الأهرام المسائي تفتح ملفات إصلاح الفكر الديني إيمانا منها بضرورة إعمال العقل وإطلاق الاجتهاد إلي مداه الواسع, دعوة منها إلي وسطية دينية ـ إسلامية ومسيحية |
ويقينا منها أن إصلاح الفكر الديني يعد الخطوة الأولي علي طريق المواطنة والحرية والإسهام في الحضارة الإنسانية. أصبح إصلاح الفكر الديني ضرورة ملحة للتصدي لظواهر العنف والتشدد ورفض الآخر باسم الدين, الأمر الذي يتطلب تنقيح كتب التراث وأقوال السلف مما يخالف القرآن وصحيح السنة.. هذا ما يؤكده الكاتب والمفكر الإسلامي عبدالفتاح عساكر لإصلاح وتجديد الفكر الديني. كما أكد أيضا أن الخطاب الديني الذي يخرج عن ثوابت الدين ونص القرآن مرفوض, وأن الأزمة في المتلقين الذين يسمعون القرآن ولا يفهمونه. مشيرا إلي أن الحض علي كراهية الآخر تضليل, والادعاء باضطهاد الأقباط كذب وأكد أن هناك قلة مأجورة تسعي للتفرقة بين المصريين. وطالب المؤسسات الدينية بمراجعة أفكار الدعاة المتشددين.. فإلي نص الحوار. * ما المقصود من اصلاح الفكر الديني؟ ** يجب أن نعلم أن دين الله واحد منذ خلق آدم إلي النبي محمد, وجاء الدين كمنهج للحياة لإسعاد البشرية, وكلمة أديان لم تأت في القرآن الكريم جمعا اطلاقا لأن دين الله واحد, والمرحوم شقيقي القس منسي يوحنا يؤكد ذلك في كتاب له طبعته مكتبة الأسرة بعنوان دين الله واحد, وتؤكد ذلك أيضا نصوص الإنجيل والتوراة والقرآن. والمسلم الذي يعترض علي المسيحي الذي يمارس دينه علي شريعة عيسي بن مريم يعد معترضا علي الله, لأن ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا ما رحم ربك, إذن الاختلاف بين الناس سنة كونية. ولنا في رسول الله أسوة حسنة فعلينا إتباع قول الله ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن والمجادلة تسبقها الحكمة والموعظة الحسنة أي تجعل نفسك نموذجا له وثانيا تجعله يحبك. * إذن من يكفرون الاخر ويحضون علي عدم قبولهم مخالفون للشريعة؟ ** نعم, فأعظم ليبرالية وحرية في تاريخ البشرية هي ليبرالية وحرية الإسلام, وأخطر مسألة في الكون هي أن تؤمن أو لا تؤمن جعلها الإسلام حرية شخصية بقوله تعالي من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وقوله أيضا أفأنت تكره الناس أن يكونوا مؤمنين وقوله إنك لا تهدي من أحببت لكن الله يهدي من يشاء وقوله عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وليس من حق بشر ولا النبي أن يكفر أحدا والدليل بالقرآن مخاطبا الكافرين لكم دينكم ولي دين. * وماذا عمن يقولون بقتال الأبرياء باسم الدين؟ ** لقد جعل الله قتل النفس ـ أي نفس ـ كمن قتل الناس جميعا. * وهل الخطاب الديني يحتاج إلي تجديد لتعديل هذه الممارسات؟ ** الفكر الديني إذا كنت تقصد به كلام الله, منذ آدم إلي يوم القيامة, جديد ويصلح لكل زمان ومكان. وكلام الله الذي يخاطب به البشرية ونزل علي رسل الله إلينا جديد وأمرنا الله باتباعه حتي لا نضل. ونؤكد أن القرآن الكريم صحيح ولا يحتاج تجديدا, فهو كتاب الهداية للبشرية كلها تعهد الله بحفظه. * هل تري أن ضعف معرفتنا باللغة العربية جعل الناس تلجأ لرجال الدين لتفسيره؟ ** القرآن في داخل كل البشر بنص قوله تعالي ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها, والتقوي هي الكتب المنزلة التي فيها أوامر الله إفعل ولا تفعل. لكن من أساءوا فهم القرآن هم أهل الدين الذين أدخلوا روايات مخالفة للقرآن مثل روايات إرضاع الكبير ورجم القردة التي زنت وقتل المرتد. فالنبي لم يشرع تشريعا لم يرد في القرآن, وهناك من أدخلوا اشياء لم يأت بها القرآن. واعلم أن المسلمين الأوائل فهموا القرآن بكلامه كما نزل ولم يحتاجوا مفسرين بل كانوا يعلمون ما جاء به القرآن لأنه داخل كل نفس, فكان القرآن تذكيرا للناس بالتقوي بقوله تعالي فذكر إنما أنت مذكر, أي أنهم لديهم المعلومة وجاء القرآن ليذكرهم بها. * بم تفسر لجوء الناس لرجال الدين في أبسط أمورهم الحياتية.. البعض يعد ذلك تدينا والبعض لا يعتقد أنه تزيد؟ ** لا يوجد شيء اسمه رجال دين, هذه بدعة, هناك من يقرأ ومن لا يقرأ, فأنت رجل دين بالسلوك والتخلق. لكن الأصح أن هناك علماء شريعة وهؤلاء قلة نادرة ولهم تخصصاتهم. لكن الناس للأسف يلجأون للمشايخ في أمور خرافية تشغلهم كمن يدعي مس جن أو اكتئابا نفسيا ويظن أن الشيخ سيعالجه وهذا دجل وشعوذة. وتؤكد دراسة اجتماعية أن مصر بها240 ألف دجال ونصاب بسبب الخرافات التي انشغل بها المجتمع. لكن الناس يلجأون للدجالين والمشعوذين باسم رجال الدين. * إذن, كيف نفهم الدين؟ ** للأسف المشايخ يقربون الدين للناس من خلال روايات خاطئة باسم الدين, فمثلا لو قلت للمحاسب اثنان زائد اثنان يساوي ستة هل هذا يعقل, بالطبع لا, لأن هناك حقائق في العلوم لا يجوز تغييرها, كذلك الدين, بالتالي الخطاب الديني الذي يخرج عن ثوابت الدين لن يكون مقبولا, وهو واضح في القرآن. وهنا نؤكد أن الأزمة في المتلقين الذين يسمعون القرآن ولا يفهمونه. * كيف نعالج أزمة فهم الناس للدين؟ ** سبب ما يعانيه الفكر الديني الآن هو اختلاف المسلمين, وإصلاح هذا مسئولية الدولة في مؤسساتها الدينية والإعلامية, وللأسف هناك وسائل اعلام وصحف مأجورة للترويج لفكر ديني معين بين المجتمع المصري لتفريق وحدته, وكلها تروج للفكر الوهابي وهو فكر يخالف الشريعة لأنه يفرق بين المسلمين ويصنع بينهم الاختلاف علي أمور تافهة. وأقول دائما إن وحدة الهدف تصنع وحدة الفكر ووحدة الفكر تصنع وحدة الطريق والوحدة بالفكر علي الطريق الواحد تصنع الألفة والمودة بين أصحاب الهدف الواحد, كما يقول تعالي أشداء علي الكفار رحماء بينهم وقوله تعالي إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ويقول أيضا ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون. يجب أن نعود إلي عمر الدعوة الإسلامية الأولي علي عهد النبي لننفذه, كما كان وهو صحيح الدين, أما ما دخل علي الدين خلال القرون الماضية فيحتاج لتنقيح. * كيف نواجه العنف والتشدد باسم الدين ؟ ** إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم, والتطرف ليس من الإسلام ودعاة التطرف والتشدد من جماعات تنسب نفسها للدين ليست من الإسلام. وللأسف نحن نعتمد في أسلوبنا الوعظي علي التلقين والعالم كله يعتمد علي الفهم, ففي المعاهد الأزهرية والمدارس وسيلتنا التلقين وهو خطر, لابد أن يكون التعليم عن فهم وبحث من الطالب ليصل الي المعلومة بفهمه. والموجودون في التعليم حاليا ثمرة التعليم الخاطئ في التعليم. * هل الخطاب الديني في المساجد يعاني أزمة ؟ ** لدينا93 ألف مسجد تقام بها خطب الجمعة لو جمعت عدد ساعات الخطبة خلال شهر ستجد أننا نعظ باسم الدين25 سنة, كلها كلام دون فعل والناس لا تتعظ, والسبب هو خطأ إيصال فهم الدين للناس. فالخطاب تركز حول الإسلام المظهري وهو ليس من الإسلام الذي هو سلوك وفهم لكتاب الله. والمطلوب ليس القضاء علي أصحاب الفكر المتشدد بل مراجعة أفكارهم وتصحيح فهمهم للدين. * هل تعني تنقيح الأحاديث النبوية أيضا؟ ** هل يعقل أن أبا هريرة الذي عاش مع النبي سنة واحدة و7 شهور قال معظم ما ورد من الأحاديث. ولكننا نؤكد ان السنة النبوية الشريفة هي التطبيق العملي لسنة رسول الله قولا وفعلا وإقرارا وإنكارها إنكار للقرآن. فما وافق كتاب الله ونسب لرسول الله فهو صحيح حتي ولو ضعف السند وما خالف كتاب الله وجاءت به الرواية وصح سنده فهو ضعيف ولا يؤخذ به. وعلي سبيل المثال وليس الحصر روايات إرضاع الكبير وقتل المرتد, وهنا أشكر لجنة الفتوي بمجمع البحوث الإسلامية أنها اتخذت قرارا يوافق ما ورد في كتاب الله بأن المرتد المسالم لا يقتل وإنما يستتاب مدي الحياة, وقد نشرت هذا القرار الصائب في كتابي المرتد لا يقتل وهم هنا يوافقون علي مبدأ تنقيح السنة وإبعاد ما جاء به النقل ويخالف العقل. * كيف يتحقق إصلاح الفكر الديني ؟ ** الإصلاح تعاون بين العلماء والمسئولين ووسائل الإعلام والشعب ايضا بوصفه المتلقي الذي يجب أن يعمل عقله, يجب أن يتحول الشعب من متلق لايفهم إلي عقلاء يفهمون حتي لا يسيروا وراء الفتاوي المضللة سير البهائم, يجب أن نخلق المواطن المحاور الذي يفهم. * هل التعليم الأزهري ومادة التربية الدينية يحتاجان الي تعديل؟ ** هذا تقرره لجنة من أهل الرأي والفكر والمتخصصين, بحيث يتم تغيير مادة الدين وتغيير الأسلوب التلقيني. فالتعليم مناهج, والمناهج الأزهرية يجب أن يعاد النظر فيها بحيث لا تعتمد علي التلقين والموروث المخالف من كلام الناس عن كلام الله. * كيف نوجه الإعلام لخدمة إصلاح الفكر الديني ؟ ** يجب علي إعلام الدولة أن يعمل بذكاء وأن يعمل علي نشر الفكر المستنير للقضاء علي الفكر الظلامي بالقنوات المتشددة, فالنور يبدد الظلام والحق يزهق الباطل. * هل تقصد نشر الفكر الوسطي؟ ** نعم, فالإمام محمد عبده مات كمدا مما فعله به الأزهر وقال أنا أحتاج عشر سنوات لأغسل عقلي مما اتسخ به من أفكار جامدة, والآن فكر محمد عبده وكتبه الأكثر مبيعا يجب نشرها كنموذج للوسطية. وأقترح أن يتم تشكيل فريق عمل ـ بغير مقابل ـ ما أصحاب الرأي والفكر لوضع منهج للوسطية الصحيحة وما يتوافق مع صحيح الدين وتنقيح أقوال السلف مما لا يتفق والدين. * كيف يتم إصلاح الدعاة؟ ** علي وزارة الأوقاف أن تضع منهجا وخطة لإصلاح الدعاة لتغيير أسلوب الدعوة, فلنطلب منهم مثلا أبحاثا لعلاج أمراض المجتمع كالكذب والزنا وخيانة الأمانة وإصلاح الأخلاق وكيفية محاربة التشدد, ومن خلال كلام الائمة نبدأ إصلاحهم وتوجيههم إلي التركيز علي علاج مشاكل المجتمع. ومن هنا يكون تغيير خطابهم ومنهجهم في مخاطبة الناس. * هل تؤيد تطبيق الخطبة الموحدة ؟ ** الإسلام وضع خطبة الجمعة من قسمين الأول يتناول عظة دينية والثاني لتوجيه الناس لإصلاح سلبيات اجتماعية أو اقتصادية, وكانت مدة الخطبة لا تزيد علي ثلث ساعة, فكان النبي يقول قال الله ويأمركم الله, أما خطباء اليوم فيظلون بالساعات علي كلام السلف مما يتنافي مع الإسلام. * لماذا يطالب الغرب المسلمين بتجديد خطابهم الديني ولا يطالب اليمين المسيحي المتطرف بإصلاح خطابه الديني ؟ ** أنا أشكر الغرب إذا كان يريد صلاحنا, فإذا جعلت من يخالفني يحبني سنهزم المتشددين من الأفكار المختلفة, وسننجح في خطاب ديني جديد. * البعض يقول إن المؤسستين الدينيتين الكنيسة والأزهر أصبحتا دولتين داخل الدولة؟ ** ما حدث للكنيسة في أوروبا سيحدث للإسلام في بلاده وينفر الناس من الدين بسبب التشدد, والجماهير بجهلها تصنع أصنامها فالناس مسئولة عن ذلك فعلي أهل الكنيسة أن ينفذوا ما في الإنجيل وعلي المسلمين أن ينفذوا ما في القرآن وليبتعد الطرفان عن الخرافة والدجل باسم الدين وليكون التقديس لكلام الله وليس المؤسسات الدينية. فالإنسان يصنع ما يتحكم فيه من رجال دين ومؤسسات. فالأزهر مثلا عمره ألف سنة فكيف كان حال المسلمين قبل إنشائه ؟ بالطبع كان أفضل. * ماذا عن تأويل فهم القرآن وتفسيره بما يتفق وأجندات معينة ؟ ** ليس للقرآن تفسير بنص كلام الله الذي نزل لقوم يعقلون, والوهابية والإخوان أكثر من يؤول القرآن طبقا لأجنداتهم السياسية. والذي ساعد الوهابية علي الانتشار الرخاء المادي, فالدعوة البترودولارية دعوة مخربة هدامة, وللأسف انتشرت في المراكز الاسلامية العالمية في أوروبا وأمريكا وأثرت سلبا علي صورة الإسلام. ومن سنن الله وقوانينه أن كل شيء ضار في الحياة يكون كثير, وهذا يؤكد أنه لست له قيمة, فالندرة في الشيء تعطي قيمة والكثرة تقل القيمة. * كيف نصحح صورة الإسلام في الغرب ؟ ** بالسلوك, والدعوة للإسلام بأخلاق الإسلام عندما تذهب لمجتمع ينبهرون بأخلاقك كما انتشر الإسلام في غرب آسيا والهند وأفريقيا بأخلاق المسلمين. الإسلام ينتشر بالسلوك بين البشر ولو أن المسلمين يتعاملون بأخلاق حسنة لآمن من في الأرض. وللأسف ذكر لي أحد المسئولين بالأزهر أن بعض أعضاء بعثة الأزهر المبعوثين للخارج في دولة النيجر يتسولون للعيش هناك بسبب قلة المرتبات المقررة لهم, فالازهر يقرر لكل داعية4 آلاف دولار في الشهر لا يصرف لهم سوي700 دولار, والبعثات الازهرية في الخارج يقرر لها80 مليون سنويا, فما هو مردودها. * هل هناك اضطهاد للأقباط في مصر ؟ ** البابا شنودة رجل محترم, عاشق لمصر ورفض استقبال الأقباط الذين يهاجمون مصر والإسلام من الخارج, وهم مأجورون من قوي خارجية. ولا يوجد اضطهاد للأقباط في مصر إطلاقا, ونحن نعيش في سلام. أما من يشعرون أنهم مضطهدون وليس لديهم مبررات ولا أسباب فهؤلاء يسمعون للقلة المأجورة التي تسعي للتفرقة بين أبناء الوطن. * لكن هناك من يدعون لعدم قبول الآخر ؟ ** كلام الله يؤكد التودد والتراحم بين المسلم والمسيحي بقوله تعالي وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم, ومن يحض علي الكراهية مضلل. |
حوار: محمد مندور