مازالت ظاهرة وضع اليد علي أملاك الغير وتملكها في غفلة من أصحابها، تواصل توحشها واعتداءاتها علي أراضي الدولة وأملاكها، وكذلك الغير من عقارات ومبان وشقق.. وأصبحت هذه الظاهرة »سبوبة« للكثيرين، وتشكلت لها عصابات تتلاعب بالقانون، وتستولي علي ما هو ليس من حقها..
وبالرغم من ان الأملاك العامة والخاصة المملوكة للدولة والمخصصة للمصلحة العامة لا يجوز تملكها قانونا عن طريق وضع اليد لمدة طويلة أو قصيرة.. إلا ان بعض الأفراد استخدموا هذه الطريقة لسلب أراضي وعقارات الدولة وكسب ملكيتها. كما ان اخرين احترفوا السطو علي أملاك الغير وغصب حقوقهم فيها بحيازتها وامتلاكها.
ويري رجال القضاء وأساتذة القانون ان التشريعات كافية لردع هؤلاء سواء بالطريق المدني أو الجنائي أو الإداري.
وأننا لا نحتاج إلي تشريعات جديدة أو تعديل للنصوص الموجودة. فقط نحن نحتاج إلي تفعيلها وأن يخلص كل مسئول في أداء واجبه، وأن يتم تنفيذ القرارات والأحكام بحسم حتي نزيل وضع اليد ونوقف سرقة ممتلكات الدولة والأفراد،وهناك جهات حكومية كثيرة، مثل وزارات الزراعة والري والأوقاف، تعاني من هذه الظاهرة الخطيرة.. وأيضا هناك الكثير من الأسر والأفراد الذين ضاعت أملاكهم في وضح النهار، دون أن يتمكنوا من رد ما اغتصب منهم!.
»أخبار اليوم« تفتح ملف »سبوبة وضع اليد«.. وتناقش جميع الأطراف..
كيف تتم جريمة وضع اليد؟.. وكيف اصبح الاستيلاء علي املاك الدولة والغير وسيلة للكسب الحرام؟ وكيف يمكن مواجهة هذه الجريمة؟.. وهل التشريعات الموجودة كافية لمواجهة هذه الجريمة، ام ان العيب في التطبيق وسلبية المواجهة؟
»اخبار اليوم« سألت كبار رجال القضاء والقانون.. وكانت هذه هي الحصيلة..
يقول المستشار عبدالرحيم اسماعيل زيتون رئيس الاستئناف بمحكمة شمال القاهرة: الشريعة الاسلامية لا تعرف تملك اموال الغير بوضع اليد سواء كانت هذه الاموال مملوكة لاشخاص اعتباريين أو طبيعيين فحق الملكية حق مقدس لا يسقط بالتقادم. اما التشريعات الوضعية وان كانت لا تسقط حق التملك إلا انها تعطي حق اكتسابه بوضع اليد المدة المقررة قانونا سواء كانت طويلة أو قصيرة بشرط وجود سند مسجل.
ويشرح المستشار زيتون ان وضع اليد وهو ما يسمي قانونا حيازة قد يكون علي منقول أو عقار غير مملوك للحائز، ويجوز ان يكون علي حق عيني مثل حق الانتفاع أو الاستعمال أو السكن أو الحكر.. وهنا يمكن لهذا الحائز تملك ما يضع يده عليه اذا استمرت حيازته ٥١ سنة متصلة وهو التقادم الطويل الذي يتم دون انقطاع بعدة شروط وهي ان يكون ما وضع يده عليه قابلا للتملك وليس من اموال الدولة، وان يكون حائزا له فعلا مسيطرا عليه كأن يكون اقام عليه مبان أو زرعه طوال فترة الحيازة، وان تكون مدة الحيازة متصلة مستمرة لم يتخللها فترة أو فترات انقطاع، ثم لابد من شرط معنوي مهم وهو الحيازة بنية التملك.. وكل هذه الشروط وعناصرها وعيوبها تقدر المحكمة المدنية توافرها أو عدم توافرها، والقاضي هو صاحب الرأي فيها لا يعتمد فيه علي رأي الخبير. وهناك كسب الملكية بالتقادم القصير ويكون بالنسبة لعقار أو حق عيني عقاري وشرطها وضع اليد لمدة خمس سنوات متتالية علي ان تكون الحيازة بحسن نية وتستند إلي سبب صحيح قد يكون عقدا صادرا من غير مالك ولكنه مسجل.. وبالنسبة للمنقول فان الحيازة هي سند الملكية بشرط وضع اليد فعلا بوضوح وهدوء مع نية التملك وتوافر السبب.
