتشاف الحامض النووي DNA وإظهار بنيته الجزئيية قصة مدهشة ولكن لا حاجة بنا للدخول في هذه التفاصيل هنا ولذلك فإن وصف بنية الحامض النووي ووظيفته تالياً مبسط بالضرورة.
يمكن تصور جزيئية الحامض النووي DNA molecule على شكل سلم طويل ملتف بشكل لولبي مشدود ويتكون جانباً هذا السلم من المجموعات متناوبة من مادة الفوسفات (P) والمادة السكرية ريبوز منقوص الأكسجين. وتتشكل درجات "السلم" من مجموعات من "قاعدتي البيورين" المتصلة في كل جانب من جوانب السلم بجزيئية سكرية. وهناك أربع قواعد في هذا الإطار (تصلح لتكون قاعدة من البيورين) وهي أديناين (A)؛ ثايماين(T)؛ غواناين(G)؛ وسايتوسين (C). وتحتوي كل درجة من درجات سلم جزيئية DNA من اثنين من هذه القواعد المزيجة ولكن نجد أنه يمكن لدرجة منفردة من هذا السلم أن تكون مكونة من: S-A-T-S؛S-T-A-S؛أو S-C-G-S. ويحتوي الحامض النووي البشري DNA على حوالي ثلاثة مليارات من هذه الدرجات.
وعندما تنقسم الخلية نصفي السلم عن بعضها ويعمل كل نصف كنموذج لتكوين جزيئية جديدة من جزيئيات الحامض النووي DNA وتكون كل واحدة من هذه الجزيئيات مكونة من سلسة متتالية من الفوسفات والسكر والقاعدة الواحدة وتسمى هذه الوحدة "النويدة" Nucleotide. وتتكون الجينة أو المورثة الواحدة من مجموعة من النويدات التي توفر الرمز أو الشيفرة الخاصة بتكون الحوامض الأمنية المحددة والأنزيمات. ويتحكم كل حامض أميني واحد وكل أنزيم واحد بجانب محدد من الحرمة الأيضية في الجسد (حركة تبديل تبديل الخلايا أو الاستقلاب الخلوي Metabolism) ويحدد الخصائص الجسدية الموروثة مثل لون البشرة ولون العينين وفئة الدم….إلخ. وبما أنه لا يمكن لشخصين أن يكونا متماثلين كلياً أو مطابقين لبعضهما البعض – إلا في حالة التوأمين اللذين ينمونا من بيضة واحدة – فإن كل شخص يختلف عن الشخص الآخر بمقدار عدد الجينات أو المورثات في خلية كل واحد منهما.
ويتكرس مشروع Human Genome Projectالذي ساهم فيه باحثون من كل أنحاء العالم لتعريف وتحديد هوية كل واحدة من تلك الجينات أو المورثات.
ونجد أيضا أن الكثير من أزواج الجينات أو المورثات (سلسة درجات سلم الحامض النووي) الموروثة مطابقة لبعضها البعض: فعلى سبيل المثال يولد معظم الناس وهم يملكون عينين اثنتين وساقين اثنتين وذراعين اثنين….إلخ وتسمى هذه الوضعية بالخصائص الصنفية أو المصنفة والتي تميز نوعاً بشرياً عن نوع بشري آخر. فعندما يوفر الوالدان الجينة أو المورثة ذاتها تكون النتيجة ما نسميه بالتشابه العائلي أو الشبه العائلي. أما إذا كانت جينات أو مورثات الوالدين مختلفة عن بعضها البعض تكون إحداهاهي الجينة أو المورثة المهيمنة. فعلى سبيل المثال يكون الطفل الذي يرث جينتين تمثلان عينين زرقايتين أزرق العينين، ولكن إذا ورث هذا الطفل جينة تمثل عيناً زرقاء وجينة تمثل عينة بنية اللون تصبح عيناه بنية اللون جينة أو مورثة العيون البنية اللون هي الجينة أو المرثة المهيمنة. وتحصل وراثة المزايا أوالخصائص العرقية على هذا النمط.
