أحكام القضاء الدستورى
كل دعوى قضائية لابد وأن تنتهى بحكم وكذلك الدعاوى الدستورية تنتهى بأن تصدر المحكمة الدستورية التى نظرتها حكما فيها وبصدور الحكم تنقضى الدعوى إلى نهايتها الطبيعية .
ودراستنا للحكم فى الدعوى الدستورية نتناول طبيعة هذا الحكم ثم أثر هذا الحكم وحجيته .
المبحث الأول
طبيعة الحكم الدستورى
تتحدد طبيعة هذه الأحكام على ضوء النصوص القانونية والنصوص الدستورية التى تعرضت لموضوع " الحكم " الصادر عن القضاء الدستورى .
وقد أشار نص المادة 178 من الدسـتور إلى هذا الموضوع بقوله " تنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية .
وينظم القانون ما يترتب على الحكم بعدم دستورية نص تشريعى من أثار .
وتعرض الباب الثالث من قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا لموضوع الأحكام والقرارات الصادرة عن تلك المحكمة وذلك فى المواد من 46 إلى 51 والتى يجرى نصها على النحو التالى :
م46 : تصدر أحكام المحكمة وقراراتها باسم الشعب .
م47 : تفصل المحكمة من تلقاء نفسها فى جميع المسائل الفرعية .
م48 : أحكام المحكمة وقراراتها نهائية وغير قابلة للطعن .
م49 : أحكام المحكمة فى الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة .
وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها فى الفقرة السابقة فى الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدورها .
ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم .
فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائى تعتبر الأحكام التى صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك كأن لم تكن ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه .
م50 : تفصل المحكمة دون غيرها في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات منها 0
وتسري علي هذه المنازعات الأحكام المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بما لا يتعارض مع طبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها0
ولا يترتب علي المنازعة وقف التنفيذ ما لم تأمر المحكمة بذلك حتى الفصل في المنازعة .
م51 : تسرى علي الأحكام و القرارات الصادرة من المحكمة فيما لم يرد به نص في هذا القانون والقواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية و التجارية بما لا يتعارض وطبيعة تلك الأحكام والقرارات .
هذا وقد نصت المادة الثالثة من قانون المحكمة الدستورية العليا فى فقرتها الثانية على أن أحكام المحكمة تصدر من هيئة مكونة من سبعة أعضاء .
هذه هى مجموعة النصوص التى تعرضت لموضوع " الحكم " الذى يصدر عن المحكمة الدستورية العليا ومن الواضح من هذه النصوص أن النظرية العامة للأحكام التى يدرسها فقط وقانون المرافعات تنطبق بالنسبة للأحكام الدستورية بما لا يتعارض مع النصوص المشار إليها والواردة فى الدستور وفى قانون المحكمة وبما لا يتعارض مع طبيعة هذه الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية وفى بحثنا لطبيعة الحكم فى الدعوى الدستورية يتعين أن نعرض لأمرين ، أولهما : أثر الحكم الصادر فى الدعوى الدستورية بالنسبة للنص المطعون عليه والصادر بشأنه الحكم ، والأمر الثانى : فهو حجية الحكم فى الدعاوى الدستورية .
المطلب الأول : أثر الحكم
أما عن أثر الحكم بالنسبة للنص الدستورى المطعون فيه فإن ذلك يحدده ما إذا كان الحكم الصادر من المحكمة الدستورية قد قضى برفض الطعن ومن ثم أقر دستورية النص المطعون عليه أم أنه على العكس حكم بعدم دستورية النص .
وإذا كان الحكم صادرا برفض الدعوى مقررا دستورية النص المطعون عليه فإن الحال يبقى على ما هو عليه ويستمر النص فى النفاذ وتطبقه على اختلافات فيما يعرض عليها من منازعات تتطلب تطبيق هذا النص .
أما إذا صدر الحكم بعدم دستورية نص تشريعى فإنه يترتب على ذلك الحكم عدم جواز تطبيق ذلك النص من اليوم التالى لنشر الحكم بعدم دستورية ذلك النشر الذى يتعين أن يقع خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من يوم النطق بالحكم .
وقد تناولت المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا هذا الموضوع بقولها " تناول القانون أثر الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة فنص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم وهو نص ورد فى بعض القوانين المقارنة واستقر الفقه والقضاء على أن مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس فى المستقبل فحسب وإنما بالنسبة إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص ، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعى الحقوق والمراكز التى تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضى أو بانقضاء مدة تقادم .