ويوضح رئيس الاستئناف ان مهمة القاضي المدني في النزاع حول وضع اليد وكسب الملكية هي فحص مدي مشروعية وضع اليد وانطباق الشروط القانونية عليها ومضي المدة المقررة سواء طويلة أو قصيرة وان المالك لم يتعرض لواضع اليد طوال هذه المدة ليقطع التقادم وانه ليس هناك سبب بمنع اكتساب الملكية ومن ثم يحكم بالحق في التملك، واذا كان هناك ما يخالف ذلك حكم بإزالة الحيازة واستبعاد وضع اليد.. ويلفت النظر إلي ان الاموال المملوكة للدولة لا يجوز تملكها سواء بالتقادم الطويل أو القصير طالما كانت مخصصة للمنفعة العامة واي تصرف عليها يكون باطلا بطلانا بقوة القانون.
ولما كانت ظاهرة الاستيلاء علي اراضي الدولة بوضع اليد قد انتشرت مؤخرا كما ان هناك تصرفات بالبيع أو التخصيص تمت علي غير ما يقضي القانون من مسئولين بالدولة لاخرين فان ذلك اذا كان قد تم بالتواطؤ أو بالتجاوز عن الاسعار الحقيقية أو بخطأ ظاهر في تقديرها فانه يجوز للدولة الغاء هذا العقد، وابرام عقد جديد بالاسعار الصحيحة لان الغش لا يعطي حقا ولان ما بني علي باطل فهو باطل.
ويؤكد المستشار عبدالغني الزيات نائب رئيس مجس الدولة وعضو محكمة القضاء الاداري ان القانون الذي كان يسمح قبل عام ٧٥٩١ بتملك اموال الدولة بوضع اليد عاد فمنع ذلك نهائيا منذ ذلك العام ولذا فإن وضع اليد علي املاك الدولة العامة أو الخاصة لا يكسب الحائز لها اية ملكية أو حقوق علي هذه الاملاك مهما كانت مدة وضع يده أو استيفائه لشروط وضع اليد.
ويقول المستشار الزيات: اموال الدولة العامة هي المملوكة لها أو لاحد الاشخاص الاعتباريين العامة أو للوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات والهيئات العامة والقطاع العام أو للاوقاف وتكون مخصصة للمنفعة العامة كالشارع مثلا والمساجد والحدائق والسكة الحديد والجبانات ويكون ذلك التخصيص بموجب قانون أو قرار.
اما اموال الدولة الخاصة فهي تلك التي تملكها الدولة كالافراد وذلك كالاراضي الصحراوية والاراضي الفضاء والاراضي التي تزرعها جهات الدولة لبيع منتجاتها والورش والمباني الادارية وما يشابه ذلك وكل هذه الاملاك لا يجوز تملكها ولا التصرف فيها. ويجب ان يتم ازالة التعدي عليها فور العلم به بالطريق الاداري بمعني ان الجهة الحكومية التي تملك هذه الاموال عليها مسئولية ازالة التعدي دون اللجوء للقضاء، وانما باستخدام سلطتها مباشرة فتصدر قرارها الاداري بازالة التعدي وتم تنفيذه اجبارا بواسطة الشرطة.
ويضيف نائب رئيس مجلس الدولة: وهذا القرار الاداري هو الذي يطعن عليه واضع اليد عندما يجد انه يضر بمصلحته فيلجأ لمحاكم مجلس الدولة بدعوي انه له حق في اكتساب ملكية ما يضع عليه يده وسواء بتملكه سندا للملكية أو بحصوله علي تعاقد بالتصرف فيه أو بادعائه ان هذا العقار ليس مملوكا للدولة وليس من اموالها، أو زالت عنه صفة المصلحة العامة.. وعلي القاضي الاداري هنا فحص مشروعية وضع اليد وسند الحيازة كما يفحص قرار الجهة الادارية ثم يحكم بما يراه اما بالغاء القرار الاداري واثبات الحيازة، أو تأييد القرار الاداري وطرد واضع اليد، ومن لا يرتضي حكم المحكمة الادارية الخاصة بالقرار الذي اصدرته الحكومة يلجأ للمحكمة المدنية لتحكم في منحه الحيازة وفي اثبات ملكية الارض للدولة واستمرار منفعتها العامة.
اما المستشار محمد سكيكر رئيس الاستئناف بمحكمة جنايات الاسكندرية فيتناول الموضوع من الجهة الجنائية حيث يوضح انه اذا كانت نصوص القانون المدني تحمي اموال الدولة في المنازعات المدنية، وهي التي تكون فيها الحيازة غير مترتبة علي جريمة، فان نصوص قانون المرافعات يوجب علي النيابة العامة ان تحمي الحائز التي تنتزع حيازته بجريمة كاغتصاب صك أو كسر اقفال أو ما ماثل ذلك، وهذه النيابة اذا عرض عليها نزاع من هذا النوع تصدر قرارا وقتيا من رئيس نيابة علي الاقل بعد سماع الاقوال واجراء التحقيقات اللازمة، ويمكن التظلم من هذا القرار امام قاضي الامور الوقتية.
