إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ونصلي ونسلم على سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إمام المتقين وسيد المرسلين ومسك الختام للأنبياء أجمعين.. وبعد.
لما كان للنكاح أهمية كبيرة في الفقه الإسلامي فقد اختلف الفقهاء في فضل النكاح فبعضهم بالغ في فضله حتى زعم أنه أفضل من التخلي للعبادة.
وآخرون اعترفوا بفضله ولكن قدموا عليه التخلي لعبادة الله إذا لم تتق النفس إلى النكاح.
ولما كان للنكاح هذه الأهمية فإني قد اخترت نوعاً من النكاح كان مباحاً ثم حرم وهو (نكاح المتعة) ذلك لأن كثيراً من الناس وخصوصاً أصحاب الثقافة الدينية البسيطة لا يعرفون حكمه ولا يعلمون طريقه وقد يلتبس الأمر عليهم في النكاح المشروع ونكاح المتعة.
ولهذا آثرت اختيار هذا الموضوع لأكتب فيه بحثاً أبين موقف الفقه الإسلامي من نكاح المتعة وقول الفقهاء المانعين له والمجوزين ذاكراً دليل كل منهم ومرجحاً ما قوي دليله وسبب الترجيح ثم ذكرت نبذة عن نكاح الشغار وبعض الأنكحة الفاسدة.. التي نهى عنها الإسلام.
ولقد تناولت هذا البحث في فصلين وخاتمة على النحو التالي:
الفصل الأول: تناولت فيه فضيلة النكاح المشروع والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الزواج وترغب فيه.. ثم تناولت الحكمة من الزواج والغرض منه وبينت أن توفيت النكاح يخرجه عن الغرض منه وهو ما يسمى نكاح المتعة وذكرت آراء الفقهاء المانعين لهذا النكاح وأوضحت أدلتهم وما استندوا إليه وذكرت الفرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت.
وفي الفصل الثاني: تناولت أدلة المجيزين لنكاح المتعة وما نسب إلى الصحابي الجليل عبد الله ابن عباس من جواز نكاح المتعة والرد على ذلك وما نسب إلى بعض الصحابة في هذا الأمر.
أما الخاتمة: فقد تناولت فيها ترجيح الرأي المانع لنكاح المتعة وسبب ذلك الترجيح وبينت الحكمة من تناول نكاح المتعة في الفقه الإسلامي لأظهر حكمة الإباحة والمنع في بعض الأحكام وما يسئ به كثير من الناس إلى الشريعة الإسلامية الغراء من أمور قطعت النصوص بحرمتها وأظهرت الشريعة موقفها منها وحتى نكون قد قدمنا للمكتبة الإسلامية بحثاً لعله يسد ركناً فيها فإن يكن توفيق فلله الحمد والمنة على توفيقه وعونه وإن يكن خطأ أو قصور فهذا جهد بشري قابل للخطأ والصواب وحسبي أني أبغي الصواب وأسعى إليه.. والله تعالى أسأل أن يكتب هذا في ميزان حسناتي يوم الدين وأن ينفع به المسلمين..
وقبل أن أبدأ في تعريف نكاح المتعة لابد من التعريف بالنكاح المشروع في الإسلام حتى يظهر الفرق بين النكاح المشروع ونكاح المتعة وذلك فيما يلي:
•تعريف النكاح:
النكاح لغة: الضم والجمع ومنه تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض.
وأما النكاح شرعاً: فهو عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ أنكاح أو تزويج أو ترجمته.
والعرب تستعمله بمعنى العقد والوطء جميعاً. لكنهم إذا قالوا نكح فلان فلانة أو بنت فلانة أو بنت فلانة أو أختها، أرادوا تزوجها وعقد عليها، وإذا قالوا نكح زوجته أو امرأته لم يريدوا إلا المجامعة.
قال الثعلبي وابن القطان أن النكاح له أسماء كثيرة. وإن كثرة الأسماء إنما تدل على شرف المسمى( ).
وذهب ابن الهمام إلى أن النكاح لفظ مشترك بين الوطء والعقد اشتراكاً لفظياً، وقيل هو حقيقة في العقد مجاز في الوطء وهذا لغة.
أما اصطلاحاً: فهو عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصداً والمراد بالعقد مطلقاً سواء أكان نكاحاً أو غيره. فهو مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر سواء أكان باللفظين المشهورين من زوجت أو تزوجت أو غيرهما( ).
وقال ابن قدامة: النكاح في الشرع هو عقد التزويج فعند إطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل.
وهو حقيقة في العقد والوطء جميعاً للقول بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج( ) لدخوله في قوله تعالى: {ولا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ}( ).
وقيل هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد( ).
وذهب بعض الشافعية إلى أن النكاح شرعاً له ثلاثة أوجه.
الأول: وهو أصحها أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء كما جاء به القرآن الكريم والأخبار النبوية.
ولا يرد على ذلك ما جاء في قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}( ) لأن المراد العقد والوطء مستفاد من خبر الصحيحين "حتى تذوق عسيلته"( ).
والثاني: أنه مجاز في العقد وبه قال أبو حنيفة وهو أقرب إلى اللغة والأول أقرب إلى الشرع، قال الزمخشري وهو من علماء الحنفية لم يرد النكاح في القرآن الكريم إلا بمعنى العقد لأن كونه بمعنى الوطء من باب التصريح ومن أراد به الكناية عنه أتى بلفظ الملامسة أو المماسة وأورد عليه قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً}( ) فالمراد الوطء.
والثالث: حقيقة فيهما بالاشتراك وحمل على هذا النهي في قوله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}( ).
فهذا اللفظ مشترك يعبر عن العقد وعن الوطء بملك اليمين وفائدة الخلاف بين الشافعية القائلين بحقيقة النكاح في العقد ومجازه من الوطء وبين الحنفية القائلين أن النكاح مجاز في العقد لأنه أقرب إلى اللغة يظهر فيمن زنا بامرأة فإنها تحرم على والده وولده عندهم أي الحنفية لا عند الشافعية( ).
•حقوق الزوجين:
يرتب الشارع بمقتضى عقد الزواج حقوقاً للزوجين مشتركة وحقوقاً للزوج على زوجته، وحقوقاً للزوجة على زوجها لكننا في هذا البحث نذكر بعض الحقوق المشتركة للزوجين دون بقية الحقوق.
•الحقوق المشتركة:
لكل من الزوجين حقوقاً مشتركة بعد عقد النكاح الصحيح نذكر منها:
1- حل العشرة الزوجية بينهما وحل ما يقتضيه الطبع الإنساني مما هو محرم إلا بالزواج لقوله تعالى: {والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}( ).
2- حل المساكنة بين الزوجين وربط المودة بينهما.
3- حرمة المصاهرة بينهما.
4- التوارث بين الزوجين فإن العشرة لما حلت بين الزوجين ربطت بينهما لحمة تشبه لحمة النسب أو أقوى ثم ربطت أسرتهما برباط المصاهرة فصارتا كأنهما أسرة واحدة.
5- وجوب المهر على الزوج.
6- وجوب النفقة عليه.
7- لا يتم الفصل بين الزوجين إلا بالطلاق أو الموت( ).
أما نكاح المتعة فليس فيه إلا حل الاستمتاع ولا يثبت به نسب، ولا توارث بين الزوجين، ولا يثبت به حرمة المصاهرة وينتهي بانتهاء المدة ولا عدة فيه.
أما نكاح المتعة وهو النكاح المنقطع فأركانه أربعة:
الأول: الصيغة وهو منعقد بأحد الألفاظ الثلاثة (زوجتك، وأنكحتك، ومتعتك).
الثاني: الزوجة. ويشترط كونها مسلمة أو كتابية ولا يصح بالمشركة.
الثالث: المهر وذكره شرط ويكفي فيه المشاهدة ويقدر بالتراضي ولو بكف من بر.
الرابع: الأجل وهو شرط في العقد.
ويترتب على نكاح المتعة الأمور الآتية:
1- لا يثبت به النسب.
2- لا توارث بين الزوجين.
3- لا تثبت به حرمة المصاهرة.
4- ينتهي بانتهاء المدة.
5- إذا انقضى أجلها فالعدة حيضتان على الأشهر وإن كانت ممن تحيض ولم تحض فخمسة وأربعون يوماً( ).
هذه أهم الخصائص لكل من النكاح المشروع في الإسلام ونكاح المتعة ذكرتها ليتبين القارئ الفرق بين النكاح المشروع ونكاح المتعة.
وسنتناول بإذن الله تعالى فيما يأتي نكاح المتعة.
***
الفصل الأول
نكاح المتعة
•تعريف المتعة:
المتعة في اللغة: متع الشيء متوعاً جاداً وطال فهو ماتع ويقال متع الحبل اشتد وذلك إذا جاد فتله.
وأمتعه الشيء سره، وأمتعه الله بكذا: أبقاه لينتفع به، ومتع الله فلاناً عمرة ويقال متعه الله بكذا أمتعه، ومتع الرجل مطلقته أعطاها المتعة بعد الطلاق( ). وفي القرآن الكريم {فَمَتِّعُوهُنَّ وسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}( ).
وتمتع بكذا: دام له ما يستمده منه.
وتمتع بالعمرة إلى الحج: أقام معتمراً في الحرم أدى الحج فضم العمرة إلى الحج.
واستمتع بكذا: تمتع به.
والمانع الجيد البالغ الجودة من كل شيء.
والمتاع: كل ما ينتفع به ويرغب في اقتنائه، كالطعام وأثاث البيت والسلعة، ومتعة المرأة: ما يعطيه الزوج إلى زوجته بعد الطلاق لتنتفع به من نحو مال أو خادم( ).
والمعنى القريب من كل هذه المعاني هو: تمتع بكذا دام له ما يستمده منه.
•تعريف المتعة اصطلاحاً:
والمتعة في الاصطلاح –التمتع بالمرأة لا يريد إدامتها لنفسه وتمتعك بالمرأة أنك لا تريد إدامتها لنفسك( ).
وأما قوله عز وجل في سورة النساء بعقب ما حرم من النساء فقال سبحانه: {وأُحِلَّ لَكُم مَّا ورَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}( ).
فإن الزجاج ذكر أن هذه الآية غلط فيها قوم غلطاً عظيماً لجهلهم باللغة وذلك أنهم ذهبوا إلى قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} من المتعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرام.
وإنما معنى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} فما نكحتم منهن على الشريطة التي ورد في الآية أنه (الإحصان)، {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ} أي عاقدي التزويج أي فما استمتعتم به منهن على عقد التزويج الذي جرى ذكره.