أما إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائى فإن جميع الأحكام التى صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص تعتبر كأن لم تكن حتى ولو كانت أحكاما باته .
ونشير هنا إلى أن الأحكام الصادرة عن القضاء الدستورى بعدم دستورية نص من النصوص التشريعية يأخذ أثرها صورة من ثلاث :
الصورة الأولى : هى الامتناع عن تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته دون التعرض لوجود النص نفسه وهذا هو ما كان عليه الحال عندنا قبل وجود القضاء الدستورى وهو ما عليه الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية .
الصورة الثانية : هى أن الحكم بعدم دستورية نص تشريعى يؤدى إلى إلغاء النص التشريعى نفسه أو إلغاء القانون كله إذا حكم بعدم دستوريته كله وهذا هو الحال فى إيطاليا .
الصورة الثالثة : وهى تقترب من ناحية أثرها العلمى من الصورة الثانية وهى التى أخذ بها المشرع المصرى ذلك أن الحكم بعدم دستورية نص تشريعى حسبما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا فى مصر ينتهى إلى إلغاء قوة نفاذ النص المقضى بعدم دستوريته .
والحقيقة أن إلغاء قوة نفاذ النص تعنى من الناحية العملية إلغاء النص نفسه ذلك أن النص المحكوم بعدم دستوريته سيفقد كل قيمة عملية تطبيقية مما يبرر أنه يصبح وكأنه غير موجود .
ويثير موضوع أثر الحكم فى الدعوى الدستورية قضية أخرى بالغة الأهمية والدقة هى المدى الزمنى الذى يؤثر فيه الحكم على النص التشريعى المحكوم بعدم دستوريته .
الظاهر يقول أن الحكم بعدم دستورية نص يعنى عدم جواز تطبيق ذلك النص من اليوم التالى لنشر الحكم فهل يعنى هذا أن الحكم فى الدعوى الدستورية له أثر فورى ومستقبلى ولا يحكم العلاقات القانونية التى كانت قائمة قبل صدور الحكم ؟
هذا ليس صحيحا وإنما كما جاء فى المذكرة الإيضاحية مما سبق أن أوردناه فإن النص المقضى بعدم دستوريته يطبق أيضا بالنسبة إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم إلا إذا كانت تلك العلاقات قد استقرت بحكم حاز قوة الأمر المقضى .
ونرى أن الأمر يحسمه هذا السؤال : العلاقات السابقة على الحكم هل هى محل مقاضاة أم ليست محل مقاضاة ؟
إذا لم تكن تلك العلاقات محلا للتقاضى فلا شأن للنص المقضى بعدم دستوريته بها أما إذا كانت تلك العلاقات محلا للتقاضى ويطلب من المحكمة تطبيق القانون عليها فإن المحكمة التى تفصل فى النزاع يتعين عليها أن تعمل أثر الحكم بعدم الدستورية .
وهذا يعنى أن حكم عدم الدستورية يتوجه أساسا إلى المحاكم على اختلاف درجاتها .
إذا كان هناك حكم نهائى حاز قوة الأمر المقضى صدر قبل الحكم بعدم الدستورية فإن ذلك الحكم حتى لو قد اعتمد على النص المقضى بعدم دستوريته يصبح حكما واجب الاحترام أما إذا كانت المحكمة لم تفصل بعد فى النزاع فإنها تتقيد بالحكم الدستورى الذى قضى بعدم الدستورية .
المناط هو ما إذا كانت العلاقات والمراكز القانونية قد حسمت بمقتضى حكم نهائى أم أنها مازالت مطروحة للنزاع .
وفى المجال الجنائى فإنه حتى إذا صدر حكم نهائى بات وكان ذلك الحكم قد بنى على نص حكم بعدم دستوريته فإنه فى هذه الحالة يعتبر الحكم كأن لم يكن .
المطلب الثانى : حجية الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية
ويجب أن ندرك ابتداء أن الدعاوى الدستورية هى دعاوى عينية شأنها فى ذلك شأن دعوى الإلغاء فى القضاء الإدارى – أى أنها دعوى توجه إلى نص فى قانون أو فى لائحة بغية إعدام ذلك النص وإنهاء وجوده .
والحكم الصادر فى الدعوى الدستورية يكون بأحد أمرين :
إما رفض الطعن الموجه إلى النص ومن ثم إقرار دستوريته .
