أما " عدلي حسين " فبالرغم من اختلاط العدالة عنده بأمور السياسة إلا أنه حافظ على شيء من التوازن على الأقل من حيث الظاهر فقد وصل " عدلي حسين " وكيل النيابة إلى درجة رئيس دائرة أمن دولة عليا وقد حافظ " عدلي حسين " على هيبة القضاء بينما لم يفعل ذلك "الجندى" وقد مر التاريخ بعدلى حسين حتى جعل منه أحد كبار المستشارين لمجلس الشعب في عام 1988 تقريباً وحينما أسندت إليه نظر قضية الضباط المتهمين بتعذيب المتهمين المحبوسين على ذمة قضية الجهاد كانت رئاسة هذه الدائرة للمستشار " سليمان أيوب " إلا أن عضو اليمين كان هو المستشار " عدلي حسين " وأصدرت هذه الدائرة حكماً مازال تحت التقييم التاريخي والسياسي ببراءة جميع الضباط المتهمين بالتعذيب ، وقد تلاحظ لدى الباحثين أن المحكمة كانت مستعدة لهذا الحكم على الأقل من الناحية النفسية كما أن المتهم أيضاً كان مستعداً لهذا الحكم من الناحية النفسية فلم يكن هناك مظاهر قلق لدى المتهمين وقد كانوا يدخلون إلى القاعة في موكب رسمي .
أما المحكمة وقد كان " عدلي حسين " هو عضو اليمين بها فقد اسبغت على هؤلاء المتهمين حماية غير معهودة فجلسوا بين مقاعد الجمهور يرتدون نظاراتهم الشمسية ويتعاملون بثقة غير عادية على أي الأحوال فقد ارتقى "عدلي حسين " وكيل النيابة في هذه القضية بين درجات القضاء المختلفة ثم بين درجات السياسة المختلفة حتى وصل إلى درجة " محافظ قوي " ومعنى محافظ قوي أن " عدلي حسين " كان قادراً على خلق إشكاليات مع رموز الحكم مثل " كمال الشاذلي " وغيره في وقت كان فيه " كمال الشاذلي " يمثل القوة الرادعة لنظام الحكم في مصر وكان " عدلي حسين " يقوم بدور المحافظ على هذا النظام كمحافظ للمنوفية وقد انتهى هذا الصراع بالفصل بين القوات المتصارعة بأن نقل " عدلي حسين " إلى محافظة القليوبية ليمنح سلطات أعلى ويبقى " كمال الشاذلي " رجل النظام القوي في منصبه حتى تم استبعاده مؤخراً ليترأس المجالس القومية المتخصصة ويستمر "عدلي حسين" كمحافظ قوي ومحل ثقة النظام السياسي لمرات متتابعات .
على أي الأحوال هناك فارق جلي بين ذلك الطريق الذي اختاره " ماهر الجندي " وبين طريقته في صناعة التوازنات وبين طريقة وأسلوب " عدلي حسين " في تناوله لأمور السياسة والقضاء العالي فماهر الجندي مثلاً كان شديد الاحتكاك بالمتهمين كما أنه كان يتعامل مع القضايا السياسية والدينية منها بصفة خاصة بطريقة تكشف عن حالة مضادتها وقد ظهر هذا في أكثر من موقف فقداحتك " ماهر الجندي " وهو محام عام مع المتهمين في قضية الجهاد أكثر من مرة سواء كان ذلك بالإشارة أم أثناء انعقاد المحاكمة أو من خلال الاحتكاك المباشر في التحقيقات وتكررت هذه الاشتباكات في قضية "الناجون من النار" مثلاً والتي حقق فيها " ماهر الجندي " في عام 1989 وكان وقتها في درجة المحامي العام الأول لنيابات الجيزة .
وقد قدم المستشار " ماهر الجندي " وقتئذ ثلاثة من المواطنين في هذه القضية وهم في حالة اعتراف كامل بأنهم قد قاموا بمحاولة اغتيال اللواء " حسن أبو باشا " واللواء " نبوي إسماعيل " وزيرا الداخلية الأسبقين وكذلك محاولة اغتيال الكاتب "مكرم محمد أحمد " وقد ألقى وزير الداخلية اللواء " زكي بدر " بياناً في مجلس الشعب بناءً على ما توصلت إليه تحقيقات المستشار " ماهر الجندي " منه أنه توصل للفاعلين وأنهم قدموا للمحكمة ولكن الرياح قد آتت بما لا تشتهي النيابة وقتئذ فقد تم القبض فيما بعد على الفاعلين الأصليين في هذه القضية وسيلي الحديث عن هذه القضية في أحد أجزاء هذه السلسلة .
كان هذا هو الفرق بين تعامل " ماهر الجندي " القضائي وبين تعامل
" عدلي حسين " القضائي ولعل ذلك الحرص والتوازن الذي أبداه " عدلي حسين " وكيل النيابة كان ذلك سبباً في أن تستمر حياته السياسية إلى حد أبعد .