اغتيال أمين عثمان
في 5 يناير 1946، الساعة الثامنة والنصف مساءًا دوت عدة طلقات من الرصاص في مدخل إحدى عمارات شارع عدلي وخرج من أطلق النار يجري في الشارع متوجهًا نحو ميدان الأوبرا. جرى الناس خلفه لكنه ألقى عليهم قنبلة يدوية انفجرت فاختفى الزحام، وتبين بعد ساعات أن أمين عثمان باشا (كان في تلك الفترة وزيرًا للمالية ومولعًا بحبه وولائه للإنجليز) قتله مجهول.
في اليوم التالي نشرت الصحف أخبار الحادث وأعلنت على لسان وزارة الداخلية عن مكافأة مالية قدرها خمسة آلاف جنيه لمن يرشد إلى الفاعل أو يدلي بأية معلومات أو بيانات تؤدي للقبض على الجاني.
تقدم شاب إلى بوليس طنطا معلنًا إن لديه معلومات عن الحادث لكنه لا يفضي بها إلا للنائب العام وجرت اتصالات بعدها قام البوليس بترحيل الشاهد إلى القاهرة حيث استقبله رجال النيابة الذين يحققون في الحادث وفتحوا معه محضرًا للتحقيق مطالبين بالإدلاء بما لديه من معلومات ترشد إلى القاتل لكن كانت المفاجأة أن ليس لديه أي معلومات لكنه كان شخص عاطل أراد أن يسافر من طنطا إلى القاهرة للبحث عن عمل بمواصلة مجانية.
وجه رئيس النيابة المحقق إلى الشاب تهمة إزعاج السلطات وكانت إجابته أنه أراد أن يسافر إلى القاهرة وليس لديه مصاريف السفر فلجأ إلى هذه الحيلة، وعرضت الأوراق على النائب العام فأمر بإخلاء سبيله.
بعد أيام قليلة تقدم شاب يعمل بوزارة الحربية وقال إن لديه معلومات فقد كان يوم الحادث واقفًا أمام مبنى التليفون العمومي بشارع عدلي ورأى ابن توفيق بك أحمد وكيل وزارة الحربية يجري في الشارع وخلفه المارة يصيحون وأضاف أنه يعتقد أنه الجاني لأنه كان قادمًا من مكان الحادث وأخذ يجري بسرعة في الشارع وألقى قنبلة على مطارديه، سُئل الشاهد وما هي علاقتك بهذا الشاب وكيف عرفته؟
وكانت إجابته أنه موظف بوزارة الحربية وكثيرًا ما كان يرى هذا الشاب يتردد على مكتب والده وكيل الوزارة وأضاف أن شكله مميز: طويل القامة، جبهته صغيرة، وحركاته عصبية. قام رجال البوليس بتفتيش منزل توفيق أحمد في مصر الجديدة وتم العثور على أسلحة وعلى سطح الفيلا أثار ضرب نار.
قُبض على الابن حسين توفيق وسُئل عدة أسئلة مثل:
أين كنت يوم الحادث؟ وكيف قضيت الليل؟ وما هي أسباب وجود هذه الأسلحة؟ وما هي علاقتك بأمين عثمان؟
أجاب حسين توفيق بهدوء إجابات تبعده عن أن يكون الفاعل لكن البوليس أصبح لديه اعتقاد جازم بأنه الفاعل، الأمر الذي لجأ البوليس معه إلى حيلة خبيثة وهي أنهم واجهوا حسين توفيق بأنه القاتل لأمين عثمان واخترعوا له سببًا كاذبًا وهو أن الوزير (أمين عثمان) على علاقة بوالدته وأراد حسين توفيق أن ينتقم لشرفه فقتله. وكانت هذه الحيلة مجرد أداة للضغط عليه والاعتراف.
نجحت الحيلة وانفعل حسين توفيق وأفاض في اعترافات مفصلة ومطولة كيف أنه وطني يحب مصر ويكره الإنجليز وأنه قتل أمين عثمان بيديه جزاءًا له على دعوته لحب الإنجليز وأضاف أنه سبق أن قتل في حي المعادي بعض الجنود البريطانيين.