وإما قبول الطعن والقضاء بعدم دستوريته .
فما هى حجية الحكم فى الحالتين وهل هناك خلاف بينهما ؟
نعرف أنه فى مجال القضاء الإدارى فإن من المقرر أن الحكم برفض دعوى إلغاء قرار إدارى هو حكم له حجة نسبية أى أنه حجة على أطرافه فقط وليس حجة على غيرهم بمعنى أن الذى لم يكن طرفا فى تلك الخصومة التى انتهت برفض دعوى إلغاء القرار الإدارى لا يوجد مانع يمنعه من رفع دعوى يطلب فيها إلغاء ذات القرار الإدارى الذى حكم برفض إلغائه فى دعوى بين أطراف آخرين ذلك على حين أن الحكم بإلغاء قرار إدارى هو حكم له حجية مطلقة بالنسبة للكافة لأنه لا يتصور أن يكون القرار منعدما وغير منعدم فى نفس الوقت إن إلغاء القرار الإدارى هو إلغاء له فى مواجهة الناس جميعا ومن هنا كان الحكم بالإلغاء ذا حجية مطلقة .
فهل يقاس الأمر فى الدعاوى الدستورية على دعاوى الإلغاء ؟ فيقال إن الحكم بدستورية نص يكون متمتعا بالحجية النسبية بين أطراف الدعوى فقط على حين أن الحكم بعدم الدستورية تكون له حجية مطلقة
هذا هو ما اتجهت إليه فى بادئ الأمر المحكمة العليا حيث فرقت بين حجية الحكم الدستورى فى حال الحكم بعدم الدستورية وحجيته فى حال رفض الدعوى وإقرار الدستورية النص المطعون بعدم دستوريته وذلك حيث قالت ... ولما كانت الدعوى دستورية دعوى عينية توجه فيها الخصومة إلى التشريع ذاته فإن مقتضى ذلك أن الحكم الذى يصدر بعدم دستورية نص تشريعى يلغى قوة نفاذ هذا النص ويغدو معدوما من الناحية القانونية ويسقط كتشريع من تشريعات الدولة ولما كان هذا الأثر لا يقبل التجزئة بطبيعته فإن حجية الحكم الصادر بعدم دستورية نص تشريعى لا يقتصر على أطراف النزاع فى الدعوى التى قضى فيها فقط وإنما ينصرف أثر هذا الحكم إلى الكافة ويكون حجة عليهم والأمر يختلف بالنسبة إلى حجية الحكم الذى يصدر من المحكمة العليا برفض الطعن بعدم دستورية نص تشريعى فهذا الحكم لا يمس التشريع الذى طعن بعدم دستوريته فيظل هذا التشريع قائما بعد صدور الحكم ولا يجوز الحكم المذكور سوى حجية نسبية بين أطراف النزاع لذلك يجوز أن يرد الطعن بعدم الدستورية على هذا التشريع القائم مرة أخرى ، واكتساب الحكم حجية على الكافة نتيجة لإنهاء قوة نفاذ النص المقضى بعدم دستوريته وأما الأحكام الصادرة برفض الطعن بعدم دستورية نص تشريعى فإنها لا تمس التشريع المطعون فيه ولا يكون لهذه الأحكام سوى حجية نسبية بين أطرافها على ما تقدم لذلك تنتفى الحكمة والعلة من التزام جميع جهات القضاء بها ومن ثم فلا يعدو نشر الأحكام الصادرة برفض الطعن فى نص تشريعى فى الجريدة الرسمية أن يكون إعلانا لمنهج المحكمة فى رقابة دستورية القوانين والتعريف بهذا القضاء والتبصير به كى يستهدف به عند إثارة الطعون بعدم الدستورية أمام جهات القضاء ولا يترتب عليه أن تكون هذه الأحكام ملزمة لجميع جهات القضاء يؤيد هذا النظر أنه من المسلم فى دعوى إلغاء القرارات الإدارية وهى دعوى عينية تهدف إلى إلغاء القرارات الإدارية وإعدام آثارها فهى مماثلة فى طبيعتها للدعوى الدستورية – أن الحجية على الكافة مقصورة على الأحكام التى تصدر فى هذه الدعوى بالإلغاء وذلك نتيجة لإعدام القرار الإدارى فى دعوى هى فى حقيقتها اختصام له فى ذاته أما الأحكام الصادرة برفض الطعن فليس لها سوى حجية نسبية بين أطراف النزاع ... ومن حيث أنه لما تقدم فإن قضاء هذه المحكمة برفض الطعن بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 وعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 ليس له حجية على الكافة ولا يحول دون الفصل فى الدعوى القائمة المرفوعة من مدعين لك يكن أيهما طرفا فى الدعوى التى قضى فيها برفض الطعن بعدم دسـتورية التشريعيين أنفى الذكر ومن ثم يكون الدفع باعتبار الخصومة منتهية غير قائم على أسـاس سليم من القانون متعينا رفضه ( 1 ) .