وتعتبر الأنزيمات حفازة أو محفزة من حيث أنها تشجع حصول آلاف العمليات الكيميائية المعقدة التي تحصل في الجسد الحي. ولقد اكتشف علماء البيولوجيا بعض الأنزيمات المحددة التي تقطع الحبل المجدول أو اللولبي لحامض DNA إلى أقسام وتسمى هذه الأنزيمات بأنزيمات الحصر أو التقييد Restriction Enzymes، وهي نتاج البكتيريا لمهاجمة الحامض النووي الدخيل وبذلك تحمي نفسها ضد الفيروسات.
وبما أن جانبي سلم الحامض النووي DNA مكونان فقط من مجموعات متناوبة من السكر والفوسفات يصبح بإمكاننا تحديد واحد من أطوال السلم بواسطة زوج القاعدة الكيمائية التي تكون "درجات" السلم دون إدخال العنصرين S-و P- (رموز السكر والفوسفات). فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون أحد أجزاء السلسة المتلاحقة من رموز سلم الحامض النووي DNA كما يلي:
T-A-T-G-G-C-C-C-C-T-A-T-T-A-C-G-C-G-C-T-T-T-A-G-G-C-C-T-T-C-G-A-T-T-A-T-A-C-C-G-G-G-A-T-A-A-T-G-C-G-C-A-A-A-T-C-C-G-G-A-A-G-C-A-T-A-A
وتعمل أنزيمات الحصر عادة على قطع أحد جانبي السلم فقط عند سلسلة محددة من الأزواج القاعدية. وغالباً ما يتم إنتاج الأنزيم الذي يستعمل في مختبرات الطب الشرعي الأميركية بواسطة جرثومة أو بكتيريا تسمى Haemophilus aegyptius والتي تعرف بالرمز Hae III
علة التجريم:
إن علة تجريم الاغتصاب واضحة بحيث لا أحتاج لتوضيحها ، حيث ينطوي هذا الفعل على اعتداء على حرية الأنثى الجنسية وعلى حقها في صيانة عرضها . وفضلاً عن ذلك فإن الاغتصاب يؤدي إلى المساس بالحرمة الجسدية للمجني عليها وقد يؤدي إلى عواقب اجتماعية وخيمة مثل تهديد استقرار العائلة وتحقيرها في الوسط الاجتماعي ، وقد يؤدي الاغتصاب أيضاً إلى حدوث حمل غير شرعي بكل ما ينطوي عليه ذلك من صعوبات اجتماعية للأم والطفل على السواء..
الأركان القانونية للاغتصاب:
تقوم هذه الجريمة على ثلاثة أركان ، الأول: المواقعة غير الشرعية للأنثى وهذا هو الركن المادي ، ثم انعدام رضاء المجني عليها بالمواقعة وثالثاً: توافر القصد الجنائي لدى المتهم..
أولاً: المواقعة غير الشرعية للأنثى:
أـ مواقعة الأنثى تعني حدوث الوطء الطبيعي الذي يتم بالتقاء العضو الجنسي للرجل التقاءً طبيعياً بالعضو الجنسي للمرأة. وهذا الوطء لا يتم إلا بحدوث الإيلاج ، أي إدخال عضو التذكير في المكان المعد له في جسم الأنثى..
ب ـ طرفا المواقعة:
المواقعة التي تقوم بها جريمة الاغتصاب تتم بين رجل وامرأة . وتفترض هذه الجريمة أن الرجل هو الطرف الإيجابي في المواقعة والجاني. في حين أن المرأة هي الطرف السلبي والمجني عليه . ويترتب على ذلك أن الركن المادي لجريمة الاغتصاب لا يتوافر إذا حدث اتصال جنسي غير طبيعي بين شخصين من ذات الجنس ، فأي علاقة جنسية بين رجلين أو بين امرأتين لا تعد اغتصاباً حتى ولو تم بدون رضاء ، وإنما قد تشكل جناية هتك عرض إذا حدثت بالقوة أو فعل فاضح علني إذا كان الفعل قد تم بالرضاء ولكن علانية ، بل وقد لا تشكل أي جريمة إذا تمت بالرضا الصحيح وفي غير علانية!..