لم يكتف حسن توفيق بالاعتراف على نفسه بل تحدث عن بقية أعضاء الجمعية وكانوا جميعًا وقتها من الشبان الصغار وما زالوا في مرحلة التعليم باستثناء اليوزباشي أنور السادات وقبض البوليس على الجميع، وبدأت محاكمتهم وحضر مع المتهمين كبار المحامين في مصر.
كان المحقق الأول في قضية اغتيال أمين عثمان كامل القاويش الذي كان يعتبر كفاءة قانونية يعمل لها المحامون ألف حساب.
انعقدت هيئة المحكمة في جلسة سرية واقتصر الحضور على المحامين الذين يترافعون في القضية فقط، وبدأت أسئلة المحامين وإجابة القاويش عنها وفي أثناء الجلسة قام أحد المحامين ويُدعى حسن الجداوي يخرج خلسة الكاميرا التي كانت لا تفارقه والتقط صورة للقاويش وهو يشهد لكن هذه الصورة لم تحظ بالنشر لمخافة ذلك لقرار المحكمة بأن الجلسة سرية.
ظن البعض أن الأمر اقتصر على ما تم وأن هدف المحامين كان فعلاً هو معرفة شهادة القاويش ومعلوماته لإلقاء مزيد من الضوء على القضية لكن الأمر كان أبعد من ذلك فقد كان بمثابة كمينًا له فبعدما أتم شهادته طالب المحامون باستبعاد القاويش من كرسي الاتهام في القضية بعد أن أصبح له شهادة فيها. ونجحت خطة الدفاع غي استبعاد كامل القاويش عن المنصة.
تولى بعد كامل القاويش كممثل للاتهام أنور حبيب، وفي أول جلسة انعقدت بعد ذلك وقف ممثل الاتهام الجديد ليقول كلمته فهاجم الانجليز، وفي اليوم التالي مباشرةً لم تبدأ الجلسة في موعدها المقرر بل غابت رغم وجود هيئة المحكمة بكاملها في غرفة المداولة وعندما بدأت وقائع الجلسة قام النائب العام والوكيل بالاعتذار عما صدر من الأخير في حق الإنجليز.
عندما بدأ النائب العمومي في إطلاق كلمات الاعتذار وأكد بأنها كانت نتيجة لارتجال ممثل النيابة مع أن كان يقرأ من أوراق معدة من قبل ويمسك بها أمامنا ... ما أن حدث ذلك حتى وقف أنور السادات من خلف القضبان وصاح: "أنا أشنق ولا أقول هذا الكلام يا سعادة النائب العام".
وبين صفوف المتهمين وكلهم كانوا يمثلون معاني الوطنية ومعاداة الانجليز حدثت ضجة وصياح اضطرت معه المحكمة إلى رفع الجلسة للاستراحة ثم عادت للانعقاد بدون النائب العام وسارت بعد ذلك الأمور بهدوء إلى أن ظهرت عدة مفاجآت:
- تبين أن حسين توفيق كلما حضر إحدى الجلسات وفي طريق عودته إلى السجن كان يذهب عدة مرات إلى منزله لتناول طعام الغذاء، وفي أحد الأيام غافل حارسه اليوزباشي عرفة واختفى وظل مختفيًا عن الأنظار إلى أن حُكم عليه غيابيًا بالسجن عشر سنوات، وتبين أنه هرب إلى سوريا حيث كانت له قضية أخرى بعد فترة قصيرة من إقامته هي محاولة الاعتداء على أديب الشيشكلي رئيس جمهورية سوريا إذ انتظر موكبه في منحنى وأطلق عليه الرصاص، واتهم ممثل الاتهام السوري مصر بأنها أرسلت حسين توفيق ليقتل رئيس الدولة.
- استدعت المحكمة عددًا من السياسيين المصريين لسماع شهاداتهم حول حادث 4 فبراير وفي مقدمتهم النحاس باشا وعندما دخل النحاس ارتفع صوت السادات قائلاً:
"يسقط بطل 4 فبراير وردد باقي المتهمين من داخل القفص الهتاف والتف الحرس حوله خوفًا من الاعتداء عليه.
- قام الطيار حسن عزت محاولاً خطف ملف القضية لكنه فشل وقُبض عليه (وكان حسن عزت هو همزة الوصل في زواج السادات بالسيدة جيهان).
