> إذا قررت جماعة الإخوان خوض السياسة فلا يجوز لها تقييد حق تداول السلطة داخلها والاستعانة بستار « الشأن الداخلي » لمنع الآخرين من النقد
> يستحيل علي الجماعات التنظيمية أن تطبق قواعد «تداول السلطة» أو «الانتخاب المطلق» لأن هذا يشكل خطراًعلي الجماعة
إذا أمكن لنا أن نحصر أشكال العمل الجماعي في مصر فهي تدور بين شكلين أساسيين أولها «الجماعة التنظيمية المغلقة» وثانيهما هو «حركة الإصلاح المفتوحة» ولكل منهما أهدافه الخاصة والتي ينبني عليها بالقطع تنوع الأساليب النضالية وتباينها .وتمثل جماعة «الإخوان المسلمين» أحد هذين الشكلين وهو الشكل التنظيمي لواحدة من جماعات الدعوة.. وهذا الشكل يجمع في إطاره بين جمع من الأفراد ينتمون إلي أيديولوجية واحدة ويستهدفون سيادتها.. فيتخذون من الوسائل ما يمكنهم من الدعوة لهذه الفكرة وتربية أبناء التنظيم عليها.. وحال كونها جماعة منظمة مغلقة فهي تخضع لقواعد تختلف عن أي جماعة مفتوحة.. وتسير علي خطط تناسب مفهومها عن الواقع.. فتبدأ بدعوة الفرد حتي يتمكن الفرد من تأسيس الأسرة وصولاً إلي المجتمع..
وهذا المجتمع المسلم الذي تكونه الجماعة هو مجتمعها الخاص والذي من الممكن أن يتسع ليضم أفراداً أو عائلات من خارج هذا التجمع.. إلا أن هذا الانضمام يكون علي مراحل بقدر الاقتراب من الالتزام العام بمبادئ الجماعة.. من أجل ذلك كان لكل فرد تلك الدرجات المتتابعة التي يرتفع عليها حتي يصل إلي مرتبة المجاهد داخل إطار الجماعة المغلقة..
ومع ذلك فكل من هو خارج أسوار الجماعة يكون مسلماً له كل الحقوق.. .إلا أن حقوق الجماعة هي الأولي عند التعارض ذلك أن الجماعة هي الإطار الذي يضمن بقاء الفكرة وسيادتها.. من وجهة نظر إستراتيجية بحتة..
وهذه المنهجية الدقيقة هي التي حكمت حركة الجماعة حتي نهاية القرن العشرين.. وهي أيضاً التي حافظت علي قيمة الجماعة العددية وقدرتها علي التماسك وسط أجواء التغير والتحول الفكري.... إلا أن هذا التماسك قد بدأ يتعرض لأزمات اختلف الناس في تفسيرها وسنعرض لها في حينه..
أما جماعات الإصلاح الوطني.. فهي جماعات مفتوحة.. لا يربطها أي اتصال تنظيمي ولا تعتمد علي رباط تنظيمي وإنما هي تسير بطريقة التوافق السياسي.. وتضع لها أهدافاً عامة تتنوع تحتها الأفكار أو أن تكون حزباً سياسياً فيكون رباط الحزب في تلك الحالة هو اللائحة التي تحكمه والتي تحدد له إطار الحركة المنظمة وفق اللائحة وليس وفق آليات العمل التنظيمي الخاص.. .ومن أجل ذلك فإن المصلحة محل الحماية لدي جماعات الإصلاح الوطني قد تتعارض مع الفكر الخاص لدي كل فريق وفي هذه الحالة تكون الغلبة للمصلحة المتفق عليها دون ارتباط بالفكر الخاص لكل فريق.. .من أجل ذلك فإن هذه الجماعات مطالبة أمام الجماهير بأن تقدم نموذجاً ديمقراطياً فريداً إذا ما كان موضوع نضالها هو المطالبة بالديمقراطية.. وذلك عكس التنظيمات الخاصة التي ينحصر هدفها في تربية الأفراد داخلها علي فكرة محددة ولا تكون علي استعداد للتخلي عن تلك الإيديولوجيات.