وحسب تحديد مفهوم المواقعة بأنها اتصال جنسي طبيعي واقع من رجل على امرأة فإنه يترتب على ذلك أيضاً أن جريمة الاغتصاب لا يتصور حدوثها إلا من رجل ضد امرأة ، فإذا أكرهت امرأة رجل على الاتصال الجنسي فلا يعد اغتصاباً وإنما هتك عرض!!..
جـ ـ الاغتصاب يستلزم حدوث الوطء الطبيعي:
فلا يقوم الاغتصاب ولا تتوافر الجريمة بإتيان امرأة من الخلف أو وضع الإصبع أو عصا أو أي شيء آخر في فرج المرأة فهذه الأفعال تشكل جناية هتك العرض . ولإتمام الاتصال الجنسي ينبغي أن يكون الرجل قادراً عليه وأن تكون المرأة مهيأة له . فإذا كان الرجل غير قادر على اتمام الإيلاج لإصابته بعجز جنسي أو إذا كانت المرأة غير مهيأة لإتمام العملية الجنسية بسبب ضيق الفرج الناشئ عن أمر طبي ، أو بسبب صغر السن فإن الوطء يكون مستحيلاً ومن ثم فلا تقوم جريمة الاغتصاب وإن توافرت جريمة هتك العرض..
د ـ أن يرتكب الاغتصاب ضد امرأة حية:
لأنه بذلك يتحقق معنى الاعتداء الصارخ على الحرية الجنسية للمجني عليها وعلى حرمة جسدها . ويترتب على هذا أن أفعال الفسق التي يرتكبها الرجل على جثة امرأة لا تقوم بها جريمة الاغتصاب مهما بلغت درجة فحشها..
هـ ـ المواقعة غير الشرعية:
المواقعة التي تكون الركن المادي للاغتصاب هي المواقعة غير الشرعية . والنظام الوحيد الذي يجيز الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة هو الزواج . فإذا أتى الرجل زوجته بالطريق الطبيعي فلا يعد الفعل اغتصاباً وإن أتمه دون رضاها لأن الزواج يعطي للرجل هذا الحق..
ولكي يستفيد الزوج من حق الاستمتاع بزوجته يجب أن يكون الاتصال الجنسي قد تم أثناء قيام العلاقة الزوجية ويأخذ حكم قيام هذه العلاقة فترة الطلاق الرجعي حيث لا يرفع أحكام النكاح قبل مضي العدة ، بل إن مواقعة الزوجة ولو كرهاً أثناء العدة يعتبر مراجعة لها..
فإذا أصبح الطلاق بائناً بينونة كبرى فإنه لا يحل لمن كان زوجاً أن يجامع مطلقته ، فإذا اتاها رغماً عنها عد مرتكباً لجريمة الاغتصاب . وإذا كانت هذه الجريمة تقوم بانتهاء العلاقة الزوجية فإنها قد تقوم قبل نشأتها أيضاً ولو كان ذلك في المراحل التمهيدية لها كمن يواقع خطيبته بغير رضاها . بل وتقوم جريمة الاغتصاب أثناء قيام الزوجية إذا كان العقد باطلاً أو فاسداً وكان الزوج وحده يعلم بذلك . أما إذا كان الزوج لا يعلم فإن المواقعة تكون غير شرعية لفساد النكاح أو بطلانه ولكن لا يقع الاغتصاب لعدم توافر القصد الجنائي لدى الرجل..
ثالثاً: الشروع في جريمة الاغتصاب:
ذهب قضاء محكمة النقض المصرية في بادئ الأمر إلى تبني المذهب الموضوعي لتحديد مفهوم البدء في التنفيذ ، ومن ثم فقد كان مجرد طلب الفحشاء من امرأة وجذبها من يدها وملابسها ليس إلا مجرد عمل تحضيري لا يقوم به الشروع في جريمة الاغتصاب . ولكن القضاء الحديث لمحكمة النقض المصرية يميل إلى تبني المذهب الشخصي تحقيقاً لحماية أكثر فعالية للحرية الجنسية للمجني عليها ، ووفقاً لهذا المذهب فإن البدء في التنفيذ يتحقق بأي فعل يؤدي حالاً ومباشرة إلى إتمام هذه الجريمة..