{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} أي مهورهن، فإن استمتع بالدخول بها أتى المهر تاماً، وإن استمتع بعقد النكاح، أتى نصف المهر( ).
قال الأزهري: المتاع في اللغة كل ما انتفع به فهو متاع وقوله تعالى: {ومَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ}( ) ليس بمعنى زودوهن المتاع وإنما معناه أعطوهن ما يستمتعن به( ).
وكذلك قوله تعالى: {ولِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}( ) قال ومن زعم أن قوله {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} التي هي الشرط في التمتع الذي يفعله الرافضة فقد أخطأ خطأ عظيماً لأن الآية واضحة بينة.. فإن احتج محتج من الروافض بما يروي عن ابن عباس أنه كان يراها حلالاً وأنه كان يقرؤها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) فالثابت عندنا أن ابن عباس كان يراها حلالاً ثم لما وقف على نهي النبي –صلى الله عليه وسلم- رجع عن إحلالها، قال عطاء سمعت ابن عباس يقول: (ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد –صلى الله عليه وسلم-) فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا أحد إلا شفى( ).
والنهي عن المتعة الشرطية صح من جهات لو لم يكن فيه غير ما روي عن أم المؤمنين عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهما- ونهيه ابن عباس لكان كافياً( ) وهي (أن المتعة كان ينتفع بها إلى أمد معلوم وقد كان مباحاً في أول الإسلام ثم حرم)( ).
***
المبحث الأول
السبب في تحريم نكاح المتعة
نكاح المتعة هو أن يتزوج الرجل المرأة وقتاً معلوماً بلفظ أتمتع بك شهراً أو شهرين أو يوماً أو يومين ثم يتركها بعد أن يقضي منها وطره، وهذا يتنافى مع النكاح المشروع في الشريعة الإسلامية، لأن النكاح إنما يقصد به الدوام والاستقرار والتأقيت يبطله( ). ولقد رغب الإسلام في الزواج الذي يقوم على دوام العشرة بصورة متعددة.
أولاً: أنه سنة من سنن الأنبياء قال تعالى: {ولَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وذُرِّيَّةً}( ) وفي السنة ما روي عن أبي أيوب الأنصاري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من سنن المرسلين، الحياء والتعطر، والسواك، والنكاح"( ).
ثانياً: كما أن الزواج آية من آيات الله تبارك وتعالى كما يوضح القرآن الكريم ذلك فيقول سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}( ).
وجاء في حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف"( ).
وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من أصابهن فقد أعطى خيري الدنيا والآخرة قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لا تبغيه حوباً في نفسها وماله"( ).
وعن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من سعادة ابن آدم ثلاثة ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة. من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء"( ).
وروى الطبراني والحاكم هذا الحديث مفسراً جاء فيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة من السعادة: المرأة الصالحة تراها تعجبك وتغيب فتأمنها على نفسك ومالك والدابة تكون وطيئة( ) تلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق. وثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، الدابة قطوفاً( ) فإذا ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق".
•فضيلة النكاح:
للنكاح المشروع فضيلة جعلت الفقهاء يختلفون في فضله.. فذهب بعضهم إلى المبالغة في فضيلة النكاح المشروع حتى زعم أنه أفضل من التخلي لعبادة الله تعالى بمعنى أن النكاح أفضل من الانقطاع للعبادة. وذهب آخرون إلى الاعتراف بفضيلة النكاح ولكن قدموا عليه التخلي لعبادة الله سبحانه وتعالى والانقطاع لطاعته طالما أن النفس لم تتق إلى النكاح توقاناً بغير الحال ويدعو إلى الوقاع في الزنا( ).
والأفضل للإنسان إذا لم تتق نفسه إلى النكاح أو كان هناك ما يمنع منه كان التخلي إلى العبادة أفضل، لشغل الإنسان نفسه بعبادة ربه.
ولكن إذا تاقت نفس الإنسان إلى النكاح واشتهى النساء فالنكاح أفضل، حتى لا يشغل الإنسان نفسه بالتفكير في المعصية وارتكاب المحرم( ).
•الترغيب في النكاح من القرآن الكريم:
لقد وردت آيات كثيرة للترغيب في النكاح نذكر منها ما يلي:
1- قوله تعالى: {وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإمَائِكُمْ}( ).
وهذا أمر من الله تعالى بالنكاح.
2- كذلك قوله تعالى: {َلا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعُروفِ}( ).
ومعنى تعضلوهن أي تمتعوهن.
وأصل العضل التضييق ومنه الداء العضال، لضيقه عن العلاج وتجاوزه حد الأدواء( ).
وروى البخاري عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها حتى انقضت عدتها فخطبها زوجها وكان يدعى أبي البلاح فأبى أخوها زواجها من معقل فنزلت هذه الآية( ):{َلا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} وهذا نهي عن منع الزواج إذا رغب فيه الزوجان( ).
كما أن الله سبحانه وتعالى ذكر الزواج في وصف الرسل ومدحهم والامتنان وإظهار الفضل قال تعالى: {ولَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وذُرِّيَّةً}( ) أي لم نجعل الأنبياء ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون( ).
ولقد مدح الله أولياؤه بسؤال ذلك في الدعاء فقال تعالى: {والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً}( ) والمعنى أن هذه الآية تعني الذين يسألون الله تعالى أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له.
وقال الحسن البصري –رضي الله عنه- عندما سئل عن هذه الآية قال: (أن يرى الله تعالى العبد المسلم من زوجته ومن أخيه ومن حميمه طاعة الله تعالى.. وما أقر لعين المسلم من أن يرى زوجاً أو ولداً أو أخاً أو حميماً مطيعاً لله عز وجل)( ).
•الترغيب في النكاح من السنة:
- عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني"( ).
- وعن أبي أمامة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله"( ).
وعن انس –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني"( ).
- وعن انس –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وأبرك لها فيه"( ).
- وعن معقل بن يسار –رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه.. ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك. ثم أتاه الثالثة فقال له تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم"( ). وقوله –صلى الله عليه وسلم-: "النكاح سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام فإن الصوم له وجاء"( ).
•وبعد:
فقد ذكرنا بعضاً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الزواج وترغب فيه وتبين فضله وأن المقصود منه دوام العشرة وتمام النعمة وإكمال الدين وإنجاب الذرية الصالحة التي تقر بها العيون لأن الذرية من زينة الحياة قال تعالى : {المَالُ والْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا}( ).
وهذه أمور لا تتفق مع التأقيت بمدة أو التعليق بنزوة أو التحديد بزمن فهذا أمر يذهب الحكمة من الزواج وهي أنه السكن والمودة والرحمة كما جاء في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}( ). فلا يتأتى السكن وهو الهدوء والاستقرار مع التأقيت بمدة ولا التحديد بزمن ولا التعليق على شيء لأن السكن هو ما سكنت إليه واستأنست به( ).
وكل هذا يتنافى مع تحديد الزواج بمدة أو ربطة بقضاء شهوة لأن في التحديد انتقال وتغيير من حال الزواج إلى حال الفراق بخلاف التأييد الذي يجعل النفس في سكينة واستقرار وهدوء واطمئنان وصدق الله حيث يقول: {لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا}.
ومن هنا جعل الله تعالى الحياة الدنيا مؤقتة والحياة الآخرة مؤبدة لينعم الإنسان الطائع بالتأييد في الآخرة ويشقى بالتأقيت في الدنيا ومن هنا كان الرأي الصحيح هو تحريم نكاح المتعة وسوف نتناول آراء الفقهاء المانعين لها والمجوزين فيما يلي:
***
المبحث الثاني
الأنكحة التي حرمها الإسلام
نذكر في هذا المبحث أولاً بعض الأنكحة التي كانت سائدة قبل الإسلام ثم حرمها الإسلام. وثانية: الأنكحة التي نهى عنها الإسلام.
أولاً: الأنكحة التي حرمها الإسلام:
لقد حرم الإسلام بعض الأنكحة التي كانت سائدة قبل مجيء الإسلام ثم جاء الإسلام بنوره فحرم هذه الأنكحة ونذكر منها:
1- نكاح الخدن:
وهو النكاح المستتر وكانوا يقولون ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لؤم( ) وهو المذكور في قوله تعالى: {ولا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}( ). والمعنى غير مصاحبات أصدقاء للزنى سراً، أو إخلاء( ) وقال ابن عباس هن الزواني اللائي لا يمنعن أحد أرادهن بالفاحشة( ).
2- نكاح الاستبضاع:
ونكاح الاستبضاع وهو أن يقول الرجل لامرأته إذا ظهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه أي اطلبي منه المباضعة (أي الجماع) لتنالي الولد فقط ويعتزلها زوجها حتى يتبين حملها فإذا تبين حملها أصابها إذا أحب، وهو إنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد.. ومن هنا سمي هذا النكاح بنكاح الاستبضاع.
3- نكاح الرهط:
ونكاح الرهط المقصود به العدد ما دون العشرة يجتمعون على المرأة فيدخلون كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم قد عرفتم ما كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان وتسمي من الرهط من أحبت باسمه الولد فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع منه الرجل ولا ينكر الولد( ).
4- نكاح البغايا:
وهو اجتماع أناس كثيرون فيدخلون على المرأة ولا تمتنع ممن جاءها ويسمى هذا النوع نكاح البغايا أي الزواني فإذا حملت المرأة من أحد هذا الجمع ووضعت جمعوا لها القائف( ) ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتصق به ودعى ابنه ولا يمتنع من ألحق به من ذلك النسب.
ثانياً: الأنكحة التي نهى عنها الإسلام:
من الأنكحة التي نهى الإسلام عنها نكاح الشفار( ) ونكاح المتعة وهو موضوع هذا البحث.
فأما نكاح الشفار فإنهم اتفقوا على أن صفته هو أن ينكح الرجل وليته رجلاً آخر على أن ينكحه الآخر وليته، ولا صداق بينهما إلا البضع، فيكون بضع كل منهما صداقاً للأخرى واتفقوا على أنه نكاح غير جائز لثبوت( ) النهي عنه بحديث "لا شفار في الإسلام".
والشفار إذا زوج الرجل وليته على أن يزوجه الآخر وليته فلا نكاح بينهما، وإن سموا مع ذلك صداقاً أيضاً.. وهذا النكاح يسمى الشفار لقبحه تشبيهاً لرفع الكلب رجله ليبول، وحكى عن الأصمعي أنه قال الشفار الرفع فكأن كل واحد منهما رفع رجله للآخر. وحكي عن الإمام أحمد أن نكاح الشفار فاسد( ).