- حدثت محاولة اعتداء بالرصاص على الشاهد الموظف بوزارة الحربية وقُبض على الفاعلين ومنهم سيدة كانت تعمل بوزارة التربية والتعليم.
- أثناء تلك القضية كانت هناك أقوال تفيد بأن السراي باركت هذا الحادث والدليل على ذلك أنها أنعمت على والد حسين توفيق برتبة الباشوية، كما قامت السراي بتوكيل زهير جرانة للدفاع عن السادات والذي دفع له أتعابه الدكتور يوسف رشاد طبيب الملك الخاص بالإضافة إلى ذلك فقد كان هروب حسين توفيق ورائه السراي.
اغتيال أحمد ماهر باشا
(24 فبراير 1945)
انفصل أحمد ماهر باشا مع محمود فهمي النقراشي باشا عن حزب الوفد عقب قيام النحاس باشا بتوقيع معاهدة 1936 مع انجلترا وقاما بالاشتراك مع عدد من الوفديين بتأسيس حزب الهيئة السعدية.
في عام 1944 قام الملك بإقالة النحاس باشا وعُين أحمد ماهر باشا رئيسًا للوزراء.
تعرض أحمد ماهر لقسوة الاحتلال؛ ففي عام 1926 زج به الإنجليز في السجن لتواطئه في قضايا الاغتيالات السياسية التي كانت تقع بصفة مستمرة في مصر.
اعتُقل أحمد ماهر بعد مقتل السردار الإنجليزي بالجيش المصري وأدانه الادعاء الإنجليزي ممثلاً في مستر "كرشو" وحكم عليه بالإعدام هو والنقراشي باشا ولكن المحكمة أصدرت حكمها النهائي ببرائتهما.
في المرحلة الأولى من قيام الحرب العالمية الثانية كانت انتصارات هتلر في أوروبا دافعًا للملك فاروق لكي يعلن تشجيعه لقوات المحور لاسيما وأنه كان محاط بعدد من المستشارين الإيطاليين.
أما أحمد ماهر باشا فقد أعلن انحيازه وانحياز مصر لصالح بريطانيا وكان هذا في رأيه لتقوية الجيش المصري وتدريب رجاله واكتسابه الخبرة والمرونة فإذا انتصرت إنجلترا كان الجيش المصري عنصرًا خطيرًا ضدها وللضغط عليها لكي تعطي مصر الاستقلال وإذا انتصرت قوات المحور وقف الجيش المصري ليجعل من الصعوبة عليهم احتلال البلاد، حيث يكبدهم خسائر في الصحراء الحارة لا يمكنهم تحملها.
وقفت مصر على الحياد إبان فترة وزارة مصطفى النحاس باشا (السادسة) لكن أحمد ماهر باشا أعلن رأيه كمعارض بضرورة انحياز مصر لصالح إنجلترا حتى يصبح لمصر جيشًا قويًا تعتمد عليه البلاد لنيل الاستقلال بعد انتهاء الحرب.
عندما تولى أحمد ماهر رئاسة الوزارة كانت الحرب على وشك الانتهاء وكانت المؤشرات تدل على انتصار بريطانيا.
وقف أحمد ماهر باشا في موقف حرج بعد إعلانه دخول مصر الحرب ضد المحور حيث ووجه بانتقادات شديدة وعنيفة من قبل الملك وحزب الوفد وأشيع عنه أنه موال لليهود، وتابع للإنجليز. وربما ما زاد موقفه ضعفًا أمام خصومه عدم لجوئه للشعب لمصارحته بموقفه.
في 24 فبراير 1945 اجتمع نواب البرلمان لبحث مسألة إعلان مصر الحرب على ألمانيا واليابان تمهيدًا لاشتراكها في مؤتمر سان فرانسيسكو وانضمامها لعصبة الأمم، وكانت وزارة أحمد ماهر قد أعدت بيانًا وافقت فيه على إعلان الحرب، بعد أن ألقى أحمد ماهر باشا البيان في مجلس النواب، انتقل إلى مجلس الشيوخ لكي يدلي بالبيان فيه، وفي أثناء اجتيازه للبهو الفرعوني والذي يفصل المجلسين، أطلق عليه محامي شاب اسمه محمود العيسوي الرصاص عليه فأصابه إصابة أودت بحياته.