فروق إستراتيجية بين هذين النوعين من الجماعات:
وقد انبني علي تباين الأهداف لدي هذين النوعين من أنواع الجماعات وعلي تباين المصلحة الأولي بالدعاية لدي كل منهما اختلاف الوسائل لدي كل شكل منهما.. ففي الوقت الذي اتسمت فيه جماعات الدعوة بأسلوب العمل التنظيمي.. والتشدد في الناحية الوقائية والاعتماد علي وسيلة السمع والطاعة كوسيلة وحيدة تعبر من خلالها عن تنفيذ القرار وصدوره.. وقناة واحدة بين مصدر القرار وبين منفذه.. اختلف الأمر تماماً في جماعات الإصلاح الوطنية وتغيرت الأساليب والقواعد..
ففي جماعة الإخوان المسلمين مثلاً قد تم فرض وسائلها الخاصة بواسطة الأعضاء المنظمة لإدارة الجماعة «جماعة الإخوان المسلمين».. باعتبارها الوسائل المحققة لغاية بقاء التنظيم.. فبقاء التنظيم عندها هو هدف في ذاته باعتباره وسيلة نشر الفكرة... وباعتباره أيضاً هو المتطابق مع الشعور بالخوف الداخلي لدي قيادات الجماعة بأنه ليس من الواجب أن ينصهر أفراد الجماعة في المجتمع الخارجي بصفتهم الفردية وكما أنه ليس أيضاً من الصحيح أن يتم اختراق الجماعة من خارجها بأشخاص لم يؤمنوا الإيمان الكامل بفكرتها وهذا النوع من القيود أو من التمايز أدي إلي الخلط بينه وبين خطيئة استبعاد الآخر أو الانفصال عنه.. وعدم القدرة علي إدارة الحوار والمشاركات المجتمعية.. وذلك بحكم التربية علي هذه القيود حتي تسربت تلك السلوكيات إلي أفراد وجماعة الإخوان المسلمين دون أن يشعر الطالب في مدرستها بتسربها إليه.. .إلا أنها استقرت في النفس الإخوانية بسبب الخوف المتزايد من الاختراق وجو المعارك الذي يحيط بالجماعة فضلاً عن فكرة الاضطهاد المجتمعي أو الحكومي.. . وكلها عناصر ذات تأثير مباشر في النفس الإنسانية دون أن يصح وصفها بالصواب أو الخطأ لوقوعها في مجال الاجتهاد..
أما جماعات الإصلاح الوطني فقد اختلف الأمر لديها أيضاً بسبب تباين الغايات بينها وبين جماعات الدعوة.. ففي الوقت الذي تظهر فيه جماعات الدعوة والتماسك التنظيمي.. تختفي كل عناصر التنظيم بين جماعات الإصلاح الوطنية.. .
بل وتزداد لديها خاصية الاعتداد بالرأي والقدرة الواسعة علي التعامل مع الآخر والاندماج معه إلي درجة التأثير والتأثر به .
إلا أن هذه الجماعات الإصلاحية الوطنية المفتوحة قد تتسم بعدم القدرة علي التحكم في أفرادها ذلك أن السلطان الأدبي الذي يجمع بينها لا يكون في جميع الأحوال قادراً علي جمع الأفراد علي كلمة أو موقف موحد من الناحية النظرية.. ومع ذلك فإن التحكم في الأفراد ليس هدفاً من أهداف الجماعات الوطنية..