وروي عن عمرو وزيد بن ثابت أنهما فرقا فيه وهو قول مالك والشافعي وحكي عن عطاء وعمرو بن دينار والزهري والثوري أنه يصح وتفسد التسمية ويجب مهر المثل لأن الفساد من قبل المهر لا يوجب فساد العقد( ).
ولكن ما روي عن ابن عمر أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشفار متفق عليه، وفي حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- الشفار أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي( ). ففي الشفار بضع كل امرأة صداق للأخرى فلا يصح للنهي عنه.
ونكاح المتعة. وهو النكاح لأجل وقد تواترت الأخبار عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بتحريمه إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم.
ثالثاً: الأنكحة المنهي عنها: منها الخطبة على الخطبة:
من الأنكحة المنهي عنها النكاح الذي تقع فيه الخطبة على الخطبة وصورته أن يخطب الإنسان على خطبة غيره. لحديث "لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع"( ).
وفيه ثلاثة أقوال بالفسخ، وقول بعدم الفسخ، وقول بالفرق بين أن ترد الخطبة على خطبة الغير بعد الركون والقرب من التمام أو لا ترد( ).
ومن الأنكحة المنهي عنها نكاح المحلل:
ويقصد بهذا النكاح (نكاح المحلل) الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلاثاً. فإن مالكاً قال هو نكاح مفسوخ، وقال أبو حنيفة والشافعي هو نكاح صحيح وسبب اختلافهم هو في مفهوم قوله –صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله المحلل". الحديث.
فمن فهم من اللعن التأثيم فقط قال أن النكاح صحيح. ومن فهم من الإثم فساد العقد تشبيهاً بالنهي الذي يدل على فساد المنهي عنه قال النكاح فاسد( ).
فهذه الأنكحة فاسدة بالنهي عنها.
وهناك أنكحة فاسدة بمفهوم الشرع فإنها تفسد إما بإسقاط شرط من شروط صحة النكاح أو لتغيير حكم واجب بالشرع( ).
•النكاح الصحيح في الإسلام:
لما بعث الله تعالى محمداً –صلى الله عليه وسلم- بالحق هدم الأنكحة الجاهلية كلها إلا نكاح الناس اليوم وهو الذي شرعه الإسلام وتحققت فيه شروطه، وهذا النظام الذي أبقى عليه الإسلام لا يتحقق إلا بتحقق أركانه من الإيجاب والقبول وبشرط الأشهاد وبهذا يتم العقد الذي يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه الذي شرعه الإسلام وبه تثبت الحقوق والواجبات لكل من الزوجين( ).
ولما أن ذكرنا الأنكحة المنهي عنها في الإسلام وأن النكاح الصحيح هو الذي شرع ببعثة محمد –صلى الله عليه وسلم- وأن هذا النكاح قد هدم الأنكحة الجاهلية كلها. فإن هناك حديثاً عن عروة بن الزبير عن السيدة عائشة –رضي الله عنها- أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء.
فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر كأن الرجل يقول لامرأته إذا ظهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى تبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وغنما يفعل ذلك رغبة نجابة الولد فكان هذا النكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل، والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن بغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد –صلى الله عليه وسلم- بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم( ).
***
المبحث الثالث
آراء الفقهاء المانعين لنكاح المتعة
ذهب كثير من الفقهاء إلى تحريم نكاح المتعة.
أولاً: المذهب الحنفي:
يرى أكثر فقهاء المذهب الحنفي أن من شروط النكاح التأبيد فلا يجوز النكاح المؤقت وهو نكاح المتعة. وهو نوعان:
أحدهما: أن يكون بلفظ التمتع.
والثاني: أن يكون بلفظ النكاح والتزويج وما يقوم مقامهما.
أما الأول: فهو أن يقول أعطيتك كذا على أن أتمتع منك يوماً أو شهراً أو سنة ونحو ذلك وأنه عند عامة الفقهاء( ).
وقال بعض العلماء هو جائز واحتجوا بظاهر قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}( ).
وأما الثاني: فهو أن يقول أتزوجك عشرة أيام ونحو ذلك وأنه فاسد.
وقال زفر هو جائز وهو مؤبد والشرط باطل( ). لأن التوقيت شرط فاسد والشرط الفاسد لا يبطل النكاح بل يصح النكاح ويبطل الشرط الفاسد كاشتراط الخمر وغيرها، وبيان ذلك أنه لو شرط أن يطلقها بعد شهر صح النكاح وبطل الشرط فكذا إذا تزوجها شهراً( ).
ومن صور فقهاء المذهب الحنفي لنكاح المتعة أن يقول الرجل لامرأة: متعيني نفسك بكذا من الدراهم مدة كذا فتقول له متعتك نفسي أو يقول لها رجل: أتمتع بك( ).
والخلاصة في تحديد هذا الأمر عند الحنفية لهذا العقد هو أنه عقد يذكر في صيغته لفظ التمتع أو أن تكون صيغة العقد بها ما يحدد العقد بمدة معلومة أية مدة كانت طالت أو قصرت.
والنكاح المؤقت كما يرى بعض الفقهاء في هذا الأمر.. أن النكاح المؤقت هو نكاح متعة سواء أكان بلفظ التمتع أو بلفظ النكاح، فالنكاح إلى أجل هو نكاح متعة، لأنه بمعنى المتعة( ) ذلك أن العبرة في العقود للمعاني، ألا ترى أن الرجل لو قال لآخر جعلتك وكيلاً بعد موتي انعقد العقد وصية لأن الوصية لا تنفذ إلا بعد الموت ولو قال: جعلتك وصباُ في حياتي انعقد العقد وكالة لأن الوصية لا تنفذ إلا بعد الوفاة وما يكون في حالة الحياة يكون وكالة لا وصية.
كذلك لو أعطي المال مضاربة وشرط الربح للمضارب كان هذا العقد قرضاً، ولو شرط الربح لرب المال كان بضاعة وفي النكاح المؤقت بمعنى المتعة فيكون من نفس نكاح المتعة ولا فرق بين ما إذا طالت مدة التأقيت أو قصرت لأن التأقيت هو المعين لجهة المتعة وقد وجد( ).
•مدة حل المتعة ووقتها:
لقد أحل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزوة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة وكان ذلك عام الفتح( ).
وتفسير المتعة أن يقول الرجل للمرأة أتمتع بك كذا من المدة بكذا من البدل وهو باطل عند الحنفية جائز عند مالك بن أنس وهو الظاهر من قول ابن عباس –رضي الله عنهما- واستدل بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}( ). ولأننا اتفقنا على أنه كان مباحاً والحكم الثابت يبقى حتى يظهر نسخه. وقد ثبت نسخ هذه الإباحة بالآثار المشهورة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والحقيقة أن المالكية منعوا نكاح المتعة ولم يجيزوها والنقل بالإباحة عنهم خطأ.
ومن هذه الآثار ما روي عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهما- أن منادي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نادى يوم خيبر ألا إن الله تعالى ورسوله ينهاكم عن المتعة.
ومنه أيضاً حديث الربع بن سبرة –رضي الله عنه- قال: أحل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المتعة عام الفتح ثلاثة أيام فجئت مع عم لي إلى باب امرأة ومع كل واحد منا بردة عمي أحسن من بردتي فخرجت امرأة كأنها دمية عيطاء( ) فجعلت تنظر إلى شبابي وإلى بردته ثم قالت هلا بردة كبردة هذا أو شباب كشباب هذا ثم أثرت شبابي على بردته فبت عندها فلما أصبحت إذا منادي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينادي ألا إن الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن المتعة فانتهى الناس عنها، ثم أن الإباحة المطلقة لم تثبت في المتعة قط وإنما الإباحة مؤقت بثلاثة أيام فلا يبقى ذلك بعد مضي الأيام الثلاثة حتى يحتاج إلى دليل النسخ( ).
وكان ابن مسعود –رضي الله عنه- يقول نسخت المتعة آية الطلاق والعدة والميراث.
وكان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول: (لو كنت تقدمت في المتعة لرجمت).. وقال جابر بن يزيد –رضي الله عنهما- من الدنيا حتى رجع عن قوله في إباحة المتعة. فثبت النسخ باتفاق الصحابة –رضي الله عنهم-( ).
ولما سئلت السيدة عائشة –رضي الله عنها- عن ذلك فقالت بيني وبينكم كتاب الله تعالى وتلت قوله تعالى: {والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}( ).
وهذه ليست بزوجة له ولا ملك يمين له وبيان أنها ليست بزوجة أنه لا يرث أحدهما من صاحبة بالزوجة ولا يقع عليها الطلاق والظهار والإيلاء( ). وهناك الكثير من الشواهد على ذلك في الكتاب العزيز منها قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ}( ) فإنه بناء على قوله: {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ} والمحصن الناكح. وإن قال تزوجتك شهراً فقالت زوجت نفسي منك فهذا متعة وليس بنكاح عندنا.
وذهب زفر -رحمه الله تعالى- إلى صحة هذا النكاح لأن التأقيت شرط فاسد (فإن النكاح لا يحتمل التأقيت) والشرط الفاسد لا يبطل النكاح فيبطل الشرط ويصح العقد.
وكان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول لا أوتي برجل تزوج امرأة إلا رجمته ولو أدركته ميتاً لرجمت قبره والمعنى أن النكاح لا يحتمل التأقيت إنما التأقيت في المتعة( ).
فإذا وقتنا فقد وجد منهما التخصيص على المتعة فلا ينعقد به النكاح وإن ذكر لفظ النكاح( ). ولا يجوز الحكم بانعقاد العقد في زمان لم يعقد فيه العقد وعلى هذا لو أضافا النكاح إلى ما بعد شهر لم ينعقد في الحال لأنهما لم يعقداه في الحال فكذلك هنا.
ولا يجوز أن ينعقد في المدة لأن النكاح لا يحتمل ذلك وهذا يبين أن التوقيت ليس بمنزلة الشرط كما يقول زفر ولكن ينعدم بالتوقيت أصل العقد في الزمان الذي لم يعقداه فيه.
وهذا بخلاف ما إذا شرط أن يطلقها بعد شهر لأن الطلاق قاطع للنكاح فاشتراط القاطع بعد شهر ليقطع به دليل على أنهما عقدا العقد مؤبداً( ).