وكذلك فان قانون العقوبات يحمي المعتدي علي ملكيته فيعاقب كل من يتعدي علي ارض زراعية أو فضاء أو مبان مملوكة للدولة أو وحداتها المذكورة سابقا بوصفها من الاموال العامة بالحبس والغرامة، ويحكم برد العقار المغتصب بما عليه من مبان أو زراعات أو ازالة ما عليه علي نفقة المتعدي.. واذا كانت جريمة التعدي وقعت نتيجة تحايل أو بيانات غير صحيحة مع العلم بذلك شددت عقوبة الحبس وارتفعت قيمة الغرامة مع مضاعفة العقوبة اذا عاد الشخص ارتكاب نفس الجريمة.. وعاقب القانون ايضا كل من دخل ارضا زراعية أو فضاء أو مباني أو بيتا مسكونا أو معدا للسكن أو محلا ولم يخرج منه يعاقب بالحبس والغرامة.. وبذلك يكون قانون العقوبات قد وفر الحماية للاموال المملوكة للدولة وتلك المملوكة للافراد وتقع المسئولية بعد ذلك علي المسئولين عن تفعيل هذه الحماية، وعدم الاهمال حتي لا تتاح الفرصة للمتعدي بالتملك. ويري المستشار سكيكر ان التشريعات المصرية بها من النصوص ما يكفي لحماية املاك الدولة واملاك الافراد وكذلك الحيازة القانونية المكسبة للملكية وانه علي المسئولين ممارسة دورهم دون تقصير وانه لا وجه ابدا لاضافة نصوص جديدة أو ادخال تعديلات علي هذه النصوص.
ويقول المستشار منير صدقي يوسف نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الاداري ان دعاوي الاعتداء علي اراضي الدولة يحكم فيها القضاء الاداري باعتبارها منازعة ادارية تكون الدولة طرفا فيها في مواجهة الافراد، والقاضي الاداري يحكم علي اساس ما يقدم له من مستندات تؤيد مشروعية القرار الاداري أو صحة وضع اليد والحق في التملك.
وعند بحثه لمشروعية قرار الجهة الادارية بازالة التعدي اداريا وليس قضائيا فانه يبحث في السند القانوني لوضع اليد كأن يكون هناك عقد ايجار أو سند ملكية سابق لقانون عدم جواز ملكية اموال الدولة ثم يحكم حكمه سواء لصالح الافراد أو لصالح الدولة اذا كانت المناطق المتنازع عليها مخصصة للمصلحة العامة كمنافع الري علي جانبي نهرالنيل أو الترع حيث لا يجوز التعدي عليها باقامة سدود أو تحويطة. وقد يحكم القاضي بتعويض صاحب الارض الذي تمر فيها وسيلة ري ويمنع من استغلال هذه الارض كما ان هناك قيودا تقع علي ممتلكات الدولة الخاصة المخصصة للمنفعة العامة.
ويؤكد د. عصام سليم وكيل كلية حقوق الاسكندرية واستاذ القانون المدني ان الوزير المختص أو المحافظ الذي تقع في دائرة محافظته تعد علي املاك الدولة بوضع اليد عليه فورا استخدام نصوص القانون واصدار قرار ازالة وضع اليد دون ان يلجأ للقضاء لان املاك الدولة العامة لا يمكن تملكها أو كسب حقوق عليها، بالتقادم المكسب مهما طالت مدته واذا حدث ذلك فيعتبر باطلا ولا ملكية لمن وقع له هذا التصرف، ومع ذلك فيجوز تملكها بالتصرف القانوني الصحيح من جانب الدولة بالبيع أو التخصيص.
ويقول د.عصام سليم يدخل في نطاق ذلك ايضا اموال الجمعيات ذات النفع العام والنوادي الرياضية والثقافية والاجتماعية حيث اعتبرها المشرع جهات ذات حصانة، لا يجوز تملك اموالها با لتقادم عن طريق وضع اليد مهما استوفيت الشروط وطالت المدة.. اما الاملاك الخاصة التي يجوز تملكها بوضع اليد فهي تلك المملوكة للاشخاص الطبيعيين أو بعض الاشخاص المعنويين كالشركات التجارية وذلك بشرط مضي مدة التقادم ووجود الحيازة كما نص عليها القانون المدني وتوافر نية التملك.