وعلى ذلك فيسأل الجاني عن شروع في اغتصاب لتحقق البدء في التنفيذ لمحاولته خلع ملابس المجني عليها أو إركابها في عربة ولو بالخداع أو باصطحابها إلى المكان الذي ينوي ارتكاب جريمته فيه ، ثم أوقف الفعل أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيه كنجاح المجني عليها في مقاومة الجاني أو كأن يهب الغير لنجدتها..
وتطبيقاً لذلك فقد قضى بأنه متى كان الحكم قد أثبت أن المجني عليها كانت تلبس قميص النوم فجلس المتهم بجانبها في غرفة نومها وراودها عن نفسها وأمسك بها ورفع رجليها يحاول مواقعتها فقاومته واستغاثت فخرج هارباً ، فهذه الواقعة يصح في القانون عدها شروعاً في وقاع متى اقتنعت المحكمة بأن المتهم كان يقصد إليه ، إذ هذه الأفعال من شأنها أن تؤدي حالاً ومباشرة إلى تحقيق ذلك القصد..
وقضى أيضاً بتوافر الشروع في الاغتصاب في شأن المتهم الذي دفع المجني عليها بالقوة وأرقدها عنوة ثم رفع ثيابها وكشف جسمها وجذب سروالها فأمسكت برباط الاستك تحاول منعه ما استطاعت من الوصول إلى غرضه منها فتمزق لباسها في يده وفك أزرار بنطلونه وجثم فوقها وهو رافع عن ثيابها يحاول مواقعتها بالقوة..
ويسأل عن الشروع في هذه الجريمة المتهمان اللذان دفعا المجني عليها كرهاً للركوب معهما بالسيارة بقصد مواقعتها ثم كشف أحدهما ملابسها ومزق سروالها وألقاه من نافذة السيارة ورقد فوقها وحاول أن يواقعها..
فإذا عدل المتهم باختياره عن إتمام فعل المواقعة فإنه يعفى من العقاب عن الشروع في الاغتصاب ولكنه يسأل عما يشكله فعله من جرائم . فقد يسأل عن هتك عرض أو عن جريمة الضرب..
رابعاً: المساهمة الجنائية في جريمة الاغتصاب:
لا تشذ جريمة الاغتصاب عن الجرائم الأخرى في الخضوع للقواعد العامة للمساهمة الجنائية ، حيث يتصور تعدد الفاعلين أو الشركاء للمساهمة في إتمام الموقعة..
فجريمة الاغتصاب تقوم بمواقعة أنثى بغير رضاها وبالتالي فإن كل من أتى فعلاً من أجل انعدام رضاء المجني عليها أو شل مقاومتها بالقوة أو بالتهديد يكون مساهماً مع من باشر الاتصال الجنسي في ارتكاب جريمة الاغتصاب سواء بوصفه فاعلاً أو شريكاً..
وإذا كانت المرأة لا يتصور منها أنها قد ترتكب فعل المواقعة المشكل لجريمة الاغتصاب ، فإنها قد تقوم بالفعل المعدم لإرادة المجني عليها لكي يتمكن الرجل من إتمام المواقعة ، ومن المتصور كذلك أن تكون المرأة فاعلة معنوية لجريمة الاغتصاب ، كما لو قامت مثلاً بإغراء مجنون باغتصاب المجني عليها..
رابعاً: الركن الثاني في جريمة الاغتصاب: انعدام الرضا:
لقد هدف المشرع بتجريمه للاغتصاب حماية الحرية الجنسية للأنثى ، ومن ثم فإن ركن عدم الرضا يشكل جوهر هذه الجريمة ، فإذا تم وقاع الأنثى برضاها فلا جريمة في الأمر إلا إذا كان أحد الطرفين متزوجاً (فيشكل الفعل جريمة زنا) أو إذا تم الفعل في علانية (فيشكل جريمة فعل فاضح علني)..