وذهب الحسن بن زياد -رحمه الله تعالى- أنه إن ذكر من الوقت ما يعلم أنهما لا يعيشان أكثر من ذلك كمائة سنة أو أكثر يكون النكاح صحيحاً لأن في هذا تأكيد معنى التأييد فإن النكاح يعقد للعمر كله بخلاف ما إذا ذكرا مدة قد يعيشان فيها أكثر من تلك المدة المحددة.. لكن الصحيح كما يرى السرخسي أن الكل في التحديد للمدة سواء طالت المدة أو قصرت لأن التأبيد من شرط النكاح فالتوقيت يبطله( ).
ولقد تعددت الروايات في نسخ المتعة بإجماع الصحابة، فقد أخرج مسلم عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال إن أناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في نسخ المتعة بإجماع الصحابة، فقد أخرج مسلم عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال أن أناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-( ). فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك، قال ابن شهاب فأخبرنا خالد بن المهاجر ابن سيف فأمره بها فقال له ابن عمرة الأنصاري مهلاً. قال ما هي؟ والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين قال ابن عمرة إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-( ). وأخبرني ربيع بن سبرة الجهني أن أباه قال كنت استمتعت في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم امرأة من بني عامر ببردين أحمرين ثم (نهانا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن المتعة)( ).. كما أخرج الإمام مسلم عن إياس ابن سلمة بن الأكوع قال: رخص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهانا عنها. انتهى.
وقال البيهقي عام أوطاس وعام الفتح واحد لأنهما بعد الفتح بيسير( ).
كما أخرج مسلم أيضاً عن سيرة الجهني قال: (أذن لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالمتعة فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنها بكر عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تعطي؟ فقلت ردائي وقال صاحبي ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أنا أشب منه (أي أقوى) فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها وإذا نظرت إلى أعجبتها ثم قالت أنت ورداءك يكفيني فمكث معها ثلاثاً ثم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال من كان عنده شيء من النساء التي يتمتع بها فليخل سبيله( ).
وقد تعددت ألفاظ هذا الحديث ففي لفظ أنه غزا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عام الفتح فأذن لنا في متعة النساء –الحديث.
وفي لفظ آخر أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج حتى نهانا عنها. انتهى( ). وفي لفظ ثالث أنه كان مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وأن الله عز وجل حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً"( ). وفي لفظ آخر قال: "نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن المتعة وقال ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئاً فلا يأخذه" وروى الإمام البخاري ومسلم عن طريق مالك ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية"( ).
وروى مسلم بلفظه أن علياً سمع ابن عباس يلين في المتعة فقال مهلاً يا ابن عباس فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية( ).
وعن عبادة بن كثير يقول سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: (خرجنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة فذكرن تمتعنا وهن تطفن في رحالنا فجاءنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نسوة تمتعنا منهن قال فغضب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حتى أحمرت وجنتاه وتمعر وجهه وقام فينا خطيباً فحمد الله وأثني عليه ثم نهى عن المتعة فتواعدنا يومئذ ثنية الوداع)( ).
ولقد تواترت الأخبار عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بتحريم نكاح المتعة ألا إنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ففي بعض الروايات أنه حرمها يوم خيبر وفي بعضها يوم الفتح وفي بعضها في غزوة تبوك وفي بعضها في حجة الوداع وفي بعضها في عمرة القضاء( ).
وإن كان قد حدث خلاف في وقت التحريم إلا أنه قد اتفق أكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريم نكاح المتعة( ). وإن كانت بعض الروايات قد اختلفت لفظاً إلا أنها اتفقت كلها معنى وهو تحريم نكاح المتعة ونرجح من هذه الروايات رواية الإمام مسلم –رضي الله عنه-.
•الفرق بين زواج المتعة والزواج المؤقت:
الفرق بين زواج المتعة والزواج المؤقت يكون بلفظ التزويج وفي المتعة يكون بلفظ أتمتع أو أستمتع كما يظهر الفرق أيضاً في عدم اشتراط الشهود في زواج المتعة وعدم تعيين المدة.. أما المؤقت فيشترط الشهود في المؤقت كما يشترط تعين المدة..
ولقد نصت المادة (13) من قانون الأحوال الشخصية: (ولا ينعقد النكاح المؤقت على الصحيح) كما نصت المادة (14) أيضاً (نكاح المتعة هو أن يعقد الرجل عقداً على امرأة بلفظ المتعة وهو باطل لا ينعقد أصلاً وإن حضره الشهود ولا يتوارث به الزوجان)( ).
ثانياً: من الفقهاء المانعين لنكاح المتعة المالكية:
فقد جاء في موطأ الإمام مالك –رضي الله عنه- عن عبد الله بن الحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأنسية( ).
وروي عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت أن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب فزعاً يجر رداءه فقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت منها لرجمت( ).
ونكاح المتعة عند المالكية هو المعين له أجل كأتزوجك سنة كذا أو شهر كذا بصداق قدره كذا أو لا كأتزوجك سنة أو شهراً بكذا، وظاهر هذا كما جاء بالمدونة وغيرها قرب الأجل أم بعد بحيث لا يدركه عمر أحدهما، لكن كلام الحسن أن الأجل البعيد الذي لا يبلغه عمر أحدهما فيضر.
قال المازري قد تقرر الإجماع على منعة ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة وما حكي عن ابن عباس من أنه كان يقول بجوازه فقد رجع عنه( ).
ونكاح المتعة عند المالكية هو النكاح إلى أجل خاصة بغير ولي وبغير شهود وبغير صداق قال بذلك ابن عبد البر، أما ابن رشد فقد حدد نكاح المتعة بأنه النكاح بصداق وشهود وولي لكن ضرب فيه أجل فبطل لذلك ويستوي فيه الأجل الطويل والأجل القصير( ).
وقال الإمام مالك –رضي الله عنه- النكاح إلى أجل من الآجال نكاح باطل كذلك بأن تزوجها بصداق قد سماه وشرطوا على الزواج إن أتى بصداقها إلى أجل كذا وكذا من الآجال فلا نكاح بينهما( ).
قال مالك وإنما رأيت فسخه لأني رأيته نكاحاً لا يتوارث عليه أهله( ).. ولو قال لامرأة أتزوجك شهراً أيبطل النكاح أم يجعل النكاح صحيحاً ويبطل الشرط.. فالإمام مالك يرى بطلان النكاح وفسخ العقد وهذه المتعة قد ثبت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تحريمها( ). وعليه أي المسمى إن دخل لأن فساده لعقده وقيل صداق المثل لأن ذكر الأجل أحدث خللاً في الصداق واختار اللحمي الأول.
والقول بأن الفسخ بلا طلاق ناظر إلى أن الخلاف الموجود في المسألة غير معتبر لمخالفته للإجماع والقول بأنه طلاق ناظر لوجود الخلاف في الجملة وإن كان غير قوي والمعتمد هو القول الأول( ).
•رأي المالكية في عقاب زواج المتعة:
يرى المالكية أن يعاقب من يأتي بنكاح المتعة فليلحق فيه الولد بالزوج ويعاقب فيه الزوجان على المذهب ولا يبلغ الحاكم بعقابهما مبلغ الحد.. وقيل يحدان وهو ضعيف( ).
وحقيقة نكاح المتعة الذي ينفسخ أبداً أن يقع العقد مع ذكر الأجل للمرأة أو وليها إذا لم يقع ذلك في العقد ولم يعلمها الزوج بذلك وإنما قصد في نفسه وفهمت المرأة أو وليها المفارقة بعد مدة فإنه لا يضر.
ولو قال لها (إن مضى شهر فأنا أتزوجك) فرضيت هي أو وليها وجعلا ذلك اللفظ هو الصيغة بحيث لا يأنفان غيره فيفسخ مطلقاً لأنه نكاح متعة قدم فيه الأجل( ).
ولما كان الكلام في فسخ النكاح المقيد في حال دون حال كان المقام مظنة أسئلة أربعة وهي:
1- هل الفسخ بطلاق أم لا؟
2- وهل التحريم بعقده ووطئه أم لا؟
3- هل فيه الإرث أم لا؟
4- إذا فسخ العقد هل للمرأة شيء من الصداق أم لا؟
والجواب عن الأول بقوله.. وهو أي الفسخ طلاق وإن اختلف فيه العلماء ولو خارج المذهب حيث كان قوياً بل قيل بصحته بعد العقد وإن لم يجز ابتداء كما في الشغار إذ لا قائل بجوازه ابتداء ولابد من حكم حاكم فهو بائن لا رجعى فإن عقد عليها شخص قيل الحكم بالفسخ لم يصح لأنها زوجة( ).
وأجاب المالكية عن السؤال الثاني بقوله.. والتحريم المختلف فيه يقع تارة بعقده كما لو تزوج محرم مثلاً ففسخ نكاحه قبل الدخول بها فإنه يحرم عليه نكاح أمها دون بنتها( ). لأن العقد على البنت يحرم الأم، وتارة يقع وطءه فيما يحرم وطءه أو التلذذ بمقدماته كما لو تزوج المحرم امرأة فدخل بها ففسخ فإنه يحرم عليه نكاحها لابنتها ولو فسخ قبله ولم تحرم عليه فالحاصل إن المختلف فيه كالصحيح.
وأجاب عن الثالث: بقوله.. وفيه أي المختلف فيه الإرث إذا مات أحد الزوجين قبل الفسخ دخل بها أو لم يدخل فإن فسخ قبل الموت فلا الإرث ولو دخل أو كانت العدة باقية لأنه طلاق بائن كما تقدم.
وأجاب عن السؤال الرابع بقوله.. (وما فسخ بعده) أي بعد البناء ولا يكون فساده إلا لعقده وصداقه معاً فالمسمى واجب للمرأة إن كان حلالاً وألا يكن فيه مسمى كصريح الشغار أو كان حراماً كخمر.. فصداق المثل واجب عليه( ).
ثالثاً: من الفقهاء المانعين لنكاح المتعة الشافعية:
ذهب فقهاء الشافعية إلى القول بعدم جواز نكاح المتعة وهو أن يقول
لما كان للنكاح أهمية كبيرة في الفقه الإسلامي فقد اختلف الفقهاء في فضل النكاح فبعضهم بالغ في فضله حتى زعم أنه أفضل من التخلي للعبادة.
وآخرون اعترفوا بفضله ولكن قدموا عليه التخلي لعبادة الله إذا لم تتق النفس إلى النكاح.