وهذا الذى ذهب إليه حكم المحكمة العليا فيما يتعلق بحجة الأحكام الدستورية الصادرة برفض الدعوى وكونها حجية نسبية هو مذهب محل نقد شديد .
إن كون الدعوى الدستورية هى دعوى عينية شأنها شأن دعوى الإلغاء لا يبرر مطلقا أن يعامل القرار الإدارى معاملة النص التشريعى .
إن القرار الإدارى قد يكون صحيحا بالنسبة لفرد ولا يكون صحيحا فى الوقت نفسه بالنسبة لفرد آخر ولكن للنص التشريعى العام المجرد يلحقه العيب فى ذاته إن وجد .
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن قول الحكم السالف الإشارة إليه إن نشر الأحكام الدستورية فى الجريدة الرسمية لا يعدو أن يكون إعلانا لمنهج المحكمة كما لو كانت المحكمة الدستورية تعلن عن مناهج ولا تصدر أحكاما كما لو كانت الجريدة الرسمية كتابا فى الفقه وكل هذا غير صحيح .
والحقيقة أن المحكمة الدستورية العليا اتجهت الاتجاه السليم فى موضوع الحجية التى تلحق الأحكام الدستورية واعتبرت أن هذه الأحكام جميعا ما صدر منها بعدم دستورية نص أو ما صدر برفض الدعوى وإقرار دستورية النص المطعون فيه – هذه الأحكام جميعا تعتبر حجة على الكافة وعلى كل سلطات الدولة وفى مواجهة كل درجات القضاء مما لازمه أن الحكم الصادر فى الدعوى الدستورية له حجية مطلقة فى كل الأحوال .
بل أن المحكمة الدستورية العليا قررت تلك الحجية المطلقة للأحكام الصادرة من المحكمة العليا على عكس اتجاه هذه المحكمة نفسه – حيث قررت أن الأحكام الصادرة من المحكمة العليا قبل وجود المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية لها حجية مطلقة لا نسبية وتلتزم بها جميع جهات القضاء سواء كانت هذه الأحكام قد انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه أم دستوريته ... لأن الرقابة القضائية الدستورية التى اختصت بها المحكمة العليا دون غيرها هى رقابة شاملة تمتد إلى الحكم بعدم دستورية النص فتلغى قوة نفاذه وإلى تقرير دستوريته وبالتالى سلامته من جميع العيوب وأوجه البطلان
واستمرت المحكمة الدستورية العليا فى هذا الاتجاه السليم وتكرر فى أحكامها عن حجية الأحكام الدستورية قولها " أن الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية وهى بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون فيها بعيب دستورى – تكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم فى الدعوى التى صدرت فيها وإنما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة وتلتزم بها جميع سلطات الدولة سواء كانت هذه الأحكام قد انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه أم إلى دستوريته ورفض الدعوى على هذا الأساس وذلك لعموم نصوص المادتين 175 ، 178 من الدستور والمادة 49/1 من قانون المحكمة المشار إليها ولأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين التى اختصت بها المحكمة الدستورية العليا دون غيرها هى رقابة شاملة تمتد إلى الحكم بعدم دستورية النص فتلغى قوة نفاذه وإلى تقرير دستوريته وبالتالى سلامته من جميع العيوب وأوجه البطلان ( 1 )
وهكذا أصبح من المستقر أن الأحكام فى الدعاوى الدستورية التى تعرض لموضوع الدعوى – ليس مجرد قبولها شكلا – سواء جاءت تلك الأحكام بتقرير الدستورية أو بعدمها فأنها فى كل الأحوال أحكام تتمتع بالحجية المطلقة فى مواجهة الكافة وكل سلطات الدولة وجميع جهات القضاء .
كل دعوى قضائية لابد وأن تنتهى بحكم وكذلك الدعاوى الدستورية تنتهى بأن تصدر المحكمة الدستورية التى نظرتها حكما فيها وبصدور الحكم تنقضى الدعوى إلى نهايتها الطبيعية .