ولقد استعمل المشرع تعبير (بغير رضاها) للحديث عن هذا الركن وهو تعبير عام أوسع من استخدام مصطلح بالقوة أو الإكراه ، فانعدام الرضاء يشمل حالات أخرى قد لا يستعمل فيها الجاني القوة ولا يلجأ إلى الإكراه ومع ذلك تنعدم إرادة المجني عليها . وذلك كأن تكون إرادتها غير معتبرة قانوناً مثل الصبية غير المميزة أو المجنونة ، وكأن تكون المجني عليها تعجز عن التعبير عن إرادتها كالنائمة أو المخدرة..
فالذي يهم المشرع هو ألا يرتكب فعل الوقاع بدون إرادة صحيحة من المجني عليها! ، وليس فقط ضد إرادتها..
وهكذا فإن ركن انعدام الرضاء يتوافر سواء كان الفعل قد ارتكب ضد إرادة المجني عليها أو بدون هذه الإرادة..
1ـ وقاع الأنثى ضد إرادتها:
وتتوافر هذه الحالة إذا لجأ الجاني في سبيل تعطيل مقاومة المجني عليها إلى القوة (إكراه مادي) أو التهديد (إكراه معنوي):
أولاً: الإكراه المادي:
الإكراه المادي هي أفعال العنف التي يرتكبها الجاني على جسد المرأة بهدف التغلب على مقاومتها أو لإرهابها حتى لا تبدي مقاومة وغالباً ما يتخذ الإكراه صورة الضرب أو الجرح ولكنه قد يقوم بأي صورة أخرى من شأنها تعطيل مقاومة المرأة والتغلب عليها كتقيد المجني عليها بحبل أو الإمساك بها بقوة بأعضائها المستعملة في المقاومة..
ويلزم في الإكراه المادي الذي يعدم الإرادة أن يكون مباشراً على شخص المرأة وأن يكون له من التأثير ما يعدم إرادة الضحية..
وعلى ذلك فإذا كانت أعمال العنف لم تباشر على شخص المرأة وإنما على الأشياء أو الحيوانات كتحطيم باب لإرهاب المجني عليها فإن ذلك لا يتوافر معه الإكراه المادي . ولا يتحقق هذا الأخير أيضاً إذا لم يكن لأعمال العنف من القوة والتأثير ما يجعلها تعدم إرادة المرأة . فالعنف اليسير لا يتحقق به انعدام الرضاء حتى وإن أدى إلى التغلب على تمنع المرأة وترددها..
وإذا اعتقد الجاني أن رفض المراة ومقاومتها كان من قبيل التمنع فقط في حين أنها كانت جادة في الرفض فإن القصد الجنائي ينتفي لدى المتهم وإن كان سيسأل عن جريمة هتك عرض..
وقد قضى بتوافر الإكراه لأن الجاني قد امسك بالمجني عليها من ذراعها وأدخلها عنوة مزرعة القطن فقاومته إلا انه تمكن بقوته العضلية من التغلب عليها وألقاها على الأرض وهددها بمطواة كان يحملها وضربها برأسه في جبهتها عند مقاومتها له . فإن هذا لا يتعارض مع تقرير الطب الشرعي الذي أثبت وجود كدمات بجبهة المجني عليها ، وان بنيان المتهم الجسماني فوق المتوسط وأن يمكنه مواقعة المجني عليها بغير رضاها بقوته العضلية . ولكن ما ورد بالتقرير بعد ذلك من أن خلو جسم المجني عليها وخاصة منطقة الفخذ من الإصابات وخلو جسم المتهم من علامات المقاومة يشير إلى أن المجني عليها استسلمت تحت تأثير الإكراه بالسلاح وهو ما يتوافر به ركن الإكراه وعدم الرضا في جريمة الوقاع..
ثانياً: الإكراه المعنوي:
الإكراه المعنوي هو تهديد المتهم للمرأة بأذى أو بسوء جسيم وحال إن لم تقبل أن يواقعها . ويستوي في التهديد أن يكون منصباً على نفس المرأة أو مالها أو على شخص عزيز لديها كالتهديد بقتل ابنها أو أبيها..