ولما كان للنكاح هذه الأهمية فإني قد اخترت نوعاً من النكاح كان مباحاً ثم حرم وهو (نكاح المتعة) ذلك لأن كثيراً من الناس وخصوصاً أصحاب الثقافة الدينية البسيطة لا يعرفون حكمه ولا يعلمون طريقه وقد يلتبس الأمر عليهم في النكاح المشروع ونكاح المتعة.
ولهذا آثرت اختيار هذا الموضوع لأكتب فيه بحثاً أبين موقف الفقه الإسلامي من نكاح المتعة وقول الفقهاء المانعين له والمجوزين ذاكراً دليل كل منهم ومرجحاً ما قوي دليله وسبب الترجيح ثم ذكرت نبذة عن نكاح الشغار وبعض الأنكحة الفاسدة.. التي نهى عنها الإسلام.
ولقد تناولت هذا البحث في فصلين وخاتمة على النحو التالي:
الفصل الأول: تناولت فيه فضيلة النكاح المشروع والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الزواج وترغب فيه.. ثم تناولت الحكمة من الزواج والغرض منه وبينت أن توفيت النكاح يخرجه عن الغرض منه وهو ما يسمى نكاح المتعة وذكرت آراء الفقهاء المانعين لهذا النكاح وأوضحت أدلتهم وما استندوا إليه وذكرت الفرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت.
وفي الفصل الثاني: تناولت أدلة المجيزين لنكاح المتعة وما نسب إلى الصحابي الجليل عبد الله ابن عباس من جواز نكاح المتعة والرد على ذلك وما نسب إلى بعض الصحابة في هذا الأمر.
أما الخاتمة: فقد تناولت فيها ترجيح الرأي المانع لنكاح المتعة وسبب ذلك الترجيح وبينت الحكمة من تناول نكاح المتعة في الفقه الإسلامي لأظهر حكمة الإباحة والمنع في بعض الأحكام وما يسئ به كثير من الناس إلى الشريعة الإسلامية الغراء من أمور قطعت النصوص بحرمتها وأظهرت الشريعة موقفها منها وحتى نكون قد قدمنا للمكتبة الإسلامية بحثاً لعله يسد ركناً فيها فإن يكن توفيق فلله الحمد والمنة على توفيقه وعونه وإن يكن خطأ أو قصور فهذا جهد بشري قابل للخطأ والصواب وحسبي أني أبغي الصواب وأسعى إليه.. والله تعالى أسأل أن يكتب هذا في ميزان حسناتي يوم الدين وأن ينفع به المسلمين..
وقبل أن أبدأ في تعريف نكاح المتعة لابد من التعريف بالنكاح المشروع في الإسلام حتى يظهر الفرق بين النكاح المشروع ونكاح المتعة وذلك فيما يلي:
•تعريف النكاح:
النكاح لغة: الضم والجمع ومنه تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض.
وأما النكاح شرعاً: فهو عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ أنكاح أو تزويج أو ترجمته.
والعرب تستعمله بمعنى العقد والوطء جميعاً. لكنهم إذا قالوا نكح فلان فلانة أو بنت فلانة أو بنت فلانة أو أختها، أرادوا تزوجها وعقد عليها، وإذا قالوا نكح زوجته أو امرأته لم يريدوا إلا المجامعة.
قال الثعلبي وابن القطان أن النكاح له أسماء كثيرة. وإن كثرة الأسماء إنما تدل على شرف المسمى( ).
وذهب ابن الهمام إلى أن النكاح لفظ مشترك بين الوطء والعقد اشتراكاً لفظياً، وقيل هو حقيقة في العقد مجاز في الوطء وهذا لغة.
أما اصطلاحاً: فهو عقد وضع لتملك المتعة بالأنثى قصداً والمراد بالعقد مطلقاً سواء أكان نكاحاً أو غيره. فهو مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر سواء أكان باللفظين المشهورين من زوجت أو تزوجت أو غيرهما( ).
وقال ابن قدامة: النكاح في الشرع هو عقد التزويج فعند إطلاق لفظه ينصرف إليه ما لم يصرفه عنه دليل.
وهو حقيقة في العقد والوطء جميعاً للقول بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج( ) لدخوله في قوله تعالى: {ولا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ}( ).
وقيل هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد( ).
وذهب بعض الشافعية إلى أن النكاح شرعاً له ثلاثة أوجه.
الأول: وهو أصحها أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء كما جاء به القرآن الكريم والأخبار النبوية.
ولا يرد على ذلك ما جاء في قوله تعالى: {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}( ) لأن المراد العقد والوطء مستفاد من خبر الصحيحين "حتى تذوق عسيلته"( ).
والثاني: أنه مجاز في العقد وبه قال أبو حنيفة وهو أقرب إلى اللغة والأول أقرب إلى الشرع، قال الزمخشري وهو من علماء الحنفية لم يرد النكاح في القرآن الكريم إلا بمعنى العقد لأن كونه بمعنى الوطء من باب التصريح ومن أراد به الكناية عنه أتى بلفظ الملامسة أو المماسة وأورد عليه قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً}( ) فالمراد الوطء.
والثالث: حقيقة فيهما بالاشتراك وحمل على هذا النهي في قوله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}( ).
فهذا اللفظ مشترك يعبر عن العقد وعن الوطء بملك اليمين وفائدة الخلاف بين الشافعية القائلين بحقيقة النكاح في العقد ومجازه من الوطء وبين الحنفية القائلين أن النكاح مجاز في العقد لأنه أقرب إلى اللغة يظهر فيمن زنا بامرأة فإنها تحرم على والده وولده عندهم أي الحنفية لا عند الشافعية( ).
•حقوق الزوجين:
يرتب الشارع بمقتضى عقد الزواج حقوقاً للزوجين مشتركة وحقوقاً للزوج على زوجته، وحقوقاً للزوجة على زوجها لكننا في هذا البحث نذكر بعض الحقوق المشتركة للزوجين دون بقية الحقوق.
•الحقوق المشتركة:
لكل من الزوجين حقوقاً مشتركة بعد عقد النكاح الصحيح نذكر منها:
1- حل العشرة الزوجية بينهما وحل ما يقتضيه الطبع الإنساني مما هو محرم إلا بالزواج لقوله تعالى: {والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}( ).
2- حل المساكنة بين الزوجين وربط المودة بينهما.
3- حرمة المصاهرة بينهما.
4- التوارث بين الزوجين فإن العشرة لما حلت بين الزوجين ربطت بينهما لحمة تشبه لحمة النسب أو أقوى ثم ربطت أسرتهما برباط المصاهرة فصارتا كأنهما أسرة واحدة.
5- وجوب المهر على الزوج.
6- وجوب النفقة عليه.
7- لا يتم الفصل بين الزوجين إلا بالطلاق أو الموت( ).
أما نكاح المتعة فليس فيه إلا حل الاستمتاع ولا يثبت به نسب، ولا توارث بين الزوجين، ولا يثبت به حرمة المصاهرة وينتهي بانتهاء المدة ولا عدة فيه.
أما نكاح المتعة وهو النكاح المنقطع فأركانه أربعة:
الأول: الصيغة وهو منعقد بأحد الألفاظ الثلاثة (زوجتك، وأنكحتك، ومتعتك).
الثاني: الزوجة. ويشترط كونها مسلمة أو كتابية ولا يصح بالمشركة.
الثالث: المهر وذكره شرط ويكفي فيه المشاهدة ويقدر بالتراضي ولو بكف من بر.
الرابع: الأجل وهو شرط في العقد.
ويترتب على نكاح المتعة الأمور الآتية:
1- لا يثبت به النسب.
2- لا توارث بين الزوجين.
3- لا تثبت به حرمة المصاهرة.
4- ينتهي بانتهاء المدة.
5- إذا انقضى أجلها فالعدة حيضتان على الأشهر وإن كانت ممن تحيض ولم تحض فخمسة وأربعون يوماً( ).
هذه أهم الخصائص لكل من النكاح المشروع في الإسلام ونكاح المتعة ذكرتها ليتبين القارئ الفرق بين النكاح المشروع ونكاح المتعة.
وسنتناول بإذن الله تعالى فيما يأتي نكاح المتعة.
***
الفصل الأول
نكاح المتعة
•تعريف المتعة:
المتعة في اللغة: متع الشيء متوعاً جاداً وطال فهو ماتع ويقال متع الحبل اشتد وذلك إذا جاد فتله.
وأمتعه الشيء سره، وأمتعه الله بكذا: أبقاه لينتفع به، ومتع الله فلاناً عمرة ويقال متعه الله بكذا أمتعه، ومتع الرجل مطلقته أعطاها المتعة بعد الطلاق( ). وفي القرآن الكريم {فَمَتِّعُوهُنَّ وسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}( ).
وتمتع بكذا: دام له ما يستمده منه.
وتمتع بالعمرة إلى الحج: أقام معتمراً في الحرم أدى الحج فضم العمرة إلى الحج.
واستمتع بكذا: تمتع به.
والمانع الجيد البالغ الجودة من كل شيء.
والمتاع: كل ما ينتفع به ويرغب في اقتنائه، كالطعام وأثاث البيت والسلعة، ومتعة المرأة: ما يعطيه الزوج إلى زوجته بعد الطلاق لتنتفع به من نحو مال أو خادم( ).
والمعنى القريب من كل هذه المعاني هو: تمتع بكذا دام له ما يستمده منه.
•تعريف المتعة اصطلاحاً:
والمتعة في الاصطلاح –التمتع بالمرأة لا يريد إدامتها لنفسه وتمتعك بالمرأة أنك لا تريد إدامتها لنفسك( ).
وأما قوله عز وجل في سورة النساء بعقب ما حرم من النساء فقال سبحانه: {وأُحِلَّ لَكُم مَّا ورَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}( ).
فإن الزجاج ذكر أن هذه الآية غلط فيها قوم غلطاً عظيماً لجهلهم باللغة وذلك أنهم ذهبوا إلى قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} من المتعة التي قد أجمع أهل العلم أنها حرام.
وإنما معنى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} فما نكحتم منهن على الشريطة التي ورد في الآية أنه (الإحصان)، {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ} أي عاقدي التزويج أي فما استمتعتم به منهن على عقد التزويج الذي جرى ذكره.
{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} أي مهورهن، فإن استمتع بالدخول بها أتى المهر تاماً، وإن استمتع بعقد النكاح، أتى نصف المهر( ).