في 5 يناير 1946، الساعة الثامنة والنصف مساءًا دوت عدة طلقات من الرصاص في مدخل إحدى عمارات شارع عدلي وخرج من أطلق النار يجري في الشارع متوجهًا نحو ميدان الأوبرا. جرى الناس خلفه لكنه ألقى عليهم قنبلة يدوية انفجرت فاختفى الزحام، وتبين بعد ساعات أن أمين عثمان باشا (كان في تلك الفترة وزيرًا للمالية ومولعًا بحبه وولائه للإنجليز) قتله مجهول.
في اليوم التالي نشرت الصحف أخبار الحادث وأعلنت على لسان وزارة الداخلية عن مكافأة مالية قدرها خمسة آلاف جنيه لمن يرشد إلى الفاعل أو يدلي بأية معلومات أو بيانات تؤدي للقبض على الجاني.
تقدم شاب إلى بوليس طنطا معلنًا إن لديه معلومات عن الحادث لكنه لا يفضي بها إلا للنائب العام وجرت اتصالات بعدها قام البوليس بترحيل الشاهد إلى القاهرة حيث استقبله رجال النيابة الذين يحققون في الحادث وفتحوا معه محضرًا للتحقيق مطالبين بالإدلاء بما لديه من معلومات ترشد إلى القاتل لكن كانت المفاجأة أن ليس لديه أي معلومات لكنه كان شخص عاطل أراد أن يسافر من طنطا إلى القاهرة للبحث عن عمل بمواصلة مجانية.
وجه رئيس النيابة المحقق إلى الشاب تهمة إزعاج السلطات وكانت إجابته أنه أراد أن يسافر إلى القاهرة وليس لديه مصاريف السفر فلجأ إلى هذه الحيلة، وعرضت الأوراق على النائب العام فأمر بإخلاء سبيله.
بعد أيام قليلة تقدم شاب يعمل بوزارة الحربية وقال إن لديه معلومات فقد كان يوم الحادث واقفًا أمام مبنى التليفون العمومي بشارع عدلي ورأى ابن توفيق بك أحمد وكيل وزارة الحربية يجري في الشارع وخلفه المارة يصيحون وأضاف أنه يعتقد أنه الجاني لأنه كان قادمًا من مكان الحادث وأخذ يجري بسرعة في الشارع وألقى قنبلة على مطارديه، سُئل الشاهد وما هي علاقتك بهذا الشاب وكيف عرفته؟
وكانت إجابته أنه موظف بوزارة الحربية وكثيرًا ما كان يرى هذا الشاب يتردد على مكتب والده وكيل الوزارة وأضاف أن شكله مميز: طويل القامة، جبهته صغيرة، وحركاته عصبية. قام رجال البوليس بتفتيش منزل توفيق أحمد في مصر الجديدة وتم العثور على أسلحة وعلى سطح الفيلا أثار ضرب نار.
قُبض على الابن حسين توفيق وسُئل عدة أسئلة مثل:
أين كنت يوم الحادث؟ وكيف قضيت الليل؟ وما هي أسباب وجود هذه الأسلحة؟ وما هي علاقتك بأمين عثمان؟
أجاب حسين توفيق بهدوء إجابات تبعده عن أن يكون الفاعل لكن البوليس أصبح لديه اعتقاد جازم بأنه الفاعل، الأمر الذي لجأ البوليس معه إلى حيلة خبيثة وهي أنهم واجهوا حسين توفيق بأنه القاتل لأمين عثمان واخترعوا له سببًا كاذبًا وهو أن الوزير (أمين عثمان) على علاقة بوالدته وأراد حسين توفيق أن ينتقم لشرفه فقتله. وكانت هذه الحيلة مجرد أداة للضغط عليه والاعتراف.
نجحت الحيلة وانفعل حسين توفيق وأفاض في اعترافات مفصلة ومطولة كيف أنه وطني يحب مصر ويكره الإنجليز وأنه قتل أمين عثمان بيديه جزاءًا له على دعوته لحب الإنجليز وأضاف أنه سبق أن قتل في حي المعادي بعض الجنود البريطانيين.