ودراستنا للحكم فى الدعوى الدستورية نتناول طبيعة هذا الحكم ثم أثر هذا الحكم وحجيته .
المبحث الأول
طبيعة الحكم الدستورى
تتحدد طبيعة هذه الأحكام على ضوء النصوص القانونية والنصوص الدستورية التى تعرضت لموضوع " الحكم " الصادر عن القضاء الدستورى .
وقد أشار نص المادة 178 من الدسـتور إلى هذا الموضوع بقوله " تنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية .
وينظم القانون ما يترتب على الحكم بعدم دستورية نص تشريعى من أثار .
وتعرض الباب الثالث من قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا لموضوع الأحكام والقرارات الصادرة عن تلك المحكمة وذلك فى المواد من 46 إلى 51 والتى يجرى نصها على النحو التالى :
م46 : تصدر أحكام المحكمة وقراراتها باسم الشعب .
م47 : تفصل المحكمة من تلقاء نفسها فى جميع المسائل الفرعية .
م48 : أحكام المحكمة وقراراتها نهائية وغير قابلة للطعن .
م49 : أحكام المحكمة فى الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة .
وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها فى الفقرة السابقة فى الجريدة الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من تاريخ صدورها .
ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم .
فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائى تعتبر الأحكام التى صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك كأن لم تكن ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه .
م50 : تفصل المحكمة دون غيرها في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات منها 0
وتسري علي هذه المنازعات الأحكام المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية بما لا يتعارض مع طبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها0
ولا يترتب علي المنازعة وقف التنفيذ ما لم تأمر المحكمة بذلك حتى الفصل في المنازعة .
م51 : تسرى علي الأحكام و القرارات الصادرة من المحكمة فيما لم يرد به نص في هذا القانون والقواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية و التجارية بما لا يتعارض وطبيعة تلك الأحكام والقرارات .
هذا وقد نصت المادة الثالثة من قانون المحكمة الدستورية العليا فى فقرتها الثانية على أن أحكام المحكمة تصدر من هيئة مكونة من سبعة أعضاء .
هذه هى مجموعة النصوص التى تعرضت لموضوع " الحكم " الذى يصدر عن المحكمة الدستورية العليا ومن الواضح من هذه النصوص أن النظرية العامة للأحكام التى يدرسها فقط وقانون المرافعات تنطبق بالنسبة للأحكام الدستورية بما لا يتعارض مع النصوص المشار إليها والواردة فى الدستور وفى قانون المحكمة وبما لا يتعارض مع طبيعة هذه الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية وفى بحثنا لطبيعة الحكم فى الدعوى الدستورية يتعين أن نعرض لأمرين ، أولهما : أثر الحكم الصادر فى الدعوى الدستورية بالنسبة للنص المطعون عليه والصادر بشأنه الحكم ، والأمر الثانى : فهو حجية الحكم فى الدعاوى الدستورية .
المطلب الأول : أثر الحكم
أما عن أثر الحكم بالنسبة للنص الدستورى المطعون فيه فإن ذلك يحدده ما إذا كان الحكم الصادر من المحكمة الدستورية قد قضى برفض الطعن ومن ثم أقر دستورية النص المطعون عليه أم أنه على العكس حكم بعدم دستورية النص .
وإذا كان الحكم صادرا برفض الدعوى مقررا دستورية النص المطعون عليه فإن الحال يبقى على ما هو عليه ويستمر النص فى النفاذ وتطبقه على اختلافات فيما يعرض عليها من منازعات تتطلب تطبيق هذا النص .
أما إذا صدر الحكم بعدم دستورية نص تشريعى فإنه يترتب على ذلك الحكم عدم جواز تطبيق ذلك النص من اليوم التالى لنشر الحكم بعدم دستورية ذلك النشر الذى يتعين أن يقع خلال خمسة عشر يوما على الأكثر من يوم النطق بالحكم .
وقد تناولت المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا هذا الموضوع بقولها " تناول القانون أثر الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة فنص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم وهو نص ورد فى بعض القوانين المقارنة واستقر الفقه والقضاء على أن مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس فى المستقبل فحسب وإنما بالنسبة إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص ، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعى الحقوق والمراكز التى تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضى أو بانقضاء مدة تقادم .