ويستوي أن يكون التهديد بأمر غير مشروع كارتكاب جريمة أو بأمر مشروع كإبلاغ السلطات العامة (وهو أمر مشروع) عن جريمة ارتكبتها المجني عليها..
وعلى ذلك فإذا كشف شخص أمر العلاقة الآثمة التي تربط امرأة برجل غير زوجها فهددها بكشف أمرها إذا لم تمكنه من نفسها فسلمت نفسها إليه بسبب هذا التهديد فيسأل ذلك الشخص عن جريمة اغتصاب لانعدام رضاء المجني عليها بسبب الإكراه المعنوي المباشر ضدها..
وقد قضى في فرنسا بتوافر ظرف الإكراه من خلال تهديد المجني عليها بتركها في وسط الليل ، في برد قارس وضباب كثيف وبعيداً عن الأماكن المأهولة إذا لم تمكنه من نفسها..
وقد قضي بانعدام الرضاء بسبب الإكراه المعنوي لتهديد المتهم المجني عليها بعدم تمكينها من مغادرة المسكن إلا بعد أن يقوم بمواقعتها..
ونفس الشيء إذا هدد المتهمان المجني عليها بقتل وليدها الذي كانت تحمله إن لم تستجب لرغبتهما في مواقعتها مما أدخل الفزع على قلبها خشية على وليدها فأسلمت نفسها لكليهما تحت تأثير الخوف..
2ـ وقاع الأنثى بدون إرادتها:
القانون لا يهمه فقط تجريم أفعال المواقعة التي ترتكب ضد إرادة المرأة وإنما يحرص أيضاً على تجريم الأفعال المرتكبة بدون إرادة المجني عليها إذا كانت الإرادة غير معتبرة قانوناً بسبب مرض أو صغر السن أو الغش أو التدليس..
أ ـ انعدام التمييز:
إذا كانت المجني عليها معدومة التمييز فإن جريمة الاغتصاب تقوم حتى ولو تمت المواقعة بموافقة المجني عليها لأن رضائها غير معتبر قانوناً لأن الإرادة التي هي مصدر تقييم الأشياء والحكم عليها غير موجودة أو معطلة لدى المجني عليها إذاك كانت مجنونة أو صغيرة غير مميزة أو سكرانة..
فإذا واقع شخص أمرأة مجنونة برضائها فإنه يعتبر مسئولاً عن جريمة اغتصاب (ولكن يشترط أن يكون جنون المرأة قد بلغ حداً لا تستطيع معه القدرة على فهم ماهية الفعل المرتكب)..
وعلى ذلك فإنه يعتد برضاء المجني عليها ولا تتوافر جريمة الاغتصاب إذا كان الجنون من النوع المتقطع وتمت المواقعة في فترة الإفاقة . ويسأل المتهم عن جريمة اغتصاب إذا واقع امرأة في غيبوبة ناشئة عن سكر وسواء كان الجاني هو الذي أعطاها المادة المسكرة أو شخص غيره أو حتى إذا كانت المجني عليها هي التي تناولتها . ويأخذ حكم السكر الحبوب المنومة أو البخور الذي يحدث دواراً للمجني عليها ، فذلك مما يجعل الإرادة غير معتبرة قانوناً..
والصغيرة غير المميزة تأخذ حكم المجنونة من حيث عدم الاعتداد بإرادتها وبالتالي فإن رضائها بالمواقعة لا ينفي جريمة الاغتصاب . أما إذا كانت الصغيرة مميزة أي أنها بين السابعة والثامنة عشرة من عمرها ، فإن قبولها فعل المواقعة ينفي جريمة الاغتصاب حيث ان القانون يعتد إلى حد ما بإرادة الصغيرة المميزة ، ولكنه لا يولي إرادتها قيمة كاملة بحيث تنفي عن الواقعة الصفة التجريمية لأن الفتاة مازالت ـ بحكم صغر سنها ـ قليلة الخبرة سهلة الإغواء ، ومن ثم فإن مواقعتها برضائها وإن لم يشكل جريمة الاغتصاب إلا انه يعاقب عليه تحت وصف هتك العرض بدون قوة أو تهديد.