لم يكتف حسن توفيق بالاعتراف على نفسه بل تحدث عن بقية أعضاء الجمعية وكانوا جميعًا وقتها من الشبان الصغار وما زالوا في مرحلة التعليم باستثناء اليوزباشي أنور السادات وقبض البوليس على الجميع، وبدأت محاكمتهم وحضر مع المتهمين كبار المحامين في مصر.
كان المحقق الأول في قضية اغتيال أمين عثمان كامل القاويش الذي كان يعتبر كفاءة قانونية يعمل لها المحامون ألف حساب.
انعقدت هيئة المحكمة في جلسة سرية واقتصر الحضور على المحامين الذين يترافعون في القضية فقط، وبدأت أسئلة المحامين وإجابة القاويش عنها وفي أثناء الجلسة قام أحد المحامين ويُدعى حسن الجداوي يخرج خلسة الكاميرا التي كانت لا تفارقه والتقط صورة للقاويش وهو يشهد لكن هذه الصورة لم تحظ بالنشر لمخافة ذلك لقرار المحكمة بأن الجلسة سرية.
ظن البعض أن الأمر اقتصر على ما تم وأن هدف المحامين كان فعلاً هو معرفة شهادة القاويش ومعلوماته لإلقاء مزيد من الضوء على القضية لكن الأمر كان أبعد من ذلك فقد كان بمثابة كمينًا له فبعدما أتم شهادته طالب المحامون باستبعاد القاويش من كرسي الاتهام في القضية بعد أن أصبح له شهادة فيها. ونجحت خطة الدفاع غي استبعاد كامل القاويش عن المنصة.
تولى بعد كامل القاويش كممثل للاتهام أنور حبيب، وفي أول جلسة انعقدت بعد ذلك وقف ممثل الاتهام الجديد ليقول كلمته فهاجم الانجليز، وفي اليوم التالي مباشرةً لم تبدأ الجلسة في موعدها المقرر بل غابت رغم وجود هيئة المحكمة بكاملها في غرفة المداولة وعندما بدأت وقائع الجلسة قام النائب العام والوكيل بالاعتذار عما صدر من الأخير في حق الإنجليز.
عندما بدأ النائب العمومي في إطلاق كلمات الاعتذار وأكد بأنها كانت نتيجة لارتجال ممثل النيابة مع أن كان يقرأ من أوراق معدة من قبل ويمسك بها أمامنا ... ما أن حدث ذلك حتى وقف أنور السادات من خلف القضبان وصاح: "أنا أشنق ولا أقول هذا الكلام يا سعادة النائب العام".
وبين صفوف المتهمين وكلهم كانوا يمثلون معاني الوطنية ومعاداة الانجليز حدثت ضجة وصياح اضطرت معه المحكمة إلى رفع الجلسة للاستراحة ثم عادت للانعقاد بدون النائب العام وسارت بعد ذلك الأمور بهدوء إلى أن ظهرت عدة مفاجآت:
- تبين أن حسين توفيق كلما حضر إحدى الجلسات وفي طريق عودته إلى السجن كان يذهب عدة مرات إلى منزله لتناول طعام الغذاء، وفي أحد الأيام غافل حارسه اليوزباشي عرفة واختفى وظل مختفيًا عن الأنظار إلى أن حُكم عليه غيابيًا بالسجن عشر سنوات، وتبين أنه هرب إلى سوريا حيث كانت له قضية أخرى بعد فترة قصيرة من إقامته هي محاولة الاعتداء على أديب الشيشكلي رئيس جمهورية سوريا إذ انتظر موكبه في منحنى وأطلق عليه الرصاص، واتهم ممثل الاتهام السوري مصر بأنها أرسلت حسين توفيق ليقتل رئيس الدولة.
- استدعت المحكمة عددًا من السياسيين المصريين لسماع شهاداتهم حول حادث 4 فبراير وفي مقدمتهم النحاس باشا وعندما دخل النحاس ارتفع صوت السادات قائلاً:
"يسقط بطل 4 فبراير وردد باقي المتهمين من داخل القفص الهتاف والتف الحرس حوله خوفًا من الاعتداء عليه.
- قام الطيار حسن عزت محاولاً خطف ملف القضية لكنه فشل وقُبض عليه (وكان حسن عزت هو همزة الوصل في زواج السادات بالسيدة جيهان).