ولكنها - أي جماعات الحركة المدنية- تتميز بقدرتها علي خلق وصناعة القيادات الواثقة.. .ذات الحركة الواسعة مع القدرة علي التعامل مع الجماهير.. وهذه الصناعة تكون وليدة الأحداث والانطلاقات ذات الحرية غير المحدودة لدي الفرد وقد يتسع المجال لهذه القيادات حتي تظهر بعض الجماعات الوطنية «المدنية» أحياناً كقادة بلا جنود.. ويكون جنودها من عموم الشعب الذين يتجاوبون مع القيادات دون قالب محدد
الناتج الطبيعي لمنهج كل من النوعين:
ولن يكون مستغرباً والحال كذلك أن يتزامن مع فكرة التنظيم لدي جماعات الدعوة تنمية الشعور بالغربة لدي أبنائها.. وزيادة الإحساس بالانتماء إلي الفكرة والتنظيم علي حساب بقية الانتماءات.. مع الشعور بالمواجهة بصفة دائمة مع المختلفين في الرأي.. ولما كان هذا الشعور هو الذي يتنامي في داخل الأفراد.. بل وفيه تتم صياغة فكرهم علي هذا النحو فمن الطبيعي جداً أن يكون للسمع والطاعة أكبر تقديس في نفوس الأفراد لأنها تعبر عن حالة العسكرة التي تحياها الجماعة.. فإذا ما تخلت الجماعة عن منهج السمع والطاعة، فإنها تكون قد حكمت علي فكرة التنظيم بالزوال ذلك أن التنظيم هو الهدف الذي يهدف الحاكمون للتنظيم علي الإبقاء عليه.. أما ما يسبغه البعض علي الحاكمين في جماعة الإخوان المسلمين من صفات ( القطبية - التنظيم السري - التنظيم الخاص ) فهي تعبيرات لمحاولة الوصول إلي التوصيف الاستراتيجي الخاص بالحاكمين للجماعة وهو التنظيم المغلق.. . وليس هناك وصف بالعيب أو النقص في مثل هذا الأسلوب التنظيمي لا سيما وأن هذا الأسلوب قد يلقي الموافقة من غالبية أعضاء التنظيم أما الرافضون لفكرة التنظيم بهذا المعني الضيق فهم يريدون ولا شك الانتقال بجماعة الإخوان المسلمين إلي أن تكون جماعة مدنية وطنية بالمعني الواسع.. وهو هدف مشروع لكنه من المستحيل أن يأتي بيد المؤمنين بفقه التنظيمات.. فجماعة الدعوة «التنظيم» هي بحكم تكوينها تعتمد علي أسلوب التعيين في بناء هياكلها.. وذلك انطلاقا من الإيمان بأولوية الثقة وشعور الحاكمين لها بأنهم هم المتحملون وحدهم مسئولية الحفاظ علي هذه الجماعة وأمن بقائها وتكون نظرتهم إلي أنصار الجماعة فكرة تحويل الجماعة إلي جماعة مدنية وطنية مفتوحة إلا أنهم وعلي أحسن الفروض من حَسِني النية الذين قد تتسبب حسن نيتهم في ذوبان التنظيم وتلاشيه.. ومن هنا تظهر الفروق في سلوكيات وأدبيات جماعة الإخوان المسلمين..
1- فهي لا تعتمد أسلوب الديمقراطية أو الشوري التي من الممكن أن تؤدي إلي تداول السلطة.. وهذا تناسق مع الإيمان بفكرة التنظيم.. شئنا أم أبينا.. وهو حق المعركة التي يعيشها أفراد التنظيم.. أو يعيشون فيها.. .بغض النظر عن صحة وجود هذه المعركة في الواقع من عدمه.
2- وهي لا تعتمد الأساليب المدنية من طرح الثقة أو العزل بواسطة المجموع.. أو تغليب فكرة الانتخاب في كل المواقع.. حتي وإن كانت تؤمن بصحة ذلك إلا أنها لن تعتمده وفق آليات فقه التنظيم.
3- وهي لا تعتمد عندها فكرة الانتخاب المجرد.. بل إنها عادة ما تصاحبه بفكرة التعيين والتي هي الأصل في الأساليب المعتمدة لدي فكرة التنظيم
4- كما أنها لا تؤمن أو توافق علي اللامركزية الإدارية بأي صورة من صورها.. فكل هياكل التنظيم لا تملك إلا التوصية.. أما الحاكمون فهم وحدهم أصحاب القرار..