ويري وكيل حقوق الاسكندرية ان هناك اعتبارين يجب التوفيق بينهما عند التعرض لمسألة كسب الملكية بوضع اليد والتقادم. الاعتبار الاول المحافظة علي الملكيات بوصفها حق من حقوق الدولة أو الافراد والاعتبار الاخر عدم هدم الاوضاع المستقرة بوضع اليد لان الحائز استثمر ماله ووقته ورتب حياته علي ذلك في مقابل مالك مهمل ترك ملكه دون استعمال أو اهتمام والمحافظة عليه، وقد وضعت المحكمة الدستورية العليا مبدأ مهما في حكم تاريخي بالغاء دستورية مادة قانون السجل العيني التي تحظر التملك بالتقادم خلافا لما هوثابت بالسجل لانه يخل بالحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية .. ولذلك فهو يؤيد انه في حالة توافر الشروط الخاصة بوضع اليد علي املاك الافراد فيمكن تملكهم هذه الاملاك.
ويقول د.سليم: الاوضاع التشريعية في مصر سليمة في موضوع التملك بالتقادم المكسب ووضع اليد بوجه عام للحفاظ علي استقرار الاوضاع دون مساس بملكيات الدولة مهما طال التقادم فالقانون المصري وضع شروطا مشددة لوضع اليد.
أما الدكتور أنس جعفر أستاذ القانون ومحافظ بني سويف السابق، فيؤكد أنه نتيجة للكثرة المتزايدة للاعتداءات علي أموال الدولة الخاصة، فقد أصدرت حكومة الثورة القانون »٧٤١ لسنة ٧٥٩١«، بعدم جواز تملك أموال الدولة وأشخاصها الاعتباريين بالتقادم، وذلك أدي إلي الحد كثيرا من وضع يد الأفراد علي عقارات وأراض تمتلكها الدولة، ومنعوا من حيازتها وتملكها لأن التصرفات بذلك تصبح باطلة. وهو يطالب المسئولين الحكوميين القيام بدورهم واحكام الرقابة علي ممتلكات الدولة العامة والخاصة والاشراف عليها باستمرار لمنع فرصة الاعتداء عليها كما يقوم صاحب الملكية الخاصة بحماية ملكيته.
ويري د.أنس أن القانون الذي أعطي الوزير أو المحافظ أو المسئول حق إزالة التعدي علي أملاك الدولة التي تقع في نطاق مسئوليته إداريا، هو قانون حاسم يجب اللجوء إلي تطبيق نصوصه دون التساهل أو التسامح بحجة الشفقة وأن المعتدي واضع اليد ليس له مأوي أو مورد رزق إلا هذه الممتلكات التي وضع يده عليها منذ فترة طويلة، وهذا لا يجوز لأنه كان يجب التصدي لهذا التعدي منذ بدايته وليس التهاون حتي يصير وضعا مستقرا يتوارثه الأبناء عن آبائهم.
ويشير المحافظ السابق في هذا الخصوص إلي الأحكام التي صدرت بأحقية المواطنين في البقاء في جزيرة »قرصاية«، ومثله حكم جزيرة الدهب وعزبة خيرالله وغير ذلك. وقد تم الحكم لصالح المواطنين وليس لصالح الدولة رغم ثبوت ملكيتها الواضحة والمستندة إلي وثائق، لأن المحكمة الإدارية العليا رجحت الاعتبار الاجتماعي علي الاعتبار القانوني، وهذا من حق القاضي الإداري الذي له أن يحكم بما يجده صالحا للوطن، حتي لا تحدث هزة اجتماعية كبري تصيب بالخسائر شرائح كبيرة.. ويوضح د.أنس جعفر أن الأحكام التي أصدرها القضاء الإداري في مصر مراعيا فيها البعد الاجتماعي والذي غلبه علي الجانب القانوني لها أصل قضائي راسخ في القانون الفرنسي حين حكم مجلس الدولة في الاربعينيات من القرن الماضي في قضية »كويثيان« وهو اقطاعي فرنسي كان يملك عزبة في تونس، وأراد إخراج أهلها منها بعد انتهاء عقد ايجارهم معه، فحصل علي حكم بطردهم ورفضت الشرطة تنفيذه فلجأ للقضاء الإداري الذي أمر الشرطة بعدم التنفيذ وتعويض كويثيان الاقطاعي لان تنفيذ الحكم تشريد لآلاف الأسر، ويضر بجانب اقتصادي مهم وخسائره الاجتماعية تزيد علي فوائده القانونية، وقد استقر هذا المبدأ وترسخ في أحكام مجلس الدولة المصري.
ولذلك يجب الالتزام به وفي نفس الوقت الحرص علي أموال الدولة العامة، أما أموالها الخاصة فيمكن لها التصرف فيها، وكذلك التصرف في الأموال العامة التي انهت تماما وبصفة نهائية تخصيصها للمنفعة العامة، كمدرسة انتهت صلاحيتها مثلا لتهدم المبني أو متحف تقرر نقله أو جبانة انتهت المدة المخصصة لحفظ الرفات فيها، وانتقل الدفن إلي جبانة أخري منذ مدة طويلة مقررة قانونا.