ب ـ التدليس أو الغلط:
الغش والخداع الذي يتوصل الجاني من خلاله إلى إتيان المرأة يعدم إرادة هذه الأخيرة قيمتها القانونية ، ومن ثم فتقوم جريمة الاغتصاب إذا تم الاتصال الجنسي بسبب التدليس او الغلط . والتدليس إما ينصب على شخص الجاني أو على صفته..
فبالغش والخداع قد يأتي الرجل المراة في ظروف تجعلها تعتقد انه شخص تسمح له بهذه المعاشرة كزوج أو عشيق! ، ومن ذلك مثلاً أن يدخل الجاني في سرير امرأة ليلاً فتعتقد أنه زوجها فتسمح له بإتيانها فرضاؤها هنا لا ينفي مساءلة الرجل عن جريمة اغتصاب لأنه رضاء معيب وغير معتبر قانوناً..
أما عن التدليس الذي ينصب على صفة الجاني فمثاله ذلك الزوج الذي يطلق زوجته طلاقاً بائناً دون أن تعلم هي بذلك ثم يعاشرها معاشرة الأزواج فيسأل الرجل هناعن جريمة اغتصاب لأن رضاء المرأة قد بني على الغش والخداع ومن ثم فلا يعتد به . فالمرأة لو علمت أنها مطلقة طلاقاً بائناً لكانت قد رفضت تمكين زوجها السابق منها ، أو على الأقل أن هناك اعتداء على حريتها الجنسية في القبول أو الرفض عن علم وبينة من الأمر..
ويأخذ حكم التدليس المنصب على صفة الجاني أيضاً الكتابي الذي يتزوج بمسلمة مدعياً أنه مسلم ومخفياً حقيقة أمره . ونفس الأمر ينطبق على المسيحي والذي لا يحل له ان يجمع بين أكثر من امرأة في وقت واحد إذا تزوج ثانية بعد أن أخفى عليها أنه متزوج حيث يعاقب عن اغتصاب لأن رضاء المرأة الثانية يعتبر رضاءً معيباً لابتنائه على غش منصب على صفة الجاني..
وإذا أتى الرجل المرأة مباغتة فينطبق عليه حكم الاغتصاب أيضاً كمن يأتيها بالغش والخداع. وعلى ذلك فالطبيب الذي يواقع امرأة بغتة منتهزاً فرصة استسلامها له للكشف عليها يكون مسئولاً عن جريمة اغتصاب..
جـ ـ النوم والمرض وما في حكمهما:
قد تكون إرادة المرأة معتبرة قانوناً ولا يستعمل الجاني وسائل تدليسية للوصول إلى مآربة ومع ذلك يسأل الجاني عن اغتصاب المرأة إذا أتاها وهي عاجزة عن التعبير عن إرادتها ، حيث يكون الفعل قد ارتكب بدون إرادة المجني عليها وهو ما يعني المشرع بتجريمه . وعجز المرأة عن التعبير يرجع إلى امور عديدة يقدر القاضي مدى توافر أحدها وفقاً لظروف الواقعة وملابساتها . ويأتي في مقدمة هذه الأسباب النوم والإغماء والإعياء الشديد أو الغيبوبة والصرع..
ولذلك فإذا واقع الجاني امررأة أثناء نومها ثم استيقظت بعد بدء الفعل ، فإن جريمة الاغتصاب تتوافر أركانها . وسواء كان النوم طبيعياً أو مغناطيسياً ..
ولا تتوافر الإرادة كذلك إذا كانت المراة مريضة وانتهز الجاني فرصة عجزها وواقعها ، ولهذا قضي بأنه متى كان المتهم قد باغت المجني عليها وهي مريضة ومستلقية في فراشها وكمم فاها بيده وانتزع سروالها ثم اتصل بها اتصالاً جنسياً بإيلاج قضيبه فيها بغير رضاها منتهزاً فرصة عجزها بسبب المرض عن المقاومة أو إتيان أية حركة فإن ذلك يكفي لتكوين جريمة الاغتصاب..