- حدثت محاولة اعتداء بالرصاص على الشاهد الموظف بوزارة الحربية وقُبض على الفاعلين ومنهم سيدة كانت تعمل بوزارة التربية والتعليم.
- أثناء تلك القضية كانت هناك أقوال تفيد بأن السراي باركت هذا الحادث والدليل على ذلك أنها أنعمت على والد حسين توفيق برتبة الباشوية، كما قامت السراي بتوكيل زهير جرانة للدفاع عن السادات والذي دفع له أتعابه الدكتور يوسف رشاد طبيب الملك الخاص بالإضافة إلى ذلك فقد كان هروب حسين توفيق ورائه السراي.
اغتيال أحمد ماهر باشا
(24 فبراير 1945)
انفصل أحمد ماهر باشا مع محمود فهمي النقراشي باشا عن حزب الوفد عقب قيام النحاس باشا بتوقيع معاهدة 1936 مع انجلترا وقاما بالاشتراك مع عدد من الوفديين بتأسيس حزب الهيئة السعدية.
في عام 1944 قام الملك بإقالة النحاس باشا وعُين أحمد ماهر باشا رئيسًا للوزراء.
تعرض أحمد ماهر لقسوة الاحتلال؛ ففي عام 1926 زج به الإنجليز في السجن لتواطئه في قضايا الاغتيالات السياسية التي كانت تقع بصفة مستمرة في مصر.
اعتُقل أحمد ماهر بعد مقتل السردار الإنجليزي بالجيش المصري وأدانه الادعاء الإنجليزي ممثلاً في مستر "كرشو" وحكم عليه بالإعدام هو والنقراشي باشا ولكن المحكمة أصدرت حكمها النهائي ببرائتهما.
في المرحلة الأولى من قيام الحرب العالمية الثانية كانت انتصارات هتلر في أوروبا دافعًا للملك فاروق لكي يعلن تشجيعه لقوات المحور لاسيما وأنه كان محاط بعدد من المستشارين الإيطاليين.
أما أحمد ماهر باشا فقد أعلن انحيازه وانحياز مصر لصالح بريطانيا وكان هذا في رأيه لتقوية الجيش المصري وتدريب رجاله واكتسابه الخبرة والمرونة فإذا انتصرت إنجلترا كان الجيش المصري عنصرًا خطيرًا ضدها وللضغط عليها لكي تعطي مصر الاستقلال وإذا انتصرت قوات المحور وقف الجيش المصري ليجعل من الصعوبة عليهم احتلال البلاد، حيث يكبدهم خسائر في الصحراء الحارة لا يمكنهم تحملها.
وقفت مصر على الحياد إبان فترة وزارة مصطفى النحاس باشا (السادسة) لكن أحمد ماهر باشا أعلن رأيه كمعارض بضرورة انحياز مصر لصالح إنجلترا حتى يصبح لمصر جيشًا قويًا تعتمد عليه البلاد لنيل الاستقلال بعد انتهاء الحرب.
عندما تولى أحمد ماهر رئاسة الوزارة كانت الحرب على وشك الانتهاء وكانت المؤشرات تدل على انتصار بريطانيا.
وقف أحمد ماهر باشا في موقف حرج بعد إعلانه دخول مصر الحرب ضد المحور حيث ووجه بانتقادات شديدة وعنيفة من قبل الملك وحزب الوفد وأشيع عنه أنه موال لليهود، وتابع للإنجليز. وربما ما زاد موقفه ضعفًا أمام خصومه عدم لجوئه للشعب لمصارحته بموقفه.
في 24 فبراير 1945 اجتمع نواب البرلمان لبحث مسألة إعلان مصر الحرب على ألمانيا واليابان تمهيدًا لاشتراكها في مؤتمر سان فرانسيسكو وانضمامها لعصبة الأمم، وكانت وزارة أحمد ماهر قد أعدت بيانًا وافقت فيه على إعلان الحرب، بعد أن ألقى أحمد ماهر باشا البيان في مجلس النواب، انتقل إلى مجلس الشيوخ لكي يدلي بالبيان فيه، وفي أثناء اجتيازه للبهو الفرعوني والذي يفصل المجلسين، أطلق عليه محامي شاب اسمه محمود العيسوي الرصاص عليه فأصابه إصابة أودت بحياته.