وبالرغم من ان الأملاك العامة والخاصة المملوكة للدولة والمخصصة للمصلحة العامة لا يجوز تملكها قانونا عن طريق وضع اليد لمدة طويلة أو قصيرة.. إلا ان بعض الأفراد استخدموا هذه الطريقة لسلب أراضي وعقارات الدولة وكسب ملكيتها. كما ان اخرين احترفوا السطو علي أملاك الغير وغصب حقوقهم فيها بحيازتها وامتلاكها.
ويري رجال القضاء وأساتذة القانون ان التشريعات كافية لردع هؤلاء سواء بالطريق المدني أو الجنائي أو الإداري.
وأننا لا نحتاج إلي تشريعات جديدة أو تعديل للنصوص الموجودة. فقط نحن نحتاج إلي تفعيلها وأن يخلص كل مسئول في أداء واجبه، وأن يتم تنفيذ القرارات والأحكام بحسم حتي نزيل وضع اليد ونوقف سرقة ممتلكات الدولة والأفراد،وهناك جهات حكومية كثيرة، مثل وزارات الزراعة والري والأوقاف، تعاني من هذه الظاهرة الخطيرة.. وأيضا هناك الكثير من الأسر والأفراد الذين ضاعت أملاكهم في وضح النهار، دون أن يتمكنوا من رد ما اغتصب منهم!.
»أخبار اليوم« تفتح ملف »سبوبة وضع اليد«.. وتناقش جميع الأطراف..
كيف تتم جريمة وضع اليد؟.. وكيف اصبح الاستيلاء علي املاك الدولة والغير وسيلة للكسب الحرام؟ وكيف يمكن مواجهة هذه الجريمة؟.. وهل التشريعات الموجودة كافية لمواجهة هذه الجريمة، ام ان العيب في التطبيق وسلبية المواجهة؟
»اخبار اليوم« سألت كبار رجال القضاء والقانون.. وكانت هذه هي الحصيلة..
يقول المستشار عبدالرحيم اسماعيل زيتون رئيس الاستئناف بمحكمة شمال القاهرة: الشريعة الاسلامية لا تعرف تملك اموال الغير بوضع اليد سواء كانت هذه الاموال مملوكة لاشخاص اعتباريين أو طبيعيين فحق الملكية حق مقدس لا يسقط بالتقادم. اما التشريعات الوضعية وان كانت لا تسقط حق التملك إلا انها تعطي حق اكتسابه بوضع اليد المدة المقررة قانونا سواء كانت طويلة أو قصيرة بشرط وجود سند مسجل.
ويشرح المستشار زيتون ان وضع اليد وهو ما يسمي قانونا حيازة قد يكون علي منقول أو عقار غير مملوك للحائز، ويجوز ان يكون علي حق عيني مثل حق الانتفاع أو الاستعمال أو السكن أو الحكر.. وهنا يمكن لهذا الحائز تملك ما يضع يده عليه اذا استمرت حيازته ٥١ سنة متصلة وهو التقادم الطويل الذي يتم دون انقطاع بعدة شروط وهي ان يكون ما وضع يده عليه قابلا للتملك وليس من اموال الدولة، وان يكون حائزا له فعلا مسيطرا عليه كأن يكون اقام عليه مبان أو زرعه طوال فترة الحيازة، وان تكون مدة الحيازة متصلة مستمرة لم يتخللها فترة أو فترات انقطاع، ثم لابد من شرط معنوي مهم وهو الحيازة بنية التملك.. وكل هذه الشروط وعناصرها وعيوبها تقدر المحكمة المدنية توافرها أو عدم توافرها، والقاضي هو صاحب الرأي فيها لا يعتمد فيه علي رأي الخبير. وهناك كسب الملكية بالتقادم القصير ويكون بالنسبة لعقار أو حق عيني عقاري وشرطها وضع اليد لمدة خمس سنوات متتالية علي ان تكون الحيازة بحسن نية وتستند إلي سبب صحيح قد يكون عقدا صادرا من غير مالك ولكنه مسجل.. وبالنسبة للمنقول فان الحيازة هي سند الملكية بشرط وضع اليد فعلا بوضوح وهدوء مع نية التملك وتوافر السبب.