قال الأزهري: المتاع في اللغة كل ما انتفع به فهو متاع وقوله تعالى: {ومَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ}( ) ليس بمعنى زودوهن المتاع وإنما معناه أعطوهن ما يستمتعن به( ).
وكذلك قوله تعالى: {ولِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}( ) قال ومن زعم أن قوله {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} التي هي الشرط في التمتع الذي يفعله الرافضة فقد أخطأ خطأ عظيماً لأن الآية واضحة بينة.. فإن احتج محتج من الروافض بما يروي عن ابن عباس أنه كان يراها حلالاً وأنه كان يقرؤها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) فالثابت عندنا أن ابن عباس كان يراها حلالاً ثم لما وقف على نهي النبي –صلى الله عليه وسلم- رجع عن إحلالها، قال عطاء سمعت ابن عباس يقول: (ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد –صلى الله عليه وسلم-) فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا أحد إلا شفى( ).
والنهي عن المتعة الشرطية صح من جهات لو لم يكن فيه غير ما روي عن أم المؤمنين عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهما- ونهيه ابن عباس لكان كافياً( ) وهي (أن المتعة كان ينتفع بها إلى أمد معلوم وقد كان مباحاً في أول الإسلام ثم حرم)( ).
***
المبحث الأول
السبب في تحريم نكاح المتعة
نكاح المتعة هو أن يتزوج الرجل المرأة وقتاً معلوماً بلفظ أتمتع بك شهراً أو شهرين أو يوماً أو يومين ثم يتركها بعد أن يقضي منها وطره، وهذا يتنافى مع النكاح المشروع في الشريعة الإسلامية، لأن النكاح إنما يقصد به الدوام والاستقرار والتأقيت يبطله( ). ولقد رغب الإسلام في الزواج الذي يقوم على دوام العشرة بصورة متعددة.
أولاً: أنه سنة من سنن الأنبياء قال تعالى: {ولَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وذُرِّيَّةً}( ) وفي السنة ما روي عن أبي أيوب الأنصاري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من سنن المرسلين، الحياء والتعطر، والسواك، والنكاح"( ).
ثانياً: كما أن الزواج آية من آيات الله تبارك وتعالى كما يوضح القرآن الكريم ذلك فيقول سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}( ).
وجاء في حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف"( ).
وروى الطبراني بسند جيد عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع من أصابهن فقد أعطى خيري الدنيا والآخرة قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لا تبغيه حوباً في نفسها وماله"( ).
وعن سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من سعادة ابن آدم ثلاثة ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة. من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء"( ).
وروى الطبراني والحاكم هذا الحديث مفسراً جاء فيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة من السعادة: المرأة الصالحة تراها تعجبك وتغيب فتأمنها على نفسك ومالك والدابة تكون وطيئة( ) تلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق. وثلاثة من الشقاء المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، الدابة قطوفاً( ) فإذا ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق".
•فضيلة النكاح:
للنكاح المشروع فضيلة جعلت الفقهاء يختلفون في فضله.. فذهب بعضهم إلى المبالغة في فضيلة النكاح المشروع حتى زعم أنه أفضل من التخلي لعبادة الله تعالى بمعنى أن النكاح أفضل من الانقطاع للعبادة. وذهب آخرون إلى الاعتراف بفضيلة النكاح ولكن قدموا عليه التخلي لعبادة الله سبحانه وتعالى والانقطاع لطاعته طالما أن النفس لم تتق إلى النكاح توقاناً بغير الحال ويدعو إلى الوقاع في الزنا( ).
والأفضل للإنسان إذا لم تتق نفسه إلى النكاح أو كان هناك ما يمنع منه كان التخلي إلى العبادة أفضل، لشغل الإنسان نفسه بعبادة ربه.
ولكن إذا تاقت نفس الإنسان إلى النكاح واشتهى النساء فالنكاح أفضل، حتى لا يشغل الإنسان نفسه بالتفكير في المعصية وارتكاب المحرم( ).
•الترغيب في النكاح من القرآن الكريم:
لقد وردت آيات كثيرة للترغيب في النكاح نذكر منها ما يلي:
1- قوله تعالى: {وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإمَائِكُمْ}( ).
وهذا أمر من الله تعالى بالنكاح.
2- كذلك قوله تعالى: {َلا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعُروفِ}( ).
ومعنى تعضلوهن أي تمتعوهن.
وأصل العضل التضييق ومنه الداء العضال، لضيقه عن العلاج وتجاوزه حد الأدواء( ).
وروى البخاري عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها حتى انقضت عدتها فخطبها زوجها وكان يدعى أبي البلاح فأبى أخوها زواجها من معقل فنزلت هذه الآية( ):{َلا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} وهذا نهي عن منع الزواج إذا رغب فيه الزوجان( ).
كما أن الله سبحانه وتعالى ذكر الزواج في وصف الرسل ومدحهم والامتنان وإظهار الفضل قال تعالى: {ولَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وذُرِّيَّةً}( ) أي لم نجعل الأنبياء ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون( ).
ولقد مدح الله أولياؤه بسؤال ذلك في الدعاء فقال تعالى: {والَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً}( ) والمعنى أن هذه الآية تعني الذين يسألون الله تعالى أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له.
وقال الحسن البصري –رضي الله عنه- عندما سئل عن هذه الآية قال: (أن يرى الله تعالى العبد المسلم من زوجته ومن أخيه ومن حميمه طاعة الله تعالى.. وما أقر لعين المسلم من أن يرى زوجاً أو ولداً أو أخاً أو حميماً مطيعاً لله عز وجل)( ).
•الترغيب في النكاح من السنة:
- عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني"( ).
- وعن أبي أمامة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله"( ).
وعن انس –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني"( ).
- وعن انس –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلاً ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وأبرك لها فيه"( ).
- وعن معقل بن يسار –رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه.. ثم أتاه الثانية فقال مثل ذلك. ثم أتاه الثالثة فقال له تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم"( ). وقوله –صلى الله عليه وسلم-: "النكاح سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام فإن الصوم له وجاء"( ).
•وبعد:
فقد ذكرنا بعضاً من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الزواج وترغب فيه وتبين فضله وأن المقصود منه دوام العشرة وتمام النعمة وإكمال الدين وإنجاب الذرية الصالحة التي تقر بها العيون لأن الذرية من زينة الحياة قال تعالى : {المَالُ والْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا}( ).
وهذه أمور لا تتفق مع التأقيت بمدة أو التعليق بنزوة أو التحديد بزمن فهذا أمر يذهب الحكمة من الزواج وهي أنه السكن والمودة والرحمة كما جاء في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}( ). فلا يتأتى السكن وهو الهدوء والاستقرار مع التأقيت بمدة ولا التحديد بزمن ولا التعليق على شيء لأن السكن هو ما سكنت إليه واستأنست به( ).
وكل هذا يتنافى مع تحديد الزواج بمدة أو ربطة بقضاء شهوة لأن في التحديد انتقال وتغيير من حال الزواج إلى حال الفراق بخلاف التأييد الذي يجعل النفس في سكينة واستقرار وهدوء واطمئنان وصدق الله حيث يقول: {لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا}.
ومن هنا جعل الله تعالى الحياة الدنيا مؤقتة والحياة الآخرة مؤبدة لينعم الإنسان الطائع بالتأييد في الآخرة ويشقى بالتأقيت في الدنيا ومن هنا كان الرأي الصحيح هو تحريم نكاح المتعة وسوف نتناول آراء الفقهاء المانعين لها والمجوزين فيما يلي:
***
المبحث الثاني
الأنكحة التي حرمها الإسلام
نذكر في هذا المبحث أولاً بعض الأنكحة التي كانت سائدة قبل الإسلام ثم حرمها الإسلام. وثانية: الأنكحة التي نهى عنها الإسلام.
أولاً: الأنكحة التي حرمها الإسلام:
لقد حرم الإسلام بعض الأنكحة التي كانت سائدة قبل مجيء الإسلام ثم جاء الإسلام بنوره فحرم هذه الأنكحة ونذكر منها:
1- نكاح الخدن:
وهو النكاح المستتر وكانوا يقولون ما استتر فلا بأس به وما ظهر فهو لؤم( ) وهو المذكور في قوله تعالى: {ولا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}( ). والمعنى غير مصاحبات أصدقاء للزنى سراً، أو إخلاء( ) وقال ابن عباس هن الزواني اللائي لا يمنعن أحد أرادهن بالفاحشة( ).
2- نكاح الاستبضاع:
ونكاح الاستبضاع وهو أن يقول الرجل لامرأته إذا ظهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه أي اطلبي منه المباضعة (أي الجماع) لتنالي الولد فقط ويعتزلها زوجها حتى يتبين حملها فإذا تبين حملها أصابها إذا أحب، وهو إنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد.. ومن هنا سمي هذا النكاح بنكاح الاستبضاع.
3- نكاح الرهط:
ونكاح الرهط المقصود به العدد ما دون العشرة يجتمعون على المرأة فيدخلون كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم قد عرفتم ما كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان وتسمي من الرهط من أحبت باسمه الولد فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع منه الرجل ولا ينكر الولد( ).
4- نكاح البغايا:
وهو اجتماع أناس كثيرون فيدخلون على المرأة ولا تمتنع ممن جاءها ويسمى هذا النوع نكاح البغايا أي الزواني فإذا حملت المرأة من أحد هذا الجمع ووضعت جمعوا لها القائف( ) ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتصق به ودعى ابنه ولا يمتنع من ألحق به من ذلك النسب.
ثانياً: الأنكحة التي نهى عنها الإسلام:
من الأنكحة التي نهى الإسلام عنها نكاح الشفار( ) ونكاح المتعة وهو موضوع هذا البحث.
فأما نكاح الشفار فإنهم اتفقوا على أن صفته هو أن ينكح الرجل وليته رجلاً آخر على أن ينكحه الآخر وليته، ولا صداق بينهما إلا البضع، فيكون بضع كل منهما صداقاً للأخرى واتفقوا على أنه نكاح غير جائز لثبوت( ) النهي عنه بحديث "لا شفار في الإسلام".
والشفار إذا زوج الرجل وليته على أن يزوجه الآخر وليته فلا نكاح بينهما، وإن سموا مع ذلك صداقاً أيضاً.. وهذا النكاح يسمى الشفار لقبحه تشبيهاً لرفع الكلب رجله ليبول، وحكى عن الأصمعي أنه قال الشفار الرفع فكأن كل واحد منهما رفع رجله للآخر. وحكي عن الإمام أحمد أن نكاح الشفار فاسد( ).