أما إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائى فإن جميع الأحكام التى صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص تعتبر كأن لم تكن حتى ولو كانت أحكاما باته .
ونشير هنا إلى أن الأحكام الصادرة عن القضاء الدستورى بعدم دستورية نص من النصوص التشريعية يأخذ أثرها صورة من ثلاث :
الصورة الأولى : هى الامتناع عن تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته دون التعرض لوجود النص نفسه وهذا هو ما كان عليه الحال عندنا قبل وجود القضاء الدستورى وهو ما عليه الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية .
الصورة الثانية : هى أن الحكم بعدم دستورية نص تشريعى يؤدى إلى إلغاء النص التشريعى نفسه أو إلغاء القانون كله إذا حكم بعدم دستوريته كله وهذا هو الحال فى إيطاليا .
الصورة الثالثة : وهى تقترب من ناحية أثرها العلمى من الصورة الثانية وهى التى أخذ بها المشرع المصرى ذلك أن الحكم بعدم دستورية نص تشريعى حسبما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا فى مصر ينتهى إلى إلغاء قوة نفاذ النص المقضى بعدم دستوريته .
والحقيقة أن إلغاء قوة نفاذ النص تعنى من الناحية العملية إلغاء النص نفسه ذلك أن النص المحكوم بعدم دستوريته سيفقد كل قيمة عملية تطبيقية مما يبرر أنه يصبح وكأنه غير موجود .
ويثير موضوع أثر الحكم فى الدعوى الدستورية قضية أخرى بالغة الأهمية والدقة هى المدى الزمنى الذى يؤثر فيه الحكم على النص التشريعى المحكوم بعدم دستوريته .
الظاهر يقول أن الحكم بعدم دستورية نص يعنى عدم جواز تطبيق ذلك النص من اليوم التالى لنشر الحكم فهل يعنى هذا أن الحكم فى الدعوى الدستورية له أثر فورى ومستقبلى ولا يحكم العلاقات القانونية التى كانت قائمة قبل صدور الحكم ؟
هذا ليس صحيحا وإنما كما جاء فى المذكرة الإيضاحية مما سبق أن أوردناه فإن النص المقضى بعدم دستوريته يطبق أيضا بالنسبة إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم إلا إذا كانت تلك العلاقات قد استقرت بحكم حاز قوة الأمر المقضى .
ونرى أن الأمر يحسمه هذا السؤال : العلاقات السابقة على الحكم هل هى محل مقاضاة أم ليست محل مقاضاة ؟
إذا لم تكن تلك العلاقات محلا للتقاضى فلا شأن للنص المقضى بعدم دستوريته بها أما إذا كانت تلك العلاقات محلا للتقاضى ويطلب من المحكمة تطبيق القانون عليها فإن المحكمة التى تفصل فى النزاع يتعين عليها أن تعمل أثر الحكم بعدم الدستورية .
وهذا يعنى أن حكم عدم الدستورية يتوجه أساسا إلى المحاكم على اختلاف درجاتها .
إذا كان هناك حكم نهائى حاز قوة الأمر المقضى صدر قبل الحكم بعدم الدستورية فإن ذلك الحكم حتى لو قد اعتمد على النص المقضى بعدم دستوريته يصبح حكما واجب الاحترام أما إذا كانت المحكمة لم تفصل بعد فى النزاع فإنها تتقيد بالحكم الدستورى الذى قضى بعدم الدستورية .
المناط هو ما إذا كانت العلاقات والمراكز القانونية قد حسمت بمقتضى حكم نهائى أم أنها مازالت مطروحة للنزاع .
وفى المجال الجنائى فإنه حتى إذا صدر حكم نهائى بات وكان ذلك الحكم قد بنى على نص حكم بعدم دستوريته فإنه فى هذه الحالة يعتبر الحكم كأن لم يكن .
المطلب الثانى : حجية الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية
ويجب أن ندرك ابتداء أن الدعاوى الدستورية هى دعاوى عينية شأنها فى ذلك شأن دعوى الإلغاء فى القضاء الإدارى – أى أنها دعوى توجه إلى نص فى قانون أو فى لائحة بغية إعدام ذلك النص وإنهاء وجوده .
والحكم الصادر فى الدعوى الدستورية يكون بأحد أمرين :
إما رفض الطعن الموجه إلى النص ومن ثم إقرار دستوريته .
وإما قبول الطعن والقضاء بعدم دستوريته .