ويوضح رئيس الاستئناف ان مهمة القاضي المدني في النزاع حول وضع اليد وكسب الملكية هي فحص مدي مشروعية وضع اليد وانطباق الشروط القانونية عليها ومضي المدة المقررة سواء طويلة أو قصيرة وان المالك لم يتعرض لواضع اليد طوال هذه المدة ليقطع التقادم وانه ليس هناك سبب بمنع اكتساب الملكية ومن ثم يحكم بالحق في التملك، واذا كان هناك ما يخالف ذلك حكم بإزالة الحيازة واستبعاد وضع اليد.. ويلفت النظر إلي ان الاموال المملوكة للدولة لا يجوز تملكها سواء بالتقادم الطويل أو القصير طالما كانت مخصصة للمنفعة العامة واي تصرف عليها يكون باطلا بطلانا بقوة القانون.
ولما كانت ظاهرة الاستيلاء علي اراضي الدولة بوضع اليد قد انتشرت مؤخرا كما ان هناك تصرفات بالبيع أو التخصيص تمت علي غير ما يقضي القانون من مسئولين بالدولة لاخرين فان ذلك اذا كان قد تم بالتواطؤ أو بالتجاوز عن الاسعار الحقيقية أو بخطأ ظاهر في تقديرها فانه يجوز للدولة الغاء هذا العقد، وابرام عقد جديد بالاسعار الصحيحة لان الغش لا يعطي حقا ولان ما بني علي باطل فهو باطل.
ويؤكد المستشار عبدالغني الزيات نائب رئيس مجس الدولة وعضو محكمة القضاء الاداري ان القانون الذي كان يسمح قبل عام ٧٥٩١ بتملك اموال الدولة بوضع اليد عاد فمنع ذلك نهائيا منذ ذلك العام ولذا فإن وضع اليد علي املاك الدولة العامة أو الخاصة لا يكسب الحائز لها اية ملكية أو حقوق علي هذه الاملاك مهما كانت مدة وضع يده أو استيفائه لشروط وضع اليد.
ويقول المستشار الزيات: اموال الدولة العامة هي المملوكة لها أو لاحد الاشخاص الاعتباريين العامة أو للوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات والهيئات العامة والقطاع العام أو للاوقاف وتكون مخصصة للمنفعة العامة كالشارع مثلا والمساجد والحدائق والسكة الحديد والجبانات ويكون ذلك التخصيص بموجب قانون أو قرار.
اما اموال الدولة الخاصة فهي تلك التي تملكها الدولة كالافراد وذلك كالاراضي الصحراوية والاراضي الفضاء والاراضي التي تزرعها جهات الدولة لبيع منتجاتها والورش والمباني الادارية وما يشابه ذلك وكل هذه الاملاك لا يجوز تملكها ولا التصرف فيها. ويجب ان يتم ازالة التعدي عليها فور العلم به بالطريق الاداري بمعني ان الجهة الحكومية التي تملك هذه الاموال عليها مسئولية ازالة التعدي دون اللجوء للقضاء، وانما باستخدام سلطتها مباشرة فتصدر قرارها الاداري بازالة التعدي وتم تنفيذه اجبارا بواسطة الشرطة.
ويضيف نائب رئيس مجلس الدولة: وهذا القرار الاداري هو الذي يطعن عليه واضع اليد عندما يجد انه يضر بمصلحته فيلجأ لمحاكم مجلس الدولة بدعوي انه له حق في اكتساب ملكية ما يضع عليه يده وسواء بتملكه سندا للملكية أو بحصوله علي تعاقد بالتصرف فيه أو بادعائه ان هذا العقار ليس مملوكا للدولة وليس من اموالها، أو زالت عنه صفة المصلحة العامة.. وعلي القاضي الاداري هنا فحص مشروعية وضع اليد وسند الحيازة كما يفحص قرار الجهة الادارية ثم يحكم بما يراه اما بالغاء القرار الاداري واثبات الحيازة، أو تأييد القرار الاداري وطرد واضع اليد، ومن لا يرتضي حكم المحكمة الادارية الخاصة بالقرار الذي اصدرته الحكومة يلجأ للمحكمة المدنية لتحكم في منحه الحيازة وفي اثبات ملكية الارض للدولة واستمرار منفعتها العامة.
اما المستشار محمد سكيكر رئيس الاستئناف بمحكمة جنايات الاسكندرية فيتناول الموضوع من الجهة الجنائية حيث يوضح انه اذا كانت نصوص القانون المدني تحمي اموال الدولة في المنازعات المدنية، وهي التي تكون فيها الحيازة غير مترتبة علي جريمة، فان نصوص قانون المرافعات يوجب علي النيابة العامة ان تحمي الحائز التي تنتزع حيازته بجريمة كاغتصاب صك أو كسر اقفال أو ما ماثل ذلك، وهذه النيابة اذا عرض عليها نزاع من هذا النوع تصدر قرارا وقتيا من رئيس نيابة علي الاقل بعد سماع الاقوال واجراء التحقيقات اللازمة، ويمكن التظلم من هذا القرار امام قاضي الامور الوقتية.