وروي عن عمرو وزيد بن ثابت أنهما فرقا فيه وهو قول مالك والشافعي وحكي عن عطاء وعمرو بن دينار والزهري والثوري أنه يصح وتفسد التسمية ويجب مهر المثل لأن الفساد من قبل المهر لا يوجب فساد العقد( ).
ولكن ما روي عن ابن عمر أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشفار متفق عليه، وفي حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- الشفار أن يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك على أن أزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي( ). ففي الشفار بضع كل امرأة صداق للأخرى فلا يصح للنهي عنه.
ونكاح المتعة. وهو النكاح لأجل وقد تواترت الأخبار عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بتحريمه إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم.
ثالثاً: الأنكحة المنهي عنها: منها الخطبة على الخطبة:
من الأنكحة المنهي عنها النكاح الذي تقع فيه الخطبة على الخطبة وصورته أن يخطب الإنسان على خطبة غيره. لحديث "لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع"( ).
وفيه ثلاثة أقوال بالفسخ، وقول بعدم الفسخ، وقول بالفرق بين أن ترد الخطبة على خطبة الغير بعد الركون والقرب من التمام أو لا ترد( ).
ومن الأنكحة المنهي عنها نكاح المحلل:
ويقصد بهذا النكاح (نكاح المحلل) الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلاثاً. فإن مالكاً قال هو نكاح مفسوخ، وقال أبو حنيفة والشافعي هو نكاح صحيح وسبب اختلافهم هو في مفهوم قوله –صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله المحلل". الحديث.
فمن فهم من اللعن التأثيم فقط قال أن النكاح صحيح. ومن فهم من الإثم فساد العقد تشبيهاً بالنهي الذي يدل على فساد المنهي عنه قال النكاح فاسد( ).
فهذه الأنكحة فاسدة بالنهي عنها.
وهناك أنكحة فاسدة بمفهوم الشرع فإنها تفسد إما بإسقاط شرط من شروط صحة النكاح أو لتغيير حكم واجب بالشرع( ).
•النكاح الصحيح في الإسلام:
لما بعث الله تعالى محمداً –صلى الله عليه وسلم- بالحق هدم الأنكحة الجاهلية كلها إلا نكاح الناس اليوم وهو الذي شرعه الإسلام وتحققت فيه شروطه، وهذا النظام الذي أبقى عليه الإسلام لا يتحقق إلا بتحقق أركانه من الإيجاب والقبول وبشرط الأشهاد وبهذا يتم العقد الذي يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه الذي شرعه الإسلام وبه تثبت الحقوق والواجبات لكل من الزوجين( ).
ولما أن ذكرنا الأنكحة المنهي عنها في الإسلام وأن النكاح الصحيح هو الذي شرع ببعثة محمد –صلى الله عليه وسلم- وأن هذا النكاح قد هدم الأنكحة الجاهلية كلها. فإن هناك حديثاً عن عروة بن الزبير عن السيدة عائشة –رضي الله عنها- أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء.
فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر كأن الرجل يقول لامرأته إذا ظهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى تبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وغنما يفعل ذلك رغبة نجابة الولد فكان هذا النكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليالي بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع به الرجل، والنكاح الرابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن بغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث محمد –صلى الله عليه وسلم- بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم( ).
***
المبحث الثالث
آراء الفقهاء المانعين لنكاح المتعة
ذهب كثير من الفقهاء إلى تحريم نكاح المتعة.
أولاً: المذهب الحنفي:
يرى أكثر فقهاء المذهب الحنفي أن من شروط النكاح التأبيد فلا يجوز النكاح المؤقت وهو نكاح المتعة. وهو نوعان:
أحدهما: أن يكون بلفظ التمتع.
والثاني: أن يكون بلفظ النكاح والتزويج وما يقوم مقامهما.
أما الأول: فهو أن يقول أعطيتك كذا على أن أتمتع منك يوماً أو شهراً أو سنة ونحو ذلك وأنه عند عامة الفقهاء( ).
وقال بعض العلماء هو جائز واحتجوا بظاهر قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}( ).
وأما الثاني: فهو أن يقول أتزوجك عشرة أيام ونحو ذلك وأنه فاسد.
وقال زفر هو جائز وهو مؤبد والشرط باطل( ). لأن التوقيت شرط فاسد والشرط الفاسد لا يبطل النكاح بل يصح النكاح ويبطل الشرط الفاسد كاشتراط الخمر وغيرها، وبيان ذلك أنه لو شرط أن يطلقها بعد شهر صح النكاح وبطل الشرط فكذا إذا تزوجها شهراً( ).
ومن صور فقهاء المذهب الحنفي لنكاح المتعة أن يقول الرجل لامرأة: متعيني نفسك بكذا من الدراهم مدة كذا فتقول له متعتك نفسي أو يقول لها رجل: أتمتع بك( ).
والخلاصة في تحديد هذا الأمر عند الحنفية لهذا العقد هو أنه عقد يذكر في صيغته لفظ التمتع أو أن تكون صيغة العقد بها ما يحدد العقد بمدة معلومة أية مدة كانت طالت أو قصرت.
والنكاح المؤقت كما يرى بعض الفقهاء في هذا الأمر.. أن النكاح المؤقت هو نكاح متعة سواء أكان بلفظ التمتع أو بلفظ النكاح، فالنكاح إلى أجل هو نكاح متعة، لأنه بمعنى المتعة( ) ذلك أن العبرة في العقود للمعاني، ألا ترى أن الرجل لو قال لآخر جعلتك وكيلاً بعد موتي انعقد العقد وصية لأن الوصية لا تنفذ إلا بعد الموت ولو قال: جعلتك وصباُ في حياتي انعقد العقد وكالة لأن الوصية لا تنفذ إلا بعد الوفاة وما يكون في حالة الحياة يكون وكالة لا وصية.
كذلك لو أعطي المال مضاربة وشرط الربح للمضارب كان هذا العقد قرضاً، ولو شرط الربح لرب المال كان بضاعة وفي النكاح المؤقت بمعنى المتعة فيكون من نفس نكاح المتعة ولا فرق بين ما إذا طالت مدة التأقيت أو قصرت لأن التأقيت هو المعين لجهة المتعة وقد وجد( ).
•مدة حل المتعة ووقتها:
لقد أحل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزوة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة وكان ذلك عام الفتح( ).
وتفسير المتعة أن يقول الرجل للمرأة أتمتع بك كذا من المدة بكذا من البدل وهو باطل عند الحنفية جائز عند مالك بن أنس وهو الظاهر من قول ابن عباس –رضي الله عنهما- واستدل بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}( ). ولأننا اتفقنا على أنه كان مباحاً والحكم الثابت يبقى حتى يظهر نسخه. وقد ثبت نسخ هذه الإباحة بالآثار المشهورة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والحقيقة أن المالكية منعوا نكاح المتعة ولم يجيزوها والنقل بالإباحة عنهم خطأ.
ومن هذه الآثار ما روي عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهما- أن منادي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نادى يوم خيبر ألا إن الله تعالى ورسوله ينهاكم عن المتعة.
ومنه أيضاً حديث الربع بن سبرة –رضي الله عنه- قال: أحل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- المتعة عام الفتح ثلاثة أيام فجئت مع عم لي إلى باب امرأة ومع كل واحد منا بردة عمي أحسن من بردتي فخرجت امرأة كأنها دمية عيطاء( ) فجعلت تنظر إلى شبابي وإلى بردته ثم قالت هلا بردة كبردة هذا أو شباب كشباب هذا ثم أثرت شبابي على بردته فبت عندها فلما أصبحت إذا منادي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينادي ألا إن الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن المتعة فانتهى الناس عنها، ثم أن الإباحة المطلقة لم تثبت في المتعة قط وإنما الإباحة مؤقت بثلاثة أيام فلا يبقى ذلك بعد مضي الأيام الثلاثة حتى يحتاج إلى دليل النسخ( ).
وكان ابن مسعود –رضي الله عنه- يقول نسخت المتعة آية الطلاق والعدة والميراث.
وكان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول: (لو كنت تقدمت في المتعة لرجمت).. وقال جابر بن يزيد –رضي الله عنهما- من الدنيا حتى رجع عن قوله في إباحة المتعة. فثبت النسخ باتفاق الصحابة –رضي الله عنهم-( ).
ولما سئلت السيدة عائشة –رضي الله عنها- عن ذلك فقالت بيني وبينكم كتاب الله تعالى وتلت قوله تعالى: {والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}( ).
وهذه ليست بزوجة له ولا ملك يمين له وبيان أنها ليست بزوجة أنه لا يرث أحدهما من صاحبة بالزوجة ولا يقع عليها الطلاق والظهار والإيلاء( ). وهناك الكثير من الشواهد على ذلك في الكتاب العزيز منها قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ}( ) فإنه بناء على قوله: {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ} والمحصن الناكح. وإن قال تزوجتك شهراً فقالت زوجت نفسي منك فهذا متعة وليس بنكاح عندنا.
وذهب زفر -رحمه الله تعالى- إلى صحة هذا النكاح لأن التأقيت شرط فاسد (فإن النكاح لا يحتمل التأقيت) والشرط الفاسد لا يبطل النكاح فيبطل الشرط ويصح العقد.
وكان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول لا أوتي برجل تزوج امرأة إلا رجمته ولو أدركته ميتاً لرجمت قبره والمعنى أن النكاح لا يحتمل التأقيت إنما التأقيت في المتعة( ).
فإذا وقتنا فقد وجد منهما التخصيص على المتعة فلا ينعقد به النكاح وإن ذكر لفظ النكاح( ). ولا يجوز الحكم بانعقاد العقد في زمان لم يعقد فيه العقد وعلى هذا لو أضافا النكاح إلى ما بعد شهر لم ينعقد في الحال لأنهما لم يعقداه في الحال فكذلك هنا.
ولا يجوز أن ينعقد في المدة لأن النكاح لا يحتمل ذلك وهذا يبين أن التوقيت ليس بمنزلة الشرط كما يقول زفر ولكن ينعدم بالتوقيت أصل العقد في الزمان الذي لم يعقداه فيه.
وهذا بخلاف ما إذا شرط أن يطلقها بعد شهر لأن الطلاق قاطع للنكاح فاشتراط القاطع بعد شهر ليقطع به دليل على أنهما عقدا العقد مؤبداً( ).