ويأخذ حكم المرض الإعياء الشديد الذي ينتاب الأنثى ويبلغ منها مبلغاً يعطل لديها مراكز الإحساس والقدرة على المقاومة ، فإذا اتاها الجاني وهي على هذه الحالة فإنه يسأل عن جريمة اغتصاب..
د ـ حماية الحرية الجنسية للمراة غير مرتبط بشرفها:
المشرع يحمي الحرية الجنسية للمرأة من الاعتداء عليها بغض النظر عما كانت المرأة نفسها تحافظ على عفتها وشرفها أم لا ، فمناط الحماية الجنائية هو حرية المرأة الجنسية وليس شرفها وطهارتها..
وعلى ذلك فإن انعدام الرضا يتحقق وتقوم جريمة الاغتصاب إذا واقع الجاني عاهرة بغير موافقتها حتى لو كانت عشيقته في يوم من الأيام . ومع ذلك يجوز لجهة التحقيق في الواقعة أو للقاضي اعتبار سوء سلوك المرأة قرينة على رضائها بالمواقعة..
ثالثاً: الركن المعنوي لجريمة الاغتصاب:
الاغتصاب جريمة عمدية ومن ثم فإن ركنها المعنوي يتخذ صورة القصد الجنائي . والقصد المتطلب هنا هو القصد العام الذي يتحقق بانصراف علم الجاني وإرادته إلى الأركان القانونية المكونة لجريمة الاغتصاب وهي مواقعة الأنثى دون إرادتها..
فاتجاه إرادة الجاني إلى فعل المواقعة لا يثير صعوبة لأن هذا الفعل إرادي ، ولأنه يرتكب عن رغبة ، فالإرادية فيه واضحة وخاصة إذا ما ارتكب بواسطة الإكراه..
أما عن علم الجاني ، فإنه ينبغي أن يحيط بالصلة الجنسية غير المشروعة وبعدم توافر رضاء المرأة الصحيح بهذه العلاقة . فإذا حدث غلط من الجاني في أحد هذه العناصر انتفى لديه القصد الجنائي..
وعلى ذلك فإذا اتجه اعتقاد الجاني إلى انه يمارس علاقة جنسية مشروعة ، فإن القصد الجنائي لا يتوافر لديه لأنه يعتبر قد وقع في غلط ، ويستوي أن يكون غلطه منصب على الوقائع أو متعلقاً بالقانون ذلك كله بشرط أن تكون القاعدة القانونية التي وقع فيها الغلط لا تنتمي إلى القانون العقابي..
وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا اتصل رجل بأمرأة جنسياً وكان يربطه بها عقد زواج فاسد أو باطل وكان يجهل سبب الفساد أو البطلان فإنه لا يتحقق لديه القصد الجنائي . ويستوي أن ينصب غلطه على الوقائع كما لو تزوج أخته في الرضاعة وهو يجهل ذلك ، أو ينصب على القانون كما لو كان يعلم بأنها اخته في الرضاعة ولكنه يجهل القاعدة الشرعية التي تحظر هذا الزواج..
ويجب أيضاً أن يعلم الجاني بعدم رضاء المرأة بالعلاقة الجنسية ، ولكنه إذا اعتقد أن ما تبديه من رفض هو في حقيقته مجرد تمنع ناشئ عن حياء طبيعي أو لإثارة غريزته ، فلا يتوافر القصد لديه حتى لو كان اعتقاده مبنياً على تقدير خاطئ . ويعتبر الإكراه المباشر ضد المرأة قرينة بسيطة على عدم توافر الرضاء ، وتعني القرينة البسيطة بأنه يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات التي كفلها القانون..
وبناء على ما سبق ، وتطبيقاً للقواعد العامة التي تحكم القصد الجنائي ، فإنه لا يعتد بالبواعث التي تدفع الجاني إلى ارتكاب الجريمة ، فيستوي أن يكون غرضه مجرد إشباع شهوته الجنسية أو أن يكون هدفه أبعد من ذلك كالانتقام من المرأة بفض بكارتها أو إلحاق العار بأسرتها..