وكذلك فان قانون العقوبات يحمي المعتدي علي ملكيته فيعاقب كل من يتعدي علي ارض زراعية أو فضاء أو مبان مملوكة للدولة أو وحداتها المذكورة سابقا بوصفها من الاموال العامة بالحبس والغرامة، ويحكم برد العقار المغتصب بما عليه من مبان أو زراعات أو ازالة ما عليه علي نفقة المتعدي.. واذا كانت جريمة التعدي وقعت نتيجة تحايل أو بيانات غير صحيحة مع العلم بذلك شددت عقوبة الحبس وارتفعت قيمة الغرامة مع مضاعفة العقوبة اذا عاد الشخص ارتكاب نفس الجريمة.. وعاقب القانون ايضا كل من دخل ارضا زراعية أو فضاء أو مباني أو بيتا مسكونا أو معدا للسكن أو محلا ولم يخرج منه يعاقب بالحبس والغرامة.. وبذلك يكون قانون العقوبات قد وفر الحماية للاموال المملوكة للدولة وتلك المملوكة للافراد وتقع المسئولية بعد ذلك علي المسئولين عن تفعيل هذه الحماية، وعدم الاهمال حتي لا تتاح الفرصة للمتعدي بالتملك. ويري المستشار سكيكر ان التشريعات المصرية بها من النصوص ما يكفي لحماية املاك الدولة واملاك الافراد وكذلك الحيازة القانونية المكسبة للملكية وانه علي المسئولين ممارسة دورهم دون تقصير وانه لا وجه ابدا لاضافة نصوص جديدة أو ادخال تعديلات علي هذه النصوص.
ويقول المستشار منير صدقي يوسف نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الاداري ان دعاوي الاعتداء علي اراضي الدولة يحكم فيها القضاء الاداري باعتبارها منازعة ادارية تكون الدولة طرفا فيها في مواجهة الافراد، والقاضي الاداري يحكم علي اساس ما يقدم له من مستندات تؤيد مشروعية القرار الاداري أو صحة وضع اليد والحق في التملك.
وعند بحثه لمشروعية قرار الجهة الادارية بازالة التعدي اداريا وليس قضائيا فانه يبحث في السند القانوني لوضع اليد كأن يكون هناك عقد ايجار أو سند ملكية سابق لقانون عدم جواز ملكية اموال الدولة ثم يحكم حكمه سواء لصالح الافراد أو لصالح الدولة اذا كانت المناطق المتنازع عليها مخصصة للمصلحة العامة كمنافع الري علي جانبي نهرالنيل أو الترع حيث لا يجوز التعدي عليها باقامة سدود أو تحويطة. وقد يحكم القاضي بتعويض صاحب الارض الذي تمر فيها وسيلة ري ويمنع من استغلال هذه الارض كما ان هناك قيودا تقع علي ممتلكات الدولة الخاصة المخصصة للمنفعة العامة.
ويؤكد د. عصام سليم وكيل كلية حقوق الاسكندرية واستاذ القانون المدني ان الوزير المختص أو المحافظ الذي تقع في دائرة محافظته تعد علي املاك الدولة بوضع اليد عليه فورا استخدام نصوص القانون واصدار قرار ازالة وضع اليد دون ان يلجأ للقضاء لان املاك الدولة العامة لا يمكن تملكها أو كسب حقوق عليها، بالتقادم المكسب مهما طالت مدته واذا حدث ذلك فيعتبر باطلا ولا ملكية لمن وقع له هذا التصرف، ومع ذلك فيجوز تملكها بالتصرف القانوني الصحيح من جانب الدولة بالبيع أو التخصيص.
ويقول د.عصام سليم يدخل في نطاق ذلك ايضا اموال الجمعيات ذات النفع العام والنوادي الرياضية والثقافية والاجتماعية حيث اعتبرها المشرع جهات ذات حصانة، لا يجوز تملك اموالها با لتقادم عن طريق وضع اليد مهما استوفيت الشروط وطالت المدة.. اما الاملاك الخاصة التي يجوز تملكها بوضع اليد فهي تلك المملوكة للاشخاص الطبيعيين أو بعض الاشخاص المعنويين كالشركات التجارية وذلك بشرط مضي مدة التقادم ووجود الحيازة كما نص عليها القانون المدني وتوافر نية التملك.