وذهب الحسن بن زياد -رحمه الله تعالى- أنه إن ذكر من الوقت ما يعلم أنهما لا يعيشان أكثر من ذلك كمائة سنة أو أكثر يكون النكاح صحيحاً لأن في هذا تأكيد معنى التأييد فإن النكاح يعقد للعمر كله بخلاف ما إذا ذكرا مدة قد يعيشان فيها أكثر من تلك المدة المحددة.. لكن الصحيح كما يرى السرخسي أن الكل في التحديد للمدة سواء طالت المدة أو قصرت لأن التأبيد من شرط النكاح فالتوقيت يبطله( ).
ولقد تعددت الروايات في نسخ المتعة بإجماع الصحابة، فقد أخرج مسلم عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال إن أناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في نسخ المتعة بإجماع الصحابة، فقد أخرج مسلم عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال أن أناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-( ). فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك، قال ابن شهاب فأخبرنا خالد بن المهاجر ابن سيف فأمره بها فقال له ابن عمرة الأنصاري مهلاً. قال ما هي؟ والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين قال ابن عمرة إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-( ). وأخبرني ربيع بن سبرة الجهني أن أباه قال كنت استمتعت في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم امرأة من بني عامر ببردين أحمرين ثم (نهانا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن المتعة)( ).. كما أخرج الإمام مسلم عن إياس ابن سلمة بن الأكوع قال: رخص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عام أوطاس في المتعة ثلاثاً ثم نهانا عنها. انتهى.
وقال البيهقي عام أوطاس وعام الفتح واحد لأنهما بعد الفتح بيسير( ).
كما أخرج مسلم أيضاً عن سيرة الجهني قال: (أذن لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالمتعة فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر كأنها بكر عيطاء فعرضنا عليها أنفسنا فقالت ما تعطي؟ فقلت ردائي وقال صاحبي ردائي وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت أنا أشب منه (أي أقوى) فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها وإذا نظرت إلى أعجبتها ثم قالت أنت ورداءك يكفيني فمكث معها ثلاثاً ثم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال من كان عنده شيء من النساء التي يتمتع بها فليخل سبيله( ).
وقد تعددت ألفاظ هذا الحديث ففي لفظ أنه غزا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عام الفتح فأذن لنا في متعة النساء –الحديث.
وفي لفظ آخر أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج حتى نهانا عنها. انتهى( ). وفي لفظ ثالث أنه كان مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وأن الله عز وجل حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً"( ). وفي لفظ آخر قال: "نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن المتعة وقال ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئاً فلا يأخذه" وروى الإمام البخاري ومسلم عن طريق مالك ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية"( ).
وروى مسلم بلفظه أن علياً سمع ابن عباس يلين في المتعة فقال مهلاً يا ابن عباس فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية( ).
وعن عبادة بن كثير يقول سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: (خرجنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة فذكرن تمتعنا وهن تطفن في رحالنا فجاءنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نسوة تمتعنا منهن قال فغضب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حتى أحمرت وجنتاه وتمعر وجهه وقام فينا خطيباً فحمد الله وأثني عليه ثم نهى عن المتعة فتواعدنا يومئذ ثنية الوداع)( ).
ولقد تواترت الأخبار عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بتحريم نكاح المتعة ألا إنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ففي بعض الروايات أنه حرمها يوم خيبر وفي بعضها يوم الفتح وفي بعضها في غزوة تبوك وفي بعضها في حجة الوداع وفي بعضها في عمرة القضاء( ).
وإن كان قد حدث خلاف في وقت التحريم إلا أنه قد اتفق أكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريم نكاح المتعة( ). وإن كانت بعض الروايات قد اختلفت لفظاً إلا أنها اتفقت كلها معنى وهو تحريم نكاح المتعة ونرجح من هذه الروايات رواية الإمام مسلم –رضي الله عنه-.
•الفرق بين زواج المتعة والزواج المؤقت:
الفرق بين زواج المتعة والزواج المؤقت يكون بلفظ التزويج وفي المتعة يكون بلفظ أتمتع أو أستمتع كما يظهر الفرق أيضاً في عدم اشتراط الشهود في زواج المتعة وعدم تعيين المدة.. أما المؤقت فيشترط الشهود في المؤقت كما يشترط تعين المدة..
ولقد نصت المادة (13) من قانون الأحوال الشخصية: (ولا ينعقد النكاح المؤقت على الصحيح) كما نصت المادة (14) أيضاً (نكاح المتعة هو أن يعقد الرجل عقداً على امرأة بلفظ المتعة وهو باطل لا ينعقد أصلاً وإن حضره الشهود ولا يتوارث به الزوجان)( ).
ثانياً: من الفقهاء المانعين لنكاح المتعة المالكية:
فقد جاء في موطأ الإمام مالك –رضي الله عنه- عن عبد الله بن الحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الأنسية( ).
وروي عن عروة بن الزبير أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب فقالت أن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه فخرج عمر بن الخطاب فزعاً يجر رداءه فقال هذه المتعة ولو كنت تقدمت منها لرجمت( ).
ونكاح المتعة عند المالكية هو المعين له أجل كأتزوجك سنة كذا أو شهر كذا بصداق قدره كذا أو لا كأتزوجك سنة أو شهراً بكذا، وظاهر هذا كما جاء بالمدونة وغيرها قرب الأجل أم بعد بحيث لا يدركه عمر أحدهما، لكن كلام الحسن أن الأجل البعيد الذي لا يبلغه عمر أحدهما فيضر.
قال المازري قد تقرر الإجماع على منعة ولم يخالف فيه إلا طائفة من المبتدعة وما حكي عن ابن عباس من أنه كان يقول بجوازه فقد رجع عنه( ).
ونكاح المتعة عند المالكية هو النكاح إلى أجل خاصة بغير ولي وبغير شهود وبغير صداق قال بذلك ابن عبد البر، أما ابن رشد فقد حدد نكاح المتعة بأنه النكاح بصداق وشهود وولي لكن ضرب فيه أجل فبطل لذلك ويستوي فيه الأجل الطويل والأجل القصير( ).
وقال الإمام مالك –رضي الله عنه- النكاح إلى أجل من الآجال نكاح باطل كذلك بأن تزوجها بصداق قد سماه وشرطوا على الزواج إن أتى بصداقها إلى أجل كذا وكذا من الآجال فلا نكاح بينهما( ).
قال مالك وإنما رأيت فسخه لأني رأيته نكاحاً لا يتوارث عليه أهله( ).. ولو قال لامرأة أتزوجك شهراً أيبطل النكاح أم يجعل النكاح صحيحاً ويبطل الشرط.. فالإمام مالك يرى بطلان النكاح وفسخ العقد وهذه المتعة قد ثبت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تحريمها( ). وعليه أي المسمى إن دخل لأن فساده لعقده وقيل صداق المثل لأن ذكر الأجل أحدث خللاً في الصداق واختار اللحمي الأول.
والقول بأن الفسخ بلا طلاق ناظر إلى أن الخلاف الموجود في المسألة غير معتبر لمخالفته للإجماع والقول بأنه طلاق ناظر لوجود الخلاف في الجملة وإن كان غير قوي والمعتمد هو القول الأول( ).
•رأي المالكية في عقاب زواج المتعة:
يرى المالكية أن يعاقب من يأتي بنكاح المتعة فليلحق فيه الولد بالزوج ويعاقب فيه الزوجان على المذهب ولا يبلغ الحاكم بعقابهما مبلغ الحد.. وقيل يحدان وهو ضعيف( ).
وحقيقة نكاح المتعة الذي ينفسخ أبداً أن يقع العقد مع ذكر الأجل للمرأة أو وليها إذا لم يقع ذلك في العقد ولم يعلمها الزوج بذلك وإنما قصد في نفسه وفهمت المرأة أو وليها المفارقة بعد مدة فإنه لا يضر.
ولو قال لها (إن مضى شهر فأنا أتزوجك) فرضيت هي أو وليها وجعلا ذلك اللفظ هو الصيغة بحيث لا يأنفان غيره فيفسخ مطلقاً لأنه نكاح متعة قدم فيه الأجل( ).
ولما كان الكلام في فسخ النكاح المقيد في حال دون حال كان المقام مظنة أسئلة أربعة وهي:
1- هل الفسخ بطلاق أم لا؟
2- وهل التحريم بعقده ووطئه أم لا؟
3- هل فيه الإرث أم لا؟
4- إذا فسخ العقد هل للمرأة شيء من الصداق أم لا؟
والجواب عن الأول بقوله.. وهو أي الفسخ طلاق وإن اختلف فيه العلماء ولو خارج المذهب حيث كان قوياً بل قيل بصحته بعد العقد وإن لم يجز ابتداء كما في الشغار إذ لا قائل بجوازه ابتداء ولابد من حكم حاكم فهو بائن لا رجعى فإن عقد عليها شخص قيل الحكم بالفسخ لم يصح لأنها زوجة( ).
وأجاب المالكية عن السؤال الثاني بقوله.. والتحريم المختلف فيه يقع تارة بعقده كما لو تزوج محرم مثلاً ففسخ نكاحه قبل الدخول بها فإنه يحرم عليه نكاح أمها دون بنتها( ). لأن العقد على البنت يحرم الأم، وتارة يقع وطءه فيما يحرم وطءه أو التلذذ بمقدماته كما لو تزوج المحرم امرأة فدخل بها ففسخ فإنه يحرم عليه نكاحها لابنتها ولو فسخ قبله ولم تحرم عليه فالحاصل إن المختلف فيه كالصحيح.
وأجاب عن الثالث: بقوله.. وفيه أي المختلف فيه الإرث إذا مات أحد الزوجين قبل الفسخ دخل بها أو لم يدخل فإن فسخ قبل الموت فلا الإرث ولو دخل أو كانت العدة باقية لأنه طلاق بائن كما تقدم.
وأجاب عن السؤال الرابع بقوله.. (وما فسخ بعده) أي بعد البناء ولا يكون فساده إلا لعقده وصداقه معاً فالمسمى واجب للمرأة إن كان حلالاً وألا يكن فيه مسمى كصريح الشغار أو كان حراماً كخمر.. فصداق المثل واجب عليه( ).
ثالثاً: من الفقهاء المانعين لنكاح المتعة الشافعية:
ذهب فقهاء الشافعية إلى القول بعدم جواز نكاح المتعة وهو أن يقول