فما هى حجية الحكم فى الحالتين وهل هناك خلاف بينهما ؟
نعرف أنه فى مجال القضاء الإدارى فإن من المقرر أن الحكم برفض دعوى إلغاء قرار إدارى هو حكم له حجة نسبية أى أنه حجة على أطرافه فقط وليس حجة على غيرهم بمعنى أن الذى لم يكن طرفا فى تلك الخصومة التى انتهت برفض دعوى إلغاء القرار الإدارى لا يوجد مانع يمنعه من رفع دعوى يطلب فيها إلغاء ذات القرار الإدارى الذى حكم برفض إلغائه فى دعوى بين أطراف آخرين ذلك على حين أن الحكم بإلغاء قرار إدارى هو حكم له حجية مطلقة بالنسبة للكافة لأنه لا يتصور أن يكون القرار منعدما وغير منعدم فى نفس الوقت إن إلغاء القرار الإدارى هو إلغاء له فى مواجهة الناس جميعا ومن هنا كان الحكم بالإلغاء ذا حجية مطلقة .
فهل يقاس الأمر فى الدعاوى الدستورية على دعاوى الإلغاء ؟ فيقال إن الحكم بدستورية نص يكون متمتعا بالحجية النسبية بين أطراف الدعوى فقط على حين أن الحكم بعدم الدستورية تكون له حجية مطلقة
هذا هو ما اتجهت إليه فى بادئ الأمر المحكمة العليا حيث فرقت بين حجية الحكم الدستورى فى حال الحكم بعدم الدستورية وحجيته فى حال رفض الدعوى وإقرار الدستورية النص المطعون بعدم دستوريته وذلك حيث قالت ... ولما كانت الدعوى دستورية دعوى عينية توجه فيها الخصومة إلى التشريع ذاته فإن مقتضى ذلك أن الحكم الذى يصدر بعدم دستورية نص تشريعى يلغى قوة نفاذ هذا النص ويغدو معدوما من الناحية القانونية ويسقط كتشريع من تشريعات الدولة ولما كان هذا الأثر لا يقبل التجزئة بطبيعته فإن حجية الحكم الصادر بعدم دستورية نص تشريعى لا يقتصر على أطراف النزاع فى الدعوى التى قضى فيها فقط وإنما ينصرف أثر هذا الحكم إلى الكافة ويكون حجة عليهم والأمر يختلف بالنسبة إلى حجية الحكم الذى يصدر من المحكمة العليا برفض الطعن بعدم دستورية نص تشريعى فهذا الحكم لا يمس التشريع الذى طعن بعدم دستوريته فيظل هذا التشريع قائما بعد صدور الحكم ولا يجوز الحكم المذكور سوى حجية نسبية بين أطراف النزاع لذلك يجوز أن يرد الطعن بعدم الدستورية على هذا التشريع القائم مرة أخرى ، واكتساب الحكم حجية على الكافة نتيجة لإنهاء قوة نفاذ النص المقضى بعدم دستوريته وأما الأحكام الصادرة برفض الطعن بعدم دستورية نص تشريعى فإنها لا تمس التشريع المطعون فيه ولا يكون لهذه الأحكام سوى حجية نسبية بين أطرافها على ما تقدم لذلك تنتفى الحكمة والعلة من التزام جميع جهات القضاء بها ومن ثم فلا يعدو نشر الأحكام الصادرة برفض الطعن فى نص تشريعى فى الجريدة الرسمية أن يكون إعلانا لمنهج المحكمة فى رقابة دستورية القوانين والتعريف بهذا القضاء والتبصير به كى يستهدف به عند إثارة الطعون بعدم الدستورية أمام جهات القضاء ولا يترتب عليه أن تكون هذه الأحكام ملزمة لجميع جهات القضاء يؤيد هذا النظر أنه من المسلم فى دعوى إلغاء القرارات الإدارية وهى دعوى عينية تهدف إلى إلغاء القرارات الإدارية وإعدام آثارها فهى مماثلة فى طبيعتها للدعوى الدستورية – أن الحجية على الكافة مقصورة على الأحكام التى تصدر فى هذه الدعوى بالإلغاء وذلك نتيجة لإعدام القرار الإدارى فى دعوى هى فى حقيقتها اختصام له فى ذاته أما الأحكام الصادرة برفض الطعن فليس لها سوى حجية نسبية بين أطراف النزاع ... ومن حيث أنه لما تقدم فإن قضاء هذه المحكمة برفض الطعن بعدم دستورية القانون رقم 15 لسنة 1967 وعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1969 ليس له حجية على الكافة ولا يحول دون الفصل فى الدعوى القائمة المرفوعة من مدعين لك يكن أيهما طرفا فى الدعوى التى قضى فيها برفض الطعن بعدم دسـتورية التشريعيين أنفى الذكر ومن ثم يكون الدفع باعتبار الخصومة منتهية غير قائم على أسـاس سليم من القانون متعينا رفضه ( 1 ) .