ويري وكيل حقوق الاسكندرية ان هناك اعتبارين يجب التوفيق بينهما عند التعرض لمسألة كسب الملكية بوضع اليد والتقادم. الاعتبار الاول المحافظة علي الملكيات بوصفها حق من حقوق الدولة أو الافراد والاعتبار الاخر عدم هدم الاوضاع المستقرة بوضع اليد لان الحائز استثمر ماله ووقته ورتب حياته علي ذلك في مقابل مالك مهمل ترك ملكه دون استعمال أو اهتمام والمحافظة عليه، وقد وضعت المحكمة الدستورية العليا مبدأ مهما في حكم تاريخي بالغاء دستورية مادة قانون السجل العيني التي تحظر التملك بالتقادم خلافا لما هوثابت بالسجل لانه يخل بالحماية التي كفلها الدستور لحق الملكية .. ولذلك فهو يؤيد انه في حالة توافر الشروط الخاصة بوضع اليد علي املاك الافراد فيمكن تملكهم هذه الاملاك.
ويقول د.سليم: الاوضاع التشريعية في مصر سليمة في موضوع التملك بالتقادم المكسب ووضع اليد بوجه عام للحفاظ علي استقرار الاوضاع دون مساس بملكيات الدولة مهما طال التقادم فالقانون المصري وضع شروطا مشددة لوضع اليد.
أما الدكتور أنس جعفر أستاذ القانون ومحافظ بني سويف السابق، فيؤكد أنه نتيجة للكثرة المتزايدة للاعتداءات علي أموال الدولة الخاصة، فقد أصدرت حكومة الثورة القانون »٧٤١ لسنة ٧٥٩١«، بعدم جواز تملك أموال الدولة وأشخاصها الاعتباريين بالتقادم، وذلك أدي إلي الحد كثيرا من وضع يد الأفراد علي عقارات وأراض تمتلكها الدولة، ومنعوا من حيازتها وتملكها لأن التصرفات بذلك تصبح باطلة. وهو يطالب المسئولين الحكوميين القيام بدورهم واحكام الرقابة علي ممتلكات الدولة العامة والخاصة والاشراف عليها باستمرار لمنع فرصة الاعتداء عليها كما يقوم صاحب الملكية الخاصة بحماية ملكيته.
ويري د.أنس أن القانون الذي أعطي الوزير أو المحافظ أو المسئول حق إزالة التعدي علي أملاك الدولة التي تقع في نطاق مسئوليته إداريا، هو قانون حاسم يجب اللجوء إلي تطبيق نصوصه دون التساهل أو التسامح بحجة الشفقة وأن المعتدي واضع اليد ليس له مأوي أو مورد رزق إلا هذه الممتلكات التي وضع يده عليها منذ فترة طويلة، وهذا لا يجوز لأنه كان يجب التصدي لهذا التعدي منذ بدايته وليس التهاون حتي يصير وضعا مستقرا يتوارثه الأبناء عن آبائهم.
ويشير المحافظ السابق في هذا الخصوص إلي الأحكام التي صدرت بأحقية المواطنين في البقاء في جزيرة »قرصاية«، ومثله حكم جزيرة الدهب وعزبة خيرالله وغير ذلك. وقد تم الحكم لصالح المواطنين وليس لصالح الدولة رغم ثبوت ملكيتها الواضحة والمستندة إلي وثائق، لأن المحكمة الإدارية العليا رجحت الاعتبار الاجتماعي علي الاعتبار القانوني، وهذا من حق القاضي الإداري الذي له أن يحكم بما يجده صالحا للوطن، حتي لا تحدث هزة اجتماعية كبري تصيب بالخسائر شرائح كبيرة.. ويوضح د.أنس جعفر أن الأحكام التي أصدرها القضاء الإداري في مصر مراعيا فيها البعد الاجتماعي والذي غلبه علي الجانب القانوني لها أصل قضائي راسخ في القانون الفرنسي حين حكم مجلس الدولة في الاربعينيات من القرن الماضي في قضية »كويثيان« وهو اقطاعي فرنسي كان يملك عزبة في تونس، وأراد إخراج أهلها منها بعد انتهاء عقد ايجارهم معه، فحصل علي حكم بطردهم ورفضت الشرطة تنفيذه فلجأ للقضاء الإداري الذي أمر الشرطة بعدم التنفيذ وتعويض كويثيان الاقطاعي لان تنفيذ الحكم تشريد لآلاف الأسر، ويضر بجانب اقتصادي مهم وخسائره الاجتماعية تزيد علي فوائده القانونية، وقد استقر هذا المبدأ وترسخ في أحكام مجلس الدولة المصري.
ولذلك يجب الالتزام به وفي نفس الوقت الحرص علي أموال الدولة العامة، أما أموالها الخاصة فيمكن لها التصرف فيها، وكذلك التصرف في الأموال العامة التي انهت تماما وبصفة نهائية تخصيصها للمنفعة العامة، كمدرسة انتهت صلاحيتها مثلا لتهدم المبني أو متحف تقرر نقله أو جبانة انتهت المدة المخصصة لحفظ الرفات فيها، وانتقل الدفن إلي جبانة أخري منذ مدة طويلة مقررة قانونا.