5- قوة السلطة التنفيذية وغلبتها علي سائر السلطات وتركيز الإدارة في يد أفراد السلطة التنفيذية ( مكتب الإرشاد) بل وجعله هو المهيمن علي الجماعة وله السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
6- عدم اعتماد حرية التعبير في مواجهة الجماعة داخل أروقة ( التنظيم ) إلا بحدود مناطها عدم إثارة الفتنة.. أما خارج إطار التنظيم فهي تعني الإخلال بثقة العامة في الجماعة... هذه هي بعض النقاط ومستلزمات فكرة التنظيم.. ومن عجب أن بعض الإخوة الممثلين للجماعة تجدهم عند المواجهة بقواعد فقه التنظيم وقد يكون لديهم الإحساس الخاطئ بالذنب.. فينكرون كل أو بعض ما سلف من فروق.. دون أن يكونوا في حاجة إلي ذلك.. .فالتنظيم الذي يشعر بالاضطهاد ويخوض حرباً من أجل البقاء من حقة أن يعيش تحت شعار المعركة.. وهكذا تفعل النظم الحاكمة في الدول... فلم نسمع عن معركة تمت إدارتها بالديمقراطية أو الشوري أو تداول السلطة وإنما يعتمد أسلوب إدارة المعركة علي السمع والطاعة والثقة في القيادة واعتماد التعيين لدي جميع المناصب.. ومهما حاولت الجماعة المنظمة - أي جماعة منظمة- ولو كانت جماعة أخري غير الإخوان المسلمين أن تخاطب الآخرين بمحاولة إثبات منهجها الديمقراطي أو أسلوبها الانتخابي فإنها تخسر مصداقيتها حال كونها تعجز عن إثبات ذلك.. وذلك لسببين - الأول أنه يستحيل علي الجماعات التنظيمية أن تطبق قواعد (تداول السلطة) أو (الانتخاب المطلق) أو (لا مركزية القرار) علي الأقل لأن مثل هذه المناهج قد تؤدي إلي اتساع حرية القرار التنظيمي وعدم إمكانية السيطرة عليه.. مما يشكل خطراً علي وجود الجماعة أمام واقع يرفضها ويحاول أن يجعل منها ( محظورة ) رغم اتساع وجودها وذلك وفق تصور الحاكمين للجماعة.. أما السبب الثاني، فإنه أصبح معلوماً لدي الجميع أن أسلوب اختيار أفراد ممثلي الجماعة في النقابات أو المجالس البرلمانية أو المحلية.. إنما هو بقرار تنظيمي بالمعني الضيق.. وكذا جميع القرارات الأخري حتي لو تم إجراء مشاورة بشأن بعض النقاط إلا أن القرار النهائي يبقي في إطار تنظيمي دقيق.. من أجل ذلك فإنه ينبغي علي جماعة الإخوان المسلمين أن تحرر نفسها من ذلك الشعور بالإثم الذي يصاحبها بسبب ابتعادها عن مجال الشوري أو الديمقراطية أو اللامركزية العملية.. وأن عليها أن تعلن وبصراحة أنها مرتبطة بفقه التنظيم الذي يعتمد علي السمع والطاعة والثقة في القيادة في زمن من أزمنة المعارك بالنسبة لها.. وأن عليها أن تحل إشكالية ازدواجية الشكل السياسي.. والذي جعل منها خليطاً غير محدد الهوية.. ما بين الجماعة الدعوية في شكلها التنظيمي.. أوالجماعة الإصلاحية الوطنية بطابعها ووسائلها المفتوحة
خطأ الجماعة في الترقيع.. فقه التنظيم أو فقه الجماعة المدنية:
ومن هنا فإنه ليس من خطأ ينسب إلي الجماعة لانحيازها إلي فكرة التنظيم وتبنيها كل قواعد وأصول فقه التنظيم..
بل إن عليها أن تعلن ذلك صراحة وأن تواجه الآخرين بما تراه هي من حكمة اعتماد هذا الفكر وهذه الحركة وهذا الأسلوب.. وعليها أن تشرح لأبنائها والمنضمين إليها هذه الفلسفة وأن يكون ذلك العرض بوضوح شديد..
ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد في عالم المناهج والاستراتيجيات شيء اسمه الخطأ.. أوآخر اسمه الصواب فكلها آراء من أمور الاجتهاد.. ولا عيب في أن نصف القائمين علي أمر الجماعة أنهم هم الحاكمون.. ولا نصفهم بالمنتخبين.. ذلك أن مسألة الانتخاب الخاص بهم فيها قول كبير.. فالجماعة غير ملتزمة بأي قواعد.. بل إنها غير ملتزمة بأحكام الشوري العامة.. وذلك حال كونها تستشعر أنها في غمار المعركة فهي تحدد نطاق الشوري.. وليس علينا أن ننتقد وسائلها إلا وفقاً لطبيعة الجماعة من حيث صياغة نفسها كتنظيم أم - كجماعة إصلاحية -:
ولكن المشكلة تظهر حينما تتم محاولة ترقيع الفقه التنظيمي بأحكام لا تصلح إلا للجماعات الإصلاحية المفتوحة.... فيظهر التناقض وتضطر الجماعة إلي أن تتجمع في صورة دفاعية فعلي سبيل المثال.. تعتمد جماعة الإخوان المسلمين علي نظام الإدارة المركزية.. فيرأس كل قسم فيها عضو من أعضاء مكتب الإرشاد.. ويقوم مكتب الإرشاد بدور القيادة التنفيذية العليا فضلاً عن قيامة من الناحية الواقعية بالدور التشريعي.. ورئاسة (مجلس الشوري) والذي هومجلس ليس له اختصاصات حقيقية.. ولا يمكن للجماعة من الناحية الواقعية التخلي عن تلك المركزية.. حال كونها أهم سمات العمل التنظيمي.. ولا يكون الانضمام للجماعة بمجرد إبداء الرغبة.. ولا حتي التكليف بالأعمال.. فانتقاء المنضمين أمر يمر بمراحل توثيقية كما يمر بمراحل أكثر دقة في الاختيار.. والمعتمد لدي الجماعة هو أسلوب التعيين بصفة عامة.. حتي صياغة بعض اللوائح لا تتخلي الجماعة أبداً عن فكرة التعيين حتي في نطاق الجمعية العمومية.. كل هذا هو نقاط تفرض نفسها من فقه التنظيم ووسائله للتحكم في الأفراد بهدف بقاء التنظيم المكلف بنشر الفكرة وليس في كل ما سبق أي خطأ.. . إنما يأتي الخطأ من إصرار الجماعة علي الظهور بمظهر الحركة المفتوحة.. أو الجماعة الإصلاحية العامة.. فتشير إلي أنها - علي سبيل المثال - سوف تقوم يتأسيس حزبها الأول.. وإنها بصدد إعلان برامجه وهذا أمر لا يتناسب مع فقه التنظيم.. وقيود حركتة.. فلا التنظيم ولا إرادة الحاكمين له تسمح بالانتماء والانضمام المفتوح.. ولا تداول السلطة داخل التنظيم...
حتي ولو كان هذا التداول بين أبناء الفكرة الواحدة الذين قد يختلفون في رؤيتهم في داخل الجماعة ثم يكون الأسوأ وهو محاولة مسايرة التنظيمات المفتوحة في فكرة الانتخاب أوإعداد اللوائح أوغير ذلك.. كل هذه الاستعارات المرفوضة جعلت بعضاً من أبناء الجماعة يتصورون أن الجماعة تعمل بصورة التجمعات المدنية المفتوحة.. وهذا تصور خاطئ.. فالجماعة ما زالت حريصة علي فكرة التنظيم.