وهذا الذى ذهب إليه حكم المحكمة العليا فيما يتعلق بحجة الأحكام الدستورية الصادرة برفض الدعوى وكونها حجية نسبية هو مذهب محل نقد شديد .
إن كون الدعوى الدستورية هى دعوى عينية شأنها شأن دعوى الإلغاء لا يبرر مطلقا أن يعامل القرار الإدارى معاملة النص التشريعى .
إن القرار الإدارى قد يكون صحيحا بالنسبة لفرد ولا يكون صحيحا فى الوقت نفسه بالنسبة لفرد آخر ولكن للنص التشريعى العام المجرد يلحقه العيب فى ذاته إن وجد .
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن قول الحكم السالف الإشارة إليه إن نشر الأحكام الدستورية فى الجريدة الرسمية لا يعدو أن يكون إعلانا لمنهج المحكمة كما لو كانت المحكمة الدستورية تعلن عن مناهج ولا تصدر أحكاما كما لو كانت الجريدة الرسمية كتابا فى الفقه وكل هذا غير صحيح .
والحقيقة أن المحكمة الدستورية العليا اتجهت الاتجاه السليم فى موضوع الحجية التى تلحق الأحكام الدستورية واعتبرت أن هذه الأحكام جميعا ما صدر منها بعدم دستورية نص أو ما صدر برفض الدعوى وإقرار دستورية النص المطعون فيه – هذه الأحكام جميعا تعتبر حجة على الكافة وعلى كل سلطات الدولة وفى مواجهة كل درجات القضاء مما لازمه أن الحكم الصادر فى الدعوى الدستورية له حجية مطلقة فى كل الأحوال .
بل أن المحكمة الدستورية العليا قررت تلك الحجية المطلقة للأحكام الصادرة من المحكمة العليا على عكس اتجاه هذه المحكمة نفسه – حيث قررت أن الأحكام الصادرة من المحكمة العليا قبل وجود المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية لها حجية مطلقة لا نسبية وتلتزم بها جميع جهات القضاء سواء كانت هذه الأحكام قد انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه أم دستوريته ... لأن الرقابة القضائية الدستورية التى اختصت بها المحكمة العليا دون غيرها هى رقابة شاملة تمتد إلى الحكم بعدم دستورية النص فتلغى قوة نفاذه وإلى تقرير دستوريته وبالتالى سلامته من جميع العيوب وأوجه البطلان
واستمرت المحكمة الدستورية العليا فى هذا الاتجاه السليم وتكرر فى أحكامها عن حجية الأحكام الدستورية قولها " أن الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية وهى بطبيعتها دعاوى عينية توجه الخصومة فيها إلى النصوص التشريعية المطعون فيها بعيب دستورى – تكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها على الخصوم فى الدعوى التى صدرت فيها وإنما ينصرف هذا الأثر إلى الكافة وتلتزم بها جميع سلطات الدولة سواء كانت هذه الأحكام قد انتهت إلى عدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه أم إلى دستوريته ورفض الدعوى على هذا الأساس وذلك لعموم نصوص المادتين 175 ، 178 من الدستور والمادة 49/1 من قانون المحكمة المشار إليها ولأن الرقابة القضائية على دستورية القوانين التى اختصت بها المحكمة الدستورية العليا دون غيرها هى رقابة شاملة تمتد إلى الحكم بعدم دستورية النص فتلغى قوة نفاذه وإلى تقرير دستوريته وبالتالى سلامته من جميع العيوب وأوجه البطلان ( 1 )
وهكذا أصبح من المستقر أن الأحكام فى الدعاوى الدستورية التى تعرض لموضوع الدعوى – ليس مجرد قبولها شكلا – سواء جاءت تلك الأحكام بتقرير الدستورية أو بعدمها فأنها فى كل الأحوال أحكام تتمتع بالحجية المطلقة فى مواجهة الكافة وكل سلطات الدولة وجميع جهات القضاء .