أما المثال الثاني للترقيع فيه وإصرار الجماعة كتنظيم أن يكون لها لائحة تحكمها أوتنظم أمور الانتخاب فيها والترشيح والاختيار.. رغم أن سنوات الجماعة التي اقتربت من المائة لم تكن تعتمد في أولها علي اللوائح بقدر ما كانت تعتمد علي الترابط التنظميي أو تلاحم الأكتاف وهذا هو فقه الستينيات وهوالأقرب في الترتيب الزمني والأكثر تأثيراً.. إلا أنه وبدون مقدمات ظهر في الوجود ما يسمي باللائحة وربما تكون قد فرضتها مستلزمات أخري.. وأصبح الحاكمون لجماعة الإخوان في احتياج إلي لائحة وانتخابات ونجاح للبعض دون البعض.. فقرروا أن يقوموا هم بصياغة لائحة وبالطبع فلم تكن هذه اللائحة لتعبر عن خيارات المجتمع الحديث وتطوراته التشريعية.. ولا هي عبرت عن فقه التنظيم المعتمد علي السمع والطاعة والثقة في القيادة ولا هي استبدلت التعيين في المناصب القيادية بأسلوب الانتخاب.... ولا هي استبعدت التعيين كصورة من صور التحكم في إرادة الناخبين.. فجاءت اللائحة شكلاً مرفوضاً من الجميع.. وإذ يعكف الرافضون لفكرة التنظيم بالمعني الضيق.. وهم من أطلق عليهم البعض اسم (الإصلاحيون).. فيعكفون علي نقد اللائحة.. أمسك الحاكمون بزمام الأمور وقرروا تعديل اللائحة بواسطتهم أيضاً.. ولا نعتقد أن تنظيم الإخوان المسلمين سوف يقوم بتعديل اللائحة ولا نظن أيضاً أنه راغب في ذلك.... ففقه التنظيم يتعارض مع نظرية اللوائح التي يكون من أهم أهدافها تدوال السلطة.. ومرة أخري يقع التنظيم الإخواني العريق في ذات المنزلق فيعلن أن تغييراً في مجلس الشوري قد تم بعد الانتخابات الأخيرة بنسبة 16% ومرة أخري يعلن أنه بصدد صياغة نصوص أقرب إلي الشوري وهو الأمر الذي أصبح مشكلة في المواجهات العامة.
وليس معني كل ما سبق أننا ندافع عن أسلوب عمل الجماعة ( كتنظيم دعوي ) يقوم علي فقه المعارك من سمع وطاعة وثقة في القيادة فهذا أمر يحدده الحاكمون في الجماعة.. إلا أننا نؤيد أن يكون من حق الجماعة التنظيمية أن تتبني كل ما تراه من قواعد حاكمة لتنظيمها.. حتي لو تناقضت مع كل قواعد التنظيمات المدنية الوطنية المفتوحة وذلك بعد استظهار شروط ذلك الفقه التنظيمي ومضمونه هو ألا تختلط لدي الجماعة التنظيمية (فقه التنظيم مع فقه الحركة المدنية المفتوحة) فتنتقل الجماعة بين الوسائل وتنتقل بين الأيديولوجيات.. فإذا ما اختارت الجماعة أسلوب التنظيم الذي يخوض معركة البقاء ويعمل علي نشر الفكرة لدي الأفراد.. وتربيتهم عليها.. فليس من المتفق مع هذه الاستراتيجية خوض غمار الحياة السياسية العامة والمطالبة بإصلاحها ووضع أسس هذا الإصلاح دون أن تكون الجماعة قد أعادت بناء استراتيجيتها علي أساس العمل الوطني المفتوح ( فقه الإصلاح السياسي) وعلي الجماعة أن تعلم أنه ووفق هذا الفقه لا يجوز لها أن تصنع لنفسها اللوائح أو أن تقيد حق تداول السلطة داخلها أو أن تستعين بستار (الشأن الداخلي ) لمنع الآخرين من النقد أو التدخل.. إن الجماعات الإصلاحية لها فقه خاص كما أن للتنظيمات فقهاً خاصاً.. فبينما تكون الأخيرة حرة في اختيار أحكامها فإن الأولي لا تملك أي قدر من الحرية في الحركة أو التشريع.. ذلك أن عليها أن تقدم ما يتفق مع آراء العموم من المفكرين والمثقفين وجمهور الواثقين في الجماعة.. وأن تخوض حركة نضالية في الشارع السياسي لا تقيد الانضمام إليها ولا تتدخل في استيعاب أفرادها..
من أجل ذلك فلا يمكن الجمع بين أسلوب العمل التنظيمي داخل دائرة التنظيمات الخاصة.. وبين أسلوب جماعات الإصلاح الوطنية التي يجب أن تبدأ بتقديم نفسها كنموذج إصلاحي ديمقراطي إلي الشارع السياسي.. وعلي الإخوان المسلمين حل هذه الإشكالية بعرض استراتيجية واحدة ووسيلة واحدة.. ولا عيب في اختيار واحدة أو الإعراض عن الآخري.. إنما هي مناهج يراها البشر بالوصول بأفكارهم إلي الحالة المثلي وفق مستهدفاتهم الخاصة.
مختار نوح